وبعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] .
سورة المرسلات نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار في منىً، (كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غار في منىً فنزلت عليه سورة المرسلات، فهو يتلوها رطبة ويتلاقها الصحابة من فيه، فوثبت عليهم حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلوها. فابتدروها ليقتلوها فهربت منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقيت شركم كما وقيتكم شرها) ، فهذا دليل على أنها نزلت على رسول الله عليه الصلاة والسلام بمنىً، ومنى كما هو معلوم بجوار مكة، وتعد من الحرم.
يقول تعالى: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا [المرسلات:1-4].
من أهل العلم من أجرى تأويلها على أنها كلها تنصب على شيء واحد، وما هو هذا الشيء الواحد؟
القول الأول: إنها الرياح، فحمل هذا القائل المرسلات على أنها الرياح، والعاصفات على أنها الرياح، والناشرات على أنها الرياح، والفارقات على أنها الرياح، لكن كل فقرة فيها وصف للريح غير الذي في الفقرة الأخرى.
القول الثاني: إن هذه الأشياء وصف لشيء واحد لكنها الملائكة، ففسر المرسلات بأنها الملائكة، وفسر العاصفات بأنها الملائكة، وفسر الناشرات بأنها الملائكة، وفسر الفارقات بأنها أيضاً الملائكة.
القول الثالث: ومن العلماء من أدخل شيئاً من التأويل الأول في التأويل الثاني، أو شيئاً من التأويل الثاني في التأويل الأول، ففسر مثلاً بعض فقرات هذه الآيات بالرياح، وفقرات أخرى منها بالملائكة أو العكس.
والجمهور من أهل التفسير يفسرون هذه الأشياء المذكورة بالرياح ما عدا قوله: فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا [المرسلات:5] ، وكذلك قوله: فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا [المرسلات:4].
قال: والشاهد على تأويل المرسلات بأنها الرياح قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ [الأعراف:57]، فقوله: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ) يدل على أن المرسلات هي الرياح.
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1]، العرف هنا معناه: المتتابعة، كعرف الفرس، أي: الشعر الذي خلف رأسه تجده شعرة بعد شعرة، فقال: إن معنى عرفاً، أي: متتابعة، تأتي ريح بعدها ريح بلطف وهدوء.
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا [المرسلات:2] رياح لكنها رياح شديدة تعصف.
فقوله: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] الواو واو القسم، أقسم الله بالرياح التي تأتي هادئة ومتتابعة، موجة من الريح تتلوها موجة أخرى، كالشعر الذي في مقدمة الفرس، فأقسم الله سبحانه وتعالى بالرياح المتتابعة الهادئة، ثم أتبعها بالعاصفات، وهي الرياح الشديدة، فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا [المرسلات:2] أي: شديدة الهبوب العاتية، التي تعصف بالأشياء.
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا [المرسلات:2] * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا [المرسلات:3] فالرياح تنشر الأمطار، وتوزعها على الأماكن التي أمرت بإنزال المطر فيها.
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا [المرسلات:4] قال بعض العلماء إنها الرياح، وحمل قوله تعالى: (الْفَارِقَاتِ فَرْقًا) على أنها بعد هبوبها تفرق بين المسلم وغير المسلم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم -لما كان مع أصحابه- على إثر سماء بالحديبية (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إن الله سبحانه وتعالى قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فهذا مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا ونوء كذا، فهذا كافر بي ومؤمن بالكوكب).
فالشاهد أن الرياح لما أسقطت الأمطار تسببت في التفريق بين الناس، فظهر منهم المؤمن وظهر منهم الكافر، هذا على هذا التأويل الأول الذي حمل كل المذكورات على أنها الرياح.
أما التأويل الثاني: ألا وهو تأويل المرسلات بأنها الملائكة قالوا: إن المرسلات هي الملائكة أرسلت بالمعروف.
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا [المرسلات:2] قالوا: الملائكة تعصف بأرواح الكفار.
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا [المرسلات:3] الملائكة تنشر العلم وتنشر الحكمة وتنشر الخير بين العباد.
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا [المرسلات:4] الملائكة تنزل بالوحي الذي يفرق به بين أهل الحق وبين أهل الباطل، وتنزل بالوحي الذي يفرق بين الحق والباطل، هذا على تأويل من قال: إنها الملائكة.
والجمهور من المفسرين على أن المرسلات الرياح، فالعاصفات الرياح، والفارقات الملائكة والناشرات الرياح.
وثم تأويل آخر أن المرسلات الرسل، لكنه تأويل يكاد يكون شاذاً ومنبوذاً، ومن العلماء من يقول بالتعميم في مثل هذه المواطن، كما قال فريق منهم بالتعميم في قوله تعالى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا [النازعات:1-2].
فقال فريق: لم يرد دليل من الكتاب ولا من السنة يحسم لنا المراد بالمرسلات فالقول بالتعميم أولى من القول بالقصر على بعض الأشياء وبعض المعاني دون بعض.
والقول بالتعميم قد يكون له من الوجاهة وجه قوي، لكن المعكر عليه بأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فإذا كانت لغة العرب تتحمل وجهاً من الوجوه في موطن من المواطن، فلا يعدل عن هذا الموطن إلى شيء آخر، ونسير مع لغة العرب، فإذا قالت العرب مثلاً: العاصفات هي الريح التي تعصف فقولهم أولي، وصحيح أن الملائكة تعصف بأرواح الكفار، لكن هذا المعنى غير وارد بكثرة على أفهام العرب، فإذا خوطبوا بشيء عاصف، عرفوا معنى العاصف ونسبوا العصف إلى الريح إذ هي التي تعصف، ومن خصائصها الكبرى العصف، وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأنبياء:81].
وأيضاً القول بالتخصيص ينبني على المشهور الدارج في لغة العرب، وهذا أيضاً وجه في غاية القوة.
قال الله سبحانه وتعالى: فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا [المرسلات:5] والجماهير على أن الملقيات ذكراً هي الملائكة تلقي الذكر على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتنزل بالوحي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والذكر هو القرآن إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
وفي الآية دليل على أن الإلقاء يطلق ويراد به أحياناً الإنزال.
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ بلغه الستين من عمره) أي إذا عشت ستين سنة وجاءك فيها الشيب، وجاءك فيها النذير، ورأيت أباك قد مات، ورأيت أخاك قد مات، وأمك ماتت أمام عينيك وتكررت عليك الابتلاءات، وتكررت عليك المحن والفتن، ورأيت عاقبة الظلم ورأيت عاقبة الظالمين، كيف تعتذر بعد ذلك؟ فهذا معنى الإعذار، فإلقاء الذكر من الله لئلا يعتذر الخلق كما في قوله تعالى: أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:19].
عُذْرًا [المرسلات:6] أي: أن الملائكة تلقي الوحي وتلقي الذكر على الأنبياء عُذْرًا أَوْ نُذْرًا [المرسلات:6] إما لبيان الاعتذار حتى لا تعتذر، أو إنذاراً لك حتى لا تقع في المحذور وتخويف لك كذلك. فالذكر يكون إما عذراً أو نذراً، وهذا في الغالب. وقد يقول قائل: إن هذه الآية أفادت أن الملائكة تلقي الذكر إما إعذاراً وإما إنذاراً، إما على سبيل الإعذار وإما على سبيل الإنذار.
وقد يقول قائل: فقصص القرآن هل هي من الإعذار أم من الإنذار؟ وأقرب ما يقال فيها إنها من باب الإعذار.
والمقصود بهذه الآية يوم القيامة وما فيه من البعث والحساب والثواب والعقاب، فكل ما وعدت به في كتاب الله عز وجل، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيقع، ويقسم الله سبحانه وتعالى على ذلك، وقد أقسم الله على ذلك في عدة مواطن.
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [المرسلات:7] فيه تقرير البعث.
ثم يبين الله سبحانه وتعالى ما يكون ويحدث في ذلك اليوم: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ [المرسلات:8] طمست أي: ذهب ضوؤها ومحيت معالمها، فالطمس الحو؛ لأن النجوم في ذلك اليوم تتساقط وتتناثر كما في قوله تعالى: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ [الانفطار:2] وقوله: وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ [التكوير:2].. فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ [المرسلات:8] فالنجوم التي هي بهية المنظر ومزينة للسماء الدنيا، يمحى ضوؤها ويزال أثرها.
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ [المرسلات:9] أي: السماء المحبوكة المشدود بعضها إلى بعض، كما قال سبحانه: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ [الذاريات:7] والحبك هو شد الشيء بعضه إلى بعض، فالحبك الشد والتلاحم والتلاصق، هذه السماء المحبوكة التي لا ترى فيها خطوطاً كما قال تعالى: فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [الملك:3] وكقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ق:6] فليس فيها فتحات وشقوق، أما في يوم القيامة فتحدث بها الشقوق والثقوب، بل ومن شدة هول هذا اليوم تنصهر السماء وتتساقط كما قال الله تعالى: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ [المعارج:8] يعني: تنساب السماء وتصبح كالزيت المغلي من هول ذلك اليوم ومن شدة ذلك اليوم.
وهذه الأمور تكون في ذلك اليوم مع غيرها من الأمور، وهي أهوال مستطيرة وشديدة، كما قال أهل الإيمان : إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان:10] وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7] فالشر عام لكل الخلائق فأين تفر؟ السماء تكون كعكر الزيت تتساقط من فوق، النجوم يرمى بها وتأتي على الأرض -كما نسمع في الأخبار أن الكوكب الفلاني أوشك أن يصطدم بالأرض، والشمس تكور وتلف ويرمى بها هي الأخرى، والقمر كذلك يخسف القمر ويذهب ضوؤه كما قال الله: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ [القيامة:7-8]، والبحار تفجر، قال بعض أهل العلم: أي يختلط عذبها بمالحها، وقال بعض العلماء: إنها تشتعل ناراً كما قال تعالى: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6] وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [الطور:6] أي: الذي يتأجج ناراً، ومنه: سجرت التنور، أي: أحميته.
فكل هذه الأهوال والشدائد تحدث في ذلك اليوم، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ [المرسلات:8-9] أي: فتح فيها فتحات، وبعد فتح الفتحات تنزل الملائكة كما قال الله سبحانه وتعالى في آيات أخر وَالْمَلَكُ [الحاقة:17] أي: الملائكة عَلَى أَرْجَائِهَا [الحاقة:17] أي: على قطعها المتساقطة، فالملائكة كانوا يقفون فوق السماء، أما بعد تقطع وتمزق السماء فإنهم ينزلون ويقفون على قطع السماء التي سقطت.
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ [المرسلات:10] أي: أزيلت عن أماكنها، كما قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا [طه:105-107].
للعلماء في (أقتت) قولان:
أحدهما: أجلت للاجتماع في يوم الجمع.
والآخر: أن معنى أقتت أي: جمعت.
ولماذا يُجمع المرسلون؟ يجمع المرسلون لأمور متعددة، منها الشهادة على أممهم، كما قال الله سبحانه: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] فالرسل يجمعون للشهادة على أممهم يوم القيامة.
كل رسول يأتي ويشهد على قومه، ويسأل أحياناً أسئلة لتبكيت قومه، كما الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116] تخيل هذا الموقف وهذا السؤال الموجه من الله سبحانه إلى عيسى عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف الذي هذه صورته، وهذه أحواله ومقدماته، يقول الله: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116] والله يعلم أن عيسى ما قال ذلك، ولكن لتبكيت ولتسفيه ولتوبيخ عابديه، أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116] فحينئذٍ يظهر عيسى عليه السلام غاية البراءة فيقول: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [المائدة:116] أي: ليس لي أن أدعي هذه الدعوى، إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:116] * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:117].
وكذلك الملائكة: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ [سبأ:40-41] تنزهت أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:41].
قال الله سبحانه: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ [المرسلات:11-13] الذي يُفصل فيه بين العباد، فيفصل فيه بين أهل الكفر وأهل الإسلام، ويقضى فيه بين المؤمنين أنفسهم في المظالم التي ارتكبها بعضهم في حق بعض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) فالشاة التي نطحت بقرنها شاة أخرى ليس لها قرن يقتص منها لتلك الشاة الضعيفة التي لا قرن لها.
والأحاديث في هذا الباب لا تخفى، وقد قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30-31] قال الزبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الآية: (يا رسول الله أوتكرر علينا الخصومات يوم القيامة؟ قال: نعم حتى يؤدى لكل ذي حق حقه، قال: إن الأمر إذاً لشديد يا رسول الله)، إن الأمر إذاً لعسير.
الاستفهام للتعظيم والتهويل لما سيحدث في ذلك اليوم من أهوال، ولو أيقن شخص بهذه الأوصاف التي ذكرها الله في كتابه في شأن يوم الفصل وما يحدث فيه، ولو تخيلها وتدبرها وأمعن النظر فيها مع اليقين، والله ما طابت له لقمة العيش على الإطلاق، ولا ابتسم على الإطلاق، لو تخيلها شخص وتدبرها وأمعن النظر فيها ما طابت له حياة، ولقال كما روي عن عمر لما تلا قوله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1] قال: يا ليتها تمت. يا ليت هذا المدة المذكورة التي لم نكن فيها شيئاً نذكر تمت ولم نخلق أصلاً.
وكذلك قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عند موتها: يا ليتني مت قبل هذا فكنت نسياً منسياً. مع أن آيات الرجاء كثيرة لكن على المسلم أن يذكر هذا اليوم وما فيه من الشدائد.
قال الله سبحانه وتعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ [المرسلات:14] ما الذي أخبرك وما الذي أعلمك بيوم الفصل هذا؟ وكيف تكون الأحوال فيه؟ إنه لو شب حريق في منزل مجاور فإنك تجري وتبتعد غاية الابتعاد، وما حصل في منى هذا العام عندما شب الحريق في الخيام، فاشتعلت وصار الكل يجري ويفر غاية الفرار، والناس يتجهون إلى حرم الله حتى ازدحموا وسقط بعضهم ومات فراراً من النار، لكن في عرصات يوم الدين أين المفر، النار من الأمام، إذا فررت إلى اليمين أو اليسار فالنار من اليمين ومن اليسار، وإذا فررت إلى الأسفل أو إلى الأعلى فالنار من الأسفل ومن الأعلى، كواكب تتساقط على الأرض، سماء تكون كالمهل جبال تكون كالعهن، أرض لا تختفي فيها كما سيأتي.
القول الأول: أن الويل بمعنى العذاب الشديد، فهو توعد بالعذاب الشديد.
القول الثاني: أن الويل واد في جهنم تستغيث منه جهنم.
وهناك قول ثالث وهو: أن الويل واد في جهنم ينتهي إليه صديد أهل النار.
أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ [المرسلات:16] أي: الأمم المتقدمة والقرون المتقدمة كقوم نوح وعاد وثمود.
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ [المرسلات:17] من أهل العلم من قال: إن المراد بالآخرين من جاء بعد قوم نوح وعاد وثمود من الأمم التي سبقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني أهلكنا قوم نوح وعاداً وثمود، وبعد هؤلاء أهلكنا أيضاً الآخرين، كقوم لوط الذين جاء هلاكهم في قوله تعالى: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا [الحجر:74].
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [المرسلات:18] فكل مجرم سينال هذه العاقبة الوخيمة، أهلكنا عاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً، أهلكنا قوم لوط، وكذلك كل مجرم يفعل به هكذا، إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [الصافات:34]، كما قال سبحانه في شأن قوم لوط والحجارة التي أرسلت عليهم: وَمَا هِيَ [هود:83] أي: هذه الحجارة مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83] أي هي قريبة يمكن أن تنزل على أي ظالم في أي لحظة.
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المرسلات:21] وهو رحم المرأة.
إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ [المرسلات:22] أي: إلى وقت معلوم يحدده الله وحده، فشاء الله سبحانه وتعالى لبعض الأجنة في بطون الأمهات أن تمكث التسعة الأشهر ثم تولد سالمة آمنة وييسر لها سبيل الخروج، وشاء الله سبحانه وتعالى لنطف أخرى أن تسقط، ولنطف أخرى أن تستقر في الرحم شهراً أو شهرين أو يوماً أو يومين، وشاء أحياناً أن تزيد مدة الحمل وأحياناً أن تنقص، فالذي قدر هذا كله هو الله سبحانه وتعالى.
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ [المرسلات:21-22] أي: إلى وقت مَعْلُومٍ [المرسلات:22] أي: محدد، فالمرأة التي يحدث لها سقط سقطها مقدر وهو بإذن الله، فلم يشأ الله لهذا المني أن يمكث في الرحم إلا هذه المدة، ثم حدث السقط بإذن الله، وإذا طالت المدة فبإذن الله، وإذا قصرت المدة فبإذن الله، وإن جاء المولود ذكراً فبإذن الله، وإن جاء أنثى فبإذن الله.
فَقَدَرْنَا [المرسلات:23] أي: فحددنا هذا الوقت. فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات:23] نعم من حدد هذا الوقت، إذاً كل تقدير هو من الله وهو سبحانه وتعالى وهو نعم القادر، فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات:23].
فقوله: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا [المرسلات:25] أي: ضامة وآوية لكم في حياتكم وبعد مماتكم فإذا متم دفنتم في الأرض، وإذا حييتم عشتم على ظهرها، فهي كافية لكم، وآوية لكم، وضامة لكم، وحاضنة لكم في حياتكم وبعد مماتكم، فمعنى الكفت الضم، فنحن بعد الموت ندفن في الأرض وفي حياتنا نمشي عليها.
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [المرسلات:26]، لكن يوم القيامة ليس الأمر كذلك، فالأرض كما قال تعالى: وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ [الانشقاق:3] فبعد أن كانت ضامة لك فإنها تفرد وترميك على ظهرها، وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ [الانشقاق:4] تخلت عن المسئولية أمام الله سبحانه، وتبعثر كل ما في باطنها ولا تقبل شيئاً في باطنها، ففي زمن الحياة الدنيا كانت كفاتاً، وأما في يوم القيامة فلن تكون كذلك، فلا تؤوي أحداً، فإذا أراد أحد أن يفتح فيها فتحة ويدخل فيها لم تقبله.
أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً [المرسلات:25-26] في حياتكم وَأَمْوَاتًا [المرسلات:26] أي: بعد مماتكم.
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ [المرسلات:27] أي: جبال شاهقات.
وَأَسْقَيْنَاكُمْ [المرسلات:27] أي: منها مَاءً فُرَاتًا [المرسلات:27] أي: عذباً زلالا.
وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:28] أي: لمن يكذبون بهذه النعم وهذه الحقائق.
انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات:30] دخان يتصاعد وهو عنيف شديد له ثلاث شعب أي: له ثلاثة اتجاهات.
لا ظَلِيلٍ [المرسلات:31] ظاهره أنه ظل، فيتوهمون أنه سيظلهم لكنه لا يظلهم بل يزيد عذابهم، وهذا في معناه أيضاً السراب، يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور:39].
انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات:30] أيضاً مشابه لها حديث السراب الذي فيه: (الله سبحانه وتعالى يقول للنصارى: ماذا كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله. فيقال: كذبتم فلم يتخذ الله صاحبة ولا ولداً فماذا تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا. فيقال: انطلقوا إلى هذا. فينطلقون إلى السراب ويؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيتساقطون فيها).
إِنَّهَا [المرسلات:32] أي: جهنم تَرْمِي [المرسلات:32] أي: تقذف بِشَرَرٍ [المرسلات:32] شرر النار كالقصر، فالشرر الذي يخرج من جهنم كالعمارة الضخمة والقصر الكبير الضخم، الشرارة الصغيرة التي تراها من النيران، حجمها من نار جهنم يوم القيامة كالقصر من قصور الدنيا التي نعرفها، فهذا شرر جهنم فكيف بلهبها -عياذاً بالله-.
كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ [المرسلات:33] وجِمَالَة وجمال جمع جمل، كرجالات ورجال جمع رجل، وقال بعض العلماء، كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:33] أي: قطع من النحاس ونحو ذلك، لكن الجمهور قالوا: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:33] كأن هذا الشرر في كبره وفي اتساعه كالقصر العظيم، ولونه كالجمل الأصفر أيضاً.
فالإجابة كما تقدم مراراً أن يوم القيامة مواقف، فأحياناً يسكتون كما في هذه الآية، وأحياناً يتكلمون كما في غيرها.
هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ [المرسلات:35-38] فالواو هنا كما قال البعض بمعنى مع، فالمعنى هذا يوم الفصل جمعناكم مع الأولين، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:40].
قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات:41] والظلال متنوعة في يوم القيامة، فمن ذلك الظلال الذي في حديث (السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب ...) ولكن هل هذا الظل هو ظل عرش الرحمن أم غيره، وقد ورد في رواية (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه ...) لكنها ضعيفة.
ومن هذه الظلال ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها) قال أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:30] وقد جاء أيضاً (أن من أنظر معسراً أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وغير ذلك.
وَعُيُونٍ [المرسلات:41] والعيون: جمع عين وهي التي تتفجر من الأرض، والعيون تتنقل معهم حيث شاءوا كما ورد في تفسير قوله تعالى: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [الإنسان:6] أي: يفجرونها في أي مكان حلوا وفي أي موطن ارتحلوا إليه.
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ [المرسلات:42-44] وأهل الإحسان هم أعلى مرتبة على الإجمال من أهل الإيمان، ولكن أحياناً يدخل عموم المؤمنين مع المحسنين، لكن التقعيد أن الإحسان أعلى مرتبة من الإيمان كما في حديث جبريل: أخبرني عن الإيمان ثم قال: أخبرني عن الإحسان.
وفي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90] دليل على أن الإحسان أعلى وأرفع من مرتبة العدل، والعدل القصاص، والإحسان: العفو، فالله يأمر بالعدل ويأمر أيضاً بالإحسان، لكن الأمر بالعدل وجوباً والأمر بالإحسان أمر ندب واستحباب، والله يقول: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] أي: الذين عفوا عن الناس ولم يثأروا لأنفسهم ممن ظلمهم.
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا [المرسلات:46] أي: في هذه الحياة الدنيا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:46-47].
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ [المرسلات:48] العلماء لهم قولان في تفسير قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا [المرسلات:48].
القول الأول: إن معناها إذا قيل لهم صلوا لا يصلون أصلاً، فهم تاركون للصلاة، وعلى هذا فترك الصلاة جريمة لقوله قبلها: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ [المرسلات:46].. وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ [المرسلات:48] فهذا نص يثبت أن تارك الصلاة مجرم من المجرمين، وإن كان له وظيفة عالية، وإن كان أستاذاً في جامعة، وإن كان وزيراً وإن كان ملكاً وإن كان رئيساً، فهو في نظر الشرع مجرم.
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:38-42] فصدروها بقولهم: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43] فتارك الصلاة مجرم بنص كتاب الله في موطنين:
الموطن الأول: في سورة المدثر.
والموطن الثاني: إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [الصافات:34] وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ [المرسلات:48] وهو وإن كان حسن الأخلاق مع الناس، لكنه في نظر الشرع مجرم من المجرمين.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ [المرسلات:48] القول الأول في تفسيرها: إذا قيل لهم صلوا لا يصلون.
القول الثاني: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ [المرسلات:48] أي: إذا قيل اخضعوا واسمعوا وأطيعوا الله، فإنهم لا يخضعون ولا يسمعون ولا يطيعون لله.
والتفسير الأول أقرب إلى الظاهر، وكان البعض يأبى أن يركع ويأبى أن يسجد، وقد تقدم أن علياً رضي الله عنه كان يضحك كثيراً من أبيه، ومن بعض تصرفاته عندما كان يقول له: يا أبي أسلم واسجد لله، يقول: يا بني لا تعلوني استي أبداً، فيضحك علي من هذا الجهل وهذا الغباء الذي يصدر من أبيه، بل من هذا الكبر الغريب.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ [المرسلات:48-50] أي: بعد هذا القرآن يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50].
فقوله تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50] ينبغي أن يلتفت إليه وألا يصار إلى التذكير إلا بكتاب الله وسنة رسول الله، وإن ذكرنا بغير الكتاب والسنة من القصص والحكايات التي تؤثر تأثيرات وقتية، فليكن على سبيل الشيء العارض ولا تأخذ أكبر من حجمها مثل أصل التذكير بكتاب الله وبسنة رسول الله، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق:45] فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6] فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:185].
فلا بد من تغليب التذكير بكتاب الله والتذكير بسنة رسول الله على التذكير بالخزعبلات التي سرعان ما تزول من ذهنك، ولا يبقى معك في وقت الشدائد آية من كتاب الله وتفسيرها، أو حديث لرسول الله ومعناه، ففي وقت الشدائد هل أحتج بقصة حصلت؟ لا. بل أتعلق في وقت الشدائد بقال الله قال رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وقد سمعتم من قبل القصة التي تعد مسلية في مجال التذكير بالدليل، والقصة التي حدثت للقرطبي والقرافي تقدمت على ما سمعتم مراراً، فـالقرطبي رحمه الله كان في عصره من علماء النقل -الكتاب والسنة- والقراسي كان في عصره من علماء العقل -الرأي- يعني هذا يبني على النقل وهذا يبني على العقل، فاجتمعا معاً وذهبا إلى مدينة في مصر وهي مدينة الفيوم واستأجرا بيتاً من رجل، وكان بين صاحب البيت وبين أطفال ذلك الشارع خلاف، فكلما لعبوا أمام البيت يطردهم، فسمعوا أن البيت أُجر فقالوا: لنفسدن على الرجل الإجارة. وذهب الأطفال إلى القرطبي والقرافي فقالوا لهما: إنكما استأجرتما البيت وهو مسكون -فيه جن وعفاريت- فلم يلتفت القرطبي والقرافي إلى هذه المقالة وقالا: نعتصم بالأذكار.
وذهبا إلى صلاة العشاء ورجعا وتهيآ للنوم وأطفآ السراج عملاً بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم) فإذا بصوت في البيت، فتذكر الشيخان مقالة الأطفال أن هناك جناً في البيت، فخاف القرافي خوفاً شديداً، أما القرطبي فماذا معه، معه أحاديث من رسول الله عليه الصلاة والسلام تنفع عند الشدائد والكرب، فبدأ يعتصم بالله ثم بالأحاديث التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكثر من الذكر (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)، (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم) (حسبنا الله ونعم الوكيل) والقرافي لأنه يعتمد في علمه على العقل ولا يحفظ كثيراً من كتاب الله ولا من سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ماذا يصنع العقل؟ حينئذٍ يفشل، فازداد الصوت ارتفاعاً فازداد القرطبي ذكراً وازداد القرافي خوفاً وهلعاً.
ظهر رأس كبش عند باب الغرفة فسقط القرافي على الأرض من شدة الخوف، ووثب عليه القرطبي ركبه وأمسك بقرونه قائلاً: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [يونس:59] فدخل صاحب البيت وقال: يا أيها الشيخ! كبش أكرمتكما به تفعل بها هكذا.
شاهِدُنا من القصة أنه عند الشدائد تزول الحكايات ويبقى الاعتصام بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6].
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب: بالنسبة لصلاة الفجر والمغرب والعشاء فالأصل فيها أنها جهرية، الفجر جهرية والمغرب جهرية في الركعتين الأوليين وكذلك العشاء، فيكون على الأصل أنه يجهر في الجهرية، ويسر في السرية فإن انتقل من الأصل الذي هو الجهر إلى الإسرار لعارض كأن يكون منفرداً، فإنه يرجع إلى الأصل إن صلى بجماعة إماماً.
الجواب: نعم تجوز لحديث معاذ في الصحيحين (أنه كان يصلي مع رسول الله الفريضة ثم يذهب إلى قومه يصلي معهم العشاء)، فتكون لهم فريضة وله نافلة.
الجواب: الصلاة لا تسقط عنه بحال من الأحوال ما دام عقله صحيحاً، فيصلي إن استطاع قائماً وإلا فقاعداً وإلا فمضطجعاً، فالصلاة لا تسقط عنه ما دام في عقله. والله تعالى أعلم.
فأكثر من التذكير وأكثر من الدعاء لوالدك لعل الله أن يتقبل منك.
الجواب: معناها: أن العلماء هم الذين يخشون الله.
الجواب: هذا مبحث واسع، من أراد التفصيل فيه فليراجع كلام الحافظ ابن كثير في تفسير سورة البقرة.
الجواب: الصور الفوتوغرافية لغير الضرورة لا تجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدع صورة إلا طمستها) فلغير الضرورة لا تجوز، ولو كانت جائزة لصور لنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم صوراً وأتي بها إلينا، أما ما يفعله النصارى من الإتيان بصورة مريم، فهو كذب وافتراء وزور فلم تكن مريم عليها السلام متبرجة هذا التبرج المزري، يأتون بصورة مريم ويزعمون أنها التي سار شعرها بين ثدييها، كل هذا افتراء على مريم الصديقة، فهي صديقة وهي عفيفة محصنة عليها السلام، فهي صورة باطلة مكذوبة مفتراة على مريم عليها السلام.
الجواب: الحديث الوارد في منع الحائض من قراءة القرآن حديث ضعيف، فحديث: (إني لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض) حديث ضعيف من رواية جسرة بنت دجاجة وهي مجهولة، أيضاً في الباب حديث علي رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأنا القرآن لا يحجبه شيء إلا الجنابة) وهو حديث أيضاً ضعيف، إذاً ما هو المانع من أن تقرأ الحائض القرآن، لم يسلم مانع -إلى الآن- من الكلام فيه، فكيف إذا عارض ما صح من قول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه).
وتقدم أن غير المتوضأ يقرأ القرآن أيضاً من حديث ابن عباس في الصحيحين : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل يصلي فمسح النوم عن وجهه ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ) ففي الحديث أنه قرأ عشر آيات قبل أن يتوضأ صلى الله عليه وسلم، فلا يسلم دليل لمنع الحائض من قراءة القرآن.
لكن قد ورد حديث: (إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة) ويجمع بينه وبين حديث عائشة : (كان رسول الله يذكر الله على كل أحيانه) وبين حديث ابن عباس : (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ عشر آيات قبل أن يتوضأ)، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41] (وعند الجماع يقول: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ويجامع أهله) فهل يكره للحائض أن تقرأ القرآن قياساً للحائض على الجنب، فالجنب كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة) يكره له قراءة القرآن، أقول: إن قياس الحائض على الجنب قياس لا يصح؛ لأن كراهية ذكر الله لغير الطاهر -المحدث حدثاً أصغر أو أكبر- نحمله على المبادرة إلى الاغتسال، وهذا مطلب ومقصد شرعي، لكن ماذا عسانا أن نجني من منع الحائض من القراءة؟ بل لم يقدم منعنا لها موعد الطهر، ولم يؤخر موعد الطهر إذاً نبقى على الأصل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41] والقرآن ذكر.
بقيت مسألة المس: والمعول عليه في المسألة كتاب ربنا وما صح من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن المسألة لم ينعقد عليها إجماع، فمادام لم ينعقد على المسألة إجماع، إذاً أتخير القول الذي وافق الدليل الصحيح، فنقول: ما هو المانع من مس المصحف للمرأة الحائض؟
يستدل المستدل بقوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] فالإجابة على هذا أن عليك أيها القارئ أن تقرأ الآيات السابقة واللاحقة حتى تفهم المراد وتعرف إلى من يعود الضمير في قوله: (لا يَمَسُّهُ): إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ [الواقعة:77-78] الكتاب المكنون المحفوظ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] وجمهور المفسرين على أن المقصود بالمطهرين في الآية الملائكة، وأن المقصود بالكتاب المكنون أي: المحفوظ عند الله سبحانه وتعالى.
وأما حديث (لا يمس القرآن إلا طاهر) فكل طرقة تالفه ضعيفة لا يستدل به، من تتبعي أستطيع الآن أن أقول إن جمهور أهل الحديث على تضعيفه.
ثم إن من العلماء من حسنه وحمله في حالة تحسينه على أن المراد بالطاهر المؤمن لحديث: (إن المؤمن لا ينجس) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار. إذاً ما هو المانع للحائض من مس وقراءة المصحف.
ومن المعلوم أن الفقهاء لا يدققون في مسألة ثبوت الحديث وصحته، بل يبنون الحكم بدون التدقيق على هذه الجزئية، وقد يأتي الحكم بسبب ذلك مخالفاً للحق.
مثلاً قد يبنى على جزئية ما الحكم بشيء، وهي جزئية صغيرة تكون في الحديث، لكن ينبني عليها حكم بإثبات أو نفي، بل حتى أهل الحديث قليل منهم الذي يركز على هذه الجزئيات الصغيرة، وكمثال في حديث جلسة الاستراحة الذي هو من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، في وصفه لصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد جاء من طريق عبد الله بن نمير في البخاري يقول: (إذا قمت إلى الصلاة فقم حتى تطمئن قائماً ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم اعتدل حتى تطمئن قائماً ثم اسجد حتى ..).
الشاهد: أن الحديث فيه بعد القيام من الركوع: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم قم حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً) بعد السجدة الأخيرة جاء الخلاف بين الرواة فراوٍ قال: (ثم اجلس حتى تطمئن جالساً ثم قم) هذه الزيادة مروية من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله ، وفي رواية أبي أسامة حماد بن أسامة لم يذكر زيادة الجلوس الأخيرة (ثم اجلس حتى تطمئن جالساً) بل قال: (ثم قم) .
البخاري أخرج الحديث من طريق عبد الله بن نمير في موطن وفي موطن آخر أخرجه وبعد أن أخرجه نبه على كلام أبي أسامة وقال: لم يذكر حماد بن أسامة (ثم اجلس حتى تطمئن جالساً)، فـالحافظ ابن حجر يقول: إن البخاري يومئ إلى تضعيف هذه الزيادة الأخيرة (ثم اجلس حتى تطمئن جالساً) التي هي من رواية عبد الله بن نمير ، ومن المعلوم أن شيخ ابن نمير وأبي أسامة واحد وهو عبيد الله فالحديث من طريق واحد وجاء يحيى بن سعيد القطان ورواه أيضاً عن عبيد الله ليس فيه هذه الجلسة، وجاء أيضاً -على ما يحضرني- أنس بن عياض أبو ضمرة وغيره ورووا الحديث ولم يذكروا هذه الجلسة.
فالفقيه لا يدقق في هذه الزيادات، بل قليل من أهل الحديث من يدقق فيها.
فالدقائق الصغيرة مثل هذه التي ينبني عليها حكم تحتاج إلى بحث دقيق جداً، لأنها سيرتب على صحتها أو عدم صحتها الحكم الشرعي بالنسبة لجلسة الاستراحة، وإن كان هناك أدلة أخر في الباب، لكن أصل الاستدلال على جلسة الاستراحة هو حديث أبي حميد الساعدي .
مداخلة: بالنسبة لمس وقراءة القرآن للحائض هل ورد عن نساء النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك شيء؟
الشيخ: بالنسبة للفعل قد يكون ورد عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام أو عن بعض أمهات المؤمنين أنهن قرأن بلا حرج.
الخلاصة أنه لم يحدث في المسألة كما أسلفنا إجماع، ولم يرد شيء يمنع المرأة الحائض من مس وقراءة القرآن من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالمسألة اجتهادية، واجتهادنا الذي نراه حقاً أنه لا بأس للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن أو تمس المصحف، والجنب فقط هو الذي يكره له قراءة القرآن، لحديث: (إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة).
الجواب: عمدة القائلين بمشروعية جلسة الاستراحة أربعة أدلة:
الدليل الأول: وهو أقواها ما أخرجه البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه في وصفه لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وكان يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان يجلس قبل أن ينهض للثانية والرابعة).
الدليل الثاني: حديث أبي حميد الساعدي على الخلاف في إثبات زيادة جلسة الاستراحة فيه.
الدليل الثالث: حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته، والخلاف فيه بنفس الطريقة التي سمعتها في حديث أبي حميد الساعدي ، فقد روى عنه عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء فذكر الحديث وأثبت فيه هذه الجلسة، عند الترمذي ، وغير عبد الحميد بن جعفر روى الحديث عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة ليس فيه ذكر الجلسة، فالخلاف هنا كالخلاف في قصة أبي حميد الساعدي .
الدليل الرابع الذي استدلوا به: من قال بصحة حديث صلاة التسابيح استأنس منه أنه ذكرت فيه هذه الجلسة.
هذه هي حجج القائلين بالجواز.
أما حجج القائلين بعدم المشروعية أو بأنها لا تفعل إلا عند الحاجة:
أولاً القائلين بالاستحباب الشافعية كما نقله عنهم النووي وغيره.
أما الثلاثة الآخرون أحمد وأبو حنيفة ومالك رحمهم الله فيقولون: تفعل عند الحاجة، وأجابوا عن حديث مالك بن الحويرث بأن مالك بن الحويرث أسلم متأخراً، وأتى الرسول عليه الصلاة والسلام متأخراً، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام قد ناهز الستين أو تجاوزها عليه الصلاة والسلام.
ووردت رواية أن الرسول علل هذه الجلسة بقوله: (إني قد بدنت) أي: سمنت، فإن ثبتت هذه الرواية أو لم تثبت قالوا: إن مجيء مالك بن الحويرث إلى الرسول عليه الصلاة والسلام كان في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، فكان يفعلها الرسول للحاجة، بدليل أن الروايات الثابتة الصحيحة -باستثناء ما ذكرنا- هي الغالبة في وصف صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم تثبت جلسة الاستراحة.
ففرق بين وصف شخص لازم الرسول عليه الصلاة والسلام طيلة الدعوة، ووصف شخص متأخر مكث عند الرسول عشرين يوماً، (قال
والآخرون قالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) خبر مجمل أي: صلوا في عموم الذي رأيتموني أصلي به، لكن ليس على التفصيل، وقالوا: إن مالك بن الحويرث أسلم متأخراً والرسول فعلها عند كبر سنه، لأن الروايات الأخر ليس فيها إثبات جلسة الاستراحة، قالوا: ومما يدل على عدم مشروعيتها أنه ليس فيها ذكر، فنحن في الركوع نقول: سبحان ربي العظيم، وفي السجود نقول: سبحان ربي الأعلى، وبين السجدتين ربي اغفر لي ربي اغفر لي، والجلسة الأخيرة نقرأ التشهد، وليس في جلسة الاستراحة ذكر.
والمسألة الأمر فيها على السعة، فإن أحب أحدنا أن يجلس للاستراحة جلس، وإن رأى عدم الجلوس فلا يجلس.
لكن إذا كان الإمام يجلس جلسة الاستراحة، فهل يبقى الأمر على السعة أقول: هنا الخلاف شر، بل افعل ما يفعله إمامك، إلا إذا احتجت أنت إليها لدلالتك ونحو ذلك، فالمسألة فيها الرأيان للعلماء.
وهكذا صار السلف فيها على القولين.
فـابن حزم رحمه الله انتصر لإثباتها انتصاراً شديداً، استدلالاً بحديث مالك بن الحويرث رحمه الله تعالى ورضي الله عنه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر