إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 61للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • غزوة أحد من الغزوات العظيمة في السيرة النبوية والجهاد الإسلامي ضد أهل الشرك والوثنية، وقد كانت بقيادة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد أبلى فيها بلاءً حسناً، وأظهر فيها شجاعة لا تبارى، وكان لأصحابه رضي الله عنهم فيها مواقف مشرفة، كما كان للمنافقين وأذيالهم مواقف مخزية، وكل سيجازى بعمله، وفيها دروس وعبر عظيمة ينبغي أن تكون نبراساً لنا في حياتنا وجهادنا ضد أعداء الله من اليهود والنصارى وأذنابهم.

    1.   

    المواقف المشرفة في غزوة أحد

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى المواقف المخزية في غزوة أحد، هذه الغزوة التي تعتبر من أجلّ الغزوات وأعظمها، وقد جاء ذكرها في عشرات الآيات من سورة آل عمران، ودرسنا ما شاء الله منها وانتهينا إلى مواقف مشرفة، فعرفناها ولا بأس أن نشير إليها على عجل لننتقل إلى المواقف المخزية.

    إذاً: كان هناك مواقف مشرفة هنيئاً لأهلها، ومواقف مخزية فيا حسرة أهلها، وهذا كله للعظة والعبرة. اللهم لا تحرمنا العظات ولا العبر!

    أولاً: من المواقف المشرفة موقف أبي طلحة الأنصاري ، إذ وقف موقفاً لا يزال يذكر له ما بقي الإسلام والمسلمون، قال أنس رضي الله عنه: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مُجوّب عليه بجحفة له، وكان أبو طلحة رامياً، كسر يوم أحد قوسين أو ثلاثة، فإذا مر الرجل بجعبة من النبل يقول له: انثرها لـأبي طلحة ، ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم على القوم فيقول له أبو طلحة : بأبي أنت وأمي لا تشرف، يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك!!

    وكذلك موقف عائشة بنت أبي بكر الصديق فقد كانت تعالج المرضى، وموقف طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وموقف الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ومواقفه كلها مشرفة، وموقف أنس بن النضر الأنصاري الذي استشهد وكان يقاتل دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموقف آخر للحبيب صلى الله عليه وسلم وحياته كلها مواقف، وموقف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت تغسل جراح أبيها مع علي رضي الله عنه، وموقف عبد الله بن عمرو بن حرام الذي استشهد في هذه المعركة، وموقف حنظلة غسيل الملائكة، وموقف أم عمارة نسيبة ، فقد خرجت أول النهار تنظر ما يصنع الناس ومعها سقاء فيه ماء، فانتهت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والربح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله وباشرت القتال تذب بالسيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    باختصار هذه مواقف مشرفة، وقد مرت بنا، والآن مع مواقف ضدها محزنة مخزية.

    1.   

    المواقف المخزية في غزوة أحد

    قال: [مواقف مخزية: كانت تلك مواقف مشرفة لأهلها ولمحبيهم معهم] ونحن إن شاء الله نحبهم [وهذه مواقف مخزية لأهلها ولمحبيهم معهم أيضاً] ونعوذ بالله أن نكون من محبيهم [وأول هذه المواقف المخزية:]

    أولاً: موقف عبد الله بن أبي ابن سلول

    قال: [أولاً: موقف عبد الله بن أبي ابن سلول -رأس المنافقين بالمدينة- إنه ما إن خرج الجيش الإسلامي من المدينة في طريقه إلى أحد، وهو يشكك في صحة الجهاد وجدوى هذا الخروج، حتى استجاب له ثلاثمائة رجل من المنافقين وضعاف الإيمان، ورجعوا من الطريق، فخذلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الصادقين. فكان هذا موقفاً شر موقف وأخزاه لـابن أبي ومن والاه] فقد استخدم الطابور الخامس ونجح والعياذ بالله.

    وتذكرون أنه نقم لأنه كان يرى أن على المسلمين ألا يخرجوا إلى المشركين خارج المدينة، ووافق موقفه موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استجاب الرسول للأنصار والمهاجرين ولم يستجب له غضب، فحمل الحقد وأصبح ينفخ نفخة السوء والشر، فرجع من الطريق بثلاثمائة مقاتل.

    ثانياً: موقف مربع بن قيظي الأعمى

    قال: [ثانياً: موقف مربع بن قيظي الأعمى عليه لعائن الله] وقد عرفتم عنه [إنه لما مر ببستانه الجيش الإسلامي] في طريقهم إلى أحد [بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع بحس الجيش، وعرف أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو قائده، رفع حفنة من تراب وحصى] بيديه [وقال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك] والعياذ بالله! هذا مربع بن قيظي [وقال: إن كنت رسولاً فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي] بستاني، وهو منافق [فكان موقف هذا المنافق الأعمى القلب والبصر أخزى موقف وأقبحه على الإطلاق].

    وهذا لتعرفوا البشرية يا أبناء الإسلام وأحوالها! فالبشر هم البشر، منهم الطيب ومنهم الخبيث، منهم الأعمى ومنهم البصير، منهم المحق ومنهم المبطل، وكل هذا تهيئة وإعداداً للنزول الأخير، إما في الملكوت الأعلى، وإما في الدركات السفلى، وتنطوي صفحة الحياة كلها، فلا بد من الطيب والخبيث.

    ثالثاً: موقف أبي عامر الذي لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاسق

    قال: [ثالثاً: موقف أبي عامر الذي لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاسق بدلاً عن الراهب الذي كان يعرف به في الجاهلية قبل الإسلام] فقد تنصّر وأصبح راهباً، وجاء يوم أحد للفتنة، وكان يعرف بالراهب في الجاهلية [إنه وقف -لعنه الله- بين الصفين صبيحة يوم أحد] بين صف المؤمنين والمشركين [ونادى قومه وتعرف إليهم] أنه فلان [وحرضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين] بوقاحة وجرأة [فوقف موقفاً مخزياً، ولذا أجابه رجال من الأنصار بقولهم: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق! فقال -لعنه الله-: لقد أصاب قومي بعدي شر] أي: تغيرت عقولهم وقلوبهم؛ لأنه كان خارج المدينة، فلما ناداهم وحرضهم على قتال الرسول صلى الله عليه وسلم أجابوه: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق! فقال: قد أصاب قومي بعدي شر، يعني: تغيرت نفوسهم [وقاتل مع المشركين قتالاً شديداً، فكان بئس الموقف، وموقف هذا الفاسق لا ينسى له الدهر كله] هذا أبو عامر الراهب الذي لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاسق، وهو -والله- كذلك.

    مداخلة: أين عمر منه؟

    الشيخ: عمر في صفوف المقاتلين. وصفوف المقاتلين ليست كصفوف الصلاة، فالمجاهدون كانوا على سفح أحد والمشركون بمسافة أمامهم، وهذا الفاسق وقف في الوسط رافعاً صوته ليبلغ الأنصار من أهل المدينة ما يريد، فليس لـعمر أن يخرج بدون إذن القائد صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هناك مبارزة فإنها لا تكون إلا باسم القائد وإذنه. وعلى كل حال! سنبلغ عمر إن شاء الله إذا التقينا.

    رابعاً: موقف هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان

    قال: [رابعاً: موقف هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان : إنها بإغرائها] أغرت وحرشت وحشي على قتل حمزة [وبإثارتها الحماس في جيش المشركين وبتمثيلها بقتلى المسلمين، وببقرها بطن حمزة وأكلها كبده -وإن لم تبتلعها لعدم قدرتها عليها- بهذا قد وقفت شر موقف وأخزاه، ولولا أن من الله تعالى عليها بالإسلام لكانت مع أبي بن خلف وأبي جهل في جهنم، ولكن رحمها الله، فأسلمت وحسن إسلامها ونُسي لها موقفها هذا؛ لأن الإسلام جبَّ ما قبله] الإسلام يقطع ما قبله، فهذه هند رضي الله عنها وأرضاها امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه أسلمت وأسلم زوجها ودخل الكل في رحمة الله.

    إذاً: هذه المواقف مخزية حقاً، وهي شر المواقف، وتقابلها المواقف المشرفة، وهكذا الناس منهم الصالح والطالح، فهذا يقف موقفاً يُسعد ويشرّف، وهذا يقف موقفاً يُخزي ويذل ويهين، والأمر يرجع إلى الله عز وجل.

    1.   

    نتائج وعبر من غزوة أحد

    قال: [نتائج وعبر: إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نجملها إزاء الأرقام التالية:]

    أولاً: صدق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم

    قال: [أولاً: صدق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، إذ رأى في منامه ثلماً في سيفه] رأى رؤيا، ورأى في سيفه انثلاماً وانكساراً [فأوله] صلى الله عليه وسلم [بموت بعض آل بيته، فمات حمزة رضي الله عنه، وعبد الله بن جحش ابن عمته] وصهره أخو زينب رضي الله عنه وأرضاها.

    مات هؤلاء كلهم ونحن ماذا ننتظر؟ هل عندنا صكوك بأن لا نموت؟ لا. سوف نموت. وما الذي سيقابلنا؟ يقابلنا أعمالنا فقط. فمن استطاع أن يصلح عمله فليفعل، وإلا فالموقف فوق ما نتصور، فاعملوا على تزكية أنفسكم وتطهيرها بمواد التطهير، بهذه العبادات المقننة تقنيناً كيماوياً، فهي أدوات التزكية والتطهير، واحذروا أدوات التخبيث والتلويث والتدمير، وهي كل معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإنها تحول النفس البشرية إلى أنتن من أرواح الشياطين، وحكم الله الصادر: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

    ثانياً: رد عين قتادة بعد أن تدلت على وجنته

    قال: [ثانياً: رد عين قتادة بعد أن تدلت على وجنته، فأصبحت أحسن منها قبل إصابتها وتدليها بعد خروجها، فكانت آية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم] قتادة هذا الصحابي رضي الله عنه أثناء المعركة ضرب في رأسه فخرجت عينه وتدلت إلى وجنته، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها ومسحها فعادت والله أكثر إشراقاً وإضاءة واستنارة مما كانت عليه قبل الحادثة، وهذه آية من آيات النبوة تنطق بأن محمداً رسول الله، وهي دليل على رسالته صلى الله عليه وسلم، كيف ترد عين بعدما خرجت وتدلت وليس هناك من بلسم ولا دواء إلا قدرة الله عز وجل وتأييده بذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم؟!

    ثالثاً: قتل النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف

    قال: [ثالثاً: قتل النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف ] هذا الطاغية المجرم، المشرك الكافر، وكان قد توعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل في مكة، وأُعلم أنه سيقتل على يد محمد صلى الله عليه وسلم، وأنكر ذلك وكابر وعاند وجاء للحرب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة [وكان قد أخبر به في مكة قبل الهجرة، وتم كما أخبر فكان آية النبوة المحمدية، ولم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم أحداً سواه] في حروبه كلها السبعة عشر ما قتل أحداً إلا أبي بن خلف [وشر الخلق من قتله نبي] شر الخلق على الإطلاق من قتله نبي من الأنبياء [كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم] وكان قد قتله صلى الله عليه وسلم عندما جاء يهاجمه وهو بين أصحابه بعدما انتهت المعركة، فأخذ الرسول حربة من يد أحد أصحابه وضربه بها في ترقوته، فخار كما يخور الثور، وسقط ومات في الطريق عليه لعائن الله.

    رابعاً: تقرير مبدأ الشورى

    قال: [رابعاً: تقرير مبدأ الشورى] الديمقراطية التي يتغنى بها الملاحدة، وهل عرفت الدنيا شورى كما عرفها الإسلام؟ وكون المسلمين ضلوا الطريق وتاهوا في متاهات وغشاهم الجهل وأضلهم وأعماهم فلا يُسب بذلك الإسلام أبداً، فالإسلام هو أول من قرر الشورى في الحكم، أما قال تعالى لرسوله: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159] وامتدح المؤمنين -تعالى- قائلاً: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]، والرجل منا يستشير امرأته، ويستشير أولاده، ويستشير جيرانه، والمؤمن الحازم لا يقدم على أمر ذي أهمية حتى يستشير، والقاعدة وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم ولن تستطيع يد البشرية أن تربطها إذ قال: ( ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد ) هل عرف علماء الاقتصاد هذا؟ والله ما عرفوا، يذهب من يدرس ويتخرج على أيدي الملاحدة وأعداء الإسلام والمسلمين ليصبح رجل اقتصاد، والرسول قال كلمة فقط: ( ما عال من اقتصد )، فالذي يقتصد في لباسه وطعامه وشرابه ومنامه وفي حياته لا يفتقر، والفقر الذي أصاب المسلمين وحطمهم علته عدم الاقتصاد، سواء كان راتبه ألف أو عشرة يسرف ويعبث ثم يمد يده أو يحاول أن يسرق أو يأخذ الرشوة!!

    والشاهد عندنا: لِم نُحرم العيش على هدي النبوة المحمدية، ونعيش على فهوم وأفكار وأباطيل ودعاوى هابطة لاصقة بالأرض؟ بكم يشترى هذا الحديث؟! وأنا أقول: قولوا لعلماء الاقتصاد أن ينقضوا هذا: ( ما عال من اقتصد ) وهو حديث واحد من آلاف الأحاديث، كل هذا تركه المسلمون وهجروه وما سمعوا به ولا عرفوه، وليس فيهم من يقول: أنا والحمد لله وفقت للاقتصاد، فما استقرضت ولا استلفت ولا سرقت ولا كذبت ولا طالبت أحداً، وما أعطانيه الله عشت عليه عشرات السنين، هل فيهم أحد وقف هذا الموقف؟! لكن أنا والحمد لله ما استلفت من أحد طوال حياتي، إلا مرة واحدة حاولت فيها ولم أنجح، هذا وأنا صاحب أسرة، وراتبي أقل الرواتب من بدايته، فالحمد لله، عرفنا هذا المبدأ ونحن أطفال بعد أن تعلمناه في المسجد، كنا نعيش على التمر والناس يطلبون ويهرجون ونحن نكتفي بتمرنا، كان الناس يطلبون اللبن ونحن عنزتنا تكفينا، لا نطلب لبناً من غيرها، وهكذا.. بينما نرى المسلمين من حولنا يتخبطون.

    لقد بلغني أن أحد الأبناء اشترى ثلاث سيارات أو أربعاً ليبيعها مرة أخرى ببخس! ما حملك على هذا يا عبد الله! جع كما جاع رسول الله واصبر، لف جسمك في خرقة واصبر حتى يفرج الله، لكنه لم يفهم الاتجاه الإسلامي الحقيقي أبداً.

    قال: [إذ استشار صلى الله عليه وسلم أصحابه في قتال المشركين خارج المدينة أو داخلها وأخذ برأي الأغلبية] والقصة مرت [وسجل حكمة انتفع بها كل من أخذ بها من مؤمن وكافر وهي قوله: ( ما كان لنبي أن يضع لأمته على رأسه، ثم يضعها قبل أن يحكم الله بينه وبين عدوه ) إنها آية العزم والحزم والصدق] وقد انتفع الكفار بهذا.

    ذكر الشيخ رشيد رضا عن شيخه محمد عبده رحمة الله عليهما: أن ثورة قامت في السودان -سودان النيل- تريد الحكم، فبلغ الأمر بريطانيا فتحركت وهي الحاكمة المسيطرة على مصر والسودان وغيرها، فلما علم الشيخ محمد عبده تغمده الله برحمته تحرك بريطانيا خاف على إخوانه في السودان -لا أقل ولا أكثر- فأبرق ببرقية يسترحم ويستعطف فيها رئيسة الحكومة أو رئيس الحكومة البريطانية متعهداً هو بإطفاء هذه النار، ولا حاجة إلى أن تبحر بريطانيا وتأتي بجيشها لتدمر المسلمين، فاعتذرت الحكومة وردت عليه بأن بريطانيا إذا أبحرت بجيوشها لا ترجع حتى تنفذ مأموريتها!

    وليست هذه الأولى، فما ارتقت بريطانيا ولا فرنسا ولا العالم الأوروبي إلا على هداية محمد وأنوار الإسلام -والله العظيم- وإن كانوا يصوغون صياغة ثم ينسبونها إلى رجالاتهم، فالقانون الفرنسي الاجتماعي السياسي أخذ (75%) منه من خليل المالكي وهذا باعترافهم، فالفقه المالكي فقه محترم، وكتاب خليل بن إسحاق يعتبر أعظم كتاب في الفقه المالكي، ثم نسب بعد ذلك هذا العمل إلى رجالاتهم، ولا تقل كيف، فقد كانوا أمة هابطة كالبهائم والحيوانات، ما عرفوا النور ولا سمعوا به حتى لاح في العالم، وخاصة لما انتقل الإسلام إلى غرب أوروبا وشرقها، ومن ثم أخذوا يتمنطقون بالشورى والديمقراطية وكأننا لا نعرفها!!

    والآن نطالب المسئولين في بلادنا -وهي أطهر بلاد برحمة الله- فإذا بلغهم خبر أو رفعت لهم قضية عليهم أن لا يقبلوها سجالاً، بل لا بد من التثبت وسؤال أهل البصيرة والمعرفة، حتى لا يقعوا في الخطأ ثم يتأسفون بعد ذلك.

    وأقول: حتى أنت في بيتك استشر زوجتك قبل أن تشتري شيئاً أو ترده، والأخ يستشير أخاه في أي عمل؛ لأن كل إنسان في حاجة إلى نور قد يوجد عند غيره، وما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، وكم من أخطاء نقع فيها؛ لأننا نستقل برأينا أو بفهمنا، أو يأتي لنا شخص برأي هابط ويغشنا فنأخذ به ونتورط.

    خامساً: بيان شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم القلبية والعقلية

    قال: [خامساً] خامس النتائج والعبر لمن يجنيها ويريدها، أما المسلمون الذين ماتوا فلا يسألون عن هذا، ولا يفرحون به [بيان شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم القلبية والعقلية] فالشجعان بعضهم شجعان قلوب، وبعضهم شجعان عقول، وشجاعة العقل أعظم من شجاعة القلب؛ لأن الأسود والنمور عندها شجاعة قلب، ولكن شجاعة العقل أعظم وأولى، وتتجلى هذه في نبينا صلى الله عليه وسلم.

    [فقد تجلت في مواقف عديدة له صلى الله عليه وسلم منها: أنه لم يثن عزمه رجوع ابن أبي بثلث الجيش] ووالله لولا شجاعته القلبية والعقلية لقال: هيا نرجع! لقد قلنا لكم: علينا أن نقاتل في المدينة، فقلتم: نخرج وها هو نصف جيشكم راح!!. ولو كنت أنا -والله- لقلت هذا؛ لأنه طالبهم صلى الله عليه وسلم بأن يقاتلوا العدو في المدينة، فيرجمه النساء والأطفال من أسطح البيوت بالحجارة، ويتوزعون فيها فلا ينفعون بشيء، وأنه أولى من أن يخرج إليهم لكن الجماعة الموجودين رفضوا، فقال لهم النبي: تفضلوا، فلما خرجوا وفي أثناء الطريق رجع ابن أبي بثلاثمائة معه وهو ثلث الجيش تقريباً.

    إذاً: لو كان غير الرسول ممن لا شجاعة عقلية عنده ولا قلبية لقال: الحمد لله، الآن عرفتم؟! هاهو ثلث الجيش قد رجع، فهيا نرجع ونقاتل في المدينة. لكنه صبر صلى الله عليه وسلم ومضى في طريقه إلى أحد.

    [وثباته صلى الله عليه وسلم في المعركة أيضاً بعد أن فر الكثير من أصحابه] هربوا وهو ثبت، حتى قال شجعانهم كـعلي والزبير : كنا إذا حمي الوطيس والتهبت نار الحرب نحتمي بالرسول صلى الله عليه وسلم.

    فالشجاعة العقلية في عدم رجوعه، والقلبية في كونه يقف في وجه الأعداء وهم يضربونه ومن ورائه الأبطال يحميهم، وما هرب كما هرب أصحابه بل ثبت صلى الله عليه وسلم.

    قال: [وانتفاضته وهو مثقل بجراحاته وطعنه أبي بن خلف طعنة خار لها كالثور وسقط منها كالجبل ومات في طريقه] جلس الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر المعركة مع أصحابه أبو بكر عمر على سفح الجبل على صخرة، فجاء الطاغية أبي بن خلف يريد أن يشفي صدره بقتل محمد صلى الله عليه وسلم، فالصحابة خافوا واندهشوا، بينما قام الرسول وانتفض انتفاضة الأسد وأخذ حربة وضربه بها في ترقوته فخار كما يخور الثور. وهذا موقف شجاع منه صلى الله عليه وسلم!

    سادساً: بيان كمال قيادته العسكرية صلى الله عليه وسلم

    قال: [سادساً] من النتائج والعبر لو أن المسلمين أخذوا بها [بيان كمال قيادته العسكرية] الرسول كان قائداً، ووالله ما اكتحلت عين الوجود بأعلم بالحرب من الرسول صلى الله عليه وسلم. من أي كلية تخرج؟ من بريطانيا؟ أم من كلية يوغسلافيا أيام الشيوعية؟ ولو كنا قادة حربيين عسكريين كرسول الله كيف يغلبنا جماعة اليهود ويذلوننا ويكسرون أنوفنا؟ أين قياداتنا ورجالنا؟ ولكن عرف اليهود من أين تؤكل الكتف، وأن النور الإلهي إذا بقي في الأمة فإنهم لن يستطيعوا أن يفتحوا أعينهم أبداً في وجهها، فقالوا: أطفئوا هذا النور. وحولوا القرآن إلى الموتى، والسنة للبركة، وقسموا الأمة إلى مذاهب وطوائف وأقاليم، ويومها رفعوا رءوسهم.

    قال: [ويتجلى ذلك بوضوح في اختياره مكان المعركة وزمانها، وفي وضعه الرماة على جبل الرماة، ووصيته لهم بعدم مغادرة أماكنهم مهما كانت الحال ولو رأوا الموت يتخطف إخوانهم في المعركة، ويدل على هذا أن الهزيمة النكراء التي أصابت الأصحاب كانت نتيجة تخلي الرماة عن مراكزهم كما مر في عرض المعركة وتسجيل أحداثها].

    أما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرماة: ( الزموا أماكنكم سواء كانت لنا أو علينا )، ولو بقوا في أماكنهم لما وقع شيء أبداً من الهزيمة، ولَما جرح الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا قتل فلان وفلان من الصحابة رضوان الله عليهم؛ لأن أول المعركة كانت لأصحاب رسول الله، وفر المشركون بصورة عجيبة، وفر بعدهم نساؤهم، فلما رأى خالد بن الوليد نزول الرماة عن الجبل وأنه قد خلا إلا من قليل احتله وكانت الهزيمة.

    قال: [وفي إرساله -أيضاً- علياً رضي الله عنه يتتبع آثار الغزاة للتعرف على وجهتهم إلى المدينة أو إلى مكة ليتحرك بحسب ما يتطلبه الموقف] أي أية سياسة أعظم من هذه؟ لما مشى المشركون وما عرف الرسول وجهتهم، فلعلهم يعودون إلى المدينة لأخذ الأموال وقتل النساء والأطفال -وإن كان العرب لا يقتلون النساء والأطفال- كلف علياً بأن يتبعهم، ليرى هل يعودوا إلى المدينة لإتمام المسلمين أم أنهم اكتفوا بذلك وهم في طريقهم إلى مكة. وهذه حنكة وقيادة وبصيرة.

    سابعاً: رحمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

    قال: [سابعاً: مظاهر رحمة الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث تجلت في عفوه عن الأعمى الذي سبه ونال منه حتى همّ أصحابه بقتله فأبى عليهم وقال: ( دعوه فإنه أعمى القلب أعمى البصر )] هذا الأعمى أخذ تراباً من الأرض وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أعلم أني لا أصيب به غيرك لرميتك به، وقال: كيف تمر بخيلك على بستاني وأنت تدعي النبوة، وهمَّ أصحابه صلى الله عليه وسلم بأن يقتلوه فقال: ( دعوه فإنه أعمى القلب أعمى البصر )، وهذا من الرحمة المحمدية.

    قال: [وفي قوله -وهو يجفف الدم السائل من وجهه الكريم الشريف-: ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )] كان يمسح الدماء صلى الله عليه وسلم وهي تسيل من وجنتيه ورأسه قائلاً: ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ). أي رحمة أعظم من هذه؟

    تعالوا إلى الجزائر الآن، وانظروا كيف يأكل بعضهم بعضاً، وباسم الإسلام أيضاً، والإيمان والجهاد!! أتجاهدون المسلمين؟ من أذن بالجهاد في بلاد المسلمين؟ إلا اليهود فقط، إن الجهاد هو قتال الكفار بعد خطوات لا بد منها، فبعد أن نرسو بسفننا على شواطئهم نعرض عليهم ثلاثة أمور: إما الدخول في الإسلام، وإما السماح لنا بالدخول إلى ديارهم لتعليم الأمة وإنقاذها وإرشادها من جهلها وكفرها، وإما أن نقاتلهم ليس أن نقتلهم فقط.

    والآن تخرج جماعات في بلاد المسلمين تسمى كتائب الإيمان يقاتلون المسلمين، ويقولون: هذا جهاد؟! أتقاتل المسلمين وتسميه جهاداً؟ وأمس لامني بعض الغافلين وقالوا: كيف تقول كتائب الكفر وهم كتائب الإيمان؟ آه! ماذا نصنع؟ ما ربينا في حجور الصالحين، ولا تعلمنا الهدى من آبائنا وأمهاتنا!

    قال: [وفي بكائه صلى الله عليه وسلم على عمه عندما وضع بين يديه ليصلي عليه حتى أغمي عليه من شدة الوجد والبكاء] لما وضع حمزة بين يديه ليصلي عليه بكى وبكى حتى أغمي عليه صلى الله عليه وسلم. أية رحمة أعظم من هذه؟!

    ثامناً: صبره صلى الله عليه وسلم

    قال: [ثامناً: مظاهر صبره صلى الله عليه وسلم، وقد تجلى صبره بوضوح في عدم جزعه لما أصابه وأصاب أصحابه من آلام وأحزان، ومن فوات النصر الذي قاربه في أول النهار وخسره في آخره حيث انقلب إلى هزيمة مرّة وانكسار خطير].

    تاسعاً: بيان الآثار السيئة لتقديم الرأي على قول الرسول

    قال: [تاسعاً: بيان الآثار السيئة لتقديم الرأي على قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان من عوامل الهزيمة إصرار الصحابة على رأيهم في القتال خارج المدينة، في الوقت الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى عدم الخروج حتى ألجئوه إلى أدراعه ولباس لأمته، ثم ندموا فلم ينفع ندم] ولا يحل لثلاثة أنفار أن يستبدّ كل منهم برأيه، فكيف لأمة لا تولي من يأمرها وينهاها؟ أو أنها توليه ثم تفسق عنه وتخرج عن طاعته! كيف تنتصر؟ إن الإسلام لا يبيح أبداً أن يعيش المسلمون بلا إمام يقودهم، والذي يلعن الإمام أو ينتقده أو يطعن فيه فاسق خارج عن جماعة المسلمين.

    عاشراً: بيان أن الرغبة في الدنيا وطلبها بمعصية الله والرسول هي سبب كل بلاء ومحنة

    قال: [عاشراً: بيان أن الرغبة في الدنيا وطلبها بمعصية الله والرسول هي سبب كل بلاء ومحنة تصيب المسلمين في كل زمان ومكان] أخذنا هذا من غزوة أحد؛ لأنه لما انتصر الإسلام في أول النهار ثم هبط المسلمون لجمع الغنائم كانت الهزيمة.

    الحادي عشر: بيان صدق وعد الله للمؤمنين بالنصر

    قال: [الحادي عشر: بيان صدق وعد الله للمؤمنين بالنصر؛ إذ ظهر ذلك في أول النهار، قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [آل عمران:152]] ثم حصل الذي حصل ..

    الثاني عشر: بيان عقوبة الله تعالى للمؤمنين لما عصوه

    قال: [الثاني عشر: بيان عقوبة الله تعالى للمؤمنين لما عصوه بترك الرماة لمراكزهم الدفاعية وطلبهم للغنيمة، ولما تساءلوا عن سبب هزيمتهم أجابهم الله تعالى بقوله: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]] ومن يرد على الله؟! قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165] [وهو ظاهر قوله تعالى: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152] أي: من النصر مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152]] هل عرف المسلمون هذا؟ لا. إنهم مشغولون بالأغاني.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954480