وبعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74].
قوله تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] تحريض على القتال في سبيل الله، والتحريض على أعمال البر ورد في جملة من الآيات والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فجاء التحريض على الصدقة في قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:11] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن استطاع أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل).
وجاء التحريض على الصلاة في قوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، وفي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:1-2]، وفي السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا إله إلا الله! من يوقظ صواحب الحجرات كي يصلين)، وقال عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرأً قام من الليل يصلي فأيقظ أهله، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل تصلي فأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) .
وجاء التحريض على الذكر في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]، وفي السنة يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (سبق المفردون، قيل: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) .
فالتحريض على أعمال البر ورد في مواطن كثيرة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أعمال البر: قتال أعداء الله من الكفار، قال تعالى محرضاً نبيه على ذلك: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84] ، وهذه الآية تحريض عام للمؤمنين.
قوله (في سبيل الله): سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (عن الرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليقال هو جريء، أي ذلك في سبيل الله يا رسول الله؟! فقال -المقالة الفاذة الجامعة-: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، فهذا هو الضابط لتحديد من هو في سبيل الله.
قال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، وسبيل الله إذا أطلق يراد به الجهاد والغزو، فقوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60]، المراد بقوله: (وفي سبيل الله): الجهاد، فلا يدخل فيه: إنشاء المساجد، فزكوات المال لا تنفق في المساجد إنما تنفق في المساجد صدقات عامة، مثل الصدقات الجارية إذا أرادها شخص، أو صدقات التطوع المطلق إذا أرادها شخص، وهذا رأي جمهور العلماء، ومن أهل العلم المتأخرين: من رأى أن قوله: (في سبيل الله) يشمل كل أبواب الخير وطرق البر، واستدل له بالمعنى اللغوي لكلمة: (سبيل الله)، ومن العلماء من أدخل فيها الحج أيضاً كفريق من الحنابلة، مستدلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل امرأة تحج على إبل الصدقة، والله تعالى أعلم.
وإطلاق ( يشرون ) بمعنى: يبيعون، له شواهد في الكتاب، قال تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20] أي: باعوه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.
وهذا تفسير كثير من أهل العلم.
فالآية الكريمة فيها تحريضٌ على القتال في سبيل الله، وشرعية ذلك تؤخذ من آيات وعمومات أُخر، ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله.
قال الله: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74] والقتال -كما علمتم- من أفضل الأعمال، قالت أم المؤمنين عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (نرى الجهاد أفضل الأعمال -يا رسول الله- أفلا نجاهد؟ قال: لكن جهاد لا قتال فيه، حجٌ مبرور) أو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
قال الله: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ [النساء:74] أي: إذا قتل الشخص في سبيل الله. وأجمع حديث ورد في فضل الشهيد، حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له عند أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويؤمن من عذاب القبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار: الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من أهل بيته) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ [النساء:74]، سواء قتلت أو قتلت الآخرين وغلبتهم، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74].
قال الله: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء:75]، فقد يكون هناك رجلٌ مستضعف، وقد يكون الرجل قوياً وثرياً، ولكنه مستضعف، قال تعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:26]، فقد يكون الرجل قوياً ثرياً ومع ذلك هو في حالة الاستضعاف، قال تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء:75] أي: لماذا تتركون هؤلاء على هذه الحال من الاستضعاف تحت سيطرة الكفرة: ينكلون بهم، ويشردونهم، ويستحيون النساء، ويسبون الأولاد، ويقتلون الرجال، ما لكم تتركونهم على هذه الحال؟!
سئل علي : يا علي ! هل اختصكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: ما اختصنا النبي صلى الله عليه وسلم بشيء إلا هذه الصحيفة، قالوا: وما في هذه الصحيفة؟ فذكر أن الصحيفة في بيان الديات، والعقل.
إذاً: السعي في فكاك الأسير وإنقاذ أهل الاستضعاف من دول الكفر مطلبٌ شرعي.
قوله تعالى: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء:75]، فالقرية وإن كانت في نفسها ذات فضيلة إلا أن أهلها يظلمون الناس ويحولون بينهم وبين شرع الله، ويحولون بينهم وبين دينهم، فتترك هذه القرية وإن كانت في نفسها لها فضيلة، فمكة أفضل البلاد على الإطلاق بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف على الحزورة فقال: (والله! إنك أحب بلاد الله إلى الله، وأحب البلاد إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت)، فالقرية وإن كانت في نفسها لها فضيلة إلا أنه لا يقام فيها شرع الله يخرج منها، وإن كانت القرية التي يخرج إليها دونها في الفضيلة لكن أهلها فيهم صلاح أو عندهم ملك لا يظلم عنده أحد جاز الذهاب إليها، ألا ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل جعفر في أصحابٍ له إلى النجاشي في الحبشة وهي أرض كفر، لكن فيها ملك لا يظلم عنده أحد، والله سبحانه أعلم.
قال الله: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [النساء:75]، و(لدنك): قال فريق من المفسرين. أي: عندك. أي: واجعل لنا من عندك ولياً، واجعل لنا من عندك نصيراً، وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [النساء:75].
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:76] في سبيل الله.
أي: لإعلاء كلمة الله، كما تقدم تفسيره من حديث رسول الله.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76]، الطاغوت: عامٌ -وقد تقدم- ويشمل كل ما عبد من دون الله، وكل من أُطيع في معصية الله تبارك وتعالى.
قال الله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76]، وكيد النساء لا يعم، فكيد النساء وتدبيرهن في الحروب وفي التجارات وفي الصناعات ليس له كبير أثر، إنما المراد كيدهن فيما يتعلق بإغواء الرجال، ومع ذلك فكيد النساء في إغواء الرجال إنما هو من وحي الشيطان، والله تعالى أعلم.
قال فريق من العلماء: إن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وفي أصحاب له مسلمين كانوا بمكة، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ونحن في جاهليةٍ كنا في عز وقوة ومنعة، فلما أسلمنا أصبحنا مستضعفين؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأذن لهم في الانتصار ممن ظلمهم، وكان الشخص إذا أسلم وضُرب يصبر على الضرب، ونهي أن يحمل السيف ويذهب للقتال في بداية الأمر، كما قال الله تعالى: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77]، فلما رأوا هذه الحال: قالوا: يا رسول الله! كنا أعزةٍ ونحن في شرك فلما أسلمنا أصبحنا أذلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أمرت بالكف)، أو معنى هذا، فلما نزل الأمر بالقتال، تخلف كثيرٌ منهم عنه، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77] أي: اقتصروا الآن على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [النساء:77] أي: هلا أخرتنا حتى نموت بآجالنا بدون قتل، هذا معنى قولهم، وفيه: أن الإنسان لا يأمن على نفسه إذا سأل ربه مزيداً من التكاليف ألا يقوم بها، وقد تقدم هذا في الدرس السابق، فالإنسان يكون مقتصداً عاملاً بما أمره به رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإنه لا يأمن على نفسه ألا يقوم بالتكاليف التي أمره الله سبحانه وتعالى بها.
وهنا (ألم) همزة استفهام للتعجب، ويدخل فيه التأنيب كذلك: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77]، يعني: اتركوا القتال، واقتصروا على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وذلك لما كانوا في مكة، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ [النساء:77]، والقتال كان في المرحلة الثانية بعد الأمر بالكف، وكان إذناً بالقتال وليس أمراً عاماً، قال الله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، أي: أذن لهم بالانتصار وبقتال من قاتلهم، وبعد ذلك جاءت آية السيف في سورة براءة: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة:36].
قال الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء:77]، ذكرنا أن سبب نزولها عبد الرحمن بن عوف ، والإسناد ثابت في الصحيح، ولكن هذا لا يخدش في فضل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فالصحابي وإن صدرت منه زلة، فهذه الزلة تغمر في فضائله رضي الله تعالى عنه، فـعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من العشرة المبشرين بالجنة، ولما سبه خالد بن الوليد لما كان بينهم مشادة، وخالد هو خالد ، وقتاله في سبيل الله لا يخفى، وشجاعته لا تكاد توصف؛ ومع ذلك لما نال شيئاً من عبد الرحمن بن عوف دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، والكلام موجهٌ إلى خالد بن الوليد ، وهو متأخر الإسلام عن عبد الرحمن بن عوف ، والله يقول: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا [الحديد:10]، وخالد أسلم قبيل الفتح، لكن عبد الرحمن متقدم الإسلام، فإذا كان خالد لو أنفق مثل أحد ذهباً لا يبلغ مد عبد الرحمن ولا نصيفه، فما بالنا نحن الذين جئنا من بعدهم بقرونٍ طويلة!!
فـعبد الرحمن له من الفضائل ما لا يحصيه إلا الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (و
واستفاد العلماء من سبب النزول هذا: أن الشخص المسلم الصالح إذا صدرت منه زلة لا يؤاخذ بها، ولا بد من تقييم محاسنه بجوار زلته تلك، وليس كل من أخطأ خطأً أو اقترف إثماً يغطي هذا الخطأ وهذا الإثم سائر أعماله الصالحة، وقد تقدم أن أمير المؤمنين عثمان فر يوم أحد، ولكن قال الله فيه ومن معه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران:155].
فالمحسن إذا زل وأساء، فرب العزة حكمٌ عدل، لا تطيش الإساءة عنده بكل الحسنات، بل الحسنات في أكثر الأحوال هي التي تطيش بالسيئات، كما ورد ذلك صريحاً في حديث البطاقة الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77]، ولا يقال: إن الآخرة خيرٌ على الإطلاق، بل الآخرة خيرٌ لمن اتقى!
وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:77]، أي: لا تظلمون قدر الفتيل، وهو: الخيط الرفيع الذي بين فلقتي النواة.
قال الله: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78]، هذه الآية كقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، وكقوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم لـفاطمة : (إنه قد نزل بأبيك -يا بنيّة- ما الله بتارك منه أحداً)، وكما قال القائل:
الموت كأسٌ وكل الناس شاربه والقبر باب وكل الناس داخله.
ولا يخفى عليك أخي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التطير، فقال: (لا طيرة، ويعجبني الفأل)، وهذا من أنواع التطير، ومن أنواعه كذلك: أن الرجل يمسك بالطائر ويرميه إلى السماء، فإن طار ذات اليمين ذهب إلى المكان الذي يريد، وإن طار ذات الشمال ترك السفر، والله أعلم.
قال الله: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]، الحسنات والسيئات كلها مقدرة، فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]، هذه الآية تفيد أن القدرية نفاة القدر أغبياء؛ لأن الله قال في شأن أمثالهم: فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78].
في الحقيقة أن كل شيءٍ بقدر، قال سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، فلماذا نسبت السيئة إلى النفس في قوله تعالى: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]؟
هذا معناه: أي أنت المتسبب فيها، وإن كانت هي في الأصل من عند الله، فنسبت إلى نفس الشخص تأدباً مع الله تبارك وتعالى، فمن الأدب مع الله عدم نسبة الشر إليه وإن كان كل شيء مقدراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك)، قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ [الشعراء:78-79]، فلما أتى عند المرض لم يقل: (الذي هو يمرضني ويشفين)! بل نسب المرض إلى نفسه، فقال: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]، مع أنه سار على وتيرة واحدة: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ [الشعراء:78-80] -فنسب المرض إلى نفسه- فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]، وإن كان المرض كله مقدراً لقوله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22-23]، فكل شيء مقدر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)، فالتأدب في الألفاظ مع الله سبحانه وتعالى مستحب ومشروع، ومن الأدب أن يقول القائل: يا مدبر أمر السماوات والأرض! ولا يقول: يا مدبر أمر الخنافس والصراصير! مع أن الله مدبر أمر كل شيء، فكل الأشياء الله هو الذي يدبر أمرها، فمن باب التأدب إلى الله أن تنسب الخير إليه لفظاً، ولا تنسب الشر إليه لفظاً، وإن كان الكل من عند الله تبارك وتعالى حقيقة.
قال الله: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79] أي: أنت المتسبب فيها، وهي كقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وكقوله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123]، إلى غير ذلك.
وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا [النساء:79] عليه الصلاة والسلام، فهذه مهمتك -يا محمد- أرسلناك للناس رسولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:79].
فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ [النساء:81]، أصل البروز: الخروج والظهور. أبرز فلان شيئاً، أي: أظهره، خرج فلان إلى البراز. يعني: مكان الفضاء، فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ [النساء:81] أي: خرجوا من عندك بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ [النساء:81] التبييت هو: التدبير بالليل، ومنه قول القائل: هذا أمرٌ بيِّت بليل، يعني: دبر بليل، ومنه قوله تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:97]، قال الله: فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ [النساء:81] أي: يكتب ما يدبرونه في الليل وما يتآمرون به.
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [النساء:81]، هذا المعنى يستفاد منه: أن الشخص لا يشغل نفسه كثيراً بتدبيرات الأعداء التي لا طاقة له بها، ولا حيلة له معها، فشخصٌ قد ينام طوال الليل خائفاً من شيء لا يستطيع دفعه، وما قضاه الله لا بد أن يكون، فإذا كان الأمر كهذه الحالة فعليه أن يعرض عنهم وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء:81] ومع إعراضك عنهم توكل على الله.
فمثلاً: إذا كنت تخشى طوال الليل المباحث أن يأتوك، أو تخشى اليهود، أو أي شيء تخشى منه، فعليك أن تجتهد وتعمل ما في وسعك، لكن إذا كنت تخشى شيئاً خارجاً عن طاقتك، فحينئذٍ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:81]، ومع إعراضك عنهم تتوكل على الله، وإن كانت هناك أسباب فاعمل بها، مع قولك: حسبنا الله ونعم الوكيل، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم لما ألقي في النار -فلم تضره وكانت عليه برداً وسلاماً- وقالها أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام لما قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174].
قال الله: وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ [النساء:81]، ومع الكتابة فقد يؤاخذ بها في الدنيا، وقد تؤجل له العقوبة إلى الآخرة، قال الله تبارك وتعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:26] ماذا كانت عاقبتهم؟- فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ [النحل:26]، فتخيل قوماً جالسين في بيت: يمكرون ويخططون ويدبرون ثم أتى الله البنيان من قواعده واجتثت الأعمدة من أصلها، فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:26]، وليس القواعد فقط، بل استؤصلت من الأصل والسقف خر عليهم وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:26] أي: دخل عليهم العذاب من كل مكان ومن كل طريق، وكانوا لا يتوقعون ذلك.
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ [النحل:27] يخزيهم يوم القيامة فوق هذا العذاب، فيكون الرجل يتآمر لحرب المسلمين، ويتآمر لتدمير الإسلام، ويخطط ويمكر ويسعى ويفعل ويفعل، ثم الله سبحانه وتعالى يأتي بنيانه ويجتثه من أساسه.
فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:26]، فإن كان جهدك جهد المقل، وحالك حال الضعيف، فلك ربٌ لا يغفل ولا ينام، وهو للظالمين بالمرصاد، قال الله تبارك وتعالى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:81].
الآيات الآمرة بتدبر الكتاب العزيز كثيرة منها: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].. كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29].. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ [النساء:83] كان عمر من أولي الأمر، أي: من أهل العلم، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:83].
فالآية أصلٌ في أخذ الأخبار من مصادرها الأصلية؛ فإن الخبر إذا انتقل من شخص إلى شخص يكاد يتغير وقد يدخل فيه ما ليس منه، أما إذا أخذت الخبر من مصدره الأصلي الحقيقي، قلَّت الأخطاء، وحظيت بالنقل الصحيح، وأكثر من كانوا يغيرون الأحاديث أهل العراق كما يقول القائل: يخرج الحديث من عندنا من المدينة شبراً فيصل إلى العراق ويرجع إلينا ذراعاً، فقد كانوا يبدلون في أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام.
إذاً: هذه الآية أصل في أخذ الأخبار من مصادرها الأصلية، يقول الله: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ [النساء:83]، إذا جاءك أمر مفرح أو أمر مخيف مزعج فاحرص على أن تأخذه من أصله الصحيح، وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، وهذه الآية أصلٌ في استنباط الأحكام.
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:83]، فالله هو الحفيظ وهو الحافظ لكم، ولولا فضل الله عليكم لاتبعتم الشيطان.
الجواب: شكر الله سعيه، والله سينصره، لأنه متبع لشرع الله، ولكن.. يرسل إليهم بعض أهل الصلاح لعلهم يذعنون، وليكن أمله في الله كبير، فالرسول عليه الصلاة والسلام لما كسرت الربيع أخت أنس بن النضر ثنية امرأة -والثنية هي الأسنان المقدمة- الربيع بحجر، فقضي عليها أن تكسر ثنيتها؛ لأن الله قال: وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ [المائدة:45] فتكسر ثنيتها كما كسرت ثنية المرأة، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول الله! أتكسر ثنية الربيع ؟ لا والله يا رسول الله! ولم يكن قوله رداً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما أبى أن تكسر ثنية أخته، فقال: والله! لا تكسر ثنية الربيع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـأنس : (يا
فالشاهد: أن هذا الرجل يعتصم بالله ويسأله التوفيق، والله قادرٌ على تطييب قلوبهم، وليرسل إليهم طائفة من أهل الصلاح يذكرونهم بالله، والله أعلم.
الجواب: الظاهر -والله أعلم- أن المواسم إذا فات وقتها يجوز أن تقضى ولو في وقتٍ لاحق؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما فاتته سنة الظهر صلاها بعد العصر، وذلك عندما شغله وفد عبد القيس، وقد قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها)، فإذا فاتته الصلاة في وقت معين، فليستدركها في وقت آخر.
الجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرنا ألا نكف ثوباً ولا شعراً في الصلاة).
الجواب: ليس على السيارة المملوكة زكاة، زاد ثمنها على النصاب أو لم يزد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس على المرء في عبده ولا في فرسه صدقة).
أما زكاة عروض التجارة، فالجمهور على أن فيها زكاة، فالسيارات المعدة للتجارة تجب فيها الزكاة، والسائل لم يسأل عنها.
الجواب: النذر أحياناً تكون له كفارة، وأحياناً لا تكون له كفارة، وبعض أنواع النذور اختلف فيها العلماء، فإذا كان النذر نذر طاعة، مثلاً: نذرت أن أصوم شهراً أو يومين أو أكثر أو أقل أو أتصدق، فالله سبحانه وتعالى أثنى على الموفين بالنذور، فقال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7]، لكن ما هو النذر الذي له كفارة؟
يقول طائفة من العلماء: إن النذر الذي له كفارة هو: النذر الذي خرج مخرج اليمين، كأن تقول مثلاً: والله! لله عليّ أن أذهب إلى القاهرة لفعل كذا وكذا، ثم لم تذهب، فتنزل النذر منزلة اليمين، وتكفر كفارة يمين.
لكن نذر المعصية هل كفارته كفارة يمين أو لا؟
ورد حديث: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين)، فمن العلماء من قالوا: كفارة نذر المعصية كفارة اليمين، ومنهم من لم يقل بكفارة فيه، لقصة أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم ولا يفطر، ويصمت ولا يتكلم، ويقوم في الشمس ولا يستظل ولا يقعد، فقال عليه الصلاة والسلام: (مروه فليستظل، وليجلس، وليتكلم، وليتم صومه)، ولم يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بالكفارة، والاحتياط أن يكفر عنه كفارة يمين.
الجواب: نذكره بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم)، والسنة في قراءة صلاة الفجر الإطالة؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر من الستين إلى المائة، لكن إذا كان هناك عارض ككون عموم المصلين مرهقين، أو كان عموم المصلين مسافرين أو غير ذلك، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم) أي: ينزل إلى أضعف الناس، ويأخذ بحاله رفقاً به، وإلا فالسنة الإطالة في الفجر، لكن مع النظر في أحوال المصلين وقدراتهم.
وإذا تعبت من الإطالة -أيها السائل- فاجلس، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صل قائماً، فإن لم تستطع فصل جالساً فإن لم تستطع فعلى جنب)، فلأن تصلي وأنت جالس خير من أن تحدث مشكلة في المسجد، وانصح الإمام وقل له: أنا لا أتحمل القيام فخفف قليلاً، واطرح عليه المشكلة، فإن عمل بها الإمام عمل بها، وإن لم يعمل بها الإمام لرؤية رآها فصل جالساً إذا تعبت.
الجواب: الرواية بهذا السياق ضعيفة الإسناد، لكن معناها ثابت؛ لأن المؤمنين قالوا: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله: قد فعلت، ولأن الله قال: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، فالحديث وإن كان لفظه لا يثبت، إلا أن معناه ثابت صحيح، ومن العلماء من خالف في ذلك مستدلاً بقوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92] قال: هنا الخطأ لم يضعه الله سبحانه وتعالى عن القاتل، بل ألزم قاتل الخطأ بكفارة، أجيب عن ذلك: بأن هذا في القضاء الدنيوي، لكن فيما بينه وبين الله لا شيء عليه، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر