إن الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
تقدم لنا في الدرس السابق شيءٌ من أنواع الودائع المصرفية، وكذلك أيضاً تطرقنا لحكم من تاب وعنده أموال ربوية، وشرعنا في شيء من أحكام الأسهم، وذكرنا تعريف شركة المساهمة، وأن شركة المساهمة الموجودة الآن لا تخرج عن أنواع الشركة التي ذكرها العلماء رحمهم الله في السابق: شركة العنان، والمضاربة، والوجوه، والأبدان، والمفاوضة.
وعرّفنا الاكتتاب والمراد به، وذكرنا أن مجلس إدارة الشركة لا يخلو من ثلاث حالات، وذكرنا كل حالة، وحكم هذه الحالات.
وقبل ذلك أيضاً تعرضنا لما يتعلق بخطاب الضمان التي تصدره المصارف، وذكرنا أقسامه، وأيضاً ذكرنا خلاف أهل العلم رحمهم الله في تكييفه، وحكم هذا الخطاب بناءً على هذا التكييف.
ومن العلماء من كيفه على أنه عقد كفالة، ومنهم من كيفه على أنه عقد وكالة، ومنهم من قال: قد يكون عقد كفالة وقد يكون عقد وكالة... إلى آخره.
وتقدم بيان الحكم في كل قول من هذه الأقوال.
عندنا ما يتعلق بأنواع الأسهم، ثم بعد ذلك حكم المساهمة في الشركات التي غالب معاملاتها مباحة، وقد يكون لها معاملات محرمة.
وكذلك أيضاً سنتعرض للسندات: تعريف السند، والفرق بين الأسهم والسندات، ثم نختم الحديث بحكم السندات.
وفي الاصطلاح هو: وثيقة يمثّل نصيباً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة، قابل للتداول، يعطي صاحبه حقوقاً خاصة.
وهذه الأسهم لها ثلاثة أنواع:
النوع الأول: من حيث الحصة.
النوع الثاني: من حيث الحقوق.
النوع الثالث: من حيث الشكل.
القسم الأول: أسهم نقدية:
وهذه الأسهم حكمها أنها جائزة بالاتفاق إذا كان رأس مال الشركة أسهماً نقدية، فالمساهمون يدفعون نقوداً، والعلماء يتفقون على أنه إذا كان رأس مال الشركة من النقود أنها شركة صحيحة وجائزة، واليوم يقوم مقام النقود هذه الأوراق النقدية التي يتداولها الناس، وتعارفوا على أنها ثمن للأشياء، فهي تقوم مقام النقود في الزمن السابق: الذهب والفضة.
العلماء متفقون على أنه إذا كان رأس مال الشركة من الذهب أو الفضة أنها شركة صحيحة.. والآن يقوم مقام هذه النقود -الذهب والفضة- هذه الأوراق المالية التي تعارف الناس على أنها قيم للأشياء، وأثمان للمبيعات، فإذا كان رأس مال الشركة من الذهب والفضة، أو من هذه الأوراق المالية فهي شركة صحيحة بالاتفاق.
القسم الثاني: أسهم عينية:
أن يكون رأس مال الشركة ليس من النقود أو من هذه الأوراق المالية، وإنما عروض تجارة، كأن يساهم الناس بأقمشة، أو بآلات، أو بمواد غذائية... أي أنه أي أنه يكون رأس مال الشركة عروض تجارة.
وهذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله: هل يصح أن يكون رأس مال الشركة من العروض أو لا يصح.
الرأي الأول: أن هذا غير صحيح، وأنه لا بد أن يكون رأس مال الشركة من النقود، أما كونه من العروض فقالوا: هذا غير صحيح، هذا ما عليه أكثر العلماء رحمهم الله.
والرأي الثاني: هو ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى، ورواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم : كونه يكون رأس مال الشركة من العروض صحيح ولا بأس به.
فلو تشارك اثنان أو ثلاثة وجعلوا رأس مال الشركة من السيارات، أو الأطعمة، أو الألبسة... أو غير ذلك مما يتفقان عليه، فإن هذا جائز ولا بأس به، ويُعرف نصيب كل واحد منهم من رأس مال الشركة، هذا عروضه تساوي النصف وهذا تساوي النصف، أو هذا تساوي الثلث وهذا تساوي الثلث... إلى آخره؛ لأن الأصل في المعاملات الحل كما تقدم.
هذا النوع الأول من أنواع أسهم الشركات من حيث الحصة، وتبين أنه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون رأس مال الشركة نقوداً.
القسم الثاني: أن يكون رأس مال الشركة أعياناً، يعني: عروضاً وليست من النقود.
وهذا أيضاً قسمان:
القسم الأول: أسهم اسمية:
وهذه الأسهم هي التي تحمل اسم صاحبها مدوناً عليها.
والحكم من هذه الأسهم أنها جائزة بالاتفاق؛ لعدم الغرر فيها، فهذا زيد له هذا السهم، واسمه مدون على هذا الصك أو هذه الوثيقة، فهذه أسهمٌ جائزة بالاتفاق.
القسم الثاني: أسهم لحاملها:
وهي الأسهم التي يكتب عليها أن السهم لحامله بدون ذكر اسم المالك، وهذه الأسهم لا تجوز؛ لما فيها من الغرر والجهالة؛ لأن المالك غير معروف، وهذا يؤدي إلى التنازع.
ومثل هذه الأسهم -كما ذكر بعض الباحثين- الغالب الآن أنها غير موجودة، يعني: كونه يُكتب على الصك أو الوثيقة أنه لحامله، ولا يبيّن من هو مالك هذا السهم، الغالب الآن أنه غير موجود.
وعلى كل حال فهي أسهمٌ غير جائزة؛ لما فيها من الجهالة والغرر، فإن الشريك في هذه الأسهم ليس معروفاً، وهذا يؤدي إلى التنازع.
وهذا النوع ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أسهم امتياز تُعطي صاحبها أولوية الحصول على شيء من الأرباح دون بقية الشركاء.
فمثلاً: كونه يخصص 5% أو 1% من الربح لهذه الأسهم أو للسهم الفلاني، والباقي يوزع بالتساوي على الشركاء بما فيهم أصحاب الأسهم الممتازة، هذا محرّم ولا يجوز؛ لأنه لا يجوز لبعض الشركاء أن يأخذ زيادة في الربح بلا مقابل من زيادة عمل أو مال.
القسم الثاني: أسهم امتياز تخوّل أصحابها الحصول على فائدة سنوية، ولو لم تربح الشركة.
وأيضاً حكم هذه الأسهم أنها محرمة ولا تجوز؛ لأن حقيقة هذه الأسهم أنها قرضٌ بفائدة، وهذا من الربا فلا يجوز.
القسم الثالث: أسهم امتياز تُعطي أصحابها الحق في استعادة قيمة السهم بكامله -عند تصفية الشركة، قبل المساهمين- ولو خسرت الشركة.
فهذا أيضاً محرّم ولا يجوز؛ لأن العلماء يذكرون أنه إذا كان هناك خسارة فإن الوضيعة تكون على قدر المال، وعلى هذا يشترك جميع الشركاء في الوضيعة، وهي الخسارة، أما كونه يخصص لبعض الشركاء أن يسحب أسهمه ولا يدخل في الخسارة فهذا شرطٌ باطل.
والشركة مبناها على العدل، وذلك بأن يشترك الجميع في المغنم والمغرم، فكما أنهم يشتركون في الربح أيضاً يشتركون في الخسارة، وهذا هو أهم شروط الشركة.
وأما أن توضع أسهم امتياز لبعض الشركاء؛ بحيث أنه لا يدخل في الخسارة، يستحق أن يسحب أسهمه عند تصفية الشركة قبل الآخرين ولا يدخل في الخسارة، فهذا لا يجوز؛ لما ذكرنا أن الشركة مبناها على العدل، والعلماء رحمهم الله يقولون: الوضيعة على قدر المال.
القسم الرابع: أسهم امتياز تعطي المساهمين القدامى الحق في الاكتتاب دون غيرهم.
وهذا النوع من الأسهم جائز ولا بأس به؛ لأنه يشمل الجميع، ولأن المساهمين لهم الحق في ألا يدخلوا أحداً معهم في الشركة..
نقول أسهم الامتياز هذه شرطت أن الأولوية في الاكتتاب والدخول في الشركة مرة أخرى إنما هو لمن شارك أولاً، فنقول: هذا جائز ولا بأس به، وأن هذا لا يختص بأحد من الشركاء دون غيره، فهو يشمل الجميع، ولأن المساهمين لهم الحق في إدخال شريك جديد معهم أو عدم إدخاله.
القسم الخامس: الأسهم التي تعطي أصحابها أكثر من صوت، وهذه الأسهم لا تجوز؛ لما فيها من التهاون بالحقوق بدون مبرر شرعي.
مثلاً: الشركة الفلانية تدعو إلى اكتتاب، الشركة الفلانية أعمالها مباحة إلا أن لها أعمالاً محرمة في بعض الأحيان أو دائماً، لكن هذه الأعمال يسيرة... إلى آخره.
مثاله: ما حصل قبل أشهر فيما يتعلق بشركة الاتصالات، وشركة الاتصالات شركة قائمة على أعمال مباحة من المنافع المعروفة في الاتصال وخدمة الهاتف... وغير ذلك من الخدمات، إلا أن لها أعمالاً محرمة أحياناً، فهل الدخول في مثل هذه الشركة وغيرها من الشركات التي قامت على أعمال مباحة إلا أنها تتعامل أحياناً بالحرام.
فهل الاكتتاب هنا جائز أو ليس جائزاً في مثل هذه الشركة؟
أشهر الأقوال في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
واستدلوا على ذلك بأدلة، لكن الإسهاب في ذكر الأدلة والمناقشات يطول جداً، لكن نذكر أبرز الأدلة التي استدل بها من قال بالإباحة ومن قال بالمنع، ومن فصّل كما سيأتي إن شاء الله.
فالذين قالوا بالتحريم استدلوا بأدلة: ومن هذه الأدلة عموم أدلة تحريم الربا، كقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، وأيضاً قول الله عز وجل: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275].
وحديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء ).
ووجه الدلالة أن المساهم في مثل هذه الشركات التي ترابي هو مرابٍ، سواءٌ كان الربا قليلاً أو كثيراً، ولا يجوز للمسلم ذلك أو يستمر فيه ولو كان قليلاً.
وكذلك أيضاً استدلوا بما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه )، وهنا قال: (عن شيء) وهذا يعم كل شيء، سواءٌ كان قليلاً أو كثيراً، فهو يعم المحرم القليل وكذلك المحرم الكثير، فليس هناك تفصيل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( عن شيء ) فهو يشمل كل شيء، وهذا نكرة في سياق الشرط، فيعم القليل والكثير، وهو من صور العموم.
وكذلك أيضاً قالوا: يُنظر إلى المصالح المترتبة على القول بالمنع، فهناك مصالح كثيرة تترتب على القول بالمنع ومن ذلك التخلص من مفاسد الربا، ومن ذلك أيضاً: منع المسلمين من المشاركة في الشركات التي تقع في الربا مما يشجع المؤسسات الربوية... إلى آخره، ويؤدي هذا أيضاً إلى فتح أبواب للأعمال المشروعة لكي يستثمر فيها المسلمون أموالهم.
وأيضاً يشجع مثل هذه المؤسسات التي تتعامل بالحرام أن تترك هذا الحرام.
وكذلك أيضاً استدلوا بقاعدة أنه إذا اجتمع الحلال والحرام فإنه يغلّب الحرام ولو كان قليلاً، ولا يستثنى من ذلك إذا كان الحرام غير منحصر فإنه يعفى عنه، كما إذا اختلط في البلد حرام لا ينحصر، فحينئذ يُعفى عنه للمشقة.
وأيضاً قالوا: يقدّر العنصر الحرام الذي دخل على عائدات الأسهم ويستبعد.
واستدلوا على هذا بأدلة، ومن أهم أدلتهم: قاعدة: يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.
فمثل هذا الحرام جاء تبعاً ولم يأت استقلالاً، وإذا كان تابعاً فإنه يكون مغتفراً.
وهذه القاعدة لها أمثلة في الشريعة، فمثلاً: النبي عليه الصلاة والسلام حرّق نخل بني النظير، وهذا التحريق يؤدي إلى قتل شيء من الحشرات والطيور وغير ذلك بالنار... ( ولا يعذّب بالنار إلا رب النار )، لكن هذا القتل أو التعذيب بالنار إنما جاء تبعاً، فلما كان تابعاً ولم يكن مقصوداً لذاته استقلالاً فإن هذا جائز ولا بأس به.
والعلماء أيضاً يذكرون لهذا أمثلة كثيرة، فيقولون مثلاً: الدود في التمر. فلو أن الإنسان يأخذ التمرة ويأكلها وفيها شيءٌ من الدود فهذا جائز ولا بأس به؛ لأنه تابع، ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، لكن لو أخرج هذا الدود ثم أكله، قالوا: ليس له أن يأكله؛ لأنه لم يأكله تابعاً وإنما أكله استقلالاً.
فاستدلوا بهذه القاعدة، وقالوا: هذه شركة أعمالها 90% أو 95% حلال، وهذه الأشياء تكون تابعة ولم تكن مقصودة لذاتها، ولهذا نصوا ألا يكون نظامها الأساسي على التعامل بالربا.
وأصحاب القول الأول الذين منعوا من ذلك قالوا: الاستدلال بهذه القاعدة في مثل هذا خطأ.. فلا يستدل بهذه القاعدة على أن الإنسان يستمر في شيء محرم، لكن هذه أمور -عقود، أو أفعال- تنتهي، فهنا يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، أما هذه الشركات التي تتعامل بالحرام فهذه تستمر، فلا نقول للمسلم: يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، واستمر في فعل المحرم، لكن هذه القاعدة يستدل بها العلماء على عقود وأفعال تُفعل ثم تنتهي، أما كونها تتخذ وسيلة إلى فعل محرم فهذا غير صحيح، ولا يصح الاستدلال به.
كذلك أيضاً استدلوا بقاعدة: الحاجة تنزَّل منزلة الضرورة.
فالحاجة إذا عمّت يقال: إنها تنزّل منزلة الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، ومن منع من الدخول في مثل هذه الشركات أجاب عن هذه القاعدة بجوابين:
الجواب الأول: أن أكثر العلماء على خلاف هذه القاعدة، فأكثر العلماء على أن الحاجة لا تقوم مقام الضرورة.
والجواب الثاني: أن قاعدة الحاجة تقوم مقام الضرورة، قد ذكر لها العلماء قيوداً وشروطاً، فليست على إطلاقها.
وذكروا من هذه القيود: أن لا يأتي نصٌ من الشريعة بالمنع، فإذا جاء نصٌ من الشريعة بالمنع فإن الحاجة لا تنزّل منزلة الضرورة.
وهنا قالوا: جاء النص من الشريعة بمنع الربا.
ومن القيود قالوا: إن هذه الحاجة إنما تكون في الأشياء التي ورد بها نص من الشارع، مثل: جواز عقد السلَم، وعقد الإجارة، وجواز تضبيب الإناء، ولبس الحرير لدفع القمل والحكة... وغير ذلك.
وكذلك أيضاً من الأدلة التي يستدلون بها: قاعدة ما لا يمكن التحرز منه فهو عفو. ومثل هذه الأشياء المحرمة لا يمكن التحرز منها.
وأيضاً نوقش هذا.. قالوا: الذي لا يمكن التحرز منه ويكون عفواً إذا كان يترتب عليه حرج ومشقة.
وكون الإنسان لا يدخل في مثل هذه الشركات ما يترتب عليه حرج ومشقة، فهناك الآن أناس دخلوا وأناس لم يدخلوا، والذين لم يدخلوا لم يصبهم حرج ومشقة، بل بإمكانهم أن يستثمروا أموالهم في أشياء أخرى مباحة.
الأمر الأول: أن يكون موضوع نشاطها محرماً، يعني: هذه الشركة قامت لبيع أو تصنيع الخمر، أو الخنزير، أو الربا... أو نحو ذلك، فهذا لا يجوز الدخول فيها، ولا تداول أسهمها بيعاً ولا شراءً... إلى آخره.
الأمر الثاني -وهو موضع البحث-: إذا كان موضوع نشاطها مباحاً لكنها تتعامل بالأشياء المحرمة أحياناً.
فقالوا هذه يفصّل بين الشركات الصغيرة وبين الشركات الكبيرة، فالشركات الكبيرة ذات الخدمات العامة التي تؤدي خدمات ضرورية للمجتمع قد تعجز عنها الدول. فهذه لا بأس بالدخول فيها؛ بخلاف الشركات الصغيرة فلا يجوز الدخول فيها.
فأصبحوا يقسّمون الشركات ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شركات أصل نشاطها محرم، هذه لا يجوز الدخول فيها.
القسم الثاني: شركات أصل نشاطها مباح، لكن تتعامل بالمحرم أحياناً، وهي صغيرة، هذه لا يجوز الدخول فيها.
القسم الثالث: شركات أصل عملها مباح، لكنها شركات كبيرة تؤدي خدمات كبيرة للمجتمع، فهذه يجوز الدخول فيها.
ويعللون على هذا بوجود المصلحة الكبيرة في قيام هذه الشركات التي تُعنى بالخدمات العامة.
لكن أجيب عن هذا الدليل بجوابين:
الجواب الأول: أن المصلحة لكي تكون معتبرة يجب ألا تخالف النص، فإذا كان فيها مخالفة للنص فإنه لا يجوز.
والجواب الثاني: ينظر في المصلحة، لأنه قد يقال بأن المصلحة عدم الاشتراك؛ لما يترتب على ذلك من مصالح وهو فتح أبواب لشركات مباحة مشروعة، أيضاً: إلزام مثل هذه الشركات بالمعاملات المباحة المشروعة؛ حيث إن أصحاب هؤلاء الشركات يهمهم دخول الناس ومشاركتهم... إلى آخره.
فكون الناس يحجمون عن الدخول معهم هذا يدفعهم إلى تحسين أوضاعهم.
هذا ما يتعلق بالدخول في مثل هذه الشركات.
وأما في الاصطلاح فهو: صك قابل للتداول تصدره الشركة لتُمنح قرضاً طويل الأجل، يُعقد عادة عن طريق الاكتتاب العام.
ما الفائدة من السندات؟
بعض الشركات خصوصاً الكبيرة تلجأ إلى السندات لحاجتها إلى الأموال، إما لأن توثق أعمالها التجارية، أو لتوفي ببعض ديونها والمستحقات التي عليها أو غير ذلك من الأغراض.
فتقوم بطرح سندات للجمهور في الأسواق، تطلب من الجمهور الاكتتاب في هذه السندات، وهم لا يريدون أن يدخل معهم شريك، يريدون من الشركة أن تكون خاصة بشركائها أو المساهمون فيها فقط، ولا يريدون من أحد أن يدخل معهم كشريك، وبدلاً من أن يطرحوا أسهماً في الشركة فيأتي الناس ويدخلون معهم شركاء ويزاحمونهم في الأرباح، يقومون بطرح السندات، ويعطون عليها فوائد، يأخذون من الناس هذه الدراهم منهم على شكل قروض، ويعطون على هذه القروض فوائد.
فهم يقترضون من الجمهور ولا يدخلونهم، لأنهم ليس لهم رغبة في أن يدخل أحد معهم شريكاً، فيستفيدون من أموال الناس ويعطون الجمهور فوائد على هذه القروض.
جماهير المتأخرين على أن هذه السندات محرمة ولا تجوز؛ لأن ظاهرها أنها قروض بفائدة، وقد تصدرها الشركات، وقد تصدرها الحكومات، وقد تصدرها الدول.. فهذه السندات جماهير المتأخرين على أنها محرمة ولا تجوز.
ولهذا ذكر بعض الباحثين أن القول بإباحة مثل هذه السندات قول قديم، يعني: أن الناس الآن يكادون يتفقون على أنها محرمة؛ لأنها قروض بفائدة، ولهذا صدرت الفتاوى في تحريمها، فالأزهر أخرج فتوى في عام 1982م أنها محرمة، وكذلك أيضاً لجنة الأسواق المالية في المغرب بالرباط عام 1410هـ أصدرت أيضاً فتوى بتحريم هذه السندات.
وأيضاً مجمع الفقه الإسلامي في جدة أخرج أيضاً فتوى عام 1410هـ وأن هذه محرمة ولا تجوز.
فتبين أن السندات محرمة ولا تجوز، وأنها عبارة عن قروض بفائدة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن حزم وابن قدامة أن الإجماع منعقد على تحريم اشتراط الزيادة في القرض.
أولاً: أن حامل السند دائن للشركة، وأما حامل السهم فهو شريك في الشركة.
ثانياً: أن حامل السند له فائدة ثابتة في موعد محدد، سواءٌ ربحت الشركة أو لم تربح.
بخلاف حامل السهم فهذا يستحق الأرباح إذا ربحت الشركة، أما إذا خسرت الشركة فإنه لا يستحق شيئاً.
ثالثاً: أن حامل السهم له الحق في أن يحضر جمعيات المساهمين، وأن يقوم بالتصويت، وأن يقوم بالرقابة على أعمال مجلس إدارة الشركة.
بخلاف حامل السند فليس له حق في ذلك، فلا يتمكن من حضور جمعيات المساهمين، أو يراقب الإدارة، أو يقوم بالتصويت... إلى آخره؛ لأنه دائن للشركة.
رابعاً: كل شركة فهي مساهمة، وليس كل شركة لها سندات.
ليس كل الشركات تحضر سندات، بعض الشركات قد لا تحتاج إلى الأموال، لكن بعض الشركات تحتاج.
فبعض الشركات تكون مساهمة تصدر الأسهم وتصدر السندات، لكن بعض الشركات لا تصدر السندات؛ لأنها ليست بحاجة إلى ذلك.
كذلك أيضاً: حامل السهم ليس له أن يطالب بالقيمة ما دامت الشركة قائمة.
أما بالنسبة لحامل السند فله أن يطالب بالقيمة، لأن هذا قرض لأجل معيّن، فإذا جاء الموعد المحدد فله أن يطالب الشركة بقيمة السند، والله أعلم.
القسم الأول: أن تكون الأسهم أصل نشاطها محرم، فهذا الاتفاق على أن هذا غير جائز.
القسم الثاني: أن تكون أعمالها مباحة وتعمل في الحرام أحياناً، فهذا ينبني على الخلاف الذي ذكرناه.
فالذين قالوا: الدخول معها محرم قالوا: بيع أسهمها محرم، والذين قالوا: الدخول معها جائز قالوا: بيع الأسهم هذا جائز ولا بأس به.. على حسب الخلاف الذي ذكرناه.
الأمر الأول: أن يقصد بالدخول في هذه الشركة الاستثمار.. البيع والشراء بالأسهم، فقالوا: هذه عروض تجارة، وإذا كان لا يقصد البيع ولا الشراء وإنما يقصد أخذ الأرباح ويستمر، فقالوا: إذا قبض الربح يزكيه إذا حال عليه الحول، هذا الرأي الأول.
الرأي الثاني رأي الشيخ عبد الله بن منيع قال: الشركات هذه تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: يقصد بذلك الاستثمار عن طريق البيع والشراء، فهذا يزكي زكاة عروض تجارة.
القسم الثاني: لا يقصد الاستثمار، وإنما يقصد الاستثمار وأخذ الربح، فهذا ينبني على الشركة، فإن كانت الشركة شركة زراعية فيخرج زكاة الزروع نصف العشر إن كان يسقى بمئونة، أو العشر إن كان يسقى بلا مئونة، وإن كانت شركة أغنام فينظر: هل هذه الأغنام للتجارة أو متخذة للدر، حسب ما يذكره العلماء رحمهم الله، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر