أما بعد: تتمة لما سبق بالأمس في استكمال بقية الأحاديث الصحيحة في كتاب الجهاد لـابن أبي عاصم .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عينان لن تمسهما النار: عين بكت في جوف ليل من خشية الله تعالى) أي: وهو منفرد بربه، وهذا موطن الإخلاص لله عز وجل. قال: (وعين باتت تحرس سرية في سبيل الله).
فلو أن الجنود يعلمون قيمة هذا الكلام لما هربوا من الخدمة، ولتسارعوا جميعاً إلى الحراسة في سبيل الله عز وجل، وما عليهم إلا أن يصححوا نيتهم، وأن يعلموا أن هذا عمل مشروع في سبيل الله.
وعن أنس كذلك: (عينان لا تمسهما النار: عين باتت تكلأ المسلمين -أي: ترعى وتحرس المسلمين في سبيل الله- وعين بكت في خلاء من خشية الله) أي: في خلوة.
وعن سهل بن الحنظلية : (أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير -أي: تابعوا السير- حتى كان عشية، فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل فارس فقال: يا رسول الله! إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم) أي: بقبيلة هوازن قد جاءوا جميعاً.
أتت هوازن في غزوة حنين، واجتمعوا بنسائهم وإبلهم ومواشيهم وأموالهم في الوادي، ورآهم ذلك الرجل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله). وهذا تبشير بالنصر قبل وقوعه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يحرسنا الليلة؟ فقال
قال: (فلما أصبحت) القائل هنا سهل بن الحنظلية راوي الحديث.
قال: (فلما أصبحت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: هل حسستم فارسكم؟) أي: هل أحسستم بفارسكم الذي يحرسكم؟
قال: (فقال رجل: يا رسول الله! ما حسسنا، فثوب بالصلاة -أي: فأقيم لها- فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي يلتفت إلى الشعب حتى قضى صلاته وسلم. قال: أبشروا. فقد جاء فارسكم، فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله -أي: عند رسول الله صلى الله عليه وسلم- فسلم ثم قال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب يا رسول الله! كما أمرتني، فلما أصبحنا اطلعت الشعبتين -أي: رأيت الشعبتين كلتيهما- فنظرت فلم أر أحداً) أي: فلما ثوب بالصلاة وقد بدأ نور الفجر رأيت الناس ورأيت أنه لا يمكن أن ينال العدو منا نيلاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنزلت الليلة؟ قال: لا يا رسول الله! ما نزلت إلا مصلياً أو قاضي حاجة) أي: ما تركت مكاني إلا لصلاة الليل وقضاء الحاجة.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أوجبت) أي: قد وجبت لك الجنة. وهذا بسبب الحراسة في سبيل الله عز وجل.
قال: (فلا عليك أن لا تعمل بعد هذا) أي: لا يضرك ما عملت بعد ذلك من معصية، فإن العمل الذي عملته الآن -وهو حراسة المسلمين في سبيل الله- كفارة لذنوبك الماضية والمستقبلة.
وهذا فضل عظيم جداً للحراسة في سبيل الله عز وجل.
ثم قال: (ألا أخبركم بالذي يليه؟ -أي: في الخير والفضل رجل معتزل في غنيمة) رجل قد اعتزل الناس في غنم يرعاها (وأخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بالله ولا يعطى به). أي: دائماً يحلف بالله في سؤاله: بالله عليك يا فلان أعطني، والمسئول لا يعطي ولا يراعي حرمة هذا القسم، مع حرمة السؤال أو كراهة السؤال بوجه الله عز وجل، فكلاهما قد وقعا في الإثم.
أما قوله عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم بالذي يليه؟ رجل معتزل في غنيمة) فهذا عند عموم الشر وطغيانه؛ فيكون خير ما للمرء غنيمات يتبع بها شعف الجبال، وهذا في آخر الزمان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوس فقال: (ألا أخبركم بخير الناس؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: رجل ممسك برأس فرسه في سبيل الله حتى يُقتل أو يموت) فذكر نحو الحديث السابق.
وعن ابن عباس كذلك قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك فقال: (ما في الناس مثل رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله، ويجتنب شرور الناس، ومثل آخر باد أو بادي -أي: في البادية- في غنمه نعمة يقري ضيفه -أي يكرم ضيفه- ويعطيه حقه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بخير الناس منزلة؟ رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله عز وجل).
وهناك تعارض بينها وبين العشر الأواخر من رمضان؛ لعموم الأدلة هنا وهناك، وقد ربط ابن تيمية عليه رحمة الله بين أحاديث الخيرية في أيام العشر الأول من ذي الحجة، وفي العشر الأواخر من رمضان بأن الأيام في ذي الحجة خير من الأيام في رمضان، وأن الليالي في رمضان خير من الليالي في ذي الحجة.
قال: (ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام. يعني: عشر ذي الحجة. قيل: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل يخرج بماله ونفسه، ثم لم يرجع من ذلك بشيء)، فالجهاد مع عدم رجوع المرء لا بنفسه ولا بماله يعدل العمل الصالح في عشر ذي الحجة.
عبد الله بن الزبير يقول: أنا وعمر كنا نتناوب في الحصون النظر إلى العدو أو إلى الجيش، فكان مرة يطأطئ لي فأصعد على ظهره، ومرة أطأطئ له فيصعد على ظهري.
قال: (فرأيت أبي وهو يجول) أي: يذهب ويجيء في معسكر العدو، ويحمل على هؤلاء مرة وعلى هؤلاء مرة، وكأن جيش العدو كان على ميمنة وميسرة، فهو يحمل على الميمنة وعلى الميسرة وحده.
قال: (فلما رجع قلت: يا أبه! لقد رأيتك اليوم. قال: وقد رأيتني؟ لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: إيه فداك أبي وأمي) النبي عليه الصلاة والسلام لم يجمع أبويه قط إلا للزبير بن العوام ولـسعد بن أبي وقاص . قال لـسعد : (ارم فداك أبي وأمي) وقال للزبير بن العوام : (إيه فداك أبي وأمي) وهي كلمة تعجب أو غير ذلك.
وعن عتبة بن عبد السلمي قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالقتال قال: فرمى رجل بسهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب هذا) أي: بمجرد أنه يرمي ولو بسهم واحد وجبت له الجنة.
وهذا يدل على شرف الجهاد خاصة الطويل منه، إنسان يرابط حياته كلها لله عز وجل، أو يحرس في سبيل الله، أو يرمي في سبيل الله، أو يجاهد في سبيل الله بالليل والنهار، فإذا كان الذي يضرب بسهم واحد في سبيل الله قد وجبت له الجنة فما بالك بمن رمى بأسهم كثيرة؟
وعن شرحبيل بن السند أنه قال لـعمرو بن عبسة رضي الله عنه: يا عمرو ! حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رمى بسهم في سبيل الله بلغ العدو أو لم يبلغ كان له عدل رقبة).
قوله: (في سبيل الله) أي: ليس فيه رياء ولا سمعة، ولا أشر ولا بطر، وإنما فعل ذلك ابتغاء وجه الله وإعلاءً لكلمة الله عز وجل، والإخلاص عليه مدار العمل، وكذا اتباع السنة. قال: من فعل ذلك ولو مرة واحدة فهو كمن أعتق رقبة في سبيل الله عز وجل.
وعن أبي نجيح السلمي قال: (حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف. قال: فسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ فله درجة في الجنة) أي: فبلغ العدو وأصابه فله درجة في الجنة.
قال رجل: (يا نبي الله! إن رميت فبلغت فلي درجة؟ قال: نعم. فبلغ يومئذ ستة عشر سهماً) أي: أن الرجل حرص أن يكون له في الجنة أعلى الدرجات فحصل من المائة درجة ستة عشر درجة بستة عشر سهماً.
قال: وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر) أي: عدل رقبة حررها سيدها.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خرجت له شعرة بيضاء في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة). من خرجت له شعرة بيضاء في بدنه أو في شعره أو لحيته كانت له نوراً يوم القيامة، وهذا تحذير لمن خرجت له شعرة بيضاء أن يصبغها بالسواد، فهذا منهي عنه، أو شاب يريد أن يظهر الوقار فيصبغ شعره ببياض ليدل على كبر السن وحسن المنزلة وغير ذلك، ويصرف وجوه الناس إليه، فلا الصبغ للشباب بالبياض جائز ولا الصبغ بالسواد للشيب جائز، كلاهما قد نهى عنه الشرع، كما أن الشعر الأبيض نور يوم القيامة، فمن يريد أن يحرم نفسه هذا النور؟ وبعض الإخوة حينما يرى في لحيته شعرة بيضاء يقوم بأخذها، ويقول: ليكن شعري أسود دائماً. هذا لاشك مخالفة للشرع.
قال: (ومن رمى بسهم في سبيل الله أخطأ أو أصاب كانت له عتق رقبة من ولد إسماعيل) أي: رقبة مؤمنة.
وعن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شاب شيباً في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، ومن أصابته شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة).
وعن فضالة بن عبيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من شاب شيباً في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، فقال رجل: إن رجالاً ينتفون الشيب يا رسول الله! قال: من شاء أن ينتف شيبه -أو قال: نوره- فليفعل). وهذا ليس على سبيل التخيير كما قال تعالى: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، وإنما هو وعيد وتهديد.
وفي رواية: (سبعين خريفاً). وفي رواية: (مائة خريف). وقد جمع العلماء بين ذلك في الفرض والنافلة، قالوا: الأحاديث التي وردت بالمباعدة بين الصائم وبين جهنم مسيرة مائة عام محمولة على من صام فرضاً في سبيل الله، وأما التي تقضي بسبعين خريفاً فهي في النوافل.
وعن عمرو بن عبسة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صام يوماً في سبيل الله باعده الله من النار سبعين خريفاً) وقد تقدم وجه الجمع بين الروايتين.
وهذه كرامة للشهيد، فإنه لا يغسل ويدفن في ملابسه، ثم يبعث على حاله التي مات عليها، جرحه يثعب دماً، اللون لون الدم أحمر، والريح ريح المسك.
وعن عبد الله بن ثعلبة قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه وقال لقتلى أحد الذين قتلوا في الله ووجدوهم مثلوا بهم). أي: قطع بعض أعضائهم كالأنف والفم والأذن وخرقت أعينهم وغير ذلك.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام حينما رآهم على هذا النحو: (زملوهم بجراحهم -أي: غطوهم وهم بجراحهم- ولا تغسلوهم فإنه ليس كلم -أي: جرح- يكلم في الله إلا أتى الله يوم القيامة لونه لون الدم وريحه ريح المسك).
وقال عليه الصلاة والسلام: (كل كلم -أي: كل جرح- يكلم في سبيل الله تكون كهيئتها يوم طعنت) أي: يبعث على نفس الحال التي مات عليها، إذا كان مقاتلاً في سبيل الله ومات في القتال بعث على نحو ما مات، وإذا كان محرماً ومات في إحرامه بعث في إحرامه ملبياً، فيبعث المرء على ما مات عليه.
قال: (تتفجر دماً. اللون لون الدم والعرف عرف المسك)، أي: الرائحة رائحة المسك.
وعن جندب -وهو ابن عبد الله البجلي - قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غارة فنكبت إصبعه -أي هل أنتِ إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ يخاطبها
قال: (من سأل الله تعالى الشهادة صادقاً) وهذا شرط وقيد، وقال في رواية: (من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله تعالى منازل الشهداء وإن مات على فراشه) وإن كان هذا نص حديث فيه نظر، لكن هذا المعنى تشهد له بقية الأحاديث، وسيأتي بعضه بإذن الله.
وعن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل الله القتل في سبيله صادقاً من نفسه ثم مات أو قتل فله أجر شهيد).
وعن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله الشهادة صادقاً من قلبه أعطيها ولو لم تصبه) أي: أعطي أجر الشهيد وإن لم يقتل في الجهاد.
وفي رواية: (من سأل الله الشهادة صادقاً من قلبه بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) وهذا المعنى كما قلنا تشهد له الروايات المتقدمة، وهناك روايات أخرى أعرضنا عنها.
وعن جابر بن عبد الله قال: حينما قُتل أبي يوم أحد قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا
قال: (فقال: يا رب! فردني -أي: إلى الدنيا- فأُقتل فيك ثانية)؛ لأنه وجد حلاوة القتال وحلاوة أن يُصرع المشركون بين يديه، ثم إنه لو قُتل لا يجد مس القتل، وهذا مكسب عظيم بغير أدنى خسارة ولا ألم.
قال: (يا رب! فردني فأُقتل فيك ثانية، فقال الله عز وجل: سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب! فأخبر من ورائي -أي: بما نحن فيه من نعيم- فأنزل الله عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]).
وهذا الحديث فيه إثبات صفة من صفات الله عز وجل وهي صفة الكلام، وأن الله تعالى يتكلم بما شاء وكيف يشاء في أي وقت شاء: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] أما كيفية الكلام فنحن لا نعلمها، وأما معنى الكلام والعلم به فذلك معلوم يقيناً، والسلف رضي الله عنهم ليس من منهجهم ولا من عقيدتهم تفويض العلم ولا تفويض المعنى، وإنما منهجهم تفويض الكيف.
وعن أنس بن مالك قال: (لما قتل
وعن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشهداء ببارق نهر بباب الجنة -أي: بجانب نهر بباب الجنة- في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم غدوة وعشية).
وعن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للشهيد عند الله سبع خصال) سبع كرامات وخلال للشهيد عند الله عز وجل، وهذا ليس على سبيل الحصر، فإن للشهيد عند الله أكثر مما في هذا الحديث مما بينته بعض النصوص الأخرى.
قال: (أول خطوة يغفر له عند أول دفعة من دمه -يغفر له الكبائر والصغائر عند أول دفعة من دمه- ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة) وهذا العدد الهائل من الحور العين ليس إلا للشهيد، وأما بقية المسلمين فإنه كل مسلم يتزوج باثنتين فقط.
أرأيتم هذه الكرامات هذه؟ وهناك كرامات أخرى للشهيد.
وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين كل درجتين ما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنها وسط الجنة وأعلاها، وفوقها عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة).
وعند أبي داود : أن رجلاً سمع ولده يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: يا بني! إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سيأتي أقوام يعتدون في الدعاء والطهور، إذا سألت الله فاسأله الفردوس الأعلى) فمن دناءة الهمم أن تسمع رجلاً أحياناً يقول: يا رب! أدخلني الجنة وإن كنت آخر الناس دخولاً الجنة، أي أنك رضيت لنفسك أن تكون آخر الناس دخولاً الجنة، ورضيت لنفسك أن تدخل النار فتمكث فيها ما شاء الله أن تمكث حتى تكون أنت آخر الموحدين خروجاً منها ودخولاً الجنة، فهذه همة دنيئة جداً، لماذا لا تقول: اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى، منازل الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً؟ أصحاب المنازل العليا في جنة عرضها السماوات والأرض، وفوقها عرش الرحمن.
وعن أبي أمامة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما أنا نائم أتاني رجل فأخذ بضبعه -أي: بعضده- من هاهنا، ثم أشرف بي شرفاً آخر -أي: صعد بي مكاناً عالياً- فإذا ثلاثة نفر يشربون من خمر لهم) يشربون من خمر الجنة، أما من شرب خمر الدنيا حُرمها في الآخرة، وخمر الآخرة لا سكر فيها ولا مضرة.
قال: (فإذا ثلاثة نفر يشربون من خمر لهم، فقلت: من هؤلاء؟ قال:
وعن أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من نفس لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا فتقتل إلا الشهيد) أي: كل واحد يموت، ويرى مقعده من الجنة، وتطمئن نفسه، ويتمنى ألا يرجع إلى الدنيا قط إلا الشهيد (يتمنى أن يرجع فيقاتل فيقتل، ثم يرجع فيقاتل فيقتل) لما له من خير عظيم، وهذا لا يكون إلا بفضل الشهادة في سبيل الله. قال: (لما يرى من فضل الشهادة) أي: في سبيل الله عز وجل.
وعن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أهل الجنة أحد يسره أن يرجع إلى الدنيا وله عشرة أمثالها إلا الشهيد، فإنه ود لو أنه رُد إلى الدنيا فقتل شهيداً عشر مرات لما يرى من الفضل).
إن شباب اليوم لو وضعوا في الصحراء، وكان معهم رجل صادق مع الله عز وجل، يعظهم ويذكرهم بالله، ويبين لهم فضل الجهاد وفضل الإقدام وخطورة الإحجام، فإن هذا الشباب سيأكل الأرض أكلاً، ولو أنهم ذهبوا إلى فلسطين فبصقوا على اليهود لأغرقوهم في البصاق. جيش من الشباب يحرص على الموت حرص اليهود على الحياة، فاليهود يريدون الحياة وإن كانت مهينة، أما المسلم فالأصل فيه أن يعيش عزيزاً كريماً، وأن يموت على هذا النحو كذلك.
ولو فتح باب الجهاد لأتوا الملايين من الشباب من كل بلد عربي وإسلامي، فلِم لا تسمح حكومتنا بذلك؟ وإذا أرادت التخلص من الشباب فإن الجهاد فرصة للتخلص منهم، فلماذا لا يتخلصون منا؟ ألم نزعجهم؟ فنحن بهذه اللحى غصة في حلوق كثير من الطوائف، فلماذا لا يتخلصوا منا بهذه الطريقة؟
فنحن نريد أن ننال فضل الشهادة، وأنتم أيها الحكام! ستتخلصون منا ومن اليهود في وقت واحد، وستتفرغون للأجيال القادمة بعد ذلك.
قال: أبو اليسر الأنصاري : (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتاه
وعن أنس : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد لما رهقوه) أي: لما أتعبه وأفزعه المشركون وهو في سبعة من الأنصار ورجلين من المهاجرين من قريش.
قال النبي صلى الله عليه وسلم يستحث أصحابه أن يدفعوا المشركين عنه في يوم أحد قال: (من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة؟) الثمن أن من رد هؤلاء المشركين عني هو رفيقي في الجنة، قال: (فقام رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم قال مثل ذلك، فقام آخر فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ما أنصفنا أصحابنا) كأنه عليه الصلاة والسلام تقال ما وعدهم به من الرفقة في الجنة.
وعن ابن مسعود قال: (جاء
وفي رواية أكثر وضوحاً: قال ابن مسعود : (لقد شهدت من
يشرق أي: يضيء.
وحدثت هذه القصة لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فجعل يستشير الناس: نقاتل أو لا نقاتل؟ فأشار عليه أبو بكر بالقتال، ثم استشار فأشار عليه عمر، وجعل يستشير فقالت الأنصار: لكأنه يريدنا، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أراك تستشير ويشيرون عليك، ولا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك، ولكن والذي بعثك بالحق لو ضربت بنا أكبادها -أي: أكباد الأرض- حتى تبلغ برك الغماد -وهو اسم موضع باليمن- لكنا معك، فاطمأن النبي صلى الله عليه وسلم إلى موقف المهاجرين صراحة ونصراً، واطمأن كذلك إلى موقف الأنصار صراحة ونصراً، وبالتالي بدأت المعركة.
قال: فقلت: يا عم! ما يحبسك ألا تجيء؟ فقال: يا ابن أخي! الآن -أي: سآتيك الآن- اذهب وأنا وراءك. قال: وجعل يتحنط ثم جاء فجلس فقال: هكذا عن وجوهنا حتى نضارب القوم. كأنه يدفع الناس عن وجهه يمنة ويسرة حتى يخلص للعدو. قال: ما هكذا كنا نقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم لبئس ما عودتم أقرانكم.
إن أنس بن مالك كان في زمن النبوة صغيراً، فكان إذا شارك في القتال يصنع الطعام أو يجمع العتاد أو يأتي بالسيوف من هنا أو هناك، ولا يشارك مشاركة فعلية في القتال؛ لأنه كان صغيراً، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يجيز أحداً من أصحابه إلا إذا بلغ (15) عاماً، ومرة أجاز من عمره (14) عاماً بشرط أن يكون في مؤخرة الجيش لا في مقدمته، فـثابت بن قيس لم يعجبه الذي كان من أنس بن مالك ، فكيف لو أن ثابت بن قيس رأى حالنا الآن. هل سيعجبه حالنا؟
فيضرب ثابت أنس في صدره ويقول له: ارجع حتى أصل إلى هؤلاء القوم، لبئس ما عودتم أقرانكم، كان قتالنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام أن نخلص إلى القوم في جرأة وشجاعة. قال: ثم قاتل حتى قتل.
ألم يبشر النبي صلى الله عليه وسلم هذا بالجنة؟ نعم. وذلك حينما نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:2] وكان جهوري الصوت فظن أن الآية نزلت في حقه، قال: أنا من أهل النار وقد حبط عملي، فلما وصل الخبر إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ائتني به وبشره بالجنة) فلما أتى ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قام النبي صلى الله عليه وسلم إليه يجر إزاره ويقول: (مرحباً برجل يزعم أنه من أهل النار وأنا أزعم أنه من أهل الجنة). هذا هو ثابت بن قيس بن شماس .
عن عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة فسألت عمن يحدثني بحديث ثابت بن قيس ، فأرسلوني إلى ابنته. فسألتها فقالت: سمعت أبي يقول -وفي هذا جواز أخذ العلم عن النساء- قالت: سمعت أبي يقول: (لما أنزل الله على رسوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18] اشتد على ثابت وغلق عليه بابه وطفق يبكي، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه، فسأله بما كبر عليه منها؟ فقال: أنا رجل أحب الجمال، وأحب أن أسود قومي، فظن أن هذا هو محبط للعمل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لست منهم بل تعيش بخير، وتموت بخير، ويدخلك الله الجنة) وهذا شرف عظيم.
قالت: (فلما أنزل الله على رسوله: وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ [الحجرات:2] فعل مثل ذلك، فأُخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فبشره بالجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لست منهم بل تعيش بخير، وتقتل شهيداً، ويدخلك الله الجنة). فلما استنفر أبو بكر المسلمين إلى أهل الردة واليمامة ومسيلمة الكذاب ؛ سار ثابت بن قيس فيمن سار، فلما لقوا مسيلمة -وقد كان بنو حنيفة هزموا المسلمين ثلاث مرات- قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفرا لأنفسهما حفيرة كالخندق صغير، ودخلا يقاتلان من خلالهما حتى قتلا). ونظام الخنادق معروف في الجيش إلى الآن.
وعن أنس بن النضر : غاب عن قتال بدر فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء -أي: المشركين- وسل سيفه وظل يقاتل حتى قتل.
وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهداء؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة). أي: بلمعان السيف، في ضوء القمر وضوء الشمس فوق رأسه كفى بها فتنة، فاستعاض الله عز وجل بفتنة القبر للشهيد فتنة هذا السيف ثم ثبته الله عز وجل في الفتنة.
وعن عقبة بن عامر : قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من صرع عن دابته في سبيل الله فهو شهيد).
أي: الذي يقع عن دابته في القتال فهو شهيد، وقيده: (في سبيل الله) حتى وإن لم يشارك في القتال، وإن لم يكن هذا الموت بأيدي الأعداء.
وعن محمد بن عبد الله بن جحش أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن قتلت في سبيل الله؟ -كأنه قال: ما لي؟- قال النبي صلى الله عليه وسلم: لك الجنة. فلما ولى قال: لا إلا الدين. سارني به جبريل).
إذاً: الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، كما جاء في روايات كثيرة.
عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: اختلف عامر ومرحب ، وعامر هو ابن الأكوع ، وهو أخو سلمة ، ومرحب هو ابن ملك خيبر اليهودي، وعائلة الأكوع كلها كانت قوية أبدانهم.
ذكر أن سلمة بن الأكوع حينما دخل الكوفة قال له رجل من أهل الكوفة: ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقبلها. قال: فلما وضعها في يدي كأنها خف بعير، وكان سلمة بن الأكوع يغزو أمام المسلمين وكان في مقدمة الجيش لوحده، وكان يجري بفرسه أولاً، وذات مرة تعثر فرسه فجرى على قدميه خلف العدو، وكلما أدرك رجلاً ضربه على قفاه فخر ميتاً، وهو يقول:
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
فعن إياس بن سلمة بن الأكوع قال: قال أبوه: (اختلف
وعن أبي موسى : (أن شيخاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا، فقال: يا رسول الله! ما الجهاد في سبيل الله؟ فإن الرجل يقاتل ليذكر، ويجاهد ليغنم، ويجاهد لكذا وكذا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) هذا هو الجهاد، أن تقاتل بنية رفع راية التوحيد.
وهذا قد ورد عن علي بن أبي طالب أنه قال: (لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ -أي: نلجأ ونحتمي- برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أقربنا إلى العدو) أي: أنه لا يرجع إلى الخلف ولا يهرب. ومعنى هذا: بأنه كان أشجع الناس، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع نفيراً أو صوتاً غير عادي بالليل انطلق تجاهه، وذات مرة تبعه الصحابة، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قد رجع من جهة الصوت يقول: (لا عليكم لا عليكم).
عن البراء : (أن رجلاً قال له: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ قال أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وأنتم تعلمون أن التعبيد في أسماء الله تعالى الحسنى لا يكون إلا بالثابت منها، وليس من أسماء الله المطلب، فما بال النبي صلى الله عليه وسلم يقر ذلك فيقول: أنا ابن عبد المطلب؟
الجواب: أن ذلك كان في الجاهلية قبل ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وقبل مبعثه من باب أولى، فأقر النبي عليه الصلاة والسلام على ما كان واقعاً ومعروفاً أنه ابن عبد المطلب سواء كان خطأ أو صواباً، لكنه ليس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أراد أن يقرر واقعاً وأنه ابن المعروف بعبد المطلب.
وذهب جماهير العلماء إلى أنه لا يجوز التعبيد لله عز وجل إلا بالثابت من أسمائه إلا عبد المطلب للنبي عليه الصلاة والسلام لا لغيره.
وعن أنس قال: حضرت حرباً فقال ابن رواحة :
يا نفس ما لي أراكِ تكرهين الجنة أقسمت بالله لتنزلنه
طائعة أو لتكرهنه
فهو يؤدب نفسه ويقول لها: تخوضين الحرب وأنتِ طائعة أو لأنزلنكِ كارهة.
لا يكره الآخرين إنما يكره نفسه.
قال: وأما جعفر بن أبي طالب حين قتل دعا الناس: يا عبد الله بن رواحة ! وهو في جانب المعسكر ومعه ضلع جمل ينهشه -أي: يأكل فيه ولم يكن ذاق طعاماً قبل ذلك بثلاث، فرمى بالضلع ثم قال: وأنت مع الدنيا! يؤدب بهذا نفسه!
ثم تقدم فقاتل فأصيبت إصبعه، فارتجز فجعل يقول:
هل أنتِ إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ
يا نفس إلا تقتلي تموتِ هذا حياض الموت قد صليتِ
وما تمنيتِ فقد لقيتِ إن تفعلي فعلهما هديتِ
وإن تأخرتِ فقد شقيتِ
أي: لا بد أن تتقدمي وتفعلي ما فعل الصاحبان، ثم قال: يا نفس إلى أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة إلى فلانة امرأته إنها طالقة، وإلى فلان وفلان -أي: من غلمانه والعبيد- فهم أحرار، وإلى معجف -اسم حائط له بستان- قال: هو لله ولرسوله، وهكذا تخلص من كل متاع، فبستانه وهبه لله ورسوله، والعبيد حررهم، والنساء طلقهن، فما الذي بقي؟
فقال:
يا نفس ما لكِ تكرهين الجنة أقسم بالله لتنزلنه
طائعة أو لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنة
هل أنت إلا نطفة في شنة قد أجلب الناس وشدوا الرنة
شدوا الرنة. أي: بدأوا القتال. ثم قاتل حتى قتل.
وعن أنس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة معتمراً قبل الفتح، وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهب الخليل عن خليله
يقول ذلك مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان داخلاً مكة معتمراً لا مقاتلاً، وكأن ابن رواحة يحث الناس ويقول: أبعدوا الكفار من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا لنقاتلنهم مقاتلة تذهب الخليل عن، خليله وتزيل الهام عن مقيله.
(لا هجرة بعد الفتح)، إذاً لا يمكن في يوم من الأيام أن تكون مكة دار كفر، فهي دار إيمان وإسلام إلى قيام الساعة تماماً (ولكن جهاد ونية)، وهذا يدل على أن الجهاد فريضة ماضية في الأمة إلى قيام الساعة، فهو جهاد مستمر، وكما أنه لا هجرة أبداً من مكة فكذلك الجهاد والنية الصالحة فيه باقية إلى قيام الساعة.
ثم قال: (إذا استنفرتم -إلى الجهاد وحسن النية- فانفروا).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام في أثناء رجوعه من غزوة تبوك: (إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم شاركوكم الأجر. قالوا: يا رسول الله! بالمدينة شاركونا الأجر؟ قال: نعم. حبسهم العذر).
إذاً: قوله: (ولكن جهاد ونية) ولكن جهاد حقيقي ومشاركة فعلية أو نية الجهاد. قال: (من لم يغز أو لم تحدثه نفسه بالغزو فمات مات على شعبة نفاق).
والشاهد منه: (والتولي يوم الزحف) أي: يوم لقاء العدو.
وعن سهل بن أبي حثمة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر سبع: الشرك بالله، وقتل النفس، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والتعرض بعد الهجرة).
قوله: (التعرض بعد الهجرة) أي: بعد أن يهاجر من دار الكفر إلى دار الإيمان يرجع مرة أخرى إلى دار الكفر فيسكن البادية أو غير ذلك. والتعرض أي: أن يصير مع العرب في البادية بعد أن هاجر.
وعن عمرو بن الأسود : أنه حدثه: أنه أتى عبادة بن الصامت وهو في ساحل حمص في بناء له، ومعه امرأته أم حرام ، فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول جيش من أمتي يغزو هذا البحر قد أوجبوا) أي: قد وجب دخولهم الجنة.
قالت أم حرام : (يا رسول الله! وأنا فيهم؟ قال: نعم. وأنت فيهم).
قال أبو بكر: لا أعلم بالشام إسناداً يشبه هذا. أي: في قوته وحسن سياقته.
وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار -أي حفظهما الله تعالى وعصمهما من النار- عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى بن مريم) صلى الله على محمد وعلى عيسى.
قوله: (عصابة تغزو الهند) هذه العصابة مع المهدي ؛ لأن المهدي المنتظر هو الذي يفتح الهند حتى لا تجد فيها عابد بقر، فيدخلون في الإسلام كافة على يد المهدي المنتظر.
والعصابة الثانية: في أرض الشام مع عيسى بن مريم، يكسرون الصليب ويقتلون الخنزير ويضعون الجزية، ويدعون بدعوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
فهاتان العصابتان: عصابة تذهب إلى الهند، وعصابة تبقى في أرض الشام كلاهما يدعو بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام، فهما محفوظتان من النار بإذن الله تعالى.
وعن أبي هريرة قال: (وعدنا الله ورسوله غزوة الهند فإن أدركها أنفق فيها نفسي ومالي).
أي: أتمنى لو أدرك هذه الحرب وهذه الغزوة، ولو كان ذلك لأنفقت فيها نفسي ومالي.
قال: (فإن قتلت كنت كأفضل الشهداء) وهذا يدل على أن من مات في هذه الغزوة كان أفضل الشهداء.
قال: وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر.
أبو هريرة الذي كان عبداً وأعتق.
بعد الحرب رجع وفي يده السيف، وهذا السيف في يد علي بن أبي طالب كالكوب في يد أحدنا.
إن علي بن أبي طالب في غزوة خيبر خلع باب الحصن -وهو من حديد- واتخذه درعاً بيده الشمال، وكان يقاتل بالسيف بيده اليمنى، وسيف علي إلى الآن موجود ويحمله أربعة من الرجال، وهو سيف كان يقاتل به ويصول به ويجول.
فيأتي بسيفه ويلقيه إلى فاطمة وقال لها: خذيه حميداً -أي: هذا السيف سيف مبارك- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن كنت أحسنت القتال اليوم فقد أحسنه
مع أن علياً كان إذا دخل الجيش هرب الجيش أمامه، فلماذا لا يظهر مثل هؤلاء الرجال في هذه الأمة ؟
فالخيلاء يبغضه الله عز وجل إلا في موطن واحد وهو: الاختيال في الصف ليراه العدو، كما في حديث أبي دجانة رضي الله تعالى عنه.
وعن واثلة بن الأسقع قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من مات مرابطاً في سبيل الله أجرى الله له مثل أجر المرابط في سبيل الله، حتى يبعثه الله يوم الحساب).
وعن عثمان بن عفان وهو بمنى حاجاً قال: يا أيها الناس! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم في سبيل الله أفضل من ألف يوم فيما سواه من القربى) أي: من أي عمل صالح. قال: فليرابط امرئ كيف شاء.
وقال عليه الصلاة والسلام: (من مات على مرتبة من هذه المراتب بعثه الله عليها يوم القيامة).
أي: من مات على الصلاة بعث على الصلاة، ومن مات على الحج بعث على الحج، ومن مات على الجهاد بعث على الجهاد، ومن مات على الفسق والفجور والخنا والعصيان بعث عليها. قال: (فليختر كل امرئ لنفسه ما شاء فإنه مجزي به).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمان : (رباط يوم أو ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه، وأُمن من الفتان) أي: كان من الفتان في مأمن.
وآخر حديث: حديث فضالة بن عبيد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من ميت يموت إلا ختم على عمله إلا من مات مرابطاً في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله ويأمن من فتنة القبر).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.
الجواب: النهي مطلق، ولكن بعض أهل العلم جوز ذلك لأجل إظهار الشباب في القتال وإرهاب العدو.
الجواب: هذا محرم، والله تعالى قال: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141] فالزوجة إذا أسلمت بانت من زوجها.
الجواب: الذهب أحب إلى الله تعالى من الفضة، والواجب عند من يذهب إلى وجوب ذلك هو الفضة، تقدر بوزن شعر المولود بعد حلقه في اليوم السابع فضة لا ذهباً، وإن كان ذهباً فهو أحب إلى الله عز وجل من الفضة، والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر