أيها الإخوة الكرام: هذا هو الدرس السابع عشر من الدروس العلمية العامة، وإن كان هو الدرس الأول في هذا المسجد، ونسأل الله تعالى أن تكون نقلته إلى هذا المسجد نقلةً مباركة، وهذه ليلة التاسع والعشرين من شهر المحرم لعام 1411 للهجرة.
أيها الإخوة: لقد تحدثت في المجلس السابق عن جانب من الأحداث التي عصفت بمنطقة الخليج وما حولها، وقلبت الموازين في نفوس كثيرٍ من الناس، وأحدثت هزةً لكثيرٍ من المجتمعات، وكان أول ضحيةٍ لهذه الفعلة هو شعب الكويت، وهو جزءٌ لا يتجزأ من هذه الأمة، نرتبط معه برابطة الدين، والعقيدة أولاً، ثم برابطة الجوار ثانياً، ثم رابطة النسب ثالثاً؛ ولذلك فقد رأيت من المناسب أن أخصص هذه الحلقة للحديث مع أولئك الإخوة، ومن ثم جعلت عنوانها (يا أهل الكويت).
أهل الكويت وأبناء العمومة هل تشكون جرحاً فلا نشكو له ألما |
إذا حزنتم حزناً في القلوب لكم كالأم تحمل من همِّ ابنها سقما |
وكم نظرنا بكم نعماً يجسمها لنا السرور فكانت عندنا نعما |
ونبذل المال لم نُحمل عليه كما يرعى الكريم حقوق الأهل والذمما |
صبراً على الدهر إن جلت مصائبه إن المصائب مما يوقظ الأمما |
إذا المقاتل من أخلاقهم سلمت فكل شيء على آثارها سلما |
هل سمعتم بإنسان ٍيُرَحَّبُ به في داره، وبيته، ومنـزله، إن الترحيب إنما يكون بالغريب البعيد أو الضيف الطارئ، أما الأهل فهم يرحبون ويحيُّون، ولكن هذه الحدود، والسدود، والعوازل المصطنعة التي رسمها الاستعمار، ومزقت المسلمين شر ممزق، وفرقت بين بعضهم بعضاً، وأوجبت علينا أن نقول لكم: مرحباً، وإننا إذ نفسح لكم في قلوبنا، وفي بيوتنا ونتقاسم معكم ما ملكت أيدينا، إنما نرد إليكم بعض الجميل الذي قدمتموه لنا، ونقضي لكم بعض الديون.
ولقد علم المطلعون على أحوال الشعوب الإسلامية في المشرق والمغرب، أن أموال الأثرياء الصالحين من أهل الكويت، كانت وراء قيام كثيرٍ من المشاريع الخيرية الدعوية، فكم من مسجد بنت، ومدارس أسست، ومستشفيات أقامت، وحفرت من آبار، وطبعت من كتب، ووظفت من دعاة، فهذه صنائع المعروف التي قدمتموها يا أهل الكويت، وهي بإذن الله تقيكم مصارع السوء، فتكون نوراً لكم في طريقكم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: {والصبر ضياء، والصدقة برهان}.
<<
قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26] وقال سبحانه يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] قال أبو الدرداء رضي الله عنه: [[ من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين، ويجيب داعياً، ويعطي سائلاً، ويفك عارياً، ويشفي سقيماً ]].
إن المؤمن ينتظر هذا وذاك، فإن اغتنى ووسع الله تبارك وتعالى عليه، لم يصبه الأشر والبطر، ولم ينس حق الله سبحانه وتعالى في المال، وإن افتقر، ولم يحزن ولم يجزع؛ بل هو يعبد الله تعالى بالصبر على الضراء، والشكر على النعماء، عن أبى يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له} رواه مسلم.
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم |
ولهذا لما حدث لسليمان عليه السلام ما حدث من نعمة الله تعالى، وأعطاه الله ملكاً عظيماً لم يكن لأحدٍ من قبله ولا لمن بعده كما دعا بقوله: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35] وسخر الله له الشياطين يعملون بأمره، وسخر له الريح تجرى بأمره رخاءً فقال: قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:40] وكذلك لما سمع عليه السلام كلام النمل وهمس بعضها لبعض وهي تقول: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18] فشعر بجليل نعمة الله تعالى عليه، إذ سخر له ما سخر، وعلمه منطق الطير، فعرف ما تقول النمل، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:19].
وقال الله تعالى عن بني إسرائيل في آياتٍ تزلزل الجبال الراسيات وفي سياقٍ يهز القلوب هزاً، وهو ذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، قال سبحانه: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163] انظر كيف حرم الله تبارك وتعالى عليهم أن يصطادوا السمك في يوم السبت، وأحله لهم فيما وراء ذلك، فكانت السمك تأتي في يوم السبت كثيرة، ظاهرةً على سطح الماء، كبيرةً مغرية، أما فيما عدا يوم السبت، فإنه لا يأتيهم شيءٌ ابتلاءً لهم على كفرهم، وعنادهم، فَنُهوا عن صيدها في ذلك اليوم فلم ينتهوا، فعاقبهم الله عز وجل، قال سبحانه: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:164-165] فذكر الله عز وجل نجاة الآمرين بالمعروف الناهين عن السوء، وذكر هلاك الباغين المعتدين الفاسقين، وسكت عن الساكتين، فلم يبين هل هم في الناجين أم في الهالكين، قال تعال: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:165-168].
إن الله تعالى يبتلي بالحسنات كما يبتلي بالسيئات، ويبتلي بالغنى، ويبتلي بالفقر، يبتلي بالصحة، ويبتلي بالمرض، يبتلي بالنصر، ويبتلي بالهزيمة، يبتلي بالقوة، ويبتلي بالضعف، كل ذلك ابتلاءٌ وامتحان ولذلك قال عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] وقال تعالى: فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:15-16] كلا! ليس هذا هو المقياس، فالغنى يكون للمؤمن والكافر، والصحة تكون للطائع والعاصي، والمال يكون للفاسق والمؤمن، وأما المقياس الحق فهو الإيمان بالله وتقواه وتصريف هذه النعم فيما يرضي الله سبحانه.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما يصيب المؤمن من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍ ولا حزنٍ ولا غمٍ ولا أذى إلا كفر الله بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها}متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: {ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صَفِيَّهُ من أهل الدنيا ثم احتسب إلا الجنة} رواه البخاري.
وكتب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه علي رضي الله عنه يسأله كيف أنت؟ فرد عليه علي من قلب المحنة، ولب المصيبة بأبياتٍ من الشعر يقول فيها:
فإن تسألنِّي كيف أنت فإنني جليدٌ على عرض الزمان صليب |
عزيز عليَّ أن تُرى بي كآبة فيفرح واشٍ أو يساء حبيب |
فأنا أتحمل المصائب، وأتجلد لها فلا يظهر على وجهي حزنٌ أو كآبةٌ، يحزن لها صديقٌ أو يسر لها عدو.
وكان رجل من أهل الأندلس يعيش في نعمةٍ ما بعدها نعمة، مالٌ، وأهلٌ، وولد، وحبورٌ، وقصورٌ، وجمالٌ، وكمال، فزالت عنه هذه الأشياء كلها فكان يقول:
صبرت على الأيام لما تولَّت وألزمت نفسي صبرها فاستمرت |
فيا عجباً للقلب كيف اصطباره وللنفس بعد العز كيف استذلت |
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى فإن طمعت تاقت وإلا استذلت |
وكانت على الأيام نفسي عزيزة فلما رأت صبري على الذل ذلت |
وقلت لها يا نفس موتي كريمةً فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت |
إذاً يتذكر الإنسان هذه المعاني، فيدرك أن هذا منطق من يبتلى أو يصاب بعد أن يكون الله تعالى وسع عليه في يوم من الدهر.
ولذلك يقول ابن الوردي أيضا وهو من شعراء بني أمية، يصف حاله بعد أن تغير، وتقلبت به الأيام يقول:
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت لنا رغبة أو رهبة عظماؤها |
فلما انتهت أيامنا علقت بنا شدائد أيام قليل رخاؤها |
وصرنا نلاقي النائبات بأوجه رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها |
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت علينا الليالي لم يدعنا حياؤها |
وكان إلينا في السرور ابتسامها فصار علينا في الهموم بكاؤها |
وقد يدفع الله تبارك وتعالى عنك بهذه المصيبة شراً لم تكن تتصوره أو تتوقعه، تصور معي أن شعباً هُجِّرَ من بلده، وأخرج من داره بغير حق، وشرد من وطنه، فربما كان هذا الوطن بعد حينٍ ميداناً لحربٍ تقضي على الأخضر واليابس، أو محلاً لأسلحةٍ كيماوية تدمر الإنسان تدميراً، أو ميداناً لقنابل جرثومية لا تبقي ولا تذر، فحينئذٍ يتذكر الإنسان أن كل مصيبة يمكن أن يكون في طيها نعمة، وأنه إذا ما ابتلي بمصيبةٍ يتذكر ما هو أكبر منها.
ولذلك لما قيل لـعروة بن الزبير رضي الله عنه بعد أن مات أحد أولاده بالفجأة، وأفاق من عملية جراحية قطعت فيها رجله من الآكلة فقيل له: احتسب عند الله ولدك فلاناً، فرفع رأسه إلى السماء وقال: [[ اللهم لك الحمد، اللهم إن كنت قد أخذت فقد أعطيت، وإن كنت قد ابتليت فقد عافيت ]] نعم أخذ الله تعالى منه عضواً وأعطاه أربعة، وأخذ منه ولداً وأعطاه بنين عددا، فلذلك شكر الله تبارك وتعالى، ولم ينس نعمه الأخرى.
حتى إن أهل العافية في الدنيا إذا صاروا إلى موقف القيامة، ورأوا ما أعطى الله تبارك وتعالى الصابرين، من أنه يصب عليهم الجزاء والأجر صباً بلا حسابٍ، ولا وزنٍ، ولا كيلٍ، يتمنى أهل العافية حينئذٍ أن تكون جلودهم قرضت بالمقاريض، وأن يكونوا عاشوا في هذه الدنيا على جمرٍ، حتى يكون لهم مثل ذلك الأجر.
إذاً، الصابر يملك قلباً قوياً، يستطيع به أن يقاوم الشدائد ويبدأ به حياةً جديدة، ويصابر ويثابر حتى يصل إلى ما يريد، أما الجزوع فإنه ذو قلبٍ يائس، وقلب محطم، وقلب لعبت فيه العواصف، ولعبت فيه المحن، وقلب لعبت فيه الشدائد، وقلبٌ لا يملك التوكل على الله عز وجل فيأويه، ويرده ذلك إلى اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل.
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحةُ الأمل |
لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، اليائس ميت، واليأس كفر، وينبغي للإنسان مهما حصل له؛ أن يدرك أنه يعيش على آمال عريضةً يعلقها بالله عز وجل، وينتظر من الله تبارك وتعالى كل ما يرجو ويأمل، ويحذر منه كل ما يخاف.
والنفس طامعةٌ إذا أطمعتها وإذا ترد إلى قليلٍ تقنع |
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: {ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغني يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر} فإن العبد إذا عود نفسه على الصبر والتحملُ؛ اعتادت وصبرت وتحملت {ومن يتصبر يصبره الله} أي: أن الصبر عطاءٌ يعطيه الله تبارك وتعالى من يعلم أنهم يجاهدون قلوبهم على الصبر، ولذلك قال: {وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر}.
أفي الضحى وعيون الجند ناظرة تسبى النساء ويؤذى الأهل والحشم |
ويسفك الدم في أرض الكويت ضحىً وتستباح بها الأعراض والحرم |
ويستحف عقول الناس طاغية أعداؤه الدين والأخلاق والشيم |
مَوِّهْ على الناس أو غَالِطْهُمُ عبثاً فليس تكتمهم ما ليس ينكتم |
كفا الجزيرة ما جروا لها سفهاً وما يحاول في أطرافها العجم |
إنه جرح في قلب كل مسلم تصديقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى}.
يقول أحد المشردين الذين طردوا من بلادهم:
بكى عليَّ الصدى واللحن والوتر ولم أزل لعذاب الشعر أنتظر |
أَوْمَتْ إليَّ سواقيه فقلت لها مات الربيع ومات العطر والزهر |
فلا تظني صلاة الوحي آتية إن المصلين للإلهام قد عبروا |
إنا غريبان ساق الظلم أدمعنا إلى بلاد بها يستصرخ القدر |
ولا ديار ولا أهل ولا وطن ولا حياة ولا عيش ولا عُمْرُ |
مشردون بلا تيه فلو طلبوا تجدد التيه في الآفاق ما قدروا |
يلقى الشريد فجاج الأرض واسعة لكنهم بمدى أنفاسهم حشروا |
في خيمة من نسيج الوهم لفقها ضمير باغ على الإسلام يأتمر |
أوهى وأوهن خيطاً من سياسته لو مسها الضوء لانقدَّت بها السُّترُ |
لعلها غضبة الرحمن إن لنا درباً تعالت به الصيحات والنذر |
سرنا بعيداً وحدنا عنه فاختلطت بنا الدروب وصبت فوقنا الغِيَر |
لعلها صيحة جاءت معاتبة ولا تكاد لها الأعناق تنكسر |
هذه المصائب تعليم، وهي تأديب، وهي تربية، فقد يسمع الإنسان الموعظة من على المنبر، أو يسمع الكلمة تتلى، أو الآية تقرأ، أو الحديث يذكر، فيمر به دون أن يتوقف، ودون أن يصيخ له سمعاً، أو يصغي له قلباً، أو يقف، أو يعتبر، ولكنه يرى هذه المصيبة تنـزل به، أو بإخوانه، فتهزه هزا وتذكره أن الأمر جدٌ:-
الأمر جد وهو غير مزاح فاعمل لنفسك صالحا يا صاح |
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * ومَا هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق:13-14] النذر التي كان يقولها الصالحون، والتحذيرات التي كان يطلقها المؤمنون، والآيات التي كانت تقرع أسماعنا، جدٌ لا هزل فيها بحالٍ من الأحوال، ومن لم يصدق بالقول فإنه يصدق بالفعل، وها هي النذر تترى من بين أيدينا، ومن خلفنا، وهذه بعض ذنوبنا وما أكثر ذنوبنا!
وكم من إنسانٍ يدعي الإسلام، ومع ذلك يرفض أن يتحاكم إلى شريعة الله؛ لأنه يخشى أن يكون الحكم عليه، كم من سارقٍ كبيرٍ لا يريد أن يقام حد السرقة؛ لأنه أول المقطوعين، وكم من زانٍ يقيم بيوت الدعارة، ومواخير البغاء والرذيلة في بيته، أو مزرعته، أو فندقه، لا يريد أن يقام حكم الله! لأنه يعرف أنه أول المرجومين، وأول من تطالهم يد شريعة الله عز وجل، وبهؤلاء وأمثالهم خذلنا، ومن هؤلاء أُتينا، وهؤلاء هم سر فشلنا، وهزيمتنا، وهم سر ضياعنا، وضعفنا.
لقد والينا أعداء الله تعالى، وأحببناهم من قلوبنا، ونسينا الفيصل بين الإيمان والكفر، حتى أصبح الواحد منا، قد يستقبل الكافر بالبشر والترحاب، ويهش له ويبش، ويخاطبه بألطف العبارات، فيقول له: يا سيدي، يا أخي، أو يا حبيبي، أو يا مستر فلان، أو غير ذلك من العبارات، التي لا تدل إلا على التكريم، والولاء والمحبة والتقدير والتبجيل، وقد ترى مسلماً مستضعفاً فلا ترفع له رأساً، ولا تكترث له، ولو كان يصوم النهار ويقوم الليل؛ فهذه الموالاة للكفار هي من أسرار هزيمتنا؛ لأن الله عز وجل يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] فالولاء للكافرين هو أيضاً من أسباب الردة عن الدين.
وفي بعض الصحف والمجلات، كنت أقرأ ما يكتبونه للفتاة الكويتية، كيف تستطيع أن تصل إلى الشاب إذا رأته على شاطئ البحر لتمارس معه الجريمة، فيقولون مثلاً: أظهري يوماً من الأيام أنك تحسين بصداعٍ في الرأس، ثم تأتين له وتقولين إنني بحاجة إلى المساعدة؛ لأنني أحس بصداع وتكون هذه بداية، حتى تفعلي معه ما تشائين، هذا الأمر لم يعد سراً، ولم يعد مقصوراً على بيت من البيوت، أو على أسرة من الأسر، بل أصبح أمراً ظاهراً مشهوراً، وفي عدد من هذه البلاد يتحدث الناس به وكأنه ليس سراً، بل لقد حدثني بعض الإخوة: أن بعض البلاد التي قل دخلها من البترول أصبحت تتاجر باستقدام العاهرات من بلاد كافرة، وتتيح الفرص في الأسواق الحرة للشباب، حتى يكون هذا سبباً في إقبالهم على تلك الأسواق وشرائهم منها، خاصةً حين تكون أسواقاً ليس عليها إقبال. إلى هذا الحد بارزنا الله تعالى بالمعصية، وبالغنا في الشهوات، وظننا أن الدنيا كأسٌ، وخمرةٌ، وامرأة، ونسينا قول الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] ونسينا الرقيب العتيد الذي يحصي كل ما يفعله الإنسان.
فالعجب كل العجب أيها الإخوة! أننا في الوقت الذي تركنا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحولنا إلى النقيض، فأصبحنا في حالاتٍ كثيرة نأمر بالمنكر وننهى عن المعروف، وهذا لابد منه، لأن الإنسان لابد له أن يأمر وينهى، فإن لم يأمر بالمعروف أمر بالمنكر، وإن لم ينه عن المنكر نهى عن المعروف.
أرأيتم كيف إن مجتمعاتنا اليوم أصبحت تستغرب صلاح بعض الشباب؟! فإذا رأينا شاباً يعفي لحيته، أو يقصر ثوبه ضحكنا، وقلنا ما هذا؟! هذا مجنون، هذا عنده أفكار غريبة، هذا متطرف، وإذا رأينا فتاةً تلبس غطاءً على وجهها، وتغطي سائر جسدها، وتلبس قفازين بيديها، وتلبس العباءة وهي تخرج للجامعة، ضحكنا، وقلنا: ما هذه التي تمشي كأنها خيمة، هذه تريدنا أن نعود إلى عصر الحريم! والناس في القرن العشرين، وهذه تلبس عباءة، وغطاء على وجهها، فأصبحنا نأمر بالمنكر وننهى عن المعروف، بهذه الطريقة، وإذا أراد الشاب أو الفتاة أن يهتدي؛ وجد مائة عقبة وعقبة في طريقه، وأول من يقف في طريقه أحياناً الوالد والوالدة والبيت.
فهذه من أعظم المنكرات التي يجب أن نحدث منها توبةً صادقة، وعلاج كل ما سبق: هو أن نرجع إلى الله عز وجل القائل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] فيجب أن نقبل على الله تعالى بقلوبٍ قد انكسرت من هول المصيبة، وأقول: المصيبة مصيبتنا جميعاً، وندرك أن الدور علينا، أي إذا كان أحدنا يقول: هذه مصيبة الإخوة في الكويت نقول له: الدور علينا، والمصائب، والمعائب، والمنكرات التي أتحدث عنها، موجودة في كل بلد إسلامي، سواء هذا البلد الذي نحن فيه أم الكويت أو جميع البلاد الأخرى، وإن كانت توجد بنسبٍ متفاوتةٍ تكثر أو تقل.
ومن الذي دعاهم؟
ومن الذي مكن لهم؟
إنها ذنوبنا، ذنوبنا التي خذلتنا في المواجهة، وجعلت هؤلاء الأعداء وغيرهم يتسلطون علينا، ولو لم يتسلط علينا حزب البعث لتسلط علينا غيرهم، ومن قبل تسلطت علينا إسرائيل وتسلط علينا النصارى، وسامتنا شعوبٌ كثيرةٌ سوء العذاب، حتى أصبح حال المسلمين كما قال الأول:
إني تذكرت والذكرى مؤرقة مجدا فريدا بأيدينا أضعناه |
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصا جناحاه |
كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه |
فأول خطوة أن نسأل أنفسنا: هل اقتنعنا فعلاً أن ما أصابنا من مصيبة فبما كسبت أيدينا؟ وهذا قول الله عز وجل، أم مازلنا نغالط، ونجادل في الحقائق، ونقول: هذه لها أسبابٌ مادية وهي: كيت، وكيت، وكيت، والأسباب المادية كلها صحيحة وعلى العين والرأس؛ لكن وراء الأسباب المادية السبب الشرعي.
لقد رأينا الشباب المؤمن كيف يضحي، فمن الشباب المؤمن من يعمل عشرين ساعة في اليوم والليلة في أعمال الإغاثة على الحدود، في الخفجي، والرقعي، والحفر، والرياض وفي غيرها، ومن الشباب المؤمن من يغامر فيركب السيارة، ويقطع الرمال الطويلة، ويخرج من الحدود السعودية إلى الكويت؛ ليقوم بإنقاذ أسرةٍ جاء عائلها ولم يتمكن من إحضارها، ويلقون في سبيل ذلك المصاعب، والمتاعب، والمخاطر، حتى إنهم قد يقبض عليهم من قبل القوات العراقية، وقد يحقق معهم، بل حدث أن أطلق على بعضهم الرصاص، ولكن الله سلم، ومن الشباب من يصبح في القصيم ويمسي في الحفر، ويبيت عند أهله في الرياض، ليواصل العمل مرةً أخرى، وهكذا غفل الشباب عن أولادهم وذهلوا عن زوجاتهم، وتركوا أعمالهم، واستماتوا في سبيل نصرة إخوانهم وإعانتهم في مثل هذه الأزمة الحرجة.
ومراعاة هذه الفروق من الضرورات التي لا محيص لنا عنها بحالٍ من الأحوال، فنحن نريد أن نكون جسداً واحداً ولحمةً واحدة، ويعز علينا ويؤذينا ويحرجنا أن يتعرض أخٌ من إخواننا، أو أخت من أخواتنا لاعتداءٍ من فاسقٍ، أو سوء ظن من صالح، ولذلك أقدم لإخواني الكويتيين ولأخواتي هذه الملاحظات:
إن المساجد هي التي تشهد البذل والعطاء، والقلوب الحية المشفقة الباذلة المعطية، ولذلك يجب أن تكون المساجد ميداناً للقاء بيننا، والتعارف مع إخواننا، وإذا أردت أن تعرف حقيقة المجتمع، فإن هذا المسجد هو الذي يؤوي صفوته، وخياره، ولهذا يجب أن نستعد لأداء الصلوات مع الجماعة في كل وقت، وأن نعمل على توفير الأسباب المعينة على ذلك، كالنوم مبكراً مثلاً، وإعداد ساعة أو غيرها مما ينبه الإنسان، والتعرف على مكان المسجد، ودعوة الآخرين ممن يقصرون في ذلك إلى الصلاة، فإذا كان في المجموعة شابٌ يصلي في المسجد، فإن عليه أن يحمل لإخوانه الآخرين هذه الهدية وهذه النصيحة ويبلغهم بهذا الرجاء.
فأقول: أما من حيث الدليل فقد دلت أدلةٌ شرعية كثيرةٌ ذكرتها في غير هذه المناسبة على أن المرأة المؤمنة يجب عليها أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، ومن الأدلة على ذلك أن أمهات المؤمنين كن يغطين وجوههن عن الرجال الأجانب حتى في حال الإحرام، مع أن المرأة حال الإحرام لا يجوز لها أن تغطي وجهها، إلا إذا كان عندها رجالٌ أجانب، ومن الأدلة على ذلك قول الله عز وجل: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] فإن الضرب بالخمار على الجيب يعني تغطية الوجه، وإنما يسمى الخمار هو غطاء الرأس وغطاء الوجه، وحتى أهل الجاهلية كانوا يتقون أن ينكشف وجه المرأة، أو ينظر إليه حتى قال الشاعر عن امرأة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد |
أي وضعت يدها أمام وجهها حتى لا يراها الناس ولا ينظرون إليها، ولذلك فإن من الخطأ أن تخرج أختٌ كويتية وهي سافرةٌ الوجه للشارع، أو تظهر أمام رجل أجنبي في المدرسة مثلاً، أو تخرج للسوق، أو غير ذلك، بل يجب أن تستعد بعباءةٍ وغطاءٍ لوجهها، وغير ذلك مما تحتاجه؛ لأن هذا أولاً كما ذكرت هو قولٌ قوي في الشرع له ما يؤيده من الأدلة، ومذهب جماعة من العلماء.
ثانياً: فإنه أمرٌ مستقر في هذه البلدة، مألوف بل غيره مما يستنكر، ويستغرب على كافة الأصعدة، فمن كانت من الأخوات مقتنعة بأن الحجاب واجبٌ شرعي فلتتحجب، ومن لم تقتنع، فإننا نقول لها: تحجبي على الأقل مراعاةً لمشاعر الآخرين، واحتراماً لعاداتهم التي جروا عليها، ونقول هذا على سبيل التنـزل لهم.
ومن الأشياء المتعلقة بموضوع المرأة أيضاً: قضية الاختلاط، فإن وضع الإخوة الحالي قد يؤدي إلى اختلاط المرأة بالرجل، ونحن ندرك أن هذا الأمر قد يقود إلى فسادٍ عريض، وأين نحن من أولئك الرجال الذين كان الواحد منهم يحس بالنخوة، والشهامة فيحمي المرأة، ويحامي دونها، ولا يهم بالنظر إليها، فضلاً عما هو وراء ذلك، حتى في الجاهلية كان الناس يتقون هذا، وقد قال بعض شعرائهم:
أرى دار جاري إن تغيَّب حقبةً علي حراماً بعده إن دخلتها |
قليل سؤالي جارتي عن شئونها إذا غاب رب البيت عنها هجرتها |
أليس قبيحاً أن يُخبَّر أنني إذا كان عنها شاحط الدار زرتها |
يرى أنه يعاب عليه أنه إذا غاب جاره جاء إلى زوجته، فيهجرها حتى يعود الزوج، ويقول حاتم الطائي:
ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي تنـزل القدر |
ما ضر جاراً لي أجاوره ألا يكون لبابه ستر |
أغضي إذا ما جارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر |
ومع الأسف هذا منطقُ كافرٍ، فأين منطق كثيرٍ من المسلمين؟!
والثالث يقول:
شرت جارتي سترا فضول لأنني جعلت جفوني ما حييت لها سترا |
وما جارتي إلا كأمي وإني لأحفظها سراً وأحفظها جهرا |
بعثت إليها أنعمي وتنعمي فلست مُحِلاً منك وجهاً ولا شعرا |
فبالنسبة للإخوة عليهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن لا ينظروا إلى ما حرم الله. قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] وبالنسبة للأخوات: فإن على الأخت المؤمنة أن تكون مبالغةً في الحجاب، بعيدة عن التبرج بالزينة، أو الخضوع بالقول، أو فعل أي أمرٍ من شأنه أن يوهم الرجال بأن في قلبها مرض.
ومن ذلك -أيضاً- ما حُدِّثت به في هذا البلد وغيره: أن عدداً من الأخوات الكويتيات قد تخرج إلى السوق، وتقود السيارة، ولا شك أن هذه قضية غير سائغة لا شرعاً ولا عرفاً، أما من حيث الشرع فيكفي، أن هناك فتوى لجماعةٍ من كبار العلماء في المملكة بتحريم قيادة المرأة للسيارة، وحتى على فرض أن هذا التحريم لظروفٍ خاصة، فإن المجتمع يمنع ذلك، وقوانين الدولة أيضاً تمنع أن تقود المرأة السيارة، ولذلك فإنه لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تخرج أختٌ تقود السيارة، وهي تستطيع أن تقوم بشئونها بغير هذه الطريقة، فتستعين بغيرها في ذلك، فضلاً عن أن هذا الأمر قد يجر متاعب أخرى ربما لا تكون بتصور بعض الأخوات اللاتي يقدمن على هذا العمل.
إنني حين أتحدث عن مثل هذه الملاحظات، لا يعني هذا فقدان الثقة ببعضهم، كلا. وإن كنت أقول ما من أحدٍ إلا وفي قلبه داعٍ من دواعي الشهوة والغريزة، حتى المؤمن وحتى المؤمنة، يوجد فيه ذلك، لكن يدفعه بالإيمان بالله والتوكل عليه، وما من مجتمعٍ إلا ويوجد فيه قدرٌ من الناس رجالٌ ونساء يكون في قلوبهم مرض، مرض الشهوة والميل للحرام، وحرص على انتهاك الحرمات، وهؤلاء لا شك بأنهم جزءٌ من المجتمع، فإذا تحدثنا عن المجتمع السعودي -مثلاً- عرفنا أن كل مدينة يوجد فيها أسرة أو أسر أو أفراد من هذا النمط، وعلى هذا الطراز ويحتاجون إلى أن يؤخذوا بالقوة، وإذا تصورنا المجتمع الكويتي مثلاً، وقد خرج بقضه وقضيضه حتى إنني سمعت في بعض الإحصائيات، أن عدد الأسر التي خرجت يزيد على خمسمائة ألف أٍسرة، إذا تصورنا هذا العدد الهائل، فإننا نجزم أن فيمن خرج من يكون في الأصل، وفي أول حياته غير متدين، ومن يكون علمانياً وبيته بعيدٌ عن الدين، بل من قد يكون من أصحاب مذاهب، أو اتجاهاتٍ أخرى، هذا كله قد يوجد قلَّ أو كثر، ولذلك فإننا نعتقد ونعتبر أن ذكر مثل هذه الملاحظات أمر في غاية الأهمية.
الجواب: حزب البعث أنشأه رجل نصراني اسمه ميشيل عفلق كان في سوريا ثم طرد منها وذهب إلى العراق وقد هلك في العام الماضي، وله كتبٌ كثيرةٌ منها كتاب: في سبيل البعث وهو منظر البعثية، ويقوم حزب البعث على أصولٍ ينادي ببعث الأمة العربية، وإحياء الأمة، ووحدة الأمة، وحدتها على أساس القومية العربية، يعني العربي المسلم إلى جوار الكافر، وإلى جوار النصراني، وإلى جوار اليهودي، أمةٌ واحدة فهذه من مبادئه القومية ومن مبادئه الاشتراكية. الاشتراكية تعني: نهب أموال الأغنياء لتكون لهم، بحيث يظل الجميع فقراء، هذه تسمى اشتراكية عندهم، وقد رأينا ما آل إليه أمر هذه الاشتراكية عند التطبيق العملي في البلاد العربية.
ومن مبادئه: الثورية، فإن حزب البعث يقوم على أساس الثورة المسلحة، ويؤمن بالحل العسكري، كما قرأت عليكم بعض عبارات ميشيل عفلق الذي يقول: "نحن لا نؤمن بالوحدة الساكنة التي تأتي من نفسها، إنما نؤمن بالوحدة المقتحمة القوية، نؤمن بالوحدة الثورية، وإذا كنا واقعيين فيجب أن ندرك أنه لا مفر من المعركة الشرسة مع قوى الرجعية" والرجعية ما هي؟ هي القوى أي: جميع القوى في المنطقة العربية، يعتبرونها قوى رجعية مثل الإسلام.
مثلاً: الحكومات المنتسبة إلى الإسلام، الشعوب المتمسكة بالدين، كل هذه يعتبرونها قوى رجعية ولابد من مقاومتها، بخلاف إسرائيل فهي قوةٌ تقدمية عندهم، ولذلك لم يضروها بشيءٍ ولا يفكرون بحربها، إنما يفكرون بحرب القوى الرجعية كما يعبرون، والعراق اليوم يعتبر هو الممثل الحقيقي لـحزب البعث بنص ميشيل عفلق، لأن سوريا تخلت عن البعث الحقيقي وتقمصت راية النصيرية، الذين هم بعض غلاة الرافضة الذين تسلقوا على حزب البعث حتى وصلوا إلى السلطة، ولذلك هرب كثيرٌ من البعثيين السوريين إلى العراق فأصبح العراق هو الذي يرفع راية البعث وينادي بها.
الجواب: يكون الابتلاء بالخير، كما يكون الابتلاء بالشر فإن الله تعالى يعطي الإنسان المال؛ ليبتليه هل ينفق المال فيما يرضي الله أم لا؟
يعطيه الصحة ابتلاءً؛ لينظر هل يستفيد من هذه الصحة في الدعوة إلى الله، ومساعدة الضعفاء، أم لا؟
وإذا أعطاه الشباب، والقوة، واللسان والخطابة، وكل نعمة يعطيها الله تبارك وتعالى للعبد فهي ابتلاء؛ لينظر هل يستفيد منها فيما يرضي الله أم يستغلها فيما يسخطه؟
الجواب: في الواقع أننا يجب أن نفكر تفكيراً عملياً فنقول: هؤلاء النساء، بل والرجال الأمريكان، موجودون عندنا، هذا واقعٌ لا داعي لأن نجادل فيه، أو نتردد فيه، إذاً ما هو الحل! المصيبة حين يسأل أمريكي رجلاً مسلماً، فيقول له مثلاً: أين الكنيسة أريد أن أصلي؟ يقول له: ما عندنا هنا كنائس، عندنا مساجد؟ فيقول: وما هي المساجد؟! قال: هذه بيوت المسلمين أماكن العبادة! فيقول: ما هو الإسلام؟ أريد أسلم علمني ما هو الإسلام، يقول: ليس هذا وقته، فنحن مشغولون بأهم من ذلك، (بعدين)!! هذه هي المصيبة!
المصيبة أن الرجل النصراني أصبح يحس أنه بحاجة أن يتدين ويبحث عن الكنيسة، لماذا؟ لأنه يكون على شفا حفرة، أو قد يموت الآن، على الأقل فهو يريد أن يتعبد على حسب علمه وفهمه، والمسلم يقول: ليس هذا وقته ولا يعلمه الدين، ومن الممكن أن نحدث أثراً كبيراً جداً حتى في الجنود والجنديات الأمريكان لو نشرنا عندهم كتباً بلغتهم، ووجد من يتحدث معهم، ونظمت جهود في ذلك، أعتقد اعتقاداً كبيراً أنه سوف يكون لذلك أثر.
ويؤسفني أن أقول: إن العراق -وبسرعةٍ هائلة ونجاح لا شك فيه- كوَّن إذاعة تنطق باللغة الإنجليزية وتخاطب الجنود الأمريكان، وقد التقط بعض الشباب هذه الإذاعة، وهي تقول للجنود: كيف تقاتلون أيها الجنود الأمريكان النبلاء في بلادٍ بعيدةٍ عن بلادكم؟! هل تدرون أن الواحد منكم سوف يعود إلى بلده وهو ملفوف بنعش وهو لا يدري من أجل ماذا قاتل؟! وهو يدافع عن أمورِ شأنها كذا، وكذا، وكذا ويقاتل شعوباً تريد البحث عن الحرية وتريد، وتريد، وتريد؟! وهكذا ربما يحاولون أن يحطموا معنوياتهم، وقد يفلحون في ذلك، مع أنهم يوجهون إذاعة إلى السعوديين ويوجهون إذاعة إلى المصريين. أما نحن فلا زلنا عند أم احديجان وإذا انتقلنا فإلى أغنية، أو دندنة، أو ما أشبه، ومن المؤسف أن يكون هذا تفكيرنا، وهذا تصورنا، وهذا تخطيطنا وهذا إعدادنا للمعركة.
الجواب: هذا صحيح، فالمسلمون من حيث العدد كثرة، لكن الذين يهتمون بالإسلام كقضية هم قليل، بل أغلب الناس يهمه أمره الخاص، وربما يحدث تجاوزات حتى في أموره الخاصة، والواقع أن الإسلام لن يقوم إلا على أكتاف وسواعد أولئك الذين نذروا أنفسهم للإسلام، واختاروا طريق الدين، وحين نقول: نذروا أنفسهم للإسلام، لا يعني أنك لن تتمتع بالزوجة الجميلة، ولن تتمتع بالمال، ولن تتمتع بالبيت، ولن تتمتع بالسيارة، أبداً. كل ذلك يمكن أن يتم ويمكن أن توظفه في سبيل الله عز وجل.
الجواب: الواقع أن هذا أمرٌ طيب، وإن شاء الله سوف يكون من ذلك شيءٌ ولا يستغنى عن جهود الشباب، ممن يكون عنده حكمة في المخاطبة والحديث، وقدرة على مراعاة مشاعر الآخرين والوصول إلى قلوبهم.
الجواب: هو الآخر اقتراحٌ جيد، لكنه يفتقد إلى التطبيق.
الجواب: الابتلاء من عند الله تعالى، فيبتلي من يشاء، يبتلي المؤمن، ويبتلي الفاسق، ويبتلي العاصي، فقد يبتلي الله تعالى المؤمن بالفاسق، وقد يبتلي الفاسق بمن هو أفسق منه، وقد يبتلي الفاسق أو المؤمن بالكافر، وهذه كلها لا يستدرك فيها على القدر.
ولا يقال لماذا؟ لأن لماذا هنا غير واردة، والمخلوق لا يقول للخالق لماذا؟ لكن يقول لنفسه: لماذا؟ ويمكن أن أقول: لماذا أصابني ما أصابني؟ فأرد: أصابني لأنني فعلت، وفعلت، وفعلت لكن لا تسأل الله فتقول: لماذا؟ لأن الله تعالى هو الخالق الذي يخلق ما يشاء ويختار، ويفعل ما يشاء لا معقب لحكمه، لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون.
هذا وأسأل الله عز وجل أن يرفع بأسه عنَّا، وأن يهبنا منه رحمةً ويغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا ويثبت أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين، وأن يوفقنا للتوبة النصوح، وأن يعافينا من المصائب، في ديننا ودنيانا، وأن يتوب علينا، وأن يهدينا سواء السبيل، ونسأله جل وعلا أن يرينا في أعداء الإسلام والمسلمين عجائب قدرته، وأن يأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر، اللهم إنهم لا يعجزونك، فخذهم يا قويٌ يا عزيز، اللهم إنهم لا يعجزونك فخذهم يا قوي يا عزيز، اللهم كلَّ رايةٍ رفعت تنادي بلا إله إلا الله وتريد أن يكون الحكم لله فأعزها وأعز أهلها، واجعل العاقبة لها، وكل راية رفعت ليكون الحكم للطاغوت ولِتُهينَ العلماء، والمؤمنين، والدعاة، والصالحين، فبقوتك وحولك وطولك يا قوي يا عزيز نَكِّس هذه الراية، واجعل أهلها غنيمةً في أيدي المؤمنين، اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم اهدِ قلوبنا إليك، اللهم نور بصائرنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، اللهم اجعل ما أصابنا عبرةً لنا، اللهم اجعله سبباً واصلاً بنا إلى طاعتك والتوبة إليك، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر