وبعد:
سنتحدث اليوم -إن شاء الله تعالى- عن أدب آخر من الآداب الشرعية التي حفلت بها هذه الشريعة المطهرة، ألا وهو (أدب المصافحة والمعانقة والتقبيل) ولاشك أن هذا الأدب مما يحتاج إليه خصوصاً عند لقاء الإخوان وعند المقابلة، وكذلك مع أهل العلم ومع الأقارب، وقد جاء في المصافحة والمعانقة والتقبيل عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، وعن السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وسنذكر بعض هذه الأحاديث مع التعليق عليها، وذكر بعض ما ذكره أهل العلم في هذه المسألة.
فأما بالنسبة لهذه الآداب فقد ذكرها عدد من أهل العلم في كتبهم، ومنهم بعض الأئمة الستة في مصنفاتهم، وذكرها كذلك البخاري رحمه الله تعالى في كتاب: الأدب المفرد ، فقال: باب مصافحة الصبيان، عن سلمة بن وردان قال: [رأيت
وعن أنس بن مالك قال: (لما جاء أهل اليمن قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أقبل أهل اليمن وهم أرق قلوباً منكم) وهم أول من جاء بالمصافحة.
وقد صح موقوفاً ولم يصح مرفوعاً عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: [من تمام التحية أن تصافح أخاك] وقد روي مرفوعاً لكنه ضعيف.
وأما بالنسبة للمعانقة فقد ذكر البخاري رحمه الله في باب المعانقة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابتعت بعيراً، فشددت إليه رحلي شهراً حتى قدمت الشام -أي سافر شهراً كاملاً من أجل سماع الحديث- فإذا عبد الله بن أنيس ، فبعثت إليه أن جابراً بالباب، فرجع الرسول فقال: جابر بن عبد الله ؟ فقلت: نعم. فخرج فاعتنقني -وهو موضع الشاهد، هذا قادم من سفر فخرج إليه أخوه الصحابي الآخر فاعتنقه- قلت: حديث بلغني لم أسمعه، خشيت أن أموت أو تموت -أي: قبل أن أسمعه منك- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يحشر الله العباد -أو الناس- عراة غرلاً بهماً، قلنا: ما بهماً؟ قال: ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد أحسبه قال: كما يسمعه من قرب..) وهذا من عجائب يوم القيامة أن الله ينادي الناس بصوت يسمعه البعيد كما يسمعه القريب، فإن العادة جرت أن البعيد يسمع أضعف من القريب، والقريب يسمع أشد من البعيد وأوضح، لكن الله سبحانه وتعالى عندما ينادي يوم القيامة ينادي بصوت يسمعه البعيد كما يسمعه القريب. يقول سبحانه وتعالى: (أنا الملك لا ينبغي لأحد من أهل الجنة يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة، قلت: وكيف؟ وإنما نأتي الله عراة بهماً -ليس عندنا شيء حتى الثياب- قال: بالحسنات والسيئات) ورواه البخاري أيضاً تعليقاً في الصحيح ، ورواه موصولاً هنا في الأدب المفرد بإسناد حسن.
وذكر رحمه الله حديثاً في باب الرجل يقبل ابنته، وذكر في باب تقبيل اليد، عن عبد الرحمن بن رزين ، قال: [ مررنا بـالربذة ، فقيل لنا: هاهنا سلمة بن الأكوع ، فأتيته فسلمنا عليه، فأخرج يديه، فقال: بايعت بهاتين نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأخرج كفاً له ضخمة كأنها كف بعير -لأن سلمة رضي الله عنه كان رجلاً ضخماً قوي البنية- فقمنا إليها فقبلناها ]. حديث حسن الإسناد. هذا ما ذكره البخاري رحمه الله تعالى في موضوع المعانقة والمصافحة والتقبيل.
أما بالنسبة لما رواه غيره من أهل العلم أو رواه هو -أي البخاري- في صحيحه فقد جاءت هناك أحاديث كثيرة، فمن ذلك على سبيل المثال: ما ورد في رواية الصحيحين في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، قال: [ فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة، ويقولون: لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول، حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، قال: فكان كعب لا ينساها لـطلحة ]. الشاهد من الحديث قوله: [ صافحني ] عندما لقيه قام إليه فصافحه.
وأما ما ورد أيضاً في سنن أبي داود ، ولكنه حديث مرسل فيه ضعف، وفي الرواية: عن رجل من عنـزة أنه قال لـأبي ذر حيث أخرج من الشام : (إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذاً أخبرك به إلا أن يكون سراً، قلت: إنه ليس بسر، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إليَّ ذات يومٍ ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل لي، فأتيت وهو على سريره فالتزمني، فكانت تلك أجود وأجود) لكن هذا الحديث في سنده ضعف.
ومن الأحاديث التي جاءت عن أهل اليمن -أنهم أول من جاء بالمصافحة- ما رواه أبو داود رحمه الله بالإضافة لما تقدم مما سمعناه في الأدب المفرد للبخاري رحمه الله، قال أبو داود: روي عن أنس بن مالك قال: (لما جاء أهل اليمن ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة) المصافحة معروفة قبل أن يأتي أهل اليمن ، لكن أول من أفشاها ونشرها هم أهل اليمن، كما ذكر شراح الحديث.
وكذلك من الأحاديث التي وردت في هذا، ما رواه الترمذي رحمه الله تعالى عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب، قال: فانبجست -أي: فانخنست فاغتسلت، لم يصافح
وقد وردت عدة أحاديث في هذا الموضوع، وقال الترمذي رحمه الله بعد سياق الحديث: وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأساً، ولذلك عنون بعضهم في كتاب الطهارة: باب في الجنب يصافح، والمقصود بهذه الترجمة أن الجنب ليس عليه بأس أن يصافح غيره.
ومما ورد في فضل المصافحة وما فيها من الأجر العظيم، ما رواه أبو داود وغيره عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا) وقد رواه الترمذي رحمه الله تعالى كذلك في سننه ، وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب، فالحديث صحيح وله ألفاظ كثيرة، وقد جاء: (أنهما إذا تصافحا فأخذ كل منهما بيد الآخر، لا يأخذ بها إلا لله -وهذا الشرط مهم- تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر في الخريف).
إذاً: من فضل أخذ اليد والمصافحة مغفرة الذنوب، وتتحات الخطايا بكثرة.
وكذلك مما ذكر الدارمي -رحمه الله- في كتاب الطهارة عن حماد قال: سألت إبراهيم عن مصافحة اليهودي والنصراني والمجوسي والحائض؟ فلم يرَ فيه وضوءاً، أي: لو صافح امرأته أو أخته وهي حائض مثلاً، أو صافح كافراً فإنه لا يلزمه الوضوء، لأن مجرد المصافحة ليس من نواقض الوضوء.
أما مسألة أن المصافحة كانت شائعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يدل على ذلك الحديث الذي رواه البخاري والترمذي عن قتادة ، قال: [قلت لـأنس بن مالك : هل كانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم].
إذاً: كانت المصافحة معروفة وموجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالنسبة لالتقاء المسلم مع أخيه لو حصل، فإن المشروع فيه المصافحة في الأحوال العادية، ولذلك جاء عند ابن ماجة من حديث أنس بن مالك قال: (قلنا: يا رسول الله! أينحني بعضنا لبعض؟ قال: لا. قلنا: أيعانق بعضنا بعضاً؟ قال: لا. ولكن تصافحوا).
وكذلك روى الترمذي رحمه الله عن أنس بن مالك قال: (قال رجل: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن.
إذاً: هذا الحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن السنة إذا التقى الإنسان بأخيه المسلم أنه لا يعانقه ولا يقبله ولا ينحني له، وإنما يصافحه مصافحة.
ولذلك فالعناية بها لها فوائد، فقد تبين لنا أن من فوائد المصافحة أنها من أسباب مغفرة الذنوب والمحبة، وإذهاب الغل والحقد، وقد جاء كذلك في موضوع المعانقة والتقبيل عدة أحاديث أخرى، فقد روى البخاري -رحمه الله- في صحيحه في كتاب الاستئذان، باب المصافحة، هذا أيضاً يضاف إلى المصافحة حديث ابن مسعود في التشهد، عندما علمه النبي صلى الله عليه وسلم التشهد، قال: (وكفي بين كفيه).
وقد جاء -أيضاً- في موضوع المعانقة، ما جاء في كتاب المناقب، في صحيح البخاري ، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، قال نافع بن جبير: عن أبي هريرة : (عانق النبي صلى الله عليه وسلم
وموضوع الصغار يختلف عن موضوع الكبار، مثل الولد والحفيد يعانقه ويقبله ويشمه، كما جاء في الحديث الصحيح، لكن هذا يختلف عما يفعل مع الكبار، فالصغار من السنة أن يشمه ويقبله ويعانقه إذا لقيه كابنه وحفيده عانقه وقبله وقال: (اللهم أحببه وأحب من يحبه).
وقد جاء هذا الحديث أيضاً في صحيح مسلم رحمه الله عن أبي هريرة قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه، حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف حتى أتى خباء
أما ما فعله عليه الصلاة والسلام مع ولده إبراهيم، فقد جاء في الحديث الصحيح في البخاري ، عن أنس بن مالك قال: (دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على
إذاً: في هذا الحديث مشروعية شم الأولاد وتقبيلهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك، وقد جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قبل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداًً، هذا رجل من الأعراب كان في الأعراب شيء من الجفاء، والخشونة والغلظة، استغرب قال: يا رسول الله! أنتم تقبلون الصبيان، وأنا عندي عشرة أولاد ما قبلت واحداً منهم؟ كأنها عندهم شيء مما يتنافى مع الرجولة، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنكراً هذا الكلام ومعاتباً، ثم قال: (من لا يرحم لا يرحم) وقال عليه الصلاة والسلام في عتابه: (أوأملك لك إذ نزع الله الرحمة من قبلك).
إذا نزع الله الرحمة من قلبك لا تقبل الصبيان فماذا أملك لك؟ فهذا يدل على مشروعية تقبيل الصبيان.
وعنون البخاري رحمه الله: (باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به أو قبلها أو مازحهها)، هذه الصبية الصغيرة، وعموماً فإن الرحمة بالصغير تكون مقيدة بما لم يكن هناك فتنة.
ومما ورد من الأحاديث التي فيها التقبيل: تقبيل الأب لابنته، فقد روى البخاري رحمه الله في كتاب المناقب، أن البراء دخل مع أبي بكر على أهله، فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها قبل خدها، وقال: كيف أنت يا بنية؟
إذاً هذا من تقبيل الأب لابنته المريضة، ومن المعلوم أن عائشة رضي الله عنها أول ما قدمت المدينة كانت صغيرة، فأصابت عدداً من المهاجرين حمى المدينة ، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا أن يذهب الله ما فيها من الحمى، فيجعلها بـالجحفة ، ولذلك قال: (وصححها لنا) أي: اجعل جوها وهواءها يكون فيه صحة لا يكون فيه مرض، فمن بركة المدينة أن جوها صحي أكثر من غيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بذلك.
إذاً: يشرع تقبيل الميت، والكشف عن وجهه، وتقبيله بين عينيه قبل أن يدفن.
ومما ورد في التقبيل من الأحاديث: تقبيل الحجر الأسود، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن عمر أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال: [إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك].
وقد جاء أيضاً في صحيح مسلم رحمه الله تعالى عن سويد بن غفلة قال: رأيت عمر قبَّل الحجر والتزمه، وقال: [رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفياً] فإذاً يسجد عليه ويقبله إذا تمكن، فإذا لم يتمكن من تقبيله واستلمه بيده -أي: لمس الحجر بيده- هل يقبل يده؟
روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن عبيد الله عن نافع ، قال: [رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله].
إذاً: تقبيل اليد بعد لمس الحجر إذا لم يستطع أن يقبل الحجر مباشرة لأجل الزحام، فماذا يفعل؟ فإنه إذا استلم الحجر بيده قبَّل يده، وسيأتي بعض التفصيل لذلك.
وصافح لمن تلقاه من كل مسلم تناثر خطاياكم كما في المسند |
أي: يا أيها المسلم! صافح كما جاء في المسطور عن النبي الأواب، المبعوث بالسنة والكتاب، صافح أخاك المسلم إذا لقيته.
والمصافحة في اللغة: هي على وزن مفاعلة، أي: أنها تحدث من طرفين، وهي مأخوذة من إلصاق صفح الكف بالكف، ومنه علم أنه إذا أمسك بأطراف أصابعه فهي ليست مصافحة كاملة كما يفعل بعض الناس، وهذه ليست مصافحة الرجال، بل ولا حتى مصافحة النساء، لأن هذه المصافحة ناقصة، والمصافحة المشروعة هي وضع صفح الكف بصفح الكف والقبض عليها، فإذاً لا تكون المصافحة إلا بذلك.
وأيضاً من تعريف المصافحة: إقبال الوجه على الوجه، فلو أعطاه يده من وراء ظهره.. ونحو ذلك لا تكون مصافحة شرعية إلا في أحوال قد تكون للحاجة أو أنه لا يستطيع ونحو ذلك.
ويقال: صافحته، أفضيت بيدي إلى يده.
وفي القاموس: المصافحة: الأخذ باليد كالتصافح.
قوله رحمه الله:
وصافح لمن تلقاه من كل مسلم |
قيد الناظم رحمه الله المصافحة بالمسلم، أي: أن الكافر ليس له مصافحة.. هذا هو الأصل، لكن هل تحرم مصافحته أم لا؟
سيأتي الكلام على ذلك.
إذاً: المسلم ولو كان صغيراً أو كبيراً فإنه يصافح بشرط أن تؤمن الفتنة، فقد يكون أمرداً أو يكون له فتنة به، فعند ذلك تحرم مصافحته ولاشك في ذلك.
أما بالنسبة لمصافحة المرأة الأجنبية فإنه لا يجوز مصافحتها، سواءً كانت كبيرة أو صغيرة، وكذلك قد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن مصافحة النساء؟ قال: "لا. قال: قلت: فيصافحها بثوبه -لو جعل الثوب حائلاً؟ يمد يده فيكون الثوب بين يده ويدها- قال: لا".
وقال ابن تيمية رحمه الله: "إن الملامسة أبلغ من النظر". ملامسة المرأة أبلغ من النظر إليها في الفتنة وثوران الشهوة، ولذلك لا يجوز مطلقاً.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن الإنسان لو طعن بمخيط -المخيط الإبرة العظيمة التي يخاط بها- في رأسه خير له من أن يمس امرأة لا تحل له، سواء كان في المصافحة أو في غير المصافحة، ويكون هذا مس المرأة التي لا تحل له، وهذا من قواعد الشريعة العظيمة التي تدرأ بها الفتن، وتسد بها الذرائع إلى الشر، ويؤمن بواسطتها من ثوران الشهوات.
إذاً: لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية لا بحائل ولا بغير حائل، لا كبيرة ولا صغيرة.
فإن قال قائل: الكبيرة ماذا يجوز منها إذاً؟
نقول: الله عز وجل قال: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً [النور:60].
وهذا الشرط أن تكون المرأة من القواعد من النساء -كبيرات السن- لا يرجون نكاحاً، أي: أنها بلغت من الكبر عتيا، وأنه قد ذهب كل جمال فيها، بحيث لم تعد ترجو زواجاً مطلقاً، ولا أحد يطمع فيها أو يتزوجها أبداً، فهذه المرأة فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60] أي: يجوز لها أن تضع الخمار عن رأسها إذا دخل عليها أجنبي، ولكن يشترط مع ذلك ألا تكون متزينة.
على سبيل المثال: لا يجوز أن تضع مكياجاً مثلاً، أو حمرة أو خضرة، أو أي نوع من أنواع المساحيق الموجودة وغيرها، لا يجوز أن تضع ذلك وتكشف على الأجنبي، ولو كانت كبيرة ولا تشتهى، لا تضع الزينة، كل ذلك من احتياطات الشريعة لعدم الوقوع في الفاحشة، وعدم إشاعة الفتنة وثوران الشهوة، ولأجل صيانة المجتمع المسلم وحماية أفراد المسلمين، ولكل ساقطة لاقطة.
إذاً: المرأة الكبيرة يجوز لها أن تضع ثيابها غير متبرجة بزينة إذا كانت لا ترجو نكاحاً، لكن لا يجوز مصافحتها ولا الخلوة بها، ولا أن تتعطر عنده ولا تتزين، ولا يسافر بها إذا لم يكن لها محرماً، لأن بعض الناس قد يتساهلون في الكبيرات، فيصافح ويقبل ويسافر ويخلو بها، فنقول: أقصى ما ورد أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة.
أما المرأة الشابة الأجنبية فهذا معروف من باب أولى أنه لا يجوز مصافحتها ولا تقبيل رأسها ولا غيره، ولا السفر بها بدون محرم، ولا أن تكشف عليه، ولا أن يخلو بها.. إلى آخره.
وصافح لمن تلقاه من كل مسلم تناثر خطاياكم كما في المسند |
إذاً: يكره عند الإمام أحمد رحمه الله للرجل أن يصافح كافراً، لكن لو صافحه جاز ذلك ولا يأثم، خصوصاً إذا كان يرجو تأليف قلبه للدخول في الإسلام.
أما ما عمت به البلوى اليوم من كثرة وجود الكفرة بيننا في الأعمال المختلفة والمكاتب والجامعات.. ونحو ذلك، ونحن ننصح ونقول: أنت لا تمد يدك ابتداءً، لكن لو مد هو يده فإن خشيت من مفسدة، كأن يضر بك مثلاً، فيمكن أن تصافحه، لكن الأحسن ألا تفعل ذلك، لكن إذا صافحته فلا تأثم، وهؤلاء الذين يعملون في المكاتب والشركات.. ونحو ذلك يجدون حرجاً كبيراً في هذا الموضوع، فنقول: لا تبتدئ الكافر بالمصافحة، لكن لو مد الكافر يده ولم يكن في ذلك ضرراً على الإسلام وأهله، أو لم يكن في يده نجاسة مثلاً، لأن هؤلاء لا تدري عنهم ماذا يمسون بأيديهم، وقد يدخل دورة المياه والحمام والمرحاض وبيت الخلاء ويمس نجاسة ولا يغسل يده، فأنت لا تعلم كيف يفعلون، فهم أناس لم يتعلموا التنـزه والطهارة، ولم يطبقوا ذلك، لاشك أن أيديهم يكون فيها ما فيها، فهذا ما يمكن أن يقال في موضوع مصافحة الكافر.
وقول الناظم رحمه الله تعالى: "تناثر خطاياكم"، فتناثر الخطايا: تفرقها وتساقطها، والخطايا جمع خطيئة، وهي: الذنب، أو ما يتعمد من الخطايا.
وقوله: كما في المسنَّد: الأصل المُسْنَدِ ، لكن شدده لضرورة الوزن.
وبالنسبة لإشهار المصافحة وإعلانها سنة، وقد كانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبالنسبة لأول من صافح وعانق، قيل: إنه إبراهيم الخليل عليه السلام، لكن هذا يحتاج إلى دليل.
فنقول: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون وراءه، وما نقل عنه ولا عنهم أنهم بعد الصلاة كان يصافح بعضهم بعضاً، أو من عن يمينه وعن شماله، وإذا ألحقنا بالعبادة شيئاً معيناً وواظبنا عليه بعدها، كالمصافحة يميناً وشمالاً، فلاشك أننا نكون قد وقعنا في البدعة.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن المصافحة بعد العصر والفجر، هل هي سنة مستحبة أم لا؟ فأجاب رحمه الله بقوله: أما المصافحة عقب الصلاة فبدعة، لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستحبها أحدٌ من العلماء.
إذاً: إذا التقى المسلمون، وقاموا من المسجد وخرجوا، أو وهم داخلون إلى المسجد وقابل بعضهم بعضاً، هل يتصافحون؟
الجواب: نعم، وورد سؤال عن رجل في صلاة الجمعة مد إليه رجل آخر يده أثناء الخطبة، فهل يصافحه أم لا؟
فسألت الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا السؤال، فقال: يصافحه دون كلام.
لكن هل يجوز أن تشغل الناس أثناء الخطبة وتشغلهم عن سماعها؟
الجواب: لا، لكن لو أن شخصاً فعل ذلك وفوجئت به فصافحه دون سلام.
علَّم النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود التشهد وكفه بين كفيه، فيمكن أن يطول التصافح، ليعلمه شيئاً مثلاً، وقد قال الصحابي: (صافحت بكفي هذه كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أر خزاً ولا حريراً ألين من كفه عليه الصلاة والسلام).
بالنسبة لمسألة المعانقة والتقبيل، فهي من الأشياء التي ترد بعد قضية المصافحة، لكن ينبغي أن نؤكد على مسألة المصافحة تأكيداً آخر قبل أن نغادر هذه النقطة، لأجل أن كثيراً من الناس يقصرون فيها، وربما مر بجانبه ويمكن أن يصافحه فلا يفعل ذلك.
نعم! إنها ليست بواجبة، لكن لماذا يفوت هذا الأجر العظيم في قضية المغفرة، وتحات الخطايا والمودة، لماذا يفرط في ذلك؟
إذاً: ينبغي أن نحافظ على هذه الشعيرة الإسلامية، والأصل أن المصافحة تكون باليد اليمنى، لكن قد يكون فيه شيء في يده اليمنى من كسر أو حرق أو جرح فلا يستطيع المصافحة بها، فلو صافح باليد الأخرى فلا بأس بذلك.
إذاً: لو فعل ذلك فلا بأس به، فقد صافح ابن المبارك حماد بن زيد بكلتا يديه، فلا حرج فيها إذاً.
بعض الناس يصافح ثم يقبض على إبهام صاحبه مثلاً، فنعلم أن المصافحة هي وضع الصفح بالصفح، أما القبض على الإبهام فلا يكون مصافحة.
وضع الساعد على الساعد ليس مصافحة في اللغة، لكن أحياناً تدعو الحاجة إذا مد يده، والآخر يده غير جاهزة للمصافحة فيعطيه ساعده، فهذا لا بأس به ولو أنه أقطع اليدين الكف غير موجودة، فيقبض على الساعد وهذا للحاجة وليس هو الأصل.
المصافحة فيها شيء من الهز:
إذا قبض على اليدين فهزها فلا بأس بذلك أيضاً، ولكن برفق، فمن أخطاء المصافحة: أنه إذا قبض على يده قبض بقوة.. يفرقع بها أصابع الآخر، ويشد بها شداً مؤذياً مؤلماً، حتى تجده يقول: ليتني لم أصافحه، أو تراه يحتال لتخليص يده، أو يريد أن ينـزع يده بسرعة، فلاشك أن هذا ليس من الأدب.
وكذلك إذا هزها بقوة حتى يكاد يخلع يده، فهذا أيضاً ليس من الأدب. فالمصافحة وضع الصفح في الصفح بلين ورفق وهز يسير لو أراد، هذا هو ما ينبغي أن تكون المصافحة، أما أن تكون المصافحة وسيلة لإيذاء الآخر فهذه ليست مصافحة مشروعة، وينبغي على القوي أن يرفق بالضعيف، وعلى الكبير أن يراعي الصغير، فيصافح برفق ولين.
المعانقة عند القدوم من السفر سنة، كما جاء ذلك في حديث استقباله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه، ونص شيخ الإسلام رحمه الله على تقييدها بالسفر، وفي الأحوال العادية ليس هناك معانقة؛ لأن الحديث قال: (أيلتزمه فيعانقه؟ قال: لا). وأما إذا قدم من سفر فقد ثبتت المعانقة.
وكذلك الصبيان فيعتنقهم حتى لو كان بغير سفر، سواء كان ولده أو حفيده كما جاء في الآثار، أما وغيرهم فيجوز ذلك مع أمن الفتنة، وكل هذه الأشياء: (المصافحة والمعانقة والتقبيل) يشترط فيها العلماء الأمن من الفتنة والشهوة؛ لأن المسألة حتى مع غير النساء يوجد فيها فتنة وشهوة، وهذا ما يذكره أهل العلم في مسألة المردان.
في قضية المعانقة فإن الإمام أحمد رحمه الله احتج بحديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم عانقه، وقال إسحاق بن إبراهيم : سألت أبا عبد الله عن رجل يلقى الرجل يعانقه؟ قال: نعم. فعله أبو الدرداء.
وقال: في الإرشاد المعانقة عند القدوم من السفر حسنة.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: فقيدها بالقدوم من السفر، وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: وهو المنصوص عليه في السفر.
إذاً: إذا قدم من السفر فعند ذلك يتعانقون، وقد جاء عن الشعبي أنه قال: [كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا تصافحوا، فإذا قدموا من السفر عانق بعضهم بعضاً].
قال السفاريني : قال ابن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية : إسناده جيد.
أما بالنسبة لمعانقة الكافر فهي أشد من المصافحة بلاشك، وكذلك المبتدع، فيبتعد عنها أشد من ابتعاده عن المصافحة.
أما بالنسبة لحديث أبي ذر المتقدم، فقد جاء عند أبي داود وفيه رجل مجهول، وقد جاء أنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه جعفر قام يجر إزاره، وهذا إذا انفلت الإزار بغير قصد، وليس المقصود أنه يتعمد إرسال الإزار، فإن الإسبال معروف حكمه، لكن قد يسقط عن قيام الشخص فجأة، أو لظرف عارض ونحو ذلك، فاعتنقه عليه الصلاة والسلام.
قال بعضهم: تكون المعانقة إذا طالت الغيبة، وقد ذكر ذلك بعض أهل العلم قياساً على السفر، أن السفر فيه بعد وطول عهد، لكن ينبغي ألا يكون هذا ذريعة إلى إفشاء المعانقة كالمصافحة، وأن تكون في غير موضعها، وخصوصاً أن المسألة فيها نص، أنه عليه الصلاة والسلام سئل (أيلتزمه ويعانقه؟ فقال: لا.).
إذاً: تكون المصافحة فقط في الأحوال العادية.
2- قبلة الرحمة للوالدين على الرأس.
3- قبلة الشفقة لأخيه على الجبهة.
4- قبلة الشهوة لامرأته أو أمته على الفم.
5- قبلة التحية للمؤمنين على اليد، أي: للعلماء أو للأبوين.
6- وزاد بعضهم: قبلة الديانة للحجر الأسود، للحاج والمعتمر، وهذا معروف، وقد تقدمت فيه الأحاديث، فإن عجز عن التقبيل استلمه بيده ثم قبلها، وبالنسبة إذا استلمه بغير يده، كما إذا استلمه بعصا، فقد جاء عن ابن عباس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن) وجاء هذا الحديث في الصحيحين ، أما بالنسبة للركن اليماني فلا تقبيل، وإنما هو مسح فقط واستلام، يستلمه ويمسح عليه، ولاشك أن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً، وقد ثبت أنهما ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما، وإلا لأعشى ذلك النور أبصار أهل الأرض.
وبالنسبة لتقبيل الأجنبية فهو نوع من الزنا ولاشك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن زنا الجوارح.. زنا اليد، وزنا العين النظر، وزنا اللسان، وزنا الأذن، وزنا الرجل.. وغير ذلك، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
وكذلك فإنهم قالوا: لا يجوز للرجل أن يقبل فم الرجل، وكذلك المرأة لا تقبل فم المرأة، الفم عموماً متروك للزوجين أو الرجل وأمته.
أما تقبيل اليد فقد جاء في الحديث أنهم قبلوا يد النبي عليه الصلاة والسلام، وعند البخاري في الأدب المفرد -كما تقدم- أنهم قبلوا يد سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، فأخذوا منها أن تقبيل يد العالم والفاضل أو الوالدين لا بأس به ولا حرج؛ بل هو مشروع، أما تقبيل يد الظالم فقالوا: إنها معصية، إلا إذا خشي على نفسه، وتقبيل الأرض بين يدي العظماء من المنكرات.
نقول: إذا أنزل أبطل.
وكذلك بالنسبة للصائم: هل يقبل؟
إذا كان يأمن على نفسه يقبل، وإذا كان لا يأمن على نفسه فلا يجوز أن يقبل.
وذكروا كذلك في قضية الوضوء، هل ينتقض الوضوء بالقبلة أم لا؟
إذا خرج منه شيء انتقض وضوءه، وإذا لم يخرج منه شيء فوضوءه صحيح.
وكذلك فإن التقبيل في الصلاة يفسدها عند من يقول ببطلان الوضوء بالتقبيل.
ويحرم على المحرم بالحج والعمرة أن يقبل زوجته، ومن فعل ذلك بشهوة فعليه دم، وكذلك من قبل زوجته المطلقة بنية الرجعة في العدة، فهو رجوع.
وكذلك تقبيل الخبز، فإن بعض الناس يقبلون الخبز، وهذا مما لم يرد فيه دليل أيضاً، لكن الخبز ورد الحديث بإكرامه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكرموا الخبز) ومن إكرامه كأن يكون موجوداً فلا يلقى ويرمى ويهان، ولا يجعل مع القاذورات والنجاسات، إذا رأيته مرمياً فأخذته ورفعته، فهذا من إكرام الخبز، لكن تقبيله ليس عليه دليل.
وتقبيل يد العالم الورع والوالدين تقدم، كما أنه يقبله في جبهته، وأيضاً يقبل يده، والنبي صلى الله عليه وسلم عانق جعفراً حين قدم من الحبشة ، وقبله بين عينيه، لكن هذا الحديث الذي رواه أبو داود قال المنذري : إنه حديث مرسل؛ لأنه من رواية الشعبي.
ومن أنكر من العلماء تقبيل اليد، لعلهم لم يطلعوا على الحديث أو لم يثبت عندهم صحته، وتقبيل الأولاد والأحفاد والصغار تقدم الحديث فيه مع أمن الشهوة عموماً، وتقبيل الأب لابنته، والبنت لأبيها، وينبغي أن يشدد في مسألة تقبيل الأقارب بعضهم لبعض، لأجل فشو الفساد في هذا الزمان، لكن لو قبل جدته مثلاً في رأسها فلا حرج في ذلك، الجدة مثل الوالدة، وكذلك الجد، أو قبلت جدها في رأسه أو يده، فلا حرج في ذلك.
وقال بكر بن محمد، عن أبيه، عن أبي عبد الله، وسئل عن رجل يقبل أخته؟ قال: قد قبَّل خالد بن الوليد أخته.
إذاً بالنسبة لتقبيل الأخت، ولابد من الأمن من ثوران الشهوة أو الفتنة، فنقول: لو صار كمثل عادات الناس اليوم، أن الرجل إذا واجه -مثلاً- أخته، قالوا: سلم عليها، وعند العامة كلمة سلم عليها معناها: تقبيل، لكن إذا نظرت في الحقيقة إلى كيفية التقبيل وجدت أنها معانقة، ولكن القبلة لا تقع على الوجه ولكن تقع في الهواء، هذا لا حرج فيه أصبحت معانقة وليست بتقبيل.
إذاً هناك ضوابط في المسألة ذكرها الإمام أحمد رحمه الله في قضية أمن الشهوة والفتنة وعدم التقبيل في الفم مطلقاً، ولو كانت من المحارم وكبيرة فقبل رأسها فلا حرج في ذلك، أي: إذا أراد أن يقبل في الوجه يجعلها في الجبهة والرأس، مثل الخالة والعمة والأخت الكبيرة التي تكون أحياناً بمثابة الأم، والجدة التي هي أم، هذا بعض ما يتعلق بموضوع المصافحة والمعانقة والتقبيل.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الفقه في دينه.
لذلك لو أن البادئ بمد اليد هو الذي يسحب يده أولاً في إنهاء هذه القضية فلا حرج في ذلك.
فأما بالنسبة للتقبيل، فهناك كتاب بعنوان: الرخصة في تقبيل اليد ، من تصنيف الحافظ أبي بكر محمد بن إبراهيم المقرئ ، ذكر فيه أحاديث ونصوصاً في مسألة التقبيل، بالإضافة لما سبق ذكره سابقاً، وقد أورد حديث أسامة بن شريك ، قال: (قمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده). قال ابن حجر رحمه الله: سنده قوي.
وكذلك أورد فيه من الأحاديث -أيضاً- حديث أم ولد أنس بن مالك قالت: كان ثابت إذا أتى أنساً قال: [يا جارية! هاتِ طيباً أمسه بيدي، فإن
وكذلك من الأحاديث التي ذكرها، حديث سلمة بن الأكوع ، قال: [ بايعت بيدي هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم].
وقال الراوي عبد الرحمن بن رزين: قبلناها ولم ينكر ذلك.
وقال ابن حجر رحمه الله: إسناده جيد، وقال الهيثمي : رجاله ثقات.
وكذلك أورد حديثاً قد رواه البخاري في الأدب المفرد ، وهو عن ذكوان أن رجلاً قال له صهيب : [ رأيت علياً رضي الله عنه يقبل يدي العباس أو رجله، ويقول: أي عم! ارض عني ].
وكذلك أورد أثر موسى بن داود قال: [ كنت عند سفيان بن عيينة ، فجاء الحسن الجعفي ، فقام ابن عيينة فقبل يده ] وهذا صحيح إليه.
وكذلك أثر ثابت قال: قلت لـأنس بن مالك : [أحب أن أقبل ما رأيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمكنه من عينيه].
وقال ثابت : [كنت إذا أتيت أنساً أخبر بمكانه، فأدخل عليه فآخذ بيديه فأقبلهما، فأقول: بأبي هاتين اليدين اللتين مستا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عينيه، وأقول: بأبي هاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم].
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أبي بكر المقدمي وهو ثقة.
وكذلك أتى من حديث ابن جدعان قال: سمعت ثابتاً يقول لـأنس : [مسست رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديك؟ قال: نعم، قال: فأعطني يدك، فأعطاه فقبلها]، والأثر فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، لكن يشهد له آثار وطرق أخرى في هذا، فيكون حسناً.
وكذلك جاء من حديث أم أبان بنت الوازع بن الزارع ( أن جدها
إذاً: في الأحوال العادية لا يستحب التقبيل إذا لقي الأخ أخاه، أما تقبيل اليد لسبب عارض، فإن كان للدنيا فإنه مكروه.
وقال سفيان الثوري : أكرهها -تقبيل اليد- على دنيا.
وقال وكيع شيخ أحمد بن حنبل رحمهما الله: إنها -أي: قبلة اليد- صلحت حين قبلت للآخرة، وأنها فسدت حين قبلت للدنيا.
وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- فيما نقله عنه المروذي، لما سأله عن قبلة اليد، فلم يرَ به بأساً عن طريق التدين، وكرهها على طريق الدنيا، وقال: إن كان على طريق التدين فلا بأس، فقد قبل أبو عبيدة يد عمر ، وإن كان على طريق الدنيا فلا، إلا رجلاً يخاف سيفه أو سوطه.
وكذلك قال حميد زنجويه : ما كان على وجه التملق والتعظيم -أي: المكروه من المعانقة والتقبيل-.
وقال النووي في كتاب الأذكار : إن كانت لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فهو مكروه شديد الكراهة، وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز، فأشار إلى أنه حرام، وإذا كان الرجل ظالماً أو مبتدعاً أو كافراً تتأكد هذه الحرمة؛ لأن الواجب هجره أصلاً والإنكار عليه، وليس تقبيل يديه.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: تقبيل يد الإمام العادل سنة.
وقال حميد زنجويه : تقبيل اليد لا يستوجبه كل أحد.
وقال بعض أهل العلم: تقبيل يد الظالم معصية، إلا أن يكون عن خوف.
وقال ابن الوردي الشاعر:
أنا لا أختار تقبيل يد قطعها أجمل من تلك القبل |
أي: هذه حقها أن تقطع، ربما يكون يد سارق وناهب، فكيف تقبل يده؟! والواجب أن تقطع في الشريعة.
وبعض الناس وخصوصاً الصوفية ورؤساؤهم، عندهم عادة تقبيل اليد، ويتخذونها كبراً وطلباً من الناس، وهذا يدل عليه تصرفاتهم، كما إذا مد يده ليقبلها الناس، تجد بعض شيوخ الصوفية الطرقيين إذا جلسوا في مجلس أو كانوا يمشون، وجاءهم الناس مدوا أيديهم، كأنه يقول: خذ قبل وتبرك وامسح! ويتبين كذلك فعل هؤلاء السفهاء بما إذا استحسنوا من تقبيل يده، تجد أنه إذا قبل شخص أيديهم ابتسموا وأكرموه وأثنوا على فعله، وقال: الله يرضى عليك، المقصود هؤلاء الصوفية ولا أقصد الوالد الذي إذا قبل الولد يده فدعا له فهذا شيء آخر، وكذلك يظهر هذا من تشنيعهم على من لم يقبل أيديهم أيضاً.
وكان السلف رحمهم الله بخلاف ذلك، إذا جاء شخص يقبل يده ربما سحب يده، وعندما استأذن رجل الإمام أحمد رحمه الله في تقبيل رأسه، قال: لم أبلغ أنا ذاك، لم أصل إلى درجة أن تقبل رأسي أنا دون ذلك، هذا من تواضعه رحمه الله تعالى، وفي رواية عبد الله قال: لم أره يشتهي أن يفعل به ذلك، فكان من ورعهم وتواضعهم رحمهم الله أنهم لا يسمحون للناس بتقبيل أيديهم ورءوسهم، ويقولون: نحن أدنى من هذا، وكره أحمد رحمه الله المسح على اليد للتبرك ونحوها، فقال لمن مسح يده عليه عمن أخذتم هذا؟ وغضب ونفض يده.
وقال ابن تيمية رحمه الله: ابتداء الإنسان بمد يده للناس ليقبلوها، وقصده لذلك، فهذا ينهى عنه بلا نزاع كائناً من كان، بخلاف ما إذا كان المقبل هو المبتدئ لذلك، فلا حرج، أما أن يمد يده للناس فهذا مما ينهى عنه.
وأيضاً اعتياد التقبيل حتى لو كان للمشايخ أو أهل العلم، فهذا فيه نظر؛ لأن الصحابة لقوا النبي صلى الله عليه وسلم مراراً وتكراراً، وما نقل عنهم أنهم كلما رأوه قبلوا رأسه ويده.
نعم! قد تأتي العالم في المرة الأولى فتقبل رأسه أو يده، لكنك تأتيه في الدرس الذي يليه ثم الذي يليه ودائماً تواظب على هذه العادة فربما أدى هذا إلى شيء من الغلو.
وكذلك قال ابن مفلح رحمه الله: تقبيل اليد لم يكونوا يعتادونه إلا قليلاً، ومن شعار بعض المبتدعة قرن تقبيل اليد بالمصافحة، فما صافح أحدهم صاحبه إلا قبل كل منهم يد صاحبه.
وهذه أيضاً مسألة لا أصل لها، تجد بعض الناس في بعض الأماكن كلما صافح الأول الثاني هذا يقبل اليد وهذا يقبل اليد الأخرى، وأحياناً يقبل يد نفسه، كأنه يقبل اليد التي لامست يد الآخر، وهذا أيضاً مما لا دليل عليه.
فكيف بمن يتبرك بحمار الشيخ، يقول: هذا الحمار الذي ركبه الشيخ، فيمسحون حمار الشيخ، وربما قبلوه، وتكلمنا عن مسألة التقبيل لشهوة، وأن ذلك لا يجوز إلا إذا كان لزوجته أو سريته.
وبالنسبة للتقبيل للشهوة فإنه لا يجوز للإنسان أن يقبل أحداً إلا زوجته أو أمته، أما المرأة الأجنبية فلا شك أنه حرام، وكذلك الصبية الصغيرة والأمرد، كله حرام ولا يجوز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن أحدكم في رأسه بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني، وهو حديث صحيح.
وكلما خشي أن يثير شهوته، مثل: تقبيل يد الأمرد الحسن، أو الصبية الصغيرة الحسنة التي قاربت البلوغ، فحرام لاشك في ذلك، والفتنة بالمردان أمر معروف، وهو عند الصوفية دين يتخذونه ويتقربون إلى الله بذلك، ولو قال: لا تثور شهوتي، فإنه لا يأمن عليه، والله قال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32] ولم يقل: لا تفعلوا الزنا، فحتى اقتراب الشيء الذي يكون سبباً للوقوع في المعصية لا يفعله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العين تزني وزناها البصر، واليد تزني وزناها اللمس، والفم يزني وزناه التقبيل) إذاً: زنا الفم أن يقبل بالحرام.
وبالنسبة لتقبيل الإنسان يده بعد تقبيل الحجر الأسود، فذلك ثابت في السنة، وتقبيل المحجن أو العصا إذا استلم بها الحجر الأسود إذا لم يستطع أن يقبله بنفسه.
وأما بالنسبة لتقبيل ما بين العينين، فإنه قد ورد فيه تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم بين عيني العباس ، ورواه الطبراني وقواه الهيثمي ، وقبَّل مسلم بن الحجاج النيسابوري عيني البخاري رحمه الله، وقال: يا أستاذ الأستاذين، أو يا طبيب الحديث في علله.
وبالنسبة لتقبيل العين جاء تقبيل التابعي لعين أنس كما تقدم، وبالنسبة لتقبيل الفم فهذا خاص بين الزوجين، وبالنسبة لتقبيل الكشح أو البطن، الكشح هو: ما بين الخاصره إلى الضلع، وقد قبل الصحابي النبي صلى الله عليه وسلم في كشحه لما كشفه له ليقتص منه، وقلنا في تقبيل الرأس: إنه يكون للكبير في السن أو العالم والوالد.
كذلك لو كان له أخت كبيرة أو عمة أو جدة، فلا بأس أن يقبل رأسها، ولا حرج في ذلك.
وذكرنا في مسألة تقبيل المصحف أنه لم يرد بذلك حديث صحيح من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن تيمية رحمه الله: لا نعلم في تقبيل المصحف شيئاً مأثوراً.
وقد سئل أحمد عن تقبيله، فقال: ما سمعت فيه شيئاً، ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل ، واتباع السلف أولى، ولا يعلم له موافق رحمه الله على ذلك، ولم وافقه الصحابة على ذلك، ولم يكن شيئاً مشروعاً منتشراً عندهم.
وكذلك إذا ظن أن بركة الشخص تعود على من أشرك به وخرج عن طاعة الله ورسوله، مثل أن يظن أن ببركة السجود لغيره وتقبيل الأرض عنده.. ونحو ذلك يحصل له السعادة، فهو من أحوال المشركين وأهل البدع وهو باطل لا يجوز اعتقاده ولا اعتماده.
وقال أيضاً رحمه الله: وأما وضع الرأس عند الكبراء والشيوخ أو غيرهم أو تقبيل الأرض أو نحو ذلك، فهو مما لا نزاع فيه بين الأئمة في النهي عنه، بل مجرد الانحناء بالظهر لغير الله منهي عنه.
هناك نوع من تقبيل الأرض يحدث في هذا الزمان، وهو تقبيل أرض الوطن بزعمهم أن ذلك وطنية، فلاشك أن هذا حرام، وفيه نوع من الشرك، وهذا دين المنتسبين، إذا وطأت قدماه بلده مثلاً قبل أرض بلده أو وطنه، ولاشك أن هذا حرام لا يجوز.
ومن الأشياء التي تفعل في هذا الزمان مثلاً: التشبه بالكفار وتقليدهم في تقبيل الكلاب وبعض الحيوانات، ولاشك أن الكلب مما ينبغي التخلص منه، والاحتفاظ به ينقص الأجر.
فهذه تكملة لآداب المصافحة والمعانقة والتقبيل، وبذلك نكون قد أنهينا الكلام عليها والحمد لله رب العالمين.
الجواب: يصلي كل واحدٍ منهما بمفرده، ولا يتفقان على الجماعة في القيام، لكن إن انضمت إليه -وهو لا يريد أن ينضم إليها- فصلت وراءه فلا بأس.
الجواب: إذا كان ظالماً فلا يجوز تقبيله؛ لأن التقبيل نوع من التوقير، فإذا كان ظالماً أو كافراً لم يجز تقبيله، وإذا كان صالحاً راشداً قبل رأسه، كما إذا قبل رأس الخليفة الصالح الإمام العادل لأن هذا قد نص عليه أهل العلم.
الجواب: البنت الصغيرة إذا كانت أجنبية لابد من الحذر الشديد، حيث أن هذا من الأبواب العظيمة التي ينفذ بها الشيطان، خصوصاً في هذا الزمان الذي عمَّت به الفتن.
الجواب: لا بأس بذلك.
الجواب: المعانقة في العيد لا أعلم لها أصلاً، وكذلك المعانقة في العزاء.
الجواب: ينبغي أن يكون هذا مما يصان ولا يظهره، من أجل أن الرجل يستمتع بأهله على انفراد، ولا يكون أمام الآخرين.
نكتفي بهذا القدر، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجواب: هذا حديث غير صحيح، وقد جرب بعض الناس أكل السمك باللبن فلم يضرهم، وبعض الناس ضرهم، فالمسألة ترجع إلى طبيعة الأجساد.
الجواب: أثر عنهم الغداء والعشاء، وكان غداءهم في الصباح، والعشاء قبل المغرب كان عندهم وجبتان.
الجواب: إذا كان التلفاز مفتوحاً على شيء محرم فيسقط إجابة الدعوة.
الجواب: لا أعلم في هذا دليل.
الجواب: إذا كان فات وقت الأولى فتجيب الثانية، وإذا لم يفت فتجيب الأولى.
الجواب: نعم. ولذلك توضع الستائر على الشبابيك لأجل الغبار أو الشمس، أما على الجدران كلها بما لا داعي له، فلاشك أن هذا نوع من الإسراف.
الجواب: إذا كان بشهوة فهو حرام.
الجواب: هذا رأى منكراً فأنكره لا يستلزم أن يكون هذا دليل على هذه المسألة.
الجواب: إذا كانت الدعوة عامة فلا مانع أن تذهب، لكن لا يجب عليك إلا إذا خصصت بالدعوة.
الجواب: لا بأس أن يذهب لتأليفه ودعوته إلى الله.
الجواب: إذا قبل العذر الحمد لله لا يأثم.
الجواب: مشروع.
الجواب: جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء أنه حرام، وأن فيه شبه من الميسر، وأنه يلهي عن ذكر الله، أزيد على ذلك أن فيه صوراً لذوات الأرواح.
الجواب: إذا كان فيه مشقة لا يتحملها الشخص لا يجب عليه الإجابة.
الجواب: نعم. عليه كفارة إذا كان يمينه يمنياً واحداً.
الجواب: هذا هو الربا بعينه.
الجواب: إذا كانت الدعوة عامة لا تجب، ويستحب أن تأتي، لكن إذا خصك أنت وأرسل إليك رسولاً، أو بطاقة باسمك، وجبت الإجابة ما لم يكن هناك عذرٌ.
الجواب: هذا قد يعتمد على الشخص، وعلى شفافية هذا القماش، فقد يكون شفافاً، وقد يمشي مسافة بعيدة ويمر على أشخاص كثيرين، فبعض الأشخاص قد يكون إمام مسجد، لا يجوز في حقه أن يمشي بهذا الشكل بين الناس الذين هم من المأمومين، فعند ذلك يحتاط ويتحفظ ويكون محتشماً في ملابسه.
الجواب: هذا ليس هو الأفضل، الأفضل ألا يجعل من زجاج حتى لا ينظرون إلى الزبائن، لأن هذا كأنهم يأكلون في السوق، وهناك المار والغادي والرائح، ويدخل فيه كلام أهل العلم في قضية أنه من خوارم المروءة، ولا يشترط في خوارم المروءة أن تكون محرمة، لكن المقصود أنها مما يعاب.
الجواب: هذه أشياء مذكورة، لكن يبدو أن هذا الكاتب له معرفة بالطب، يقول: أكل الفاكهة قبل الأكل مفيد لسببين:
أولاً فرصة امتصاص المواد المفيدة في الفاكهة تكون أكبر.
ثانيا: السكريات تقلل من الشهية للأكل بكثير.
فائدة: شرب الشاي مع الطعام يمنع امتصاص فيتامين الحديد.
فائدة: يمنع النوم مباشرة بعد الأكل لدرجة الشبع، فالنوم يشغل الجسم عن الهضم.
هذه وصايا، وقضية الشره في الطعام والإكثار منه، وانتفاخ البطن، وعدم شرب الماء الكثير مع الطعام يقلل الهضم، فهذا آخر ما جاء من الأسئلة.
والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر