الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا مودة ورحمة، الحمد لله الذي أنعم علينا بإباحة النكاح ليكون ذلك وسيلة مهمة جداً لبناء المجتمع المسلم الذي يتكون من الأسر المسلمة؛ ولذلك كان الحديث عن مشكلات الأسر المسلمة وإلقاء الضوء الشرعي على تكوينها وتركيبها وحل مشكلاتها ومعضلاتها من لوازم الأمور.
أيها الأخوة: يأتي الكلام على هذا الموضوع، في هذه المرحلة الحساسة وهذا الوقت العصيب، وأقول: إن الصحيح أن تحل المشكلات فوراً، مادمنا نعيش هذا الخطر، ومادمنا نعيش هذه الأيام التي لا ندري ما يكون وراءها وماذا ستلد والأيام حبالى؟ ولا أقول تناسي المشكلات، وإنما أقول: حل المشكلات؛ لأن بعض الناس قد يتناسون خلافاتهم أيام الخطر، فإذا زالت أيام الخطر، رجعوا إلى ما كانوا فيه، ولذلك نقول: حل الإشكالات وفض النزاعات حتى نستطيع أن نواجه الخطر بخلايا محكمة من الأسر المسلمة، وأن يكون هناك علاقة مودة ووئام وتراحم بين الزوج والزوجة.
أيها الأخوة: لقد هالني ما سمعته ووصل إلي شفوياً وتحريرياً من المشكلات الكثيرة من العدد الكبير الهائل من المشكلات التي تعاني منها الأسر والبيوت المسلمة في المجتمع، والحقيقة أنني كنت أفاجأ بين فترة وأخرى بكثرة هذه النزاعات والمشكلات، وهذا مما اطلعت عليه يمثل جزءاً قليلاً من الحجم الحقيقي الموجود في المجتمع، ولذلك فإن أهمية هذا الكلام تكون عالية؛ نظراً لكثرة المشكلات وشيوعها، حتى أنه لا يكاد يسلم بيت منها، وأنتم ترون جدراناً ونوافذ ولا تدرون ماذا وراءها! ولكن كثيراً ما يكون وراء هذه الحيطان وتلك الجدران مشكلات عويصة، وأمور خطيرة، لا يعلمها إلا الله عز وجل.
أيها الأخوة: لن نتكلم في هذا الدرس عن حقوق الرجل على المرأة في الإسلام، أو حقوق المرأة على الرجل في الإسلام، فهذا له موطن آخر، والكلام على قضية النفقة والكسوة والسكن والطاعة إلى آخره له مكان آخر، لكن نريد أن نلقي الضوء على بعض المشكلات التي تحصل، وأقول: إن الكلام سيكون عن أكثر من جانب، فالعلاقة والتعامل من أكثر القضايا الشرعية والأحكام الدينية المتعلقة بالرجل وزوجته، ولن نتكلم عن مشكلة الطلاق وأسبابها وعلاجها، ولن نتكلم عن تعدد الزوجات والعدل بينهن، فإن ذلك سيكون له مجال آخر وإن كنت أعدكم بأنني سأتكلم عن القضيتين الأخيرتين، الطلاق وتعدد الزوجات في مناسبات قادمة إن شاء الله تعالى.
أيها الأخوة: إن من أهم الطرق لحل المشكلات والخلافات الزوجية: النظرة الواقعية للأمور، فبعض الخطباء والوعاظ والمتحدثين إذا تكلموا عن هذه الأمور، أعطوا نظرة مثالية جداً لما ينبغي أن تكون عليه الأمور، وقالوا للزوج: يجب أن تكون كذا وكذا، وللزوجة: يجب أن تكوني في الصفات الآتية، كيت وكيت، حتى أنه يندر أو يكاد ينعدم وجود هذه الصفات في أي زوج أو زوجة.
مسألة عدم وجود مشكلات زوجية على الإطلاق هذه قضية شبه مستحيلة، لا يكاد يوجد بيت إلا وفيه مشكلات، ولذلك الكلام عن بيت مثالي لا توجد فيه أي مشكلة بعد نوعاً من المستحيل تقريباً، ولذلك فإننا لا بد أن ننظر إلى الأمور بواقعية، ونحن نعلم من واقعية الأمور أن المشاكل لا بد أن تحدث.
ولكن القضية ليست الكثرة والقلة في هذه المشكلة؟ ولا بد أن نستعد نفسياً لمواجهة المشكلات.
الأمر الأول: إن مبنى المشكلات والزوجية في كثير من الأحوال على الظلم، والظلم يتأتى من الرجل أكثر من المرأة، نظراً لأنه الجانب الأقوى.
ثانياً: أن الشكاية من النساء كثيرة -هذا الشيء مقابل تماماً للمسألة السابقة- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح في التعليل لسوء حال كثير من النساء: (تكثرن الشكايا).
ثالثاً: أن المرأة ضعيفة، فهي تشتكي، والرجل قد يكون عنده من المشكلات شيء كثير جداً، لكنه يحجم عن الشكوى؛ لأن الشكوى بالنسبة له عبارة عن نقطة ضعف، وهو لا يريد أن يظهر بمظهر الضعف، ولا يريد أن يقول للشيخ أو للواعظ أو للمحدث أو للصديق: إنني أعاني من مشكلات لا أستطيع حلها، وإنني ضعيف أمام زوجتي ونحو ذلك، ولذلك يحجم كثير من الرجال عن الشكوى بينما تكثر من النساء.
وأقول كذلك أيها الأخوة: إن الشرع يأمر الجميع بالإحسان، يأمر الرجل بالإحسان ويأمر الزوجة بالإحسان، ولكن حق الرجل على زوجته أكبر؛ من ناحية أن الشرع ندبها إلى إرضائه أكثر، وتجد الآيات والأحاديث في تبيان حق الزوج أكثر؛ لأنه هو القوام وهو الذي يقود السفينة، ولذلك يحتاج إلى طاعة ويحتاج إلى إعانة ومساعدة، ولكن في نفس الوقت لم يهمل الإسلام المرأة ولا حقها، وجاءت النصوص المتكاثرة بحقوق المرأة على زوجها.
ومن الأسباب التي تتحصل بسببها المشكلات الزوجية -بالإضافة للظلم- قضية العناد الذي يكون مترسباً في نفس الزوجة والزوج عند التعامل، بل إن صغر العقل -إن صحت التسمية- أو تعامل الأطفال -إن صحت العبارة كذلك- هو سبب مباشر لأخطاء التعاملات الزوجية كما ظهر لي.
وكذلك مسألة أن كل واحد منهما يريد إثبات شخصيته، وإزاحة الشخص الآخر عن موقع التأثير نهائياً، وإثبات الكيان وإثبات الموقف هو من الأسباب الرئيسية للمشكلات الزوجية.
وكذلك فإن الحساسية المفرطة عند المرأة -وهي مسألة مقابلة لظلم الرجل تقريباً- الحساسية المفرطة عند المرأة من أكبر أسباب المشكلات الزوجية كذلك.
ومن الأمور أيضاً: أن الواقع الحاضر في مسألة تعليم المرأة وعملها ووظيفتها، جعل هناك تفريطاً كبيراً في جانب النساء تجاه حقوق الأزواج، جعل الأمور تسير وكأنها طبيعية في قلة، أو تدني مستوى خدمة الزوجة للزوج، وكأن تقول له: هذه الحياة وماذا نفعل؟ لا بد أن نذهب إلى المدرسة، ولا بد أن نذهب إلى الكلية، ولا بد أن نذهب إلى الوظيفة، وأنت عليك أن تتحمل! وكأن هذا صار شيئاً واقعاً مفروضاً، مع أن الخلل قد يكون في أساس هذه المسائل.
وسيكون الحديث عن المشكلات -أيها الأخوة- على شقين: عندنا مشكلة تبدأ من الزوج أو الزوجة -والعياذ بالله- الكافرين المرتدين عن دين الله، وتنتهي بالمشكلات الطفيفة الموجودة في بعض البيوت، ولعل الكلام عن المشكلات المتعلقة بالزوج المرتد أو المرأة الكافرة، الأمر فيها يكون أوضح؛ لأن الحل في كثير من الأحيان قد يكون حلاً تغييرياً شاملاً، تغير الطرف الآخر وتنتهي القضية، ولا يمكن الاستمرار على تلك الحالة، ولكن الكلام الأكثر تعقيداً من جهة الحل وليس من جهة صعوبة الحالة هو في المشكلات التي تكون بين الأزواج الزوجات المسلمين، ولا بد أن نشير كثيراً إلى قضايا تتعلق بمشاكل الدعاة مع زوجاتهم، والمستقيمين مع زوجاتهم، إذ أن القضية تفاقمت كثيراً في الآونة الأخيرة حتى أن نسبة الطلاق ازدادت حتى بين كثير ممن يطلق عليهن ملتزمين وملتزمات.
ونبدأ الكلام بذكر بعض الحالات من المشكلات الموجودة في البيوت ذات الطرف المرتد أو الكافر.
أيها الإخوة: عندنا مشكلات مستعصية جداً وحالات سيئة جداً، موجودة في المجتمع، تتمثل في أزواج وزوجات مجانبين لشريعة الله تماماً، وفي غاية الانحراف، وهاكم بعض الأمثلة الواقعية وأصارحكم بأني قد قضيت في تحضير هذا الدرس شهوراً عديدة، حتى توصلت إلى جمع كثيرٍ من النقاط المتعلقة بحال الأسر الآن من الواقع ومن الأخبار، ومن الأسئلة التي تأتي بعد الدروس في المساجد، حتى أن البعض سيظن من الكلام أنني أتكلم عن مشكلته هو شخصياً، أو عن مشكلة زوجته شخصياً مع أن الكلام أعم من ذلك؛ لأن الحالات تتكرر وتتشابه، فقد يظن البعض عند السماع أن هذا الكلام هو مسألته شخصياً فلان بن فلان الفلاني، وليس الأمر كذلك، فإن المسألة أعم وإن الحالات تتشابه والأمور متكاثرة، وإن الطيور على أشكالها تقع.
عندنا زوجات مكتويات بنار أزواج مرتدين عن دين الله، وقد يكون الزوج علمانياً، أو حداثياً، أو على أي ملة من ملل الكفر ومرتداً عن دين الله، تتمثل ردته عن دين الله باستهزائه بالدين وبالشرع وبالسنن المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، أو ترك أمور تخرج من الإسلام بالكلية كترك الصلاة نهائياً.
ماذا يكون حال امرأة زوجها يرفض الصلاة ولا يصوم ويريد أن يأتي زوجته في نهار رمضان في دبرها، وهو مع ذلك يهينها وإذا دعته للإسلام والشريعة قال: ما لك دخل ربي يحاسبني! وهو يطلقها في كل حين، وهي تظن أنها الآن تعيش معه بالحرام، ليس فقط من جهة حكمه الشرعي بأن الله يقول: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] ولكن من جهة هذه الطلقات الكثيرة المتتابعة؟
ما هي حال امرأة تحت رجل إذا صلت أمامه ورفعت كفيها تدعو قال: أنتِ شحاذة، ما أنتِ إلا شحاذة، تشحذين من ربك، فيستهزئ بها في صلاتها، ودعائها؟
ما حال زوجةٍ تحت رجل لا يصلي ولا يصوم ويسكر، ويضربها ضرباً شديداً مما أدى إلى إسقاط جنينها؟
ما حال امرأة تحت رجل يدخل البيت مخموراً، ويضرب أولاده، وطلقها مرات كثيرةٍ جداً وهو يسب الدين ويلعن الرب ويحرم زوجته من المصروف يقول لها: اذهبي واشتكي؟
ما حال امرأة قد لعب عليها رجل باطني من ملة منحرفة عن دين الإسلام، فضحك عليها، وعقد عليها وتزوج بها وعندما رأى أن عندها بعض الأحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مزقها وألقاها في القمامة ولما سألته قال: هذا كذاب هذا خبيث، هذا منافق وهكذا؟
ما حال امرأة إذا تحجبت قال لها زوجها: أنت مثل القرد، وأهله قد يمالئونه على الإثم والعدوان، يقول لزوجته: أنت عجوز، أنت قبيحة، أنت كبرت استهزاءً بالحجاب؟
ما حال زوجة قد أمهلها زوجها ثلاثة أيام لتكشف وجهها أمام إخوانه وإلا فإنه سيطلقها إذا رفضت، وهو لا يدخل بيته ولا ينام معها حتى تنتهي المهلة وسنتدرج معكم من الزوج الكافر المرتد إلى الزوج العاصي الفاسق الفاجر وهكذا.
ماذا يكون حال هذا النوع الذي ذكرناه قبل هذا المثال الأخير، الزوج المرتد، الزوج الكافر؟ وفي المقابل يوجد زوجات كافرات، ربما تسب الدين وتستهزئ بأهل الدين، وهي تاركة للصلاة بالكلية، وربما أنها متمردة على شرع الله، وتقول: الحجاب لا أعترف به، وهذه تعقيدات، الأوامر التي تقولون عنها في القرآن والسنة لا تناسب العصر، وتنادي بتحرير المرأة ونحو ذلك، ما هو حال مثل هذا الوضع الموجود؟
فإذاً الحل: أن العقد باطل ويجب التفريق بينهما، وأن المرأة ترجع إلى أهلها، إذا كان زوجها على الحال التي ذكرناها، وأن المرأة إذا كانت كافرة وزوجها مسلم فإن العقد باطل، وهو ينفصل عنها، ولا تجوز العشرة بينهما، وإذا استمر على العشرة معها، أو استمرت على العشرة معه إذا كان كافراً أو كانت كافرة، فإن الحال هو زنا وفاحشة -والعياذ بالله.
إن هناك كثيراً من المشكلات المستعصية من هذا النوع، هذا نتيجة انحراف المجتمع عن شرع الله، ونتيجة شيوع التيارات الإلحادية الكافرة في المجتمع؛ نتيجة تخلف الدعوة وتخلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخلف التزام الناس بشعائر الدين، هذه واحدة من الآثار السيئة التي نعاني منها في المجتمع نتيجة الانحراف عن شرع الله عز وجل، إذاً المسئولية لا تتحملها المرأة فقط، يتحملها المجتمع كله بسبب حصول هذا التقصير، وإلا لو كانت الشريعة مطبقة تماماً لكانت هذه الحالات نادرة جداً.
ولكن مادامت تسمع يميناً وشمالاً ودائماً فمعناها أن هذه الانحرافات موجودة متكاثرة، وتعني بأن الحال لا زال من السوء بحيث يفرض علينا الإسلام أن نتحرك لمواجهة هذه الانحرافات، حتى يعود الناس إلى دين الله، وعند ذلك لا يكون هناك من الحلول إلا أن تجتنب إذا تعذر عليها الخروج من البيت، أن تجتنب الزوج وأن لا تكشف عليه، وأن تبتعد عنه، ولا تجعله يقترب منها؛ لأنه كافر وهي مكرهة، ثم أنه لو اضطرها للجماع وهو كافر بالقوة فهي مكرهة والإثم عليه، علماً بأنه يجب عليها أن تسعى بكل طريق من المحكمة إلى أي إنسان آخر، أو مصدر من مصادر القوة والسلطة من الابتعاد عن هذا الرجل الكافر، فلا خير مطلقاً في البقاء عنده، ولو كانت أخلاقه عسلاً مصفى.
أو أنه يبلغ به السوء من أول ليلة الزفاف أن يضربها ويعطيها حبوباً مخدرة وأن يربطها ويأتيها بالقوة في المكان الذي حرمه الله عز وجل في الوقت الذي حرمه الله عز وجل مثلاً: في زمن الحيض.
فإذاً هناك نوعية أخرى من المشكلات، وبلغ من فجور بعضهم أنه ربما قطع الكتب الإسلامية لزوجته وأتلف الأشرطة التي عندها، ومنعها من طلب العلم، وماذا نفعل في زوجٍ فاسق؟
قد يكون مصلياً مسلماً، لكنه يشرب الخمر، وهي تأمره وتنهاه وهو يضربها، وهي تدفعه بقوة للصلاة فرضاً وراء فرض، حتى صارت الحياة مملة؛ لأنها سئمت هذا الرجل المتقاعس عن الصلاة الذي يصلي مرة ويترك مرة، وقد أخذ مصاغها ونقودها وهو يبقى ثلاثة أيام جنباً لا يغتسل؟
ما نفعل في زوج آخر قد يستهزئ من التزام زوجته بالدين، أي في بعض الشعائر واعتبر ذلك تزمتاً وتنطعاً؟
وقد يصلي ويفعل أشياء من الإسلام، لكن عنده هذه النظرة القاتمة النقدية إلى شيء من أمور الدين التي لا يمكن أن يتنازل عنها الشخص المسلم المتمسك بالسنة؟
هذه امرأة تقول: إذا دخلت السوق وقلت ذكر السوق وهو: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير... إلى آخره، قال: بعدين يكفي، خلاص باسم الله يكفي، أنت تريدين إلقاء خطبة.. لماذا؟
لأنه حتى ذكر السوق لا يريد من زوجته أن تتلفظ به، أو أنه يريد أن يرغمها بالقوة على أن ما تفعله من العبادة رياء ونفاق، وهذه مسألة موجودة.
رجل آخر بلغ من فجوره أنه إذا رأى زوجته تتسنن وتصلي وتقوم الليل، وتقرأ القرآن وتدعو ربها، قال: هذا نفاق ورياء، وأنتِ تظنين نفسك مأجورة على هذا، كلا. أنتِ لا تريدين وجه الله، وأنت تفعلين ذلك أمام الضيوف، وأنت وأنتِ، حتى بدأت المسكينة -فعلاً- تشك في نفسها أنها منافقة، وأنها مرائية من جراء هذه الألفاظ وهذه الحيل التي يأتي بها.
مسألة تكاسل بعض الأزواج عن صلاة الفجر نوع من الفسوق؛ حتى أنهم لا يصلون الفجر إلا بعد طلوع الشمس، ومنع النساء من حِلق الذكر ومن القراءة والاطلاع في المسائل الشرعية، إذاً هذه حالة أخرى من الفجور أدنى من الحالة السابقة، ماذا تفعل المرأة في مثل هذه الحالات؟
وكذلك في الجانب المقابل، فإنه يوجد زوجات فاجرات -كما وصفن- قد لا ترد يد لامس، وقد تقبل أن تعاكس بالهاتف، وتتكلم مع الأجانب، وتخرج من البيت بغير إذن زوجها، أو تذهب إلى محلات مريبة، أو ترفض لبس الحجاب، تقول: مقتنعة أن الحجاب صحيح لكن أنا لا أستطيع أن أغطي وجهي وأن أخنق نفسي، وترفض لبس الحجاب، وربما أنها وقفت في السوق معها ولدها الرضيع فأخرجت ثديها أمام الناس لترضعه.
ماذا يكون الحل إذاً في مثل ذلك؟
على الزوج أن يدعوها إلى الله، وأن يفعل كما أمر الله في التدرج في معاملة الزوجة العاصية الناشز، وخصوصاً عندما يكون النشوز ليس في مسألة عصيانه في بعض الأشياء الدنيوية، وإنما في قضايا شرعية، فيجب عليه أن يقوم بالوعظ والتذكير والتنبيه وأن يعمل من الإجراءات الشرعية المذكورة التي ستمر معنا ما يحمل به زوجته على شريعة الله، فإن أصرت وبقيت على فجورها فلا يمكن أن يستمر البيت على هذا، ولا يمكن أن يطمئن الرجل لأولاده وهم يعيشون مع مثل هذه المرأة الفاجرة السافرة، فعند ذلك لابد من الكي وهو آخر الدواء، ومفارقة تلك المرأة والاستغناء عنها؛ لأنها امرأة سوء، وامرأة مخربة، وسيبدله الله خيراً منها، ولو كانت جميلة وكان متعلقاً بها، ولو كانت غنية: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) وكان من الأسباب المانعة لرفع الدعاء، أن يبقى الرجل عند امرأته السيئة الخلق دون أن يطلقها.
والعجيب -أيها الأخوة- أن بعض الناس يتهاونون في علاج الوضع المتردي لزوجاتهم من ناحية الالتزام، فقد تتهاون في الالتزام شيئاً فشيئاً، أول ما يتزوجها تكون ملتزمة بالدين ثم تتراخى وتتهاون، وبالعكس قد يكون الزوج ملتزماً بالدين ثم يتراخى ويتهاون، وحصلت أمثلة كثيرة لهذا.
فإذاً: الدعوة والنصح، للوصول إلى إصلاح الأوضاع مطلوب، لكن إذا استحال الأمر ومضت فترة زمنية كافية للحكم على أنه لا يمكن الرجوع في هذا المنظور القريب، فعند ذلك يكون الفراق هو النهاية، لذلك فإنني أنصح كل رجل مستقيم إذا رأى نوعاً من التهاون في زوجته بأن وصل إلى مراحل فجور وفسوق عندها ألا يتهاون مطلقاً في العلاج؛ لأن بعض الأزواج قد ينشغل بعمله أو وظيفته -ربما أحياناً بالدعوة إلى الله- والمرأة تتردى في الالتزام وتتردى في مستواها الإيماني حتى أنها تصل في النهاية إلى حالة سيئة جداً، ويمكن أن أقول لكم عن قصة رجل تنازل عن كشف زوجته، قالت: أما الحجاب لا. أنا لا يمكن أن أغطي وجهي، كل شيء إلا تغطية الوجه، وأصرت وألحت، وصممت، ورضخ الرجل وقال: حسناً! سكت عن كشف وجهها، وبعد ذلك صارت تحسر عن شعرها، وأكثر وأكثر حتى وصل الأمر أنه صارت تغازل الشباب بالهاتف، وتخرج مع فلان وعلان، فإذاً مسألة ترك الأمور حتى تستفحل دون أن تعالج علاجاً حاسماً من البداية هو أمر خطير جداً.
ومن العجيب أن بعض الأزواج يسافر ويشرب وزوجته متدينة، يقول: أنا الآن مبسوط جداً لماذا؟ يا جماعة أنا أنصحكم أن تتزوجوا نساء متدينات، لماذا؟ قال: لأني أخرج من البيت وأنا مطمئن، انظر.. هو فاجر، لكن يريد أن تكون مستقيمة، وهذه نوعية من الرجال موجودة، هو فاجر يعمل الفسوق، لكن يقول: لا. هذه أم الأولاد، لا يشاركني فيها أحد، هذه متدينة، وقد يمجدها وهو إنسان فاسق، ولكنه متمسك بها، وعند ذلك ينبغي على الزوجة أن تستغل هذه العلاقة وهذا التمسك في جعل زوجها يستقيم على طريق الحق.
وإني أقول: إن كثيراً من النساء يملكن المفتاح والزمام، وإن المرأة قد تستغل أوضاعاً نفسية معينة في جعل زوجها يمشي على الطريق المستقيم، وهناك زوجات فاضلات إذا رأت عند زوجها صوراً أو أفلاماً أتلفتها، أو أشياء من المشروبات المحرمة ونحو ذلك كسرتها وأراقتها، ومنعت زوجها من السفر وضغطت عليه، وهناك كثيرٌ من الأزواج قد يستجيبون لنسائهم في هذه القضية، فينبغي على الزوجة ألا تتهاون أيضاً في العلاج الحاسم لمثل هذه الأمور.
يعتمد على الحال التي تكون عليها القضية مثلاً: بالنسبة للزوجة، إذا تابت إلى الله توبة نصوحاً فستر عليها فالحمد لله، وإذا لم تتب إلى الله عز وجل فينبغي أن يفارقها، ولا يمكن لإنسان أن يعيش مع امرأة فاجرة، وكذلك هي لها الحق أن تطلب الطلاق منه إذا عرفت أنه إنسان فاجر زان مصر على الفجور والفواحش، فإذا حصلت التوبة فلا بد من الستر ولا يجوز فضح الطرف الآخر بأمور كان يفعلها في جاهليته الخاصة به، وهذه مسألة مهمة.
فإنني أعلم من الواقع أنه هناك كثيراً من الأزواج قد يعير زوجته بأمور باحت له بها في بعض المناسبات، وقالت له عن أشياء معينة وهي قد تابت إلى الله، وهو كل ما حصل مشكلة أو شيء قال: أنت كنت تفعلين، وكنت تفعلين، وبالعكس أيضاً يمكن أن يحدث ذلك لأشياء كان يفعلها الرجل في الماضي، لذلك -أيها الإخوة- عليكم بالستر الذي أمرنا الله به، ونحن لا بد أن نستتر بستر الله عز وجل، ولا داعي لأن تخبرها ولا لأن تعيرها بأشياء حدثت مادام تابت فيما بينها وبين الله عز وجل، ونبقى على الستر، ونبقى على ما أمر الله سبحانه وتعالى به من الطهر والعفاف.
أما بالنسبة لبقية المشاكل التي هي أقل من هذا، بمعنى: أنك قد لا تصل إلى فواحش أو كبائر، لكن هي قد تكون معاصي كظلم أو أخطاء في التعامل ومخالفات واضحة جداً لقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وحقوق المرأة على الزوج، كحقوق الزوج على زوجته.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أحرج عليكم حق الضعيفين، استوصوا بالنساء خيراً) تكفي هذه المقاطع يا أخي: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] ( استوصوا بالنساء خيراً ) (خيركم خيركم لأهله) تكفي هذه النصوص الشرعية في حملنا على العلاج، لكن القضية في الإرادة وفي مجاهدة النفس، هذا بالنسبة للرجل.
فالمرأة يكفيها هذه الأحاديث لتحل الإشكالات التي بينها وبين زوجها، ينقصنا تطبيق الشريعة، نحن نتكلم عن تطبيق الشريعة في قضايا الاقتصاد والسياسة، ونغفل عن تطبيق الشريعة على مستوى أدنى من ذلك في البيوت والأسر، ولو طبقنا الشريعة في البيوت لحُلت جميع المشكلات.
وانظر إلى الخطبة الرائعة التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع! الناس مجتمعون -مائة وأربعة وعشرون ألف شخص- مع الرسول صلى الله عليه وسلم، لا ينتهز هذه الفرصة ليتكلم إلا إذا كان الكلام مهم جداً، وإلا لانتقى ما هو أهم منه، لكن ركز على أشياء في خطبته حجة الوداع، فقال: (إلا واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم، -أسيرات- ليس تملكون شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن ذلك فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلاً).
ثم الطرف المقابل، فلا ننسى الرجل ولا المرأة، بعض الناس يتكلم عن الرجال كأنهم هم المخطئون فقط، وينسى النساء، وبعض الناس يتكلم عن النساء كأن النساء هن المخطئات فقط، وينسى الرجال، وأنت ترى طريقة الشريعة والنصوص تعالج الجانبين معاً: (ألا وإن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن .) الحديث.
البداية أول ما يدخل الإنسان بزوجته أو يعقد عليها، من العقد إلى وقت نشوء المشكلات تمر الحياة الزوجية بمراحل بعد العقد في فترة أحاديث ودية جداً، وتبادل الأحاسيس والمشاعر، والإنسان يدخل حياة الزوجية ويحس أن له طرفاً آخر مرتبطاً به، وأنه مقبل على شيء جديد، وأن هذه لذة أباحها الله عز وجل، وأنه سيقيم الآن علاقات أسرية، ولذلك يبدأ كثير من الشباب يكلمون زوجاتهم التي عقد عليها، ماذا سنقرأ؟ وماذا سنسمع من الأشرطة؟ وكيف سنقوم الليل في المستقبل؟ وكيف سنربي الأولاد؟ ويتكلمون عن أحلام كثيرة وعن قضايا شرعية، ونسأل المشايخ وإلى آخره، ويتواصى معها، قرأت كتاب كذا، وسمعت شريط كذا، وهي تقول له: حفظت سورة كذا، وحضرت محاضرة كذا، وهكذا بالهاتف قبل الدخلة، بعد الدخلة فترة مجاملة.
فترة المجاملة هذه عبارة عن مدارات وكلام طيب وأشياء من العسل، ولكن فترة المجاملات هذه بعد حين من الزمن تبدأ في الانحسار، وإذا انتهت المجاملات ظهرت المشكلات؛ لأن بعد فترة المجاملات بعد الدخلة سواء كانت أسبوعاً أو أسبوعين، شهراً أو شهرين، المهم في فترة مجاملات كل واحد يحاول أن يغطي عيوبه عن الآخر، ويحاول أن يراعي نفسية الآخر ومشاعر الآخر، والآن هما مقدمان على حياة جديدة وعلاقة جديدة، ويريد أن يكسب ودها وتكسب وده وهكذا.
بعد فترة المجاملات تظهر الشخصيتان على حقيقتهما، تبدأ المجاملات تنحسر وتبدأ المشكلات تظهر، وتبدأ عيوب الزوج وعيوب الزوجة في الظهور، مثلاً: قضية العناد كانت مخفية فالآن ظهرت، قضية عيوب في التعامل وأشياء في الاحتكاك قوي كان غير موجود في فترة المجاملات والآن ظهر، وتبدأ المشكلات والاحتكاك والمصادمة، وقد تكون الطبائع فيها اختلاف لكن في فترة المجاملات كان في تغطية من الطرفين، فإذا انحسرت المجاملات تبدأ قضية المصادمة والمشكلات والعناد، وربما وصل الأمر إلى الشتائم والضرب إلى آخره من الأشياء الموجودة في الحياة الزوجية.
بعد فترة المصادمة هنا البيوت تختلف والأزواج يختلفون والزوجات يختلفن، فبعد انتهاء فترة المجاملات تأتي فترة المصادمات، ظهور العيوب والمشاكل، بعد فترة العيوب والمشاكل يبدأ كل طرف بالتعود على عيوب الطرف الآخر، ويبدأ كل منهما في استيعاب مشكلات الطرف الآخر، ويبدأ كل منهما أو أحدهما بمحاولة تضييق فجوة الخلاف، ومحاولة التكيف مع هذه العيوب، وهذه الأخطاء الموجودة، ومحاولة مداراة كل واحد للآخر خصوصاً إذا صارت المسألة فيها أولاد، وتبدأ الحياة تسير سيرها الطبيعي، فالمشاكل موجودة لكن وجد الاعتبار، وربما أعقبه وئام إذا وفق الله وحصل التقاء بعد ذلك، ولكن هذه الفترة الأخيرة، المرحلة الأخيرة ربما لا تحدث، وربما تستمر المصادمات والمشاكل إلى أن تنتهي القضية بالطلاق أو الموت.
وهذه المراحل التي ذكرتها تحدث في الأحيان العادية، ولكن ليس كل الزواجات تنتهي بالمواءمة في النهاية، وليس كل الزواجات فيها مشاكل في البداية فربما يكون الزواج سلساً جداً، ولذلك لا يغفل المرء لحظة واحدة عن الإقبال على الله عز وجل في أن يختار له الخير، ويختار له الأحسن والأفضل، ونحن الآن نتكلم بعد فترة المجاملات، وقد سبق أن تكلمنا في محاضرة (المرأة المسلمة على عتبة الزواج) وكانت موجهة للمرأة قبل الزواج إلى العقد، نحن الآن نتكلم في هذه اللحظات، وما سيليها من كلام، ليس بعد فترة العقد، ولا ما بعد العقد من الملاطفات، ولا ما بعد الدخلة من المجاملات، نحن نتكلم الآن عن تلك المرحلة عندما تبدأ العيوب في الظهور، وهي الفترة التي يعيشها ربما كثير من الأزواج والزوجات.
وقد يكون السب والشتم بكلمات نابية، قضية العقم، إذا كان الزوج لا ينجب أو الزوجة لا تنجب، أثناء المصادمات يعيرها يقول: أنتِ يا عقيم، أو تقول له: أنت يا عقيم، وأنت الذي أنا صابر عليك وصابر على عدم إنجابك، وصابرة على أن السبب منك، وتنزل عليه، أو ينزل عليها في المقابل، قضية العقم هذه من الله عز وجل: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً [الشورى:49-50] وسبحانه وتعالى على كل شيءٍ قدير، حكيم عليم.
ومن قضايا الشتائم والسباب التي تحدث: مسألة اللعن، مع الأسف قطاع لا بأس به من الأزواج والزوجات بينهم لعن متبادل، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اللعن، واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، فإذا قلت لها: لعنة الله عليك، معناه: أنك تدعو الله ألا يدخلها في رحمته، وإذا كانت هي بريئة، وإذا كنت ظالماً ومتعدياً في اللعن، فاللعن يرجع عليك، تصعد اللعنة إلى السماء وترجع إلى الأرض فإن كان الملعون يستحقها أصابته، وإن كان الملعون لا يستحقها رجعت على اللاعن، وكم من لعنٍ في اليوم يحدث من كثير من الأزواج والزوجات في البيوت؟! الذي يقول: لعنة الله عليك، ولعن الله وجهك وقفاك... وإلى آخره من ألفاظ اللعن وهي قد تبادله الشيء الآخر.
ومسألة الألفاظ الجارحة: اقلبي وجهك، الله يقطع هذا الوجه، أنت عقدة في نفسي وحياتي، وإذا لم أذهب بك إلى مستشفى المجانين ما يكون اسمي فلان، ولا أريد أنظر رقعة وجهك، أكلك سيئ وأكل المطاعم أحسن منه، أنا سوف أحطم حياتك وحياتي مع بعض أو أنت لا تفهمي، أنتِ هندية، أنتِ بقرة أو يا غبية، أو يتفل عليها أمام أولادها، المشكلة أمام الأولاد، وكم يكون لذلك من أثر سيئ على نفسية الأولاد، وعقد لا يعلم بها إلا الله تتركز وتترسب في نفسيات الأطفال، ثم بعد ذلك تكون عندنا العقد، ويصير الأطفال انطوائيين، أو فيهم عيوب قد تكون في الكلام واللسان، أو غير مبدعين وغير منتجين، أو أطفال يكون عندهم قصور في جوانب حتى في وظائفهم الجسدية، وأطفال عندهم عقد نفسية، ولا يجرءون على مواجهة المجتمع، ولا يحل مسألة ولا يتكلم في الفصل أمام أستاذ ولا أمام الطلاب إلى آخره، والسبب هو ما يرى هذا الولد يومياً من المشكلات والسباب والشتائم التي تحصل بين أبيه وأمه.
من الأشياء الموجودة: قضية الإهانة، قد تكون الإهانة باللفظ، مثلاً أن يقول: أنا أخذتك من الشارع، انظر أنا أخذتك من الشارع! نقول: أيها الأخوة: إن الله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ [الحجرات:11] وقال الله عز وجل: وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11].
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تضربوا إماء الله، فجاء
وقال عليه الصلاة والسلام: (ائت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ولا تضرب) لا تقول: قبح الله وجهك، ولا تضرب في الوجه، والآن الضرب الذي يحصل في كثير من البيوت هو تعدٍ لحدود الله؛ لأنه ليس عقاباً تعزيرياً مشروعاً للناشز؛ لأنه قد تكون المرأة مطيعة، وإنما تضرب لأتفه الأسباب، أو تضرب ظلماً، هناك أناس عندهم نزعة سادية -كما يقولون في مذاهب علم النفس- يتلذذ بالتعذيب، عنده تعذيب الزوجة مسألة فيها لذة لنفسه، ولذلك فهو يشفي غليله ويريح نفسه إذا ضرب، فإن لم يضرب فلا يستريح، فهذه النوعية السيئة يقول عليه الصلاة والسلام مبيناً: (يعمد أحدكم فيجلدها جلد البعير، ولعله يضاجعها في آخر النهار!) أي: يلفت نظرنا، يقول: يا جماعة! يعمد أحدكم إلى امرأته فيجلد امرأته جلد البعير، ضرب مبرح جداً يعلم في الجسد، وفي آخر النهار يقول: تعالي للفراش، أي: كيف تتوافق القضية، كيف تتناسب هذه مع بعضها، كيف ينتقل من مرحلة الضرب الشديد إلى مرحلة الملاطفة؟!
فهذا التناقض الذي يعيشه بعض الرجال مع زوجاتهم يعبر عن نفسية سيئة.
على الأقل لابد للإنسان قبل أن يضرب بأن ينصح إذا أخطأت ونشزت ولم تنتصح، إذا وعظت وهجرت في الفراش، فلم تجد فائدة فعند ذلك يُلجَأُ إلى الضرب، بعد أن يستنفذ جميع الحلول يلجأ للضرب، أما الضرب من أول شيء فخطأ ولو كانت المرأة مخطئة: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] هنا ترتيب كما سنتكلم بعد قليل.
السوق لا شك أنه شر البقاع عند الله، وليس من المحمود أبداً التجوال في الأسواق لكثرة ما فيها من منكرات -على الرجل وعلى المرأة- لكن من أين يشتري الإنسان حاجته؟ لا بد أن يكون عندنا نظرة واقعية في السوق، ينبغي على الإنسان أن يتحين الأوقات التي يذهب بها إلى الأسواق، في أوقات لا يكون فيها ازدحام.
قضية ثانية: هناك بعض الأشياء في السوق لا تحسن شراءها إلا المرأة، وقليل من الرجال الذين يعرفون النوعيات الجيدة أو المناسبة للأطفال أو الأشياء المناسبة، المرأة التي هي ستلبس، على الأقل يكون عندها حرية في الاختيار والأشياء التي ستلبسها، أقل شيء يجعلها ترى بعض الأشياء، مثلاً: ألوان الأقمشة، إذا كنت مصمماً على الأقل تقول لك: أريد من هذا النوع بدلاً من أن تقول لها: أن الذي سأتحكم فيك وفي لبس الأولاد، أنا الذي سأشتري وأنت عليك أن تلبسي كما أريد وكما أنتقي، وربما هو لا يفهم شيئاً في ملابس النساء والأطفال، ويشتري أشياء غير مناسبة، حتى الأشياء التي فيها تشبه بالكفار من أنواع الملابس والأشياء المحرمة قد لا تدركها إلا الزوجة، فإذاً ليس من الصحيح القذف بالزوجات في الأسواق وترك الزوجة في السوق بدون رجل، فتكون عرضة للأذى من الغادي والرائح وتحصل المنكرات العظيمة، وربما تؤدي إلى فواحش -والعياذ بالله- هذا حرام لا يجوز، وفي نفس الوقت لا بد من مراعاة حس المرأة في مسألة شراء الأشياء المناسبة لها ولأولادها من السوق، بعض الناس لا يستطيع أن يفرق بين الملابس الرجالية والنسائية، فيذهب يشتري لبنته شيئاً يصلح للذكور، وقد يشتري لولده شيئاً لا يصلح إلا للبنات.
ولكن أول شيء إذا أنزلت زوجتك إلى السوق أنزلها في وقت لا يكون فيه السوق مزدحماً بالمنكرات، وثاني شيء لا تكثر التنزيل للسوق، وثالث شيء أن تلبي لها رغبتها في أن تشتري ما يناسبها بنفسها.
هناك رجالٌ يهينون زوجاتهم، كيف تكون الإهانة؟ كأن المسألة أنه يريد أن يكسر رأسها وأن يكسر أنفها، طبعاً أقصد الكسر المعنوي، وليس الكسر الحسي، الكسر المعنوي بأن يرغمها لأن تكون خاضعة ذليلة عنده، وأن تكون مثل العبد عند سيده تماماً، بحيث أنه لا رأي لها ولا شخصية ولا كلمة، وأن تكون حقيرة مهينة أمامه، فمثلاً: بعض الرجال يعتمدون سياسات خاطئة في معاملات الزوجات من جهة الإذلال وتحطيم الشخصية ومسحها تماما،ً فهو يريد ألا يرى أمامه أي رأي وأي كلام وأي نقاش، فهو يريد أن تسكت وتخرس ولا تقول أي كلمة، وهذا دائماً شأنه في كلامه، دائماً هذه كلمة: اسكتي هي عنوان الحديث، وربما أن بعضهم إذا دخل البيت يمد رجله وهو واقف حتى تنزل هي وتخلع الجورب ولا بد، وينبغي كذلك أن تخلع له حذاءه، وإذا جاءت له بكوب الماء أن تكون واقفة عند رأسه حتى يشرب، ولو ظل يشرب كأس الماء على نصف ساعة، لا بد أن تكون واقفة مثل الصنم عند رأسه، ولا تتكلم ولا تتحرك ولو صاح الولد ولو حصل ما حصل من الطبخ على النار، وأقول لكم: إنه عليه الصلاة والسلام كان يراعي زوجاته ويراعي مشاعرهن جداً، اسمع إلى هذا الحديث:
إن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً -المعتكف لا يخرج من المسجد إلا لضرورة، عيادة مريض أو تشييع جنازة أو لقضاء حاجة، كغسل، وطعام لا يستطيع أكله في المسجد- قالت
تأمل كيف قام معها من المعتكف ليرجعها إلى البيت، المرأة بدلاً من أن تذلها ينبغي أن تحيطها وتحميها، خذ لك هذا المثال الآخر:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث طويل قال: (لما أولم الرسول صلى الله عليه وسلم بـ
ينبغي أن نشير في المقابل إلى أن بعض النساء عندهن قضية إذلال الزوج وعدم تلبية رغباته، فبعض الزوجات من إهمالها لزوجها إذا أمرها أن تضع الطعام، كأنه يشحذ منها شيئاً، أرجو أن تضعي الطعام، وإذا دعاها إلى الفراش كذلك كأنه يشحذ منها شحاذة، ويتوسل إليها توسلاً، وبعض النساء عندهن من قضايا الإهمال وقضايا حب تركيع الزوج -إن صح التعبير- في هذه المسائل أمور سيئة جداً، وهذا مما يسبب على المدى الطويل كره الزوج، فيقول الزوج: أتحمل إلى متى؟ إلى متى أذل نفسي؟ كلما أردت أن أدعوها إلى الفراش، لا بد أن أذل نفسي حتى تأتي وأتوسل إليها، وآتي بعبارات كثيرة جداً؟ ولذلك أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تأتي وإن كانت على قتب) وإن كانت على تنور وعلى فرن وهي تخبز، تترك كل شيء وتأتي إلى فراش الزوج، لأن الزوج لا يعلم نفسيته الآن، قد يكون رأى شيئاً في السوق، رأى امرأة في الشارع، قد يكون ثار في نفسه رغبة الآن لا بد من تحقيقها، والزوج إذا ما لبت رغبته بالحلال فلماذا تزوج؟! من أجل أن تأتي وتتمنع عليه، وترفض طلبه، ولا تأتي إلا بعد التماسات وبعد توسلات.. لا يمكن هذا! لا يمكن أن يكون هذا من شريعة الله في العلاقات الزوجية!
ولئن كنا تكلمنا عن تسلط الزوج في أشياء فهناك تسلط لبعض الزوجات، فكأنها هي القوامة والمتحكمة في البيت والمتحكمة في الرجل، توجهه يميناً وشمالاً شرقاً وغرباً، اشتر لا تشتر.. اذهب لا تذهب، حتى تتحكم فيه في قضايا عمله الخاص به، افعل ولا تفعل.
أول شيء: الأصل أنها في البيت تخدم زوجها، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] لكن قد يحصل أن المرأة تعمل في عمل مباح، بحشمة كاملة، وبيتها خير لها، لكنها تعمل في وظيفة معينة، فمن الذي عليه النفقة؟ الزوج ولا خلاف في ذلك، سواء كانت الزوجة ثرية جداً تملك الملايين، أو كانت معدمة فقيرة جداً، ولذلك بعض الأزواج يرتكب خطأ عندما يقول لزوجته: أنت عندك إرث من أبيك لماذا تكلفيني؟ أنا لا أعطيك أي شيء، عندك أموال وأراضٍ وعقارات.
هل رأيت شيئاً في الشريعة اسمه إذا كانت الزوجة ثرية فإن النفقة تسقط على الزوج؟ لا يوجد هذا.
إذا رضيت لك وجادت بأن تعطيك من مالها، أو أن تسقط النفقة عنك، وتقول: أنا أنفق على نفسي وأنت وفر مالك، قد تحتاج لأن تبني بيتاً، يمكن أن تحتاج مصروفات للمستقبل، تشتري سيارة؛ هذا من طيبها وجزاها الله خيراً إن فعلت ذلك.
بالنسبة للوظيفة، إن شرطوا عليك في عقد الزواج أن تعمل والنقود لها فلا يجوز لك أن تمنعها من العمل وراتبها لها، إذا رضيت بالشرط إلا إذا صار العمل في حرام أو في منكرات، ولا إشكال أبداً في هذا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحق الشروط بالوفاء ما استحللتم به الفروج) لكن لو لم يكن هناك شرط، تزوجت وهي موظفة؟ فالمرأة قد تأخذ راتباً وفي بعض الأحيان يكون راتب المرأة أكثر من راتب الرجل، راتبه أربعة آلاف خمسة آلاف، وهي راتبها في التدريس مع الخبرة يصل إلى سبعة آلاف أو ثمانية آلاف، فيطمع الرجل في نقود زوجته، ويقول: بدلاً من أن تصرفيها على أهلك وجارتك وزيناتك وملابسك، أنا أحق فيها هاتيها، فيريد أن يأخذ راتبها بالقوة.
هنا لا بد أن ننظر نظرة فيها عدل، حالة ما فيها شرط في العقد، الآن الزوجة عندما تذهب إلى العمل هل تخل بشيء من حق الزوج؟ أنا أقول لكم الجواب: نعم ولا شك، لا يمكن للواحدة أن ترجع منهكة من العمل ويكون طبخها أحسن ما يمكن، وترتيب بيتها أحسن ما يمكن، والعناية بالأولاد أحسن ما يمكن، واستقبال الزوج أحسن ما يمكن، هذا لا يمكن أن يكون أبداً، لا بد أن يحدث تقصير في حق الزوج.
إذاً: يمكن أن تحدث عملية مفاهمة واتفاقية غير مكتوبة ومعلنة، كأن الزوج يقول لزوجته في هذه الحالة التي نتكلم عنها الآن: مقابل أن عندك تقصيراً في حقوقي وواجباتي فإن من المناسب أن تعطيني من الراتب شيئاً يعادل التقصير في الحقوق الذي نتج من الوظيفة التي أنت تعملين فيها، فإذا اصطلحا على نسبة تعطيها إياه من الراتب مثل النصف أو الربع، أو الثلث ونحو ذلك، فإن هذا جائز شرعاً ولا غبار عليه بل هو أمر محمود، وذلك مقابل خروجها من البيت وربما ترك الأطفال عند الخادمة أو ترك الأطفال في حضانة أو نحو ذلك، وعدم ترتيب البيت، والرجوع منهكة من العمل وربما لا تعطيه حقه في الفراش تماماً أو في الطبخ أو إلى آخره.
هناك فرق بين الزوجة في حيويتها التامة عندما تستقبل الزوج، وفرق بين الزوجة المنهكة عندما تستقبل زوجها المنهك، فإذا حصل هذا الاتفاق فهو أمر طيب جداً، ويمكن أن يتفاهم عليه شفوياً، يقول: هلا سمحت لي بجزء من الراتب مقابل الوظيفة وخروجك من البيت؟ فإن طابت نفسها فالحمد لله، انتهت المشكلة هنا، لكن المشكلة تكون إذا منعها من الوظيفة وقد شرط ذلك في العقد، والعمل ليس فيه محرم، فلا يجوز له ذلك، ولها أن تطلب الفسخ، بعض الرجال يعمد ظلماً فيستولي على جميع ممتلكات زوجته، لأنه لا يوجد شرط في العقد.
تريد أن تمنعها من العمل لك الحق، لكن لا تستول على أموالها كلها دون رضا منها، هذا حرام يا أخي.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) لا يجوز لك أن تفعل هذا، وبلغت الدناءة ببعضهم أنه تقدم إلى خطبة امرأة عندها شهادة، يقول: أشترط لكي أتزوج بنتكم أن تشتغل وتعطيني الراتب! حصل هذا، وهذا الأخذ للاستيلاء على المال الذي يحصل أنه يسلبها راتبها كله لا يبقي لها شيئاً، والمرأة عندها -مثلاً- هدايا، صديقتها أنجبت مولوداً، تريد أن تهدي لصديقتها شيئاً بهذه المناسبة، تريد أن تهدي هدية لأمها أو لأبيها تبرهما من راتبها، تشتري شيئاً لنفسها، وهو يسلب الراتب كله ويضعه باسمه في البنك، ويقول: نحن نعمر ونبني بيتاً ونفعل، وربما يصرفه وربما يتزوج به زوجة أخرى عليها من مالها.
الزواج بالثانية حلال، لكن أن يصل الكيد إلى درجة أنه يستولي على راتبها؛ لكي يتزوج ويكون مهر الثانية هو راتب الأولى فغير حسن.
وبعض الناس ما عنده زوجات موظفات، مهنة زوجته ربة بيت -ونِعمَ المهنة!- فتقع عندها مشكلة مالية أخرى وهي مصروفات الزوجة، تريد ثياباً وأدوات زينة، وأغراضاً شخصية، هدايا إلى أهلها... إلى صديقاتها، وليس لها مصروف، فتقع النزاعات؛ تقول الزوجة: أنت لا تعطيني شيئاً، الذي تعطيني قليل، الزوج: لا. هذا يكفيك.. أنت مبذرة، الزوجة: أنت ظالم، أنت بخيل، الزوج: أنتِ مسرفة، ويقع المشاجرات في هذه القضية.
فالآن ينبغي للواحد أن ينظر إلى المسألة بعين العدل والإنصاف، يا أخي! إذا وسع الله عليك وسع على أهلك، وهذا شيء تؤجر عليه، النفقة تؤجر عليها، والتوسعة تؤجر عليها، وهذه أقرب الناس لك زوجتك، فإذا كان عند الرجل سعة في المال، فلماذا لا يجعل لها مصروفاً جيداً؟ وهو متأكد أنها تصرفه في الحلال إن شاء الله، أما إذا كان في الحرام فلا يعينها بقرش واحد.
الآن عندنا طريقتان للإنفاق، إما أنها تطلب ويعطيها، مثلاً: خاطت ثوباً، خاطت فستاناً، تقوم أنت وتعطيها أجرة الخياط.
تقول لك: أريد أن أشتري هدية لأهلي، فتقوم أنت وتعطيها مالاً لذلك.
الحالة الثانية: بعض الناس عندهم نظام محاسبي، يعني: يريد أن يبرمج نفسه ويمشي على نظام معين ويعرف مصروفاته ومدخولاته، فهو إنسان مرتب، قد تكون المصلحة له أن يعمل لزوجته مصروفاً شهرياً، ومما يحل النزاعات أحياناً عمل مصروف شهري، افرض -مثلاً- أعطيتها في الشهر حسب راتب الشخص ألف ريال أو سبعمائة أو خمسمائة، بحسب راتبك أنت والتزاماتك قد يكون راتب الزوج خمسة عشر ألف ريال، لكن عنده التزامات قد يعول أكثر من عائلة، وعنده بناء بيت وأقساط سيارة، فإذاً ليست المسألة فقط أن تقول: أنت راتبك خمسة عشر ألف ريال لا بد أن تعطيني، لا. قد يكون عليه التزامات.
فإذاً: مصروف الزوجة الشهري يحدد بناء على راتبه ومصروفاته والتزاماته، والناس يتفاوتون في الالتزامات، وليسوا سواء في المستويات الاجتماعية، هناك أناس صرفهم أكثر من أناس، هناك أناس -مثلاً- اجتماعيون وعندهم عزائم وولائم، وأناس انعزاليون انطوائيون نوعاً ما، لا يدخل الضيف بيته إلا نادراً، فيكون مصروفهم أقل، البعض حجم عائلته عشرة أشخاص، وواحد حجم عائلته اثنان.
فإذاً المسالة لا بد أن تراعى فيها هذه العوامل، ثم بعد ذلك يرتب لزوجته مصروفاً شهرياً يعطيها في أول الشهر، مثلاً: إذا استلم الراتب أعطاها، هي بعد ذلك حرة توفر منه، تنفقه كله في أول يوم، تنفق منه إلى آخر الشهر هذا يرجع إليها، وهذه المسألة مجربة ونافعة في حل كثير من المشكلات المالية التي تنشأ بين الزوجة وزوجها، بدلاً من أن تتخيل المرأة أن زوجها ما أعطاها شيئاً وأنه بخيل، وبدلاً من أن يتخيل هو أنه أعطاها، أو أن يتمنى كل واحد على الآخر، يقول مثلاً: أعطيتك في تلك المرة كذا، وأعطيتك كذا، وأنتِ لا تذكرين الجميل، وأنتن تكفرن العشير، صحيح أنه يحصل منهن كفران العشير، لكن قد يكون الزوج أحياناً متعدياً في الأوصاف، فإذاً قد تحدث مثل هذه، تكون قضية المصروف حلاً، وقد يكون كل ما لزمها أعطاها، ولا يرد لها طلباً مادام معقولاً والحمد لله تمشي الأمور.
الطعام قد يكون مقتراً في البيت جداً ولا يأتي بالأكل؛ حتى أن بعض الجيران قد يشفقون عليهم ويلاحظون فيعطونهم على الغداء وعلى العشاء؛ لأنهم يعرفون أن زوج هذه المرأة لا يشتري شيئاً حتى الطعام، ما في الثلاجة إلا الخبز، وربما لا تفطر ولا تتعشى إلا خبزاً وشاهي فقط، بعض الناس عندهم عجائب في هذا الجانب، ولا يدري إلا من سمع وتقصى الأخبار، وربما لا يدخل اللحم إلى البيت إلا في العيدين -من العيد إلى العيد- عقيقة الأولاد ربما لا يذبحها من بخله، إذا جاء ضيف قال: قولي له: غير موجود، ينعزم ولا يعزم، وهذا الوضع سيئ.
ربما بعض الأزواج تصل بهم الدناءة أن أهم شيءٍ عنده إشباع بطنه، فمثلاً: يمكن أن يُعزَم في العمل إلى وليمة أو شيء من هذا القبيل، لكن لا يهتم أبداً هل عندهم طعام في البيت أم لا، المهم أنه تغدى وملأ بطنه، والزوجة والأولاد أكلوا أم لم يأكلوا الأمران عنده سواء، وبعضهم من البخل لا يشتري ألعاباً لأولاده، واللعب للأولاد شيء ضروري، وقد لا يشتري لهم حلويات، حتى أن بعض النساء يمكن أن تجمع من ضيافات الناس، عندما تذهب إليهم وتقول: والله أخبيها لعيالي؛ لأن أباهم عمره ما أتى لهم بقطعة حلويات، تقول: أنا الآن أهلي يصرفون علي، آخذ نفقتي من أهلي، وربما نشتري أغراض البيت من أهلي، أنا الآن أبي زوجني لكي يتخفف عنه بعض المصروفات، وإذا بي جئت عبئاً عليهم بمصروفي ومصروف زوجي وأولادي وهذا شيء حاصل، وربما أخوها يعطف عليها ويعطيها، فإذا كان الوضع بهذا الحال، فماذا تفعل الزوجة يا ترى؟
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت
وبناءً عليه يكون عندنا حكم شرعي مقر من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أن المرأة إذا بخل عليها زوجها يجوز لها أن تأخذ ما تحتاج بالمعروف، الشرط: بالمعروف، تأخذ من جيبه حتى لو لم يعلم، تأخذ وتصرف على نفسها وبيتها وأولادها وهو لا يعلم، ولا تعتبر سرقة ولا يعتبر حراماً، بشرط أن يكون بالمعروف، أما أن تختلس منه وتسرق وهو ينفق عليها وغير مقصر معها، فإنه لا يجوز لها ذلك أبداً، ويا ويلها عند الله إن فعلت ذلك وأخذت ماله بغير علمه.
صحيح أن الرجل أثبت فؤاداً وأقوى جناناً، لكن ليس بصحيح أن المرأة تصل إلى هذه الدرجة من الخوف، ثم إن المسألة إذا صار فيها تعطيل الزوج عن شيء شرعي، مثل: صلاة العشاء أو صلاة الفجر أو محاضرة بحجة: لا تتركني وحدي وتذهب تصلي. لابد أن تتعود غصباً عنها.
نحن نتكلم بشرط أن يكون الرجل مؤمِّناً لزوجته المسكن المناسب، أي: الإجراءات الأمنية في البيت، أي: الأقفال والأبواب والمفاتيح والسور وهذه أشياء موجودة متوفرة، وبشرط كذلك أن يثبت أن الزوجة كلامها أوهام لا يوجد سارق ولا أصوات إنما هي أوهام ووسوسة تأتي بها هذه المرأة الخوافة إلى نفسها، فعند ذلك تتعود مع الزمن، ويكون الزوج له مواقف حاسمة وجادة في هذه القضية، ومسألة ترك واجبات وترك صلوات من أجل هذا لا يمكن أن يحدث.
في المقابل: بعض الأزواج، عندهم العكس تماماً، سبحان الله! الأمور دائماً تكون بين إفراط وتفريط، الحق وسط بين طرفين، فيتأخر دائماً في الرجوع إلى البيت، لا تراه زوجته إلا نادراً، لا يراه أطفاله أبداً لأنه أصلاً عندما يرجع إلى البيت متأخراً يكون الأطفال قد ناموا، فيحرم الأولاد من ملاعبة أبيهم لهم وحنانه عليهم، وتربيته وتأديبه لهم؛ لأنه دائماً خارج البيت بعض الناس قد يذهبون في أشياء شرعية، لكن بعض الناس يذهبون في أشياء دنيوية، وتقول: إن زوجي لا يرجع من العمل إلا في الساعة الثالثة في الليل، هذا ليس نظاماً بل هذا شتات، هذا رجل عنده وظيفة عادية -تجارة- لكن من فرط انشغاله بتجارته لا يرجع إلا متأخراً في الليل، العمل والأشغال والأعمال والتجارات وهكذا، وبعضهم قد تكون أسباب الانشغال أو التأخر أشياء شرعية: كنا في حلقة علم، كنت مع شباب طيبين كنت في مشروع خير وكذا.
فالآن لا بد أن يكون الإنسان متوازناً، فلا هو الذي يمتنع عن عمل الخيرات ويلتصق بالبيت، ولا هو الذي يرجع دائماً متأخراً في الليل، قد تستطيع أن تجعل لك يوماً أو يومين أو ثلاثة تخرج من البيت وقد تتأخر، لكن لماذا تتأخر طيلة أيام الأسبوع؟
ثم إن الأزواج يختلفون، بعضهم قد يكون عنده مسئوليات دعوية وعلمية كثيرة جداً، وبعضهم قد يكون عنده مسئوليات قليلة في هذا الجانب، والزوجة لا بد أن تعذر زوجها من أي نوع، مثلاً: امرأة الزهري تقول: إن كتبه أضر عليّ من ثلاث ضرائر؛ أي: من عكوفه على العلم، وفرق بين العالم وغيره؛ أي: زوجة العالم ينبغي أن تعذره أكثر من زوجة الإنسان العادي، وزوجة طالب العلم أو زوجة الداعية ينبغي أن تعذره أكثر من الشخص العادي الذي ليس عنده إمكانيات في هذا الجانب.
أرى أن الوقت انتهى تقريباً وأرى أن المسألة ما اكتملت، وانظر إلى المشاكل ما أكثرها، فالله يكفينا شر المشكلات، ولذلك الظاهر أنه ينبغي أن نعدكم بمحاضرة أخرى نكمل فيها الكلام على بقية المشكلات، والحقيقة أن هذه أشياء واقعية واجتماعية مأخوذة من الواقع وليست أجنبية أو غريبة، ونسأل الله سبحانه تعالى أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يوفقنا لحياة زوجية مستقرة، وأن يرزقنا تقواه في السر والعلن، وصلى الله على نبينا محمد، وإلى لقاء قادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر