أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس -إن شاء الله- كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، وها نحن مع سورة الرعد أو مع خاتمتها وهي مكية، أي: نزلت بمكة على الصحيح، والمكيات من السور التي تعالج العقيدة بأعظم أركانها ألا وهو التوحيد، والنبوة المحمدية، والبعث الآخر.
وهذا من أجل أن يعبد الله وحده بما شرع، إذ ما خلق الخلق إلا من أجل أن يُعبد، فمن هنا أرسل رسوله وأنزل كتابه من أجل أن يعبد وحده، ولا يعبد معه سواه، وهو معنى لا إله إلا الله، فلا يوجد من يستحق أن يعبد إلا الله، وأنواع العبادة التي تعبدنا الله بها حواها كتابه، وبينتها سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن أظهرها وأبرزها:
فالذين ينادون الأولياء يا سيدي فلان! ويا فلان! والذين ينادون رسول الله يا رسول الله! جئناك كذا وكذا، هؤلاء تناقضت عقيدتهم مع عملهم هذا، إذ لا يسأل الحاجة إلا الله فقط، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا عبد صالح، فضلاً عن الجمادات، والقبور، والأحجار.
هذا النذر لا يكون إلا لله؛ إذ الله الذي بيده كل شيء، والذي يعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويسعد ويشقي.
ومرة قال: ( فقد كفر )، والشرك والكفر ظاهران.
غطيت ربك وكفرته، ولم تر إلا هذا الذي حلفت به، هذا هو الكفر، فالكفر هو التغطية والجحود، وأنت ما رأيت ربك، ولا آمنت به فحلفت بغيره، فهذا كفر، فالحلف تعظيم للمحلوف به.
إذاً: عندما تقول: أحلف بسيدي فلان، فهذا يعني تعظيمه وإجلاله وإكباره، والعظمة والكبرياء والإجلال لله وحده، فأنت إذا حلفت بغير الله فذاك المحلوف به جعلته مع الله، وأعطيته من حق الله. أي: من عظمة الله وإجلاله.
إذاً: السور المكية تعالج العقيدة، وتعالج أعظم أركانها وهو التوحيد، كلمة لا إله إلا الله، وإثبات الرسالة والنبوة لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والبعث الآخر، والحياة الثانية، إذ هذه الحياة حياة عمل، ولا جزاء فيها لأحد، والحياة الثانية حياة جزاء.
كل عمل عمله ابن آدم هنا يجزى به هناك، وكأننا في مصنع نشتغل ثم إذا تم الشغل نأخذ أجورنا.
كأننا مرتبطين بعمل فلما فرغنا بعد شهر أو شهرين أو سنة أعطينا أجورنا، فالدنيا هكذا: دار عمل، والجزاء ليس هنا وإنما في الدار الآخرة بعد إفناء هذه وإبادتها وإهلاكها.
وهناك عالم آخر علوي في السموات السبع، وعالم سفلي في الأرضين السبع، جنة ونار، ويتم الجزاء كذلك.
إذاً: من آمن هذا الإيمان وأيقن لا يستطيع أن يشرك بربه أبداً، بل ولا يستطيع أن يعصي ربه لا في أمر يتركه ولا في نهي يفعله!
ومن لم يعرف الله ولم يؤمن به فهو ميت كافر، لا خير فيه أبداً، ومصيره عالم الشقاء؛ جهنم وبئس المصير.
ومن كان يتخبط: يعصي مرة ويطيع أخرى، فعلّة ذلك ضعف إيمانه؛ ما قوى إيمانه قوة حتى يصبح لا يستطيع أن يعصي الله، ما يقدر أبداً، فيرضى أن يقتل ويصلب ولا يكفر بالله، ولا يخرج عن طاعته.
فمن هنا كان اجتماع المؤمنين على كتاب الله في بيوت الله ما هو إلا زيادة في إيمانهم وتقويته؛ ليستقيموا خارج المسجد على طاعة الله وطاعة رسوله.
هذا سر اجتماع المؤمنين في بيوت الله على كتاب الله، وقد سمعتم الوعد الإلهي: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم )، ماذا لهم؟ أعظم جزاء وأعظم عطاء.
قال: ( إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). فلهذا اجتمعنا، فهيا بنا نصغِ مستمعين إلى هذه الآيات الثلاث آخر ما عندنا في سورة الرعد ثم نتدارسها إن شاء الله.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [الرعد:40].
وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ [الرعد:40]، يا طلبة العلم! هذه الميم مزيدة الأصل: وإن نرينك، فزيدت الميم في مثل هذا الموطن لتقوية الأسلوب والكلام؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة في المعنى.
وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ [الرعد:40] يا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [الرعد:40]، من ألوان العذاب والشقاء والبلاء، بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [الرعد:40]، كما أراه ما أصاب أهل بدرٍ، إذ هلك منهم سبعون صنديداً، وأسر سبعون، وكما أراه القحط والجدب الذي أصابهم سبع سنوات.
على كل يخبره تعالى بذلك؛ ليحمله على الصبر والثبات، وعدم الجزع، وعدم التأخر عن دعوة الله.
وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [الرعد:40] لا كله أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ [الرعد:40]، أي: نميتك قبل أن ينزل بهم ما وعدنا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ [الرعد:40]، فلا تحزن، ولا تأسَ، فقد بلّغت وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [الرعد:40]، فسوف نحاسبهم ونجزيهم بما هم أهله.
هذه الجملة تسلية لرسول الله، وحمله على الصبر والثبات، وفي نفس الوقت يخبره بأن المشركين كالمؤمنين يعرفون ما يتم بعد ذلك.
هكذا يقول تعالى مخاطباً مصطفاه ورسوله صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [الرعد:40]، فلا تكرب، ولا تحزن.
هذه آية من آيات الله الدالة على صحة هذا الدين وأنه دين الله، وعلى صحة هذه الرسالة، وأنها رسالة الله، وعلى نبوة من نبئ وأرسل بها: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يبقون على الكفر، ويشكون في عبادة الله وتوحيده؟!
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد:41]. قال أحد السلف من التابعين: لو كان الله ينقص الأرض يومياً ما تجد الحش الذي أنت فيه تتبول. لانتهى، لو كانت الأرض كما أخبر تعالى ينقصها من أطرافها شيئاً فشيئاً ما بقيت.
إذاً: فالمراد من هذا: أن ينقصها بالدخول في الإسلام، ينقص ديار الكفر ويحولها إلى ديار إسلام.
ومنهم من قال: ننقصها بموت العلماء والصلحاء.
وكل هذا فيه بعد، والصحيح ما علمتم نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد:41] فتدخل البلاد بلداً بعد بلد، وقرية بعد قرية في الإسلام كما شاهدتم، فالمدينة ثم خيبر ثم تبوك وكذا وكذا، واليمن وما إلى ذلك.
هذا مظهر من مظاهر قدرة الله، ومظهر من مظاهر علم الله، أكبر مظهر يدل على أن محمداً رسول الله، وأن ما جاء به دين الله الحق الذي لا يقبل الله ديناً سواه، فهذه براهين وحجج قطعية.
الحاكم يصدر حكماً وقد يعقب عليه آخر ويبطله، لكن الله إذا حكم فلا معقب لحكمه، هكذا تعالى يقول: وَاللَّهُ يَحْكُمُ [الرعد:41] دائماً وأبداً لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41]، يقول للشيء كن فيكون، إذا أراد أن يهدم بلداً فبكلمة (كن) تتحول إلى بخار.
وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41]، أي: الجزاء، يحاسب ويجزي على العمل، فلا تقل: كيف يجزي هذه البشرية، وهم بلايين البشر، فكل واحد مذنب، فالله سريع الحساب، ويكفيك أنه يقول للشيء: كن، فيكون.
قوله تعالى: وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الرعد:42]، أي: من قبل كفار قريش والمشركين والكافرين في كل بلد، من كفر من قبلهم من قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وقوم لوط، وقوم موسى، وقوم.. وقوم.. كلهم كفروا ومكروا.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الرعد:42]، برسل الله وأنبيائه وأوليائه حفاظاً على دينهم الباطل، وعلى معتقداتهم الفاسدة، وعلى دنياهم الهابطة.
فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا [الرعد:42]، فهو خالقهم، أنت مكرت، الله خالقك وخالق عقلك ويديك ورجليك، فكيف يخاف الله مكر الماكرين؟ لا قيمة لمكرهم.
هم يمكرون بالإسلام والمسلمين، ولكن الله عز وجل يمكر بهم، يصرف ذلك المكر ويبطله، إذ هو قادر على أن يبطل وجودهم فضلاً عن مكرهم، فعليه توكلوا واثبتوا يا رسولنا والمؤمنين! لا تخافوا مكرهم، ولا تكربوا له.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الرعد:42]، فكيف كان مصيرهم؟ الدمار والخراب، أمم وشعوب.
ومعنى هذا: توكل على الله، واستمسك بحبله، واصبر حتى ينصرك الله، وينصر دعوتك التي تدعو إليها.
متى يعرفون هذه الحقيقة؟ لما يموتون وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:42]، الدار الآخرة من ينجح فيها ويكسب ويفوز، ومن يخسر فيها ويهلك ويضيع.
سيعلمون، والله ليعلمون، الذي يموت تلك الساعة يعرف، فما من عبد يموت ويدخل في قبره أو تخرج روحه إلا وعرف عقبى الدار لمن، لأهل الإيمان والعمل الصالح؟ لأهل التوحيد والطاعة الإلهية أو لأهل الشرك والكفر والمعاصي؟!
وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:42]، قلت لكم: يعلمون بعد موتهم، ويعلمون بعد بعثهم، ومحاسباتهم، ثم الجزاء بالجحيم المقيم وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:42]، لهم أو للمؤمنين، للموحدين أو المشركين، للساقطين أو الهابطين أو المرتفعين السامين بتوحيد الله وعبادته وحده دون من سواه.
فهذا كلام الله أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم.
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الرعد:43]، كفار قريش -والعياذ بالله- وغيرهم يقولون: لست مرسلاً، ما أنت برسول. من أرسلك؟
ونسوا أن الله أقسم فقال: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس:1-3]، فمن نحن حتى لا نقبل شهادة الله؟
ونسوا قول الله: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ [الأعراف:158] أبيضكم وأسودكم إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، فمن أرسله غير الله؟!
قالوا: ساحر، شاعر، مجنون، كذا.. نفوا أن يكون رسول الله، فما هو السر في هذا النفي؟ الجهل؟! والله ما هو الجهل؛ لأنهم شاهدوا الآيات والبراهين والحجج المقررة بأنه رسول الله، عاش بينهم في مكة أربعين سنة ما كتب، ولا قرأ، ولا تكلم بكلمة، ولا عرف شيئاً، وبعد الأربعين سنة يتكلم عن الملكوت الأعلى بالتفصيل، يتكلم عن الحياة الآخرة بالتفصيل، يتكلم عن الدنيا وأحوالها وعن كل ما يتعلق بها وهو أميّ، فكيف لا يكون رسول الله؟!
مستحيل أن يكون غير رسول الله!!
ولكن سبب جحودهم لرسالته صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا يتبعوه ويمشوا وراءه.. حتى لا يعبدوا الله وحده.. حتى لا يتخلوا عن أموالهم وشرفهم ومكانتهم بين إخوانهم وأممهم.
إلى الآن ائتني بأعلم علماء أهل الأرض من روسيا، من اليابان، من الصين على أن يتجرد من الهوى والشهوة ويكون إنساناً كريماً، والله ما يستطيع أن ينقض أن لا الله لا إله إلا وأن محمداً رسول الله، والله ما يستطيع، لو يجتمع كل علماء الفلسفة والكون والحياة وتعرض هذه القضية بين أيديهم والله ما يقدرون على نقضها.
وقد ضربنا لذلك أمثلة:
هذا الفيلسوف لما يتكلم معنا، وينكر وجود الله نقول له: نسألك: أنت موجود أو غير موجود؟ ماذا يقول؟
إن قال: غير موجود، قلنا أخرجوه، مجنون. هذا أحمق، فكيف نتكلم معه.
وإذا قال: موجود. نقول له: من أوجدك؟ سيقول: هاه، لا أدري؟
فنقول له: اسألنا نعلمك من أوجدك، إنه الله رب السموات والأرض ورب العالمين، رب الأولين والآخرين.
إذاً: الذي نقوله: هذه القضية بين أيديكم يا علماء: وهي (لا إله إلا الله) فانقضوها!
والله ما يقدرون على نقضها؛ لأنهم -أولاً- إن نقضوها بأن لا إله، فهؤلاء حمقى ومجانين وعبث في الحياة؛ مخلوقون ويقولون لا يعرفون خالقهم، هؤلاء لا قيمة لهم.
مخلوقون لكم خالق، هذا الخالق لا بد وأن يكون ذا قدرة لا حد لها، وإلا كيف أوجدكم وأوجد هذا الكون؟
لا بد أن يكون ذا علم أحاط بكل شيء، ولا بد وأن يكون حياً قيوماً، كل السموات والأرضين تعيش تحت تدبيره وملكه. إذاً: لا إله إلا هو سبحانه.
هل يوجد معه إله آخر؟ والله ما يوجد.
هل عيسى إله مع الله؟ عيسى -والله- مخلوق مربوب، خلقه الله ونفخ في أمه من روحه، ومريم البتول كذلك مخلوقة.
إذاً: من يكون إلهاً مع الله؟ والله لا أحد، لا يجدون أبداً، وهكذا كما قلت لكم، الحقيقة هي أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
من قال: لا نعترف برسالة محمد، والله ما قالها إلا من أجل أن يبقى على باطله، وعلى ظلمه وكفره، وعلى شركه، وإلا كيف تنكر رسالة من رسالته في يدك؟!
أنا أبعث لك برسالة تأخذها بيدك وتقول لا نعرف أنك رسول؟! كيف يعقل هذا الكلام؟
تأتيك رسالة بيدك وتقول: ما نعرف الرسول؟! كيف لا يكون رسولاً والرسالة بين أيدينا.
ثم هذه الرسالة ليست شعوذة ولا شطحات، بل علم لا يقادر قدره، ولا يعرف مداه ولا منتهاه، علم الأولين والآخرين، علم الكون السفلي والعلوي، علم الحياة بكاملها، فكيف لا يكون رسولاً؟!
وهذا تعالى يقوله له: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا [الرعد:43]، ما أرسلك الله، لم قالوا هذا؟ حفاظاً على عادتهم الباطلة وشركهم وكفرهم، لَسْتَ مُرْسَلًا [الرعد:43]، والله عز وجل يشهد برسالته ويحلف على أنه رسول الله، وأهل العلم، قال تعالى: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ [الرعد:43]، يكفي في أن يشهد لي أني رسول الله: الله عز وجل.
شهادة الله تردونها يا عرب؟! ما تقولون؟ كيف نرد شهادة الله رب الكعبة ورب العالمين؟!
الله شهد أن محمداً رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أهل الكتاب وأهل القرآن: علي ، أبو بكر ، الصحابة، اليهود كـعبد الله بن سلام ، والنصارى كـأصحمة الحبشي ، وسلمان الفارسي من المجوس، كل هؤلاء يشهدون وأنتم تردون هذه الشهادة! سبحان الله!
كل من عنده علم كتاب ممن آمن وأسلم من اليهود والنصارى والمؤمنين أهل القرآن يشهدون أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حجبونا عن تلاوته ودراسته، فيجب أن ندرسه في بيوت ربنا طول العام، وكم وكم قررت، وقلت، وكتبت، وبكيت، وكأني مع القائل:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
والله الذي لا إله غيره لا تزول هذه الكروب، وهذه الهموم والغموم، وهذه الفتن، وهذه المظالم، وهذه الشرور والمفاسد والله لا تزول إلا بالعودة إلى كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم عملاً وتطبيقاً.
والطريق سهل ميسور، لا يحملك على أن تحمل السلاح وتفجر القذائف أبداً في الأرض، بل حاول وابذل جهدك في أن أهل قريتك أو حيك يجتمعون كل ليلة بعد صلاة المغرب اجتماعنا هذا طول العام.
إذا دقت الساعة السادسة أغلقت المصانع.. المعامل.. البيوت.. المتاجر، وجاء أهل القرية أو المدينة إلى بيت ربهم، يجلسون جلوسنا هذا، ويدرسون دراستنا هذا، ليلة آية، وليلة حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
أسألكم بالله بعد سنة واحدة هل يبقى في القرية فاسق أو ظالم أو فاجر؟
والله ما يبقى، فهذه سنة الله عز وجل.
أليس الطعام يشبع؟ أليس الماء يروي؟ أليس الحديد يقطع؟ أليست النار تحرق؟ سنن لا تتبدل، فعلم الكتاب والسنة يطهر النفس، ويزكي الروح، وصاحبها لا يقوى على أن يظلم أو يعتدي.
وإذا استقامت الأمة في قراها ومدنها قيض الله لها من يسوسوها ويسودها منهم ممن تخرجوا على كتاب الله ووحي رسوله صلى الله عليه وسلم، وتنتهي المفاسد والمظالم والشرور والأباطيل.
ما استطاع عالم واحد ولا حاكم ولا ولي يقول: هيا عباد الله! نعُدْ إلى هدي الله، إلى هدي رسول الله؟
ما المانع؟ ما زلت أقول: النصارى الذين اقتدينا بهم ومشينا وراءهم وسلكنا مسلكهم في هذه الحياة الدنيا، إذا دقت الساعة السادسة في باريس أو في برلين أو في غيرها وقف العمل تماماً، يحملون أطفالهم ونساءهم إلى المقاصف للهو والملاعب والملاهي، يمكثون ساعتين أو ثلاث ساعات من الليل، ونحن نعجز إذا دقت الساعة السادسة أن ننتقل إلى مسجدنا في حينا أو قريتنا فنصلي المغرب، ونجتمع على آية وحديث طول العمر.
أقسم بالله لا طريق لسعادة هذه الأمة وعودتها إلى كمالها إلا بهذا العلم الرباني، فعندما تستقيم الأمة لا خيانة، لا غش، لا كذب، لا باطل، لا زور، لا معصية لا كذا.. لا بد وأن يقودها الله إلى دار السلام.
قوله تعالى: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ [الرعد:40]، أي: إن أريتك بعض الذي نعد قومك من العذاب فذاك، وإن نتوفينك قبل ذلك فليس عليك إلا البلاغ، فقد بلغت وعلينا الحساب، فسوف نجزيهم بما كانوا يكسبون، فلا تأس أيها الرسول، ولا تضق ذرعاً بما يمكرون.
وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا [الرعد:41] أي: المشركون الجاحدون الماكرون المطالبون بالآيات على صدق نبوة نبينا ] لأنهم يطالبون بالمعجزات، كعصا موسى وإحياء الموتى -كما تقدم- على صدق الرسول وصحة دعوته.
[قوله: أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد:41] أي نفتحها للإسلام بلداً بعد بلد، أليس ذلك آية دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة دعوته.
وقوله: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، أي: والله جل جلاله يحكم في خلقه بما يشاء فيعز ويذل ويعطي ويمنع وينصر ويهزم، و لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، أي: ليس هناك من يعقب على حكمه فيبطله، فإذا حكم بظهور الإسلام وإدبار الكفر فمن يرد ذلك على الله ] . لا أحد والله.
[ وقوله: وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41]، إذا حاسب على كسب فحسابه سريع فيجزي الكاسب بما يستحق دون بطء ولا تراخ.
وقوله تعالى: وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الرعد:42]، أي: وقد مكرت أقوام قبل قريش وكفار مكة، فكيف كان عاقبة مكرهم؟] إنها دمارهم أجمعين، أما يخشى رؤساء الكفر في مكة من عاقبة كهذه؟
[ وقوله: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا [الرعد:42]، أي: إذاً فلا عبرة بمكرهم ولا قيمة له، فلا يرهب، ولا يلتفت إليه ] . أي: إلى مكرهم.
[ وقوله: يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ [الرعد:42]، من خير وشر، فأين مكر من لا يعلم من مكر من يعلم كل شيء؟ فسوف يصل بالممكور به إلى حافة الهلاك وهو لا يشعر، أفلا يعي هذا كفار قريش فيكفوا عن مكرهم برسول الله ودعوته؟!
وقوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:42]، أي: سيعلم المشركون خصوم التوحيد يوم القيامة لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:42]، أي: العاقبة الحميدة لمن دخل الجنة وهو محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه، أو لمن دخل النار وهم دعاة الشرك والكفر وأتباعهم.
وقوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا [الرعد:43]، أي: يواجهونك بالإنكار عليك والجحود لنبوتك ورسالتك، قل لهم يا رسولنا: الله شهيد بيني وبينكم، وقد شهد لي بالرسالة وأقسم لي عليها مرات في كتابه مثل: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس:1-3]، وكفى بشهادة الله شهادة.
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ [الرعد:43] الأول التوراة والإنجيل وهم مؤمنو أهل الكتاب من اليهود والنصارى كـعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي والنجاشي وتميم الداري ] رحمهم الله، وغفر لهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر