إسلام ويب

واجب المسلمين أمام نعم اللهللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • نعم الله كثيرة تترى، لا يستطيع الإنسان لها حصراً ولا عدا، فهي متمثلة أمامه في كل شيء، بل في ذاته هو، ومع ذلك تجد بعض الناس غافلين عن هذه النعم جاحدين لها، وفي هذه المادة ينبه الشيخ على بعض هذه النعم كنعمة الخلق والهداية، وواجب المسلم نحوها، ثم يبين أهمية وجود الصالحين المصلحين في المجتمع، موصياً الناس بالاقتداء بهم والاستجابة لندائهم.

    1.   

    من نعم الله علينا

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    أيها الإخوة الكرام: أحمد الله تبارك وتعالى أولاً وهو أهل الحمد والثناء، وأشكره عز وجل وهو لذلك أهل، ثم أشكركم على أن أتحتم لنا هذه الفرصة لنذكر الله تبارك وتعالى، ونتذاكر فيما ينفعنا ويُقربنا إلى مرضاته عز وجل.

    وما هذا بغريب عليكم، فهذه البلاد -ولله الحمد- مصدر ومهد للخير والإيمان، خرج منها صحابة كرام، وفاتحون، وعلماء عظام، وما تزال -بإذن الله تبارك وتعالى- منبعاً للخير ومصدراً للهدى، وما يدرينا فلعل في آخر هذه الأمة من يكون كأولها بإذن الله تبارك وتعالى، وما هذا الشباب الذي بدأ يُقبل على حفظ القرآن وتجويده وتلاوته آناء الليل وآناء النهار، وما هؤلاء الذين أخذوا يتخرجون من الجامعات وينشرون الدعوة في هذه المنطقة إلا بواكير الخير وبداياته.

    فهذا هو الخير الذي نرجوه، ونحن إن جئنا من بعيد فإنما نأتي لنشارك في الخير والأجر، وإلا ففي هذه البلاد -ولله الحمد- من لديه من العلم والخير والدعوة والجهد الشيء الكثير الذي يفوق ما عندنا، ولكن المحبة في الله توجب التزاور والتذاكر، وهذا من فضل الله تبارك وتعالى على عباده المؤمنين.

    تعلمون أن الله تبارك وتعالى قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]، وكما قال تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً.

    يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) فهو عز وجل كما قال -أيضاً- في نفس الحديث: (إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني).

    فلا نستطيع أن ننفعه أو أن نضره، بل هو غني عن عبادتنا وطاعتنا مهما أطعناه، وكذلك لا تضره معصيتنا مهما عصيناه، فإن عصينا واستكبرنا وعاندنا وأبينا إلا أن نحيد عن أمر الله، فالخسارة والضرر علينا في الدنيا والآخرة، وإن آمنا بالله واتقيناه وأطعناه في كل أمر واجتنبنا ما نهى عنه فالخير لنا في الدنيا والآخرة.

    نعمة الخلق

    هذه قاعدة عظيمة يجب أن يعلمها عباد الله المتقون -جعلنا الله وإياكم منهم- أنه يجب على كل منا ألا ينسى وأن يتذكر دائماً أن ما أصابه من حسنة وخير فمن ربه، وأن ما أصابه من شر ونكد وشظف عيش وبلاء وأذىً فمن ذنبه، وقد قال ذلك رب العزة والجلال لأفضل خلقه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].

    ولو أن العبد تأمل ونظر كما أمره ربه عز وجل أن ينظر فَلْيَنْظُرِ الإنسانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق:5]، فَلْيَنْظُرِ الإنسان إِلَى طَعَامِهِ [عبس:24].

    لو نظر في ذلك لعلم حقاً أن هذا ما قُرر وما قيل: إنه ما أصابه من خير فهو من ربه، وما أصابه من شر فهو بسبب ذنبه ومعصيته لله عز وجل.

    وإلا فما هو هذا العبد؟ من أنت أيها المخلوق الضعيف إذ كنت صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، أميراً أو حقيراً عند الناس، غنياً أو فقيراً في دنيا الناس، من أنت؟!

    أياً كان هذا الإنسان، ماذا لو نظر الإنسان مم خلق؟ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ [الطارق:6] من نطفة حقيرة قذرة، والآن يقول ويقرر الأطباء: إنه لم يخلق من النطفة كلها بل من جزء منها ضئيلٍ جداً لا يرى إلا بالمجاهر.

    سبحان الله! هذا المتكبر على الله، المعرض عن كتاب الله، الذي لا يبالي بقال الله ولا قال رسول الله، ولا يبالي بما ارتكب من محارم الله، خُلِقَ من هذه النطفة الحقيرة.

    سبحان الله! ومن الذي خلقه؟ ومن الذي جعله في قرار مكين؟ ومن الذي غذاه في ظلمات ثلاث في بطن أمه؟! وهو عز وجل ييسر له الغذاء وييسر له كل أسباب الحياة.

    حتى إذا انقضى الأمر، وبلغ الأجل الذي قدَّره الله تبارك وتعالى، وجاء هذا المولود وخرج إلى هذا الوجود، هيأ الله تبارك وتعالى له أسباب الحياة الدنيا مما لم يكن ميسوراً له وهو في بطن أمه، ومما لم يكن محتاجاً إليه وهو في بطن أمه، والآن ينتقل إلى عالم جديد يحتاج فيه إلى الغذاء والهواء، ويحتاج فيه إلى من يرعاه ويحفظه ويحوطه برعاية مباشرة، يسر الله تبارك وتعالى له ذلك فهداه الله تعالى من الزيف.

    يولد الطفل.. من الذي علمه؟ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النحل:78] علَّمه أن يرضع من هذا الثدي، ولو أن الله لم يُعلِّمه ذلك من يستطيع أن يعلمه من الناس أو من الأطباء؟!

    لا يستطيع أحد أن يعلم المولود في يومه الأول، بل في عامه الأول فما بعد، إلا بعد حين أن يُعلَّمه شيئاً من الأمور.

    ولكن الله تبارك وتعالى علَّمه وهداه أن يأخذ هذا الثدي وأن يتغذى به، وهذا الثدي قد هيئ فيه درجة حرارة معينة مناسبة، وبغذاء مناسب لمن ولد الآن، بخلاف إذا رضع منه الطفل في عامه الثاني.

    فقد هيئ الله له في الحليب المواد التي تكفي وتغذي من قد عاش سنة فأكثر.

    فسبحان الله! الذي يحوطه برعايته، ويحوطه بعنايته ويهيئ له في كل حالة وفي كل وقت ما يناسبه وما يلائمه مما يحتاج إليه هذا الإنسان.

    من الذي جعل الأم تحوطك برعايتها وعنايتها إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإلا فبعد أن لقيت ما لقيت من الوحم ومن التعب أثناء الولادة ثم ما بعدها من مشاق عظيمة لألقتك وذهبت بعيداً وتركتك وتخلت عنك.

    والمرأة هي من أغلظ الناس قلباً، وأخبثهم طباعاً وجلافةً، فإذا وُلد لها ولدٌ كانت من أحن الناس وأرقهم على هذا الولد، وإذا قيل لأي أم أعطينا هذا الولد لنذبحه، وخذي ما شئت من أموال الدنيا؟

    والله لا تجدون أماً ترضى بهذا أبداً، سبحان الله العظيم! كيف نزلت هذه المحبة، من أين هبطت هذه الرحمة والشفقة على ذلك القلب الغليظ الجافي؟

    من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لكي يحوطك أيها الإنسان، ولكي تتربى وتتغذى في نعمه تبارك وتعالى، سخر لك الأب وسخر لك كل ما يعيشك.

    نعمة الهداية

    حتى هدايتك جعلها الله تبارك وتعالى ميسورة، ولم يتركنا الله تبارك وتعالى سُدى لا نؤمر ولا نُنهى، بل بعث إلينا رسولاً من أنفسنا وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4] فمن رحمة الله تبارك وتعالى أن بعث في كل أمة رسولاً بلسان قومه ليبين لهم، وليعلمهم كيف يهتدون إلى طريق الله، وكيف ينعمون بالحياة المطمئنة الطيبة في الدنيا، ثم يلقون الله تبارك وتعالى فيدخلون دار كرامته حيث النعيم المقيم الأبدي.

    فجعل الهداية -أيضاً- ميسورة لكل إنسان بما بعث الله به هؤلاء الرسل الكرام، وأفضلهم وخاتمهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمنَّ الله تبارك وتعالى علينا بهذا الدين وبهذا الإيمان، ويسر لنا القرآن وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].

    يسر لنا هذا القرآن، فإذا قرأناه أو سمعناه نجد هذه الرقة والعذوبة والمتعة العجيبة للقاريء والسامع، هذا القرآن يسره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وامتنَّ علينا بتعليمه الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4].

    وأعظم نعمة هي تعليم القرآن، وبغير هذا القرآن، وبغير هذا الهدى يكون الإنسان كالحيوان.

    والحيوان كذلك مهَّد الله له العيش، ويسره له، ورزقه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو رب كل دابة، وهو الذي يهيئ لها رزقها وإن كانت في ظلمات الأرض وأينما كانت، لكن الإنسان ما الذي يفرق بينه وبين هذا الحيوان؟

    إنه هذا القرآن، وهذا الهدى، وهذه الرسالة.

    ومع ذلك فكيف يكون حال العبد وكيف تكون مقابلة هذه النعمة؟

    نحن في صلاتنا نقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] هو عز وجل أمرني أن أصلي في اليوم خمس صلوات، وأن أستيقظ لصلاة الفجر ثم أؤدي بقية الفرائض، فهل لي منة، هل لي فضل إذا أديَّت هذه العبادة التي أوجبها الله تبارك وتعالى؟!

    وجعلنا الليل لباساً

    لو تأملت كيف تستيقظ، من الذي أعطاك العافية؟

    الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، من الذي هيأ لك أن تقوم؟ كم من نائم نام تلك الليلة ولم يستيقظ إلا والملكان يسألانه في قبره، وأنت أيقظك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حياً سليماً معافاً، وقد بت ونمت وعندك الأولاد والخير والنعمة والراحة.

    والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر بأقل من هذا فقال: (من بات وهو آمن في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه وليلته، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) سبحان الله! عافية في بدنك تلك الليلة، وأكل على قدر تلك الليلة، وأمن في تلك الليلة تنام وأنت مطمئن لا يهاجمك عدو ولا شيء يضرك، كأنما حيزت لك الدنيا.

    ولو أن عبداً ملك الدنيا جميعاً من أولها إلى آخرها من شرقها إلى غربها، لكان غاية وأعظم ما يتنعم به في تلك الليلة هو هذه النعمة، هو أن ينام وهو مطمئن وشبعان وآمن معافى وماذا غير ذلك؟ وهل في الدنيا شيء بعد ذلك يطلب؟ لا شيء.

    فالله تعالى أنعم عليك أيها العبد وأنت مغمور بنعم الله ولا تدري، وربما أن النوم يدرك بعضنا -يأتيه النوم في الليل غصباً عنه- وهو يفكر كيف أن فلاناً عنده من الأموال، وفلاناً عنده من النعم، وفلاناً أخذ وأخذ، وفلاناً ربح وتاجر وأنا ليس لديَّ إلا هذا الشيء القليل، نسي تلك النعمة لأنه ينظر إلى غيره، وهذا عكس ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن.

    كيف ندرك نعمة الله علينا

    والمؤمن التقي الذي يرجو لقاء الله، كيف ينظر في أمر الدنيا وكيف ينظر في أمر الآخرة؟

    إذا نظرت في أمر الدنيا وشأنها فانظر إلى من هو دونك، من هو أقل منك مالاً وأولاداً وعافية فذلك أحرى وأجدر وأليق ألاَّ تزدري نعمة الله عليك، وتعلم أنه أنعم عليك بنعم عظيمة فتعرف نعمة الله عليك ومن خلال هذه النعمة، من خلال هذه النظرة إلى من هو دونك.

    ولكن إذا نظرت أو تدَّبرت أو تفكَّرت في الآخرة فانظر إلى من هو أعلى منك، فإن كنت تقرأ شيئاً من كتاب الله فانظر إلى من يحفظه ويقرأه كله.

    إن كنت تؤدي شيئاً من فرائض الله أو بعضها فانظر إلى من يأتي بالفرائض وبالنوافل وزاد على ذلك من الخير ومن البر.

    إن كنت تدعو إلى الله وفتح الله على يديك من الخير فانظر إلى من دعوا إلى الله تبارك وتعالى فأحيا الله بهم أمماً من الضلالة ومن الجهل، فالمقصود أن الإنسان إذا كانت هذه نظرته عرف وعلم نعمة الله تبارك وتعالى عليه.

    فهو الذي أعطاك العافية، والصحة، والفراغ، فإذا قمت واستيقظت وعبدت الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وصليت الفجر جماعة في المسجد فقل: الحمد لله الذي منَّ عليّ بهذا، فإذا جاء الإنسان إلى هذا المسجد وصلّى وذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه يكون قد أحسن؟ إلى نفسه، نال الأجر، والثواب، ونال الخير والبركة في بدنه وفي يومه ذلك بفضل الله تبارك وتعالى.

    إذاً: الفضل لله، بنعمته وبهداه وبتقواه ننال الخير في الدنيا والآخرة.

    1.   

    رحيم غفور

    هو الرحمن الرحيم

    قال الله عز وجل: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

    قال السلف رحمهم الله: فضل الله ورحمته: هي القرآن، والإسلام، والإيمان، والوحي، ورسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكل ذلك صحيح وهذا هو من زيادة الأمثلة المتنوعة لشيء واحد.

    الله تعالى أنعم علينا بهذا الدين، فبه نفرح وهو خيرٌ مما يجمعون، فمهما جمعنا في الدنيا، فإن هذا الدين الذي أعطانا الله هو خير مما نجمع، من هم أغنى أغنياء العالم؟ -والغنى لله الحق تبارك وتعالى- هم اليهود.

    أيها الإخوة: هذه البنوك الربوية التي تمتد من بلادهم إلى بلادنا -مع الأسف- أكثرها وأكبرها لليهود، وهل اليهود مكرمون عند الله؟

    {لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء} أبداً، لكن لا تعدل ذلك ولا تساويه عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإنما كما قال: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20] نمد المؤمنين ونمد الكافرين، لماذا؟ لأنه لا رب إلا الله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] نقولها في الفاتحة في كل ركعة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] لا رب سواه، ولا رازق سواه، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي يرزق.

    الرب الذي ربى جميع العالمين بنعمه، ولهذا يستجيب تبارك وتعالى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].

    هل قال الله تعالى أمن يجيب المؤمنين إذا دعوه؟

    المضطر أياً كان مؤمناً كان أو كافراً إن دعا الله أغاثه الله؛ لأنه لا مغيث إلا الله، ولا رب إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا دعوه أغاثهم ولو لم يغثهم لم يغثهم أحد أبداً، لكنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يمنُّ على الكافر وعلى المؤمن، وما كان عطاؤه محظوراً، بل نعمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نازلة، مستديمة، مستفيضة على هؤلاء العباد.

    يقبل التوبة ويعفو عن السيئات

    فإذا قلَّت النعمة وإذا لم تنزل الأمطار وإذا قلَّت البركة، فإلى من يرجع الأمر؟ إلى ذنوبنا.

    فيجب أن يعلم العبد أن ما أصابه من خير فمن ربه، ولكن ما أصابه من شر فمن ذنبه وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [الجن:17]، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96].

    لا تنفد خزائنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن إذا لم يؤمنوا لم يتقوا وكذبوا، فيأخذهم بما كانوا يكسبون، بذنوبهم، ومع ذلك وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [المائدة:15]، أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:34].

    فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتجاوز وهو كريم، كرمه لا يُحد ولا يُوصف، وكما أشرنا فإنه لا يمد المؤمنين ويرزقهم ويغيثهم فحسب، بل حتى الكافرين إذا أخلصوا في الدعاء إليه.

    وكذلك ليست نعمته وكرمه ورحمته خاصة بالمتقين، بل يفتح الباب للمجرمين وللمذنبين وللمدبرين أن تعالوا ويناديهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يا عبادي يا عبادي.

    الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال في مثل هذه الحالة: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70] سبحان الله! كان يكفينا أن نعلم أننا إذا تبنا وآمنا وعملنا الصالحات أن يعفو عنا، اللهم لك الحمد عفوت عنا، ولكن ليس كرمه عند هذا الحد، بل يتكرم بالعفو عنا ويتكرم بأن يُبدل تلك السيئات حسنات، الكفة التي كانت على الشمال مثل الجبال تتحول إلى اليمين إلى الحسنات مثل الجبال أيضاً، بماذا؟

    بأن نتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نستغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالله تعالى {يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل}، سبحان الله! غني عنا، وغني عن عبادتنا، وغني عن طاعتنا لا تضره معصيتنا ولا يبالي بنا.

    ولكن لو عصيناه لم يبال بأي واد هلكنا، ومع ذلك يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.

    الله أكبر! ما أكرم هذا الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.

    استعجال العذاب

    إذا ذكر العباد بالله كان حالهم أنهم يستعجلون عذاب الله، ويقولون: أين عذاب الله؟

    كثير من الناس قد لا يقول هذا بلسانه، ولكن يقوله بحاله، لأنه لم يتب فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:12].

    وإذا لم يستغفروا الله، ولا بالوا بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذاً كأنهم يقولون: أين ما وعد الله به من العذاب؟

    الوعاظ والخطباء يوم الجمعة، والناصحون، والمذكرون، يقولون لنا: إن عصينا الله فسوف يُعذبنا، وإن اتقينا الله فسوف يُنعم علينا، فيأتي الشيطان ويقول: كم عصينا الله؟ ولم يحصل إلا استمرار النعم، لا يوجد إلا نعمة الزاد.

    لا. هذا جهل، وهذا ضلال عظيم، ولا تنظر إلى كرمه، ولا تنظر إلى استدراجه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا تنظر إلى إمهاله للمجرمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه إذا أخذ فإنه يأخذ أخذ عزيز مقتدر، منتقم جبار، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لا تنظر إلى ذلك وانظر إلى أن هذا الباب، يجب أن يستغل، إن زاد الخير فهو استدراج فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:44] يفتح الله أبواب كل شيء، إذا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء.

    لا تقل كما قال الله تعالى: أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:204-207] كم عمرك يا مسكين؟ تقول: أنا من حين خلقت وأنا أعصي الله وما أصابني شيء، هذا العمر كم سنة يكون؟

    لقد أهلك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من كان قبلنا من القرون الذين أخبرنا الله تبارك وتعالى عنهم وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [سبأ:45].

    كم المعشار؟ قال المفسرون في المعشار: هو عشر العشر وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا [الروم:9].

    الله أكبر! عمروا الأرض، وزرعوا، وبنوا أكثر منا، وكانوا أكثر منا أموالاً، وأولاداً، ومع ذلك أهلكهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأخذهم بذنوبهم؛ وإن كان قد أمهلهم ما أمهلهم أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ [الشعراء:204].

    لا والله، لا نستعجل عذاب الله أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207] تذهب تلك النعمة في لحظة انتقام واحدة ويفرون ويركضون، لو جاء زلزال -عافانا الله وإياكم- ادعوا الله دائماً أن يعافينا وإياكم من الزلازل والفتن.

    الزلازل هذه أمرها عظيم، وشأنها خطير، وقد كانت هذه الجزيرة العربية في منأى وفي مأمن عنها كما كانوا يقولون، يقولون: إن جزيرة العرب وهذه الجبال التي يُسمونها الدرع العربي في مأمن من الزلازل إلى أن حدث قبل سنوات زلازل في مناطق قريبة، والآن تسجل هزات على طول الساحل -نسأل الله العفو والعافية- وفي كل منطقة تقريباً تسجل هزات خفيفة وقد تكون قريبة مما يكون بعده الدمار والناس في غفلة.

    لكن لو نزلت لركض الناس وهربوا، وأول ما يخرج منه الإنسان ويهرب منه ربما ذلك البيت الذي أفنى عمره كله وهو يزخرفه ويزينه، ويشتري الثريات من مكان، والبلاط من مكان، والزينة من مكان، ويهتم به أعظم الاهتمام، ولهذا يقول تعالى: لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ [الأنبياء:13] لا يفكر لا في مسكنه ولا في شيء آخر، يريد أن ينجو فقط بنفسه، تصبح الأرض مثل الماء فلا تضع رجلك إلا وتنزلق فيها وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].

    والله ما هي من الظالمين ببعيد، ولا يدفعها إلا أن نتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا تستطيع قوة، ولا معدات، ولا آلات، ولا وسائل إنقاذ، ولا أي شيء أن يدفعها إذا جاءت هي أو غيرها إلا أن نتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نجأر ونتضرع إلى الله، وألا نستعين على معصية الله بنعمه.

    الإنسان الآن يأكل نعمة الله، والموسيقى تعزف في وسيلة من وسائل الإعلام أو أمامه، نقول: الأمم والقرى قبلنا، ونحن نفعل مثل ما فعلوا وأكثر، أين شكر نعمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يؤذن المؤذن ويصلي الناس، والموسيقى تعزف والغناء يسمع في السيارة أو في البيت ونحن غافلون.

    سبحان الله! هذا نذير النجاة، أم نذير الهلاك؟

    يذهب الناس للاستسقاء ويستغيثون الله أن يغيث هذه البلاد وأن يرحمها -نسأل الله أن يستجيب لنا إنه سميع مجيب- وبعضهم يسمع الغناء والملاهي في البيت أو في السيارة في غفلة تامة، وربما كانوا في المقاهي يلهون ويلعبون، وهذا والله نذير الهلاك، هذا نذير العذاب إلا أن نتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    دفع العذاب وتأخيره

    وتعلمون بم يدفع الله العذاب ويؤخره ويؤجله؟

    أقول: هذا لأن بعض من أعمى الله بصيرته، وختم على قلبه وأضله، لا يكف آناء الليل أو النهار عن السخرية والوقيعة والاستهزاء بمن هدى الله تبارك وتعالى من الشباب الصالحين.

    ما الذي يدفع عنا عذاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أراد أن يعذبنا؟ نعوذ بالله من العذاب؛ إنه دعاء الصالحين.

    إذن نستبقي هؤلاء الصالحين، ونحمد الله إذا كثر هؤلاء الشباب الذين يقرءون كتاب الله ويحفظونه، ويدعون إلى الخير، وإلى الالتزام بالحجاب، ويدعون ألى ترك الربا، والزنا، وإلى ترك المنكرات، وإلى ترك الغناء والملاهي.

    إن وجود هؤلاء بيننا يدعوننا نعمة،وبدعوتهم للإصلاح وبدعائهم لله يدفع الله العذاب وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117] ما دام فينا مصلحون، ولا يدري الفاسق، الفاجر، اللاهي، العابث الساهر ليله كله، والنائم نهاره عن طاعة الله، ما يدري أن النعمة هذه أنها بفضل الله أولاً ثم بوجود الأخيار الأتقياء، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما يعذبنا وهؤلاء مصلحون يدعون إلى تقوى الله، ويسألونه المعافاة ودفع البلاء.

    فينظر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لأعمالنا، فإن استجبنا لهؤلاء الدعاة واتبعنا ما يقولون، ليس ما يقولون لأنفسهم بل قولهم: قال الله وقال رسول الله؛ رحمنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإن قابلناهم بالرد والاستهزاء والسخرية جاء العذاب -نسأل الله العفو والعافية- وحتى وإن أتى العذاب في الدنيا على الجميع فإنهم يبعثون على نياتهم، وأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها لما سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث) إذا كثر الخبث يأتي الهلاك وإن كان فينا صالحون.

    لكن متى يمتنع العذاب؟ إذا كان فينا مصلحون.

    إذاً الحمد لله أن هؤلاء الدعاة يدعوننا، وإذا لم يدعونا ظلوا صالحين ونحن ما زلنا عاصين جاء العذاب، ولو كثر الصالحون، لكن إذا كان المصلحون يدعوننا ونحن نسمع وفينا من يستجيب، دفعنا وأجلنا وأخرنا -بإذن الله- عذاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي لا يُرد عن القوم المجرمين إلا بالتوبة، وبالإيمان، وبالإنابة، وبالضراعة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فنحن -والله- في غفلة عظيمة، قلوب قاسية، نتقلب في نعم الله ولا نذكر الله إلا قليلاً، وإذا عبدناه واتقيناه أتانا الشيطان وجعل المنة والفضل لنا، وقال: أنتم من المهتدين، ومن المتقين، وأنت أحسن من غيرك، وأنت فيك وفيك، ليزين لك عدو الله أسباب الضلال، وليحبط عملك.

    نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يمنَّ علينا وعليكم بالهداية والاستقامة، وأن يعيذنا من شر الشيطان، ونزغاته، ووساوسه.

    1.   

    وصيـة خاتمـة

    أوصي نفسي أولاً وأوصيكم بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنها وصية الله إلى الأولين والآخرين وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] ولا تكون تقوى الله إلا باجتناب ما حرم الله والعمل بما يرضي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نستغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نستشعر دائماً وأبداً أننا مذنبون وأننا مفرطون ومقصرون في جنب الله، ومقصرون في حق الله، وأنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، وأننا لن ندخل الجنة بأعمالنا مهما كثرت، فإن ما نعمله من عمل، وكل ما نأتيه من العبادة لا يكافئ ولا يقابل نعمة صغرى من نعم الله، ولكن ندخلها برحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن الفضل بيد الله أولاً وأخيراً وفي كل حين وفي كل ساعة؛ فهو خلقنا ورزقنا وهدانا وأنعم علينا.

    واعلموا أن هناك فريضة منسية مهملة يجب أن نحييها نحن -جميعاً- وهي ما أمر الله تبارك وتعالى به حين قال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] نحن -إلا من رحم الله- في مثل هذه المناطق عندنا طبيعة وعادة متعارف عليها وهي المجاملة، والمداهنة، والمراءاة.

    لا أستطيع أن أقول: يا فلان! اتق الله، يا أخي! حجِّب زوجتك، وانتبه لأبنائك لا يكونوا مع الفساق، يا أخي! لماذا لا نراك في المسجد -إلا من رحم الله منا- من يؤِّدي الدعوة المباشرة بالنصح وبالحكمة وبالموعظة الحسنة.

    لكن إذا كنا تكلمنا بذلك الفاجر تارك الدين، وهذا والله ليس أسلوب الأنبياء ولا عباد الله الصالحين، ويجب أن ندعو إلى الله وأن نفرح إذا كان فينا من يدعو إلى الله، وأنتم بلا شك تفرحون إذا جاءكم من يدعوكم إلى الله من أي مكان، وهذا دليل الإيمان، وهذا شيء ملموس ويشاهده كل من جاء إلى هذه البلاد والحمد لله.

    لكن يجب أن تكون فرحتكم بمن يمنُّ الله تعالى عليهم بالهداية والعلم والدعوة من أبناء هذه القرى والمناطق أشد وأعظم، لأن الزائر غريب ضيف ليلة في السنة وربما ليلة في العمر يمر عليكم.

    لكن إذا أنبت الله النبات الحسن الطيب من أبنائكم في حلقات التحفيظ، وفي المعاهد العلمية، والمراكز الصيفية، والمساجد، ومنتديات الخير، فهذا خير باق مستمر تستفيدون منه في كل وقت ويرجع إليها الجاهل فيتعلم، والمستفيد فيستفيد، وينشرون الخير والعلم طوال السنة.

    نحن -كما تشاهدون- هذه الأيام من فضل الله تعالى في الأسبوع مرتين أو ثلاثاً ولكن كما سمعنا وعلمنا أن هذه أمور موسمية -أي في هذا الموسم- حيث يأتي الزوار أو الدعاة أو ما أشبه ذلك مع أن الخير -والحمد لله- في المنطقة وأبناؤها موجودون.

    فيجب أن نحيي هذه الدعوة وأن نقابلها بالفرح والاستبشار، وأن نهيئ لها في كل مكان، لكي تثمر وتؤتي ثمارها بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لأن هذا خير وبركة دائمة مستمرة لدينا هنا وليست وافدة زائرة تأتي ثم ترتحل.

    فيجب أن نفرح إذا جاءنا الواعظ، أو جاءنا المذكر، أو الناصح، كما نفرح إذا أمطرنا، وجاءتنا السيول، والبركات والنعم، والغيث من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    وكيف نفرح بالغيث في بلادنا ولا نفرح بغيث الإيمان في قلوبنا؟

    نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يُوفقنا وإياكم لما يُحب ويرضى وأن يجنبنا من فتنة القول كما يجنبنا من فتنة العمل إنه سميع مجيب.

    وهذا كما أشرت -والحمد لله- أمر ملموس وواضح أن الإقبال على الخير وعلى ذكر الله أصبح -والحمد لله- أمراً ظاهراً يحبه الجميع، ونحمد الله تبارك وتعالى على ذلك، ونسأله زيادة الإيمان في قلوبنا جميعاً.

    لكن كما أشرت وأعيد للتكرار أن الدعوة التي تنطلق من أبناء هذه البلاد إذا تعاونوا فهي دائمة وثابتة، ولا يعني ذلك أن الذي من خارجها لا يأتي، بل كل منطقة تتحرك في داخلها يأتي الدعاة إليها من الخارج.

    نحن لنا إخوة وزملاء من هذه البلاد -والحمد لله- ومما حولها خير منا وأفضل منا علماً وعملاً، ويدرسون هنا في المتوسطات وفي الثانويات وفي المعاهد، أو يدرسون هناك وهم -والحمد لله- يقومون بما نقوم به وأكثر وأفضل.

    إذاً القضية ليست قضية أنه لا يوجد طاقات تقيم هذه الدعوة والندوات باستمرار، لكن يجب أن يتعاون هؤلاء الإخوة من جهة، كما يجب علينا -نحن جميعاً هنا- أن نفتح لهم سبل الخير، وأن نعينهم عليه، وأن يجدوا فينا من التجاوب والاستماع والحرص ما يشجعهم ويعينهم على طلب الخير، وإلا فهذه المراكز -كما تعلمون- أن أصحابها لا يتقاضون عليها أجراً لا انتداباً ولا راتباً ولا ربع راتب ولا شيء؛ وإنما يفعلون ذلك احتساباً لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فأنا وأمثالي من المدرسين فرحنا بالعطلة نتمشى ونذهب إلى أهلنا وإلى أولادنا ونذهب إلى كل مكان، وهذا الرجل انتهى من الاختبار وفتح المركز، هل لأنه ليس لديه أولاد أو أهل؟

    ربما عنده مثل ما عندي أو أكثر ومن الأعمال، لكن عنده احتساب، وعنده رغبة في الأجر، ورغبة في الآخرة، ورغبة فيما عند الله أنه يلم شتات أبنائنا في هذه العطلة، والمؤمن لا يعرف العطلة إلا إذا مات ولقي الله، أما في الحياة فهو مسئول، ومحاسب عن وقته دائماً، فيأتون في هذه العطلة بما يحفظ الله به شبابنا.

    فإذا جاءتنا هذه المراكز وهذه المواسم الخيرة والمخيمات، وكذلك الندوات فيجب أن نستفيد منها، لينفعنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في قلوبنا جميعاً.

    1.   

    الأسئـلـة

    شهادة الزور

    السؤال: هناك أناس لا يتركون الصلاة في الجماعة وغيرها إلا أنه قد لا يتورع عن شهادة الزور ويكتم شهادة الحق إن طلبت منه؟

    الجواب: مثل هذا السؤال يتكرر دائماً ونستشف منه أشياء:

    أولاً: كثرة الدعاوى في منطقتنا هذه، لماذا نحتاج إلى شهادة الزور أو نحتاج إلى شهادة الحق؟

    كل هذا بسبب كثرة الدعاوى.

    ولو عرف كل إنسان حقه ووقف عند حده، ما احتجنا إلى شهادة الزور ولا إلى شهادة حق.

    لكن الدعاوى لكثرتها عندنا هنا، فيأتي الإنسان ويأتي ما نسميه القالة ويأخذ القالة، لا بد أن ينتصر بحق أو بباطل، لا حول ولا قوة إلا بالله.

    ويأتي القريب والصديق والرحيم، ولا بد أن يعينه وأن ينصره، سبحان الله!

    كان الناس في الجاهلية يقولون: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، هذه قاعدة من قواعد الجاهلية، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لأصحابه الكرام: {انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فتعجب الصحابة رضي الله عنهم- هذه قاعدة الجاهلية يقولها نبي الهدى والرحمة والعدالة- فقالوا: يا رسول الله عرفنا كيف ننصره إذا كان مظلوماً، فكيف ننصره إذا كان ظالماً؟ قال: تردعه وتحجزه عن الظلم فذلك نصره}.

    كم واحد منا يطبق هذا الشيء في منطقتنا؟

    نرجو أن يكونوا كثيرين، ونرجو أيضاً أن يزداد الذين إذا رأوا الظالم أخاً أو قريباً أو رحيماً أو جاراً أو شريكاً، ينصرونه بأن يردعوه عن ظلمه، فلا يحتاج إلى شاهد ولا إلى مشهود.

    ومع ذلك فمن أدَّى صلاة الجماعة وشهد شهادة الزور، أو من حافظ على الصلاة والزكاة والصيام والحج وذكر الله وقراءة القرآن، لكنه يمشي بالنميمة ويفسد ما بين الناس، ويوقع ما بين الأقرباء والشركاء والجيران، ويرتكب الموبقات التي لا يلقي لها بالاً، هذا من هو؟

    هذا هو المفلس كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله! المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع} هذا مفلس، أي: أنه فقير ما عنده شيء، ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد أن يعدل موازيننا، دائماً موازيننا أن الظالم لا ينصر إلا أن يعاون، قال: { تنصره بأن تردعه } إذاً غيرنا الميزان.

    أيضاً هنا نغير الميزان، فالمفلس ما هو الذي هو هذا حاله، والذي فيه خير، ليس الذي عنده أموال كما نقول هنا في المنطقة، نقول: فلان فيه خير، أي: أن عنده أموال وعنده وظيفة.

    ليس هذا هو المعنى، فموازيننا يجب أن نعدلها، وأن نزنها بميزان الله، {المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة وعنده من الحسنات مثل جبال تهامة ولكن يأتي وقد شتم هذا، وظلم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، فيؤخذ من تلك الحسنات، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن كفت وإلا أخذت من سيئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار} نسأل الله العفو والعافية، فهذا المفلس.

    فيا إخوان! نسأل الله أن لا يكون فينا شقي ولا محروم ولا مفلس.

    فلا نشهد الزور، ويجب أن نعلم أن شهادة الزور يا إخوان لها معنيان في ديننا كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72].

    شهادة الزور التي نعرفها جميعاً أن يشهد الإنسان بغير الحق.

    وشهادة الزور، أي: الحضور، حضور اللهو واللعب وحضور ما يشغل عن طاعة الله، هذه شهادة اللهو.

    شهد الزور: أي حضره.

    فمن شهد ما يلهي عن طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -أيضاً- فقد شهد الزور.

    فعلى كل حال من اتقى الله وصلى وصام لا يشهد الزور لا بهذا المعنى ولا بذاك المعنى إن شاء الله.

    حكم استخدام الخادمات والعمال الكفار

    السؤال: ما حكم الخادمات في البيوت، وكذلك العمال في المؤسسات إذا كانوا كفاراً؟

    الجواب: هذه المنطقة -مع الأسف- وأقولها بصراحة، آباؤنا يعلمون والكبار منا يعلمون، ويظنونا مثل الجاهل الذي لا يدري.

    كان آباؤنا يخدمون في المدن، يتمنى الواحد أن يخدم بالحجر والطين في البيت يسمونه (مجاود)، في أي مكان في تهامة أو في المدن، ليجد ما يقيتنا وما يعيشنا.

    وكان كثير من الآباء -كما نقلوا لنا- يسأل الله ويتمنى أنه لو جاء له أكل يأكله بما يكفي في ذلك اليوم أن يفرش السجادة، ويعبد الله ذاك اليوم، ولا يريد شيئاً من الدنيا أبداً.

    ولكن لما فتحت الدنيا، ثم فتحت، وإذا بنا نستقدم الناس يخدموننا من أطراف الأرض، من شعوب كنا نخدمها في الحج، والله إن من آبائنا من خدمهم في غير مقابل إلا أن يجد ما يأكل، لا يعطونه إلا ما يأكل من بقايا طعامهم، واسألوا آباءنا عن هذا.

    والآن نستقدمهم ليخدمونا، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] لنفرض أن الله أنعم علينا وأخذ نعمتهم، أو ليس الحال سينتقل والدول ستزول، وننتقل عافانا الله وإياكم.

    إذاً: يجب أن نشكر نعمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بما يلي:

    أولاً: أننا أصبحنا نستورد الخدم والخادمات -اللهم لك الحمد- هذه والله نعم عظيمة.

    أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وهو من هذه البلاد الطيبة، يقول: أبو هريرة يمتخط في الكتان.

    ولما فتح الله عليه وصار عنده منديل -من القطن- من الكتان، فقال: أبو هريرة يمتخط بالكتان، استشعر هذه النعمة العظيمة لما أنعم الله بها عليه، ونحن الآن أبناء أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وقبيلته وكلنا في المنطقة جميعاً أصبحنا نستقدم أهل الدنيا، بعضهم تكون الخادمة متعلمة وتأتي لتخدم الأمية مسكينة لا تعرف شيئاً، وتلك متعلمة ومن بلاد متطورة قبلنا، -سبحان الله- هذه عجيبة، لكن يجب أن نأخذ منها العبرة وهي: أننا إن عصينا الله أزالنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فخدمنا الناس كما كنا نخدمهم، فهل نعصي الله بذلك؟ اللهم لا.

    والمرأة إذا استقدمت لا يجوز أن تستقدم إلا بمحرم، من كان مضطراً ولا بد أن يأتي، فيأتي بها مع محرم وليعزلها عن أهله وعن بيته، لا يجوز أن يراها ولا يجوز لمحرمها أن يرى أهله أبداً وهذا شيء لا بد منه.

    وإن كانت من غير محرم فلا يجوز أن تبقى في هذه البلاد، ولا يجوز أن تحج ولا أن تعتمر؛ لأنه لا محرم لها، ومن سيكون معها لو أردنا أن نسفرها؟!

    قالوا: تسافر مع صاحبها الذي استقدمها، لأنه هو الذي أتى بها، وهل هو محرم لها؟ والله ليس بمحرم.

    إذاً يكون البلاء وما أكثر ما يقع، واسألوا المحاكم والهيئات في المدن، وأيضاً ربما في القرى عن جراء ما يقع من ذلك.

    هذا إذا كانت مسلمة، أما إن كانت الخادمة كافرة أو العامل كافراً، فإنه يحرم ولا يجوز أن يُؤتى به إلى جزيرة العرب، بل وفي مكة، والرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى في مرض موته -ولا يوصي في ذلك الوقت إلا لأمر مهم مثل الصلاة وأمثالها- بألاَّ يجتمع في جزيرة العرب دينان، {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب، لا يجتمع فيها دينان}.

    وقد أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء جميعاً، والشيخ عبد العزيز -رحمه الله- وحده، وكذلك بقية العلماء؛ وبينوا بمقتضى هذا الحديث وغيره أنه لا يجوز ولا يحل أن يستقدم أحد العمال الأجانب الكفار، لأن الأجنبي هو الكافر، ولا يجوز أن يستقدم الكافر أياً كان، وإنما إذا جاز شيء من ذلك فللضرورة للحاكم ولولي الأمر في أمور حساسة لا يمكن أن يجيدها أو يعرفها المسلمون، أما نحن نستقدمهم لأتفه الأعمال، نسأل الله العفو والعافية.

    وإلا فـالهند فيها (مائة مليون) مسلم، ومع ذلك يذهب بعض الناس ولا يسعه (المائة مليون) ويأتينا بعابد البقرة، هنا أنا رأيتهم وسألتهم: خياط، وعامل، وسواق كلهم عباد بقر، وعابد النار من اليابان ومن الفلبين ومن كوريا، لماذا يا إخوان؟ والله إن هذا نذير الهلاك إلا أن نرجع إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونوالي من والى الله ونعادي من عادى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    ما أحب أن أطيل لكثرة الأسئلة، ولكن لعل فيما مضى عبرة إن شاء الله.

    الاحتجاج بأن الإيمان في القلب

    السؤال: إذا أردت أن أنصح إنساناً يقول: الإيمان في القلب، رغم أن سلوكه مخالف لذلك، فماذا أجيب مثل هذا وفقكم الله؟

    الجواب:

    أولاً: نسأل الله أن يهدي مثل هذا الإنسان وَكَانَ اْلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف:54] إن كانت المسألة بالجدال؛ فإنه يقدر أن يقول: الإيمان في قلبي، ويقول: أنت ما اطلعت على قلبي، ويقول: وما أدراك أني كذا وكذا، كل هذا يقوله جدلاً.

    أما إن كانت محبة ونصيحة، يقول: جزاك الله خيراً وأحسن الله إليك، ويعمل بالنصيحة، هذا الذي يجب، وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم إذا ذكّر بالله وإذا نصح، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ يقول: (التقوى هاهنا، التقوى هاهنا) نعم، لماذا قالها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

    قالها ليبين لنا معنى الحديث الآخر الصحيح (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).

    لماذا؟ لأن بعض الناس يمكن أن يعمل الطيب، ويظهر بمظهر حسن، ويظهر مع المتقين في المظهر وقلبه خالٍ من الإيمان، فهذا نقول له: التقوى في القلب، اجعل قلبك يخشع لله، ويجب أن يعلم أن التقوى في القلب لا في المظهر.

    لكن إنسان يأتي ولا يوجد له مظهر فهذه حالة أخرى لا نعكس دين الله، لا نجعل هذا لهذا وهذا لهذا، فقد جعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى محل دواء لداء، ولو أعطيت دواء لداء آخر ما صلح، فدواء الذي يظن أن الدين مظهر وقلبه خاوٍ من الإيمان أن يعلم أن الله إنما ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فيتق الله في قلبه ويؤمن بالله في قلبه، ولا يظن أن المظهر يكفي، والعكس الذي لا مظهر له من مظاهر الخير ولا يحرص عليه ويدعي أن الإيمان في قلبه، نقول له: أين هذا الإيمان، أين ثمرته، أين نتيجته؟

    ما نكذبك -إن شاء الله- عندك إيمان، ولكن أظهر ثمرة هذا الإيمان، يجب أن نراها، وإلا فإنها دعوى، وأي دعوى لا يصدقها البرهان أو الدليل لا تقبل، فنحن والله لا نخشى إلا على الذين يُحبون الخير ويحرصون عليه، ويؤدون الجماعة والجمعة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، نخشى عليهم أن تكون قلوبهم فيها ضعف إيمان أو خالية منه، عافانا الله وإياكم.

    أما ذاك الذي لا يأتي هذه الأفعال ولا يعمل من أعمال الخير شيئاً، ويدَّعي الإيمان هذا والله على خطر عظيم، نخاف على ذلك، فكيف خوفنا على هذا الذي لا يعمل شيئاً أبد.

    نسأل الله أن يهدي قلوبنا وأن يصلحها، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو القدوة في ذلك وهو أكثر الناس إيماناً، وكذلك أصحابه كانوا أكثر الناس امتثالاً وطاعة وعملاً، لأنهم كانوا أكثر إيماناً في قلوبهم.

    مجالس الغيبة والنميمة

    السؤال: كثير من المجالس يحدث فيها الغيبة والنميمة، وكذلك الاستهزاء بالملتزمين، فما الحكم في ذلك؟

    الجواب: هذه الغيبة والنميمة وهذه المجالس، كل إنسان منا يجب أن يتقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يعلم كما قال عز وجل: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

    ويوم القيامة ماذا يقول المجرمون إذا رأوا الكتاب: مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، ويقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ما من قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلوا على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا كان عليهم ترة يوم القيامة} كان نقيصة وحسرة وندامة عليهم يوم القيامة، لأنهم جلسوا ولم يذكروا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لو جلسوا وتحدثوا فقط في دنيا حلال وقاموا، لوجدوا أن هذا نقص يوم القيامة، فكيف إذا كان الحديث في الحرام، نسأل الله العفو والعافية.

    ما الذي يكب الناس على مناخرهم في النار، كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـمعاذ {ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم}. ألا ترى أن كلمة من الغيبة والنميمة قد تفسد ما بين زوج وزوجه، وما بين قبيلة وقبيلة، وما بين قريب وقريبه.

    إذاً من الذي قطع الأرحام؟ ومن الذي كان السبب في هذا الفساد العظيم؟ تلك الكلمة، الكلمة التي قالها النمام أو قالها المغتاب، وهذه الغيبة هي جزء مما يجب أن نذكر أنفسنا به -جميعاً- وهو حق المسلم على المسلم، ونحن في ما بين الله عز وجل وبيننا في تقصير شديد، ولكن هو أخف مما بيننا بعضنا مع بعض.

    ونحن بالذات في هذه المناطق وهذه القبائل نخشى أن نجاهر -والحمد لله- بكثير من المعاصي من فضل الله، لكن مع بعضنا بعضاً فلا نبالي أن نجاهر ولو برفع السلاح في وجه المسلم، وهذه هي الجاهلية بعينها، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر}.

    انظروا هذه المصيبة، يقول في خطبته في يوم النحر أو في يوم عرفة: {لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض} هذه أعمال الكفار، أعمال الجاهلية، ويجب أن تتقي الله من الغيبة والنميمة والفساد والمضاربات والمنازعات، وكل ما يخل في حق أخيك المسلم.

    إن المسلم عند الله هو كل من قال: لا إله إلا الله، لكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي لنا بمفهوم آخر يصحح به نظرتنا: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} هذا هو المسلم، وإلا دعوى لا إله إلا الله كثير من يدعيها، مجرد الصلاة كثير يصلي لكن إذا لم يسلم المسلمون من أذاه فلم يحقق حقيقة الدين ولا حقيقة الإسلام.

    لماذا قدم اللسان على اليد؟ هذا -والله أعلم- لأن أصل كل شر هو من اللسان، حتى الاقتتال باليد يسبقه التخاصم والتلاعن -نسأل الله العفو والعافية- ثم يكون التماسك بالأيدي، فاللسان إذا حفظناه فهو حجاب لما بعده، هذه قاعدة -مثلاً- وعليها أمرنا الله أن نغض النظر عن النساء، فإذا غضضنا النظر عن النساء لم نقع في الزنا، وأمرنا الله أن نجتنب الشبهات، فإن كنت لا أعرف هذا أحلال أم حرام أجتنبه، فإذا اجتنبت الشبهات لم آكل من الحرام، فهذه قواعد شرعية عظيمة، حتى يكون كل إنسان يتوقى بترك الأخف حتى لا يقع في الأعظم، فنتوقى أن نؤذي المسلمين بألسنتنا، وبذلك نضمن -بإذن الله- أننا لن نؤذيهم بأيدينا، والله أعلم.

    توجيه الآباء للأبناء

    السؤال: بعض الآباء يحضرون إلى المسجد دائماً إلا أنهم لا يحضرون أبناءهم للصلاة، فإذا نصحته قال: لا أستطيع أن أحضره، فهل يعتبر الأب في هذا الحالة آثم؟ وما هو العلاج؟

    الجواب: يجب على الإنسان كما أنه يتقي الله ويحرص على الخير لنفسه أن يدعو إليه أبناءه.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] وكان إسماعيل كما وصفه الله أنه وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً [مريم:55]، هذه من صفات المرضيين عند الله تبارك وتعالى.

    نحن نشكو في هذه الأيام من ضعف السلطة الأبوية، ليست فقط مع الأبناء، بل مع الزوجات، يقول: لا استطيع، وإن تكلمنا عن الأبناء قال: لا أستطيع، وإن تحدثنا إلى المدرسين ومدراء المدارس عن الطلاب، قالوا: لا نقدر، فعندنا خلل في تربيتنا، وهو ضعف السلطة عن إيقاع التأديب أو التوجيه، لماذا؟ ما السبب؟ لعلنا نذكره فيستعين الآباء على شيء من تربية أبنائهم.

    السبب أن التوجيه ليس موحداً، كما كان في السابق، ففي السابق كان الطفل لا يتلقى التوجيه إلا من الأب، ولهذا على ما كان فينا من الجهل، كان الأبناء يقدرون آباءهم، أما الآن فالتوجيه متعدد، والمناهج متعددة الطرق، الأفلام توجه، وملاعب الكرة توجه، والبشكات والسهرات توجه، وجلساء السوء ينصحون ويوجهون، ويأتي الأب ينصح ويوجه فيضيع توجيهه مع هؤلاء، لأن المصادر تعددت.

    وخطيب الجمعة يخطب ويذكرنا بالله ويعظنا خطبة ربع ساعة أو نصف ماذا تعمل مع أفلام ومسلسلات وحلقات ومجلات وصحف وملاعب ومقاهٍ ومجالس سوء، ماذا تصنع هذه مع تلك؟

    لا تؤثر، ولذلك أصبحت السلطة ضعيفة، سواء من الأب أو من المربي أو من الزوج؛ لأن هذا سبب من أسبابها، وهو تخلخل في التربية، وتخلخل في التوجيه الاجتماعي مما أدى بنا إلى هذا.

    فإذا أردنا أن نستعيد ذلك، فيجب أن نحرص -أولاً- على إعادة توحد السلطة التوجيهية، بمعنى: أن الأب يوجه للخير، والمدرس للخير، وخطيب الجمعة كلهم يوجهون للخير، والمجالس تكون مجالس خير، وأيضاً وسائل الإعلام يجب أن تكون على خير، وإلا فلا ينظر ولا يستمع إلى ما فيها من شر.

    فإذا كنا كذلك نجد أن الزوجة تطيع زوجها، والابن يطيع أباه، والأب يحترم أبناءه ويعرف قدرهم، وبهذا أصبحنا في مسار تربوي سليم بإذن الله.

    عقوق الوالدين

    السؤال: بعض الشباب يصدر منهم العقوق لآبائهم، فما نصيحتكم لمثل هؤلاء؟

    الجواب: هؤلاء الشباب مهما كانت تقواهم، ومهما كانت طاعتهم إذا عقوا آباءهم وأمهاتهم فهم والله على خطر، لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أوصى في الأب المشرك؛ المجاهد لأبنائه من المؤمنين أن يكفروا، يقول الله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15] الأب حتى لو كان كافراً يجب على الابن أن يصاحبه بالمعروف، وأن يحسن إليه مكافأة منه، ومن ذا الذي يكافئ أباه إلا كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إلا من وجده عبداً فاشتراه فأعتقه) ولكن من الذي يجازي والديه أو أباه بما قدم له من الخير ومن الفضل،مقابل ماله عليه من الحق.

    فلنتق الله نحن الأبناء والشباب في آباءنا وأمهاتنا، ومن جانب آخر: يجب على الآباء أن يتقوا الله في أبناءهم، ويجب على الآباء أن ينظروا هل تربيتنا لأبنائنا مما يوجب العقوق أو مما يوجب الإحسان، وإذا لم تحسن إلى ابنك ولم توجهه ولم ترشده ولم تقومه، فكيف ترجو منه أن يكون باراً بك، والأمثلة كثيرة من واقع حياتنا، ومن واقع من قبلنا لا يتسع المجال لها، لكن المسئولية مزدوجة من الآباء ومن الأبناء، أن يتقي الله كل واحد منهما في حق الآخر.

    ميراث المرأة

    السؤال: يقع بعض الناس في قطيعة الرحم وذلك بسبب منع بعض الورثة من حقوقهم، وخاصة المرأة؟

    الجواب: ما خالف قوم أمر الله إلا ندموا في الدنيا قبل الآخرة، وقد فصَّل والله تبارك وتعالى أحكام الميراث، ولم يدعها لنبي ولا لعالم ولا لمفتٍ، وإنما هو عز وجل فصلها في كتابه، الأصول والأسس للمواريث، ثم فرَّع العلماء على هذه الأصول ما فرعوا ونحن ضعينا هذه الأصول في هذه المناطق، ومنطقتنا هذه إلا من وفقه الله تعالى، ولهذا نندم في الدنيا قبل الآخرة.

    كيف نندم في الدنيا؟ الرجل يتعب على البلاد، فمثلاً إن جاءت ثمرة -إلا من رحم الله- فإنها تكون قليلة الثمار، لكن المشاكل في البلاد والدعاوى كثيرة والتعب كثير، فيحفر الآبار ويتعب ويبني ويعمل ويجتهد ويفعل كل شيء، وهو يتعب فيه، فإذا كبر أولاد البنت أو الأخت، وقالوا يا خال نريد حقنا، أنكرهم وجحدهم ثم تعب في المشاكل، وفي القضاء، وفي المحاكم، وشهد الشهود، وأخذوا حقهم جاهزاً، يتندم على ما خسر، وتعب، وكسب، وعلى ما حفظ من محارم، ومن مخازن، ومن كذا وكذا تحمَّلها كلها طول الدهر، وأخذها أبناء الأخت باردة مبردة وعمروا وأنشأوا فيها، فتكون القطيعة بينه وبينهم والعداوة الشديدة، لماذا؟

    لو أنه مجرد أن مات الأب قسمت التركة وأخذت المرأة نصيبها وأخذت حقها لبقيت القلوب سليمة ونظيفة، هذا حق ليس فيه شيء، ولكانت صلة الرحم موجودة، ولكان الذي تعبت فيه لك، ما تعبت لأولاد الناس -كما يقولون- وما يدفع الناس أن يقطعوا أرحامهم من أخوات وقريبات إلا مثل هذه الأمور، أنه تعب وأفاد، وأنه وسع، وأنه ربما المساحة كانت صغيرة وزاد كبرها، ويشهد الشهود على الركيد كله ونصفه أو أكثر، ثم يأتي الحكم فيما بعد، بأن المساحة للمرأة، فيندم على ذلك.

    هكذا والله ما نخالف الله في شيء إلا نندم حتى في الدنيا فضلاً عن الآخرة، والعبر كثيرة لكن ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار.

    يجب علينا -أيها الإخوان- أن نتق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وألاَّ نفرق بين دين الله، ونؤمن ببعض ونكفر ببعض، الذي أمرني أن أخرج زكاة الفطر وأخرج زكاة مالي وأن أحج وأصلي، هو -أيضاً- الذي فرض حق الوريث والوارثات وإن كنَّ نساءً، فهو الذي فرض ذلك، لماذا أطيعه في شيء وأعصيه في شيء؟ وأتخير من الدين ما يناسبني فأعمل به، وأترك مالا يناسبني ولا يعجبني، ألنا الخيرة أم لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟

    يجب أن نطيع الله ونعلم أننا عباد لسنا مخيرين في أمر الله وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] أبداً، وإنما الاتباع والسمع والطاعة لله في هذه الحقوق جميعاً.

    الشرك والسحر

    السؤال: دعاء الجن والاعتقاد في الكهان أنهم يعلمون الغيب، ودعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مثل قولك: الله ومحمد- والحلف بغير الله، أرجو من فضيلتكم البيان هل هذه الأمور من الشرك المخرج من الملة أم لا؟ وما حكم من يخالف من يوجد عندهم هذا علماً أنه أنكر عليهم وأرشدهم وخاصة الأقارب؟

    الجواب: أولاً: نسأل الله أن يرحمنا وأن يعافينا وإياكم من الشرك، وكما قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] هذا الخطاب لمن؟ لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول رب العزة والجلال لأفضل الخلق وخاتم الرسل، رسول العالمين ورحمته إليهم، يقول: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وهذا ليس فقط للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده، بل لمن قبله من الأنبياء فنحذر الشرك إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72].

    فعافانا الله وإياكم من الشرك، وكيف نشرك ونحن أمة التوحيد الذين نقول: نشهد أن لا إله إلا الله؟ نقولها ثم ننقضها، فمن نواقضها الشرك بالله بأي نوع من أنواع الشرك -عافنا الله وإياكم- فمثل هذه الأمور كلها نجتنبها وغيرها، فإذا ما اجتنبنا الشرك بالله وعرفنا أنه خطير، فلا نستنكر ممن يحُذرنا من الشرك؛ لأنه خطير حذَّر الله منه الأنبياء.

    ننظر إلى دعاء الجن إذا دعاهم الإنسان واعتقد أنهم يضرون وينفعون، وقال: يا فلان من الجن! افعل وافعل، يا جن! افعلوا به وافعلوا وخذوه، معتقداً دعائهم، كما يدعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهذا القصد، فهذا شرك أكبر، ودعاء غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شرك أكبر مخرج من الملة؛ لأن حقيقة الشرك هي هذه؛ لأن العبادة هي الدعاء كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: { الدعاء هو العبادة } ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

    إذا العبادة هي الدعاء والدعاء هو العبادة، فلا يدعو أحد أحداً إلا وقد عبده وهذا مما لا شك فيه، لكن إن كان قالها لأن اللسان قد اعتادها فقط ولا يقصدها ولا يعتقد حقيقتها؛ فيجب عليه أن يكفرها بشهادة أن لا إله إلا الله، يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، كما كان الصحابة الكرام أول ما أسلموا وما زالت تجري على ألسنتهم بعض ألفاظ من الشرك، والحلف بغير الله.

    ويجب علينا أن ننصحهم جميعاً بغض النظر أننا نقول: خرجت من الملة، أو ما خرجت، نقول: دعاء غير الله شرك أكبر، ونقول: اتق الله ولا تشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    والاعتقاد في الكهان أنهم يعلمون الغيب هذا أيضاً من الكفر المخرج من الملة، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: وَعِنْدَهُ [الأنعام:59] وتقديم الظرف هنا للاختصاص، أي: أن علم الغيب له وليس عنده أحد غيره وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59] فإذا أتى شخص وقال: فلان يعلم الغيب، واعتقد ذلك كفر بهذه الآية وبأمثالها وكثير من الآيات والأحاديث.

    فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن أحداً يعلم الغيب؛ حتى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم الغيب إلا ما علَّمه الله وأظهره الله تبارك وتعالى عليه، ولهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمة الله عليه- ونقرأ هذا في مناهجنا والحمد لله، ذكر من رءوس الطواغيت الخمسة من ادعى علم الغيب، الذي يدعي علم الغيب ليس مجرد مشرك، بل هو طاغوت، والطاغوت أعظم من المشركين، لأن المشركين إنما يشركون لتعلقهم بالطاغوت واتباعهم له، فالطاغوت مادة وأساس الشرك مثل هؤلاء.

    وحقاً والله! انظروا الكهان المنتشرين في بعض المناطق، يدعون أنهم يعلمون الغيب، ويخبرون الإنسان باسمه واسم زوجته وأمه وكذا وكذا فيما يزعمون وفيما يدعون، فكم من الناس من يعتقد في هؤلاء، فيشرك الناس بسببهم، فهؤلاء طواغيت ولا غرابة أنهم يخبرونا بأمور غيبية.

    ونقول: إنهم يطلعونا على أمور قد تكون غيباً بالنسبة لنا، وهي ليست بغيب بالنسبة لهم، وإنما يوحي بعضهم إلى بعض، هؤلاء لهم قرناء كل إنسان منا له قرين من الشياطين، والشياطين يوحي بعضها إلى بعض هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [الشعراء:221-223] كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما بين في الحديث يكذب مائة مرة ويصدق مرة واحدة، يفتن الله تعالى الناس بمرة واحدة يصدق فيها ذلك الكاهن، يلقي الشيطان الكلمة التي سمعها من الملأ الأعلى -من الملائكة- يلقيها قبل أن يدركه الشهاب -فتنة من الله- فيسمعها وليه من الإنس -الكاهن- فيخلط معها مائة كذبة، ويقول: فلان ستكون له كذا ويكون أمراً صحيحاً، وفلان وفلان، فيكذب معها مائة كذبة، فإذا اكتشف الناس أمره وقالوا: هذا كذاب، قال: ذاك اليوم كذا وبان كذبه، قال: هذا وإذا هو كذب، جاء الشيطان وأولياؤه وأعوانه، وقالوا: نسيتم تلك المرة عندما قال وبان صدقه! فيذكرون الناس بواحدة وينسون المائة الكذبة، لأن هؤلاء أعوانه من شياطين الجن والإنس يتعاونون.

    فليس هناك غيب، لا يعلم الغيب إلا الله، وإنما وحي يوحيه الشياطين بعضهم إلى بعض، قرينك من الشياطين يذهب إلى الكاهن ويقول: سيأتيك فلان بن فلان واسم أمه كذا، واسم زوجته كذا، وعندها مرض كذا وكذا، ويدخل عليه، فيقول له: أنا أعرف لماذا أتيت أنت فلان بن فلان، وزوجتك كذا وعندها مرض كذا، فيقول: هذا الكلام صحيح، فلو لم يكن عنده برهان ما كان ليقول هذا الكلام ليدلس به علينا، لكن الشيطان ينسينا كلام الله وسنة رسوله، ويخرجنا من الملة بهذه الحيل الشيطانية الخبيثة عافنا الله وإياكم منها.

    النبي سليمان والجن

    السؤال: نبي الله سليمان تحدث أن الجن لا يعلمون الغيب؟

    الجواب: نبي الله سليمان سخر الله له أكابر الجن، وكما قال تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ [سبأ:14] فلا تأكل الأرض أجساد الأنبياء، وتوفي وقبضه الله وهو قائم عليه السلام وبيده العصا متكئ عليها، فكان الجن يأتون وينظرون إليه ويشتغلون؛ لأن الله سخَّرهم لسليمان وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35] أي إذا مات سليمان عتق الجن من الخدمة، فكانوا ينتظرون موت سليمان حتى يعفو من الخدمة ويصبحوا أحراراً، فكانوا يأتون فينظرون فإذا بسليمان واقف، فيشتغلون ويعملون في العبودية، وما دلهم على موته إلا دابة الأرض، هذه الدابة التي تأكل الخشب أكلت العصا فسقطت العصا فسقط سليمان، يقول تعالى: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14] لو كانوا يعلمون الغيب، فمجرد ما مات وعلموا أصحابهم عتقوا، لكن بقوا في العذاب المهين سنين وراء سنين، وهم يقولون: إن نبي الله سليمان حي.

    وكل ما كان عن علم وخبرة لا يدخل في هذا الباب، المهندسون أو الجيولوجيون الذين يقولون: إن الماء على بعد كذا، هذا غير ذلك، هذا الذي هو صاحب خبرة وحرفة وعلم ولا يجزم، وإنما يقول: بإذن الله وينظر إلى عروق الأرض وما أعطاهم الله من العلم فيها، فهذا لا بأس به، ولا يدخل في ذلك ما سبق، أما إذا كان عنده حضرة يحتضر، وقالوا له الجن: في هذا المكان شيء وأخبر به، فهذا لا يخلوا إما أنه يدعي علم الغيب، وإما أنه يذبح للجن -والعياذ بالله- ويقرب لهم من القربات، مما يجعلهم يخبرونه.

    ولهذا يوم القيامة يقول: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ [الأنعام:128] أي: أضللتم كثيراً من الإنس وأخذتوهم وعبدوكم من دون الله (وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) يجاوبون وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ [الأنعام:128] كيف كانوا؟ كنا نذبح لهم ويعلمونا، يأتونا وندعوهم ويعالجونا، إنما استفدنا واستفادوا، لكنه متاع قليل -نسأل الله العافية- متاع ووراؤه جهنم، والله ليس بمتاع ولا استمتاع، فيقع الاستمتاع من الطرفين، يقول: اذبح له في المكان الفلاني؛ لأنهم جن، الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يطلعهم على ما لا يطلعنا عليه.

    أما العلم البحت فلاشيء فيه، فالعلم يرفع الله به الوضيع الحقير من الناس، يأتوه الملوك ويسلموا على يده ويستفتونه، بل يرفع الله الكلاب حتى الكلاب يرفعها بالعلم، فالكلب المعلم وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ [المائدة:4] الكلب العادي إذا أكل من طعامك أو ولغ في الإناء، فيجب عليك أن تغسله سبعاً إحداها بالتراب، لكن الكلب المعلم إذا اصطاد شيئاً فإن ريقه طاهر، وتأكل هذا الشيء، وانظروا كيف يجعل العلم، الشيء طاهراً ولو كان نجساً؟!

    فكيف إذا تفقهنا في ديننا -نسأل الله أن يفقهنا وإياكم في الدين- فما كان نتيجة العلم والخبرة والتجربة فلا يدخل في باب الكهانة والشعوذة، وإنما الذي يدخل في الشرك هو الكهانة.

    أما دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل: يا محمد احفظنا أو يا جبريل أو يا ابن عباس أيضاً فهذا من الشرك، وقد تقدم ما يكفي أن دعاء غير الله شرك.

    الحلف بغير الله يعد من الشرك، ( من شرك الألفاظ) {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك} كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الآخر الصحيح: {من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت} فمن حلف بغير الله فهذا من شرك الألفاظ لا يخرج من الملة لكنه أكبر وأخطر من الذنوب الأخرى، لأن الشرك أخطر الذنوب، والشرك الأصغر أخطر من أكبر الذنوب التي ليست بشرك، وإن حلف بغير الله معتقداً تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو أكثر، كما يقال لبعضهم: يحلف بالله قال: لا أصدق حتى تحلف بالولي فلان أو بالسيد فلان، وعندنا هنا شيء آخر، يقولون: ما نصدق حتى تطلق، إذا حلف بشيء غير الله، ويعتقد أنه أعظم من الحلف بالله وأبلغ، فيكون حينئذٍ من الشرك الأكبر.

    إذا حلف بغير الله معتقداً تعظيمه كتعظيم الله أو أكثر أصبح من الشرك الأكبر، أما إذا حلف بغير الله فقط هكذا فهذا على خطر عظيم، وأما إن حلف بغير الله بلفظ يجري على لسانه من غير قصد فيجب عليه أن يستغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الحين، وأن يشهد أن لا إله إلا الله.

    حكم تارك الصلاة

    السؤال: لقد سمعت من بعض الشيوخ أن من ترك الجمعة ثلاث مرات متتابعات فإن الله يختم على قلبه، ما هو مخرج من فعل ذلك، لأن السائل يقول: هو منهم؟

    الجواب: نسأل الله العفو والعافية، نسأل الله أن يجنب قلوبنا وقلوبكم من هذه القسوة والغفلة والختم، فإذا كان كما قال الأخ هذا يختم ويطبع على قلبه إذا ترك الجمعة ثلاث مرات، ما الذي يجعل المسلم يترك صلاة الجمعة إلا مرض مستأصل قد قطَّع قلبه وغلَّفه، وهذا بعد ذلك لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، هذا من أعظم الذنوب، لأن ترك الصلاة جماعة غير الجمعة ذنب عظيم توعد عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يُحرق البيوت، بل لولا ما فيها من الذرية لأحرق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيوتهم، لكن فيها نساء وفيها أطفال لا تجب عليهم الجماعة، فكيف بالذين يتركون الجمعة؟

    هذا أعظم من ترك فريضة الجماعة، وهذا عيد المسلمين الأسبوعي.

    ومما يؤسف له أن بعض الناس يستغلون يوم الجمعة في رحلات أو في أعمال لا تقرب من الله، بل ربما -أيضاً- يسهرون سهرات طويلة ليلة الجمعة على أفلام خبيثة ثم ينامون عن صلاة الفجر يوم الجمعة، وربما -أيضاً- عن صلاة الجمعة، وأسباب الشر كثيرة وهذه من أعظم الذنوب، لأن تركها كفر كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتركها يخرج من الملة، من ترك الصلاة عامداً متعمداً لم يؤدها فقد خرج من الملة حتى إذا صلى عاد إلى الملة -نسأل الله العفو والعافية- والأحاديث في ذلك كثيرة لا يتسع المجال لسردها.

    ما هو المخرج؟ المخرج من كل ذنب هو التوبة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والاستعانة بأهل الخير ليعينوه وليذكروه بالله، ويحضر مجالس الذكر، ويوصي جيرانه وأقرباءه وأهله بأن يوقظوه إن كان نائماً عن صلاة الفجر أو غيرها، ويستعين على نفسه وعلى شيطانه بدعائه الله بالهداية؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل الهداية بالمجاهدة وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    لكن الذي لا يصلى ويقول: كيف المخرج؟ فالمخرج منك أنت، وفي أمور دنيانا لا نسأل عن مثل هذا المخرج لأن الواحد منا يكدح ويعمل ويجتهد في دنياه فلا يقصر أبداً، فلا يمكن للإنسان أن يقول ماذا أفعل وهو جالس لا يعمل؟

    فهو لا يقولها لك في أمور الدنيا إلا بعد أن يقول: حاولت وتعبت ولم أجد وظيفة، إذاً ابحث لي عن شيء.

    فكذلك في هذا نجتهد أننا نطيع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] كلنا نحب النوم، والرحلة، ونحب الراحة، لكن يجب أن نُرغم أنفسنا على طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم نرتاح ونرتحل في غير الأوقات التي أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها بعبادته وطاعته.

    حكم تقصير اللحية

    السؤال: ما حكم الإسلام في تقصير اللحية وحلق العارض كما يفعل كثير من إخواننا هداهم الله؟ ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.

    الجواب: هذا مما يتكرر فيه الكلام -والحمد لله- من الوعاظ ومن العلماء وما علينا إلا نسمع فنعمل.

    هذه اللحية شعيرة من الشعائر الظاهرة، فالحجاب للمرأة واللحية للرجل، ثم صلاة الجماعة وصلاة العيدين وصلاة الكسوف هذه شعائر، لأنني قد أذكر الله وقد لا أذكر، وقد أصلي في الليل، وقد لا أصلي.

    قد أقرأ القرآن وقد لا اقرأ فلا أحد يدري، لكن الشعائر الظاهرة هي التي تعطي الإنسان صفته، فإذا سافر أحدنا إلى بلد ووجد نساء ذلك البلد متحجبات، قال: والله وجدت بلداً مستقيمة، وأهلها طيبون مسلمون، أخالطتهم وكلمتهم؟ قال: لا نعرف لغتهم لكن نساءهم محجبات، كيف عرف؟ عرف بشعيرة ظاهرة.

    وإذا ذهبت إلى بلد أو بلدة أو مدرسة ووجدت المدرسين كلهم ملتحيين، إذا المدرسة طيبة، لماذا؟

    لأنه وجد عليهم المظهر، هذه شعيرة ظاهرة يجب أن نظهرها، وهي علامة فارقة بين المتبعين لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين المتبعين للمجوس واليهود والنصارى.

    آباؤنا وأجدادنا ما عرفوا حلق اللحية، هذا موجود فيهم ما عرفوه أبداً، وبعض العلماء يقول بحثنا فوجدنا أنه لم يعرف المسلمون حلق اللحية إلا منذ ثمانين سنة فقط، لا في مصر، ولا في الجزائر، ولا في المغرب، ولا في أي بلد من البلدان، لم يعرف المسلمون حلق اللحية إلا منذ حوالي ثمانين سنة فقط، عندما دخل الإنجليز والفرنسيون إلى بلادنا، وإلا فإن العاصي والفاجر والذي يصلي والذي لا يصلي لا يمكن أن يحلقها هذه الشعرات التي لا نأبه بها لو أن أحداً أتلف لحية أحد ولم تنبت بعد ذلك، ماذا فيها؟

    اسألوا القضاة، عشر الدية أو ربعها؟ بل فيها دية كاملة ونحن نزيلها بلا مقابل هذه خسارة.

    إذاً نقول: هذا لا تشهيراً ولا تشفياً لبعض الإخوان المقصرين، الذين يقصرون لحاهم ويحلقونها، فنحن فينا ذنوب ربما أعظم مما فيهم، لكن هذه من الشعائر الظاهرة، هذه من علامات الخير وعلامة اتباع الأنبياء، علامة أننا على منهج رسول الله، مخالفين للمجوس، ويجب أن نتمسك بها.

    لا يقول الإنسان:كيف أتمسك؟

    بعض الناس يقول: أنا عندي خير ولو كنت أحلق لحيتي.

    يا أخي! إعفاء اللحية وتقصير الثوب والله أسهل، ما رأيكم في الذي لا يستطيع أن يأتي بالأشياء السهلة، فهل يقدر أن يأتي بالأشياء الكبيرة؟

    إعفاء اللحية ليس سوى تركها فلا تحلقها، وإسبال الثوب توفر على نفسك عند الخياط حاجة من الفلوس، وتوفر وتبعد الوسخ والقذر عن ثوبك فترفعه قليلاً، فلا يضر رفع الثوب إلى الكعبين.

    حكم الإسبال في الثياب

    السؤال: هل يستطيل الإنسان بالثياب؟

    الجواب: لا يستطيل الإنسان بالثياب، إذا كنا لا نقوم من طاعة الله إلا بالقليل الذي لا يكلف شيئاً، مثلاً: إذا قلت لبعض الناس ذلك؟ يقول: نحن الحمد لله فينا أشياء بسيطة، مادامت بسيطة تجنبها، فلا يعقل أن شخصاً يحمل حجراً كبيراً، وتقول له: احمل هذا، يقول: هذا بسيط اتركه.

    يا أخي! لو حملت الصغير قبل أن تحمل هذا الكبير، لكن هذا دليل أن التزامنا ضعيف.

    إذاً إعفاء اللحية شيء بسيط، فالحمد لله الذي جعله بسيطاً لا يكلفك شيئاً، بل يوفر عليك في دنياك وفي آخرتك، وأيضاً تقصير الثوب بسيط، ولا ينظر الله إلى المسبل إزاره، ولا عقوبة أعظم من هذه، وبعض العلماء يرى أن صلاته لا تصح ولا تقبل وإذا قبلت فهو عاصٍ آثم، فالإثم ملاحق له.

    إذا رأيت إنساناً مسبلاً ثيابه، عرفت أنه من أهل الكبر، وإذا رأيت إنساناً رافعاً إزاره أو ثوبه على الكعب عرفت أن هذا عليه سمات من الخير.

    ما أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء إلا والخير كل الخير فيه، ولا نهانا عن شيء إلا والشر كل الشر فيه، عرفنا ذلك أو جهلناه.

    فيجب علينا أن نتقي الله في أوامره وفي هديه وفي سنته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن أوجب ما يجب علينا في هذه الحالة أننا لا نستهزئ بمن يطبق السنة، يكفي أنني مُقصِّر، وأني مذنب، فإذا زدت على الذنب ذنباً أعظم وهو الاستهزاء بشعائر الدين التي كفر الله بها المنافقين قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] هذا ذنب أعظم وهو الاستهزاء بالمتمسكين بالسنة أو الثياب، أو بتعليم القرآن، أو بحضور الجمعة والجماعات، أو بحضور حلقات الذكر.

    الاستهزاء بهم أعظم جرماً وذنباً من أن تترك هذه الفروض أو السنن وهو مما أخرج الله به المنافقين من الإيمان نسأل الله العفو العافية.

    حكم الغناء

    السؤال: ما حكم الغناء مع ذكر الدليل لتحريمه، وما هي الطريقة لاجتنابه بعد الانغماس فيه؟

    الجواب: الغناء كلمة عامة نفصل فيها -إن شاء الله- بإيجاز:

    الغناء يطلق على شيئين يجب أن نفرق بينهما.

    الأول: إنسان مع غنمه في الجبل أو متكئ في بيته، وأعجبته قصيدة ما فغنىَّ بها هذا يسمى غناء.

    الثاني: مع موسيقى ورقص نساء أو رجال وفرقة يسمونها فرقة ترقص؛ هذه يسمونها أيضاً غناء.

    ويأتي بعض العلماء أو بعض الناس، ويقول: العلماء اختلفوا في الغناء منهم من يقول: حلال، ومنهم من يقول: حرام.

    الحقيقة أنهم لم يختلفوا لو تبينا ذلك، ولكن تكلم كل منهم في شيء، بعض العلماء من علماء المدينة في الصدر الأول قالوا: ''إن أهل المدينة يبيحون الغناء''.

    كيف أهل المدينة يبيحون الغناء؟

    الغناء ذاك الذي ليس فيه أي شيء، يحدث نافع عن عبد الله بن عمر ''لما كان ماشياً وجد راعياً معه قصبة يزمر فيها، فوضع ابن عمر إصبعه في أذنيه -سدها- يقول نافع: وأنا يومئذ صغير، فسألته فقال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع الراعي فوضع يديه هكذا'' .

    فالغناء الذي فيه موسيقى وفيه آلات، وفيه معازف حرام، كما بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (سيأتي على الناس زمان يستحلون فيه الحر والحرير والخمر والمعازف)، فهذا الغناء حرام، الزنا والحرير والخمر والمعازف والقمار هذه محرمات قطعية، ونافع يقول: '' وأنا يومئذ صغير '' يقول: أنا ما وضعت إصبعي في أذني لأني صغير لأنني لا أدري ولا أعرف الحكم، يعتذر أنه لم يسد أذنه عن سماع القصبة، قصبة الراعي.

    فبالله لو رأوا الفرقة الموسيقية ورأوا الأفلام في الفيديو وفي التلفزيون، ورأوا الملايين التي تُبذر للمطربين والمطربات، هل يمكن أن يختلف العلماء؟

    يقول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [لقمان:6] يقول عبد الله بن مسعود [والله الذي لا إله غيره إنه الغناء] يحلف ونؤثمه! بل صدق والله.

    ويقول ابن عباس رضي الله عنه: [الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع] هذا الذي نراه، وقد ورد فيه من الزجر ما تقشعر منه الأبدان.

    وأنا أحيل الإخوة وفيكم طلبة علم أحيلكم إلى كتاب وهو كتاب عظيم في هذا الباب وغيره، كتاب إغاثة اللهفان في هذا الباب، ذكر خمسين وجهاً في ضرر الغناء، وذكر من كلام السلف ما يعتبر به الإنسان.

    وقد أباح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء في العرس الدف، وفرق بين الدف والطبل، ولكن متى؟

    ليس في كل وقت، بل في الزواج فقط وماعدا ذلك فيحرم.

    فلنتق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أنفسنا، ولنتق الله في هذه الملاهي، والمعازف التي ألهتنا عن ذكر الله وشغلتنا عن طاعة الله، وأصبح العلماء لا يجدون لهم مكاناً في المجتمع، والفساق المغنون تعلق صورهم في أعلى الأماكن، كصور الملوك والأمراء، لماذا؟ لأنهم وجدوا شهوات الناس تحُب الغناء.

    لو أنه قيل لنا: إن الشيخ ابن باز يأتي لهذه المنطقة -وإن شاء الله يأتي لهذه المنطقة- فإن كثيراً من الناس لن يفرحوا؛ كما لو قيل: المطرب الفلاني آتٍ إلى المنطقة، يأتون من كل مكان وليروه ولو استطاع النساء لأتين وخرجن ليروا هذا المطرب العظيم، لماذا؟

    نحن أشهرنا وأعلينا الفساق وأظهرناهم، وجعلنا المتقين في الدرجة الأقل.

    وكما تعلمون من واقعنا وبيئتنا أنها بيئة قبلية أصيلة، من أبناء الأسر الأصيلة، فأي شيخ قبيلة أو رجل محترم أو إنسان طيب يرضى أن يكون ابنه يضرب هذا الطبل أو يعمله؟

    بالله هل يرضى أحد هذا الشيء؟

    إخوانه سوف يتبرؤون منه وأرحامه وعمه وأبوه، فإذاً هذه مهنة حقيرة وضيعة، فإذا جاءت في التلفزيون ارتحنا؛ وقلنا هذا فنان عظيم، لماذا عظيم؟

    لأنه بعيد، أما إذا كان قريباً لك، تقول: هذا خير فيه الطبال الزمار، الذي ما فيه خير لا نعرفه ولا يعرفنا، ولا يقرب لنا ولا نقرب له.

    لا يا أخي! لا تنظر بميزانين، واجعل ميزانك واحداً، وهو ميزان الدين والشرع، وما وضعه الشرع ضعه، وما رفعه الشرع والدين فارفعه يرفعك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    الفرق الإسلامية

    السؤال: ما رأيك أن يجتمع المسلمون يداً واحدة بمختلف عقائدهم من صوفي وأشعري وغير ذلك يداً واحدة ضد الأعداء ثم بعد ذلك نصلح أنفسنا؟

    ثانياً: هل نعتبر أصحاب الفرق والملل كفاراً أم مسلمين، وأقصد الذين يؤولون الصفات وفي هذا انتقاص لحق الله سبحانه؟

    الجواب: بالنسبة للفقرة الأولى فلا تحتاج إلى كثرة شرح، فهذه نضرب لكم فيها مثالاً واحداً لو أن عدواً لنا هناك على رأس الجبل، فقال أحدنا: اعطونا العميان والعرجان والمكسرين والعجائز وكل واحد نحارب به العدو وبعد ذلك نداوي أنفسنا، هل يعقل هذا الكلام؟

    نقول: لا يقاوم العدو حقيقةً ولا يحاربه إلا القادر النشيط القوي، فوالله ما لم نعالج أنفسنا فلن نستطيع أن نحارب عدونا وقد جربنا في كل بلد يُحارب فيه أهل الشرك والضلال والبدع والموبقات، الصحابة الكرام أفضل جيل، وأطهر جيل على هذه الأرض عصوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى معصية نعتبرها اليوم عادية.

    قال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد (هذا الجبل لا تبرحوه انتصرنا أم انهزمنا) فكانت الدائرة على الكفار وانهزموا وذهبوا وجاء المسلمون يقتسمون الغنائم، وأولئك على الجبل، فقال قائدهم: [لا تبرحوا فإن نبيكم نهاكم عن ذلك] فعصوه ونزلوا إلا عشرة نفر، فلما نزلوا التف المشركون من وراء الجبل وكانت الهزيمة، وقتل من صناديد المسلمين سبعون، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقع له ما كاد أن يودي بحياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هزيمة بسبب ماذا؟ بسبب معصية واحدة حصلت من أفضل وأطهر جيل. هذه المعصية منعت النصر من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فكيف إذا كان فينا المبتدعة وفينا المؤول والمعطل وفينا الشيعي والمخرف والكاهن والدجال وكل شيء؟!

    ونقول: نواجه العدو أول شيء وبعد ذلك نصلح أنفسنا؟!

    أولاً: نصلح أنفسنا وقبل أن نجاهد الأعداء نجاهد أنفسنا بطاعة الله، أو مع ذلك فهذا أمر لا بد منه ويكفينا ذلك.

    وأما هل يعتبرون كفاراً؟

    الذين يؤولون لا يعتبرون كفاراً في الجملة -أي: ليس أهل التأويل أهل كفر- وإنما نسميهم أهل بدعة وضلال وانحراف، لكن في آحادهم قد يوجد فيهم منافقون في الباطن، فيوجد من الصوفية ومن الأشعرية ومن المؤولة منافقون في الباطن، لكن الذي ظاهره فقط أنه يؤول الصفات أو يبتدع بدعاً غير مكفرة هذا لا نكفره في الجملة ولا نكفر فرقة في الجملة، بل هم من أهل الوعيد، إن شاء الله غفر لهم، وإن شاء عذبهم فإن كان لهم من الجهاد والحسنات والإيمان باليوم الآخر ما يوازي أو يزيد عن هذا الذنب غفر الله لهم، وإن كان غير ذلك فهم مؤاخذون كأهل الذنوب والمعاصي، أما أهل البدع المكفرة كما يقول: كـغلاة الصوفية وغلاة الشيعة والجهمية الذين ينكرون جميع الصفات وأشباههم.

    فهؤلاء كفار خارجين من الملة، فهناك فرق خارجة من الملة، وهناك فرق غير خارجة من الملة، ولكنهم من أهل الوعيد، والفرقة الناجية هم الذين على مثل ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، جعلنا الله وإياكم منهم إنه سميع مجيب.

    تنزيل حكم الجهاد

    السؤال: ما حكم الجهاد في الوقت الحاضر أثابك الله؟

    الجواب: الجهاد في القرآن واجب على طلبة العلم وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً [الفرقان:52] جهاد الدعوة، وجهاد النفس على طاعة الله واجب -أيضاً- في كل زمان ومكان وعلى كل إنسان، وأما جهاد الأعداء، وقتال الكفار فهو نوعان:

    الأول: جهاد الطلب.

    والثاني: جهاد الدفع.

    فأما جهاد الدفع فهو إذا نزل الكفار في بلدان المسلمين، وجب على أهلها أن يردوه، هم ومن حولهم حتى تتسع الدائرة إلى من هو أبعد منهم ممن لديه القدرة عليه.

    وأما جهاد الدعوة فهو أفضل الجهاد كما جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أن ندعو وأن نقيم دين الله في أنفسنا، ونقيمه في مجتمعنا، ثم نخرج ونغزو الأمم ونفتح البلاد لتدين بدين الإسلام وتخضع له وتنقاد لأحكامه.

    بعد أن نكون قد حققنا الإيمان والتوحيد، ودعونا إلى الله وانتصرنا على أنفسنا ثم ننتصر بإذن الله على أعدائنا، فهذان جهادان يجب علينا الآن في كل بلد من بلاد المسلمين أن نسعى إلى جهاد الدعوة، ونبدأ بالدعوة إلى الله وننتهي بقتال الكفار وفتح بلادهم.

    هذا كله يسمى جهاد الدعوة، وهذا الذي كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    أما جهاد الدفع فأكثر بلاد المسلمين محتلة التي لم يدخلها الروس، يحكمها الباطنيون والبعثيون والإشتراكيون والديمقراطيون، كلها مذاهب كفرية أين تذهب ومن الذي يذهب؟ وما الذي لا تدع؟

    الواجب أن يحيي اليوم جهاد الدعوة ابتداءً من الدعوة المجردة وانتهاءً بقتال الكفار، لتكون كلمة الله هي العليا وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] ولا نستطيع أن نقول أكثر من هذا في هذا المقام والحمد لله رب العالمين، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756529602