حديثنا أيها الإخوة! عن "صدقة نقية من نفس تقية".
ما هي آداب الصدقة؟
ما هي شروطها؟
ما هي مجالات الصدقة؟
ما هي بعض الأحكام المتعلقة بالصدقة؟
أما آداب الصدقة: فإن الله سبحانه وتعالى يقول في آدابها وشروطها، وما يتقبل منها: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262]، وقال عز وجل: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، وقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245]، وقال سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:11].
هذه الدعوة من الله مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الحديد:11] إذا علم المقرض أن المقترض مليء غني ووفي ومحسن؛ كان ذلك أدفع له للصدقة، وأطيب لقلبه ولسماحة نفسه.. إذا علم المقرض أن الذي اقترض منه مليء، فهذا يدفعه إلى الصدقة.. إذا علم أن الذي يقترض منه يتاجر له فيها، وينميها له، ويثمرها حتى تصير أضعافاً مما كانت قبل سيكون بالقرض أسمح وأسمح، فإذا علم أن المقترض مع ذلك سيزيده من فضله ويعطيه أجراً آخر غير القرض الذي اقترضه، ليس فقط يرده إليه ويضاعفه وينميه وإنما سيعطيه شيئاً إضافياً عليه، لا شك أنه سيكون في ثقة وضمان، وأنه سيندفع إليها أكثر وأكثر، والله سبحانه وتعالى هنا قد أخبر: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [الحديد:11] من المقترض؟ الله. هذه منة منه سبحانه وتعالى على عباده: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [الحديد:11] ينميه ويثمره الغني ثم يعطيه، بالإضافة إلى ذلك أجر آخر غير أجر الصدقة فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:11] غير الصدقة له أجر كريم.
والله عز وجل قد بيَّن لنا في هذه الآيات -التي سبق ذكرها- آداب الصدقة:
أولاً: أن تكون من مالٍ طيب لا رديء ولا خبيث.
ثانياً: أن تخرج طيبةً بها نفس المتصدق يبتغي بها مرضات الله.
ثالثاً: ألا يمن بها ولا يؤذي.
قال سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:262]، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً [البقرة: 274] ، إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الحديد:18].
فتأمل.. يا أخي المسلم هذه الآداب الثلاثة:
الأول: يتعلق بالمال أن يكون طيباً.
الثاني: يتعلق بالمنفق بينه وبين الله، أن يكون مبتغياً مرضات الله طيبةً بها نفسه.
الثالث: شيء يتعلق بينه وبين الآخذ، وهو ألا يمن ولا يؤذي.
وقال الله سبحانه وتعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ [البقرة:261] ما هو المشبه؟ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ [البقرة:261] شبهوا بأي شيء؟ ما هو المشبه به؟ الحبة.
إذاً: شبه المنفق بالحبة، مع أن المثل فيه منفق ونفقة وباذر وبذرة، فاختار المنفق من الشق الأول، والبذرة من الشق الثاني، واختار من كل شقٍ من المثل أهمه، مع أنه هنا يوجد منفق ونفقة، لكن المهم هو المنفق يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله [البقرة:261] واختار هنالك البذرة؛ لأنها هي التي تنمو وتكثر، ولا يهم من الذي بذرها بالنسبة للمثل، فاختصره وجاء به في غاية البلاغة.
النوع الأول: ما يكون بالقلب دون اللسان، يشعر الإنسان لما أعطى أنه منَّ على فلان لكنه ما جهر بذلك، صحيح أن هذا لا يبطل الصدقة لكنه لا يصيرها في المكان العالي والدرجة الرفيعة.
النوع الثاني: المن باللسان، فيعتدي على من أحسن إليه ويريه أنه قد صنع إليه معروفاً عظيماً وأنه طوقه منة في عنقه، فيقول له: أما أعطيتك كذا، أما تذكر كذا، أو أن يقول له: أعطيتك ولكن لا يوجد فائدة! ما رأيت منك شيئاً، أو أعطيتك فما شكرت، حتى أن بعض السلف قال: "إذا أعطيت رجلاً شيئاً ورأيت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه".
وكان من كلام بعض السلف: "إذا اصطنعتم صنيعة فانسوها". إذا عملت معروفاً فانساه، "وإذا أسديت لكم صنيعة فلا تنسوها".
ولذلك أخبر الله سبحانه وتعالى أن من صفات القرض الحسن عدم المن لا بالقلب ولا باللسان.
وأما الأذى فإنه كثير أيضاً، والمن هو أذى فأكده، وهو نوع خاص من أنواع الأذى، ولا شك أنه إذا منّ عليه فإنه يؤذيه، قال الله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ [البقرة:262] ثم: تقتضي التراخي، لم يقل: ولا يتبعون، أي: ليس عدم المن فقط عند الإعطاء؛ لكن لا تمن ولو بعد الصدقة لمدة طويلة، ولذلك قال: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ [البقرة:262] فالمن يحصل ولو بعد سنين من الصدقة؛ لأن بعض الناس عندما يعطي -مثلاً- لله ونفسه طيبة وقد يكون بعد موعظة، لكن بعد أسابيع أو أشهر أو سنين قد يأتيه الشيطان ويلعب في ذهنه أو قلبه، فيدفعه إلى أن يذكر الفقير أو الشخص الذي منَّ عليه، يقول: أما تذكر أني أعطيتك قبل سنوات كذا وكذا وكذا، أما تذكر أني أسديت لك كذا وكذا ، ولذلك قال تعالى: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ [البقرة:262] أي: على التراخي ليس فقط عند الإعطاء وحتى بعده، وهذا من بلاغة القرآن ومن مجال التدبر فيه الذي أمرنا به.
ولا شك أن الذي يقول قولاً معروفاً: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً [البقرة:263].
لأن القول المعروف صدقة، والمغفرة أن تغفر للناس ما أخطئوا عليك صدقة؛ هذه صدقتان خير من نفقة وصدقة يتبعها أذى فتكون باطلة.
إذاً: حسنتان أحسن من حسنة باطلة، ولا نريد صدقة بالمنة مهما بلغت، ولو كان الإنسان لا يوجد عنده ما يتصدق به قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة:263] تصدق حذيفة بدية أبيه على المسلمين حين قتل أبوه في غزوة أحد بسبب ما حصل من اختلاط الأمور، فتصدق على المسلمين بديته.
وكان بعض السلف يتصدق على من آذاه واغتابه في عرضه.
وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:263] أي: إذا كنتم ستمنون؛ فالله غني عنكم، وإذا كنتم ستئوبون وترجعون؛ فالله حليم لا يعاجل بالعقوبة، ويمهل عبده حتى يئوب إليه ويرجع، والله غني لا يحتاج إلى صدقاتكم فنفعها عائدٌ عليكم أنتم.
فقلب المرائي مثل الصخر لا ينبت شيئاً ولا ينبت خيراً، كما أن هذه الصخرة التي عليها التراب لم تنبت شيئاً، ما كان عليه إلا قليل من الغبار، شبه ما علق به من أثر الصدقة بالغبار، والوابل الذي أزال ذلك التراب عن الحجر هذا هو المن الذي أذهب أثر الصدقة وأزالها، بخلاف الذي ينفق ابتغاء وجه الله، يقول الله في شأنه: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265] الذي ينفق أمواله إخلاصاً لله وتصديقاً بموعود الله وتثبيتاً من نفسه وهو صدقه في البذل والعطاء لا شك أنه في هذه الحالة يكون حاله كمثل جنة -بستان- بربوة، أي: على مكان مرتفع، فإن البستان إذا صار في مكان مرتفع، في طريق الهواء والرياح تسطع عليه الشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها، ويكون الثمر أنضج وأحسن وأطيب ولا شك في ذلك، بخلاف الثمار التي تنشأ دائماً في الظلال، ولذلك قال في الزيتونة: شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ [النور:35] أي: معتدلة في الوسط، الشمس تأتي عليها في جميع الأوقات يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ [النور:35] فهذا أنفس الزيتون، وأنفس الأشجار ما تكون بهذه الصفة، فهذه الجنة التي بهذا المرتفع المتعرضة للشمس إذا أصابها الوابل والمطر الشديد آتت أكلها ضعفين؛ أعطت البركة.. أخرج ثمرتها ضعفي ما يثمر غيرها فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ [البقرة:265] إذا ما أصباها وابل فَطَلٌّ وهو دون الوابل الرش الخفيف؛ هذا يكفي لإنباتها أيضاً، لكن إنباتاً دون الإنبات الأول، فهذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للسابق بالخيرات والمقتصد.. المقتصد صاحب الطل، والسابق بالخيرات صاحب الوابل.
إذاً: هذا مثل المرائي ومثل الذي ينفق إخلاصاً لله سبحانه وتعالى.
ثم إن الله عز وجل ضرب مثلاً آخر في سورة البقرة التي فيها هذه الأمثال العظيمة حاثاً عباده على أن تكون صدقاتهم خالصة له عز وجل، قال: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:266] هذا الشخص تعلق قلبه بهذه الجنة من نواحي كثيرة:
أولاً: أن فيها أعناب ونخيل، وهي من أنفس الثمار.
ثانياً: أن هذا البستان يجري من تحته الأنهار.
ثالثاً: أنه ليس فقط فيها أعناب ونخيل، وإنما فيها من كل الثمرات.
رابعاً: أن هذه الجنة التي فيها أشرف أنواع الثمار التي يؤخذ منها: القوت، والغذاء، والدواء، والشراب، والفاكهة، والحلو والحامض التي تؤكل رطباً ويابسةً، أي: النخيل والعنب؛ هذه صفاتها، وبالإضافة إلى كل الثمرات؛ فإن هذا الرجل قد كبر سنه، ولا شك أن الإنسان إذا كبر سنه لا يقدر على الكسب والتجارة ويحتاج إلى الأشياء التي لها مدخولات ثابتة كالمزارع والعقار، ولذلك أصابه الكبر، فهو يحتاج إليها حاجة شديدة الآن، وكذلك فإن هذا الرجل إذا كبر سنه اشتد حرصه فتعلق قلبه بها أكثر، فإن الإنسان يهرم ويشب معه حب المال والحرص.
وكذلك فإن هذا الرجل له ذرية؛ والذي له ذرية يحب أن يحفظ أمواله حتى يبقيها للذرية والأولاد، وبالإضافة إلى ذلك فإن هؤلاء الذرية ليسوا كباراً وإنما هم ضعفاء، وإذا كانت الذرية ضعفاء؛ فسيكون حرصه على هذا المال أكثر؛ لأن الذرية ضعفاء صغار لا يستطيعون الكسب، وكذلك فإنه هو الذي ينفق عليهم لضعفهم وعجزهم، كيف تكون مصيبة هذا الرجل إذا أصبح يوماً فرأى أن جنته قد احترقت بإعصارٍ فيه نار فاحترقت وصارت رماداً، كيف تكون وقع المصيبة عليه؟!
هذا الرجل مثله مثل رجل عمل أعمالاً في الدنيا لكن برياء ومنّ وأذى، فجاء يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى ثواب الأعمال؛ لأن أمامه النار والهلاك والدمار، فرأى أنه لا شيء له ألبتة؛ لأنها كلها ذهبت بالرياء والمن والأذى، فهذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى والله يضرب الأمثال للناس لعلهم يعقلون، وهذا مثل قلّ من يعقله من الناس، فكل واحد تسول له نفسه إحراق أعماله الصالحة بالرياء، فليتأمل هذا المثل، وليعرف أيضاً عظم المصيبة التي تنزل عليه عندما يدخل في موضوع الرياء أو يدخل الرياء في أعماله.
والصدقة منة من الله، ولذلك قال الصحابة:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا |
فمن وفقه الله للدين الذي يوعز له بالصدقة؛ فإنه من الله حتى لو تصدقنا نحن، فالمنة لله؛ فالذي وفقنا إليها ومكننا منها، ورزقنا ما نتصدق به هو الله سبحانه وتعالى.
ثم إن الصدقة لها باب خاص في الجنة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أنفق زوجين في سبيل الله -من أي شيء- نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله، هذا خير؛ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة) المكثر من الصدقة يدعى من باب الصدقة.
نقول: الزكاة واجبة، والصلاة واجبة، والصيام واجب، لكن المكثر من صيام النافلة يُدعى من باب الريان، والمكثر من صلاة النافلة يدعى من باب الصلاة، والمكثر من صدقة النافلة بالإضافة إلى الزكاة يدعى من باب الصدقة.
والله سبحانه وتعالى أمرنا أن ننفق من الطيبات، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [البقرة:267]، وقد عنون البخاري رحمه الله على هذه الآية، باب: صدقة الكسب والتجارة.
إذاً: إذا كان الكسب طيباً؛ تكون الصدقة عظيمة، وأطيب الكسب ما عمله الإنسان بيده، قال صلى الله عليه وسلم: (كل بيع مبرور) والزراعة، والتجارة الحلال كل هذه مغانم فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً [الأنفال:69] لا تتنازل به المرأة للرجل فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء:4].
الأبواب التي يحصل بها الناس على الأموال كثيرة؛ كلما كانت أطيب وأبعد عن الشبهة؛ كان الإنفاق منها أحسن وأجود وأكثر أجراً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم حاثاً على الإسراع فيها: (تصدقوا؛ فإنه يأتي عليكم زمانٌ يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل المعطى: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها) هذا في بعض الأزمنة يسود الرخاء، فلا يأخذ الناس الصدقات.
وكذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة قبل أن يأتي الموت، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل -لا تؤجل- حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان: كذا وكذا، ولفلان: كذا وقد كان لفلان) إذا بلغت الروح الحلقوم صار المال من حق الورثة، وتعينت أنصبتهم ومقاديرهم وصار المال لهم، الآن إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: أعطوا هذا وأعطوا هذا وأنفقوا هنا وهناك، خير الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح لست مريضاً ولا على فراش الموت، شحيح، أي: تخشى الفقر وتأمل الغنى، ويكون فيك حرص على المال، ومع ذلك تنفق في سبيل الله سبحانه وتعالى.
قال البخاري رحمه الله في كتاب الإجارة، باب: من أجر نفسه ليحمل على ظهره ثم تصدق به وأجرة الحمال.
وقال أبو مسعود الأنصاري: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل -يعمل حمال- فيصيب المد -أجرة الحمال- لكي يتصدق به، ثم قال
وينبغي على الإنسان المتصدق أن يراقب وجه الله، ولا يبالي بمن يتكلم عليه من الناس، فالمنافقون تكلموا على المتصدقين من المؤمنين، ففي حديث أبي مسعود المتقدم (لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقال المنافقون: مرائي، وجاء رجل وتصدق بصاع؛ شيء قليل، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا، فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ [التوبة:79] يعني: المتطوعين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة:79] سخر الله من هؤلاء المنافقين.
كان الصحابة رضوان الله عليهم يسارعون في الصدقة رجالاً ونساءً، ولما حثهم الرسول عليه الصلاة والسلام على الصدقة جاء رجلٌ بصرة كادت كفه أن تعجز عنها بل قد عجزت.
وتتابع الناس بالصدقات، وجهز عثمان جيش العسرة، وحصلت أشياء كثيرة جداً من الصحابة مما سبقونا نحن المسارعة في الإنفاق بالقليل والكثير، حتى تصدق أبو بكر بماله كله، وتصدق عمر بنصف ماله، المهم أنه لا يستطيع منا أحد اليوم أن يتصدق بماله كله ولا حتى نصف ماله إلا نادراً جداً من يفعل ذلك، وهذا من أسباب تفوق الصحابة علينا.
والنساء كن أيضاً إذا حثهن النبي صلى الله عليه وسلم ووعظهن يسارعن بذلك، كما جاء في خطبة العيد في صحيح الإمام البخاري : (ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى حلقها تلقي في ثوب
إذاً: نساءً ورجالاً رضي الله عنهم كانوا يسارعون بالصدقات.
والنفقة على الأهل بعض الناس يغفلون عن أنها صدقة يؤجر عليها الإنسان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (نفقة الرجل على أهله صدقة).
ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة جاءت امرأة عبد الله بن مسعود إليه، فقالت له: إنك رجلٌ خفيف ذات اليد -فقير- وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم -إذا كان يجزي أن أعطيك صدقتي أعطيتك إياها يا زوجي، وإلا صرفتها إلى غيركم- فقالت: قال لي عبد الله : بل ائتيه أنت -استحيا أن يسأل- قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتها حاجتي، وكان صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزأ الصدقة عنهما إلى أزواجهما وعلى أيتامٍ في حجورهما ولا تخبره من نحن؟ قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار و
إذاً: إذا تصدق الإنسان يبدأ بفقراء أهله فيتصدق عليهم، وقد حدث أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أعتقت وليدة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: (لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك).
ومما يرتبط بهذا الموضوع أيضاً وبموضوع الإنفاق من أعز شيء على الإنسان وأنفسها عنده وأثمنها لديه حديث أبي طلحة رضي الله عنه؛ كان أبو طلحة أكثر الأنصار بـالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد؛ هذا البستان العظيم ذو الثمار الطيبة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] كان سرعة التفاعل من ميزات الصحابة، تنزل الآية من هنا يكون تصرف تلقائياً.
قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [يا رسول الله! إن الله تعالى يقول في كتابه: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] وإن أحب أموالي إلي بيرحاء -أعز ما عندي من الأموال، وأثمن ما عندي بيرحاء - وإنها صدقة لله، فضعها يا رسول الله حيث شئت]. الواحد منا قد يتصدق بالشيء النفيس، لكن قد يضعه في غير محله، فإذا جاء أهل العلم دلوه، أو عهده إليهم ووكلهم، وقال: هذا ضعوه بمعرفتكم يا أهل العلم.
جاء هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: (بخٍ بخ -هذه كلمة مدح- ذاك مالٌ رائح -وفي رواية: رابح-) فإذا وضعته أنت الآن في هذا الشيء لا ينفد بل يصبح باقٍ لك عند الله.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي طلحة : (قد سمعت ما قلت فيها، وأرى أن تجعلها في الأقربين. قال: أفعل يا رسول الله! فقسمها
إذاً: الإنسان عندما يضع الصدقة يبدأ بالأقرب فالأقرب فإنهم أولى بالمعروف، وإذا كانوا فقراء تصبح صدقة وصلة، وإذا كانوا أغنياء ذهب إلى الفقراء والمحتاجين.
هذا حديث سعد بن أبي وقاص عند البخاري : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود من عام حجة الوداع من وجعٍ اشتد به، فقلت: إني قد بلغ بي من وجعي، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا بنتٌ، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. فقلت: بالشطر. فقال: لا. ثم قال: الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك) ما تضعه في فم المرأة من الأكل؛ تؤجر عليه.
تصدق أبو بكر رضي الله عنه بماله كله، قال أهل العلم: لا يتصدق الإنسان بماله كله إذا كان لا يصبر، أما إذا كان يصبر؛ فيندب له أن يتصدق بماله كله كما فعل أبو بكر ، أما أن يتصدق بماله كله ثم يمد يده للناس، أو يكون أولاده لا يصبرون ويمدون أيديهم للناس؛ فليس من الحكمة.
ولذلك من أحكام الصدقة في الحياة أن الإنسان لا يشرع له أن يتصدق بماله كله إلا إذا كان لا يصبر.
ثانياً: لا يجوز للإنسان أن يوصي بماله كله في الوصية بعد مماته، وأن أكثر ماله أن يوصي به الثلث والثلث كثير، ولذلك قال ابن عباس : [وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع] جعل الوصية الربع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير).
الأول تصدق بنصف ماله، هذا يمكن تصدق واحد على مائة أو واحد على ألف من أمواله، إذاً: صحيح الثاني أكثر بالعدد لكن الأول أكثر بالأجر؛ ذلك لأنه تصدق بنصف ماله مع حاجته إليه.
كذلك لو أن الإنسان قال لصاحبه: تعال أقامرك، نلعب قمار؛ هذه من عادات الجاهلية، فيشرع له أن يتصدق ويكفر عن هذه الكلمة، كما جاء في حديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله) لو حلف رجل، فقال: ما أنام بحياتي، برأس أولادي، بشرفي، حلف بأي شيء، فعليه أن يقول: لا إله إلا الله (ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق).
وكذلك فقد جاء أيضاً عن عائشة، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمي افتلتت نفسها -ماتت فجأة- وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجرٌ إن تصدقت عنها؟ قال: نعم) رواه البخاري.
إذاً: الصدقة عن الأقرباء الأموات أو عن الأموات عموماً حتى ولو تصدق لصاحبه تصل، هذا استثناء من الآية القرآنية لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] لكن من الاستثناءات من وصول الأجر للميت الصدقة عنه.. الحج عنه، العمرة عنه، قضاء دينه، قضاء نذره، قضاء صومه، أداء الكفارة عنه، الدعاء له، إشراكه في الأضحية، هذه الأشياء كلها تصل إلى الميت.
وقال البخاري رحمه الله: باب: أوقاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر : (لا يباع ولكن ينفق ثمره، فتصدق به) وقد جاء أيضاً موصولاً عنده رحمه الله في صحيحه في كتاب الشروط، عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن
هذا هو الدليل على مشروعية الوقف، الأصل في الوقف حديث عمر ويتفرغ عنه مسائل كثيرة جداً.
قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف؛ الذي يتولى الوقف ويكون ناظراً عليه وراعياً له، يأكل منه بالمعروف، ويطعم غيره، لكن لا يأخذ منه مدخرات له، إنما يأكل منه فقط.
وكذلك فإن الإنسان لو كان عنده مزرعة، فقال: هذه وقف لله تعالى؛ صارت الثمار في سبيل الله، يقول: في الفقراء.. المساكين.. أقربائي.. أولادي.. ونحو ذلك، هذه العمارة إيجاراتها في سبيل الله، سواء حدد المصارف أو لم يحددها، صارت وقفاً، لا يجوز له أن يرجع عنها؛ لا في حياته ولا بعد مماته لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها، وقد حاول أعداء الله الاستيلاء على أوقاف المسلمين في كثير من البلدان، ولذلك كان هناك مدارس وعوائل تقوم على الأوقاف، ومساجد تعمر بالأوقاف، وينفق عليها من الأوقاف، وذهبت كلها لما اعتدى عليها أعداء الله؛ ولذلك فإن الوقف يبقى وقفاً إلى قيام الساعة، إذا تعطل تماماً يتصرف به تصرفاً ينشأ به وقف جديد له منفعة، ولا يجوز التصرف فيه بدون ضرورة.
(فأردت أن أشتريه) أي: أشفق على الفرس، وقال: أشتريه من صاحبه، وأعود أغذيه، وأعتني به.
فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (لا تشتره وإن أعطاكه بدرهمٍ واحد؛ فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في القيء).
إذاً: الإنسان لا يجوز له أن يعود في الصدقة أبداً، لا يقول: يا فلان! حصل خطأ؛ أعطينا المال.. يا فلان! ندمنا، هات الصدقة التي أعطيناك إياها، لا يجوز أن يسترجعها ولو بالشراء، لكن لو أنك أهديت إنساناً، تصدقت على فقيرٍ بشاه حلوب، وهذا الفقير حلب لك وأهدى لك منها إناءً من لبن، فيجوز لك أن تشربه؛ لأنها قد جاءتك الآن هدية فلا بأس بأخذها، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل الصدقة، ولا يجوز له ذلك، فلما تصدق على بريرة صدقة، أهدت بريرة منها لبيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (هو لها صدقة ولنا هدية) إذاً: يجوز عند ذلك الأكل منها.
إذاً يجوز لك أن تتصرف فيها ولو أخرجت منها شيئاً واجباً، كذلك يجوز لك أن تعطي منها كفارة يمين، قال البخاري رحمه الله في كتاب الصوم: باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله! هلكت -وفي رواية: احترقت- قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبةً تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا. فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر -والعرق: المكتل، مثل الزنبيل- قال: أين السائل؟ قال: أنا. قال: خذها فتصدق به -أخرج كفارتك من هذه الصدقة- فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لابتيها -أي: حرتي المدينة الشرقية والغربية- أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك) فهذا مسكين أتى وهو يحترق، وإذا به يرجع بطعامٍ إلى بيته؛ وهذا من يسر الدين وسهولته، أما اللعب بالدين والأحكام والتساهل في الشريعة وتمييع الأشياء، فهذا ليس بيسر، وإنما هذا تضييع وتحريف.
فأتي فقيل له -رأى هذا الرجل في المنام، فقيل له في المنام وكان من الصالحين وهذه رؤيا حسنة-: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله
).وكذلك من الأحكام: أنه يجوز للرجل أن يشتري صدقة غيره لكن لا يشتري صدقته كما سبق بيانه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) إلا أن يكون معروفاً بالصبر فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، كفعل أبي بكر ، وليس له أن يضيع أموال الناس بعلة الصدقة، أحدهم عليه ديون يذهب يتصدق، هذه أموال الناس يجب عليه أن يؤديها!
وقال كعب بن مالك: (يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم. قال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) فلو أنه تصدق بكل المال ثم تبينت الحاجة؛ فإن له الرجوع، والإنسان لو كان خازناً أميناً كلما أمر بشيء أن يعطي أعطى؛ فإنه أحد المتصدقين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، هذه بشرى للخازن المسلم الأمين الذي ينفق ما أمر به كاملاً موفراً طيباً به نفسه، فيدفعه من الذي أمر به أحد المتصدقين، مع أنه ما أنفق شيئاً لكن بأمانة.
وكذلك المرأة إذا تصدقت من مال زوجها بإذنه ورضاه من غير مفسدة؛ كان لها أجرها ولزوجها بما كسبا وللخازن مثل ذلك، ولو أن إنساناً تصدق وهو كافر ثم أسلم فإن أجر الصدقة يثبت له.
ويؤخذ من هذا: أنه لا يجوز للشخص أن يخص بعض أولاده بمالٍ دون بعض إلا لحاجةٍ شرعية، كأن يكون أحدهم صاحب عيال محتاج ليس الآخر مثله، أو أحدهم مريض واحتاج إلى علاج والآخر ليس بمريض.. وهكذا.
وقد وردت نصوص كثيرة في أنواع الصدقات.
فمما اختصرته لكم من هذه الروايات من أنواع الصدقات: الكلمة الطيبة، عون الرجل أخاه على الشيء، الشربة من الماء يسقيها، إماطة الأذى عن الطريق، الإنفاق على الأهل وهو يحتسبها، كل قرض صدقة، القرض يجري مجرى شطر الصدقة، المنفق على الخيل في سبيل الله، ما أطعم زوجته، ما أطعم ولده، تسليمه على من لقيه، التهليلة، التكبيرة، التحميدة، التسبيحة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، إتيان شهوته بالحلال، التبسم في وجه أخيه المسلم، إرشاد الرجل في أرض الضلال؛ إذا تاه رجل وضل الطريق، ما أطعم خادمه، ما أطعم نفسه، إفراغه من دلوه في دلو أخيه، الضيافة فوق ثلاثة أيام، إعانة ذي الحاجة الملهوف، الإمساك عن الشر، قول: أستغفر الله، هداية الأعمى، إسماع الأصم والأبكم حتى يفقه، أن تصب من دلوك في إناء جارك، ما أعطيته امرأتك، الزرع الذي يأكل منه الطير أو الإنسان أو الدابة، ما سرق منه فهو صدقة، وما أكله السبع فهو صدقة، إنظار المعسر بكل يومٍ له صدقة، تدل المستدل على حاجةٍ قد علمت مكانه، تسعى بشدة ساقيه إلى اللهفان المستغيث، ترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ما صنعت إلى أهلك، النخاعة في المسجد تدفنها، تعدل بين اثنين، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه، كل خطوة تخطوها إلى الصلاة، التصدق على المصلي لكي تكون جماعة من يتصدق على هذا، إذا منحت منحة أعطيته إياها غدت بصدقة وراحت بصدقة صبوحها وغبوطها؛ ما يحلم في الصباح وما يحلم في المساء؛ هذه بعض أنواع الصدقة.
والمتأمل لها يجد أنها على نوعين، الصدقات الغير مالية هذه على نوعين:
الأول: ما فيه تعدية الإحسان إلى الخلق يكون صدقة عليه، مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إقراء القرآن، تعليم العلم، إزالة الأذى عن الطريق، نفع الناس، استعمال وجاهة تكفيه أو شفاعة حسنة لنفع مسلم، الدعاء للمسلمين، الاستغفار لهم، هذا نفعه متعدي، وقد يكون أفضل من الصدقة بالمال.
النوع الثاني: ما نفعه قاصرٌ على فاعله، مثل: التكبير، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والاستغفار، والمشي إلى المساجد.. وغير ذلك.
إذاً: كل ما كان نفعه متعدٍ أكثر؛ كلما كان زيادة في الأجر، وكلما كان شرفه وفضله أكثر؛ فهو أيضاً زيادة في الأجر، فإن الذي يمشي إلى الصلاة بكل خطوة يخطوها حسنة تكتب، وسيئة تمحى، ودرجة ترفع.
الجواب: لا. إنما يتصدق بنصيبه هو من الدية، لكن لا يتصدق بدية الآخرين.
الجواب: نعم. هو ذلك إن شاء الله.
الجواب: نعم. قضاء دين المديون من الصدقة.
الجواب: لا يجوز أن ينتفع من المال الحرام أبداً، فلو قال: إن البنك أعطاني ربا وبه أدفع ضريبة، فنقول: لا يجوز؛ لأنك استخدمت هذا المال الحرام بشيء عاد بالنفع عليك؛ وهو أنك وقيت نفسك من الظلم، فهذه منفعة استفدت من الربا، إذاً لا يجوز، ولا يقال: حرام في حرام أو من حرام في حرام يصير حلال؛ هذا لا يقول به قائل.
الجواب: لا شك في ذلك.
الجواب: إذا كان يضر بإخراج الدين وأنت مطالب لا يجوز لك أن تتصدق.
الجواب: هذا جيد، وهو من أبواب الخير.
الجواب: إذاً هذا زكاته غير مجزئة، لا يجوز له أن يعطيها لغير أهلها، ويجب عليه إعادة الإخراج إذا كان يعلم أنهم أغنياء.
الجواب: ما دام عندك حاجة، فمن الممكن أن توفر أشياء من المال بحاجتك، لكن أيضاً خذ في اعتبارك أنك إذا تصدقت، فالله سبحانه وتعالى يعوض ويغني (ما نقص مال من صدقة).
الجواب: نعم، تتصدق من المال الذي أعطاها إياه ولدها، كما قالت أسماء للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله، مالي مالٌ إلا ما أدخل عليَّ
إذاً: المرأة إذا أعطاها زوجها مصروفاً وتصدقت منه فهي مأجورة، الأم إذا كان ولدها يعطيها نفقة، فتتصدق منها؛ فهي مأجورة.
الجواب: عليه أن يتصدق ما دام مستطيعاً.
الجواب: طيب إذا كان ذلك حاصلاً فعلاً؛ لأن الإنسان المسلم ينبغي عليه أن يكون وقفاً لله تعالى، لكن في كثير من الأحيان لا يحصل ذلك، فينبغي أن نجاهد أنفسنا على هذا.
الجواب: الأفضل ألا تضع اسم والدك عليه؛ حتى لا يكون ذلك مدخل للرياء، أو يقال: هذا فلان بنى لوالده مسجداً، ونحو ذلك، سمِّه بأسماء بعض الصحابة أو اسم طيب من الأسماء يكون أفضل.
الجواب: أعظم ما يصل إلى الميت الدعاء، والصدقة لا شك في وصولها.
الجواب: إذا ما كانت زكاة ليس هناك مانع أن تعطيهم إياها، لكن إذا كانت زكاة ينبغي أن تتأكد أنهم من أهل الزكاة، فإذا كان عليه دين وهو مطالب به، ولا يستطيع التسديد يُعطى من الزكاة.
الجواب: لا بأس إذا كانت حقيقية وصحيحة تحث الناس على الصدقة؛ لأنها ليست إعلانات تجارية، لعله التبس عليه أو ظن أنها داخلة في مسألة: نشدان الضالة، أو التجارة، نقول: ليست كذلك.
الجواب: نعم؛ لأنها تكون هبة أو هدية، الأشياء المالية ليست فقط صدقات؛ يمكن تكون هدايا أو هبة، صِلِ أمكِ وأعطها، ولو كانت غير محتاجة، فهذا من البر.
الجواب: إذا عجزت عن الوصول إليه تصدق بالمال نيابة عنه.
الجواب: لا يجوز؛ لأنك مكلف بالإنفاق عليها، وعلى إخوانك الفقراء جائز.
الجواب: لا بأس، والله أعلم بنيتك، ولا داعي أن تتكلم.
الجواب: نعم. تعتبر صدقة ولك أجرها.
الجواب: المن هذا غير المن الآخر؛ منٌ منَّه الله سبحانه وتعالى عليه، وقيل: شيء مخصوص، وقيل: إنه المن العام، وهو: غير المن الذي يمنُّ به صاحب المال على من يعطيه ويؤذيه به ذلك منة من الله على بني إسرائيل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين) وواضح لماذا هي من المن؛ لأنها تخرج بدون هذه الكمأة؛ وهي التي تخرج عند نزول المطر من الله؛ لكي لا يتعب الإنسان في زراعةٍ ولا حصد ولا بذر ولا سقيا ولا إجارة ولا شيء، فهي منة من الله.
الجواب: إذا حج فريضة؛ فيجب عليك أن تذهب إلى الحج، ولو كان الوالد لم يوافق مع سعيك في إرضائه.
الجواب: لا تتصدق وإنما تشتري له بها طعاماً أو تعطيه لزوجته المأمونة، أو أولاده ولا تعطيها له.
الجواب: لا يأخذون الزكاة وإنما يعطون من مصرف في بيت المال، لكن إن لم يعطوا واحتاجوا؛ جاز لهم أن يأخذوا، كما أفتى بذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
الجواب: لك أجرك ما دام عملت بالظاهر وتصدقت عليه، وما ظهر لك خلاف الظاهر، فأنت بذلك مأجور إن شاء الله.
الجواب: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] فلذلك لا تذهب نفسك عليه حسرات، مع مواصلتك واجتهادك في دعوته وتأتي معه بأسلوب، أو تطلب من غيرك أن ينصحه، فربما لا يقبل منك كأخ، لكن قد يقبل من غيرك إذا جاءه لصداقة ومودةٍ.. ونحو ذلك.
الجواب: نعم. إذا قال: ما شاء الله وشئت، أو توكلت على الله وعليك فهذا شرك ولا شك، ولا يساوى الله بالمخلوق، أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال فيحتاج إلى تفصيل:
إذا قال: ما شاء الله ثم شئت فهذا جائز، وقد جاء في الحديث، لكن لا يقول: توكلت على الله ثم عليك؛ لأن التوكل عبادة لا تجوز إلا لله، لا يتوكل على غير الله لا بالواو ولا بثم.
الجواب: لا بأس، إذا كانوا محتاجين تعطيهم من زكاة حلي زوجتك.
الجواب: نعم، يكفر ويأتي الذي هو خير.
الجواب: تكون نيتك له فقط عند الإحرام، وتقول: ولبيك اللهم عن فلان، هذه التلبية.
الجواب: هؤلاء المغفرة عنهما محجوبة حتى يعودا: (أنظرا هذين حتى يصطلحا) يؤخر الله سبحانه وتعالى رحمته عنهما حتى يعودا إليه عز وجل، ينظر الله إلى أهل الأرض فيغفر لكل أحد إلا المشرك والمشاحن؛ وهو الذي بينه وبين أخيه شحناء، فإذا كان يريد أن تحجب المغفرة عنه فليستمر في العقوق والقطيعة.
الجواب: لا يؤخذ من المنامات أحكام شرعية ألبتة، وإنما إذا أرادت أن تحج عنه أو توكل من يحج عنه توكل، أما أنه يؤخذ من المنام فلا يؤخذ منه أحكام شرعية.
الجواب: لا شك في ذلك، وقد يكون إذا حج عنه يبتغي إبرار ذمته والإحسان إليه مثل أجره أو أكثر.
الجواب: إذا كان هذا الوعاء وعاء للفقير، مثل بعض الحصالات التي تكون للجمعيات الخيرية توزع ومكتوب عليها الجمعية.. أو نحو ذلك، فهذا وعاء الفقير لا يجوز لك أن تأخذ منه أبداً، لكن إذا كان هذا الوعاء وعاءك، أنت تجمع على جنب حتى تعطيها للفقراء، والوعاء ليس للفقير، إنما هو لك، فلا بأس أن تأخذ منها؛ لأنها ما قد صارت للفقير ولم تعط لوكيل الفقير، ولا وضعت في حصالة أو ماعون الفقير.
الجواب: نعم، ما لم يظهر شيء آخر.
الجواب: يعمل له عقيقة الآن، أو يعق الولد عن نفسه ولا مانع.
الجواب: لو طالبتهم به لم يعطوك إياه فهو إما مماطل أو فقير؛ إذاً ليس عليك زكاة، أما إذا لو طالبته أعطاك فعليك الزكاة.
الجواب: نعم، على الأقل تعفه عن سؤال الناس.
الجواب: نعم. يجوز ذلك.
الجواب: تعيد لبس ملابس الإحرام ثم تحلق، وليس عليك شيء ما دمت ناسياً أو جاهلاً.
الجواب: إذا كانت الحاجة التي في الأقارب ليست شديدة، وهؤلاء حاجتهم شديدة جداً، فربما يكون تقديرهم وجيه، فيكون الأفضل إعطاء الأموال لهم.
الجواب: الجدة ممن تلزمك نفقتها وكذا الجد والولد والحفيد والأب والأم إذا كان أعطاه من الزكاة، أما الخالة الفقيرة فيجوز أن تعطيها من الزكاة.
الجواب: إذاً تستسمح منها وتخبرها بما فعلت.
الجواب: الذي يحنث في يمينه عليه كفارة.
الجواب: نعم. يتصدق منها ويؤجر على الصدقة منها.
الجواب: نعم. ولا شك في ذلك.
الجواب: لا يجوز، لأن شرب الدم محرم.
الجواب: أما العطاس أنه مستحب فنعم، وقد ورد ذلك في الحديث: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب).
أما الجشاء فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً تجشى أمام الناس، قال: (كف عنا جشاءك) لأنه يؤذي الآخرين والجلساء ولاشك.
الجواب: لا تقصر. بل تبقى كما هي ثلاث ركعات، وكذلك الفجر سواء في الحضر والسفر.
الجواب: لا تجب زكاة الفطر عن الولد الذي في بطن أمه لكن يستحب.
الجواب: لا يجوز ذلك، تبقى أرض المسجد الوقف كما هي إلا إذا تعطلت الاستفادة منها، فهنا يلجأ إلى القاضي في نقلها إلى مكانٍ آخر.
الجواب: يتصدق، ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذا أمر لا مزاح فيه.
الجواب: لا شك أن أبواب الصدقة أوسع من أبواب الزكاة، فمثلاً: الزكاة لا تصرف في بناء المساجد، ولا طباعة الكتب الإسلامية، ولا بناء المستشفيات، لكن الصدقات يمكن أن يبني بها مسجداً، ومستشفى، ويطبع بها الكتب، أو يشتري بها مصاحف.. ونحو ذلك، فباب الصدقات أوسع من باب الزكاة.
الجواب: بعد سنة انظر ماذا تجمع عندك، وأخرج عن الألف خمسة وعشرين يكون هذا مريحاً لك.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر