إسلام ويب

قيمة العمرللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    فإن من نعمة الله علينا أن يجد الإنسان إخوة في الله يسكنون متجاورين متعاونين على تقوى الله وطاعته، يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، ويُذكِّر بعضهم بعضاً، فالعمر محدود، والرحيل قريب، والراحلون إلى الدار الآخرة يزيدون المؤمن إيماناً بضرورة الجد والعمل وقصر الأمل، ويذكرون الغافل عن الله وآياته، والمضيع للعمر في اللهو واللعب وما لا يجدي بحتمية هذا المصير.

    فإذا وُجِدَ الإنسان إخوة في الله يدرس ويسكن معهم، فإنهم يعينونه على تقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وما يقرب إليه، ويذكِّرونه بأمر الله، فهي نعمة كبرى خاصة في هذا الزمن، الذي تكالبت فيه الفتن واشرأبت بأعناقها من كل مكان، وحوصر الشباب المسلم في نفسه وما حوله من كل جهة لكي ينجرف وينحرف وراء الشهوات والضلالات والبدع، فجديرٌ بنا في هذا العصر أن نتآخى في الله، وأن نتعاون في ذاته، وأن نضحي لكي ينقذ كل منا نفسه وأخاه.

    والمتأمل في عمر الإنسان يجده معدوداً محدوداً قصيراً؛ إذ أن سنوات الطالب الجامعي أربع سنوات، وهي قليلة جداً في حساب الزمن، فإذا نظرنا إلى العمر وأنه قليل، فإنها تكون قليلة من ذلك القليل.

    فعلى الإنسان أن يتقي الله في هذا العمر، وأن يجعل هذه السنين مناسبة عظيمة، وفرصة كبرى، وغنيمة يغتنمها؛ لكي يتعلم ما ينفعه، ويقربه إلى الله، ولكي يستعد للدعوة إلى الله على منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالآن تستطيع أن تسأل وأن تتردد على حِلَقِ الذكر، وتذهب إلى من تريد لتستفيد منه علماً وخيراً، وتستطيع أن تدعو إلى الله، وإن أخطأت أو تجاوزت فإن ذلك يكون في هذه الفترة مقبولاً منك؛ لأنك في مرحلة الطلب.

    وأنت أيضاً -غالباً- متفرغ للدراسة، فلا مشاغل عائلية، ولا أعباء ولا مشكلات، ولكن حالك إذا تخَّرجت وعدت إلى بلدك سيتغير، فستخرج إلى الحياة العامة، وستنشغل بالأهل وأعباء الحياة، وستكثر عليك المسئوليات، وعندئذٍ ستندم على ساعات أو ليالي أو أيام مضت في السكن لم تستفد منها، فالعاجز يندم على تفريطه، والمجد يندم على عدم اجتهاده أكثر، وهي تجربة يشعر بها كل من مر بها، ويندم ويتأسف على تلك الأيام أن لو اغتنمناها أكثر فأكثر، حيث ثورة الشباب والفراغ، وحيث الإخوة في الله، وإمكانية التقويم والتصحيح، وحيث إمكانية السؤال.

    1.   

    خلفة لمن أراد أن يذكر

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، الحمد لله الذي هدانا للإيمان، أما بعد:

    فإن الموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه موضوع عظيم -وإن كان ليس جديداً- ولكن يجب أن نذكره، ألا نغفل نغفل عنه، فإن الله تبارك وتعالى خلقنا في هذه الحياة الدنيا لحكمة عظيمة وغاية جليلة، وجعل الليل والنهار وهذه الأعمار مطايا وأوعية لهذه الغاية وتلك هي الحكمة أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].

    إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا هملاً، وإنما جعل لنا هذا الدين، وبعث إلينا هذا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنزل إلينا الكتاب، وعمَّرنا ما يتذكر فيه من تذكر، ولهذا يقول تبارك وتعالى لأهل النار: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] فقد عمر الله تعالى هؤلاء القوم ما يتذكر فيه من تذكر وأعطاهم من العمر مهلة وفسحة تكفي بأن يعتبر من يعتبر، وأن يتفكر من يتفكر، وأن يتذكر من يتذكر، وأن يتأمل كل أحد، لماذا جئت؟ ومتى سأرحل؟ وبأي وجه ألاقي الله تبارك وتعالى؟

    فمن آياته عز وجل أنه َهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:62] فجعل الليل والنهار خلفة أي متواليين يخلف أحدهما الآخر لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً اً [الفرقان:62] فمن أراد أن يتذكر أو يعتبر فلينظر إلى هاتين الآيتين العجيبتين الليل والنهار، فلو أن الله تبارك وتعالى جعل النهار علينا سرمداً إلى يوم القيامة، أو جعل الليل كذلك وكانت الحياة لا تتغير ولا تتبدل لغفلة كثير من الخلق عما يعد لهم، وكان ذلك أدعى أن ينسوا الموت ولا يتفكروا في النهاية والعاقبة، فيظلون يعملون ويكدحون حتى يأتيهم الأجل، لكن من حكمة الله تبارك وتعالى أن جعل هذين يتداولان ويخلف أحدهما الآخر.

    فأنت في نهار يعقبه ليل، وفي ليل يعقبه نهار، فتعلم أن انقضاء النهار ومجيء الليل هو انقضاء لعمرك وانقضاء لجزء منك، كما قال الحسن البصري رحمه الله: [[إنما أنت هذه الأيام فإذا مضى منك يوم فقد مضى بعضك]] وذلك إلى أين؟ إلى الدار الآخرة كما قال علي رضي الله تعالى عنه: [[ألا وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، وإن الدنيا قد ولت مدبرة، وإن لكلٍ منهما بنين فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا ومن أبناء الدنيا]] فكل يوم يقربك ويدنيك من القبر ومن الآخرة، ويبعدك عن الدنيا ومتاعها وعن لحظة الميلاد، والعمر إنما هو بين الميلاد إلى الوفاة.

    1.   

    حقيقة العمر

    ولو تأمل العاقل وفكر لوجد عجباً مما يغري الناس ويلهيهم ويطول أملهم، يجد أن ما مضى من العمر أحلام، وما بقي منه أمانٍ كما قال بعض السلف: ما مضى أحلام، كالنائم إذا نام ورأى في المنام ما يعذبه ويؤذيه، ثم أفاق وقد ذهب ذلك الألم، أو رأى في نومه ما يسره ويفرحه ويبهجه، ثم أفاق وقد ذهبت تلك البهجة وتلك الفرحة.

    فانظروا بارك الله فيكم فيما مضى من أعماركم أهو حلم قد انتهى؟ ما كان فيه من راحة أو متعة أو فرحة أو لذة أو بهجة -فالعمر هو كما ما ترى في المنام- وما كان غير ذلك وخاصة إذا كان من معصية الله تبارك وتعالى فقد وقع، كما قال أحد التائبين رضي الله تعالى عنهم قال: ((ذهبت اللذات وبقيت التبعات)) وأما ما بقي من عمرك فهو آمال، ولا تدري هل تتحقق أم لا تتحقق، فلهذا يقول الله تعالى في حق الكفار: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3]، وكما في الآيات العظيمة أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2].

    هذا المستقبل آمال قد تموت الليلة أو غداً أو بعد غد، وقد لا تدرك مما تؤمل شيئاً، ولهذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عش في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وهذا حال المؤمن، ولذلك قال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه لما روى الحديث قال: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء) وهو يفسر كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعناه، هذه حقيقة المؤمن أنه في الدنيا كالغريب أو عابر السبيل الذي لا ينوي الاستقرار، وإنما يتأهب ويتهيأ ويستعد للرحيل، فما لديه من ساعات أو أيام في سفره فهي استعداد وتهيئة لكي يصل المقر الذي يكون فيه.

    ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الآخر: (مالي وللدنيا! ما أنا فيها إلا كراكب قال تحت شجرة ثم قام وتركها) أي: أنه ارتاح وقت القيلولة تحت شجرة ثم قام وتركها، هذا هو حال الدنيا، والعمر هو فترة القيلولة هذه، تبقى ثم ترتحل وتترك هذه الشجرة، فما حال الذي يعلم أنه إنما يعيش مثل هذه القيلولة؟ هل رأيتم مسافراً ذهب إلى صحراء في وسط الطريق بين البلد الذي خرج منه، والبلد الذي يريد الوصول إليه فأقام هناك، ووسع الفراش ووطَّأه، وأتى بكل أدوات الاستقرار، وأقام هناك وقال: هذا مكاني؟! لا يفعل ذلك عاقل أبداً، لأنك راحل، وليست هذه دار مقام.

    ولهذا ذكَّر الله تبارك تعالى، وذكَّر الرسل الكرام، وذكَّر عباد الله الصالحون بهذه الحقيقة قال تعالى: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39] فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38]، قليل: زينة وتفاخر وتكاثر، ولكن تذهب كما يمضي الليل أو كما يمضي النهار، ويقول بعض السلف في هذا: [ عجبت لمن كان يومه يأكل شهره، وشهره يأكل سنته، وسنته تأكل عمره وهو في غفلة] اليوم الذي يمر ينقص من الشهر يوماً، والشهر الذي يمر ينقص من السنة شهراً، وكلما مرت عليك سنة فقد قلَّ من عمرك.

    فقال العلماء في قول الله تبارك وتعالى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر:37] بعضهم قال: إنه أربعون سنة، لأن الله تبارك وتعالى يقول: إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف:15] فالأربعين كافية بأن يتذكر الإنسان، وقال بعضهم: لا. بل نستند إلى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة) فبعدها يتوقع الموت أو القبر.

    لو فرض أن عاقلاً يريد أن يسافر إلى مكان أو أنه مشى في طريق طوله ستون ميلاً، فوصل إلى لوحة مكتوب عليها الباقي ثلاثون ميلاً فإنه سيقول في نفسه: لقد اقتربت لأنني الآن في النصف، وكل شيء مضى منه نصفه فهو قريب الانتهاء، وإذا كنت مسافراً إلى المدينة -مثلاً- والمسافة هي حوالي 400كم من مكة أو جدة فوجدت لوحة أمامك 200 كم تقول : الحمد لله، اقتربنا من المدينة وهكذا حياتنا.

    وهكذا في كل شيء من حياتنا إلا في الموت والعمر، لهذا يقول الحسن البصري رحمه الله: [[ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت]] الموت هو الشيء الوحيد الذي نخل فيه بهذه القاعدة -قاعدة رياضية بسيطة سهلة نستخدمها في حياتنا كلها- إلا في العمر والموت، فلا تجد ابن الثلاثين منا يقول: أنا عمري ثلاثين إذن أنا اقتربت من الموت، وكل من رآه قال: تبارك الله! ما زلت في عز الشباب وبدايته، مع أن كثيراً من الناس لا يبلغون الستين، ولهذا قال بعض الحكماء: '' أكثر الناس يموتون وهم شباب'' وإذا أردت أن تتأمل ذلك فلاحظ أن أكثر الناس يموتون وهم شباب أي لا يبلغون إلى الستين، بل يموتون بعد الأربعين أو ما حولها، وانظر إلى قلة الشيوخ في القرية أو في الحي، وهذا دليل على أن أكثرهم ماتوا وهم شباب.

    الإنسان بين الغبن والنذير

    فإذا كان هذا الحال فتأمل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} ولهذا قال بعض السلف (إن المغبون من غبن الليل والنهار) ليس المغبون هو الذي اشترك في بضاعة فذهبت أو أكثرها، أو اجتهد لينجح في دراسة ففشل، فأكبر مغبون في هذه الدنيا هو المغبون في عمره، فيذهب الليل في المرح والسهر والنوم، ويذهب النهار في اللهو واللعب وفي أعمال لا تنفعه، فغبن عمره، وفي النهاية يجد نفسه نادماً حاسراً يتمنى الرجعة قال تعالى عنهم: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].

    فيقول: كلا. فقد عَمَّرك الله ما يتذكر فيه من تذكر، وجاءك النذير، والأولى بتفسير الآية أن أي وقت أمكن لأحد فيه أن يلقى الله ويتذكر الآخرة فقد عمَّره الله، وأبلغه الله ما يتذكر فيه من تذكر.

    أما النذير فقد قال بعض العلماء: (النذير هو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ولا شك أنه نذير وبشير ومنذر كما جاء في الذكر الحكيم، لكن بالنسبة لكل واحد منا فقد جاءه نذير أكثر من ذلك، النذير: اسم لكل ما ينذرك بدنو أجلك وقرب ارتحالك، فالنذير هو القرآن وهذا حق، والنذير محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد جاءنا وعلمنا وهذا حق، والنذير هو: الشيب كما فسر ذلك أيضاً بعض السلف، فالشيب إذا ظهر فهو نذير، وإن لم تره فيك ورأيته في غيرك فاعلم أن غيرك أيضاً سيرحل، والنذير أيضاً: الموت، إذا رأيت الموت قد حل بمن تعرف، فاعلم أنه إن أخطأك اليوم وتعداك إلى غيرك فإنه نازل وواقع بك غداً، إذاً جاءك النذير مما تراه في مخلوقات الله تعالى.

    جاءك النذير من أحوال الغابرين من أهل الحضارات القديمة، أين الذين أخبر الله تعالى عنهم ممن بنوا وشادوا، أثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمرها من كان قبلهم وقال الله تبارك وتعالى عنهم: وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ [سبأ:45] أين هم؟ أين الذين قال الله تبارك وتعالى عنهم: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشعراء:128-130] أين عاد؟ أين ثمود؟ أين قوم نوح؟ أين فرعون ذو الأوتاد؟ أين وأين.. كل هؤلاء قد ذهبوا، إذاً جاءكم النذير. مَن مِنا يستطيع أن يقول: ما جاءني نذير، أو ما علمت وأتاني الموت فجأة، أو أتاني أمر الله غفلة، لا أحد له عذر.

    1.   

    الغافل من فرط في عمره

    يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا أحد أحب إليه العذر من الله) ولذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب، وأقام الحجة على الخلق فلله الحجة البالغة على الخلق جميعاً، وإنما هي الغفلة.. وإنما هي الغباوة، كما جاء في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وكل شيء يذكر الله تبارك وتعالى) فالسماوات والأرض والجبال والطير والأنهار، وكل ما في الوجود يذكر الله وأعظمهم ذكراً الملائكة، وما استثنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طائفتين لا تذكران الله تبارك وتعالى قال: (إلا المردة من الشياطين والأغبياء من بني آدم) فالمردة هم شياطين الجن، وهم شر محض لا إيمان ولا خير فيهم، وهؤلاء لا يذكرون الله تبارك وتعالى.

    وكل يوم تطلع فيه الشمس عليك صدقة -كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكل يوم محسوب عليك، وأقرب مثال نراه نحن -الآن- في حياتنا هو هذا التقويم الذي يعلق في البيوت وفي المساجد، إذا أخذت كل يوم منه ورقة تفاجأ وإذا به قد انتهى وهكذا العمر كل يوم تأخذ منه ورقة، وإذا بالعمر فجأة ينتهي، فهذا فيه عبرة لمن اعتبر.

    ومن العجب أن بني آدم أحرص شيء على هذه الدنيا، ولو تفكر ابن آدم لوجد أنه من أقل مخلوقات الله عمراً، سبحان الله! فبعض الطيور يعيش 300 سنة أو 400 سنة، والأشجار تجد الشجرة عند البيت من عهد جدك ومن قبله ولا تزال موجودة، ويموت الابن وابن الابن والشجرة موجودة، أما الجبال والبحار فهي أكثر بكثير، ولكن الإنسان يظن أنه الوحيد المخلد الذي يمتلك هذه الدنيا، ولذلك لو تأمل العقلاء ما اختلفوا وما اقتتلوا، وما بغى بعضهم على بعض من أجل قطعة أرض، أو من أجل بئر، هذه الدنيا طوت قبلنا أمماً عظيمة وقروناً طويلة، وسوف نطوينا بعد كذلك.

    الغفلة عن الآخرة

    إن كل ما نرى في هذه الحياة الدنيا مما يتقاتل عليه الناس، ويبغي بعضهم على بعض بسببه، وما يشغلهم عن ذكر الله من أراضٍ أو دور أو عقار ما هو إلا عارية عندهم ينتقل من بعضهم إلى بعض، وكلما انتقل إلى شخص قال: هذا بيتي.. هذه أرضي.. هذا ملكي، ولو تأمل في حاله فسيرى أنه ما وجد إلا أياماً قليلة بالنسبة لعمر هذه القصور التي كانت قبل ثلاثين أو أربعين سنة تعد أفخم وأعظم وأفخر القصور، والتي لو تهدى إلى بعض الناس اليوم هدية والله ما يقبلها، وإنما يقال: انتبه لا تذهب إليه هذا خرابة، وفيه جن -مثلاً- أو كذا -سبحان الله!- أليس هذا من الدلائل الواضحات؛ على أن هذه الدنيا لا تستحق أن نتنافس من أجلها، ولا أن نتدابر أو نتقاطع أو نتهاجر ونتحاسد من أجلها.

    وإنما الواجب أن نعمر أوقاتنا ونستغل حياتنا في ذكر الله، وفي عبادته، وفي طاعته، وفي العمل بما يرضيه، ولا يعني ذلك أن نتركها، وألا نقتني البيت الحسن، أو المرأة الصالحة، أو المركب المهيأ، ما قال أحد بذلك لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن المشكلة هي الغفلة عن الآخرة بالكلية وأن نتعلق بهذه الدنيا، ورحم الله من قال:

    والله لو كانت الدنيا بأجمعها       تُبقي علينا ويأتي رزقها رغـدا

    ما كان من حق حرٍ أن يذل لها      فكيف وهي متاع يضمحل غدا

    يقول: لو كانت الدنيا هذه باقية، وأننا مخلدون فيها ومتاعها يأتينا رغداً، ونحن إن شئنا بقينا فيها، وإن شئنا قلنا يا رب نعمل صالحاً وتنقلنا إلى الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفكروا في هذه المعادلة لو قيل لك كذلك: أنت مخير بين هذه الدنيا فتدوم دواماً أبدياً لا نهاية له ولا موت فيه، ونعيمها دائم وهو نعيم دنيوي، أو أن تعمل فيها وتجتهد لطاعة الله وتقول: يا رب انقلني إلى الجنة التي فيها هذا النعيم الذي ليس في الدنيا منه إلا الأسماء، ماذا يختار العاقل؟ العاقل يقول: لا أختار الدنيا على الآخرة، فهو متاع قليل زهيد لا يساوي شيئاً، بل أختار أن أجتهد، وأن أعبد الله وأقول: يا رب اجعلني من أهل الآخرة، وانقلني إليها حتى أنال هذا النعيم، فهذا لو كانت الدنيا دائمة، ونعيمها يأتي رغداً، فكيف وهي مضمحلة زائلة، وتخرج منها مضطراً من غير خيار؟!

    1.   

    نماذج للقدوة في شغل العمر بالطاعة

    قال بعض السلف عندما زاره أخٌ له في الله فرأى بيته، ورثة حاله، وقلة متاعه، فقال له: إن هذا حال من يتهيأ للرحيل، قال: أهو ارتحال؟! إنما أطرد طرداً، أي ما هو بارتحال على هوانا، بل نُخرج وننُتزع ونُطرد من هذه الدنيا، إذاً هل يختار العاقل متاعاً قليلاً وضئيلاً ونكداً ومنغصاً لا تدوم نعمته ولا لذته ويطرد منه وينزع منه بلا مقدمات فجأة؟ كما قال الله تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:16-17] لا يفعل عاقل ذلك أبداً؛ لكن هذا حالنا قال تعالى: إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً [الإنسان:27].

    والواجب على المؤمنين المتذكرين المعتبرين الذين أعطاهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العقول والألباب ألا يكونوا كذلك، بل لابد أن يعلموا أن أعظم نعمة أعطوها في هذه الحياة الدنيا أن يعطى من العمر ومن الصحة والفراغ ما يعبد الله تبارك وتعالى فيه ويتقرب إليه، ولا يخسر من وقته شيئاً ولا كلمة مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

    بعض السلف جاءته ابنة له وهو بين إخوانه في الله قالت: يا أبت أريد أن ألعب فأعرض عنها، فقال الآخر: قل لها تلعب، قال: لا أريد أن أجد في صحيفتي لعباً، وهذا جائز وليس فيه شيء أن يقال ذلك؛ لكن من شدة تحريهم -رضي الله تعالى عنهم- يعلمون أن كل كلمة وكل دقيقة محسوبة عليهم، وكل لحظة في الحياة يجب أن تستثمر في طاعة الله عز وجل.

    ولهذا كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان أصحابه من بعده والسلف الصالح كانت حياتهم كلها ما بين جهاد وعبادة، ما بين قراءة قرآن وأداء حقوق للعباد، فأعطوا كل ذي حق حقه، وجاهدوا في الله حق جهاده، حتى حصل لهم قول الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] هذا من باب الصدقة، وهذا من باب الجهاد، وهذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من باب الصيام، وهكذا كل منهم اجتهد في طريق أو أكثر من طرق الخير، فهو يذكر الله ويجاهد في سبيل الله.

    وكان بعض السلف في المعركة يجاهد ويقرأ القرآن أو يذكر الله حتى لا يضيع الوقت، فله أجر الجهاد وله أجر الذكر، أناس عرفوا قيمة العمر، وعرفوا قيمة الحياة، وعرفوا أن الجنة سلعة الله، وعلموا أن سلعة الله غالية.

    مر بعضهم بأناس في مقهى -وما أكثر من في المقاهي أو في الملاهي أو ما يسمونها: شاليهات أو منتزهات- وهم جالسون يضيعون الأوقات في الحديث واللعب واللهو، فتندم وتحسر، قالوا: مالك؟ قال: تمنيت والله أن الأوقات تشترى! فقد تحسر أن لو كانت الأوقات تشترى لاشترى من هذا يوماً، ومن هذا يومين، ومن هذا ساعة، ومن هذا شهراً، ويعمل فيها ويجتهد فيها لطاعة الله، لكن الأوقات لا تشترى.

    فمن لديه غفلة فإن أوقاته ضائعة، وتراه يقول: احترت اليوم ولم أدر أين أذهب، أي: لا يدري كيف يضيع الوقت، والمؤمنون الذاكرون لا يستطيع الواحد منهم أن يفي بالواجبات الملقاة عليه، ويتمنى أن يزيد اليوم ساعة أو نصف ساعة أو دقائق ليغنمها في أداء واجب، أو في عمل طاعة تقربه من الله تبارك وتعالى؛ أو في علم يستفيده ويعمله فيكون من ورثة الأنبياء، أو في ذكر لله أن يقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أو في آية يتلوها من كتاب الله وهو يعلم أن الحرف الواحد بعشر حسنات (لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) فهل يضيع هذا ممن يعرف قيمة ذلك؟.

    وبعض الناس يضيعون أوقاتهم في متابعة المسلسلات التلفزيونية، أو قراءة مجلات لا فائدة من قراءتها وكم من كتاب لا خير فيه فإما مجون، وإما عبث، وإما عقائد باطلة أو فلسفات يظل الإنسان يقرأ فيه ويحقق ويلخص بل يحصل شهادة الدكتوراه، أو الماجستير قد يُمضي فيها الإنسان سنوات طويلة حتى يتخرج وينال الشهادة فيها وهي كلام تافه لا قيمة له ولا منفعة منها، فهذا أفنى زهرة عمره وريعان شبابه فيما لا خير فيه، والبعض يعشق فتاة فيظل يلاحقها، وينتظر تخرجها، وبعد التخرج يتهيأ لزواجها ويبذل ما يبذل، فأضاع العمر كله من أجلها، ولسنا نقول لأحد: لا تأخذ الشهادة، أو لا تتزوج، ولكن أن يضيع العمر في هذا، فهذا لا يليق بالمؤمن.

    أما إن أضاع وقته في الحرام فهو عليه عقاب، وهو عليه حساب وحسرته مضاعفة، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا كان عليهم ترة يوم القيامة) أي: حسرة وندامة ونقصاًُ هذا إذا كان مباحاً، لكن لو كان مجلس غيبة أو لهو فهذا لا شك أنه إثم وندم، فكيف إذا لم يكن الندم على مجلس واحد بل على عمر، وعلى الشباب الذي يقضيه كثير من الناس، هذا في تشجيع الكرة، وهذا في اللهو واللعب والفنون الشعبية، وهذا في متابعة الأفلام والسهرات، وهذا في ضياع الأوقات في التمشيات، وهذا في كذا من العلاقات.

    فتضيع الأعمار ويذهب الشباب ولا حصيلة من ذلك إلا الخسارة والإثم الذي يلاقي به الله تبارك وتعالى يوم القيامة، ثم يستحي أن يعرض عليه هذه الأعمال وهو قد عملها، إن كل عاقل في هذه الدنيا ليستحي أن يراه بعض الخلق على ما لا يرضيه، فكيف بالوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى وفي ذنوب مجتمعة، وهو الذي يعلم السر وأخفى، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ ورحم الله من قال:

    هبه تجاوز لي عما أسأت به      واحسرتى من حياء يوم ألقاه

    1.   

    من العاقل؟

    فالعاقل هو من يأخذ من دنياه لآخرته، من يأخذ من صحته لمرضه، من يأخذ من فراغه لشغله، من يأخذ من غناه لفقره، وقد أرشدنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا، وهكذا كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، فهذا العمر أمانة، وهو نصيبك من الدنيا الذي قال الله تبارك وتعالى فيه: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] نعم لا تنس رزقك الذي كتب الله تعالى لك أن تأخذ منها في الحل، وأن تنفق في حقه، وأيضاً لا تنس نصيبك من الدنيا ومن هذه الأيام، فلا تضيعها فيما لا خير فيه.

    فالواجب علينا أن نتقي الله تبارك وتعالى، وأن نعظ أنفسنا، ونعظ إخواننا هؤلاء -وما أكثرهم!- يأتون ويقولون: هذه عطلة وهذه إجازة، وكأنها عطلة من كل واجب أوجبه الله تعالى، وكأنها إجازة من كل ما افترضه الله تعالى، وكأنه يباح فيها ما كان حراماً قبلها.

    وهذه العطل لو كنا أمة فاتحة، لو كانت جيوشنا قد عادت بعد أن فتحت روما وقهرت أوروبا وحررت الهند، والصين وفتحت العالم لما كان هذا العبث لائقاً بنا، فكيف ونحن بهذه الحالة من المآسي والفجائع والنكبات في كل بلد من بلاد المسلمين؟!

    كيف ونحن في هذه المهانة والضعف والذلة من بين العالم؟! كيف ونحن مسئولون بين يدي الله تبارك وتعالى؟! العاقل منا والعالم سيقف بين يدي الله ويسأله عن الغافلين، كيف يليق بنا أن نلهو ونعبث، وأن نظن أن هذه العطل أو الإجازات أو أي لحظة من هذا العمر أننا فيها أحرار نمضيها كيفما نشاء، نترك الجمعة والجماعات، ونتخلف عن أوامر وواجبات كثيرة، وننظر إلى ما حرم الله تعالى؟!

    فعلينا أن نتقي الله تبارك وتعالى، وأن نعمل بوصية الله التي أوصانا بها فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] ونعلم أن كل آت قريب، وأن أجل الله تبارك وتعالى آت، وأننا موقوفون بين يديه، فلنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، ولنجعل عمرنا وأوقاتنا هذه ساعات: ساعة كما جاء في بعض الآثار [[ساعة تناجي فيها ربك، وساعة تحاسب فيها نفسك، وساعة تتفكر فيها بخلق الله، وساعة تعمل فيها لمعيشتك]] نجعل أوقاتنا هكذا، ولا تعارض بين هذا أبداً ولله الحمد.

    فلنحفظ الله تبارك وتعالى في أوقاتنا، ولنحفظه في جوارحنا، ولنحفظ في أعمارنا، ولنتق الله حيثما كنا كما أوصى أيضاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).

    أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يَمنَّ علينا بتقواه وطاعته ورضاه، وأن يرزقنا البصيرة والتذكر، وأن يجنبنا الغفلة والسهو واللهو عما افترضه تبارك وتعالى علينا، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يتقبل منا طاعتنا، وأن يجعل خير أعمارنا أواخرها وخير أعمالنا خواتمها، إنه سميع مجيب.

    1.   

    الأسئلة

    استغلال الوقت في طلب العلم

    السؤال: أنا شاب -ولله الحمد- أحب الله ولقاءه, ولا أخاف الموت بل بالعكس أتمناه, وذلك ليس بسبب فقر أو مشاكل ولكن لحبي للقاء الله, ولكن هناك عيب فيَّ وهو عدم استغلال الوقت في طلب العلم, ولكن لا أستغله إلا في الخير, فأريد نصيحة لاستغلال الوقت في طلب العلم.

    الجواب: ما شاء الله! نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعاً كذلك, هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان, يحب لقاء الله, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه}, فالحمد لله أن في الأمة من امتلأ قلبه بحب الله, ولذلك يقول: أحب الله ولقاءه.

    فعلى كل حال أولاً: لا يجوز للمؤمن أن يتمنى الموت, وإنما عليه أن يستعيذ بالله تعالى من البلاء, وعليه أن يستفيد من عمره وأن يستغله في طاعة الله, فأنت يا أخي! ما دمت تحب لقاء الله فلا بأس أن تحب الحياة, لماذا تحب الحياة؟! حتى تجتهد فيها وتكثر فيها من الطاعات, فإذا لقيت الله في الوقت الذي قدره الله تبارك وتعالى -لا تستقدم عنه ساعة ولا تستأخر- لقيته بأعمال صالحة كثيرة, فكان لقاؤك إياه بها أفضل مما لو لقيته الآن بأعمال أقل, فعليك -بارك الله فيك- وعلينا جميعاً أن نتنبه لهذا, ولهذا لما جاء بعض السلف الموت, فأخذه نوع من البكاء, قالوا: أتبكي خوفاً من الموت يا فلان..؟! قال: والله ما أبكي فرقاً من الموت ولا حرصاً على زرع الأشجار ولا جري الأنهار, ولكن لما سأفقده من قيام الليلة الباردة وظمأ الهواجر, يبكي خوفاً من أن تفوته هذه الأعمال وتنقطع عنه, يريد أن يطول به العمر ليجتهد أكثر, لأنه كان يتمتع بها ويرتاح, فكان يريد أن تطول هذه الراحة ويلقى الله تبارك وتعالى وقد عمل من الصالحات ما هو أكثر, وهذا أصل ثابت في أحاديث كثيرة.

    فكون الأخ لا يطلب العلم, فكل ميسر لما خلق له, إذا كان الله تعالى لم يهيئك للعلم فلا يقدح هذا في إيمانك، وليس شرطاً أن يكون كل واحد منا عالماً, فكن ذاكراً.. كن مجاهداً.. كن آمراً بالمعروف.. كن ناهياً عن المنكر.. كن زاهداً في الدنيا.. كن محباً لأهل الخير.. كن عطوفاً شفيقاً على المسلمين.. تقول الكلمة الطيبة.. تعين هذا على دابته.. تحسن إلى هذا.. تتصدق على هذا, كل هذه من طرق الخير والحمد لله.

    شهوة الشباب وكيفية ترشيدها

    السؤال: أنا شاب صغير في المرحلة المتوسطة أحضر حلقات العلماء، وأحفظ القرآن، ولكن يدور في ذهني أفكار وصور كنت شاهدتها قبل هدايتي، والآن لا أستطيع الصبر عن هذه الشهوة التي ما تكاد تذهب عني، فاضطر إلى فعل العادة السرية، وأنا حائر في أمري لا أجد حلاً طبياً لهذه العادة، فما الوسيلة للانقطاع عن هذا العمل؟

    الجواب: الكلام في هذه القضية يطول؛ لأنه لا يتعلق بهذا الأخ وحده، ولا يتعلق أيضاً بالشباب وحدهم، ولا بالآباء وحدهم، هذه القضية قضية المجتمع كله، قضية الأمة التي تدفع بالشهوات، وسائل إعلام تدفع بالشهوات وتبهرجها وتزينها في الإعلانات، وفي المسلسلات، وفي الأحاديث، وفي اللقاءات، وفي الكتب، والأحاديث بين الناس، والهواتف والمعاكسات، والأسواق وما فيها من مثيرات، والتبرج وغيره، كل هذه المظاهر من دواعي الشهوة التي تجتذب الشباب.

    والشاب حائر إما أن يقع فيها فيضل ويتوه، أو أن يريد أن يعف نفسه فلا يستطيع، حتى هذا الأخ في المتوسطة لا يمكن أن يتزوج لأننا قد اختلقنا أوضاعاً غير عادية، فأصبح المتمسك المهتدي يعيش حالة غير عادية فيضطر أن يقع في الحرام -والعياذ بالله- أو أن يفعل هذه الفعلة وهي من الحرام؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7] فأي شيء وراء ذلك فإنه تعدٍ لحدود الله تبارك وتعالى.

    فأوصي هذا الأخ بتقوى الله، وأوصي إخواني جميعاً بغض النظر وترك هذه الشهوات، والمغريات، والمثيرات، وأن نتعاون جميعاً على تقوى الله تبارك وتعالى وإعفاف وإحصان الشباب ذكوراً وإناثاً.

    وبهذه المناسبة أمامنا دعوة للمشروع الخيري للزواج، وهو مشروع عظيم النفع -نسأل الله تعالى أن يثيب المحتسبين القائمين عليه بخير الثواب- وهم يدعونكم إلى التبرع وإلى دفع ما تجود به أنفسكم، ونبشركم -والحمد لله- أنه قد استفاد منه حتى الآن 3700 شاب وشابة، وصرف لهم مبلغ (24.000.000) ريال، وبلغ عدد المواليد الأوائل لهؤلاء الشباب حتى الآن 531 مولوداً ولله الحمد، هذه نعمة فكيف لو كان في كل حي، وفي كل قرية، وفي كل قبيلة مثل هذا التعاون على الخير، ومع ذلك فإن هذا لا يغني عن وجوب الدعوة إلى ترك المثيرات فإنه واجب على الجميع كما في مثل هذه الحالة التي يعاني منها هذا الأخ.

    إيثار الدنيا على الآخرة

    السؤال: ما حكم من يتخذ الأسباب ليستيقظ للعمل ولا يتخذها لصلاة الفجر، نرجو التنبيه على ذلك؟

    الجواب: هذا هو الذي ينطبق عليه القول المأثور: دينار أحب إلى أحدهم من صلاته -والعياذ بالله- دنياه أحب إليه من صلاته، وظيفته أو عمله أحب إليه من دينه، إذاً هذا دنياه مؤثرة على آخرته، فهذا هو الخاسر الذي باع العظيم الباقي الذي فيه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر بالحقير التافه الزائل الذي كله نكد وآلام، فنسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوقظ قلوبنا جميعاً لذكره وتقواه، ويجعلنا ممن يؤثر الآخرة على الدنيا.

    دور الشباب في الدعوة إلى الله

    السؤال: نرى هذه الأعداد الكبيرة من الشباب المهتدين, ولكن أين هؤلاء الشباب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين هؤلاء الشباب من الإنكار في الأسواق وغيرها؟ فنرجو توجيه الشباب إلى هذا الأمر العظيم.

    الجواب: أظن فيما قاله الأخ كفاية, وكل منكم يعلم قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فيا إخوان! والله أن المرء يفرح فرحاً عظيماً حين يرى مثل هذا العمل والحمد لله, لكن تخيلوا لو أن كل واحد منا في حيِّه وفي عمله الذي يعمل فيه قام بالدعوة كما ينبغي, والله ليكونن الخير أضعاف أضعاف ما هو موجود الآن؛ لأن هذا الجمع الكبير الآن -والحمد لله- خير كثير, وما كان الهداة ولا الدعاة إلا الفئة القليلة في جميع العصور, فالواجب أن يقوم كل منا بجهده, وبما يستطيع في الدعوة إلى الله, ويبارك الله في هذه الجهود بإذن الله.

    وساوس الشيطان

    السؤال: إنه يعتلي قلبي خواطر وأفكار - لا يريد ذكرها- وبعد ذلك يقول: وأشعر بضيق في قلبي، وألم وحرقة، فما هو الحل والعلاج؟

    الجواب: دائماً يأتي مثل هذا السؤال ويتكرر، وهذا دليل على الهداية -والحمد لله- لأنه عندما تكثر مثل هذه الأسئلة فإنه دليل على أن المهتدين كثير، وأبشركم أن هذا دليل خير، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر أصحابه بذلك، بل قال: {أو قد وجدتموه، ذاك صريح الإيمان} النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال: {أو قد وجدتموه } كأنه شيء ينتظره، وكأنه لا بد منه، وهذا شيءٍ ملاحظ أن كل من يتوب ويهتدي لا بد أن يجد هذا، فبعد فترة من هدايته يجد شكوكاً وخطراتٍ ووساوس وأموراً غريبة، ويتألم ويكون كما قال الصحابة: {إن أحدنا يجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به } لا يريد أن يقوله لأحد، لأنها لم تكن تأتيه في حال الغفلة، واللهو واللعب، والآن بعد الهداية والالتزام والتمسك تأتيه فيتعجب من هذا، ولكن أبشروا فإن هذا محض الإيمان ولهذا قال في رواية أخرى: {الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة} أي أنه ما بقي للشيطان في قلبك إلا هذه الوساوس، فاصبر عليها، وهي تذهب من البعض بعد شهر أو شهرين أو أقل أو أكثر، فنرجو لك يا أخي الشفاء، ونسأل الله أن يشفي قلوبنا جميعاًُ إنه سميعٌ مجيب.

    نصيب الإنسان من دنياه

    السؤال: كيف تأخذ نصيبك من هذه الدنيا، وهل هناك مقدار معين؟

    الجواب: نصيبك من الدنيا هو هذا العمر، فقد أوصى الله تبارك وتعالى في قوله: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77] أوصى بها الأغنياء جميعاً، وإن كانت تتحدث عن قارون أي: خذ بحظك الذي كتب الله لك في هذه الدنيا ولا تضيعها قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32] هي للمؤمنين في الدنيا استحقاقاً، أما غيرهم فلا يستحق منها شيئاً إلا لتفاهتها وحقارتها {ولو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء} لكنه لتفاهتها وحقارتها جعلهم شركاء فيها، فنصيبك من الدنيا -أي من الحياة- وهو العمر، هو هذه الأيام، فعليك أن تتقي الله ولا تضيعها.

    حكم العمل مع من يتهاون في الطاعة

    السؤال: إني شابٌ ملتزم -والحمد لله- ولكني أعمل مع أناس لا يصلون ويتهاونون في طاعة الله، فأرشدني ماذا أفعل، فهل يجب علي ترك العمل؟

    الجواب: أما من كان يعمل وهو في إمكانه أن يدير العمل، أو كان رئيساً ولو لمجموعة قليلة كمدير مدرسة -مثلاً- أو رئيس قسم أو إدارة، فالواجب عليه أن يأمر من تحت يده بطاعة الله وتقواه، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده} والتغيير باليد في حق كل ذي ولاية: في بيتك تغير باليد لأن لك ولاية، أو في إدارتك تغير باليد لأن لك ولاية، أو في الإمارة إن كنت أميراً، أو في الوزارة إن كنت وزيراًُ، في الدولة إن كنت حاكماً، وهكذا يجب التغيير باليد ولا يجوز أن تنزل عنه إلى اللسان، وأما إذا كان مأموراً مرءوساً أو كلهم زملاء له فالواجب عليه النصيحة، والإنكار باللسان والموعظة، فإن نجح في ذلك فالحمد لله، أما إن غُلب وأصبح يخشى أنه يترك طاعة الله ويتهاون فيها، أي خشي على نفسه من ذلك فليترك هذا العمل، وينتقل إلى بيئة صالحة طيبة.

    الكتب التي تهدى إلى النصارى لدعوتهم إلى الدين

    السؤال: في حيّنا نصارى كثيرون، وأريد أن أدعوهم إلى الدين، فما هي الكتب التي تنصحني أن أهديها لهم؟ مع العلم أنهم يفهمون العربية؟

    الجواب: النصارى هؤلاء أول ما ينبغي أن تخاطبهم وتكلمهم وتحدثهم وترى عمق ما عندهم من دين، أكثر هؤلاء القوم وهذه الملة -بالذات- أكثرهم لا يعرفون من دينهم شيئاً، ودينهم دين متناقض، وأكثرهم ينتسب إليه انتساباً فقط، فإذا جلست إليه وخاطبته فاسأله عن التثليث، كيف يكون الواحد ثلاثة، كيف يكون الله تبارك وتعالى ثلاثة؟ تعالى الله عما يشركون، كيف يكون لله ولد وصاحبه، فإذا شككته في هذه العقيدة الباطلة الفاسدة وتهيأ للتوحيد، فعلمه إياه بأي كتاب تراه مفيداً من كتب التوحيد، وفي إمكانك أن تشرح له ذلك، ومن أسهل ما يمكن في الدنيا أنك تدعو النصراني للإسلام، فيمكن لأي أخ أن يتحدث مع أي نصراني -ولو كان من أكبر القساوسة-

    وحين ذهب بعض الإخوان إلى ألبانيا وسجلوا بعض المشاهد، من جملتها أن طفلاً صغيراً يبلغ عمره 11 أو 12 سنة جاءه أحد كبار رجال الدين من روما إيطاليا هذا الطفل ناظر ذلك الكافر النصراني مناظرة عجيبة جداً وهو طفل صغير يقول له: كيف يكون الواحد ثلاثة؟! كيف تجعلون لله ولداً؟! كيف أدخل أنا ديناً متناقضاً، أو بعضه يناقض بعضاً وبعضه يكذب بعضاً؟ فهو دين وواضح البطلان، واضح البهتان، فلا إشكال في دعوتهم، إنما المشكلة أننا ننظر إليهم ونعظمهم ونقدرهم، فالمشكلة فينا نحن وليست في دينهم.

    مجاهدة النفس

    السؤال: عندما أذهب إلى المحاضرة أتوب إلى الله، وعندما أذهب إلى البيت يتغير قلبي وتمسكي، فكيف أعمل؟

    الجواب: هذه الحالة بالضبط وبالذات شكاها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، { شكاها حنظلة ومر على أبي بكر رضي الله تعالى عنه وهو يبكي فقال له: مالك يا حنظلة قال: نافق حنظلة يا أبا بكر! نكون ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة كأنه رأي عين، فإذا رجعنا إلى الأزواج والضيعة نسينا كثيرا، قال: فوالله إنا لكذلك، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما لك يا حنظلة قال: نافق حنظلة يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنه رأي عين فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والضيعة ونسينا كثيرا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تدومون على الحال الذي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم وعلى فرشكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة وساعة وساعة}.

    فالواجب علينا أن نحاول أن نستزيد من إطاله فترة هذا الإيمان، ومن إطاله فترة الرقي أو السمو الإيماني، واللذة الإيمانية التي نشعر بها، نحاول أن نطولها فلعل الملائكة تصافحنا في الطرقات، لكن لو ضعف ذلك فهذا طبيعي، فإن الله تعالى خلقنا بشراً وركب فينا الغفلة والشهوة والتعب والملل والسآمة، هكذا خلقنا الله، فعليك إن جاءتك هذه النفس في رغبة وشوق وطاعة فاجتهد فيها أن تبلغها أكبر مرحلة، وإن وجد منها غير ذلك فعليك أن تجاهدها، ولهذا شبه بعض السلف نفس الإنسان بالدابة، فهي أحياناً تذهب وتنطلق، فإذا كنت مسافراً أو تريد أن تذهب إلى مكان -وأنت على هذه الدابة- فوجدتها منطلقة فحثها أكثر حتى إذا تلكأت تكون قد قطعت أكبر شوط، فهكذا جعل الله تبارك وتعالى طبيعة هذه النفس.

    كيف نخرج حب الدنيا من قلوبنا

    السؤال: كيف نخرج حب الدنيا من قلوبنا؟

    الجواب: سأل بعض الخلفاء بعض علماء التابعين سؤالاً مثل هذا أو قريباً منه: لماذا نحب الدنيا ونكره الآخرة؟ قيل إن السائل هو سليمان بن عبد الملك سأل أبا حازم، فقال: [[لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب]] هكذا حال الإنسان.

    علنيا أن نخرج حب الدنيا ونحن إذا علمنا أن الدنيا فانية، وأنها زائلة، ومتاعها قليل، وأنها كما ضرب الله تبارك وتعالى فيها المثل، مثل النبات يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً حتى ينتهى، وأن الآخرة هي الباقية، وهي دار القرار، خير وأبقى، وفيها ذلك النعيم، وذلك الجحيم لمن خالف -والعياذ بالله- فتخرج بذلك حب الدنيا من قلبك، وتستعد للآخرة دون أن يعني ذلك -كما أشرنا- أن يترك الإنسان حق الله وما أوجب عليه في الدنيا من إعفاف لنفسه، ومن إطعام لأهله، والإنفاق عليهم، ومن خير يفتحه الله له في هذه الدنيا فيجتهد فيه كما قال النبي: {لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار} هذا من رحمة الله تبارك وتعالى، وهذا لا يدخل في حب الدنيا، إنما حبها: إيثارها.

    محق البركة في الأعمار

    السؤال: ما سبب محق البركة في الأعمار والأزمان، حيث إنه يمر بي الزمن الطويل ولا أجد أني قد عملت ما أحسب أني أدخره لليوم الآخر؟

    الجواب: حتى الصلوات باتت إلى العادات أقرب منها للعبادات، وما قاله الأخ الكريم حق، كل منا يشعر به ويتعجب -فعلاً- لماذا محقت بركة الأعمار، والأوقات، والأموال -والعياذ بالله!-

    والإجابة على هذا تطول جداً، لكن نشير إليها إشارة ولبعض أسبابها:

    فمن ذلك أنه اختلط أكلنا الحلال بالحرام، فالربا والمال الحرام دخل حياتنا -والعياذ بالله- فمن لم يأكله صريحاً ناله غباره، كأننا مستنقع للربا والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يرفع يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له } لا يوجد بركة في عبادتنا، لأن هذه الأجساد دخلها الحرام -إلا ما رحم الله- هذه بعض الأسباب.

    ومنها أن ذكرنا لله تعالى قليل، وذكر الله هو الذي يعمر الحياة ويجعلها طويلة، كما قال بعض الحكماء وذكر الله معناه أعظم وأوسع من مجرد أن تقرأ آيات أو تسبح، فأنت تذكر الله تبارك وتعالى في كل عمل، من أعمالك، فالجهاد ذكر، والصلاة ذكر، وكل عمل في الدنيا فيه إعلاء لكلمة الله هو من الذكر، ولإعلاء كلمة الله، فإذا ذكرنا الله واهتممنا بالدار الآخرة، نجد أن هذه الحياة يكون لها بركة.

    حكم الطعن في العلماء وغيرهم

    السؤال: أليس من الاستشعار بقيمة العمر عدم قضائه بالجرح والقدح في العلماء وطلبة العلم، وأن يراعى في ذلك قيمته، وعدم استغلالها في تشويه ما لا ينبغي تشويهه، وأن يصرف ذلك الوقت إلى ما يفيد المرء في الدنيا والآخرة، وأن يتذكر حال الأمة وما صارت إليه؟

    الجواب: هذا ليس فقط من استشعار قيمة العمر، بل هو واجب من الواجبات: ترك الغيبة، وترك سوء الظن، وترك القدح أو الطعن في أهل الخير واجب، وإذا كان الإنسان مقيماً عليه فهو مقيمٌ على كبيرة من الكبائر -والعياذ بالله- مهما ظن أنه على خير أو على طاعة أو على هدى؛ فهو مرتكب لكبيرة عظيمة، وحسبه أن يأتي يوم القيامة وخصومه بين يدي الله كل هؤلاء من العلماء أو الأخيار أو الأفاضل، والعاقل لا يضيع وقته فيما لا خير فيه، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} لأن ما لا يعنيك يشغلك عما يعنيك، فكيف إذا كان فيما هو أشد من ذلك، وهو أن يضيعه فيما يضره، بل ربما فيما يكون سبباً في أن يطبع على قلبه، والعياذ بالله.

    ولاحظوا أن من عير أحداً بذنب واتهمه به فربما -كما جاء في بعض الأحاديث ولبعضها ما يصححه- قال: {لم يمت حتى يفعله} حتى يقع فيه إن كان بدعة، وإن كان ضلالاً، وإن كان حباً للدنيا، فعلى العاقل أن يعف نفسه، وأن يعلم أنه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم} هذا اللسان هو الذي أورد أكثر الخلق المهالك نعوذ بالله!

    السكن مع من يتعامل مع الجن

    السؤال: أنا ساكن مع أهلي في البيت، وأهلي يعملون أعمال شيطانية -والعياذ بالله- أي يستخدمون الجن، وأنا وبعض الإخوة الطيبين حاولنا معهم بكل طريق، لكن بدون جدوى، وهم مع ذلك لا يصلون، هل أجلس معهم؟

    الجواب: الذين يستعينون بالجن ويدعونهم، والذين لا يصلون هؤلاء ليسوا مسلمين، أنا الآن لا أتكلم عن واحد معين، أقول عموماً: من كان يدعو الجن، ويستغيث بهم، ويستعين بهم ويخدمهم ويخدمونه، وهو أيضاً لا يصلي، تارك للصلاة تركاً كلياً فهذا ليس بمسلم -والعياذ بالله-، والواجب على الإنسان إن كان ابناً أن يجاهدهما كما قال الله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] لا تطعهما بل قابل مجاهدتهما لك على الكفر بأن تجاهدهما وتعظهما وتذكرهما بالإيمان، وصاحبهما في الدنيا معروفاً: وبالذات الوالدان فإن لهما المصاحبة بالمعروف، أما غيرهما من بقية الأهل فالفراق خير، وحتى الوالدان إذا كانا يعملان مثل هذا العمل فله أن يقوم ببعض البر ويفارق الجلوس والبقاء معهما حتى لا يقع في مثل هذه البلايا إذا كان هذا يحل مشكلته.

    اليقين

    السؤال: هل يمكن الانتقال من الشك إلى اليقين، وكيف يمكن الحصول على اليقين التام؟

    الجواب: نعم يمكن ذلك، واليقين لا بد منه للإيمان، واليقين لا بد منه للدعاة إلى الله ولطلبة العلم قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة:24] هذا الأول وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] وهذا الشرط الثاني، فاليقين لابد منه، والانتقال إلى اليقين يكون بذكر الله، وبالتفكر في ملكوت الله، وبقراءة القرآن، وبالاعتبار بأحوال الأمم الماضية، وبكل ما هو من مقويات الإيمان.

    الخوف من عدم قبول الطاعات

    السؤال: أنا رجلٌ إذا صليت كنت من الذين يبكون في الصلاة ويخشعون -والحمد لله- ولا أزكي نفسي على الله لكن بعد الصلاة أحس بأني قصرت فيها وأحياناً أحس أنها غير مقبولة فلماذا؟

    الجواب: الحمد لله! ما دمت ممن يخشع فيها ويبكي فيها فلا يأتيك الشيطان ويقول: غير مقبولة إنما نحن جميعاً بين الخوف والرجاء، نخاف أن لا يتقبل منا؛ لكن لا يغلب الخوف على الرجاء، والله تبارك وتعالى عندما قال: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] وهذه فيمن يصلون ويزكون ويعملون الطاعات ولكن يخشون ألا تقبل منهم، فهم يرجون القبول ويخافون من الرد، وذلك أحرى أن يستمروا في الطاعة وألا يأخذهم الغرور بها.

    أما إذا غلب على العبد جانب الخوف فربما ترك الطاعة -والعياذ بالله- أو إذا غلب عليه جانب الرجاء فربما ركن إلى عمله فيكون هالكاً -والعياذ بالله- فلا بد أن يتوازن عنده الخوف والرجاء معاً، ولا يخرجنك الشيطان عن هذا الخط القويم إلى أحد مجالي الانحراف، إما ذات اليمين، وإما ذات الشمال.

    حكم العمل تحت رؤساء كفار

    السؤال: أريد أن اعمل في شركة لكن المسئولين فيها أمريكان، ويجب عليَّ أن أداهنهم وأن أسكت عن بعض المنكرات، وأن أرد التحية عليهم وأبادلهم إياها... إلى آخره، هل علي في ذلك حرج؟

    الجواب: أولاً: لا يجوز أن يكون لهؤلاء الكفار مكان في هذه البلاد الطاهرة كما أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يجتمع دينان في جزيرة العرب} فلا يجوز أن يكونوا فيها.

    وإن جاءوا لضرورة فلا يجوز أن يكونوا هم المدراء أو المسئولين، بل يجب أن يكونوا تحت المؤمنين حتى ولو كانوا أعلى في الشهادة أو الدرجة أو في أي شيء، يجب أن يكونوا مرءوسين مأمورين، ويكون المتأمر والرئيس مسلماً مؤمناًً حنيفاً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا وقع غير ذلك، وأمرنا إلى الله، -ولا حول ولا قوة إلا بالله- وهذا من عقوبات الله لنا -والعياذ بالله- ومن تهاوننا في طاعة الله، وتركنا لما فرض الله، أصبح الكفار يترأسون على المسلمين في بلاد الإسلام.

    فالواجب على الإنسان أن يتقي الله وألا يري الكفار أي شيء يشعرهم بالولاء أو المودة أو المحبة، وإنما يقوم بالعمل الآلي أداء عادياً، لا يبدؤهم هو بالسلام، وإذا كان ولا بد ويضطر إلى ذلك فليقل أي كلمة عامة، ولا يقل السلام الذي يعهده المسلمون فيما بينهم، ويبغضهم بقلبه وإن لم يستطع أن ينكر عليهم بلسانه أو بيده فليدعو الله تبارك وتعالى أن يذهب عنا شرهم ومكرهم، وليجتهد أن يحل محلهم هو أو إخوانه المؤمنين الذين يمكن أن يحلوا محلهم إذا اجتهدوا في إتقان هذا المجال، المهم أن يعلم أن هذه حالة طارئة عارضة، وأنه لا يجوز له أن يواد هؤلاء الذين هم أعداء الله تبارك وتعالى.

    معنى قول الله: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ....)

    السؤال: ما معنى قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]؟

    الجواب: أي أن الله تبارك وتعالى محيط علمه، وهو مطلع ورقيب على كل شيء حتى في الأمور الدقيقة، فكثير من الناس لو أنك جالس معهم وخالفت عينك ونظرت تتوقع أنهم ما علموا ذلك، فهي أقل ما يمكن من الحركات العملية الظاهرة، ومعنى قوله (وما تخفي الصدور) أي: تخفي الصدور هو الأسرار الباطنة، فالله تبارك وتعالى يعلم أدق الأمور الظاهرة، وأدق الأمور الباطنة، فهو يعلمها تبارك وتعالى، ولا يخفى عليه شيء.

    المخرج من أزمة المسلمين

    السؤال: ما المخرج من أزمة المسلمين؟

    الجواب: المسلمون يمرون بأزمات شديدة في شتى أنحاء العالم فهم يقتلون ويشردون ويضطهدون، وكل هذه الفتن يجب أن نتوب إلى الله ونقنت ونضرع إلى الله تبارك وتعالى أن يرفع عنا هذا العذاب فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنعام:43] نتضرع إلى الله ونمد لهم يد العون والمساعدة، ونحيي قضاياهم في إعلامنا ومجالسنا وأينما كنا، نذكر بقضايا هؤلاء المسلمين، ونعلم أن خير ما نقدمه لهم هو دعوتهم إلى الله والعلم الشرعي الذي هو التوحيد والسنة، فإنهم إذا تابوا وأنابوا ورجعوا إلى الدين رفع الله عنهم هذا البلاء.

    الانشغال عن الآخرة بالدنيا

    السؤال: لي أب أخذته الدنيا عن الآخرة، فهو يجري وراء لقمة العيش ويغفل عن الآخرة، وكلما ذكرته بالآخرة يقول: من أين آتي لكم بلقمة العيش؟

    الجواب: نعم، كثير من الناس يظن أنه هو الذي يرزق نفسه أو يرزق أبناءه، ولو أنه ابتغى الرزق من الله وعلم أن الله تبارك وتعالى قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، لو علم ذلك واتقى الله وقام بما افترضه الله تعالى عليه، ولم يشغله شيء عن عبادة أو طاعة أوجبها الله، لو علم ذلك لما كان كذلك، فذكره -يا أخي- بالله، وذكره بطاعة الله، وذكروه أنت وإخوانك بأننا لا نريد منك أن تنفق علينا إلا من حلال، ولا نريد أن يشغلك أي شاغل أو مانع من أجلنا عن تقوى الله وعن الواجبات التي افترضها الله تبارك وتعالى علينا وعليك.

    النساء وضياع الأوقات

    السؤال: ما هي نصيحتكم للنساء اللاتي يضيعن أوقاتهن في غير فائدة، وإذا قيل لإحداهن إقرئي القرآن أو اجتهدي في تحفيظ ابنتك القرآن، قالت:كله قرآن قرآن، علماً بأن معظم الوقت يذهب سدى؟

    الجواب: يا ليتنا نعطي كتاب الله ولو ساعة واحدة من اليوم فهي قليلة، ولكن ذلك خير كثير، أوصي أخواتي وإخواني وكل أحد منا أن نتقي الله في أوقاتنا، وألا نضيعها، ونعلم قيمة هذا العمر وقيمة هذه الحياة، فنعمرها بخير ما تعمر به وهو الإقبال على كتاب الله، وأن نتلوه حق تلاوته قراءة وحفظاً، وأيضاً عملاً واتباعاً فلا يغني شيء من ذلك عن شيء.

    دراسة العلوم غير المفيدة

    السؤال: ما رأيكم فيمن أفنى عمره في الدراسة الأدبية مثل الاجتماع وعلم النفس؟

    الجواب: عموماً من أفنى عمره في دراسة العلوم التي تشغل عن طاعة الله أو التي لا تنفع فعليه أن يتقي الله ويحفظ ما بقي من عمره من هذه العلوم، وأن يسخر هذه العلوم في طاعة الله، فمن تقوى الله ومن التوبة أن يسخر هذه العلوم في طاعة الله، وأن يبين ما فيها من ضلال وباطل، ويبين ما يمكن فيها من خير إن كان فيها شيء من الخير، ويبينه للناس من خلال إرشاده لهم أن ما جاء في القرآن، والسنة هو أفضل منه وأعظم، فإذا سخرت هذه العلوم جميعاً لخدمة هذا الدين فيكون ذلك العمر ما ضاع بل يكون فيه خير، -إن شاء الله-.

    ولذلك كثير من الإخوان ممن هداه الله لا يندم على أنه أمضى فترة من عمره في هذا، لأنه بعد أن عرف الله واتقاه استطاع من خلال تلك العلوم أن يدعو إلى الله، وأن يكون تركه لها ودعوته إلى تركها عن بصيرة وعن اقتناع، ولا يمكن لأحد أن يتهمه أنه مجرد متطرف أو متعصب أو يكره هذه العلوم لأنها علوم جديدة وحديثة.

    الاستفادة من الوقت

    السؤال: ما هي الحلول العملية للاستفادة من الوقت بالنسبة للنساء والرجال والصبية؟

    الجواب: كل واحد يضع له جدولاً معيناً وبرنامجاً: أنني أكمل في هذا الشهر -مثلاً- شيئاً من القرآن، وشيئاً من العلم وكذا وكذا، أقوم بهذا الواجب، فيضع له برامج محددة من خلال إمكانيته ومواهبه وموقعه في الحياة.

    طول العمر وحسن العمل

    السؤال: {خيركم من طال عمره وحسن عمله} ما تعليقكم على هذا الحديث؟

    الجواب: الحديث واضح ولا يحتاج إلى تعليق, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً كذلك.

    لزوم الرجوع إلى الميقات لمن فاته الإحرام منه لعذر

    السؤال: والدتي جاءت إلى جدة وهي من سكان الجنوب, وفي نيتها أداء العمرة, ولكن لعذر العادة الشهرية لم تتمكن من ذلك, وجاءت إلى هنا وتريد أداء العمرة, علماً بأنها لم تمر بالميقات, أرشدونا ماذا نفعل؟

    الجواب: لو أنها أحرمت من الميقات وبقيت على إحرامها حتى تطهر ثم تعتمر فلا شيء في ذلك مهما بقيت في جدة, أما وقد جاءت ولم تفعل وتريد العمرة فإنها تعود إلى الميقات وتحرم فتعتمر.

    الاقتصاد في المآكل والمشارب يعين على الطاعة

    السؤال: قرأت أن السلف رحمهم الله حذروا من كثرة الأكل والشرب والضحك, وإني ضعيف أمام الأكل, فإني أعزم على الاقتصاد وعدم الإفراط, ولكن أمام السفرة أنسى ذلك؟!

    الجواب: هذه مشكلتنا جميعاً, الحقيقة أقول لكم وأنا منكم: لو يعرض الواحد منا أكله على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه وإن كان ولابد فليجعله أثلاثاً, ثلث لنَفَسِه وثلث لطعامه وثلث لشرابه} الحقيقة لا يوجد فينا من يكون كذلك إلا ما رحم الله.

    فمثل هذا الأخ يُشْعَر بمثل هذا, وينبه بمثل هذا, فلو أننا نأكل أكلاً قليلاً يكون كافياً من الناحية الغذائية إن شاء الله لكان نومنا قليلاً, ولما احتجنا إلى العلاج من كثير من الأمراض, لماذا يحتاج كثير من الناس إلى التخفيف من الوزن؟! ويذهب ويدفع الأموال ويضيع الأوقات والأعمار من أجل التخفيف من الوزن؟ لأن أكبر سبب في ذلك كثرة الأكل وقلة الحركة والعمل وهكذا..

    فإذا نحن اتقينا الله واتبعنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ربحنا الأوقات وربحنا الأعمار, وانظروا إلى أحوالنا في رمضان -نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا رمضان إنه سميع مجيب- الواحد منا يشتغل أحياناً حتى يأتي وقت المغرب بالرغم من أننا نعيش في منطقة حارة وتصل فيها فترة الصيام إلى 14 ساعة.

    والكفار لا يصدقون هذا الكلام, فلا يستطيع أحدهم أن يصبر ساعتين في منطقة حارة, وإذا أخذ المسلم لقيمات خفيفة بقي نشيطاً وصلى التراويح بنشاط والحمد لله, فإذا أكل وأكثر تعب حتى يتثاقل في الركوع والسجود وما إن يسلم الإمام, حتى يستلقي وينام.. وهذا شيء مجرب!

    فقلة الأكل كما نبه إلى ذلك كثير من السلف مما يستعان به على طاعة الله تبارك وتعالى, كذلك لو الواحد منا إذا أكل أكلاً اكتفى بما يحتاج إليه فقط لكان عقله أكثر استيعاباً وفهماً, لكن إذا امتلأت المعدة بالطعام انشغل الدماغ بها عن ما سواها.. وهذا الكلام معروف.

    البديل المناسب للعب الأطفال

    السؤال: وما هي الوسائل التربوية الصحيحة في نزع المنكرات المتأصلة في الأطفال مثل مشاهدة أفلام الكرتون وحب كرة القدم؟

    الجواب: هو أن تجعل له بديلاً يشغل وقته باللهو المباح، لا بد من لعب للأطفال ولا نستغرب من هذا فقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي ويأتي الحسن والحسين ويتسلقان ويركبان على ظهره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الأطفال هكذا، فلابد أن أوجد لهم البديل من لهو مباح،فيمكن مثلاً أن يلعبوا الكرة؛ لكن في أوقات محددة، فلابد أن أوجد لهم مجالاً لذلك، وأعطهم ما مما يرون أن فيه متعة لهم أو راحة أو فسحة، واصبر عليهم فما من أب إلا وهو تعب في تربية أبنائه.

    حديث: (ساعة وساعة)

    السؤال: ما هو الحديث الذي ذكره الأخ الذي لبس عليهم الشيطان { ساعة وساعة } فهل معناه أن ساعة في المعصية هي أمر طبيعي؟

    الجواب: ليس المقصود ساعة فيما يغضب الله ويقرب من النار، وساعة فيما يرضي الله ويقرب من الجنة، محال هذا! والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقصد ذلك، بل إن المقصود هو ساعة جد وعمل وساعة راحة، كما في حديث حنظلة، فنذكر الله ساعة في مجلس ساعة ما بين المغرب والعشاء، مثلاً ثم نأكل ونشرب ونتحدث حديثاً طيباً في ساعة تالية، فحياة المؤمن دائرة بين الطاعة وبين المباح، أما أن يكون البديل عن الطاعة هو المعصية والذنوب والإجرام فهذا هو المفهوم غير صحيح.

    دخول المسجد للحائض

    السؤال: أن هناك فتوى للشيخ ابن باز بأن أي مصلى للنساء يجوز للمرأة الحائض دخوله لأنه لا يعتبر من المسجد، رغم أنه قد يكون داخل المسجد، هل هذا صحيح؟

    الجواب: لا أعلم من سماحة الشيخ فتوى في هذا، وإنما مصلى النساء هو من جملة المسجد، هذا الذي أعرفه، وعلى الأخت أن تطلب من التي قالت لها ذلك أن تأتيها بفتوى، فربما يكون فهمه خطأ أو شيء من هذا، والمعلوم أن المسجد كله مسجد ما كان منه للرجال وما كان منه للنساء، أما في صلاة العيد فقد كن يخرجن الحيض، ولكن كن يعتزلن الصلاة ويقفن خلف الناس، ولكن هذا في صلاة العيد التي تكون خارج البلد لأن السنة فيها أن تكون في فضاء خارج العمران، فربما اشتبه الأمر على الأخت، والله أعلم.

    الإشادة بالكفار

    السؤال: هل يجوز أن أقول: إن الغرب عندهم عدالة واحترام لحقوق الإنسان، وهل ينبغي للمسلم أن يشيد بهم، مع العلم أني سمعت من بعض الخطباء يشيدون بهذا؟

    الجواب: الإشادة بالكفار والثناء عليهم ومدحهم لا يجوز بأي حال من الأحوال، فهؤلاء أعداء الله وكيف تمدحهم؟! وكيف تثني عليهم؟! وكيف تمجدهم وقد ذمهم الله وعابهم ولعنهم وغضب عليهم؟! لا يمكن هذا ولا يصح ولا يجوز، لكن لا يعني كفرهم أن يغمطوا ويبخسوا كل فضيلة عندهم، فهناك فرق بين هذا وهذا، فنحن لا نمدحهم ولا نشيد بهم أبداً، لكن إن كان فيهم شيء من العدل أو الخير نذكره من باب العدل، والله تبارك وتعالى أمرنا بالعدل مع كل أحد سواء مع المؤمنين أو مع الكافرين، في حياتنا أو في أنفسنا، أينما كنا نحن مأمورون بالعدل وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:7-9] وأي شيء توزنه أعمال أمم أو أفراد أو هيئات لا بد أن يكون الوزن بالقسط والحق والعدل.

    ولا شك أن في بعض أهل الكتاب وفي بعض دول الكفار شيء من ذلك، فعندهم شيء من العدل واحترام حقوق الإنسان بالنسبة لبعض البلاد الإسلامية، لكن لا يقال إن ذلك خير من حكم الله أو عدله لا يمكن ذلك، لكن فعلاً عندهم بعض العدل، كما شهد لهم بذلك عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه في الحديث في صحيح مسلم قال: {وأنهم أمنعهم -أمنع الأمم- من ظلم الملوك} فالروم وهم الغرب الآن هم أمنع الأمم، والحكومات هناك إلى الآن أمنع وأبعد الحكومات أن تظلم الشعوب والأفراد.

    هذه فضيلة فيهم تذكر لهم مع كفرهم ومع أنهم أعداء الله ومع بغضنا لهم أشد البغض، لكن لا نظلمهم بأن نقول: كلهم كذابون، وخونة، وليس فيهم عدل ولا خير وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران:75] الله تعالى ذكر هذا وذكر أيضاً بالمقابل وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً [آل عمران:75] هكذا لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ [آل عمران:113] فليسوا سواء فيهم وفيهم؛ ولهم بعض المزايا كالبشر.

    فالله تعالى خلق الشياطين شراً محضاً، أما غيرهم من الخلق ففيهم شيء من الخير ومن الشر، والعرب في الجاهلية كان لهم شيء من المزايا أيضاً: من الكرم والإيثار وحماية الجار، وقد أفاد منها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفادت منها الدعوة إلى الله، فمن باب العدل لابد أن تذكر، لكن لا يعني من باب الثناء عليهم مطلقاً أو تمجيدهم أو تحبيبهم إلى نفوس المستمعين -والعياذ بالله!-

    المسلمون في الهند

    السؤال: يريد كلمة عن إخواننا الهنود وما يعانونه الآن من الحكومة الهندية، وهؤلاء الكفرة الملحدين الهندوس، لأنني أشعر بالتكتم العام لجميع الوسائل حتى الوسائل الهندية؛ وفي الكلام عن تشريدهم ومعاناتهم؟

    الجواب: الكفار عموماً ومنهم أعداؤنا عباد الأبقار في الهند أعداؤنا، ولا غرابة في أن يعاملونا بما عاملونا به، ويجب أن نكون منصفين، أنا أقول: إن اللوم الأكبر فيما يجري في الهند يقع على المسلمين، لأننا نحن المسلمين حكمنا الهند ثمانية قرون، وفي النهاية لما جاء الإنجليز أخذوا هذا الحكم، وإذا بعباد الأبقار أضعاف أضعاف المسلمين؟ لأننا كنا مشغولين ببناء تاج محل، ونصنع الأعواد الموسيقية، ونؤلف الكتب في اللهو والأدب والمجون، شغلنا عن هؤلاء، فلو دعوناهم إلى الله -وقد كنا نحكمهم- كما فعل الصحابة الذين لما دخلوا بلاد الشام والعراق ومصر وغيرها جعلوها كلها إسلامية -إلا ما قل- لتغير الحال، فنحن الآن ندفع ضريبة تفريطنا، وندفع ثمن اشتغالنا بالدنيا والزخارف والأضرحة والقصور والمتاع الفاني وتركنا للدعوة، هذا أول شيء.

    الشيء الثاني: وقع ما وقع لأنه لا تعاطف ولا تراحم ولا تناصح بيننا.

    فمن منا بمجرد ما سمع هذا الخبر تأمل في عماله فقال كل عامل عندي هندوسي فليرحل فوراً، وأرجو أن يقع مثل هذا -إن شاء الله- لكن ما بلغني شيء من هذا، بل نحن نأتي بهؤلاء الكفرة إلى بلادنا ويستفيدون الخبرة والمال ويستعينون بهذا على تقتيل إخواننا هناك، ويبعثون التبرعات بل هي ضرائب يدفعونها شهرياً من رواتبهم لجمعية هندوسية هناك، ونحن في غفلة ونقول العلاقات الأخوية.

    وقاتل الله القومية العربية لأنها أتت لنا بمصائب كثيرة هذه منها، فمنذ كان جمال عبد الناصر الهالك زعيم الأمة العربية وكانت القومية العربية؛ في أوجها، من كان أصدقاء جمال عبد الناصر الذين أحبهم الشباب العربي: نهرو في الهند هذا حبيب الأمة العربية، وكان تيتو في يوغسلافيا وكان لومومبا وكان نكروما فنشأت الأمة ونشأ الشباب على أن هؤلاء لهم حقوق كأنهم إخوة، فقالوا: مؤتمر عدم الانحياز، وعقدوا أول مؤتمر لدول عدم الانحياز، وإذا بالهند يطلق عليها زعيمة دول عدم الانحياز، عباد الأبقار لما رأوا العالم إما شرق شيوعي وإما غرب رأسمالي، قالوا: أين البقرة، أين مكان البقرة؟ فيعنون البقرة الثالثة، فجاء المسلمون وصاروا أتباعاً لعباد البقر!!

    لأننا نحن يجب أن نكون قادة العالم وسادة الدنيا، ويجب أن ننير هذا العالم المظلم بتقوى الله، فالقومية العربية جعلتنا نمضي إلى الهند فإذا بها زعيمة دول عدم الانحياز، فنسينا إخواننا المسلمين في الهند وفي كل مكان، وتغاضينا النظر عن كل ما يصابون به.

    والآن ومع الصحوة والإفاقة -والحمد لله- وانهيار القومية العربية لا ردها الله، وبقي من آثارها شيء، ولكن نرجو أن تنهار إلى الأبد، يجب علينا أن نراجع أمورنا، ونجعل ولاءنا وبراءنا بحسب العقيدة، وبمقتضى العقيدة ولا بمقتضى الانحياز وعدم الانحياز، لا بمقتضى المجاملات الدولية، والمداهنات السياسية، ولا بمقتضى أي علاقات مادية، وإنما لله وفي سبيل الله.

    وإذا كنا كذلك فو الله سيغنينا الله من فضله، فالأمة الإسلامية فيها من الخيرات ومن الثروات ومن الطاقات البشرية ما لا يوجد في أي أمة من الأمم، فأين الذين يدعونها وأن تكون أمة ربانية حقاً، وأن تكون أمة مؤمنة حقاً؟! أن تقود العالم كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] أين الذين يجمعون طاقاتها كما يجمع هؤلاء طاقاتهم؟ ويجمعون أموالهم لإبادة الإسلام، نجمع طاقاتها لتحارب أعداء الله، من يقف في وجهنا بالله عليكم؟! من يقف في وجه هذه الأمة إذا هي أفاقت واستيقظت؟!

    نحن رأينا في هذا الحرب الأخيرة، أن كل الدول تجمعت على العراق ولو كانت بريطانيا وحدها لن تنهزم العراق وهم بعثيون وروافض، وفيهم من ترك الدين، وما فيهم إلا من رحم الله، فبالله كيف إذا عدنا كلنا -كل الأقطار التي فيها المسلمون هم الأكثرية أو شبه الأكثرية- لو عدنا جميعاً إلى الإسلام وجمعنا قوتنا وكنا قوة واحدة، هل تغلبنا أي دولة من الدول أو أي تجمع عالمي؟! والله لا يغلبنا، أما ونحن في حالة المهانة والذل فيغلبنا عباد الأبقار، وأصبحت الهند الآن تطالب أن يكون لها مقعد دائم في مجلس الأمن، وهذا يجعلنا -والعياذ بالله- نخضع لها أكثر، ونتوسل إليها إذا كان لدينا قضية أن تصوت معنا، وإذا استخدمت حق (الفيتو) انتهى العمل كله من أوله إلى آخره.

    لماذا؟! لماذا نرضى لأنفسنا بهذه المهانة؟! لا حل لنا من هذه المشكلة أو غيرها إلا أن نرجع إلى الله، وأن نحيي الجهاد في الأمة كما بدأ في كشمير وإن شاء الله يبدأ في مناطق أخرى بـالهند يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم} هذا هو الحل، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرجعنا إلى ديننا، وأن يردنا إليه رداً حميداً، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه سميع مجيب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718653

    عدد مرات الحفظ

    754297597