وتكلمنا أيضاً عن حكم التقدم على الإمام، وكذلك أيضاً حكم الصلاة منفرداً خلف الصف، وأن الأقرب في هذه المسألة أنه تسقط المصافة بالعجز عنها، كما لو كان الصف مكتملاً.
وأيضاً تكلمنا عن موقف المرأة مع الرجال، وموقف المرأة مع النساء.. إلى آخره، وكذلك أيضاً إمامة النساء أين تقف، وكذلك أيضاً إمام العراة أين يقف إلى آخره.
وحكم ما إذا اجتمع الرجال والصبيان والنساء فمن يقدم للأمام.. إلى آخره، وهل تدرك الركعة بإدراك الركوع.. إلى آخره.
ثم بعد ذلك شرعنا في صلاة المريض، وذكرنا أن المريض له أحوال:
الحالة الأولى: أن يتمكن من الصلاة قائماً، فهذا هو الواجب؛ لقول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] .
وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمران بن حصين : ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ).
ثم بعد ذلك الحالة الثانية: أن يصلي جالساً، وذكرنا كيفية الجلوس وأنه يتربع في موضع القيام، وما عدا ذلك فيفترش في موضع الافتراش، ويتورك في موضع التورك، وذكرنا أنه يومئ بالركوع، وأما السجود فإنه يسجد سجوداً تاماً.
ثم بعد ذلك الحالة الثالثة: أن يصلي على جنب، إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصلي قاعداً فإنه يصلي على جنبه، ودليل ذلك حديث عمران رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ).
الحالة الثالثة: أن يصلي على جنبه، وكما سلف ينتقل من القعود إلى الصلاة على الجنب في حالتين:
الحالة الأولى: إذا لم يستطع أن يصلي قاعداً.
الحالة الثانية: إذا كان في صلاته قاعداً مشقة ظاهرة تلحقه بحيث يقلق ويتعب ويريد أن يضطجع فنقول هنا: يصلي على جنبه.
وهل الأفضل أن يصلي على الجنب الأيمن أو الجنب الأيسر؟
قال بعض العلماء: الأفضل: أن يكون على جنبه الأيمن؛ لورود ذلك في حديث علي ، لكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا نقول: الأفضل للمريض أن يفعل ما هو الأرفق به والأيسر عليه، فإذا كان الأرفق به أن يصلي على الأيسر صلى على الجانب الأيسر، وإن كان الأرفق أن يصلي على الأيمن صلى على الجانب الأيمن؛ لأن صلاة المريض على هذه الكيفية إنما شرعت تخفيفاً وتيسيراً ورفقاً بالمريض، وعلى هذا فنقول: بأنه يفعل ما هو الأرفق به.
هل هذه مرتبة مستقلة أو أنها داخلة في المرتبة الثالثة؟
الصلاة على الظهر، كون المريض يصلي على ظهره ورجلاه إلى القبلة هل هذه مرتبة مستقلة بحيث إنه لا يصلي على ظهره حتى يعجز عن الصلاة على جنبه، أو يشق عليه الصلاة على جنبه، أو أن له أن يصلي على ظهره وهو قادر؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فمن العلماء من جعلها مرتبةً مستقلة، وأن المريض ليس له أن يصلي على ظهره حتى يعجز عن الصلاة على جنبه، أو تلحقه مشقة ظاهرة، وبعض العلماء لم يجعلها مرتبةً مستقلة فرخص للمريض أن يصلي على جنبه، وإن شاء أن يصلي على ظهره فله ذلك، وهذا القول هو الأقرب؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن لم يستطع فعلى جنبه )، الظهر قريب من الجنب، فالهيئة واحدة.
وعلى هذا نقول: إذا كان الإنسان مريضاً وكان الأرفق به أن يصلي على ظهره ورجلاه إلى القبلة فإن هذا جائز ولا بأس به.
إذا صلى قاعداً فإنه بالنسبة للركوع يومئ إيماءً؛ لأنه لا يستطيع القيام أو يشق عليه القيام، بالنسبة للسجود يسجد سجوداً تاماً، إن عجز عن السجود فإنه يومئ أيضاً بالسجود، إذا صلى على جنبه فإنه يومئ بالسجود والركوع، ويكون إيماؤه إلى صدره.
ولكن حديث علي الوارد بالإيماء بالطرف هذا ضعيف، وعلى هذا لا توجد عندنا هذه الحالة، ما دام أنه لم يثبت فيها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم نقول: هذه الحالة لا ترد علينا، فالصلاة بالطرف هذه لا وجود لها في الشرع.
كذلك أيضاً بعض العامة يضيف الصلاة بالإصبع، وأنه يصلي بإصبعه ويحرك إصبعه عند الركوع ويحركه عند السجود إلى آخره، وهذه الصفة لا وجود لها لا في الشرع ولا في كلام العلماء رحمهم الله، فالصلاة بالإصبع هذه ليس لها وجود.
وعلى هذا نقول: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يومئ برأسه فإنه يصلي بقلبه، فيستحضر بقلبه أنه ركع، ثم يتلفظ إن قدر أن يحرك لسانه بألفاظ الركوع حركها، إذا لم يقدر فإنه يستحضر أقوال الصلاة، يستحضر أنه قام، وأنه ركع، وأنه سجد.. إلى آخره، الأذكار إن كان يستطيع أن يأتي بها في لسانه أتى بها في لسانه، إذا لم يستطع فإنه أيضاً يستحضرها.
فأصبحت عندنا المرتبة الرابعة: الصلاة بالقلب، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً لـأبي حنيفة رحمه الله فإنه لا يرى هذه الحالة، والصواب: إثباتها، وأن الصلاة لا تسقط ما دام عقل المكلف باقياً، وهذا يدل على عظم الصلاة، وأن الإنسان يؤدي الصلاة على حسب استطاعته في هذه المراحل الأربع، ويدل أيضاً على يسر الشريعة ورحمتها بالمكلف، ويدل أيضاً على عظم شأن الوقت، فتلخص لنا أن صلاة المريض لها أربع حالات:
الحالة الأولى: أن يصلي قائماً.
الحالة الثانية: أن يصلي قاعداً.
الحالة الثالثة: أن يصلي على جنبه.
الحالة الرابعة: أن يصلي في قلبه.
لو أن الإنسان أغمي عليه لمدة يوم أو يومين أو شهر أو شهرين إلى آخره، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله كما ذكر المؤلف أن عليه أن يقضي كل الصلوات التي أغمي فيها، وسواء كان الإغماء باختياره أو بغير اختياره، باختياره كما لو تناول دواءً كالبنج مثلاً ثم بعد ذلك أغمي عليه لمدة يوم أو يومين فإنه إذا أفاق من بنجه فإنه يقضي الصلوات التي عليه، أو كان بغير اختياره مثل ما يحدث الآن لبعض المصابين -نسأل الله لنا ولهم السلامة والعافية- في الحوادث تجد أن الإنسان يصاب بحادث ثم يظل أسبوعاً أو أسبوعين إلى آخره وهو مغمىً عليه، أو قد يجلس شهراً أو شهرين… إلى آخره وهو مغمىً عليه ثم يفيق بعد ذلك.
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه يجب عليه أن يقضي، سواء طالت المدة أو قصرت، وسواء كان الإغماء باختياره، أو كان بغير اختياره.
واستدلوا بالقياس على النائم، فكما أن النائم يجب عليه القضاء فكذلك أيضاً المغمى عليه يجب عليه القضاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في النائم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، وكذلك أيضاً قالوا: بأن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه أغمي عليه لمدة ثلاث أيام ثم قضى.
وعند أبي حنيفة رحمه الله أنه إن أغمي عليه لأكثر من يوم وليلة، يعني صلوات أكثر من يوم وليلة فهذا لا يجب عليه القضاء، وإن أغمي عليه لمدة يوم وليلة فهذا يجب عليه القضاء.
والرأي الثالث: رأي الشافعية، التفصيل بين الإنسان الذي يغمى عليه باختياره، والذي يغمى عليه بغير اختياره، فالذي يغمى عليه باختياره كما لو تناول دواءً كبنج ونحو ذلك فهذا يجب عليه القضاء، أما إذا كان الإغماء بغير اختياره كما لو سقط أو أصابه حادث فإنه لا يجب عليه القضاء إلا الصلاة التي أفاق في وقتها، يعني أدرك من وقتها قدر ركعة وهو مفيق، أو أغمي في وقتها وهو لم يصلها، أدرك من وقتها قدر ركعة فهذا يجب عليه القضاء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيحين: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
وهذا القول هو الأقرب، فنقول: إن أغمي على الإنسان في حال الاختيار يجب عليه أن يقضي، إن أغمي عليه في غير حال الاختيار نقول: لا يجب عليه القضاء إلا إن أغمي عليه في وقت الصلاة، بحيث أدرك من وقتها قدر ركعة، أو أفاق في وقت الصلاة بحيث أدرك من وقتها قدر ركعة لعموم حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
وفرق بين المغمى عليه والنائم، فإن النائم يستيقظ بالإيقاظ بخلاف المغمى عليه، فإنه لا يستيقظ بالإيقاظ فحاله قريب من حال فاقد العقل، وفاقد العقل لا تثريب عليه، وعلى هذا ذكرنا أن الأقرب أنه إذا أغمي عليه بغير اختياره أنه لا قضاء عليه.
هنا تكلم المؤلف رحمه الله عن الجمع، والجمع له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون في السفر.
والحالة الثانية: أن يكون في الحضر.
أما الحالة الأولى، وهي أن يكون في السفر فسيشير إليها المؤلف رحمه الله في آخر هذا الباب، فإنه قال في آخر الباب: ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر.
أما الحالة الثانية: أن يكون في حال الحضر، فهذا يجوز الجمع، لكن متى يجوز الجمع؟
الجمع يجوز في حال العذر، لكن اختلف العلماء رحمهم الله في العذر الذي يجوز الجمع في الحضر هل هو معدود أو أنه مضبوط ومحدود؟ على رأيين:
الرأي الأول: وهو قول أكثر أهل العلم الذين يجوزون الجمع مثل المالكية والشافعية والحنابلة، أما الحنفية فعندهم لا يجوز الجمع لا في الحضر ولا في السفر، فلا يجوزون إلا جمع عرفة يوم عرفة، وأيضاً لا يجوز إلا خلف الإمام الأعظم، ولا يجوزون إلا جمع مزدلفة فقط خلف الإمام الأعظم ما عدا ذلك فإنهم لا يجوزونه، فالحنفية أقفلوا باب الجمع، فأضيق المذاهب في باب الجمع مذهب الحنفية، وأوسع المذاهب في باب الجمع مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
فالخلاصة عندنا الجمع في الحضر هل هو مضبوط بضابط أو أنه معدود؟
قلنا: بأن أكثر أهل العلم الذين يجوزون الجمع كالمالكية والشافعية والحنابلة لا يقولون بأنه مضبوط، وإنما يقولون بأنه معدود، فيعددون الأعذار، يجوز الجمع في الحضر بعذر المرض، بعذر المطر، بعذر الوحل، بعذر الريح الباردة الشديدة.. إلى آخره، تجد أنهم يعددون أعذاراً، فما عدا هذه الأعذار لا يجوزون الجمع فيها.
وهم يختلفون في هذه الأعذار، فمنهم من يثبت الجمع في حال المرض، ومنهم من لا يثبت الجمع في حال المرض، مثلاً الإمام أحمد ومالك يقولون بالجمع في حال المرض، الشافعي يقول: لا يجمع المريض.. إلى آخره، منهم من يثبت الجمع في حال الريح الباردة الشديدة، منهم من لا يثبت ذلك.. إلى آخره.
المهم أنهم يقولون: الأعذار معدودة وليست محدودة، الدليل على ذلك أن هذه الأعذار هي التي ورد بها الأثر.
الرأي الثاني: أن الجمع في حال الحضر عذره ليس معدوداً, وإنما هو محدود مضبوط بضابط، وهذا الضابط هو الحرج والمشقة، فمتى كان في ترك الجمع حرج ومشقة ظاهرة فإن الإنسان يجوز له أن يجمع، وهذا قال به ابن سيرين وابن شبرمة … إلى آخره.
وقبل سنوات قرأت كتاباً ألف في هذا (إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر)، وذهب مؤلف هذا الكتاب إلى ترجيح الجمع بين الصلاتين في الحضر لعذر المشقة الظاهرة؛ ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر )، وفي رواية ( من غير خوف ولا مطر )، وهذا في صحيح مسلم ، وسئل عن ذلك فقال: ( أراد ألا يحرج أمته ).
فقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أراد ألا يحرج أمته ) دليل على أنه متى كان في الجمع حرج ومشقة فإنه يجوز الجمع، متى لحق الأمة حرج ومشقة في الجمع فإنه يجوز الجمع، وهذا القول هو الأقرب وهو الذي دل له حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
فنقول: إذا كان في الجمع حرج ومشقة يجوز الجمع، وبهذا نعرف أنه لو حصل مطر هل يجوز الجمع أو لا يجوز الجمع؟ ننظر هل فيه حرج ومشقة على الناس أم لا؟ إذا كان الناس إذا خرجوا لحقهم حرج ومشقة بكثرة الأمطار وكثرة المياه في الطرقات، أو الوحل وهو الطين الرقيق، أو الرياح الشديدة، أو الجليد، أو الغبار الذي يؤثر على صحة الإنسان وغير ذلك… إلى آخره نقول: يجوز الجمع في هذه الحالة.
لكن أيضاً علينا ألا نفرط في هذا الباب؛ لأن أحاديث المواقيت كالجبال، النبي عليه الصلاة والسلام بين مواقيت الصلاة قولاً وفعلاً في حديث ابن عباس في إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام حديث جابر ( أنه أم النبي عليه الصلاة والسلام لما فرضت عليه الصلاة في أول الوقت وفي آخره )، والنبي عليه الصلاة والسلام أيضاً بين المواقيت كما في حديث عبد الله بن عمرو ، حديث أبي هريرة ، حديث أبي موسى ، حديث بريدة رضي الله تعالى عن الجميع.
ترجح لنا أن الجمع يجوز بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء لعذر المشقة الظاهرة، إذا كان هناك حرج ومشقة ظاهرة فإنه يجوز الجمع، وذكرنا أيضاً أن مذهب أبي حنيفة رحمه الله عدم جواز الجمع، وأن الحنفية رحمهم الله لا يجوزون إلا الجمع الصوري، ورأي الحنفية رحمهم الله فيه نظر؛ لأنه مخالف للسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، وكما أشرنا إليه من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
بل قال بعض العلماء: بأن الجمع الصوري هذا ليس فيه تخفيف بل فيه زيادة حرج ومشقة؛ لأن صورة الجمع الصوري أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، وأن يقدم الصلاة الثانية في أول وقتها، فمثلاً إذا أراد أن يجمع بين الظهرين يؤخر الظهر إلى آخر وقته، ثم بعد ذلك يقدم العصر في أول وقتها، فينتهي من الظهر ثم يدخل الوقت ثم يفعل العصر، فهو يحتاج أن يراقب خروج الوقت ودخوله وهذا فيه حرج ومشقة على المكلف.
فالقول بالجمع الصوري كما ذهب إليه الحنفية رحمهم الله هذا غير ظاهر.
الأمر الأول: أن يجمع جمع تقديم.
والأمر الثاني: أن يجمع جمع تأخير.
فإن أراد أن يجمع جمع تقديم فإنه يشترط لذلك شروط.
قال المؤلف رحمه الله: [فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها].
يعني: إذا أردت أن تجمع بين المغرب والعشاء لا بد أن تنوي نية الجمع، لا بد أن نفهم أنه ليس المراد نية الصلاة، هذه نية الصلاة لا بد منها، فأنت إذا أردت أن تجمع بين المغرب والعشاء كونك تنوي أن هذه المغرب وأن هذه العشاء هذا شرط من شروط صحة الصلاة، لكن الذي اشترطه المؤلف رحمه الله هو نية الجمع، يعني إذا أردت أن تكبر للمغرب تنوي أنك ستجمع معها العشاء، ففرق بين نية الجمع ونية الصلاة، نية الصلاة هذه شرط لصحة الصلاة، نية الجمع شرط لصحة الجمع.
وعلى هذا على كلام المؤلف رحمه الله لو أن الإنسان مسافر ثم صلى المغرب ولم ينو الجمع، ثم لما انتهى من الصلاة بدا له أن يجمع العشاء هل له ذلك أو ليس له ذلك؟
على كلام المؤلف رحمه الله ليس له ذلك؛ لأنه لم ينو الجمع، لا بد أن ينوي الجمع.
وكذلك أيضاً لو فرض أننا صلينا المغرب ثم بعد ذلك جاءت الأمطار فهل للإمام أن يجمع بنا أو ليس له أن يجمع بنا؟
على كلام المؤلف ليس له أن يجمع بنا.
ولو فرض أن الإنسان كان صحيحاً ثم صلى المغرب، ثم لحقته علة فأراد أن يجمع العشاء ليس له ذلك.. إلى آخره، اشتراط نية الجمع هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
والرأي الثاني: اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نية الجمع ليست شرطاً؛ لعدم ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ظاهر فعل النبي عليه الصلاة والسلام أن نية الجمع ليست شرطاً؛ لأنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا أراد أن يجمع قال للصحابة: إنه يريد أن يجمع، يخبرهم لكي ينووا، ظاهر فعل النبي عليه الصلاة والسلام أنه يصلي الصلاتين ثم بعد ذلك يتابعه الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فنقول الصواب في هذا: إن هذا الشرط فيه نظر، إن نية الجمع ليست شرطاً.
قال المؤلف رحمه الله: [ويعتبر استمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما].
هذا الشرط الثاني، الشرط الثاني على المشهور من المذهب: لا بد من وجود العذر، عند افتتاح الأولى والثانية وعند السلام من الأولى، لا بد من وجود العذر، لا بد أن يوجد العذر عند افتتاح الأولى وافتتاح الثانية وعند سلام الأولى.
وعلى هذا إذا لم يكن العذر موجوداً فإنه لا يصح الجمع، نقول: لا بد أن يوجد العذر عند افتتاح الصلاة الأولى، فإذا أردنا أن نجمع المغرب مع العشاء لمطر أو مرض أو رياح شديدة أو غير ذلك لا بد أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح صلاة المغرب، ولا بد أيضاً أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح صلاة العشاء، وأيضاً لا بد أن يكون العذر موجوداً عند السلام من صلاة المغرب هذا هو المشهور من المذهب.
والعلة في ذلك قالوا: لا بد من وجود العذر عند افتتاح الأولى هذا يبنونه على الشرط الأول؛ لأن افتتاح الأولى هو موضع النية، فلا بد أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الأولى، ولا بد أيضاً من وجود العذر عند افتتاح الثانية؛ لأن افتتاح الثانية هو محل الجمع، فلا بد أن يكون العذر موجوداً عندها، السلام من الأولى وافتتاح الثانية هو موضع الجمع، فلا بد أن يكون العذر موجوداً.
وإذا كان كذلك فنقول: الصواب في ذلك أنه يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الثانية فقط؛ لأن هذا هو محل الجمع، وعلى كلام المؤلف رحمه الله: لو أن الإنسان لم يكن مريضاً عند افتتاح الأولى ثم لحقته علة وأصبح مريضاً فأراد أن يجمع يقول المؤلف رحمه الله: ليس له أن يجمع؛ لأنه اشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الأولى.
والصواب في هذا أنه يقتصر على وجود العذر عند افتتاح الثانية؛ لأن هذا هو محل الجمع.
وكما أيضاً أشرنا في المثال السابق لو لم يكن هناك أمطار عند افتتاح الأولى وحصلت الأمطار في أثناء صلاة الأولى أو بعد الفراغ منها فأراد الناس الجمع ليس لهم أن يجمعوا؛ لأن العذر ليس موجوداً عند افتتاح الأولى، والصواب كما أسلفنا أنه يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الثانية؛ لأن افتتاح الثانية هو موضع الجمع.
قال المؤلف رحمه الله: [ولا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء].
هذا الشرط الثالث: الموالاة، الشرط الثالث: أن يوالي بين الصلاتين، فلا يفرق بين الصلاتين إلا بقدر الوضوء الخفيف والإقامة، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وعلى هذا لو فرق بينهما أكثر من ذلك فإنه لا يصح الجمع، وعند الشافعية: أنه تشترط الموالاة لكن التفريق بين الصلاتين لم يحدوه بقدر الوضوء والإقامة، وإنما قدروه بالفاصل اليسير، قالوا: إن فرق بين الصلاتين بفاصل يسير عرفاً فلا بأس، وإن كان الفاصل كثيراً عرفاً فإنه لا يصح الجمع.
والرأي الثالث اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأنه لا تشترط الموالاة بين المجموعتين، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بأن اشتراط الموالاة يبطل مقصود الرخصة، وعلى كلام الشيخ رحمه الله لو أن إنساناً مسافراً صلى المغرب ثم بعد أن مضى نصف ساعة أو ساعة إلا ربع يصلي العشاء قال: له أن يجمع، ولو أن مسافراً صلى الظهر وبعد ساعة قال: أريد أن أجمع مع العصر هذا أيضاً على كلام الشيخ لا بأس بذلك، أنه لا تشترط الموالاة، أما عند الحنابلة والشافعية… إلى آخره فقالوا: لا يصح ذلك، لا بد من التوالي بين الصلاتين، لكن الحنابلة كما أسلفنا رخصوا في مقدار الإقامة والوضوء الخفيف، والشافعية رخصوا في الفاصل اليسير عرفاً، وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الموالاة ليست شرطاً.
والأحوط في هذا أن الإنسان يوالي؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام والى بين الصلاتين، لم يحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه فرق بينهما، نقول: الأحوط للإنسان أن يوالي بين الصلاتين المجموعتين.
وأيضاً نعلم أنه يجوز الجمع في أول الوقت، في وسط الوقت، في آخر الوقت، يعني لا بأس للإنسان أن يجمع بين الظهرين في أول وقت الظهر، يجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر، يجمع بين الظهر والعصر في آخر وقت الظهر، ليس بشرط أن يكون الجمع في أول الوقت كما يتوهم بعض الناس، سواء جمع في أول الوقت أو في وسط الوقت أو في آخر الوقت هذا كله جائز ولا بأس به.
هذه شروط الجمع في وقت الأولى إذا أراد أن يجمع جمع تقديم, فتلخص لنا أن نية الجمع هذه ليست شرطاً، وأنه يشترط أن يوجد العذر عند افتتاح الثانية هذا الشرط؛ لأن العذر هو سبب الجمع، وعند افتتاح الثانية هو محل الجمع فلا بد من وجوبه.
وأما بالنسبة للتوالي فعند شيخ الإسلام لا يشترط، فأصبح عنده شرط واحد فقط: العذر، وقلنا: الأحوط للإنسان أن يوالي، فأصبح هذان الشرطان.
إذا جمع جمع تأخير فإنه يشترط شرطان:
الشرط الأول: استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، وهذا ظاهر، لا بد أن يستمر العذر إلى دخول وقت الثانية؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا زال السبب زال الحكم المرتب عليه. وهذه أيضاً مسألة يخطئ فيها كثير من الناس.
تجد أن بعض الناس ينوي جمع التأخير وهو مسافر ثم يقدم البلد في الأولى فيقول: أجمع جمع تأخير. وهذا لا يجوز، فلا بد أن تصلي الأولى في وقتها فقد زال السبب الآن. سبب الجمع زال وهو السفر، فيجب عليك أن تصلي الصلاة في وقتها.
مثل ذلك أيضاً: لو أن مريضاً نوى جمع التأخير.. الظهر يؤخرها إلى العصر، ثم بعد ذلك في أثناء وقت صلاة الظهر شفاه الله عز وجل نقول: يجب عليك أن تبادر، وأن تصلي الصلاة في وقتها.
الشرط الأول: استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية.
قال المؤلف رحمه الله: [وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها].
أيضاً هذا الشرط الثاني أن ينوي الجمع؛ لأن الإنسان يؤخر الصلاة، قد يؤخر الصلاة بنية الجمع، وقد يؤخر الصلاة بغير نية الجمع، فلا بد من النية التي تحدد هذا العمل، هو الآن أخر الصلاة قد يكون أخر الصلاة بنية الجمع، وقد يكون أخر الصلاة بغير نية الجمع، فلا بد من النية التي تبين المراد.
بعض أهل العلم قال: بأن المسافر لا يجب عليه ذلك، كونه ينوي الجمع في وقت الثانية قال: بأنه لا يجب عليه ذلك، يعني كونه ينوي أن يجمع الأولى إلى الثانية، قال: لأن المسافر أصبح الوقتان في حقه وقتاً واحداً.
وقوله: (قبل أن يضيق عن فعلها) يجب عليه أن ينوي جمع الأولى إلى الثانية قبل أن يضيق وقت الفعل، فإن ضاق وقت الفعل هنا لا يجوز؛ لأنه الآن تحتم عليه أن يفعل هذه الصلاة، يعني لو أن الإنسان أخر الظهر حتى بقي على وقت العصر مقدار فعل الظهر، يعني عشر دقائق أو ثمان دقائق مثلاً فقال: أنوي الجمع.
نقول هنا: لا يجوز لك أن تنوي الجمع، بل يتحتم عليك أن تفعل الصلاة في وقتها الظهر، ولا يجوز لك أن تنوي الجمع؛ لأنه الآن تضايق الوقت، كونك تؤخرها إلى هذا الوقت هذا لا يجوز، تؤخر الصلاة بلا نية الجمع إلى هذا الوقت هذا لا يجوز، لا بد أن تنوي قبل ذلك.
يجوز الجمع للمسافر، تقدم لنا الجمع إما أن يكون في حال الحضر، وإما أن يكون في حال السفر، وقول المؤلف رحمه الله: (يجوز الجمع للمسافر) ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يجوز الجمع مطلقاً للمسافر، سواء كان سائراً أم نازلاً، وسواء كان جمع تقديم أم جمع تأخير، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن المسافر يجوز له أن يجمع سواء كان جمعه جمع تقديم أو جمع تأخير وسواء كان نازلاً أو كان جاداً به السفر، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وقال به أكثر أهل العلم.
والدليل على هذا أنه يجوز للإنسان أن يجمع جمع تقديم وجمع تأخير، وسواء كان جاداً أو كان نازلاً ثبوت السنة بذلك، فمن ذلك حديث أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جمع وهو نازل بالبطحاء بين الظهر والعصر جمع تقديم، وهذا الحديث في الصحيحين.
في هذا إثبات الجمع في حال النزول، والنبي عليه الصلاة والسلام مقيم في البطحاء، وفيه أيضاً إثبات جمع التقديم.
وأيضاً من الأدلة على ذلك حديث جابر رضي الله تعالى عنه، وفيه جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، ففيه الجمع للمسافر وهو نازل، وفيه أيضاً جمع التقديم.
وأيضاً من الأدلة على ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فإنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء )، وهذا في الصحيحين.
وفي هذا جمع التأخير، وفيه أيضاً الجمع والإنسان جاد في السير.
الرأي الثاني: أنه لا يجوز الجمع إلا لمن جد به السير، يعني الذي يسير هذا الذي يجمع، أما الذي نزل فهذا لا يجمع، وهذا قال به الإمام مالك رحمه الله، ومال إليه ابن القيم رحمه الله تعالى.
واستدلوا بما سبق أن أوردناه من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء )، فقالوا: في هذا الحديث ( إذا أعجله السير ) قالوا: بأنه يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء، قالوا: هذا الحديث دليل على أن الإنسان يجمع إذا كان جاداً في السير، وهذا فيه نظر، فإنه كما سلف ثبت الجمع في حال النزول.
فالصواب في هذا أن الجمع جائز مطلقاً، سواء كان الإنسان جاداً في السير أو كان نازلاً، وسواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير، هذا الصواب في هذه المسألة، وذكرنا الدليل على ذلك.
لكن هل الأفضل للإنسان أن يجمع أو الأفضل أن يترك الجمع؟
نقول: إذا كان الإنسان سائراً فالسنة أن يجمع؛ لأن هذا هدي النبي عليه الصلاة والسلام، إذا كان الإنسان سائراً فالسنة أن يجمع الإنسان، ويعمل الأرفق به من جمع تقديم أو تأخير، وكونك وأنت سائر تصلي كل الصلاة في وقتها هذا خلاف السنة، وإن كان الإنسان نازلاً فالسنة أن يصلي كل صلاة في وقتها، هذا السنة، لكن إن أراد الإنسان أن يجمع فهذا جائز، لكن إن كان الإنسان نازلاً فالسنة أن تصلي كل صلاة في وقتها، فإن أراد الإنسان أن يجمع فإن هذا جائز ولا بأس به.
نقول: هذا لا يجوز، لم يحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ترك الجماعة لا في الحضر ولا في السفر، والعمومات -عمومات أدلة صلاة الجماعة- شاملة للحاضر والمسافر، علي رضي الله تعالى عنه يقول: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، في حديث ابن مسعود وحديث ابن عباس وأبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ) إلى آخره، لكن لو أن الإنسان خرج وصلى وقال: أريد أن أجمع التي معها نقول: لا بأس هذا مباح، خرج وصلى الظهر وقال: أريد أن أجمع العصر نقول: لا بأس تجمع العصر، خرج وصلى المغرب قال: أريد أن أجمع العشاء نقول: لا بأس أن تجمع العشاء، لكن يترك الظهر ويقول: أنا مسافر سأقصر، أو يترك العصر وهو لم يجمعها، أو يترك المغرب.. إلى آخره، نقول: هذا لا يجوز.
هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أن الجمع في المطر خاص بين العشاءين: المغرب والعشاء، فليس لك أن تجمع بين الظهرين بعذر المطر.
وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله فيقولون: المطر وعذر الوحل وعذر الريح الباردة الشديدة.. إلى آخره هذه الأشياء إنما تكون بين العشاءين فقط؛ لأن الدليل ورد هكذا، وعند الشافعية أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر بعذر المطر، لما تقدم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فلما سئل عن ذلك قال: أراد ألا يحرج أمته ).
ففي هذا جواز الجمع، ابن عباس لما سئل قال: ( أراد ألا يحرج أمته )، وقوله: بين الظهر والعصر إلى آخره، وسبق أن أشرنا أن الجمع في الحضر مضبوط بضابط، متى وجد هذا الضابط جاز الجمع بين الظهرين وبين العشاءين وهو وجود الحرج والمشقة الظاهرة، هذا هو الأقرب، وعلى هذا كلام الشافعية أقرب إلى السنة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر