أما بعــد:
أيها الأحبة: إن مما تتميز به الصحوة الإسلامية في عصرنا هذا أنها تسري كما يسري النسيم، وتجري كما يجري النهر الصافي المتدفق، تحوطها رعاية الله، وتكلؤها عينه التي لا تنام.
ولذلك فإن نهر الصحوة المبارك سيظل متدفقاً -بإذن الله تعالى- مهما بنيت أمامه سدود الباطل، وأنى لسدود بشرية واهية أن ترد قضاء الله وقدره.
هذه -أيها الأحبة- حقيقة يجب على كل مسلم أن يثق بها، وأن يصرف عن ذهنه وقلبه الشك فيها، فإذا غلبه شكه وسيطر عليه ظنه السيئ، فليراجع إيمانه.
وإن من توفيق الله لهذه الصحوة أن هيأ لها عقولاً نيرة، وألْسنة معبِّرة، وقلوباً موقنة، وأذهاناً متوقدة، من دعاة، ومفكرين، ومصلحين، وأدباء، وشعراء، يحملون لواءها، ويبصرون الناس بها، ويصدقون في بيان زيف الباطل وأهله، ويرفعون عن وجوه الماكرين أقنعة الغدر والنفاق، ويهزون بعض القناعات الزائفة التي رسخت في نفوس كثير من المسلمين، كما أن من توفيق الله لهذه الصحوة أن هيأ لها شباباً مؤمناً مجاهداً يبذل روحه رخيصة في سبيل الله، ويعيد إلى الأمة ثقتها بعقيدتها التي تصنع الرجال الأفذاذ، الذين تتكرر على أيديهم مواقف البذل في سبيل الله بذلاً سخياً لا يبخل بشيء في هذه الحياة لا بمال، ولا بولد، ولا بنفس.
فلكم رأينا شاباً عهدنا به لاهياً عابثاً تحول في جبال الهندكوش بـأفغانستان، وفي أرض فلسطين، وفي بلاد البوسنة والهرسك أسداً هصوراً، يواجه دبابات الأعداء ومدافعهم وطائراتهم مواجهة الأبطال.
ولكم رأينا فتاة مسلمة كانت الغاية من الحياة عندها أن تلبس فاخر الثياب، وأن تقتني أغلى الجواهر، ثم أصبحت مجاهدة بمالها، تبذل ما لديها في سبيل الله عوناً للمجاهدين ودعماً لهم، كل ذلك -أيها الأحبة- ما كان ليتم لولا أن الله قد رعاه وحفظه، ووفق المسلمين إليه تحقيقاً للوعد بنصر هذا الدين.
إن الصحوة الإسلامية نهر متدفق يحمل على ظهره زوارق الهدى والخير؛ ليصل بها إلى شاطئ الأمان، وإنه لا مكان في هذا النهر الصافي للذين يحاولون تغيير اتجاهه أو سد مجراه، أو تعطيل الزوارق التي تمخر عبابه.
والصحوة أمر قدره الله ليس للجهد البشري فيه إلا الدعم والتوجيه، وتبليغ ما أمر الله بتبليغه، أما المشككون، والمعوقون، والمرجفون، فسوف يلقون خسراناً، وإن الرابح من كان له في هذه المسيرة المباركة يد بيضاء، وعمل صالح مشكور.
إن كل عالم وداعية ومصلح، بل وكل مسلم صغير أو كبير مطالب بأن يكون لبنة في البناء، ويداً مضمومة إلى الأيدي المتوضئة، ونفساً مطمئنة باليقين محبة لكل من يدعو إلى الخير ويحث عليه ويسعى إلى نشر الوعي بين الناس.
ولا أظن مسلماً صادقاً في انتمائه لهذا الدين يقف ولو ساعة من نهار في صف أعداء هذه الصحوة، متنكراً لعلمائها ودعاتها مهما تكن المسوغات التي يسوغ بها هذا الوقوف مما قد يلبس به عليه الشيطان لعنه الله.
ليس من منهجنا أن نـزكي أحداً على الله، أو نقدس أشخاصاً بأعيانهم -أعوذ بالله من ذلك- ولكن ليس من منهجنا -أيضاً- أن نجرح إخواننا الدعاة الذين وفقهم الله إلى الصدع بكلمة الحق، وجعل لهم عند الناس قبولاً، وننال من أعراضهم، ونغلب سوء الظن فيهم، نعم.. ليس من منهج المسلم الذي يخاف الله ويرجو رحمته ورضاه، أن يحكم على نيات الناس زوراً وبهتانا، ولا أدري كيف يجيز بعض المسلمين لنفسه هذا، وهو يقرأ ليل نهار آيات القرآن الكريم التي توصي المؤمنين بالتثبت حتى لا يندموا على أحكامهم، كما توصيهم بالاعتصام بحبل الله المتين.
وإن هذه الحرب لجديرة بأن نجد من دعاة الإسلام صفاً واحداً كأنه البنيان المرصوص لا مجال فيه للفرقة والعداوة بغير حق، وإني أنادي من أعماق قلبي من يحمل همَّ هذا الدين أن يكون ذا وعي، وألاّ يكون أداة في يد أعداء الصحوة شعر أم لم يشعر.
وإن التشكيك في مقاصد الدعاة والعلماء، والحكم على نياتهم ليس من منهج الإسلام في شيء، والفائز من عرف الطريق ولزمه، وكان عوناً على البر والتقوى، وحقق قول الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] وحقق قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}.
الفائز من كان له وعي قائم على عقيدة صافية، يسلم بها من أن يكون مثل المنافق الذي صور لنا الرسول صلى الله عليه وسلم صورته في الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما: {مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع}.
إن أخشى ما نخشاه -أيها الأحبة- أن يكون لتلك الاتهامات أثرها السلبي على مسيرة الصحوة، مما سيفرح به أعداء هذا الدين في كل مكان وزمان، على أننا لا نغلق باب النصيحة بالحق، بل إن النصيحة واجبة في حق كل مسلم، ولكن بالطريقة المشروعة التي نعرفها جميعاً، خاصة وأن هؤلاء الدعاة الذين تطلق عليهم التهم، يدعون إلى الإسلام، ويحثون الناس على التمسك به، ويعتمدون على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فيما يقولون، وليسوا من أولئك الذين يجاهرون بالمعصية، أو بقول السوء.
وهذا الكلام أوجهه من قلب مخلص محب للجميع، ويعلم الله أنني لا أميل إلى أحد دون أحد إلا بالحق فإن الحق أحق أن يتبع، وإنما دفعني إلى هذا، الحرص على هذه الصحوة، والخوف على صفها من التمزق والتشرذم، والله المطلع على السرائر وهو المستعان.
الواجب على طلبة العلم وعلى أهل العلم معرفة واجب العلماء، والواجب عليهم حسن الظن، وطيب الكلام، والبعد عن سيء الكلام، فالعلماء والدعاة إلى الله جل وعلا حقهم عظيم على المجتمع.
فالواجب أن يساعدوا على مهمتهم بكلام طيب وبأسلوب حسن والظن الصالح الطيب، لا بالعنف والشدة ولا بتتبع الأخطاء وإشاعتها للتنفير من فلان وفلان.
يجب أن يكون طالب العلم ويكون السائل يقصد الخير والفائدة ويسأل عن ما يهمه، وإذا وقع خطأ أو إشكال سأل عنه بالرفق والحكمة والنية الصالحة، حتى يزول الإشكال.
فكل إنسان يخطئ ويصيب، ولا أحد معصوم إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام فهم معصومون فيما يبلغون عن ربهم من الشرائع، والصحابة وغيرهم كل واحد قد يخطئ وقد يصيب، والعلماء كلامهم معروف في هذا والتابعون ومن بعدهم من الأئمة الأربعة وغيرهم، ليس معنى هذا أن الداعية معصوم أو العالم أو المدرس أو الخطيب. لا. قد يخطئون فالواجب إذا نبه أن يتنبه، وعلى من يشكل عليه شيء أن يسأل بالكلام الطيب والقصد الصالح حتى تحصل الفائدة ويزول الإشكال من غير أن يقع في عرض فلان أو النيل منه التشهير به.
العلماء هم ورثة الأنبياء، وليس معنى هذا أنهم لا يخطئون أبداً، فهم إن أخطأوا لهم أجر وإن أصابوا لهم أجران إذا طلبوا الحق واجتهدوا في طلبه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيح: {إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران فإن حكم واجتهد فأخطأ فله أجر}.
وإخوتنا الدعاة إلى الله عز وجل في هذه البلاد حقهم على المجتمع أن يساعَدُوا على الخير وأن يحسن بهم الظن، وأن يبين الخطأ بالأسلوب الحسن بقصد الفائدة ليس بقصد التشهير والعيب.
وبعض الناس يكتب نشرات في بعض الدعاة، نشرات خبيثة رديئة لا ينبغي أن يكتبها طالب علم؛ لأنه ظن أنه أخطأ في كلمة، فلا ينبغي هذا الأسلوب، طالب العلم الحريص على الخير عليه أن يتحرى ويسأل عما أشكل عليه بالأسلوب الحسن.
والدعاة ليسوا معصومين سواء كانوا مدرسين أم خطباء أم محاضرين أم في ندوة.
ومن ذلك ما وقع في هذه الأيام ومن قبل أيام على بعض الدعاة، مثل محمد أمان والشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي، والشيخ ربيع بن هادي وغيرهم من الدعاة المعروفين بالعقيدة الطيبة وحسن السيرة ومعروفين أنهم من أهل السنة والجماعة.
فلا ينبغي النيل منهم في شيء وإن ظن طالب العلم أن أحدهم أخطأ أو ظهر له أنه أخطأ، فلا ينبغي أن يشهر بذلك أو يسيء الظن، بل يدعو له بالتوفيق ويدعو له بالهداية، ويسأل فيما أشكل حتى يزول الإشكال بالدليل المعول عليه، قال الله وقال الرسول، ويقول الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
فالواجب على العلماء وطلبة العلم الحلم والحكمة وطلب الحق بالدليل لا بالشدة ولا بالأسلوب غير المناسب، ولكن بالكلام الطيب والأسلوب الحسن وحسن الظن، فالخطأ يزول بالمراجعة والتماس الدليل، يزول الخطأ ويأتي مكانه الحق والصواب، والله يقول: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر [العصر:1-3]، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2].
فالتواصي بالحق والبر والتقوى يوضح الحق بالدليل وبالأسلوب الحسن والرفق وحسن الظن وبقاء المودة والمحبة، وأن الدعاة إخوان، والعلماء إخوان، وهم دعاة هدى ومن أهل السنة والجماعة، فيجب على طالب العلم إذا أشكل عليه شيء أن يسأل بالأسلوب الحسن من غير تشويش حتى تتم الفائدة.
والواجب كذلك على طلبة العلم والمؤمنين والمؤمنات هو طلب العلم بالدليل، والأسلوب الحسن، والنية الصالحة وليس بالأساليب التي تنفر ولا تفيد، وربما زرعت الشحناء والعداوة، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46] وهذا مطلوب حتى مع اليهود والنصارى.
نسأل الله أن يوفق علماءنا وجميع دعاتنا وجميع المسلمين إلى الفقه في الدين والبصيرة والأسلوب الحسن، ونسأل الله أن يوفق طلبة العلم وجميع المسلمين بحسن السؤال والنية الصالحة حتى يستفيد الجميع ويتضح الحق بالدليل، وحتى تدوم المودة والمحبة والتعاون على البر والتقوى، وتزول الشحناء والتنافر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
الجواب: لا يجوز، يجب التعاون في باب الخير وترك الشر مع الشيخ سلمان، والشيخ سفر، والشيخ الطريري، ومع الشيخ ربيع، ومحمد أمان الجامي، وجميع الدعاة وجميع العلماء يجب التعاون معهم في الخير والإعانة لهم في الخير والدعاء لهم بالتوفيق والتسديد، وإن حصل شيء في محاضرة للشيخ سفر أو الشيخ سلمان أو الشيخ ربيع أو الشيخ الفوزان أو الشيخ: محمد أمان أو لي أو لغيري يسأل عما أشكل عليه بالأسلوب الحسن وليس بالشدة وسوء الظن، وهم يلزمهم أن يوضحوا، ويبينوا بالأدلة التي لديهم، والحق ضالة المؤمن متى وجدها أخذها، وكتاب الله هو المرجع وفيه الكفاية: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فلا يجوز التعصب لا لزيد ولا لعمرو، يجب على طلبة العلم والعلماء الإنصاف وألا ينفروا من فلان أو فلان، عليهم أن ينفروا مما حرم الله من المعاصي والزنى والغيبة والنميمة والربا، ومن ترك الصلاة، ومن ترك صلاة الجماعة ومن جميع المعاصي.
أما العلماء والدعاة إذا أشكل عليهم أن يسأل المحاضر عما أشكل عليه وماذا قصد الشيخ سلمان أو ربيع أو الفوزانأو ابن باز، ولكن بقصد طيب وليس بقصد المراء والجدل.
الجواب: الله يهديهم ويهدي الجميع ويعين عليهم ويوفقهم ويصلحهم.
الجواب: إذا وجد خطأ يبين بالدليل مع الدعاء لهم بالتوفيق وأن يسدد خطاهم، فيقال هذه الكلمة خطأ، والدليل هو كذا، ولعله غفل عن هذا الشيء ويتبين منه حتى يبين، ويسأل أهل العلم، يتفاهم مع صاحب الشريط لا بالعنف والشدة والتشهير وأن فلاناً لا يصلح أن يؤخذ منه العلم، لا،بل يبين له خطؤه مع بيان أنه من أهل العلم، ويؤخذ ما بيَّنه للناس إلا ما دل الدليل على خلافه فقد أخطأ مالك، وأحمد والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي؛ ولهم أخطاء معلومة وما منع الناس ليأخذوا منهم علمهم الذي أصابوا فيه، وما من عالم إلا وله أخطاء وأشياء رجع فيها إلى الصواب.
ما حكم هذا القول؟
وما قولكم لمن يقول إنه إمام ومجدد ويمدحونه على المنابر؟
الجواب: هذا خطأ وأن الوسائل تكون شرعية، والدعاء من الوسائل الشرعية بالتوسل بأسمائه وصفاته والأعمال الصالحات، أما التوسل بجاه فلان أو بحق فلان، فلا شك أنها مسألة خلاف، لكن الصواب أنها لا تجوز بجاه فلان أو بحق فلان، والشيخ حسن البنا وغيره له كلام طيب وعمل طيب، ولهم أشياء أخطأوا فيها يغفر الله لنا ولهم، والإنسان يؤخذ من كلامه الطيب ويترك الخطأ ويكون مجدداً في بعض ما أصاب فيه، وليس معنى أنه مجدد أنه لا يخطئ، المجدد قد يصيب حيناً ويخطئ حيناً.
فالمجدد يدعو إلى الإسلام، إلى توحيد الله، إلى ما قال الله ورسوله، والمهم أن يكون هدفه الحق، وإذا كان الداعية قد مات وكتبه موجودة يبين الصواب والخطأ، وما أصاب فيه قبل وما أخطأ فيه رد مثل بقية العلماء الماضين كتبهم موجودة يبين منها الصواب والخطأ، وما أصاب فيه قبل وما وافق الحق قبلناه، وما خالف الحق ردوه مع الترحم عليهم ما داموا من أهل السنة والجماعة والتوحيد، وما أصابوا فيه لهم أجران وما أخطأوا لهم أجر واحد، وخطؤهم مغفور، إذا اجتهدوا وقصدوا الحق رحمهم الله.
الجواب: هذا غلط فلا ينبغي أن يسمع هذا الشريط ينبغي أن يتلف هذا الشريط، مثل هذا لا ينبغي أن يسمع ولا يتكلم فيه ولا ينشر عنه شيء -الله يهدي الجميع- هذا الذي أشرنا إليه أن الواجب هو الكلام الطيب وعدم إشاعة الفاحشة والكلام السيئ والتنابز بالألقاب وغيبة الناس من غير حق، ولا يوالي في هواه ويعادي في هواه -نسأل الله أن يهدي الجميع-.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
واجب على المسلم أن يحسن الظن بإخوته المسلمين، وأن يحملهم على المحامل الحسنة، وأن ينشر محاسنهم وآثارهم الطيبة، ويكون من آثار ذلك: محبتهم والدعاء لهم، وذكرهم بذكرى حسنة، لا سيما وقد عُرفت آثارهم، وقد لُمست الفوائد منهم، وقد عُرفوا بحسن المعتقد، وسلامة الفطرة، ونفعهم الله ونفع بهم في هذه البلاد، وفي هذه المناطق أظهر الله علماء من هذه الأمة، ومن أتباع أئمة الدعوة، ومن أتباع الأئمة الأربعة، ومن أتباع السلف الصالح، يعتقدون عقيدة صالحة، يعتقدون معتقد السلف، موحدين لله تعالى، عابدين له، لا يعرفون ولا يدعون إلى بدعة، ولا إلى شرك، ولا إلى منكر، بل قيض الله في هذا الزمان هؤلاء الدعاة الذين نفعهم الله بما فتح عليهم من العلوم، ومن الأفهام، ومن المعارف، ورزقهم الأساليب الحسنة، الأساليب الصحيحة التي يعبرون بها عن المعاني أحسن تعبير، فينفعهم الله بما فتح عليهم من العلم، وينفع بهم عباده الصالحين.
ففي القصيم الشيخ سلمان بن فهد العودة ظهر في هذه السنوات الأخيرة ورزقه الله علماً وفهماً وهو من أئمة الدعوة، ومن الدعاة إلى الله تعالى، وفي الحجاز الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي هو أيضاً من أهل التوحيد، ومن أهل العقيدة السليمة، ومن المتبعين للسلف الصالح، وكذلك في المنطقة الجنوبية عائض بن عبد الله القرني هو أيضاً من الدعاة إلى الله تعالى، ومن القائمين بحقوقه وحدوده، وفي الرياض وإن كان أصلاً من القصيم الشيخ ناصر بن سليمان العمر، وكذلك غيرهم من أئمة الدعوة، ومن حملة العلم الصحيح السليم، هؤلاء من أهل العلم الشرعي، ومن أهل العلم الصحيح، لا شك أنهم -إن شاء الله- من المخلصين لله، والدعاة إليه، كذلك أيضاً ليسوا بمبتدعة، وليسوا بأهل لأن يُظن بهم بدعة سيئة، أو عمل سيئ، أو دعوة إلى سيئة، كذلك أيضا هم على عقيدة السلف الصالح من الأئمة الأربعة، ومن بعدهم، وعلى عقيدة دعاة الإسلام في كل مكان، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله.
كذلك -أيضاً- قد رزقهم الله مع العلم حسن عبارة، وحسن تعبير، وسلاسةً في صياغة الكلام، ومقدرة على البيان والبلاغة، وإعطاء المقام حقه حتى يستوفوا المقام، فهم تطرقوا في محاضراتهم وندواتهم ومؤلفاتهم ومجتمعاتهم، إلى العلوم الواقعية التي وقع فيها كثير من الناس في هذه الأزمنة، فنبهوا على المعاصي، وبينوا كيف علاجها، ونبهوا على الشركيات، وبينوا موضع إنكارها، ونبهوا على الكفر والكفرة من اليهود، والنصارى، والمشركين، والبوذيين، وسائر الكفرة، وبينوا خطرهم، وبينوا آثارهم السيئة، وبينوا كيف الحذر منهم، وكيف سبيل التوقي من شرورهم، وكذلك نصحوا للأمة، ونصحوا للأئمة، وحذروهم من الوقوع في الأسباب التي توقع في الهلاك، وتسبب عموم العقاب، ونـزول العذاب.
كل ذلك حملهم عليه نصحهم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم للنجاة ولسبل النجاة، وكذلك محبتهم لأن يظهر الإسلام، وأن يظهر المسلمون، فلا شك أنهم بهذا مجاهدون، فلا جرم نشر الله لهم سمعة حسنة، وانتشرت أشرطتهم ومؤلفاتهم في خارج البلاد، في أبعد البلاد وأقربها، حتى وصلت إلى دول أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، فضلاً عن الدول العربية، فهناك لهم ذكر حسنٌ وهناك لهم شهرةٌ فيما بين الأمة، هذا من آثار إخلاصهم، ونصائحهم أثابهم الله.
لم يكن يعرف عنهم دعوة إلى أية بدعة من البدع التي يدعو إليها من يدعو إلى البدع أبداً، ومعروف أيضاً أنهم يحترمون إخوانهم من العلماء، فيحترمون مشايخهم وكبار العلماء، يحترمون سماحة شيخنا الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وكذلك المشايخ الآخرين الذين هم كبار العلماء، وقضاة المحاكم، كلهم يعدونهم لهم إخوة، ويعترفون بفضلهم، ويتبادلون معهم السلام، وكذلك أيضاً هؤلاء القضاة وكبار العلماء، يعترفون أيضاً بفضلهم وبعلمهم ويحبونهم، ويمكنونهم من المحاضرات والدعوة، يدعون الله لهم، فليس بينهم وبين هؤلاء العلماء أية منافسة ولا غيرها، وهذا يعرفه ويشهده من تتبع أخبارهم، فنراهم يجلسون مع الدعاة الذين هم دعاة إلى الله في المدينة، وكذلك في الرياض، وفي الحجاز، وفي القصيم، وفي الجنوب، وفي المنطقة الشرقية، الدعاة إلى الله المشهورين بالدعوة كلهم يجتمعون مع هؤلاء، ويشجعونهم، ويحثونهم على المواصلة في العمل، ويفرحون بنشاطهم وبقوتهم، ولا ينكرون عليهم شيئاً مما يقوله أعداؤهم الذين يشنعون عليهم.
هذا بلا شك شيءٌ ظاهرٌ، فإذا سبرنا أقوالهم، وتتبعنا كتبهم ومؤلفاتهم، وجدناها مليئة بالنصح، والمواعظ، والإرشارات، ووجدناهم يحذرون من المنكرات، والبدع، والمعاصي، ووجدنا التأثر بها محسوسا، وملموساً، فلا يلتفت بعد ذلك إلى من عابهم، أو طعن فيهم بشيء لا حقيقة له.
كذلك نحن نقول: إن كل من أظهره الله ورزقه علماً، وفهماً، فلا بد أن يبتلى بحسود، لا بد أن يكون له أعداء يحسدونه، فكم وقع من الحسدة في الأزمنة المتقدمة، فإمامنا أحمد بن حنبل رحمه الله قد تصدى له الحسدة، ووشوا به حتى أُدخل على الخليفة المعتصم، وحُبس مدة طويلة، وجُلد لمَّا أن وشى به هؤلاء وقالوا: إنه كافر وإنه فاجر، وأشاروا على الخليفة بأن يقتله حتى قال أحد أعدائه: ابن أبي دؤاد: اقتله وإثمه علي، وأوذي وحبس، وما ذاك إلا لأجل إخلاصه ولأجل صدقه في تمسكه بالسنة.
وكذلك الشيخ ابن تيمية رحمه الله لما صدع بالحق وأظهر السنة ونصرها، وأعلن القول بها، حسده أعداؤه لمّا رأوا شهرته، ومحبة الناس له، وإقبالهم على تعظيمه وسرورهم بمقالاته، قالوا: هذا يمكن أن يستأثر بالناس، وأن يصرفهم عنا، وأن لا يبقى لنا مقال، لماذا لا نوشي به، ونشتكيه، ونطعن فيه؟
فطعنوا في عقيدته عند الخلفاء والسلاطين، ورفع إلى السلطان، وحبس في مصر، وأوذي وبقي في الحبس أكثر من أربع سنين أو خمس سنين، ربما سنتان متواليتان، كذلك أيضاً حبس في آخر حياته في دمشق أكثر من سنتين، بل مات وهو سجين، ولكن ذلك لم ينقص من قدره في قلوب الأمة، بل لما توفي، ارتجفت البلاد من المصيبة، واجتمعت الناس للصلاة عليه حتى حضر أكثر من ستين ألفاً يريدون الصلاة عليه، أو ربما أكثر من مائة ألف، الحاصل أن جميع أهل دمشق كلهم توافدوا وما ذاك إلا لمحبته التي في القلوب، وذلك مما ساء أعداءه، ومما أضر بهم، ولم يحملهم إلا الحسد، وفيهم يقول الشاعر:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم |
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغياً وإنه لذميم |
ولكن ذلك لم يزده إلا تصلباً، لم يضره حسدهم، بل حسدهم صار ضرراً عليهم، فانصرف الناس عنهم، وزهدوا في علومهم، ونفع الله بعلمه، وبمؤلفاته، وبقيت إلى هذا اليوم معتنى بها، وماتت أكثر أخبارهم، وأكثر مؤلفات أهل زمانه كـالزملكاني، وابن مخلوف، والسبكي، وأشباههم من الذين نصبوا العداوة لـشيخ الإسلام، وصدق فيهم ما روي عن الأصمعي أنه قال:
إن الحسد داء منصف يعمل في الحسود -أي: يعمل في الحاسد- أكثر مما يعمل في المحسود.
فنقول: الحاسد لا يضر إلا نفسه، والمحسود عليه أن يصبر، فيتضرر الحاسد بصبره، ويتقلب على فراشه حقداً وغيظاً مما يرى في أخيه، يتمنى زوال هذه النعمة التي فيه، فنقول للمحسود:
اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله |
فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ماتأكله |
نقول لهؤلاء الذين حسدوهم ووشوا بهم وتتبعوا أغلاطاً لهم، وجعلوا الحبة قبة، وأخذوا من كلماتهم أو من أشرطتهم مقتطعات لم يأخذوا الذي قبلها والذي بعدها الذي يوضحها، فعلقوا عليها تعليقات يوهمون أنهم يبغضون الحديث، ويبغضون السنة، ويبغضون الشريعة، وأنهم دعاة ضلال، ودعاة سوء، وأنهم مفسدون في الأرض، وهذا شأن الحسدة أنهم يأخذون كلمة ويقطعونها عما قبلها، فهم كالذي يقطع الاستثناء عن المستثنى لو أن إنسان قرأ:
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4] وسكت لعد ظالماً حتى يأتي بقوله الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5].
فهؤلاء يأخذون مقطعاً أو كلمة متعلقة بما قبلها وما بعدها، ثم يقولون هذه الكلمة تدل على كفر، وتدل على ضلالة، ولو أنهم أضافوها إلى ما سيقت له لاتضح المراد، ولو أيضاً تتبعوا الكلمات الأخرى والمحاضرات الأخرى، لوجدوا هؤلاء المشايخ ناصحين مخلصين، دالين الأمة على ما فيه خير، وعلى ما نفع الله به الأمة، ففرق بينهم وبين هؤلاء المغرضين، الذين يتتبعون السقطات واللقطات والهفوات، والذين يحسدون إخوتهم على ما أنعم الله به عليهم من الشهرة والمكانة في الأمة، فلا شك أن هذا ظلم كبير.
فنحن نقول لهؤلاء: فرق بينكم وبينهم، أيّ قياس يحصل بين الاثنين بين من ينصحون المسلمين ويوجهونهم ويدلونهم ويرشدونهم، وبين من لم يظهر منهم أي أثر، ولا أي نفع، بل صار ضررهم أكثر من نفعهم، حيث صرفوا جماهير وأئمة وجماعات، عن هؤلاء الأخيار، وأوقعوا في قلوبهم حقداً للعلماء، ووشوا بينهم، ونشروا الفساد، ونشروا السوء، وأفسدوا ذات البين، التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {أن فساد ذات البين هي الحالقة}.
فهؤلاء لم يظهر لهم أثر، فنحن نسألهم ونقول لهم:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا |
متى سددتم ما سدوه؟
متى عملتم مثل أعمالهم؟
متى نفعتم مثل نفعهم؟
متى أثرتم مثل تأثيرهم؟
ويحكم! ألا تكفون سوءكم وشركم وضرركم عن إخوانكم الذين يعتقدون مثل ما تعتقدون، ويدعون إلى الخير، ويدعون إلى الله تعالى، فأنتم كالذين قال فيهم أحد العلماء:
متى كنتم أهلاً لكل فضيلة متى كنتم حرباً لمن حاد أو كفر؟! |
متى دستم رأس العدو بفيلق وقنبلة أو مدفع يقطع الأثر |
تعيبون أشياخاً كراماً أعزة جهابذة نور البصيرة والبصر |
فهم بركات للبلاد وأهلها بهم يدفع الله البلايا عن البشر |
فندعو إخواننا جميعاً إلى أن يتوبوا إلى الله، وأن يصلحوا ذات بينهم، كما أمر الله بذلك وجعل الإصلاح بين المسلمين من علامات الإيمان في فقال تعالى: قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1].
ندعو إلى الصلح بين المسلمين لاسيما العلماء، والتقارب بينهم، ونقول: إذا كان عندكم جهد، وعندكم قوة، وعندكم مناعة، فاجعلوها على أعدائكم، على أعداء الدين، فهناك دعاة الفساد، والضلال، ودعاة الشرك والبدع، وجهوا لومكم إليهم، فهؤلاء الذين يدعون إلى الغناء واللهو، ويحرصون على بثه ونشره، لماذا لا تجعلون دعاءكم أو توبيخكم عليهم، كذلك أيضاً هناك دعاة التصوف الصوفية وما أكثرهم، الذين ينشرون البدع، ويعطلون في أيام الموالد، ويحيون الليالي التي ابتدعت عبادات فيها، كصلاة الرغائب مثلاً، وكذلك إحياء ليلة المعراج، وإحياء ليلة المولد النبوي، والاحتفال بها، مع أنها بدع ما أنـزل الله بها من سلطان، وكذلك الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، والغلو في الأولياء، وعبادة القبور، أو الدعوة إلى تعظيم الآثار والمزارات ونحوها، ما أكثر الذين يدعون إليها بـالمملكة وفي خارج المملكة، فلم سلم هؤلاء من شركم وتسلطتم على الأخيار وعلى العلماء؟!
سلم النصارى واليهود، والصوفية، والمبتدعة، من أشراركم والرافضة، والمعتزلة، والمعطلة، ونحوهم سلموا من شروركم، وجعلتم شركم موجهاً إلى إخوانكم الذين نفع الله بهم، فندعو إلى أن تتوبوا إلى الله، وأن تصلحوا ذات بينكم، وأن تصلحوا مع إخوانكم، وأن تعرفوا فضلهم وخيرهم، وأن تغبطوهم بما أعطاهم الله تعالى، ولا تفضلوا أنفسكم عليهم، ولا تضمروا لهم حسداً ولا بغياً، ولا تستطيلوا عليهم، ولا تعتدوا بأنفسكم، وأن تراجعوا أنفسكم حتى يتقبل الله منكم.
ولا شك أن اجتماع الكلمة واجتماع علماء الأمة على مقالة واحدة، وكونهم أمة واحدة مما ينفع الله به، فإن الأمة وعلماءها إذا كانوا مجتمعين أقوياء في ذات الله كان ذلك سبباً لضعف أعدائهم، البعيدين والقريبين، فإذا حصلت بينهم الفرقة، ضعفت قوتهم، وضعفت معنوياتهم، وقوي أعداؤهم، ومدوا إليهم الأطماع، أو أرسلوا الشبهات والتشكيكات حتى يصدوهم، وحتى يحرفوهم عن الحق، وهذا من كيد الأعداء من اليهود والنصارى ونحوهم، يفرقون بين الأمة، وأن الله تعالى قد حث على الاجتماع في قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].
وحبل الله هو شريعته ودينه، فالاعتصام والتمسك به والسير عليه، سبب للقوة، وسبب للفلاح، وسبب لنفوذ الأوامر، والتفرق والتخاذل والتعادي وتقاطع العلماءوتقاطع الأمة وتفرق الكلمة سبب لطمع الأعداء في المسلمين، ولو لم يكن من الأعداء إلا عدو قريب وهم الرافضة الذين كادوا أن يملئوا الأماكن، ويستولوا على كثير من البلاد الإسلامية، أو المملكة السعودية، هؤلاء أولى بأن توجه إليهم الطعون، وأن يحذر المسلمون من شرهم، فهم حريصون على أن تتفرق كلمة المسلمين، وأن يتفرق علماء المسلمين، وأن يكونوا أشتاتاً متباغضين، متناحرين، فإذا رأوا أن هؤلاء المشايخ على حالة والآخرين على حالة، رأوا أن اجتماعهم هو سبب لقوتهم، وسبب لضعف أعدائهم، فلنحرص على ما يقوي علماء السنة، ويضعف علماء البتدعة، حتى نكون أمة صامدة في وجوه الأعداء، وحتى ينصرنا الله تعالى وينصر دينه ويعلي كلمته، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على محمد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، أما بعد:
هذا السؤال موجه إلى سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السؤال: يا شيخ! هناك بعض طلبة العلم الذين عادوا من المدينة وغيرها، بدءوا في تحذير الشباب من عدة مشايخ وهم سلمان العودة وسفر الحوالي وناصر العمر وعائض القرني بأن منهج هؤلاء مخالف لمنهج السلف الصالح، وعلى طلبة العلم أن لا يستمعوا إلى أشرطتهم، وإذا أرادوا أن يحيلوا إلى السبب في هذا الأمر أحالوهم إلى مشايخ المدينة، ولم يحيلوهم إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله فما رأيك يا شيخ؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
أرى أن مثل هذا العمل عمل منكر، وأنه لا يجوز للناس أن يفرقوا بين العلماء بدون حق، وما ذكر عن المشايخ الذين تقدم السائل بذكر أسمائهم، فأنا لا أعلم عليهم إلا خيراً، وهم من إخواننا الذين لا نسيء الظن بهم، ونرى أن من ذمهم فإن الواجب عليه أن يتق الله عز وجل وأن ينظر في الأمر الذي ذمهم من أجله، وأن يتبصر فيما يقولون، وفيما يدعون إليه، فإن كان حقاً فهذا هو المطلوب، وإن كان خطأ فقد يكون الخطأ عنده لا عندهم، فليتكلم معهم ويبحث معهم، ثم الحق ضالة المؤمن أينما كان.
الشاهد أنني أفرق بين محمد بن سرور وبين بعض الأفراد كـسلمان وسفر هؤلاء من الشباب الناشئين في الدعوة السلفية، وأنهم معنا في العقيدة وفي المنهج، لكن قد يكون خالطهم شيء من سياسة الإخوان المسلمين.
أنا أقول: قد يكون لأن الحقيقة أنني ما التقيت بهم إطلاقاً مع كثرة ترددي إلى السعودية حجاً وعمرة، لكن الظاهر أنهم ما كانوا نبغوا هذا النبوغ الذي ظهر أخيراً منهم، وإن كان زارني منذ أقل من سنة أحد هؤلاء الذين ينهجون منهج الجماعة هؤلاء وهو ناصر العمر فزارني هنا والتقيت به، وجرى نقاش بيني وبينه حول كتيب صغير له اسمه، فقه الواقع والحقيقة أنني أيضاً سررت منه؛ لأنه أشعرني بأنه فعلاً معنا على الخط، أي ليس عنده تحزب، وليس عنده تعصب، فقد تراجع عن غير قليل من الأمور التي ذكرها في كتابه هذا فقه الواقع، ووعد بإعادة النظر في قضايا أخرى، أسرني هذا جداً منه، وشعرت بأنه فعلاً معنا على الخط، أما سفر فما التقيت به، كذلك سلمان، لكن سلمان من قبل كان أرسل لي خطاباً قصيراً جداً، يظهر في هذه الرسالة الصغيرة عواطفه تجاه الألباني وعلمه ودعوته... إلى آخره وهذا ما لا يمكن أن أسمعه من الإخوان المسلمين مستحيل!
بعد ذلك اتصل بي هاتفياً أكثر من نصف ساعة وهو يتكلم، وأيضاً يؤكد ما كان أوجزه في تلك الرسالة، ثم أرسل إلي خطاباً مسجلاً على الورق وأظهر شيئاً لا أعرفه من غيره حتى من إخواننا السلفيين قال: انظر أي مسألة أنت تراها في كتبي لك نقد عليها، أو اعتراض أو تصحيح، فأنا مستعد أن أنشر كل شيء تعدله وتصححه وتغيره، إلى آخره، هذا يدل على نفسية عظيمة جداً من حيث أنه تقبل الحق من الآخرين، ويتمنى بحرارة أن تزول بعض الأحوال القائمة هناك، حتى يسارع إلى زيارتي.
خلاصة القول: أنا أعتقد أن إخواننا الذين نجلس معهم دائماً يعرفون رأيي هذا منذ أول ما بدأنا نطلع على بعض رسائلهم، أن هؤلاء الإخوان مثل سلمان وسفر ونحوهم هم معنا على الخط السلفي لا شك ولا ريب في ذلك، لكن هناك ملاحظتان فقط: إحداهما سبقت الإشارة إليها وهي أنهم قد يكونوا متأثرين بأسلوب دعوة الإخوان المسلمين إلى حد ما.
الشيء الثاني: أنهم ناشئون فيما يتعلق بالعلم من الكتاب والسنة، ليسوا متمرسين فيهما، فقد يبدو خاصة من سلمان بعض كلمات أعتبرها أنها بسبب التسرع في تبني رأي ما، دون عرض هذا الرأي لبساط البحث والمناقشة، لكن هذا كله لا يخرجه عن الدعوة التي نحن نلتقي معهم ويلتقون معنا، وأسفت جداً حينما بلغني ثم اتصل بي أحد الإخوان السلفيين هناك، وزارنا هنا وكان بعض إخواننا الجالسين حاضر، وإذا بجماعة السلفيين فيالحجاز، وربما أكثر من الحجاز انقسمت إلى طائفتين كما حصل هناك في أبو ظبي، ونصحنا الجماعة الذين هم معنا بعدم الاشتغال بالسياسة لكنهم يحملون حملات شعواء جداً على سلمان وعلى سفر، ويظنون فيهم ظن السوء، وجرى نقاش بيني وبين هؤلاء الذين يظنون هذا الظن، وأنكرت عليهم أشد الإنكار وأن هذا لا يجوز، ويجب أن نتحمل إذا وجدنا من بعضهم رأياً مخالفاً لما هو المعروف عندنا كجماعة -مثلاً- فالدعوة السلفية لا تعرف التعصب لشخص معين، أو لرأي معين، إنما الحجة والبرهان والدليل، فهذا الذي أنا وصلت إليه إلى الآن، قبل أن أتصل بالشخصين المذكورين شخصياً فهم معنا في الدعوة، لكن قد يكون لهم اطلاع في بعض الجوانب لا يشاركهم الإخوان الآخرون فيها، وقد يكون لهم بعض الاجتهادات في بعض المسائل الفرعية، تكون موضع نظر، وقد يكون الصواب معهم أو مع غيرهم، فما ينبغي أن يكون مثل هذا الاختلاف في بعض الجزئيات سبباً للفرقة، ونحن نعلم جميعاً أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين هم بنص القرآن الكريم كانوا خير أمة أخرجت للناس، ومع ذلك كانوا مختلفين في بعض المسائل التي لو وقع مثلها اليوم لتصدع الصف بسبب هذا التعصب، وعدم الرجوع إلى القواعد والأصول، هذا ما عندي حول هذا الموضوع.
السؤال: فضيلة الشيخ ما وصيتك للإخوة السلفيين الذين يزعجون، أو يؤذون، بأن يقال عنهم بأنهم سروريون وهم ليسوا سروريين، ربما قرءوا مجلة السنة واستمعوا إلى أشرطة بعض الإخوة ثم يتكلم عنهم في المجالس بأنهم سروريون، فاعتزلوهم وتركوهم، فما وصيتك لهؤلاء الذين يقال عنهم هذا؟
الجواب: أولا: أظن أنه يفهم شيء من جواب هذا السؤال مما سبق، سرور كشخص وله تلك المجلة، لكن لم نطلع على منهجه وعقيدته بقدر ما اطلعنا على دعوته السياسية، ولذلك فلا يجوز أن ننسب إخواننا هؤلاء الذين يشتركون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة والتوحيد ومحاربة البدع، هذا الجانب لا نعرفه من سرور، لو كان العكس لكان أقرب، لو نسب سرور إلى هؤلاء كان مقبولاً، لأن سرور لا نعرف عنه شيئاً من هذا العلم الذي نعرفه عن هؤلاء.
ولذلك فأنا أنصح إخواننا هؤلاء الذين يتسرعون في نسب من هم معنا في الدعوة السلفية كـسلمان وسفر إلى شخص لا نعرف ما هي حقيقة دعوته، نحن نتمنى أن تكون دعوته هي الدعوة السلفية، بل أن تكون دعوته دعوة سلمان ودعوة سفر، وإن كنّا قد ألمحنا آنفا أنه قد نأخذ عليهم بعض الأشياء الطفيفة التي لا يمكن أن ينجو منها صحابيان، أي: يكون بينهم شيء من الخلاف، هذا لا ينبغي أولاً أن يكون سبب التباعد وسبب التباغض وسبب التنافر، والتفرق كما في قوله تبارك وتعالى: وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:31-32].
ونعلم قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6] فهؤلاء إخواننا الذين يتهمون هؤلاء الإخوان السلفيين بأنهم سروريون نقول لهم: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
أولاً: سوف لا يستطيعون أن يقدموا دعوة سرور ما هي، فإذاً هم يتهمون هؤلاء الذين عرفوا بدعوتهم بدعوة إنسان لم تعرف دعوته ما هي؟
فتشملهم تلك النصوص التي ذكرتها آنفا من القرآن، ثم يأتي أخيراً قوله عليه الصلاة والسلام: {كفى المرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع}.
ولذلك فأنا أذكر كل إخواننا السلفيين في كل بلاد الدنيا الذين هم معنا على أصول الدعوة السلفية وفروعها، ومنها ألا ننقل خبراً إلا بعد أن نتثبت منه، فاتهام هؤلاء بأنهم سروريون هذا خطأ بينٌ وواضح، ثم هو مفرق للصف فلا يجوز؛ هذا ما عندي.
السؤال: ماذا توصي أولئك الذين يتهمون -مثلاً- شباب سلفيون بأنهم سروريين لكنهم حتى الآن نوصيهم بالهدوء، ونوصيهم بالتزاور؟
الجواب: بلا شك في هذا لا ينبغي أن يهتموا بما قد يبلغهم من نسبة هم يعلمون من أنفسهم أنهم ليسوا منتسبين إليها، ونوصيهم بالصبر من جهة، كما نوصي الطرفين باستعمال الحكمة كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] فالصبر هو أساس النجاة في كل أمور الحياة.
الجواب: أعوذ بالله! أعوذ بالله! أعوذ بالله! رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران:8] وقال: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] هذه دعوة المسلم نسأل الله -جل وعلا- ألاَّ يجعل في قلوبنا غلا، وأن يجعل فيها محبة لأولياء الله، وبغضاً لأعداء الله، لا أن تنعكس القضية فيكون في قلبه بغض لأولياء الله، ومحبة لأعداء الله.
أكرر القول والتذكير بقول الله: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10] فهؤلاء النوع الذين حُذِّر منهم أليسوا مؤمنين؟
أليسوا دعاة؟
أليسوا أئمة مساجد؟
ونتحفظ عن الأسماء، أليسوا أصحاب حلق وما إلى ذلكم؟!
متى وجد أن المسلمين بعضهم يحذر من بعض؟!
يا إخواني! حذرونا من المبتدعة الابتداع الواضح، حذرونا من الطغاة الذين يحكمون بغير ما أنـزل الله! حذرونا من الذين ظلموا عباد الله في كل مكان! لكن تحذروا شباب الإسلام من أن يستمعوا لدعاة الإسلام؟!
على كل حال مثل هذا المقال لا يجوز أن يصدر من مؤمن مهما كان مستواه العلمي، لا يجوز أن يصدر من داعية، وإن صدر منه فلا شك أنه أحد رجلين، أو من أحد القسمين الذين ذكرت: إما أن يكون اشتبه الأمر عليه وتسلط شيطانه عليه وجاءه باجتهادات، وآراء أيضاً خاطئة، ولا صلة لهم بالأمور الأخرى، أو أن يكون بوقاً من الأبواق التي تخدم في الباطل باسم الدين وباسم التحرير، وليس هذا بغريب، يا إخوة ليس هذا غريب أذكر أني قد قرأت تقريراً، هذا التقرير نقلته مجلة الندوة أو مجلة المدينة قبل عشرين سنة، وهذا التقرير أيام فتنة جمال، تسلط جمال عبد الناصر على الإخوان، قالت: إنه اختص بها وأنها حظيت به فهو سري معد من رئيس استخبارات مصرية -مع الأسف- في الوقت الذي يعادون اليهود فيه، واستخبارات أمريكية، واستخبارات يهودية، التقرير استعرض وضع الإخوان.
ومن النقط التي علقت بذهني نقطتان: نقطة في العرض منه، ونقطة في الحلول التي وضعوها، التي في العرض قالوا: وهم يستعرضون الإخوان: إن المتدينين من الناس لهم من غيرهم رصيد لهم هذا صحيح، يعني مهما كان في مسلم من نقص فأخوه المسلم يحس بإحساسه، {المسلم أخو المسلم} بقطع النظر عن الانتظام أو عدم الانتظام، إنما المؤمنون أخوة، فكأن البقية أرصدة لهم، معناه إذا وجد شيء، سيكون المتدينون أرصدة لهم.
النقطة في الحل:
الثاني: قالوا: "يجب أن يسلط عليهم من بينهم من يشكك بعضهم في بعض" مثال يقال: ملتحون لو جاء بينكم كعشرة في رحلة حليق أو ناقص أو غيره ممكن تتيحون له الفرصة، لا لكن يأتي واحد من بينهم ومن نفس النوع يشكك بعضهم في بعض، وهذا التقرير محمول من قبل اثنين وعشرين سنة، من خصوم مسلمين بقطع النظر عن مستواهم، لكن ما خرجوا من الملة، الآن نجد آثاره وإن لم نقرأ أو نحدد أن فيه تسلطاً على المسلمين بعضهم من بعض، ولا نقول هذا معناه أننا لا نلمس، نحن نلمس ذلك ونقرأ ونعرف أن الكثير من المداخلين للشباب، وللملتزمين أن من بينهم من يطرح الشيء ليشككهم في هذا الأمر، وليغريهم في هذا الأمر، وحسبنا قريباً ما حصل -وبالأخص مع الأسف- عندنا في الرياض فتنة عمياء -نحمد الله سبحانه وتعالى أن وقى الله المسلمين شرها- تخويف وتقليل من شأن العلماء إلى حد أن عدداً منهم في بيان ما استثنوا من العلماء إلا اثنين في مقدمة من استثنوا، ابن باز، وابن جبرين، وعدد معهم آخر، فعلى كل حال: أنا أعتقد أن مثل هذا يعتبر تسلطاً من الدعاة على الدعاة، ومن المتعلمين على المتعلمين، ومن السلف وممن ينتمي إلى السلفية -أنا لا أقطع بسلفية بعض الناس يقول: هو منتمي إلى السلفية- على من لم ينتم لها، ولا شك أن مما يجعلنا نقسو ونقول هذا القول أنني سمعت شريطاً لأحدهم يقول: فلان سلفي الظاهر مبتدع الباطن! أنا سمعت هذا بأذني، وكلكم قد يكون سمعه، فبالله هل الأنبياء إدعو مثل هذا، هل يوجد نبي ادعى أنه يعلم الغيب، أو حكم على الناس على بواطنهم، عمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: [[الناس يؤاخذون في وقت الوحي بالوحي، أما الآن فيؤاخذون بما يظهر لنا منهم]] يعني فلان سلفي الظاهر مبتدع الباطن! هل هذا من العدل؟
أليس هذا والله أعلم منبعث من سوء نية؟
ومن تسلط؟!
إن قلنا: أنه ليس سوء نية ولا تسلط، معناه اجتهاد أعمى، أقل أحواله أنه يدعي أنه يعلم الباطن! هذا الكلام تعرفونه كثيراً وهو عندكم في أشرطة، فلا شك أن مثل هذا الكلام أن القول به أو التحذير من طالب علم معروف بالخير، أو التحذير من داعية كونه سياسياً قول باطل وهل أنتم تفصلون السياسة عن الدين؟!
إن الذي يفصل الدين عن السياسة هذا هو محل الإبعاد، ومحل التهمة، ومحل -أيضاً- تعطيل جزء كبير من دين الله، وإذا تكلم إنسان في أمر ما! قيل: هذا سياسي!الحباب بن المنذر لما قال للرسول عليه الصلاة والسلام: {أهذا منـزل أنزلك الله إياه أم هو الحرب والمكيدة قال له: بل الحرب والمكيدة} فهل هذا تدخل في السياسة أم لا ؟!
هذا تدخل في السياسة، فالرسول عليه الصلاة والسلام عندما أبرم العقد مع غطفان وكتب العقد على أن يرجعوا عن المدينة ولهم ثلث ثمارها جاء السعدان رضي الله تعالى عنهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهم الرسول بعد أن كتب العقد لكن لم يوقع ولم يستلم: {قالوا لرسول الله: أهذا أمر أمرك الله به؟ قال: لا، قالوا: أهو أمر تحبه عملناه؟ قال: لا، قالوا: والله ما أكلوا منها ونحن وهم في الجاهلية إلا بشراء أو يكراء فكيف ونحن في الإسلام؟!
وأنا أقسم بالله وأباهل أن بعض من يعترض على هذا الأمر لو خَلَى له الجو ولم يكن هناك مؤثرات، لقال: هذا هو الحق، ومن يقل بفصل الدين عن السياسة؟!
ومن يقول: إن الحكومات لا تنتقد، ومن يقل: إن الوضع العام طيب ولا يُنْتَقَد أولا يسمح بهذا؟!
معنى هذا إخراس الألسنة، وإماتة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحمد لله أنه لا يزال في الزوايا بقايا.
فالأمة لو أجبرت على أمر ما، يمكن أن يعترضها قصور لكن يبقى منها من بقي، على كل حال نرجو الله أن يرحم إخواننا جميعاً الناقدين والمنقودين، المتسلطين والمتسلط عليهم، وأن يجمع كلمتهم، وأن ينور قلوبنا وقلوبهم، وأن يجعلنا وإياهم جميعاً ممن يتحقق فيهم هذا الدعاء رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].
لعل من المناسب هنا أن ندعوك إلى الاستماع إلى ما قاله أخونا الكريم الشيخ عبد الوهاب الطريري في إحدى خطبه فلعل في ذلك ما يفيد:
العلاج الحقيقي لقالة السوء التي فشت وآذت فأصمت الآذان، وزكمت الأنوف، ولا زالت ينفخ في كيرها كل ملفوج الشفة مر اللسان، إن العلاج الحقيقي لها يكون من خلال التعامل معها بالأسلوب النبوي، وإليك هو باختصار:
عاد النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، وفي مسيره ذلك ألقى رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول قالة سوء وقحة، قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؛ ويعني بالأعز: نفسه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسرت قالة السوء في الجيش، فلما سرت تعامل معها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعامل النظامي تعامل المجرب المحقق، فماذا عمل؟
لقد أشغل الجيش بالسرى فما أن سمع بالمقالة حتى آذن الجيش بالرحيل في ساعة ما كان يرحل فيها، فسار بهم نهارهم كله، ثم سرى بهم الليل كله، ثم مشى بهم يومه ذلك حتى آذتهم الشمس وأضناهم المسير، وأجهدهم السير، فما إن وقف بهم فلمسوا الأرض حتى سقطوا على الأرض سقوط الجدر، فلم يبق لقالة السوء مساغ في هذا الجيش الذي قطع ليله بالسرى ولا في هذا الجيش الذي ألقي على الأرض مجهودا، نحن بحاجة إلى هذا العلاج النبوي نتعامل به مع قالة السوء، إذا فشت وحاول الموّتُور إذكاءها، نتعامل مع قالة السوء بالسرى، السرى في حفظ القرآن العزيز، في حفظ الإرث النبوي الكريم، السرى في تَفْلِيَةِ المسائل العلمية، وكد الأذهان في تحصيل الفقاهة الشرعية، السرى في مكافحة الفساد وتطهير المجتمع، السرى في أعمال الدعوة والدلالة على الخير، السرى، خير ما يشغل عن قالة السوء، ويقضي عليها ويميتها.
إذاً فليتذكر كل منا أن عليه أن ينصرف لما هو أجدى، وأن يعرض عنه قالة السوء صفحا، وأن نتذكر جميعا أن هذه القالة التي فشت إنما هي زوبعة ستمر وتنتهي حتماً، لأن الذين يذكونها بلا قضية، ثم هذه القالة من أتعب فيها نفسه، وكد ذهنه، وأفنى جهده، يفتح يده فلا يجد فيها إلا قبض الريح، ويلتفت يمنة ويسرة فإذا الذين أعرضوا عنها يوم كان بها مشغولاً قد حصّلوا من الخير ما حصلوا، وحازوا من الخير ما حازوا أما هو فرجع بالصفقة الخاسرة.
تذكر أن التفاعل مع قالة السوء هو أكبر وقود وإمداد لها، أما لو انشغل الشباب بالسرى فيما هو أجدى فإن قالة السوء لن تجد في أوقاتهم فراغا، ولا في أذهانهم مساغا، وستجد من سراهم حائطاً صلباً ترتطم به ثم ترتد إلى قائلها، فيرتد طرفه وهو حسير.
تذكر أيها الموفق أنك تُعَد لأمر عظيم:
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل |
فلا تكن -رعاك الله- زاملةٌ تنقل قالة السوء، همك نقل ما قال فلان إلى فلان، وأن تخبر بمضمون شريط فلان في فلان، كلا، فلك من همومك ما هو أعلى، ومن شغلك ما هو أجدى، إذا سمعت هذه القالة فأَشِحْ عنها بوجهك، وأعرض عنها، واطو عنها لِيْتاً وقل:
{قد أتى آل
تذكر بارك الله فيك -وأنت على ذكر- أن علينا ألا نؤجر عقولنا، وألا نوزع اهتماماتنا بالمجان، فلا نجعل من اهتماماتنا مزاداً مفتوحاً يزايد فيه كل فارغ لا شغل له ولا قضية.
تذكر -وأنت على ذكر- أن كلاً منا سيقدم على ربه يوم القيامة فرداً، ولن ينفعني أو ينفعك فلان الذي تكلمنا له في فلان، ولكن سينفع كلاً منا لسانٌ حَفِظَه: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
تذكر -وأنت على ذكر إن شاء الله- أنه ليس هناك خير يفوت عليك بسكوتك وإعراضك، والسلامة لا يعادلها شيء.
تذكر أن حرمة عرض المسلم ثابتة بيقين، وأن حرمة عرضه كحرمة دمه وماله: {إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام}.
هل نحذر أن نلقى الله وقد انتهكنا عرض مسلم، أو اشتغلنا به.. تذكر أن على الإنسان ألا ينطلق في المخاطرة بدينه من قناعات الآخرين، فقد يخادع الإنسان نفسه، أو يخادعه شيطانه بأن هذا التهوك والتشاغل من الدين، حينها تذكر أن الشيطان لا يعرض على الصالحين الحرام في صورة حرام، ولكن يعرض عليهم الحرام في صورة واجب.
تذكر أنا ونحن نرى هذه الزوبعة لم نرها أنها أحقت حقاً، ولا أبطلت باطلاً، ولا أحيت سنة، وإنما ربت على الاستهانة بالغيبة، وهدر المجالس فيما لا ينفع، والانشغال عن المهمات، وتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سلمت فارس، والروم، واليهود، والنصارى، والرافضة، والمجوس، ولم تسلم أعراض الدعاة، تذكر أن قناعتك بالحق ليست كافية في أن توصله بأي أسلوب شئت، وأن كثيراً ممن قدم هذه البلاد فتعدلت عقائدهم واستقامت حالهم لم يُهْدَوا إلى العقيدة الحقة بالغمز واللمز والإيذاء النفسي، كلا ولكن هدوا بالصبر والاحتساب والكلمة الطيبة والنية الصادقة.
تذكر -بارك الله فيك- أن علينا ألا نتخذ موقفاً ولا نتكلم بكلمة إلا ولنا عنها جواب عند الله عز وجل حتى لا تلحقنا منها ندامة في الدنيا ولا حسرة يوم القيامة، تذكر وانظر من هم أسرع الناس إلى هذه الزوبعات، إن الذين سبقونا إليها ليسوا أكثر الناس صوما، ولا أكثر الناس صلاة، وليسوا فيما يظهر للناس أتقى ولا أورع.
ولكن نراهم أهل البطالة والاستهانة بالوقت، وهدر الجهد، أفنرضى أن يكون هؤلاء لنا أسوة؟!
ثم انظر -بارك الله فيك- إلى أهل والتقى والخشية، فستراهم أعف الناس ألسنا، وأكثرهم عن هذا الأمر إعراضا.
ختاماً -أيها الإخوة أيها الأحبة- نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا جميعاً على الحق وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إن الله سميع مجيب. وإلى لقاء قريب والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر