أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بعقائدها وآدابها وأخلاقها وعباداتها وأحكامها، واذكروا قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ). فيصبح يعرف محآب الله ومكارهه، وكيف يؤدي المحآب ويفعلها، وكيف يبتعد عن المكاره ويتجنبها، ويقول: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ). والمسلمة قطعاً تابعة لأخيها المسلم.
وها نحن مع سنن الحج.
قال: [ السنن: هي الأعمال التي لو تركها المحرم لا يجب عليه فيها دم ] ولا صيام ولا إطعام [ ولكن يفوته بتركها أجر كبير ] فعلى المحرم أن لا يفوت على نفسه هذا الأجر، والسنن: جمع سنة، وهي: الطريقة المستعملة [ وهي: ]
إذاً: قل: اللهم صل على محمد وآله وسلم تسليماً، وأعذني يا رب من النار وأدخلني الجنة! فاجمع بينهما.
هذه هي السنن التي فيها أجر، ومن تركها لا عقوبة عليه، ولكن من فعلها يثاب عليها ويعظم أجره.
[ ثالثاً: المحظورات ] بمعنى: الممنوعات، أي: أنها أمور لا تحل أبداً ولا يفعلها المحرم [ المحظورات: هي الأعمال الممنوعة، والتي لو فعلها المؤمن لوجب عليه فيها فدية دم أو صيام أو إطعام ] فالمحظورات جمع محظور، أي: ممنوع، فهذه المحظورات من فعل واحدة منها وجب عليه فدية إما دم أو صيام أو إطعام ستة مساكين كما يأتي [ وتلك الأعمال هي ]
الخمس الأولى: من فعل واحداً منها وجبت عليه فدية، وهي: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين مد ] أي: حفنة، أو اثنين كيلو من الطعام [ من بر ] أو غيره [ أو ذبح شاة ] فهو مخير بين هذه الثلاثة، بين الصيام أو الإطعام أو ذبح شاة؛ وذلك [ لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] ] والنسك: هو الذبح، فمن كان منكم مريضاً واضطر إلى أن يلبس الثياب أو يقص شعره أو غيرها فعليه واحدة من هذه [ وأما قتل الصيد ] وقد تقدم لنا حرمة الصيد في البر [ ففيه جزاؤه بمثله من النعم؛ لقوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] ] فإذا كان غزالاً فيساوي كبشاً، وهكذا بحسب قيمته؛ لقوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] [ وأما مقدمات الجماع فإن على فاعلها دماً، وهو ذبح شاة ] فهو ليس كالمحظورات الأخرى، بل لا بد من هذا الحد؛ خشية أن يتورط الناس في هذا، ويفسد حجهم، فمن تقدم لامرأته يقبلها أو يضاحكها أو يجس جسمها تلذذاً بها وجب عليه دم، ولا يحل هذا أبداً، وهو حرام [ وأما الجماع فإنه يفسد الحج بالمرة ] فلا يبقى الحج، بل يحج من عام آخر [ غير أنه يجب الاستمرار فيه حتى يتم، وعلى صاحبه بدنة، أي: بعير، فإن لم يجد صام عشرة أيام، وعليه مع ذلك القضاء من عام آخر؛ لما روى مالك في الموطأ: أن عمر بن الخطاب ] رضي الله عنه [ وعلي بن أبي طالب ] رضي الله عنه [ وأبا هريرة ] رضي الله عنه [ سئلوا: عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج؟ فقالوا: ينفذان يمضيان ] هو وهي [ لوجههما حتى يقضيا حجهما، ثم عليهما حج ] من [ قابل والهدي ] هذا إذا كان الجماع قبل الوقوف بعرفة، وأما بعد الوقوف بعرفة في مزدلفة أو منى قبل الإفاضة ففيه عمرة وذبح شاة، والحج لا يعاد؛ لأن الحج عرفة، فما دام وقف بعرفة فالحج قد تم، وعليه أن يأتي بعمرة ثم يفيض طواف الإفاضة، وعليه ذبح شاة [ وأما عقد النكاح وخطبته وسائر الذنوب كالغيبة والنميمة وكل ما يدخل تحت لفظ الفسوق ففيه التوبة والاستغفار؛ إذ لم يرد عن الشارع وضع كفارة له سوى التوبة والاستغفار ] فعقد النكاح وخطبة المرأة للزواج والغيبة والنميمة وكل ما يدخل تحت الفسوق من الظلم والاعتداء وغيرها مما لم يرد فيه كفارة يجب فيه التوبة والندم والاستغفار. وأما التدخين فمعصية كبيرة، كالذي يشرب الخمر وهو حاج أو معتمر، فإثمها عظيم فعليه أن يتوب ويستغفر ويندم.
الجواب: إذا اغتسل ولبس الإزار والرداء وكشف رأسه ولبس نعلين وصلى ركعتين أو صلى فريضة، وقال: لبيك اللهم لبيك، فمن هنا يبتدئ يلبي ما استطاع ويدعو ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما علمتم حتى يفرغ من عمرته، فإذا دخل المسجد الحرام يقطع التلبية؛ لأنه وصل إلى البيت، فيطوف ويصلي ركعتين خلف المقام ويذهب إلى المسعى يسعى، فإذا سعى قصر من شعره أو حلق رأسه وتمت عمرته. فالتلبية تبتدئ من الإحرام إلى أن يدخل المسجد الحرام حتى يشاهد الكعبة.
الجواب: ما وضع الشارع لها لباساً خاصاً، بل يكفي اللباس الذي يستر جسمها ولا يلفت النظر إليها، فلا تتطيب ولا تتجمل ولا تلبس أحسن الثياب أبداً؛ حتى لا تلفت النظر إليها، هذا هو إحرامها.
الجواب: تبقى في منى، وتقف بعرفة، وتنزل بالمزدلفة، وتبقى في منى حتى تطهر، فإذا انتهت أيام منى فتدخل مكة مع أهلها أو مع محرمها حتى تطهر، ثم تغتسل وتطوف طواف الإفاضة وتسافر، وإذا كانت كالمدينة قريبة والطائرات متوفرة وعندها قدرة وحاضت وتحتاج إلى سبعة أيام أو ثمانية في الحيض فلها أن تأتي محرمة إلى المدينة وتبقى على إحرامها، فإذا طهرت اغتسلت وعادت إلى مكة وطافت طواف الإفاضة.
الجواب: له ذلك، ويجوز.
الجواب: يجوز إن كانت هي طافت طواف الإفاضة وهو طاف طواف الإفاضة، فهي ( أيام أكل وشرب وبعال )، كما في الحديث.
الجواب: ما يجوز، فما دام فيه رائحة طيبة فهو الطيب، والمحرم ما يستعمله أبداً.
الجواب: لا يجب عليه غسل ولا وضوء، ولكن يستحب الغسل، فيستحب له أن يغتسل ما دام باشر الميت والبول والأشياء الأخرى، فتبقى نفسه دائماً مريضة، فالأفضل له أن يغتسل، فهو أطيب لنفسه.
الجواب: لا، لا يوجد هذا إلا في المسجد النبوي، فلو صلى في مسجد قريب من المسجد النبوي بعشر خطوات ليس له ألف، ولكن صلاته كالعادة، فلا بد من هذا المسجد، وكذلك المسجد الحرام، فلو صلى في أي مسجد من مساجد مكة غير المسجد الحرام فصلاته كالصلاة العادية، فالمسجد الحرام هو الذي فيه الكعبة، والذي قرر هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( صلاة في المسجد الحرام ). ولم يقل في مكة، ( بمائة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي هذا - يشير إليه- بألف صلاة، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة ). فلو صليت في أي مسجد في مكة أو المدينة فليس لك هذا العدد إلا إذا صليت في المسجد الحرام فتكون لك بمائة ألف، وفي المسجد النبوي بألف صلاة.
وإن قلت: ها قد اتسع المسجد فنقول: ائتسينا بـعمر إذ قال رضي الله عنه لما زاد في المسجد: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بلغ صنعاء، فما دام تابعاً للمسجد وزاد واتسع فلا حرج، والمسجد على عهد الرسول كان صغيراً، وزاد فيه عمر وعثمان وغيرهما ووسعوه، ولا حرج. وخادم الحرمين أضاف هذه الزيادة وكانت أسواقاً، فأصبحت كلها مسجداً، والحمد لله. وجزى الله خادم الحرمين خيراً. وهنيئاً له هنيئاً له، فـ( من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له قصراً في الجنة ). فمن بنى هذا المسجد هكذا فهنيئاً له ولإخوانه.
الجواب: عليك أن تذبح شاة للفقراء والمساكين على الفور في أي مكان، وإذا لم يكن عندك نقود فصم عشرة أيام.
ولو كان نسي القص والحلق وما قصر وما جامع زوجته أو ليس عنده زوجة وبقي على إحرامه فمتى ذكر يقص شعره ولا حرج، ولكن إذا كان متزوجاً وجامع فقد انتهى الأمر ولم يبق شيء إلا أن يذبح شاة، فإذا عجز فيصوم عشرة أيام.
الجواب: على كل محظورة فدية، ولو عشر، وذلك في اليمين فقط، فلو قال: والله لا آكل سبعين مرة فعليه كفارة واحدة؛ لأنه حلف على شيء واحد، وأما إذا قال: والله لا آكل، والله لا أشرب، والله لا أبيت عندكم فكل واحدة عليها كفارة.
كذلك المحظور إذا فعل محظوراً واحداً عدة مرات كأن يحلق أو يقصر عدة مرات فعليه كفارة واحدة، لكن إذا لبس وغطى رأسه وفعل غيرهما فكل واحد عليه كفارة.
الجواب: ما ينبغي لها، لا ذهب ولا طيب ولا حرير، بل تبقى أربعة أشهر وعشرة أيام معتدة في بيتها، وأما أن تتطيب وتتجمل وتلبس الملابس الحسنة فلا يجوز أبداً.
الجواب: لا يجوز، بل هو مكروه، إلا إذا سقطت عمامته وأصلحها، أو سقط ثوبه وأصلحه فلا حرج، وأما أن يكون مشغولاً بلحيته وغيرها فهذا مكروه، لا ينبغي، فهذا يتنافى مع الخشوع، فالخشوع سكون كامل كالميت بين يدي الله، فلا يتحرك.
الجواب: لا تبطل، وعليه أن يتقي الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويعوضه الله.
الجواب: السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن السلام عن اليمين واليسار، عن اليمين فرض وركن، فلو لم يسلم بطلت صلاته، والسلام على اليسار سنة مستحبة فيها أجر، وقد عرفنا الفرق بين الواجب والمستحب، فالتسليمة الأولى فرض وركن، فلو صليت أربع ركعات وما سلمت فصلاتك باطلة، بل لا بد من التسليم بقوله: السلام عليكم، وبهذا تخرج من الصلاة، ثم تسلم عن يسارك فهذا أفضل لك؛ حتى تسلم على الملائكة والمصلين الذين عن يسارك، وقد فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد فهم إخواننا أن السلام فرض فيكتفون بهذا الفرض، ولا يفعلون السنة، مع أن السنة أفضل والأجر فيها كثير.
الجواب: إذا كنت متعمداً فعليك هدي، ذبح شاة أو صيام عشرة أيام؛ لأنك تركت واجباً، وإذا كنت ناسياً فقصر ولا حرج، فإذا قصرت عندما ذكرت فلا بأس في ذلك، وأما إذا لم تقصر ولم تحلق شعرك متعمداً ولبست لباسك ثم قصرت فهذا لا يكفيك ولا يجزيك أبداً؛ وقد تركت واجباً، فعليك صيام عشرة أيام أو ذبح شاة.
الجواب: أولاً: عندما يطلع الفجر وينفلق الصبح، فلا نافلة هنا إلا رغيبة الفجر، فإذا لم تصلها قبل الصبح وتذكرت بعد أو أدركت الناس في جماعة في الصلاة فصليت معهم يجوز لك بعد السلام من الفريضة أن تقوم وتأتي بتلك الرغيبة، ولو أخرتها إلى الضحى أفضل. فالوقت الأول من الأوقات المنهي عن النافلة فيها لا الفريضة، فالفريضة تقضى في أي وقت، وليس لها وقت نهي، فالنوافل ينهى عنها من بعد صلاة الصبح إلى أن يظهر الإسفار شديداً، هذا وقت، ومن الاصفرار إلى أن تطلع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، أي: مترين. فهذان الوقتان الصلاة فيهما مكروهة ولا تنبغي.
وإذا وقفت الشمس في كبد السماء قبل الظهر بربع ساعة، هذا الوقت الثالث.
وبعد العصر إلى أن تصفر الشمس وتغرب، هذا الوقت الرابع.
وإذا اصفرت وغابت، هذا الوقت الخامس، فهذه الأوقات لا نافلة فيها، إلا تحية المسجد تصح بعد صلاة الصبح، فإذا صليت الصبح ودخلت المسجد تقرأ القرآن أو تستريح فيه فصل تحية المسجد، وإذا صليت العصر في مسجد ودخلت المسجد لقراءة العلم أو لغيره فصل تحية المسجد، اللهم إلا عند طلوع الشمس وغروبها فلا صلاة، بل تجلس ولا تقف في المسجد؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها بصلاة )، أي: مطلق صلاة. ولقد رأيت بعيني عابد الشمس في الهند واقفاً كالحجر والشمس تغرب، ونحن نشاهد، فلهذا إذا دخلت المسجد اجلس، ولا تبق واقفاً تنتظر حتى تغرب الشمس أو يؤذن المؤذن كما يفعل عباد الشمس، فلا يسعك إلا أن تجلس فقط، فإذا أذن المغرب فقم صل النافلة ولا حرج، فعند الطلوع وعند الغروب لا نافلة؛ حتى لا نتشبه بعباد الشمس، والشيطان يزين لهم ذلك، وكثير من إخواننا الآن قبل الغروب بخمس دقائق وهم يصلون النافلة، وهي مكروهة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها بصلاة ).
الجواب: الجمهور على أن حجه باطل، فيجب أن يعيد حجه، ومن خالف الجمهور يقول: عليه ذبح بدنة أو بقرة، ويجزيه ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر