سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحديد:21] لمن يا رب أعدت هذه الجنة؟ وهيئت وزينت؟ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].
هذه الآيات تقرر حقيقة الدنيا، وحقيقة الآخرة، والمراد منا حينما أوجدنا الله في هذه الدار، إنها ميدان عمل، ومضمار تسابق، وإن الليل والنهار والشهر والسنة مطايا نركبها إلى الجنة أو إلى النار، بحسب السير، فمن الناس من قطع مراحل حياته متزوداً بغضب الله وسخطه ولعنته، يصبح على معصية الله، ويمسي على معصية الله، ويفتح عينه باستمرار في معصية الله، ويخصص أذنه على الدوام في سماع معاصي الله، ويتكلم بلسانه فيما يسخط الله، ويأكل بفمه وينزل في بطنه ما حرم الله، ويطأ بفرجه فيما حرم الله، ويمد يده إلى ما حرم الله، ويسير بقدمه ويسعى إلى ما يسخط الله، فهذا قد شد رحله وعزم وسافر إلى دار الدمار والنكال، أعاذنا الله وإياكم منها.
ومن الناس من عرف سر وجوده وحقيقة وجوده، وعلم أنه يناط به أمر:
قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل |
فشد راحلته، وحمل عصا السير على عاتقه، وشمر وقال: إليك ربي لا ألوي عن راحلتي إلا إليك، فقطع رحلة عمره متجهاً إلى خالقه، مسخراً كل ملكاته وإمكانياته في مرضاة الله، فهو مع الله في الليل والنهار والسر والجهار، يصلي مع الله، ويعمل في مكتبه وهو مع الله، ينام على ذكر الله، ويأكل ويأتي أهله باسم الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحب ويبغض في الله، ولا يصرف دقيقة من دقائق حياته الغالية إلا بما يعود عليه بالنفع في الدار الآخرة.
فهذا هنيئاً له هذا المسير، وليس بينه وبين الجنة إلا أن يقف في آخر مرحلة من مراحل هذه الحياة عند جدار يسمى الموت، وهناك يقال له: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
نسأل الله من فضله.
هذه الأيام مطايا أين العدة قبل المنايا أين الأنفة من دار الأنايا أين العزائم أرضيتم بالدنايا إن بليَّة الهوى لا تشبه البلايا وإن خطيئة الأحرار لا كالخطايا |
يا مستورين ستظهر الخفايا قضية الزمان لا كالقضايا ملك الموت لا يقبل الوساطة ولا يأخذ الهدايا أيها الشاب! ستسأل عن شبابك أيها الكهل! تأهب لعتابك أيها الشيخ! تدبر أمرك قبل سد بابك |
يا مريض القلب! قف بباب الطبيب يا منحوس الحظ! اشك فوات النصيب |
لذ بالجناب قليلاً وقف على الباب طويلاً واستدرك العمر قبل رحيله وأنت بداء التفريط عليلاً |
يا من عليه نُذر الموت تدور يا من هو مستأنس في المنازل والدور لا بد من الرحيل إلى دار القبور والتخلي عما أنت به مغرور غرك والله الغَرور بفنون الخداع والغرور |
يا مظلم القلب وما في القلب نور الباطن خراب والظاهر معمور إنما يُنظر إلى البواطن لا إلى الظهور لو تفكرت في القبر المحفور وما فيه من الدواهي والأمور كانت العين منك تدور |
يا من يجول في المعاصي قلبه وهمه يا معتقداً صحته في ما هو سقمه يا من كلما زاد عمره زاد إثمه يا قليل العبر وقد دق عظمه يا قليل العقل وقد تيقن أن القبر عما قليل يضمه كيف نعظ من قد نام قلبه لا عينه وجسمه |
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم، قد كبلتك خطيئتك.
وقيل لـابن مسعود رضي الله عنه: [ما نستطيع قيام الليل، قال: قيدتكم خطاياكم].
قال الأصمعي رحمه الله: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا أطوف بالكعبة بالليل، وكانت ليلة قمراء، إذ أنا بشاب ظريف الشمائل، حسن الوجه، عليه أثر الخير، وإذا هو متعلق بأستار الكعبة ويقول: [إلهي وسيدي ومولاي! غارت النجوم، وهدأت العيون، إلهي! أغلقت الملوك أبوابها، وقامت عليها حجابها، وبابك مفتوح للسائلين، جئت أنتظر رحمتك يا كريم] فما زال يردد هذا الدعاء حتى وقع مغشياً عليه، قال: فدنوت منه فرفعته فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، قال: فبكيت لبكائه، فوقعت قطرة من دمعي على خده فأفاق، وقال: من هذا الذي شغلني عن ذكر مولاي؟! فقلت له: يا ابن بنت رسول الله، أنا الأصمعي ، فما هذا البكاء وما هذا الجزع؟ أليس الله يقول فيكم أهل البيت: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:33]؟ فقال: [هيهات هيهات يا أصمعي ، إن الله خلق النار لمن عصاه وإن كان حراً قرشياً، وخلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً] قال: فتركته على حاله ومضيت.
هب أنهم تمتعوا بكل متاع، وتلذذوا بكل لذائذ الدنيا، ولكن ماتوا وقابلوا ربهم والله ساخط عليهم، فماذا يبقى معهم من النعيم، إن النعيم واللذائذ تفنى وتذهب وتبقى آثامها وتبعاتها، وإن الطاعات والمعاناة في إتيانها تذهب وتنتهي ويبقى ثوابها وأجورها، فلا تغتر يا أيها الأخ في الله! وأنت تسير في مراحل هذه الحياة، لا تغتر بالمعوقات والمثبطات، بل اسلك سبيل الصالحين، ولا يغرك قلة السالكين، واحذر من طريق الهالكين، ولا تغتر بكثرة السالكين وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116].
اسلك السبيل الواضح الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستقيماً لا عوج فيه، ولا انحناءات ولا التواءات، بل محجة بيضاء ليلها كنهارها، ليس فيها غبش ولا ظلمة، لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما طريق النار فهي سبل ملتوية، وطرق متعددة على رأس كل منها شيطان، يزين للناس ويضلهم ويمنيهم، ويعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.
وأنت أيها المسلم في هذه الحياة تقف الآن على مفترق طرق: طريق الجنة وطريق النار، طريق الجنة قد نصبت لك أعلامه، ولاحت لك علاماته، وعليه لوحات إرشادية، بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللوحات الإرشادية التي على طريق الإسلام والجنة لوحات عظيمة، مكتوب فيها: الطريق فيه شيء من الصعوبة؛ أشواك، وحجارة، ومطبات... وغيرها، ولكن نهاية هذا الطريق جنة عرضها السماوات والأرض، فيها (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) فيها السرور والحبور، فيها القصور والحور، فيها أنهار اللبن والخمر والعسل وماء غير آسن: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] هذه طريق الجنة، وفي الطريق نوع من المعاناة؛ لأنها حفت بالمكاره: بالجهاد .. بالصلاة .. بالصيام .. بالزكاة .. بالحج .. بغض البصر .. بحفظ الفرج .. بصون السمع .. بحفظ اللسان .. بترك الحرام .. بفعل الطاعات.
لكن المؤمن إذا سار على هذا الطريق فإنه مأمور بالجدية، وبالمثابرة وبالتقوى، بحيث لا يضع يده ولا قدمه إلا في الطريق الصحيح، وهذا معنى التقوى: أن يشمر ويتقي الله.
ليل نهارٍ، وشهراً وسنة، وسنة بعد سنة، حتى يقف عند جدار الموت، ويقال له: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:70-72] ماذا تظن الجنة؟ حوش بقر! تريد اثنين وسبعين حورية، وملكاً ينفذه بصرك مسيرة مائة عام، وأن تنظر ببصرك إلى وجه الرحمن، وتسمع بأذنك خطابه، ويكون لك في الجنة قصور من ذهب ومن در مجوف، ومن تحت قصورك أنهار تجري ... تريد كل ذلك بالمعاصي والذنوب، وبالأماني والكذب، لا والله.
يقول ابن القيم رحمه الله:
والله لو أن القلوب سليمة لتقطعت ألماً من الحرمان |
لكنها سكرى بحب حياتهاالد نيا وسوف تفيق بعد زمان |
يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان |
يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان |
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان |
يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ خطاب عنك وهم ذوو إيمان |
يا سلعة الرحمن لولا أنها حجبت بكل مكاره الإنسان |
ما كان عنها قط من متخلف وتعطلت دار الجزاء الثاني |
لكنها حجبت بكل كريهة ليصد عنها المبطل المتواني |
وتنالها الهمم التي ترنو إلى رب العلا في طاعة الرحمن |
هذه امتحانات! وكلما كانت الرتبة أكثر كان الامتحان أصعب، أليس كذلك؟! الآن امتحانات الثانوية هل هي مثل امتحانات أول ابتدائي؟! وامتحانات الابتدائية هل هي مثل امتحانات الجامعة؟! كلما كانت العطية والغنيمة أكبر، كانت الأسئلة أكثر، لماذا؟
حتى لا يصل إلى هذا المكان إلا الأهل والكفء، أما لو أنها لمن جاء فكل واحد يريدها، لكن لا بد من الامتحان، ولا بد من الاختبار: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] أي: ليختبركم أيكم أحسن عملاً إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف:7] هذا الطريق الأول، طريق الجنة وفي هذا الطريق مع الصعوبة والمعاناة أربعة أعداء متربصون بهذا الإنسان:
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف النجاة وكلهم أعدائي |
فالله عز وجل لا يخطئ في حكمه وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:70]..أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54].
إبليس نظرته مقلوبة، ورأيه منكوس، يقول: النار تأكل الطين فهي أفضل من الطين؛ فلا ينبغي أن تسجد النار للطين، قال الله له: قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [ص:77-78] ما زنا، ولا سرق، ولا لاط، ولكن خطّأ الرب، وقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين [الأعراف:12] قال: قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [ص:77-78] .. قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82] ثم قال: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف:16] أي: لأزينن لهم في الأرض، وقال: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17] قال الله لآدم: فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ [طه:117] .. وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35] لا تقربا هذه الشجرة، كلا من كل ثمار الجنة، ولكن: من أرادها كلها أو حرمها كلها.
ولكي تعرفوا كيف يأتي إبليس إلى الواحد منا، جاء إلى أبينا آدم، وآدم أحبَّ الخلود في الجنة؛ لأنه ليس من أهلها بالأصالة، بل هو خلق طارئ غريب، وليس من الملائكة، وإنما هو قبضة من التراب، ونفخة من الروح من السماء، فيخاف الغريب باستمرار أنه يخرج من هذه الجنة، يريد داراً مملوكة له. فأتاه إبليس من هذا الجانب وقال له: وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [الأعراف:20] وبعد ذلك حلف لهما: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21] ولهذا لا تطع كل من يحلف لك أنه ينصحك؛ لأن إبليس حلف أنه ناصح وهو كاذب، وما كان آدم يظن أن أحداً يحلف بالله فاجراً، وبعد ذلك قال: قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120] إذا أكلت من هذه الشجرة تصبح من الملائكة! ولا تخرج منها! فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ [الأعراف:22] أي: بمكر وكيد وخديعة ودهاء فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا [الأعراف:22] كل شجر الجنة أكله لا يترك أثراً إلا رشحاً كالعرق وله ريح المسك، إلا هذه الشجرة من يأكل منها لابد أن يخرج منه أذى، ولذا قال الله لآدم: لا تأكل منها من أجل ألا تخرج أذى، وجاء الشيطان بعد أن أكل يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا [الأعراف:27].
قال الله عز وجل: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [طه:123] انزلوا جميعاً، فالعداوة ابتدأت في الجنة وانتهت بالاستقرار في الدنيا، والله يقول: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:123-126].
نزل آدم إلى الدنيا ورأى الدار غير الدار، كان عهده بالجنة وما فيها من الحور والقصور والأنهار، وإذا به يأتي إلى هذه الدنيا الدنيئة الحقيرة التي لم ينظر الله إليها منذ خلقها، والتي لا تزن عند الله جناح بعوضة، كما جاء في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)
دنيا تافهة حقيرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (ما الدنيا في الآخرة -أي: نسبتها- إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم -أي: في البحر- فلينظر بم ترجع) ترجع بنقطة، هذه النقطة هي الدنيا والآخرة، ونحن نتطاحن عليها، ونضيع ديننا في هذه النقطة، ونتذابح ونتناحر في جناح البعوضة، ونترك جنة عرضها السماوات والأرض.
نزل آدم ورأى الدار غير الدار فصحح الوضع، قال الله تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122] تاب ورجع.
قال ابن القيم:
(فحي على جنات عدن) يقول: أنت لست باقياً في هذه الدار، ولست مخلوقاً من أجل هذه الدار، نحن أصلنا في الجنة، وديارنا ومنازلنا في الجنة، وزروعنا وثمارنا وأنهارنا وزوجاتنا في الجنة، لكن العدو أخرجنا منها ولا بد من أن نرجع، يقول:
فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم |
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم |
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرم |
وأي اغتراب فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداء فينا تحكم |
يقول: إن الغريب إذا فارق بلاده ودياره فإن قلبه يتعلق بدياره حتى يعود إليها، مهما تمتع في الدار التي هو فيها، لا يريد إلا داره، وكذلك قلوب أهل الإيمان معلقة بالجنان، يعيشون بأجسادهم في الأرض وأرواحهم في السماء، أرواحهم تحلق في العرش، يريدون العودة إلى دار الكرامة والسعادة، نسأل الله من فضله.
تخرج بعماراتك وسياراتك ودكاكينك وأكياسك ورتبتك تحارب ربك، لو سلّط عليك جندياً من جنوده البسطاء ما تقدر له.
سلط الله على النمرود بعوضة كجندي بسيط من الجنود، دخل من أنفه واستقر في دماغه وامتص دمه، وتربى على مخّه حتى أصبحت كالحمامة في رأسه، وكانت تضطرب باستمرار، فدخل عليه رجل من خدامه وعبيده قال: اضرب رأسي، فضرب رأسه بالسيف فشقه نصفين، ونزل السيف على جناح البعوضة فكسره، فقالت: ربي دخلت بطاعتك، والآن انكسر جناحي، قال: تريدين دية أم تريدين جناحاً؟ قالت: ما هي الدية؟ قال: مثل الدنيا منذ خلقتها حتى أفنيها، قالت: ما أريدها، أريد جناحي، وإذا الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة.
أنت ضعيف تحارب خالقك! قال الله عز وجل: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] يعني الذي يرابي قد أعلن الحرب على الله، والحرب قائمة الآن بينه وبين الله، ولكن الغلبة لمن؟! لله، من الذي يستطيع أن يغلب ربه؟!!
أين كان هذا؟ الإنسان موجود من زمان، لماذا ما وجد مع الإنسان مثل ما وجدت الأمراض مع الناس؟! إن هذا جندي جديد من الجيش، من أفراد قوات الصاعقة الربانية، إنه بسيط لا تراه أمريكا حتى تحاربه، يدخل في الجسد فتنهار المقاومة ويموت الإنسان وينتهي، لماذا؟ عقوبة ودمار من الله للإنسان، فالذي يرابي يعلن الحرب على الله.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح عند البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، في حديث الرؤيا الطويل لما جاءه الملائكة قال: (قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل يسبح في نهر من دم) وتصوروا نهراً من دم، أنت الآن إذا ذبحت ذبيحتك، وطاش الدم في يدك تقززت حتى تغسل يديك، وهل تأكل والدم في يديك؟! وإذا كنت ملطخاً بالدم فماذا تصنع؟! فكيف بمن يسبح في الدم (فإذا رجل يسبح في الدم، وآخر على طرف النهر وعنده كومة من الحجر وذاك يسبح إليه، فإذا قرب منه فتح فاه فرجمه في حجر وبلع الحجر في بطنه ثم يذهب إلى هناك ويرجع، فقلت: من هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق -وفي نهاية الحديث- قال: أما الرجل الذي يسبح في الدم فهو آكل الربا).
وفي مسند أحمد يقول صلى الله عليه وسلم: (لأن يزني الرجل بست وثلاثين زنية في الإسلام أعظم من درهم يصيبه من الربا) وعند ابن ماجة يقول صلى الله عليه وسلم: (الربا بضع وسبعون حوباً، أدناه ذنباً كأن ينكح الرجل أمه) وهذا أقل شيء، والآن يمارسه المسلمون إلا من عصم الله، أعلى شيء أن تأتي بأموالك وتقول: أريد عليها ربا، أو فائدة، أو كما يسمونها عمولة، أو تكاليف موظفين، يخففون الاسم ويستبيحون محارم الله بتغيير المسميات.
يسمون الخمور مشروبات روحية، كيف مشروبات روحية؟! الروح شرابها من هذا الخمر؟! الروح غذاؤها من الله، لكنهم عكسوا المسألة وقالوا: الخمر مشروبات روحية، ويسمون الزنا الذي يقول الله فيه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] ويقول فيه: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] ويقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرج لا يحل له).
يسمون الزنا علاقات جنسية، ويسمون السحر وألعاب السيرك ألعاباً بهلوانية، يأتون بساحر كذاب ويأخذ سيخاً ويركزه في الأرض ويحنيه إلى عينه ويخيل إلى الناس أن هذا المنتصب سيخ حديدي وهو في الحقيقة حبل، ومرة من المرات دخل رجل من الموحدين على مثل هذا الساحر وقال له: أنت تقول إن عينك تستطيع أن تثني سيخاً حديدياً طوله (16) ملي، وفعلاً يضعه أمامه ويضعه على عينه حتى يثنيه مرة ثانية بعينه، فقال له: نعم، قال له: إصبعي أقوى أم السيخ؟ قال: السيخ أقوى، طبعاً السيخ تدقه لا ينحني إلا بقوة فظيعة جداً، لكن الإصبع ممكن تنحني، قال: تدري ما نريدك تحني السيخ، أريد إصبعي تحنيها فقط، قال: لا. ما أقدر، فتفله في وجهه وطرده، لأنه دجال كذاب ساحر فيسمونها ألعاباً بهلوانية.
ويسمون نكاح اليد بالعادة السرية، فالذي يرابي هذا ما اتخذ الشيطان عدواً، بل اتخذه صديقاً، والذي يترك الزواج وكلما أخذ إجازة خرج إلى خارج المملكة ، لماذا؟ قال: أريد أن أكمل ديني، يذهب هناك يكمل دينه، ويأتي وقد أصبح في جهنم، أول ما ينزل في أي بلد يسأل، في سيرلنكا وفي الدول الخبيثة المجرمة، يأتي من أرض الحرمين ليأخذ عمرة، نسأل الله أن يأخذ عمره أو يتوب عليه، تترك المقدسات والحرمين الشريفين، تترك مكة المكرمة ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، والله يخرجون لا يذهبون إلى العمرة في العشر ولا إلى قيام الليل في العشر الأخيرة، وإنما يذهبون إلى خارج الديار ليزنوا، وليخرجوا على الآداب والقيم والمفاهيم الإسلامية.
هذا ما اتخذ الشيطان عدواً وإنما اتخذه صديقاً.
والله حذرنا من الشيطان، فقال: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61] وقال لنا في آية أخرى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً [الكهف:50] بئس والله أن تبدل ربك بشيطانك، ربك الذي خلقك وأخرج إبليس من أجلك، تذهب تصادق إبليس وتترك ربك، أين عقلك؟! لماذا أخرج الله إبليس؟! لأنه ما سجد لك، فطرده الله إكراماً لك، وبعد ذلك عندما أطعت الشيطان، وخرجت من الجنة ونزلت إلى الأرض، قال الله عز وجل: إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ [طه:117] ثم تأتي تطيع الشيطان، قال الله تعالى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً [الكهف:50].
وبعد ذلك عدو له صفة متميزة، عدو لا تراه، وهذه المشكلة فيه قال عز وجل: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] إذا كان عدو أمامك تستطيع أن تحاربه وتتقيه وتحاول أن تفتك به؛ لأنك تراه، لكن ما الحيلة في عدو لا تراه وهو يزين لك، يجعل القبيح حسناً، والحرام حلالاً، والخير شراً، والشر خيراً، والزنا جميلاً، والغناء جميلاً، والصلاة ثقيلة، والقرآن مزهداً، والدين معقداً، هذا هو الشيطان، وهذا هو إبليس يقلب لك الحقائق!
فأنت إذا كنت جالساً في فراشك وتتقلب وسمعت الله أكبر، فأول شيء تقوله بعد فتح عينيك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، أصبحت على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم، اللهم ابعثني إلى كل خير، واصرفني عن كل شر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قم كالأسد، وهنا تنحل عقدة، كما جاء في الحديث: (إذا نام العبد حضره الشيطان وعقد على ناصيته ثلاث عقد) ثلاثة أقفال حتى لا تصلي الفجر، ورباط مقيد لا يربط بهدوء، لا بل يربط ربطاً لا ينفك إلا بالأمور الثلاثة هذه قال: (فإذا ذكر الله وقام انحلت عقدة) يعني: انفك القفل الأول (فإذا دخل وتوضأ وخرج وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون انحلت عقدة ثانية) وينفك القفل الثاني، ولكن بقي واحد فانتبه، فإذا خرجت إلى المسجد وذكرت الله عند بابك وتقول حين تخرج: باسم الله توكلت على الله اعتصمت بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أبغي أو يبغى علي، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، اللهم ابعثني إلى كل خير، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، ومن أمامي نوراً، فتدعو بهذه الأدعية، ثم تذكر الله بأذكار الصباح إلى أن تصل المسجد، فتدخل المسجد وتقدم رجلك اليمنى وتقول: باسم الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، اللهم صل على محمد، ثم تأتي وتصلي ركعتي الفجر، ثم تجلس فتقرأ القرآن، ثم تصلي بحضور قلب، ثم تقرأ بعد الصلاة الأذكار النبوية المشروعة، ثم إن كنت من أهل جلسة الفجر، من أهل العمرة والحج التامة التامة فتجلس، وإن كنت من أهل التصفير والتحضير والنوم، فارجع ومعك خير وقد انحلت عقدك الثلاث، وتصبح عبداً في حفظ رب العالمين، كما جاء في الحديث الصحيح: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي).
معنى في ذمة الله أي: في عهده وأمانه، ولو عشت ذاك اليوم فتعيش مع الله، وإن مت فإلى الجنة، نعم، معقول يدخلك الله النار وأنت في أمانه وفي عهده وذمته، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله).
فالشيطان يمكر ببعض الناس الطيبين ويقول لهم: قوموا الليل، فإذا قاموا الليل رقدهم عن صلاة الفجر، وبال في مسامعهم، والله ما نفعك قيامك؛ لأن قيام الليل نافلة، وصلاة الفجر فريضة، وأعظم شيء تتقرب به إلى الله هو الفريضة. (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) أحب شيء إلى الله الفريضة، وبعد ذلك، عندما تحافظ على كل الفرائض تأتي وتتحبب إلى الله بالنوافل قال: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه) وهنا أصبحت العلاقة بينه وبين الله قائمة، إذا سأل أعطى، وإذا استغفر غفر له، وإذا استعاذه أعاذه (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له منه).
هذا العدو اللدود -الشيطان- عند ورود أمر الله عليك مباشرة تستعيذ بالله منه.
وعندما تأتي تخرج زكاة مالك فتعد الأموال ويأتي الشيطان، مثلاً: عندك مليون ريال، والمليون فيها خمسة وعشرون ألفاً، لا يأتي الشيطان ويقول: والله باقي بركة تسعمائة وخمسة وسبعون ألفاً، بل يأتي ويقول: خمسه وعشرون ألفاً، تخرجها كلها! هذه تشتري بها سيارة والله غفور رحيم.
فيجعل لك الكبير هو الذي تخرجه لله، والصغير هو الذي يبقى لك، لكنك إذا سمعت مثل هذا الإيحاء قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ يا عدو الله، وإذا دعيت للإنفاق في سبيل الله، مثلاً للجهاد وللمجاهدين الأفغان؛ لأن مساعدتهم ليست نافلة علينا بل واجبة، ليس لك خيار في مساعدة إخوانك الذين يواجهون الرصاص بصدورهم، ويلتحفون السماء ويفترشون الأرض، خاصة هذه الأيام، أنت الآن في بيتك مكيَّف بالمكيف، وعندك ثياب شتوية وملابس داخلية وعباءة والدفاية والزوجة، تخرج من البيت إلى المسجد كأنك من رجال الفضاء ما تجد الرياح إلى وجهك طريقاً، وبعد ذلك مملوء بالطعام، تدخل البيت على فراش ارتفاعه نصف متر، وتتقلب على هذا الفراش ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، وتتبطح من طرفه إلى طرفه، ولك إخوان يعيشون على قمم الجبال، والثلوج تقطِّع أبدانهم.
يقول لي أحد الإخوة الذين ذهبوا هناك: والله إنهم لا يلبسون إلا الثياب البيضاء التي نسميها نحن (لاس) يقول: والله إنها ملبدة بالثلج، وإن بعضهم لا يكاد يحرك يده أو أصابعه من البرد، ولكنه يذكر الله ومع الله، ثم ماذا يأكلون؟! يأكلون الرغيف الجاف، ينقعه في الماء ويدقه ويأكله، ولا فراش ولا ثلاجة ولا مكيف، ثم أين هو جالس؟! جالس تحت أزيز الطائرات والقنابل تنفجر عند رأسه، والمدافع ترميه وهو يزحف على بطنه حتى يذهب ويزعزع أعداء الله، وحق له ذلك والحمد لله، روسيا .. الدب الروسي الذي دمر العالم وأرهب واجتاح دولة المجر في ست ساعات، لكن تسع سنوات والمجاهدون الضعاف الذين لا يملكون شيئاً حتى السلاح إلا من أيدي أعدائهم ركع الروس على الأرض وانسحبوا صاغرين خائبين بسبب قوة الإيمان.
ولهذا نقول لجيوشنا ولحرسنا ولقواتنا: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] لا ينصرنا إلا الله، فلا نستطيع أن ننتصر على أعدائنا بقوة السلاح فحسب؛ لأنه يملك مثل ما نملك بل ربما أكفأ، لكن السلاح الفتاك الذي نملكه ولا يملكه العدو هو سلاح الإيمان، وإذا استعملنا هذا السلاح والله ما تقوم لنا الدنيا كلها بأسرها ولماذا؟ لأن الله معنا، ومن كان الله معه، فلا يهزم، يقول عمر رضي الله عنه في رسالته إلى قواد الجيوش الإسلامية، يقول: [والله إني أخشى عليكم من الذنوب والمعاصي أعظم مما أخشى عليكم من الأعداء، فإنما نقاتل بالله].
وأرسل نجدة إلى القعقاع بن عمرو وقال: [إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم] وكان القعقاع من العباد.
كان محمد بن مسلمة في المعركة ومعه محمد بن واسع إمام من أئمة العلم، فكان محمد بن واسع في الليل يقوم وفي النهار يدعو، فيقول محمد بن مسلمة: [والذي نفسي بيده! إن إصبع محمد بن واسع أعظم عندي في الجيش من ألف شاب طرير، ومائة ألف سيف شهير]
يقول: ما أريد شباباً أقوياء وسيوفاً مع معصية وكفر وزندقة وإلحاد، هؤلاء لا ينصرهم الله، نقول لجيوشنا ولحرسنا ولقواتنا: عليكم بطاعة الله واحذروا من معصية الله، فإن المعاصي تنخر أديانكم، والذنوب تدمر إيمانكم، وبعدها لا يصبح لكم شرف الرباط في سبيل الله، لأنكم اليوم تعيشون أعلى درجة من درجات الجهاد وهو الرباط، أنتم على ثغور الدين، والمقدسات، تذودون بنحوركم عن دين الله عز وجل، فإذا احتسبتم النية لله وأصلحتم العلاقة بينكم وبين الله كنتم مرابطين في الدنيا، وإذا متم على الفراش أو بالشهادة أنزلكم الله منازل الشهداء، أما إذا عشنا على المعاصي والذنوب وأصبحنا مرتزقة، فقط همُّ الواحد منا الراتب في آخر الشهر، والثلاجة تكون مملوءة، والفلة مكيفة وجميلة، وبعد ذلك لا عبادة ولا صلاة، فهذا خزي ودمار وعار ولن ينصر الله الدين بمثل هذه الأشكال.
شكا إلي شاب من الشباب هداه الله والتزم، وجاءني في يوم من الأيام إلى المسجد وقال لي: يا شيخ! الحمد لله كل شيء طيب وأنا استطعت أن أتخلص من كثير من الذنوب، ولكن بقي شيء صعب عليَّ، إذا خرجت إلى السوق أو رأيت امرأة أحس أن قوة خارجة عن قوتي تلف رأسي غصباً عني إليها، إبليس ماسك (الدركسون) يلفه مع المرأة، كيف أصنع؟ قلت له: أعطيك علاجاً ولكن تعمل به؟ قال: ما هو، قلت: إذا أحسست بهذه القوة قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فذهب الرجل وبعد يوم جاءني، وقال لي: جزاك الله خيراً، قلت له: ماذا بك؟ قال: والله ذهبت أجرب هذه الليلة، وذهبت إلى السوق لأشتري أغراضاً فرأيت امرأة فغضضت بصري خوفاً من الله، ولكن شعرت أن هناك ما يجذبني نحوها فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا بي أنجح.
يقول الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200] إذا جئت في الليل وأنت نائم، تمر يدك في مؤشر الراديو على أغنية من الأغاني وأنت تعرف هذه الأغنية من الماضي والشيطان يحببها لك، فلا تقف عندها بل أسرع بيدك واهرب من إبليس وقف على إذاعة القرآن الكريم وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وإذا سلمك أمين الصندوق الراتب وأعطاك ستة آلاف أو سبعة آلاف وعددتها وإذا بها زائدة مائة ريال، وعددتها مرة ثانية وثالثة وإذا بها زائدة مائة ريال، والشيطان يقول: حق الحكومة، يا رجل! الناس يأخذونها (بالكريكات) وأنت هذه فقط! من مال الحكومة! لا. ليست هذه من مال الحكومة، بل مال هذا أمين الصندوق، وأمين الصندوق يدفعها من راتبه، كما أن مال الحكومة أيضاً ليس حلالاً، بل من أعظم الحرام، وإذا أخذته يكون من الغلول الذي يقول الله فيه: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته بعير له رغاء، يأخذه من بيت مال المسلمين، فيقول: أغثني) يريد أن يأخذ الجمل من على رقبته؛ لأن الله تعالى يقول: يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ [الأنعام:31] فشيء تأخذه اليوم تحمله يوم القيامة، (فيقول: أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء) شاة أخذها من مطعم، أو التغذية عشرة كباش كل يوم، لكن يذبح ستة والباقي للجيب الخاص، هذه كلها مقيدة مربوطة إلى أن تموت، يربطها الله في رقبتك كلها ويدخلك بها النار، (فيقول: أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق) يقول المفسرون: رقاع تخفق أي الملابس، بدلة أو كوت أو فنيلة أو شراب ليس لك، أي: لم يسلم لك، ولكن أنت أمين المستودع تُلبِس الجماعة كلهم، وتلبس بناتك وعيالك كلهم، هذه كلها تأتي بها يوم القيامة في رقبتك، والله لو دبوس واحد أو قلم أو ورقة تحضرها.
أحد السلف مات، فرؤي بعد موته فقيل له: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي، غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها ولم أردها. فهو لم يسرقها ولكن فقط استعارها ولم يردها، كيف بالذي يأخذها من بيت مال المسلمين؟!! يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في البخاري في قصة غلام اسمه كركرة في معركة من المعارك جاءه سهم فمات، فقالوا: هنيئاً له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي غلها من المغانم -لم تصبها المقاسم- لتشتعل على ظهره في النار).
قال العلماء: إن هذه الشمله تساوي درهمين، فجاء رجل وقال: (يا رسول الله أخذت شراكين -شراكين من حق الغزو- فقال: شراكين من نار) مال الحكومة ليس سهلاً، لا تأخذ شيئاً من بيت مال المسلمين، مما أسند إليك ولو ورقة ولو قلماً ولو دبوساً، يكفيك راتبك فقط، فإذا جاءك شيطان يقول لك: المائة هذه خذها، قل: لا. وردها إلى أمين الصندوق وقل له: هذه زائدة وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
أما ترى الإنسان إذا غضب كيف يتحول من إنسانيته إلى إنسان آخر، ترى الإنسان طبيعياً ولكن إذا غضب كيف يتحول، أولاً: تنتفخ عروقه؛ لأن الشيطان دخل منها، ثم تبرز عيونه، ثم يضطرب ويرتعد، ويسب ويشتم ويلعن، وربما يطلِّق ويضرب، وربما يقتل وهو غضبان، فإذا جئت إليه وقلت له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ما يقولها، يقول: أنت لا تدري ماذا عمل بي هذا، تقول له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يقول: أنت لا تدري ما عمل، يا أخي! قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والله لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لجلس.
الغضب أيها الإخوة! باب كبير وواسع من أبواب الشيطان، يهلك الكثير من الناس بسببه، يطلق الرجل زوجته من أجل سبب تافه، ولكن عن طريق الغضب، ثم يندم، فإما أن يذهب إلى العلماء ليستفتي إن كان له فتوى، أو يترك هذه الزوجة ويحطم بيت الزوجية، أو يضيع دينه ويبقى مع زوجته وهي حرام، ويصبح أولاده أولاد زنا، ويأتي زوجته سفاحاً والعياذ بالله، وسبب هذا كله الغضب، بعضهم يقتل أخاه المسلم بسبب الغضب، ثم يندم ولكن بعد فوات الأوان.
كم من واحد الآن في السجن يعض أصابعه العشر ويتمنى أنه ما عرف هذه الحياة، وسبب القتل تافه وبسيط، بعضهم يقتل من أجل كلمة واحدة، ولو أنه مؤمن ومتقيد بآداب الشرع كان إذا جاءه الشيطان من هذا الباب قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
يخبرني أحد المسئولين عن رجل ينتظر الموت ومحكوم عليه بالسيف، وسببه أنه كان يسير في طريق وتجاوزه آخر، فلما تجاوزه رجع إلى الخط وضايقه، فجاء الشيطان ونفخ في هذا الرجل الأخير وقال له: انظر هذا يضايقك يريد أن يقلبك، ولو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يريد أن يقلبني ولكنه ما قلبني، نفخه الشيطان فداس على البنزين ولحقه إلى أن تجاوزه وكان انتقامه أكبر منه، يريد أن يقلبه، ويقوم هذا للمرة الثالثة ويلحقه ويأتيه الشيطان ويقول له: هذا عدوك، وأصبحوا مثل الأطفال، حتى تجاوزه ثم أوقف السيارة واعترضه في الخط ونزل بالمسدس، والتقيا هذا معه مسدس وهذا معه شقوف، فأخرج مسدسه وقتله، وبعد ذلك قبض عليه وجيء به في السجن وهو الآن يموت كل لحظة، ذاك المقتول أخذها على غير موعد ومات، لكن هذا القاتل منذ قبض عليه وهو يموت، ومنذ أن حقق معه وهو يموت، وكل جمعة وهو يموت، وكل ثلاثاء وهو يموت، وعندما يسمع قدم عسكري يموت، وبعد ذلك إذا أخرج للقتل وقيل له: قم اغتسل واكتب وصيتك، وإذا أخذ وربط من يديه وقدميه وركب في سيارة الشرطة وغمضت عيناه وجيء به وأنزل من السيارة ورأى الناس كلهم ينظرون إليه، ونظر إليهم وهم يريدون أن يعودوا بعد لحظات إلى بيوتهم وأزواجهم وأعمالهم وهو يقاد إلى (المقصمة) ثم يجلس ويقرأ عليه الإعلان وهو يسمع، ثم بعد ذلك تأتي الرصاصة لتضرب في ظهره وهو ينتظرها، فرق بين من يموت فجأة، وبين من صدره مفتوح للبندقية ينتظر متى تنفضه نفضاً، ثم تفتح صدره وتخرج رئته وقلبه وكبده أمامه.
وهذا كله عقاب الدنيا، وبقي شيء يشيب الرءوس في الآخرة، هذا كله بسيط قياساً على عذاب الآخرة، يقول ابن عباس عند قول الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:93] قال: [كيف أحكم له بالتوبة وهذه من آخر ما نزل في آخر سورة النساء] واختلف أهل العلم في توبة القاتل:
فقال بعضهم: لا توبة له، وقال بعضهم: له توبة؛ لأن القتل أقل من الشرك، والصحيح أن له توبة ولكن بشرط: أن يسلم نفسه لولي الدم، أما أن يقبض عليه باضطرار فلا.
بمعنى: أنه إذا قيل له وهو في السجن: هذا الباب مفتوح تريد تجلس وتسلم من عذاب الآخرة، أو تذهب إلى أهلك والآخرة بعد ذلك؟ إن كان جلس وقال: والله ما أخرج. هذا تاب، وإن كان قال: لا. والله المرأة والعيال، فهذا كذاب دجال ما تاب.
وأسباب هذه الجريمة والمصيبة أنه تجاوزه بالسيارة، طيب كم نسبة تجاوز الإنسان لك بالسيارة. كل يوم يتجاوزك، مرة بالسنة أو بالسنين كلها، وإذا أخطأ عليك ودقك، قل له: الله يسامحك وسلم عليه:
لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات |
إني أحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات |
وأملأ الوجه بشراً حين مقدمه كأنما قد حشا قلبي مودات |
إذا رأيت عدوك يريد أن يقحمك في المآسي فتبسم، إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره، والحديث في البخاري يقول صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه رجل قال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة).
فأنت يا أخي المسلم! في ساعات الغضب اضبط نفسك وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
حضرت مرة بين رجلين، وأحدهم معه عصا والآخر معه فأس، وهم عمال في مزرعة وجئت وإذا بهم والشيطان قد شغل (المواطير) كلها، وما بقي إلا أن يعلن البدء، لكن الله عز وجل ساقني لهم في تلك اللحظات، فمسكت الذي رأيته كأن الشيطان (معشِّق) عليه، فمسكته على جنب وقلت له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال: ما تعرف ما صنع بي.
قلت: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال: ما علمت يا شيخ!
قلت: قل أعوذ بالله.
فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا به جلس، والله الذي لا إله إلا هو إن عيناه رجعت، وعروقه هدأت وجلس، وقمت لذاك وإبليس راكبه، فقلت: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال: ما علمت هذا ما صنع.
قلت له: قل أعوذ بالله، فكررتها عليه ثلاثاً وأربعاً، حتى قالها فجلس فلما جلس قاما وتصافحا، قال: يا شيخ! أرأيت الشيطان كيف كان يورطنا، جزاك الله خيراً يا شيخ.
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200].
جاءنا رجل يسألنا في المسجد أنه طلق زوجته بعد صلاة المغرب بالطلاق الثلاث المحرمات ويريد فتوى، قلت له: ما هي الأسباب؟ وأين كنت؟
قال: كنت في الدوام وبعد ذلك معزوم، وما جئت إلا مع المغرب.
قلت: لما دخلت سمّيت الله؟
قال: لا. والله يا شيخ نسيت.
قلت: دخل معك إبليس؛ لأنك إذا دخلت بيتك فمن السنة أن تقول: باسم الله، وإذا تعشيت تقول: باسم الله، وإذا جئت زوجتك تقول: باسم الله، وإذا لبست نعلك تقول: باسم الله، وإذا رجلت رأسك تقول: باسم الله، لكن إذا سويت شيئاً من غير ذكر الله تراها كلها لإبليس، إذا دخلت دخل معك إبليس، وإذا تعشيت أكل معك إبليس، وإذا جئت زوجتك جاءها إبليس قبلك، ولهذا يصير الأولاد شياطين لأنهم أولاد إبليس، وإذا تدهنت وما سميت تدهّن معك إبليس، فقلت له: هل سميت حينما دخلت؟
قال: لا. والله.
قلت: دخل معك إبليس، وماذا حصل؟
قال: دخلت وجلست، ولاحظت قمامة في المجلس، انظروا كيف الشيطان يصنع من الحبة قبة. قال للمرأة: لماذا لم تكنسي المجلس، ما عندك من عمل طوال اليوم؟!
قالت: عجيب! تكمل دوامك، ثم تذهب تتغدى عند أصحابك وتتركنا ولا تجينا والآن تزيد تدخل تضارب.
قال: أنتِ ما فيكِ خير.
قالت: بل أنت ما فيك خير. المهم تشاجرا وتضاربا فصكعها فصاحت وشبت النار وقال لها: أنت طالق، وله ستة أطفال منها، ولد وبنت في المستوى الثانوي واثنين أولاد في المتوسط، واثنين أولاد صغار، قاموا يصيحون، وشبت النار في الأسرة وجاء الرجل وهو يرتعد: دلني يا شيخ، قلت: أعوذ بالله يورطك إبليس إلى فوق رأسك وبعد ذلك تأتي أدلك، ما عندي لك دلالة، ما عندي فتوى في هذا الموضوع، الطلاق بالثلاث، قال: طلاق بالثلاث، لا يفتي فيه أحد إلا شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذا الزمان، يفتي فيه ولكن ليس على الإطلاق، انظر المصلحة المرجحة، أما الذي يلعب بالأيمان، هذا دجال، يعزر ويضرب وقلت له: لو كنت في المحكمة وجئتني لجلدتك وعزرتك.
فلا تغضب إذا المرأة غضبت، إذا دخلت وهي غضبانة قل لها: السلام عليكم، كيف الحال ما بك اليوم، واضحك لها، لكن إذا دخلت وهي زعلانة قلت: أكون أنا زعلان أكثر وتقابلتما وصارت مشكلة، لا تغضب أبداً لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب، وإذا رأيت في الطعام شيئاً لا تغضب ولا تسبه اسكت؛ لأنك إذا سبيت الطعام كأن يكون الملح أو الفلفل زائداً.
أولاً: عبت الطعام فهذا خلاف للهدي النبوي؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما عاب طعاماً قط، إن أعجبه أكل وإلا ترك.
ثانياً: لفت نظر الجالسين، ربما لم يعلموا بالذي علمت به أنت، فإذا لفتَّ نظرهم أصبح عندهم حساسية ضد الطعام هذا وما أكلوا منه.
ثالثاً: أوغرت صدر المرأة المسكينة تتعب لك وأنت تخرب طعامها، ما الحل؟ تسكت، إن أعجبك كل، وإلا قف، قل: أنا شبعان أفطرت اليوم في المكتب فطوراً جامداً، وبعد ذلك عندما تكمل الطعام، تقول للمرأة: حقيقة طعامك اليوم من أروع ما يكون، والله ما أدري كيف سويتيه اليوم، بس ما أدري وأنت تحطي له الملح كأنك غمست الملعقة قليلاً طلع فيه ملح زايد، لكن غداً يحسن أنك تخففي الملح، تقول: والله قد بان لي أنك ما أكلت، أنا آسفة يا زوجي ويا عيالي، وغداً تصلح الطعام من الصباح، لماذا؟ لأنك عالجت الموضوع بحكمة، لكن ما ظنك لو أنك قلت من أول ما ذقته: ما هذا صبيتي الملح كله، أين عقلك؟! ما معك من شغل يا بنت الحرام، جالسة راقدة، أنا أكد وأشتغل وأتعب وأجيء والطعام هكذا، وقام، قالت: الله أكبر عليك يا ذا الجني، وهي قالت: والله ما أذوقه، وقال العيال: والله ما نذوقه، وصار اليوم تعب، وجاء الليل هي زعلانة وهو زعلان، هي في دار وهو في دار، والأولاد زعلانين، وإذا جاء الصباح تقوم تطبخ تسوي الرز، ماذا تصنع ما تسوي فيه ملح بالمرة خائفة من الرجَّل. فإذا جاء يأكل قال: الملح قليل، أمس ملح زيادة واليوم ما في ملح، ما بك أنت لا تعرفين واجبك، قالت: الله أكبر عليك يا ذا العفريت، نسوي ملح تصيح ما نسوي ملح تصيح .. وتصير مشكلة ويمكن يطلقها بسبب الملح.
فيا أخي! لا تغضب من أي شيء، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله، وإذا جئت وزوجتك على الباب تغضب، مثل ذلك الصحابي الجليل -والحديث صحيح- الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق وكان قريب عهد بعرس فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفقد أهله، ولما جاء إلى بابه وإذا بزوجته على الباب، فاستل رمحه ثم أشهره، ثم إذا به يريد أن يرسله على صدرها، ما في لعب في العرض، العرض ما فيه خيارات ولا فيه تساهلات، فقالت له: اتق الله واصبر، لا تعجل تعال وانظر بالداخل، فوقف؛ لأنهم يخافون الله، فدخل فإذا بثعبان عظيم على فراشه، قالت: هذا الذي أخرجني، كيف تجلس في البيت وفيه ثعبان؟ وأنا خرجت أرى أحداً ليقتله، وجاء بك الله، فقام الرجل من غيرته وشدته وبأسه وشجاعته، وضرب الثعبان على رأسه بالرمح فثار الثعبان واضطرب والتوى على الرجل، تقول المرأة: فوالله ما أدري من مات الأول؛ لأنهم ماتوا الاثنين سوياً، يمكن الثعبان هذا من الجن، ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم إذا رأى شيئاً من هذا في البيوت لا يقتل مباشرة، لازم تحرج عليه ثلاث مرات، إن كان في البيت الذي تسكن فيه، أو ثلاثة أيام إن كان في مكان لا تسكن فيه، تقول: أحرج عليك بالله إلا خرجت، إذا رأيت حية أو ثعباناً، قل: أحرج عليك بالله إلا خرجت، أحرج عليك بالله إلا خرجت، فإذا أكملت الثلاث غض طرفك واصرفه عنه، فإذا رجعت وقد خرج فهذا جني قد ذهب، وفكك الله منه، لأنه لا يتغير وأنت تراه، أما إذا صرفت بصرك عنه ورجعت وهو جالس فاقتله فإنما هو ثعبان من ثعابين الأرض، فإنك لا تغضب على شيء من الدنيا إلا على حرمات الله، إذا رأيت زوجتك في باب أو شباك، أو دخلت وهي تسمع الأغاني (يا قمر تسلم لي عينك)، فهي لا تريد القمر بل تريد آخر، ما موقفك؟ وإذا قالت: (يا الرمش الطويل)، ورمشك ما هو طويل، يمكن منتوف ما معك رمش، يعني تريد واحداً رمشه طويل (يتحدى الليل، أسمر وجميل) كما يقولون، إذا سمعتها تغني فلا ترض أبداً، إن من يسمع زوجته تغني أو تسمع الأغاني ويسكت هذا فيه دياثة.
إذاً: استعذ بالله من الشيطان عند ورود أمر الله وعند ورود نهي الله وعند الغضب.
واذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في مسند أحمد وهو صحيح قال: (التقى مؤمنان على باب الجنة، مؤمن غني ومؤمن فقير، فلو أنه غني فاجر ليس هناك طريق إلى الجنة؛ لأن تحويله على النار، لكن هذا مؤمن غني من أهل الإيمان- قال: فأدخل الله الفقير لتوه) ما عنده شيء، مثل الذي يريد أن يسافر المطار يريد أن يسافر جدة أو الرياض أو الدمام ويأتي يقول: ما عندي (عفش) وفي لوحة الركاب بدون عفش، أعطهم الورقة ويعطونك البطاقة ادخل الطيارة، لكن هذا الذي عنده عشرين أو ثلاثين (كرتون) ينزلها من السيارة ويحملها على العربيات، ويأتي يقف بها في الصف، وبعد ذلك قسائم وأوراق ويحملها، وما ينزل إلا آخر واحد من هناك ويجلس يرقبها، وهي رحلة بسيطة من هنا إلى مكة أو إلى الجنوب.
لكن رحلتك إلى الآخرة إذا جئت وأنت محمل دنيا، وما عندك عمل صالح، قال: (فأدخل الله المؤمن الفقير لتوه، وحبس المؤمن الغني ما شاء الله أن يحبس) حساب بدون عذاب، سين وجيم، من أين وفين، وهو ما أخذ ريالاً حراماً، ولا صرف ريالاً في حرام؛ لأن مسئولية المال نوعان: مسئولية الأخذ، ومسئولية الإنفاق، فالأخذ يجب أن يكون حلالاً، والإنفاق يجب أن يكون حلالاً، لا تدفع ريالاً في علبة دخان، تأتي يوم القيامة تقول: صرفتها في دخان، ما الدخان؟ كيف تخرجها عند ربك؟ يسألك الملك: ما الدخان؟ غذاء؟ تقول: لا. شراب؟ لا. دواء؟ لا. لباس؟ لا. ما هو؟ تقول: دخان..دخان، حسناً أكمل الدخان هناك في دار الدخان: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10] أعوذ بالله أين عقلك؟! تحرق ريالك وتحرق جيبك، وتغضب ربك وتطرد ملائكته، تأخذ هذا المخزي الخبيث، الناس يتطيبون بالطيب ويشترونه بمئات الريالات وعشرات الريالات، وأنت تشتري بخورك من بول إبليس ومن شجرة الشيطان الرجيم، وتأخذها في علبة وتتبخر بها كل يوم.
لا تصرف ريالاً في حلق لحية، كما يقولون الآن: يأتي الواحد عند الحلاق ويجلس هكذا، يضع له اثنتين عند أذنيه، ويجذب لحيته من الأذن إلى الأذن، وبعد ذلك يدبغه، ويأتي بالصابون وأيدي الحلاق وسخة؛ لأنه ما غسل يديه طوال اليوم، وذاك مستسلم مغمض عينيه! وبعد ما يكمل يضع اللحية عند رجليه! وبعد ما ينتهي يقول: نعيماً، الله لا ينعم عليك، ليس نعيماً بل جحيماً تحلق لحيتك وتقول: نعيماً، وهذا يقول: أنعم الله عليك، ويفتح الحقيبة ويطلع له أبو عشرة، تفضل هذه أجرة حلق اللحية، الله المستعان! ولا حول ولا قوة إلا الله! وعشرة أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم والمسند نرفضها: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى) .. (أكرموا اللحى) .. (أرخوا اللحى) .. (أسدلوا اللحى) .. (خالفوا المجوس) . (خالفوا المشركين) وكلها على جنب ولكن من نتبع ريجن وجورباتشوف الذين لحاهم مجلدة ونحن مسلمون أتباع محمد بن عبد الله نحلق اللحى ونعارض الرسول صلى الله عليه وسلم معارضة قوية، قال: (قصوا الشوارب واعفوا اللحى)، قلنا: لا. نحلق اللحى ونخلي الشوارب، ترى شنبه كبير فتقول له: ماذا بك؟ يقول: شنب، شنب!! الشنب مأمور بحلقه وبإزالته وتقصيره، لماذا تخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟
والله أنك مسئول عن العشرة الريال بين يدي الله يوم القيامة، وبعضهم يقول: ما دام أنا مسئول إذاً أنا أحلقها، أنا أوريكم في لحيتي ويذهب إلى البيت ويشتري له سكاكين ومكائن ويجلس أمام المرآة ويجلد، ويحاربونها، تريد الحياة وهم يريدون لها الموت! كل يوم وهي تريد الحياة ولكن تحارب بالسلاح الأبيض، والله لو حاربنا إسرائيل كما حاربنا لحانا لأنهيناهم؛ لأن الحرب قائمة بيننا وبين اللحى ولا حول ولا قوة إلا بالله!
فأنت مسئول عن كل ريال تنفقه، وبعض الناس ما يحلقها هكذا، بل يعمل فيها ديكورات مرة هنا مثل الختم الرسمي، ومرة هنا ويربطها بحبل ومرة يسوي خط إسفلت عرضه اثنين سنتيمتر من هنا ومن هنا! ومرة بعضهم يجعل له شنباً مع اللحية ويخلي فمه مثل الفتحة وسطها، يا جماعة الخير أين عقول المسلمين؟! ما هذا اللعب في وجوهنا ولحانا يا إخواني؟ وأصبحت مهزلة والله، هذه لحية زينك الله بها وجملك بها، وجعلها من أصل تكوينك، يقول الله عز وجل: لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] لو جئنا على واحد قطع نخرته ما رأيكم فيه، هل هو مشوه لنفسه؟ نعم. كذلك الذي يحلق لحيته يشوه نفسه؛ لأن الله ما أوجدها فيك وأمرك أن تبعدها، وما أمرك الرسول بحلقها، فأنت من الآن جهز الجواب، وإذا جاء يوم القيامة قل: والله كنت أحلق لحيتي بالفلوس هذه، هناك تعلم أن عذراً أقبح من ذنب. (فالتقى المؤمنان على باب الجنة، فدخل الفقير والغني حبس -حبس بالسؤال والجواب، أتدرون كم حبس؟ حبس خمسمائة عام، ثم دخل الجنة؛ لأن حرام الدنيا عقاب، وحلالها حساب- قال: فدخل المؤمن الغني الجنة، ولقيه صاحبه في داخل الجنة قال: والله يا أخي! لقد خشيت عليك، ما الذي حبسك عني؟ -يقول: يا أخي! خفت أنهم ذهبوا بك الدار الدانية، ما الذي حبسك؟- قال: حبسني مالي، حبست محبساً سال مني من العرق ما لو أن ألف بعير أكلت من حمض النبات ثم وردت عليه لصدرت عنه رواء).
ألف بعير، والبعير ما يرويه برميل إذا عطش، إذا أكل الحمض الذي يقطع جوفه من العطش ثم وفد على الماء يعبي برميلاً، هذا مقدار شرب ألف بعير هو عرق السؤال والجواب، كيف عرق العذاب؟! عرق العذاب يلجمهم في النار، كما جاء في الحديث: (أن أهل المحشر منهم من يلجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يغطيه، ومنهم من يسبح فيه).
فيا أخي المسلم! إذا جاءك المال ورأيته متزخرفاً فاصرفه في سبيل الله، استعن به على طاعة الله وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا [القصص:77] ليس هناك مانع أن تسكن وتركب وتتزوج وتأكل وتكرم الضيف وتلبس ولكن الزائد حوله إلى الآخرة.
أما أن تكنزه وتتباهى وتتعاظم به على المسلمين، فالمال هذا لا ينفع يوم القيامة بل يكون وبالاً على صاحبه في الدنيا والآخرة.
هذه الأربعة الأحوال للشيطان، العدو الأول من الأعداء الأربعة الذين قلت: إنها في طريق الذاهب إلى الله، في طي المراحل على طريق المطايا، أربعة أعداء:
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف النجاة وكلهم أعدائي |
وقد تكلمت في هذا المجلس عن العدو الأول اللدود وهو إبليس.
أما الحديث عن الدنيا فيحتاج إلى مثل هذا المجلس، والحديث عن الهوى يحتاج إلى مثل هذا المجلس، والحديث عن النفس الأمارة بالسوء يحتاج إلى مثل هذا المجلس، ولما كان الوقت ضيقاً فإننا نرجئ ذلك إلى فرصة أخرى بإذن الله، نسأل الله أن يقدرها على خير.
هذه المجالس المباركة أيها الإخوة! هي مجالس النفحات الرحمانية، والهبات الربانية، ومن يجلس فيها ويتابعها ويحبها ويألفها يحبه الله عز وجل ويألفه، وتعرفون الحديث الصحيح في البخاري ومسلم : (أن لله عز وجل ملائكة سيارة ...) والحديث بطوله لا أريده لكن الشاهد منه في آخر الحديث قال: (أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول أحد الملائكة: إن فيهم رجلاً ليس منهم، فيقول الله: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).
فهذا المجلس نحن نطلب من الله عز وجل أن يرحمنا جميعاً ببركة الصالحين منا وبفضل المؤمنين، وإلا فنحن كثيرو الذنوب والمعاصي، مقصرون في حق ربنا، ولكن نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل ذنبنا مغفوراً، وعملنا صالحاً مقبولاً، وأن نكون ممن يناديهم الله في آخر الجلسات: أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات.
الإخوة المسئولون عن النشاط والثقافة في الحرس يلفتون النظر إلى ضرورة التبرع للإخوة المجاهدين في هذه الليلة، وهناك إخوة سيقفون على الأبواب وعندهم تنظيم رسمي في أخذ هذه المبالغ وإيصالها إلى الجهات المعنية إن شاء الله، وحتى يجتمع لنا الخير كله في سماع العلم والتدليل على أن هذا السماع صحيح، يجب أن نخرج من جيوبنا ما ينفعنا بين يدي الله يوم القيامة، ولنجعل نحن في هذه الليلة المجاهدين ضيوفاً علينا، وأعتقد أنه لو أتاك مجاهدٌ الليلة ودخل بيتك فلن ترده، أليس كذلك؟ تعشيه وأقل عشاء تعشيه مائة ريال، فلا نريد أن ينقص عشاء أي مجاهد هذه الليلة عن مائة ريال من جيبك، وإن لم تكن موجودة هذه المائة فأعلى فئة من الفلوس في جيبك؛ لأن بعض الناس إذا فتح الحقيبة يريد يتصدق قال هكذا، وقلب أم خمسمائة هذه ما عليها سبيل، وأبو مائة هذه تلحق بها، وأبو خمسين هذه ممنوعة، وأبو عشرة هذه كذلك، ويدور أبو ريال وأبو خمسة، لا. نريد اليوم إن شاء الله ترفع رأسك، ثم أنت من تعطي؟ تعطي ربك؟ الله عز وجل غني عنك، لكن يقول الله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً [البقرة:245] فأنت الآن تضعها مائة تجدها يوم القيامة ملايين، يربيها ربك كما تربي فُلوك، ولكن إذا عييت وما أعطيت، خسرت أنت والله غني عنك، والجهاد قائم بدون ريالك ومائتك، لكن أنت محتاج إلى الله.
الجواب: دور العلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله واضح وليس عليه خفاء في أن يجري الترشيد والتنبيه واستغلال هذه التجمعات خصوصاً في أماكنها؛ لأننا نفترض أن الشباب الذين يأتون منهم فئات كثيرة غير مسلمة، وهؤلاء سينزلون في فنادق أو أماكن استراحة، ولا نتوقع أنهم يأتون إلى المساجد ولا نريد أن يذهبوا إلا بعد أن ينسق مع الجهات المعنية في الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ويطلب تحديد مواعيد للقاءات بهم، ولتكن في الليل بعد صلاة العشاء، ويكون القادر على التحدث عنده قدرة في عرض الإسلام العرض الشيق؛ لأننا والحمد لله في بلدنا المسلم المتماسك، بلدنا نموذج من بلدان العالم، فإذا جاءوا ووجدوا هذا النموذج العملي المطبق في الأمن والاستقرار والرخاء والعلاقات والصلات، وفيما يسيطر على مجتمعاتنا بفضل الله من خير، ثم قيل لهم: إن هذا كله من ثمار الإسلام، الإسلام الذي يربي الإنسان على خلق معين في الدنيا والآخرة هذا فيه جزء من الدعوة.
وأنا أقترح أن يقوم الإخوة المهتمون ومنهم صاحب السؤال، بالاتصال بسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، لتتولى الرئاسة العامة للدعوة والإفتاء والإرشاد التنسيق مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب في هذه الدروس فهذه فرصتنا، ما نريد أن يأتوا ليلعبوا ثم يعودوا، نريد أن يأتوا ويستفيدوا مما عندنا من الخير؛ لأنه ليس على وجه البسيطة أمة على الهدى إلا أمة الإسلام، والحمد لله ونسأل الله الثبات عليه.
الجواب: أحبك الله يا أخي! كما أحببتني فيه، ونسأل الله أن يظلنا وإياكم جميعاً في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، بسبب المحبة فيه؛ لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.
أما اللحية فاللحية اسم لما نبت في الذقن واللحيين، ولا يجوز للمسلم أن يأخذ منها شيئاً بل عليه أن يدعها كما خلقها الله، إن كانت طويلة فهي كرامة، وإن كانت على أي مقدار فلا تتعرض لها بسوء، اعقد معها هدنة وصلحاً وارفع عنها السلاح، سواء بالطعن أو بالنتف أو بالتخضيب كما يصنع بعض الشيبان، إذا طلع الشيب في وجهه:
والشيب في رأس الفتى لوقاره فإذا تعلاه المشيب توقرا |
أما أن تقصرها أو تنتفها أو تحكحك فيها لا، لكونها تؤلمك، أبداً ليس بصحيح، ما السبب! لك لحية غير الناس، إنما هذا شيء في نفسك وحساسية عندك، لكن ألزم نفسك أنك ما تقربها.
الجواب: أما هذا الماضي الذي ذكره الأخ فهو صحيح، ولكنه ماض عفا عليه الزمن إلى غير رجعة، ماضٍ لا أفخر به لا هنا ولا في الدار الآخرة، بل أحزن عليه، سنوات عجاف من عمري قضيتها لا دين ولا دنيا، ولم أستطع خلال فترة عمري فيها أن أكسب علماً حتى يقول الأخ: كيف استطعت أن توفق بين العلم والكرة، ما كان طلب العلم في تلك الأيام، وما جاء العلم إلا بعد أن حولت الموجة على طريق الله، ونسأل الله أن يثبتني وإياك على ذلك؛ لأن العلم واللعب نقيضان، كما لا يجتمع الليل والنهار لا يجتمع اللعب والعلم، اللعب يريد وقتاً والعلم يريد وقتاً، تريد تلعب وتتعلم ما يصلح.
يقول الشافعي: من اشتغل عن العلم بشراء بصلة لم يتعلم.
وكان ابن شهاب الزهري إذا دخل السوق يدخل مسرعاً قيل له: لمَ؟ قال: أخشى أن أسمع كلاماً من كلام الناس فيدخل في قلبي فيختلط بالحديث؛ لأنه كان يسمع ويسجل من أول مرة، وكان يحفظ من مرة واحدة، يقول: ترددت بين الشام والعراق والحجاز خمسة وأربعين سنة والله ما استطرفت فيها حديثاً واحداً. أي: لا يوجد حديث واحد إلا وهو في رأسي، ويقول: والله ما استودعت قلبي شيئاً فنسيه قط، لا يمكن يضع في قلبه حديثاً وينساه، وهذا ابن شهاب الزهري دخل هو وسليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك ، فقال هشام لـسليمان بن يسار : من الذي تولى كبره في قضية الإفك؟ والمعروف أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، لكن هشام يقول: لا. هو علي بن أبي طالب ، وهو غير صحيح، فقال سليمان بن يسار : الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ، قال: كذبت، إنه علي ، فقال سليمان: أمير المؤمنين أعلم، وسكت، ودخل الزهري قال له: يا بن شهاب من الذي تولى كبره؟ قال: عبد الله بن أبي ، قال: كذبت بل علي ، قال: أنا أكذب! لا أبا لك، بل كذبت أنت وأبوك وجدك، والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت.
يقول: أنا ما أكذب فضلاً عن أن أعرف أنه حرام أو غير ذلك، فما يصلح يا أخي! أن تلعب بل نظم وقتك لطلب العلم، وابدأ بالقرآن الكريم قراءة وترتيلاً وحفظاً مع التجويد، ثم تدبراً وتفسيراً مع أيسر التفاسير، كتاب صدر حديثاً اسمه أيسر التفاسير للشيخ أبو بكر الجزائري ، كتاب مفيد ثم اقرأ في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأدلك على كتاب يجمع الصحيحين وهو كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمؤلفه محمد فؤاد عبد الباقي ، هذا جاء بالأحاديث التي اتفق عليها البخاري ومسلم وجاء بها على لفظ البخاري ورواية البخاري ، ولهذا إذا قرأتها كأنك تقرأ قرآناً صحيحاً، ما في شك أبداً، اقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم واحفظ وانقل هذا العلم للناس، وأعط العلم كلك يعطيك بعضه، وإذا أعطيته بعضك لا يعطيك شيئاً.
الجواب: أولاً أحبك الله!
أما القصة مع الجني فهي واردة في الشريط لكن ما هو جني والحمد لله، آخر واحد قبل أسبوعين كان على فتاة وجيء بها إليَّ وقرأت عليه وكان مارداً خبيثاً إذا قرأت عليه وهو في رأسها يتأذى ويصيح ثم يذهب في بطنها، فأقرأ عليه في بطنها فيذهب في كتفها، ثم يذهب في رجلها، المهم أتعبني كثيراً، ولكني استمريت معه حتى ضايقته بفضل الله عز وجل وأردت التحدث معه فتحدث وأخبرني.
سألته عن اسمه فأخبرني باسمه وأخبرني بقبيلته من بلاد غامد وأخبرني بديانته بأنه يهودي، قلت له: في يهود هناك؟ قال: كل الفئات، يعني كل الأديان موجودة، فقلت له: لم جئتها؟ قال: أحبها، قلت له: لم تحبها؟ قال: هكذا، قلت: تخرج؟ قال: أخرج. قلت: ولا تعود؟ قال: بلى أعود، قلت له: لا. لا تعود، قال: لا أستطيع، المهم استمريت في القراءة معه وضايقته كثيراً وأخيراً قال لي: أخرج ولا أعود، قلت: تعاهد، قال: أعاهد، قلت له: قل: عاهدت الله، قال: عاهدت الله، قلت له: الذي لا إله إلا هو، قال: لا. لأن اليهود مشركون، قلت له: بلى! قال: لا. قلت له: بلى، قال: لا. وأخيراً ضربته وصفقته حتى قال: لا إله إلا هو، أنا أخرج من هذا الجسد ولا أعود إليه أبداً ولا إلى جسد مسلم، وقلت له: فإن عدت فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قال: لا. حرام عليك، قلت: لا حرام عليك أنت يا عدو الله، المهم لا زلت به إلى أن انتصف الليل وأعياني أن يقول هذه الكلمة، وأخيراً تعبت وانقطع صوتي وأنا أقرأ ورضيت به أن يخرج بدون أن يلعن نفسه، وخرج وذهبوا وهم في الخميس ساكنون، وبعد ليلتين اتصلوا بي وقالوا: جاء، قلت: أحضروه الله المستعان! وجاء وقرأت عليه وضايقته حتى خرج، وبعد ذلك إن شاء الله لم يرجع.
وهذه قصة من عشرات القصص، ونحن نقول للناس: تحصنوا من الشيطان والجن بالدين؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99] اقرأ في كل ليلة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين في بيتك، اقرأ سورة البقرة في بيتك فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان، اقرأ في كل صباح وفي كل مساء هذه الآيات .. آية الكرسي والمعوذتين والإخلاص، وأيضاً قل: لا إله إلا الله في اليوم مائة مرة، فإنها حرز لك من الشيطان، والحديث عند البخاري عن عبد الله بن عمر ، المهم تحصن، أما إذا ما تحصنت فأنت عرضة للعدو.
الجواب: لا أدري؛ لأن القول بالحرمة أو الحل فيه مسئولية، فأنا أطلب من الأخ أن يسأل الهيئة الدائمة للإفتاء.
الجواب: التوبة تجب ما قبلها، ومهما كانت غدراتك أو فجراتك أو آثامك، فإن الله يغفرها جميعاً بشرط التوبة؛ لأن الله تعالى يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] لكن وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:54] فكل شيء عملته من المعاصي فإنك بالتوبة تجبه وتقضي عليه بغير أثر رجعي.
أما المال فإن كان لمسلم فإنه ينبغي لك أن تعيده إليه، وإن كان لكافر محارب فإنه يؤخذ ويرصد في مصالح المسلمين، وهؤلاء الذين أخذت عليهم في أمريكا ليسوا محاربين؛ لأن دارهم دار كفر ولكنك مستأمن فيها أيام دراستك، ولهذا نرى أن تأخذ هذا المال الذي أخذته وتعده وتحصره وترسله للمجاهدين الأفغان ليقتل به أعداء الله وتبرأ به ذمتك إن شاء الله.
الجواب: يقول صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح: (إن الدنيا حلوة خضرة -طعمها زين ومنظرها أزين- وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) وفي الحديث أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: (ما تركت على أمتي فتنة أشد من النساء على الرجال) ومن أجل هذه الفتنة حرم الله عز وجل التبرج وأمر النساء بالحجاب وأمر الرجال بغض البصر، حتى تردم هذه الحفرة، ويقضى على هذه المعضلة، لكن إذا تبرجت المرأة وكشفت وجهها ونظر إليها الرجل واختلط بها، وُجدت الفتنة وشبت النار وتسبب هذا في فساد الدين ووجود الزنا.
إن الرجال الناظرين إلى النساء مثل الكلاب تطوف باللحمان |
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بلا عوض ولا أثمان |
لا تتركن أحداً بأهلك خالياً لو كان في النساك مثل بنان |
فما موقفك أيها المسلم؟
أن تأمر زوجتك بالحجاب، وموقف المرأة المسلمة أن تلتزم بالحجاب طاعة لله لا انقياداً لأمر الزوج؛ لأن من الأزواج من يأمر زوجته بالتبرج، يقول: تكشفي؛ لأني ذهبت عند فلان وترك امرأته تكشف عليَّ، وأنت تتغطين، لا والله، ما أنت بأحسن منها، يعني أرني زوجتك أريك زوجتي، واشتراكية، ومسالفة في الأعراض، لا. وبعضهم عنده امرأة غير جميلة يريد أن يرى نساء الناس فيغصبها غصباً أن تتبرج، حتى إذا ذهب يرى نساء العرب، خليها تصب القهوة وتجيب النار، وأولئك يستحون يقولون: والله يوم عنده دخلنا ما جاء بالقهوة غير زوجته، هاتي القهوة يا فلانة! وهذا مرض خطير لا يجوز في الشرع، والله عز وجل قد ذكر ذلك في آية الحجاب في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59] وقال: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ [الأحزاب:60] والمنافقون هم الذين يرضخون في سوق التبرج ويحبون النساء وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [الأحزاب:60] والمرض مرض الزنا ومرض الشهوات وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا [الأحزاب:60-61] هذه لعنة ربانية صدرت عليهم في كل مكان وجدوا فيه أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:61-62].
فلا يجوز للمرأة أن تكشف إلا على من أجاز الله لها الكشف عليهم وهم ثمانية أصناف في سورة النور .. أربعة من الأقارب وأربعة من غير الأقارب: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ والبعل في الشرع واحد وليس القبيلة كلها أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أبو البعل أي العم أَوْ أَبْنَائِهِنَّ ولدها أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ولد بعلها من غيرها وهي عمته أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ [النور:31] ولد خالها وولد عمها، وقريب الزوج هذا الحمو، والحمو الموت، هؤلاء الأقارب ومن غير الأقارب أربعة: أَوْ نِسَائِهِنَّ يعني: المرأة تكشف على المرأة أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ يعني: المرأة التي عندها عبد مملوك تكشف عليه؛ لأنه ما يستطيع يكشف عورتها؛ لأنه يخاف منها أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ [النور:31] التابع للزوج: مثل الخادم، والراعي، والعامل، والسائق، والتابع للزوج يجوز له أن يكشف على المرأة بشرط: أن يكون مخصياً كما قال الله عز وجل: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ يعني ليس له شهوة، فهو مخصي، لكن عندما نأتي بواحد فلبيني ونتركه مع المرأة والبنات يذهب بهن إلى المدرسة والسوق، حتى لا يسب عيالنا أحد، كيف أجعل واحداً يذب عن عرضي وأودع الذيب على الغنم.
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض بالمال |
الحياة بغير عرض حياة تعسة نكدة لا قيمة لها، أنا أسوق بناتي ولأولادي إلى المستشفى، ولا أرضى بأي حال من الأحوال أن يسوق أحد لأولادي أبداً ولو ماتوا، والله لو تموت في البيت ما تركب مع أجنبي، هذا هو الرجل المؤمن.
أما أودعها من أجل أن يقولوا: والله معنا سواق، لا تأت بسواق، أنت سواق أهلك، بأي حال من الأحوال ولا تأت براع، يرعى الغنم في النهار ويرعى النسوان في الليل، ولا تأت بعامل في المزرعة، ولا تأت بأحد، وإذا اضطررت إلى عامل فاعمل له بيتاً في المزرعة، ويجلس فيها ولا يأتي البيت أبداً، أما أن يجلس يطلع وينزل ويسير ويجيء عاملنا وسائقنا وراعينا، هذا سم، هذا الموت الأحمر، أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31] الطفل الصغير غير المميز الذي لا يعرف الجميلة من القبيحة يجوز للزوجة أن تكشف عليه، أما إذا كان ذكياً مميزاً يعرف إذا رأى امرأة قال: والله فلانة جميلة هذا لا يجوز أن تكشف له وجهها.
أما حكم الشرع في كشف المرأة على الطبيب فإنه ينبغي للرجل أن يحرص ألا يكشف إلا عند امرأة طبيبة، هذا في الدرجة الأولى، ولكن إذا لم يجد واضطر، فإنه يجوز عند الضرورة أن تكشف عند طبيب، ولكن تكشف العضو الذي فيه المرض، إذا كان ألمها في بطنها فليس هناك داعي أن تكشف وجهها، تنام على السرير وزوجها موجود، ويغطي المنطقة كلها إلا المنطقة التي يكشف فيها الدكتور بالسماعة أو بأي شيء.
أما تكشف عن وجهها لكي تعالج بطنها فما الفائدة.
أما غيره فلا، إذا كان المرض في الأسنان، فلا مانع، أو مرض في العين فلا مانع أيضاً، المهم عند الضرورة يجوز، وبغير ضرورة لا يجوز، ولكن مع وجود المحرم، لا تجعل الدكتور يجلس معها وراء الستارة وأنت قاعد هناك، لا. الطبيب ليس ملكاً بل بشر مثلك.
الجواب: هذا تفريق ما أنزل الله به من سلطان، وهذه اللوحات والشعارات والدعايات هي التي تقسم المسلمين، ليس عندنا شعار ولا لوحة إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ما عندنا إلا كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، من سار عليها فهو من أهلها ومن اجتنبها فهو عدوها.
أما أن أحمل شعاراً معيناً: أنا سلفي! أنا إخواني! أنا تبليغي! من أين جئنا بهذه الأسماء؟ ومن أين جاءت هذه المسميات؟!! يقول صلى الله عليه وسلم: (كلها في النار إلا واحدة، قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).
فلا ينبغي لنا أيها الإخوة! أن نقسم المسلمين شيعاً وأحزاباً وجماعات، ولا أن نتناحر ونتطاحن فيما بيننا وأعداؤنا يتربصون بنا، بل نسير في الطريق الإسلامي الموحد طريق الكتاب والسنة فقط، وهو واضح والحمد لله.
الجواب: تتسلى، تتسلى والنار أمامك، تتسلى والقبر في انتظارك، تتسلى والصراط مضروب أمامك، كيف تتسلى يا أخي؟! عجبت للنار كيف ينام هاربها! وعجبت للجنة كيف ينام طالبها!
كان سلفك يا أخي! قليلاً من الليل ما يهجعون، ما ينامون الليل ويراوحون بين ركبهم وجباههم يصلون وبالأسحار هم يستغفرون، وأنت تتسلى، كونك تتسلى ما عرفت حقيقة نفسك وتقول: تقضي وقتاً، لو سألتك يا من تقضي الوقت: هل حفظت القرآن كله؟ تقول: لا. هل تحفظ جزء عم؟ لا. هل تعرف تفسير: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:1-3] ما هو الغاسق إذا وقب؟ تقول: ما أدري! وتقول: تريد تقضي وقتاً، وما تعرف تفسير سورة من كلام الله، وما تعرف حديثاً من أحاديث رسول الله، وما تعرف سنة من سنن رسول الله وتلعب الورق، فالله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون!
يا أخي: ما عندك وقت الآن، وقتك كله يجب أن تملأه؛ لأن الوقت هو عمرك، فاملأه بطاعة الله وبذكره، وبطلب العلم، وبما ينفعك في الدنيا والآخرة.
أما الساعات التي تقضيها في البالوت فقد جاء في الحديث: (ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا كانت عليه حسرة وندامة يوم القيامة) .. (وما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله تعالى فيه إلا تفرقوا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم هذا المجلس ترة) يعني: عهدة ومسئولية.
فما هناك مجال نلعب يا إخواني! نحن أمة السيف والجهاد .. والقرآن .. والعلم .. والعمل، أما اللعب فليس هو لنا، اللعب للأمم التي تعيش في غير ميادينها الطبيعية، أما ميداننا فهو ميدان شريف جدي، ميدان عمل للدنيا وللآخرة، وبعضهم يلعب البالوت وإذا قالت له المرأة: أحضر لنا حليباً للولد، قال: لا. لا أستطيع أن أذهب؛ لأني مشغول بالبالوت، يدع ولده يبكي طوال الليل من أجل أن لا يقطع اللعب.
وبعضهم عنده مسكة البالوت وما عنده غاز، تقول المرأة: ما عندنا غاز، قال: غداً، لا. يا أخي! خدمتك لزوجتك وقضاؤك لأهلك لوازمهم عبادة، لكن البالوت هذا أفيون هذا الزمان، وهو سحر عقول الناس، ثم لو فكرت فيه بعقلك تجد أنه لا يليق بك، ورق مصبغ (وولد وبنت وشايب وشريه وهاف وسبيد وديمن) وغيره هذه من أرشيف الماضي، وبعد ذلك تمر الساعة والساعتان والثلاث والأربع والوقت يمر؛ لأنه في طاعة الشيطان، بل بعضهم والله لا يريد يقوم إلا الفجر، وبعضهم يذهب يدق على الناس وهم لا يريدونه، لكنه يجلس؛ لأنه مخمور بعقله في البالوت، ثم يقوم اثنان ويأتي اثنان وهو جالس لا أحد يقول له: تفضل، ثم إذا مر الليل قال: أنا أريد قسمي معكم، أعوذ بالله من خسة النفس ودناءتها، وبعضهم تراه رجل عاقل أمامك .. مدير إدارة في رتبة ومنزلة ويأتيك بيده يخبط الأرض الله أكبر! ثم في آخر الجلسة يجب أن يتخاصموا: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91] قولوا: إن شاء الله انتهينا.
كان هناك مدير إدارة عندنا في الجنوب يلعب البالوت وكان يعلمني بنفسه وقد تاب الله عليه، يقول: الذي اشترى زميلي واللعب علي، فلازم أعطيه طلبه من أجل أن يمسك اللعب هو بالولد والتسعة والباقيات كلها، يقول: فأنا ما انتبهت عليه يريدني أنظر إليه ماذا يريد، يقول: ما نظرت ونزلت قطعة في غير يده، يقول: فغضب وقال لي -وهذا مدير إدارة كبير- قال له: أصلك بقرة! بعضهم ربما تقول له: بقرة فيقول: صدقت ما انتبهت لك، ما مديت لساني، لكن هذا حر أبي عنده شهامة فأوقف اللعب، وقال: إلى هذا الحد يا فلان، نزلت الآداب إلى أن أصبحت أنا بقرة، قال: يا أخي! ما رفعت رأسك أعلمك ما أريد، قال: هذا آخر عهدها، والله ما ألعبها مدى الحياة، وتاب الله عليه، هو ليس ببقرة، ولكن بعض الناس لا. والله المستعان!!
الجواب: أحسن ما قيل في الجنة ما قاله ابن القيم في النونية الشافية الكافية رحمه الله يقول:
فاسمع إذاً أوصافها وصفاتها تيك المنازل ربة الإحسان |
هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باق وليس بفان |
أوما سمعت بأنه سبحانه حقاً يكلم حزبه بعيان |
ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يرى القمران |
أعظم نعيم على أهل الجنة أنهم يرون الله، يقول الله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ [يونس:26-27] ماذا لهم؟ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس:27] تريد هؤلاء أم هؤلاء؟
يقول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى يعني: الجنة وَزِيَادَةٌ يعني: النظر إلى وجه الله، فما أعطي المؤمنون في الجنة أعظم من النظر إلى وجه الله، أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس:26] واحد كسب السيئات واشتغل في الدنيا على المعاصي بالنظر والغناء والكلام والسب وضيَّع الطاعات، قال: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ ما جزاء هذا، أنعطيه الجنة؟! لا. جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً [يونس:27] يسود وجه العاصي حتى يصبح مثل الليل الأسود.
تشد أقدامهم إلى النواصي وتسود وجوههم من ظلمة المعاصي |
وينادون من جنابها بكياً من ترادف عذابها |
يا مالك قد أفقرنا الحديد يا مالك قد نضجت منا الجلود يا مالك قد تقطعت منا الكبود يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود يا مالك العدم والله خير من هذا الوجود |
أما الأبيات في ذكر النار فكثيرة جداً منها:
جهنمٌ ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر |
وبعد ذاك جحيم ثم هاوية تهوي بهم أبداً في حر مستعر |
لهم مقامع للتعذيب مرصدة وكل كسر لديهم غير منجبر |
نعوذ بالله وإياكم من النار.
الجواب: لا يوجد محذور، (إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم) كما جاء في الحديث، تشتري دولاراً بريال سعودي، وتجعله عندك، وإذا ارتفع الدولار أو انخفض استبدلت العملة بكيفك، هذا يسمونه سوق العملة أو البورصة، ولكن بشرط التقابض، أما أن تشتري شيئاً بدون التقابض فلا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) لازم تدفع مائة ريال وتأخذ بها ثلاثين دولاراً، أما أن تدفع فلوساً ولا تأخذ شيئاً (دين أو في شيك أو في البنك فهذا لا يجوز).
الجواب: البراقع أسلوب من أساليب الشيطان في التبرج يوهم المرأة أنها محجبة وهي متبرجة؛ لأن البرقع يكشف أعلى شيء وأغلى وأجمل في المرأة وهو عينها، يقول الناظم:
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا |
وإذا أردت أن تتزوج امرأة أين تنظر؟ في أرجلها أم في أعينها؟ وإذا كانت غير جميلة، تقول: الله أكبر عليكِ! ما ترى الفم والأنف. لا ترى إلا العيون؛ لأن العيون التي فيها السهام، والرماح والمدافع، فما نريد حجاباً كهذا، وإنما حجاب ساتر؛ لأن بعض النساء تأخذ لها شيئاً خفيفاً، لا. نريد حجاباً قاتماً كالليل الأسود لا ترى خلفه شيئاً، وحجاب في يديها قلامس؛ لأن اليد إذا كشفت، يأتي الشيطان يقول: انظر إلى جمال اليد، أما المغطى، فلا. إذا خرجت امرأتك خليها تخرج من رأسها إلى قدميها ملبسة، على أرجلها جوارب سوداء وتلبس عباءة فضفاضة، وإذا دخلت بيتك تريد أن تتمتع ما في مانع، لكن لك لحالك، أما أن تخرج وتري الناس فيشاركونك في عرضك لا.
الجواب: هذه عادة الجاهلية جاء الإسلام فأبطلها وحرمها ونهى عنها، وقال: نهى أن يرث الرجل المرأة لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْها [النساء:19] كانت المرأة في الماضي تورث واليوم أيضاً تورث لابن عمها، لا يجوز؛ لأن النكاح نكاح رغبة ومحبة وود، وينبغي أن يقام على رضا وتفاهم وقناعة من الزوجة، أما أن تقصر على ابن عمها ولو كانت لا تريده فلا، أما إذا كانت تريده وهو يريدها فلا يوجد مانع، لكن إذا قالت: لا أريده، وقال أبوها: والله ما تعرفين إلا هو (لو تخلفي العصا يدك) فهذا حرام، سبحان الله تغصبها على طعام لا تريده، لا يجوز لك يا أخي! أو يأتون عند الولد ويقولون: بنت عمك لا تفوتك، قال: ما أريدها، قالوا: والله ما نرضى إلا أن تتزوج بها، تريد له واحدة لا يريدها، هذا لا يجوز، لا بد أن يتزوج الإنسان من يحب، الله يقول: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ [النساء:3] يعني: ما أحببتم، ولا يجوز الهجر ولا الحجر ولا يجوز الشغار، والشغار: أن تزوج الرجل بأختك على شرط أن يزوجك بأخته، أو تزوجه بابنتك حتى يزوج بنته لولدك هذا نكاح محرم وهو باطل والعقد فاسد، وإذا حصل فهو يفسد من الآن ولا يحتاج إلى طلاق؛ لأنه ليس هناك عقد، إنما يفرق بين الزوج والزوجة، والأولاد يلحقون بأبيهم إلحاقاً شرعياً، ولا يجوز الشغار ولا التحليل، شُبه المحلل في الحديث بالتيس المستعار، الذي يطلق زوجته ثم يأتي إلى رجل آخر فيقول: تزوجها وطلقها وحللها لي، افعل خيراً، هذا يفعل شراً؛ لأنه ملعون: (لعن الله المحلل والمحلل له) وإذا علمت المرأة فهي ملعونة، وإذا علم العاقد فهو ملعون، وإذا علم الشهود فهم ملعونون.
الجواب: الحديث ذكره الإمام ابن ماجة في السنن والحديث فيه مقال، وهو يدور بين الضعف والحسن، ولكنه يستشهد به لما يعضده من الأدلة الصحيحة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: ما دمت ملتزمة أيتها الأخت! بطاعة الله، فإن مقتضى الالتزام ألا تخرجي إلى السوق، لا لوحدك ولا مع زوجك؛ لأن السوق فيه رايات الشيطان، ويعرضك للفتنة برؤية الرجال الأجانب، والله يقول: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] ولا ينبغي للمرأة المؤمنة أن تنزل السوق بأي حال من الأحوال إلا على سبيل الاضطرار، وكيف يكون هذا الاضطرار؟ كأن تريد سلعة لا يستطيع زوجها أن يأتي بها لأنه لا يعرفها، ولو كان هذا الأمر نحن نقوله للناس ولا نعمل به، أنا أولادي والله ما يدخلون السوق، وما أرضى أبداً، وأي شيء يريدونه آتي به، أتعب نفسي ولا أتعب ديني وعرضي، أي شيء يريدونه أذهب أحضره وأشترط عليه أن يصلح أو أرجعه، وأحياناً والله أرجع ثلاث أربع مرات لكن هذا عندي أهون من أن أدخلها على الرجال وتشوفه ويشوفها، ما رأيكم تعب الأجساد أم تعب القلب والدين! أطلع وأنزل وأطلع وأنزل وعرضي مرفوع أحسن من أن آخذها معي وأدخلها الدكان وتشوف الرجل ويشوفها، فلا يجوز، لكن عند الاضطرار نقول: لا بأس مع الزوج وفي وقت لا يكون فيه تجمعات للرجال، ومن أقرب دكان، لا تجلس تستعرض المعرض من أول الدنيا إلى آخرها، كلما دخلت دكاناً قالت: ليس بجميل، والثاني ليس بجميل، وذاك مثل التيس وراءها؛ لأن بعض النساء تدخل المعرض هذا، وتقول: كل أقمشته ليست جميلة، ويوجد ألف لون أمامها وتقول: ليس بجميل! ما ترضى جعلكِ لا ترضين! اختاري من الدكان الذي جنبه، ثم يجب أن تكون متحجبة حجاباً كاملاً، ثم لا تكشف أمام الرجل ولا تكلمه ولا تفاوضه ولا تساعره، المرأة إذا دخلت لوحدها عند صاحب الدكان وفرده لها وقال: هذا يا عسكري! فك الإشارة، فيه أسماء للأغاني يحطونه على القماش، قالت: ألله أيش هذا القماش بكم هذا؟ قال: ستين، قالت: لا تكفي ضحكت له، قال: على شان خاطرك بخمسين، هذا الضحكة في عرضك، لا. لا تبايع المرأة ولا تشاري، اشتر أنت وبع لأهلك وهم في البيت وأحضر الفاتورة والألوان، إذا اضطررت لغرض لا بد من رأيها فيه، مثل شراء موكيت للبيت قطعة دولاب، قماش يخصها تدخلها في مكان واحد تأخذ منه وترجع، وهي مثل السارقة.
أما أن يتجمعن ثلاث أربع نسوة ويركبن السيارة ويذهبن والرجال في الدوام، وأنا استأذنت، فهذا لا يرضي الله يا أختي المسلمة!
الجواب: يبدو أنك عبد شهوة، وجنس، ومن كان عبد شهوة وجنس لا يصلح أن يكون عبداً لله، الذي يريد أن يسمع خطاب الرحمن لا يصلح أن يكون سامعاً لخطاب الشيطان.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس |
إذا كنت تريد طاعة الله حقيقة، فتب إلى الله من الأغاني أول شيء، فإنها تحرق إيمانك ودينك كما تحرق النار الحطب، إذ لا يجتمع حب القرآن والغناء في قلب عبد مؤمن، يقول ابن القيم في النونية:
حب الكتاب وحب ألحان الغناء في قلب عبد ليس يجتمعان |
لا يجتمعان أبداً، وأما كيف تعمل فبعزيمة الرجال وتصميم الأبطال، أحضر المسجل أو الشريط أو أي شيء عندك من الأغاني وضع عليها ناراً وأحرقها، وبعد ذلك قل: والله ما أسمع مهما كانت الظروف والأحوال، وهو نوع من الجهاد، جاهد نفسك وسوف يقبلك الله عز وجل وسوف تمر عليك لحظة تجد نفسك أن الأغنية إذا سمعتها كأنما هي رصاصة دخلت من أذنك، وهذا شأن المؤمنين الآن، أهل الإيمان الآن إذا سمع أي نغمة يصيح، صك صك صك، لماذا؟ قلبه حي، أذنه ربانية مؤمنة.
فأنت يا من تقول: إنها تدخل عليك السرور، جاهد نفسك واسأل الله أن يقبلك، ثم كلما جاءك هذا الشعور بأن تسمع الأغاني فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وفي الليل قم فصلِّ ركعتين واسجد، وفي السجود اطلب من الله أن يتوب عليك، وأن يعصم قلبك من الشيطان والأغاني وابك، فإن بكيت فاعلم أنك صادق، وإن لم تبك فاعلم أنك ما تبت إلى الآن، علامة قبول توبتك البكاء، ابك وحاول تعصر قلبك غصباً يبكي من خشية الله، قل: يا رب! يا ذا الجلال والإكرام! يا من بيده ملكوت كل شيء! اعصم قلبي من الأغاني والشيطان، يا رب! لا قدرة لي على النار، يا رب! أذني لا تتحمل الرصاص المذاب، (من استمع إلى مغنٍ أو مغنية صب الله في أذنيه يوم القيامة الرصاص المذاب) وابك واسأل الله أن يتوب عليك، وهذا إن شاء الله سبب من أسباب الهداية بإذن الله.
ثانياً: يذكرني الأخ بأن نجعل بديلاً وهو بديل طيب وهو القصائد والأناشيد الإسلامية، فهناك أناشيد يرددها بعض الشباب المؤمن، قصائد إسلامية ترفع الروح وتحث على الجهاد والبر والإحسان، فهذه طيبة، ولكن لا يكثر منها مثل الملح في الطعام؛ لأن بعض الشباب لم يعد يقرأ القرآن وإنما يغني وينشد، طوال يومه أناشيد وأناشيد وأناشيد، قلت: أين المواعظ؟ قال: يا شيخ نتسلى، قلت: طيب، نريدك تبكي أيضاً، خذ موعظة تبكيك وخذ نشيداً يسليك، لكن تريد نشداً طوال اليوم فلا يصلح، لابد أن يكون في حياتك نوع من التكامل والتجانس.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر