إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
نصيب هذه الليلة أربعة أحاديث كما سمعتم من أحاديث سجود التلاوة, وهي آخر ما يتعلق بهذا الموضوع, وبقي في باب سجود التلاوة وغيره ثلاثة أحاديث, تتعلق بسجود الشكر, سنأتي عليها إن شاء الله في الأسبوع القادم.
أما ما يتعلق بنصاب هذه الليلة، فأوله: حديث خالد بن معدان رضي الله عنه قال: ( فضلت سورة الحج بسجدتين ).
ورواه الترمذي أيضاً كما ذكر المصنف، في كتاب الصلاة, باب السجدة في الحج, وقال الترمذي عقب روايته: هذا الحديث ليس إسناده بذاك القوي. ورواه أحمد في المسند أيضاً، والدارقطني، والحاكم، والحاكم رواه في مستدركه وقال عقب روايته: هذا حديث لم نكتبه مسنداً إلا من هذا الوجه, يعني: الإسناد الذي ذكره، وهو من رواية ابن وهب عن عبد الله بن لهيعة عن مشرح بن هاعان .
ثم قال الحاكم : وعبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي أحد الأئمة, وإنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره. هذا كلام الحاكم . أيضاً المنذري في الترغيب والترهيب أشار إلى ضعف الحديث, وجعل علته ابن لهيعة , ومشرح بن هاعان , قال المنذري : لا يحتج بحديثهما, فهذا ما يتعلق بكلام المخرجين في إسناد الحديث, وبناء عليه نعرف أن للحديث حسب كلامهم علتين:
أولهما: أن فيه عبد الله بن لهيعة , وما رأيكم في هذه العلة على حسب ما سمعتم الآن، هل تثبت في شأن هذا الحديث أم لا؟
هو مختلط، فننظر هل من روى عنه الآن قبل الاختلاط أم بعده؟
إذا روى عنه العبادلة الثلاثة ارتقى حديثه إلى الحسن, الذي روى عنه في هذا الإسناد من هو؟ عبد الله بن وهب كما أشرنا قبل قليل, روى عنه عبد الله بن وهب , وبناء عليه فإن هذه العلة لا تقوى على تضعيف الحديث.
أما العلة الثانية: فهي أن فيه مشرحاً كما ذكر غير واحد, ومشرح فيه مقال, وقد لينه ابن حبان , وقال في كتاب الضعفاء -أعني: ابن حبان - قال: يروي عن عقبة بن عامر مناكير لا يتابع عليها, وهو قد روى هنا عن عقبة بن عامر، قال: إنه يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها, ولكن الواقع أن من يقرأ ترجمة مشرح في الكتب الموسعة المطولة، يجد أن الرجل لا بأس به, خاصة إذا لم يخالف, فإنه قال فيه الإمام أحمد : معروف, وكذلك وثقه ابن معين في رواية الدارمي عنه.
وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به, فالصواب أن مشرحاً أقل أحواله أن يكون صدوقاً, وقد قصر الحافظ رحمه الله في التقريب في حقه, حيث قال في شأنه: مقبول.
إذاً: فأقل أحوال الحديث أن يكون حسناً لذاته, وله ما يعضده من الآثار والروايات , فمما يعضده المرسل, الذي ذكرناه قبل قليل, أو إن شئت فقل: هو يعضد الحديث المرسل, حديث خالد بن معدان , فإن المرسل كما هو معروف عند الجمهور إذا جاء من طريق آخر مختلف، فإنه يتقوى بذلك ويعتضد. هذا أمر.
الأمر الثاني: أنه نقل عن جماعة من الصحابة، كما نقله الحاكم بعد ما ساق الحديث, وقال: إن هذا الحديث لم نكتبه مسنداً إلا من هذا الطريق, يعني: طريق عبد الله بن لهيعة , ثم تكلم عن عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي , وأنه إمام, لا ينقم عليه إلا أنه اختلط في آخر عمره.
وقد أخرج مالك رحمه الله في الموطأ، ما جاء في سجود القرآن، أخرج عن عمر رضي الله عنه أثراً نحو الأثر الذي أشار إليه الحاكم , قال عمر: (فضلت سورة الحج على سائر سور القرآن بسجدتين).
وكذلك أخرج الحاكم في مستدركه، في تفسير سورة الحج، عن ابن عباس أنه قال: (في الحج سجدتان). كما أخرجه مثل ما أشار إليه سابقاً عن بعض الصحابة: وأنهم قالوا: في سورة الحج سجدتان. جاء هذا عن ابن عباس، وأبي الدرداء، وابن عمر، وعمر، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبي موسى .. وغيرهم.
إذاً: هذا ما يتعلق بتفضيل سورة الحج بسجدتين. ولعل هذا البحث يعتبر مكملاً لما ذكرناه في الجلسة الماضية فيما يتعلق بسجدات القرآن, فإن السجدات لم تكن لتبلغ خمس عشرة سجدة، لولا أن سورة الحج فيها سجدتان, هذا يعتبر بحثاً مكملاً للبحث السابق في الأسبوع الماضي.
وذهب آخرون إلى معنى لطيف لهذا الحديث, فقالوا: إن هذا يفهم من دلالات اللغة وقواعدها وملاحنها، أنه على سبيل الزجر والتهديد, لا على سبيل النهي, فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا لم تستح فافعل ما شئت ). بل كقوله تعالى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت:40]. فكأنه صلى الله عليه وسلم يوبخ من لم يسجدهما بقوله: إذا لم تسجد فلا تقرأ, هكذا ذهب طائفة من أهل العلم, وقالوا: إن هذا خرج مخرج الزجر والتهديد والتوبيخ، لا مخرج النهي, وهذا وإن كان له وجه، إلا أنه في نظري خلاف الظاهر؛ إذ ليس في سياق الحديث ما يشعر بأن النهي للزجر, والأصل أن النهي على وجهه, ولكن ينبغي أن يجزم بأن النهي هنا ليس للتحريم, لا يقتضي التحريم, بل يجوز للمرء أن يقرأ السجدة، ويقرأ السورة التي فيها سجدة ولا يسجد, لماذا يجوز هذا؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام فعل ذلك, وفعله أصحابه أيضاً في حضرته عليه الصلاة والسلام, كما في حديث زيد بن ثابت , وإذا كان الأمر بالسجود في التلاوة غير واجب، لم يكن تركه حراماً, ويعزز ذلك ما يأتي من الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والله تعالى أعلم.
وهذا الأثر وإن كان موقوفاً على عمر إلا أن له حكم المرفوع؛ لقوله: ( فلا إثم عليه ). ورفع الإثم أمر شرعي, ولقوله في الرواية الأخرى: ( لم يفرض علينا السجود ). ونفي الفرضية أيضاً لم يكن عمر ليقوله، إلا بتوقيف ونقل عن المعصوم عليه الصلاة والسلام.
وفي إسناد هذا الأثر عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنهم أجمعين, وهو الشهير بـعبد الله بن عمر المكبر , تفريقاً له عن أخيه عبيد الله بن عمر المصغر , وعبد الله هذا قد تكلم فيه, عبد الله المكبر الذي هو في إسناد هذا الحديث، تكلم فيه غير واحد من الأئمة, وأخرج له مسلم مقروناً بأخيه عبيد الله , والذي يظهر لي من خلاصة الكلام فيه أنه لا بأس به إذا لم يخالف, فليس الكلام فيه شديداً, بل وثقه جماعة من علماء الجرح والتعديل, ولكن الأكثرين على تضعيفه, فالأقرب أنه لا بأس به إذا لم يخالف, يتبين هذا من مراجعة ترجمته في المطولات.
وقد روى الأثر نفسه الحاكم في مستدركه , فجعل عبيد الله المصغر مكان عبد الله المكبر , يعني: رواه الحاكم من طريق عبيد الله بن عمر , وليس من طريق عبد الله المكبر , والمصغر لاشك ثقة, عبيد الله المصغر ثقة.
لكن أصل الحديث على كل حال قد خرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث عبيد الله المصغر عن نافع عن ابن عمر , قال كما في الصحيحين: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السجدة ونحن عنده فيسجد ونسجد معه, فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه ). هذا لفظ البخاري . فذكر فيه أنهم كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السجدة فيسجد، ويسجدون معه.
إذاً: الفرق بين رواية الصحيحين ورواية أبي داود ليس من حيث المتن:
أن في رواية أبي داود ذكر التكبير: (أنه يكبر فيسجد), يعني: النبي صلى الله عليه وسلم, أما رواية الصحيحين فتخلو من ذكر التكبير, وإذا عرفنا أن طريق الحديث واحد من طريق عبيد الله بن عمر المصغر عن نافع، عن ابن عمر كما في الصحيحين, وأن الحاكم أخرج اللفظ نفسه بدون التكبير من طريق عبيد الله عن نافع، وأن أبا داود أخرجه من طريق المكبر , لظهر لنا أن رواية عبد الله المكبر هذه بذكر التكبير, هو مكبر وذكر التكبير أيضاً في المتن, أن هذه الرواية لا تخلو من مخالفة, ومثل عبد الله هذا لا تحتمل مخالفته, فلا يبعد أن يقال: إن الحديث حينئذ منكر.
المسألة الأولى: ذكر التكبير للسجود في غير الصلاة, يعني إذا كبر إذا سجد للتلاوة في الصلاة فالجماهير على أنه إذا قرأ السجدة في الصلاة فإنه يكبر للسجود، ويكبر أيضاً إذا رفع من السجود, فالتكبير هنا في كل خفض ورفع, وهي كتكبيرات الانتقال, وهذا مذهب جماهير أهل العلم, وخالف فيه بعض الفقهاء من الشافعية.. وغيرهم.
وقد جاء فيه أثر عند البيهقي من حديث أم سلمة , وهي تابعية مجهولة, فالأثر لا يصح حينئذ, الجماهير على كل حال أنه إذا قرأ السجدة في الصلاة كبر للسجود، وكبر للرفع من السجود.
إنما الكلام الآن فيما إذا قرأ السجدة في غير الصلاة, فهل يكبر للسجود أم لا؟ القول الأول: أنه يكبر للسجود، كما نص عليه في حديث ابن عمر السابق, وهذا مذهب ابن سيرين والحسن البصري وأبي قلابة والنخعي ومسلم بن يسار وأبي عبد الرحمن السلمي، وهو مذهب الإمام الشافعي من الأئمة المتبوعين, وإسحاق بن راهويه من فقهاء أهل الحديث, وأصحاب الرأي أبي حنيفة وأصحابه والإمام أحمد وغيرهم, فهو أيضاً يصح أن يقال: إنه مذهب الجمهور, أنه يكبر إذا سجد للتلاوة, يكبر للسجود.
واستدلوا بأدلة, منها حديث الباب, حديث ابن عمر .
ومنها: أنهم قاسوه على سجود السهو، إذا كان بعد السلام.. وإلى غير ذلك.
ومنها: أنهم قالوا: إنه صلاة, ولعل هذا من أقوى أدلتهم, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: ( تحريمها التكبير, وتحليلها التسليم). فهذه أدلتهم. وهو مذهب الجمهور كما أسلفت.
أما الإمام مالك فقد اختلف عليه في ذلك, فنص على أنه يكبر إذا سجد في الصلاة, أما في غير الصلاة فمذهب الإمام مالك في ذلك مختلف, روي عنه أنه يكبر كمذهب الجمهور, وروي عنه أنه لا يكبر.
وإذا نظرنا فهناك قول ثان في المسألة للشافعي , أو يصح أن نعتبره قولاً ثالثاً؛ لأن عندنا الآن قول الجمهور أنه يكبر, وعندنا قول مالك في رواية أنه لا يكبر, يوجد قول ثالث من يعرفه؟
القول الثالث للشافعي , أنه يكبر تكبيرتين: إحداهما للإحرام, والأخرى للسجود أو للانتقال.
والأقرب في ذلك مذهب الجمهور, أنه يكبر للسجود, لكن ينبغي أن نقول: إن التكبير للسجود حينئذ ليس بواجب, لماذا؟ لأن تكبيرات الانتقال مثلاً في النافلة واجبة, والنفل ليس بواجب أصلاً، ولعدم النص؛ لأن هذه مسألة عبادة, لا يمكن أن يفرض فيها شيء إلا بنص. فإذا كان حديث الباب الذي هو العمدة: حديث ابن عمر فيه ضعف وفيه لين، فلا يوجد دليل صريح على وجوب التكبير للسجود, ولكن التكبير ذكر على كل حال, (الله أكبر) هذا ذكر, وهو مشروع في حالات كثيرة, في الانتقال في الصلاة, وفي السجدات كلها, بما في ذلك سجدة الصلاة وسجدة السهو.. وغيرها, وكذلك في سجود التلاوة, لكنه ليس بواجب. هذه مسألة.
واحتجوا واستدلوا بما سبق.
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يشرع التكبير للرفع من السجود, ولهذا لم يذكره الخرقي من فقهاء الحنابلة في مختصره، الذي شرحه الإمام ابن قدامة في المغني .قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: ولم يذكره المتقدمون من الأصحاب, يعني: من الحنابلة, أو قال: ولم يذكره متقدمو الأصحاب, يعني: من الحنابلة, ولكن لا مانع أيضاً, ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه كبر للرفع من السجود, لا في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضاً, بخلاف التكبير للسجود, فقد جاء في هذا الحديث حديث الباب, وإن كان فيه مقال, لكن لا مانع أن يقال في مشروعية التكبير للرفع من السجود، كما قيل في مشروعية التكبير للسجود: إنه مشروع, دون أن يكون واجباً على من سجد؛ لأن التكبير ذكر لله تعالى, والسجود عبادة, فلا بأس أن يذكر الله تعالى فيها ابتداء وانتهاء.
والقول بعدم مشروعية التسليم هو رواية في مذهب الإمام أحمد , وبه يقول عطاء والنخعي والحسن، كما نقله عبد الرزاق في مصنفه عنهم, وهو أيضاً مذهب سعيد بن جبير ويحيى بن وثاب، كما نقله ابن قدامة في المغني , وهو رواية في مذهب الإمام أبي حنيفة , واختلف فيه قول الإمام الشافعي , فقد ذكر النووي في المجموع عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في ذلك قولين, وكذلك ابن القيم في زاد المعاد، كأنه نقل عن الشافعي أنه أنكر التسليم, وهكذا نقل عن الإمام أحمد.
ومن أقوى أدلتهم على عدم مشروعية التسليم: أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولا عن أحد من أصحابه أنهم سلموا لسجود التلاوة.
وقال بعضهم: إن سجود التلاوة ليس له تشهد, فكذلك لا يشرع فيه التسليم.
وربما كان من أقوى أدلتهم: حديث: ( تحريمها التكبير, وتحليلها التسليم). على اعتبار أن سجود التلاوة صلاة.
ولكن إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسليم شيء في سجود التلاوة, فيمكن أن يقال: إن سجود التلاوة ليس فيه تسليم, ولو سلّم لم يكن عليه في ذلك حرج أيضاً, ولا بأس, فالتسليم ذكر ودعاء, وليس فيه شيء, ولذلك قال فيه بعض السلف: يسلم تسليمة واحدة, فيقول: السلام عليكم, أو السلام عليكم ورحمة الله. وهذا قول ثالث في المسألة.
وهناك قول رابع: أنه إن تشهد سلم, وإن لم يتشهد لم يسلم.
والأقرب أنه ليس عليه في سجود التلاوة تسليم, ولو سلّم فلا حرج عليه.
وينبغي أن نقول: ما يتعلق بالتكبير للسجود، والتكبير للرفع منه، ورفع الأيدي في ذلك، والجلوس، والسلام، أن ذلك كله لم ينقل فيه شيء يصح، ويعتمد عليه, فينبغي أن يكون الأمر فيه واسعاً, فمن فعل فلا حرج عليه، ومن ترك فلا حرج عليه أيضاً, فلو لم يكبر ابتداء ولا انتهاء لم يكن عليه في ذلك إن شاء الله تعالى شيء؛ لعدم النص الصريح في ذلك.
هذا أحد الأذكار التي يشرع أن يقولها في سجود التلاوة: ( سجد وجهي لله، الذي خلقه وصوره, وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته ). فقد صح الحديث بذلك عن عائشة رضي الله عنها, رواه الإمام أحمد في مسنده , ورواه الترمذي في سننه , وقال: هذا حديث حسن صحيح, ورواه أبو داود، والنسائي، ورواه الحاكم في مستدركه , وقال: صحيح أيضاً, ووافقه الذهبي. هذا الذكر الأول.
الذكر الثاني: ( اللهم اكتب لي بها عندك أجراً, وضع عني بها وزراً, واجعلها لي عندك ذخراً, وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك ونبيك داود عليه السلام ). وهذا أيضاً جاء فيه حديث عن ابن عباس، رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب, وفيه قصة طويلة: ( أنه قرأ سجدة -في الرؤيا يعني- فرأى شجرة سجدت, فقالت ذلك، فقاله ), فأقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب, وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه , فكأنه صححه, ومثله ابن حبان أيضاً أخرجه في صحيحه , وأخرجه الحاكم في مستدركه , وقال: هذا حديث صحيح, رواته كلهم مكيون, ولم يطعن فيهم, ووافقه الذهبي في تلخيصه على ذلك, وقال الخليلي : هذا حديث غريب صحيح, وفي إسناده رجل ليس بالمشهور. لكن وثقه ابن حبان , وصحح له ابن خزيمة كما رأيتم, وحسن له الترمذي , وصحح له الحاكم أيضاً والخليلي , فكأنه يقبل في مثل ذلك، خاصة وهذا الحديث ليس فيه سوى ذكر من أذكار السجود .
ثالثاً: مما يقال في سجود التلاوة:
الدعاء الذي يقال في سجود الصلاة, وقد سبق ذكره, فيقول: سبحان ربي الأعلى, سبحان ربي الأعلى, سبوح قدوس رب الملائكة والروح, سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي.. وما أشبه ذلك من أذكار السجود, وكذلك يدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة.
الجواب: كان على المنبر.
الجواب: هذا الحديث فيه مقال, حديث معاذ في أخذه برأيه أيضاً هذا فيه مقال, وهذان الحديثان يذكران في كتب الأصول وتخريجاتها؛ لأنها من أدلة الأصوليين على الإجماع.
وأما الثاني فيستدل به الأصوليون في مواضع عدة, وقد أطال الإمام ابن القيم النفس في الحديث الثاني.
الجواب: يعني: الأمر في ذلك أوسع من هذا؛ لأنها عبادة لم يرد فيها هذا ولا ذاك, فأيضاً لم يرد أنه ترك التكبير في السجود وفي النهوض والرفع من السجود, فينبغي أن يوسع في الأمر، هذا هو الأقرب؛ لأنه يبعد أيضا أن يكون هناك شرع لم ينقل, إلا أن يكون مغسولاً, فيقال: إن الشرع تسامح في ذلك، ووسع فيه على الإنسان, فإن كبر وسجد فحسن, وإن سجد ولم يكبر فحسن أيضاً.
الجواب: السجود عن قيام هل يشرع له أن يقوم إذا أراد السجود؟ الجمهور على أنه لا يشرع له القيام, بل يسجد من حيث هو, وقال كثير من أهل العلم: إن القيام للسجود محدث ليس له أصل. ولكن أقول: ورد في القيام للسجود حديث عن عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت إذ أرادت أن تسجد قامت فسجدت). وهذا الحديث هو الذي أخطأت فيه قبل قليل، فقلت: إن فيه أم سلمة تابعية لا تعرف, وذكره البيهقي , فينقل الحديث عن الموضع الذي ذكرته إلى هنا, فيقال: إن القيام إذاً للسجود لا يصح فيه شيء، بل يسجد وهو قاعد، وهذا هو الظاهر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
الجواب: نعم, لا يسجد إلا على طهارة, ذكر الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم, قالوا: لا نعلم فيه خلافاً, إلا أنه نقل عن أحد التابعين أنه أشار أن الحائض تشير إذا قرأت السجدة أو سمعت السجدة, وكذلك الحال في استقبال القبلة, فإنه ينبغي أن يستقبل القبلة, إلا أن يكون ذلك لعذر، كأن يكون مثلاً على سيارته، أو راكباً.. أو ما أشبه ذلك.
الجواب: نحن لم نقل: إن عبد الله هذا ضعيف بحيث يكون حديثه حينئذ منكراً, فهو متردد بين أن يكون منكراً وبين أن يكون شاذاً؛ لأن حال عبد الله فيما ظهر لي والله تعالى أعلم أنه ليس ضعيفاً بإطلاق .
الجواب: ليس خاصاً بـبلال , بل هو مشروع, فركعتا الوضوء مستحبة لكل إنسان.
الجواب: هذا ذكرناه فيما سبق.
الوقت انتهى الآن, هناك أسئلة كثيرة حول سجود التلاوة, وتعرفون أن الأمر فيها طويل, والدخول في التفاصيل الفقهية يتطلب منا وقتاً إضافياً, فنكتفي بذلك.
والله تعالى أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر