الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل:1] إن من عادة العرب: أنهم كانوا إذا أحبوا أن يلاطفوا شخصاً دعوه بصفة من الصفات التي هو متلبس بها، فمن ذلك: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت بينه وبين فاطمة رضي الله عنهما شيء، فخرج علي من البيت ونام في المسجد، فأتاه الرسول في المسجد وقد علاه التراب، فقال له: (قم يا
فإذا أحبوا أن يتلطفوا مع الشخص ينادونه بصفة هو متلبس بها.
وعلى هذا فالآية فيها ملاطفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ناداه ربه بصفة تلبس بها وهي التزمل، والتزمل: التلفف، وكان هذا بعد نزول الوحي عليه لأول مرة، فقد اعتراه الخوف الشديد واعتراه البرد، ورجع إلى أهله فقال: (زملوني زملوني)، وقال: (دثروني دثروني)، (زملوني) أي: غطوني، فمعنى (المزمل): النائم المتلفف بالثوب.
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:1-2]، أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بقيام الليل، أي: قم الليل كي تصلي، لكن حذفت (كي تصلي)؛ لأن العرب يفهمون ما المراد بقيام الليل، وقد قدمنا نماذج: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32] ، ما هي التي توارت؟ العرب يفهمون أن التي تتوارى بالحجاب هي الشمس.
(يا أيها المزمل) * (قم الليل إلا قليلاً) أي: قم صل في الليل أو صل الليل إلا قليلاً منه، وقد صح أن سعد بن هشام أتى إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يسألها عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا أم المؤمنين! أخبريني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت له: ألست تقرأ: (يا أيها المزمل)، (قم الليل إلا قليلاً)؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية قام من الليل هو وأصحابه حتى ورمت أقدامهم، قاموا حولاً اثني عشر شهراً حتى تورمت أقدامهم، ثم نزل قوله تعالى.
في آخر السورة: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20]، فنسخت هذه الآية الآية التي قبلها.
فمن العلماء من يرى أن قيام الليل كان واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، ويستدل هذا القائل بقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، فـ (نافلة لك) على رأي بعض العلماء أي: زيادة لك على أمتك، فأمتك ليست مكلفة بقيام الليل، أما قيام الليل فهو نافلة لك، أي: أنت مكلف به زيادة على أمتك على رأي بعض المفسرين.
وورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة).
وورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ما حاصله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة)، فهذه ثلاثة أدلة تعد أصول في هذا الباب.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)، في هذا النص إباحة الصلاة لمن شاء، لكن صفتها أن تكون: مثنى مثنى، ثم جاء حديث أم المؤمنين عائشة : (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة).
فقد يقول القائل: إن هذا النص المفسر يفسر المجمل في قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى)، لكن جاء حديث ابن عباس فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ثلاث عشرة ركعة من الليل)، فلزم التوفيق بين هذه الأدلة مجتمعة.
وورد أيضاً في الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب القيام إلى الله قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)، وهذا دليل رابع يدخل في الاعتبار عند مناقشة هذه المسألة، فبعض أهل العلم أخذ دليلاً من هذه الأدلة، وبنى عليه قوله، وأهمل الأدلة الأخرى؛ فنشأ فقه عجيب! فجاء أحدهم إلى حديث عائشة : (ما زاد رسول الله على إحدى عشرة ركعة)، وقال: الأصل أن تصلي إحدى عشرة، وليس لك أن تزيد، لحديث عائشة : (ما زاد رسول الله على إحدى عشرة ركعة)، وهذا القول قول عجيب! بل بالغ بعضهم فقال: إذا زدت فأنت مبتدع! وهذا من عجيب القول ومن القول المستنكر الذي لم يسبق إليه قائله! ولكن لزاماً -كما أسلفنا- أن تجمع الأدلة التي وردت في الباب.
وقال فريق من أهل العلم: إن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قيام الليل في كتابه الكريم لم يحدده بعدد ركعات، إنما ذكره مقيداً بأزمنة، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:2-4]، فكلها مدد زمنية.
كذلك قوله تعالى: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ [آل عمران:113]، أي: ساعات، فهي أيضاً مدة زمنية، وأيضاً قوله تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17]، فهي أيضاً مدة زمنية، وأيضاً حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (أحب القيام إلى الله قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه)، فهي أيضاً مدة زمنية.
فكل الآيات التي وردت في كتاب الله فيها مدة زمنية، إضافة إليها حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو: (أحب القيام إلى الله قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)، فهو أيضاً مدة زمنية، ثم إن المعنى أيضاً معتبر، فليس من قام إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق خير ممن صلى ركعتين تلا فيهما جزءاً من القرآن، يعني: إذا قام شخص وصلى إحدى عشرة ركعة في ربع ساعة أو في نصف ساعة وانتهى ونام، هل هو خير من رجل صلى أربع ركعات كصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام التي وصفتها عائشة فقالت: (لا تسأل عن حسنهن وطولهن)؟
هل الذي صلى إحدى عشرة ركعة في ثلث ساعة أو في نصف ساعة خير أم رجل صلى أربع ركعات كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أيهما خير شخص صلى أربع ركعات في ساعة أم شخص صلى إحدى عشرة ركعة في نصف ساعة أو في ثلث ساعة؟! فمن ناحية المفهوم أيضاً يفهم أن الذي وافق صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من الذي لم يوافق صفة صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فدل على أنه لا بد وأن يعتبر أيضاً في الباب إضافة إلى عدد الركعات صفة الركعات، فإذا أراد شخص إصابة السنة فعليه أن يوافقها في الصفة وفي العدد، لكن كونه يأتي يتحجر أمام النص، ما زاد الرسول على إحدى عشرة ركعة، ويصلي في كل ركعة بفاتحة الكتاب مثلاً وسورة قصيرة كالعصر، ثم يدعي أنه أفضل من رجل صلى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة قدراً كبيراً من القرآن ويسجد لله ويخشع، حتى مضى عليه ما يقارب الساعة، فلابد من النظر في الصفة وفي العدد، فإذا أردت موافقة السنة فلتوافقها في العدد وفي الصفة، لكن إذا جئنا نطبق هذا ونقول: يا مسلمون! نريد أن نوافق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في العدد والصفة فهو خير الهدي، فنقول: إن ابن عباس أثبت أنه زاد عن إحدى عشرة ركعة، فكيف نفعل إذا جئنا نوافق الرسول عليه الصلاة والسلام في صفة صلاته، ولم يتحمل الناس ذلك؟ كيف والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم).
ولكن قد يقول قائل: هذا في الفريضة، لكن قال الرسول عليه الصلاة والسلام أيضاً: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، فشخص يقول: يا ناس! أنا أريد أن أصلي معكم حتى يكتب لي قيام ليلة، ولكن صلاتكم طويلة جداً، قد تأتيني الحاجة في الصلاة من بول أو غائط أو عطش أو نحو ذلك، فتشق عليّ الصلاة معكم، ونحن نريد أن نراعي المصلحة العامة للمسلمين، فماذا نصنع؟ فإذا وافقنا صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام في الصفة وفي العدد شق هذا على المسلمين، وإذا قصرنا في الصفة حتى نوافق في العدد ابتعدنا عن قول الرسول: (أحب القيام قيام داود، كان يقوم ثلث الليل...)، فماذا نصنع؟
قال كثير من أهل العلم: إن المعول عليه الوقت -كما سمعتم- فإذا قللنا في الصفة نزيد في العدد، إذا قللنا في القراءة نزيد في عدد الركعات، وإذا أطلنا القراءة نقصر عدد الركعات حتى يتسنى لنا موافقة نبي الله داود، وحتى يتسنى لأصحاب الأعذار أن يقضوا الحاجات، وقالوا: إن الأصل أن أكثر صلاة رسول الله إحدى عشر ركعة لكن أيضاً ثبت أنه زاد على إحدى عشرة ركعة كما في حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة)، وأيضاً فتح لنا الباب في قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى)، وعلى هذا جاءت سيرة الصحابة والتابعين، ورد عن عمر رضي الله عنه أنه جمع الناس على إحدى عشرة ركعة، جمعهم على أبي بن كعب وفي رواية أخرى: على إحدى وعشرين ركعة على أبي أيضاً. فمن العلماء من يصحح إحداهما ويضعف الأخرى والتحرير: أن كلا الروايتين صحيح، ويحمل على التعدد، فأحياناً جمعهم على إحدى وعشرين، وأحياناً جمعهم على إحدى عشرة ركعة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أننا إذا أطلنا القراءة نقصر الركعات وإذا قصرنا القراءة نطيل في عدد الركعات، وهو اختيار الحافظ ابن حجر، واختيار طائفة كبيرة من العلماء، ولذلك إذا تتبعت سيرة السلف الصالح رأيت منهم -كالإمام مالك - من يستحب ستاً وثلاثين ركعة، وترى أن منهم من كان يقوم بأكثر، ومنهم كان يقوم بأقل، والله أعلم، والباب مفتوح، وهو باب تطوع، والحمد لله.
فقصدنا بذلك أننا إذا صلينا وراء إمام يصلي إحدى وعشرين لا نفارقه وننصرف، ونحدث مشاكل بين الناس ونستدل بحديث عائشة ، إذا استدللت بحديث أم المؤمنين عائشة فلتستدل أيضاً بالأدلة الأخر، فإن الفقه يؤخذ من مجموع الأدلة كما سمعتم.
قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:1-4]، (رتل القرآن ترتيلاً) أي: بينه تبييناً ووضحه إيضاحا، فلا تتداخل الكلمات في بعضها، ولا تتداخل الحروف في بعضها.
والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم
لكن التحرير من ناحية فقهية أنه مستحب؛ وذلك لأنه يدخل ضمناً في قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلاً) أي: بينه تبييناً، ويدخل في تحسين الصوت بالقراءة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به)، يعني: ما استمع الله لشيء كما استمع إلى نبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به. وقد ورد حديث في البخاري: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)، ومن العلماء من قال: هذا الحديث منتقد على الإمام البخاري بهذا اللفظ، انتقده عدد من أهل العلم كـ الدارقطني وغيره، وقالوا: إن الصواب فيه هو حديث: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به)، فرواه راو بالمعنى بلفظ: (ليس منا من يتغنى بالقرآن)، وبين اللفظين خلاف، وقد ورد في الباب حديث: (زينوا القرآن بأصواتكم)، وورد حديث : (الذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)، فليس بآثم من يتعتع في قراءة القرآن، (والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة)، والله أعلم.
فما المقصود بثقل القرآن؟
قال العلماء: ثقله يتمثل في: أحكامه وتكاليفه من الأمر والنهي، كالأمر بالصلاة والأمر بالصيام، كالأمر بغض البصر، وفيه أوامر بترك الشبهات، وأوامر بترك المحرمات كالخمر، وأوامر بتحريم بعض الأطعمة، فكل هذه تكاليف وأوامر ونواهٍ وأحكام، فثقل القرآن يتمثل في تكاليفه التي فيه، إذ هي في البداية ثقيلة على من كُلف بها.
من العلماء من قال: ناشئة الليل: هي ساعات الليل التي تبدأ من بعد العشاء إلى الفجر، منذ أن ينشأ الليل، يعني: منذ أن يبدأ الليل، (إن ناشئة الليل) أي: ساعات الليل أَشَدُّ وَطْئًا [المزمل:6]، أي: من ساعات النهار، وسيأتي تفسير الوقت، ومن العلماء من قال: الناشئة معناها: القيام، مثل قولهم: أنشأ فلان يقول، يعني: قام فلان يقول.
فمن العلماء من قال: نشأ بمعنى: قام بالحبشية، ومنهم من قال: إن الناشئة هي: ساعات الليل التي تبدأ من بعد صلاة العشاء وتنتهي إلى الفجر، يعني: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً) أي: القيام في ساعات الليل، (أشد وطئاً) كما سيأتي بيانه، فهما قولان في ناشئة: أحدهما: نشأ بمعنى: قام، والثاني: ناشئة: ساعات الليل.
وقوله: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً) الوطء: له معان، فمن معانيه: الشدة والثقل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم! اشدد وطأتك على مضر، اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف)، والقول الآخر في الوطء: من المواطأة وهي: الموافقة، تواطأ فلان وفلان، أي: توافق فلان وفلان على فعل شيء معين، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت)، يعني: قد اتفقت على أنها في العشر الأواخر، فمن العلماء من قال: إذا تواطأت فهي حق، وقد تواطأت رؤيا الأذان، أي: رآها عمر ورآها عبد الله بن زيد فرآها أكثر من واحد، فتواطأت أي: اتفقت، فقوله على هذا التأويل: إن ناشئة الليل -أي: إن قيام الليل- أشد وطئاً، أي: أشد موافقة للفهم والتدبر من ساعات النهار، يعني: إن ساعات الليل أقرب لفهم كتاب الله وأوفق في الأفهام من ساعات النهار؛ لما يعتري ساعات النهار من التشويش والضوضاء وغير ذلك.
فالمعنى: إن ساعات الليل أشد موافقة لتفهم القرآن وتدبر معانيه والوقوف عند آياته من ساعات النهار، ووَأَقْوَمُ [المزمل:6] أي: وأحسن تلاوة، كقوله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، أي: للتي هي أحسن، والمعنى: أن تلاوة الليل تختلف عن تلاوة النهار.
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل:8]، وقد أسلفنا أن الكلمة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تتعدد معانيها، ويؤخذ المعنى من السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة، فمثلاً كلمة: (تبتل إليه تبتيلاً) أمر الله سبحانه وتعالى نبينا صلى الله عليه وسلم بالتبتل، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، قال الصحابة ولو أذن له لاختصينا، فكيف يقال: (وتبتل إليه تبتيلاً)؟ وكيف نجمع بين هذه الآية الكريمة التي فيها الأمر بالتبتل وبين قول الصحابي: رد النبي عليه الصلاة والسلام على عثمان بن مظعون التبتل؟ هناك تبتل مأمور به، وتبتل منهي عنه.
فالتبتل المأمور به لا بد أن يكون له معنى غير التبتل المنهي عنه، وأصل التبتل: الانقطاع كما قيل لمريم: البتول، أما رد النبي عليه الصلاة والسلام على عثمان بن مظعون التبتل، فالتبتل هنا بمعنى الانقطاع للعبادة وترك النساء؛ لأنه كان يريد الانقطاع كلية عن الزواج، ولا يتزوج أبداً، كان يريد الانقطاع كلية عن الزواج ولا يتزوج، فالرسول رد عليه هذا ومنعه، لكن الآية: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل:8] أي: في الساعات التي تقوم فيها من الليل تصلي، انقطع فيها إلى الله انقطاعاً، ولا تشغلها بغير عبادة الله عز وجل، وليس المراد: انقطع عن كل أعمالك للصلاة، ولكن إذا قمت إلى الصلاة فرغ قلبك وفرغ ذهنك وفرغ عقلك لتدبر الآيات وللصلاة في هذه الأوقات التي خصصتها لقيام الليل، وهذا القول الأول في تفسير قوله: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا .
القول الثاني في تفسير قوله: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا أن يقال: (تبتل إليه) أي: اعبده وانقطع لعبادته، ولا تعبد غيره معه.
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل:9] أي: اجعله وكيلاً عنك في كل شئونك، فإذا أردت قضاء حاجة من الحاجات فاجعله سبحانه وكيلاً لك لقضائها، تريد التوسط في شيء اجعله وكيلاً لك في قضاء هذا الشيء، مع الأخذ بالأسباب.
قال الله سبحانه وتعالى: وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا [المزمل:10]، الهجر الجميل: الذي لا عتاب معه، وهناك صبر جميل وهو الذي لا شكوى معه.
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ [المزمل:13]، ذا غصة: يقف في الحلق لا ينزل، كالضريع والزقوم، يقف في الحلق ولا يصل إلى الجوف، فلا يستطيع بلعه، ولا يستطيع إخراجه.
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا [المزمل:13] أي: مؤلماً موجعاً.
ثم قال سبحانه إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا [المزمل:15]، فالرسول صلى الله عليه وسلم، بعث مبشراً ونذيراً وشاهداً، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب:45]، فهو شاهد على أمته صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:41-42]، فالرسول شاهد على أمته صلى الله عليه وسلم، إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا [المزمل:15]، وهو موسى صلى الله عليه وسلم، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا [المزمل:16]، والوبيل: هو الشديد، ومنه قوله تعالى: أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ [البقرة:265]، فالوابل: المطر الشديد، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265]: هو المطر الخفيف أو الرذاذ، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب: إسناده ضعيف.
الجواب: في هذه الحالة يبقى النظر في كلمات الغناء التي تغنى، فإذا كان الشرع يقرها وليس فيها مخالفة شرعية، فلا بأس إن كان بقدر، وإن كان الشرع لا يقرها فيمنع.
الجواب: قال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71].
الجواب: ليس بحديث عن رسول الله فيما أعلم.
الجواب: ادخار الأموال جائز، لكن إذا أخذت عليها فائدة فالفائدة حرام.
الجواب: الاختصاء: معروف، تدق عروق الخصيتين حتى تذهب الشهوة.
الجواب: قد شاء الله أن يكونوا خالدين أبداً، هذه الآية كما أسلفنا من الآيات التي وقع بسببها بعض أهل العلم في بعض ما يخالف منهج أهل السنة والجماعة، فمنهج أهل السنة في الجنة والنار: أن الجنة تبقى دائماً أبداً، والنار كذلك، فمن العلماء من قال: إن النار ستفنى لهذه الآية: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:107]، فقال: إن النار ستفنى، واستدل أيضاً بقوله تعالى: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا [النبأ:23]، وقد أجيب على مثل هذا التوهم بما فيه الكفاية، وحاصله أن قوله: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:107] قد شاء الله ألا يخرجوا منها كما قال تعالى: وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48]، فالمشيئة هنا بينتها آيات أخرى تبين عدم خروجهم من النار، وأن الله شاء ألا يخرجوا، كقوله تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56]، وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77]، هذا قول، والقول الآخر: أنها في عصاة المؤمنين الذين كانوا من الأشقياء في الدنيا لكنهم أهل توحيد ولم يغفر لهم، فيبقون في النار إلى أن يشاء الله ثم يخرجوا منها.
أما قوله: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا [النبأ:23]، فلا دليل فيه على فناء النار؛ لأن الله قال: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا [النبأ:23-24] أي: هم لا يأكلون في الأحقاب، فلا يذوقون البرد ولا الشراب إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا [النبأ:25]، وماذا بعد الأحقاب؟ بعدها: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30].
الجواب: إذا كانت الطيور التي في بيتك تأكل الدم ولم تذبح إلا بعد ثلاثة أيام فلا بأس بتركها تأكل من الدم، فالدم ليس بحرام على الجلالة، والجلالة: هي التي تأكل الجلة والعذرة، الجلة: المعروفة عند الفلاحين، لكنها لغة عربية، فالجلالة التي تأكل الجلة والعذرة، لكن هل هي من كل الدواب أو من دواب مخصوصة؟
فمن العلماء مثل ابن حزم الظاهري قال: الجلالة: من ذوات الأربع: كناقة مثلاً تأكل هذه القاذورات أو كبقرة مثلاً تأكل هذه القاذورات، أو كشاة، أو كجدي، أو أي شيء من ذوات الأربع.
وقال غيره من العلماء: إن الجلالة كل ما يأكل الجلة أو العذرة سواء كان من ذوات الأربع أو من ذوات الرجلين، وقد ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن لحوم الجلالة وعن ألبانها)، وفي بعض الروايات: (وعن ركوبها)، إلا إذا حبست ثلاثة أيام، فالزيادة التي فيها: (وعن ركوبها)، إن ثبتت فتدل على أن الجلالة من ذوات الأربع، لكن هل يفيد هذا الحديث الحصر؟ لا يفيد الحصر فذوات الأربع منها جلالة وأيضاً الطيور منها جلالة، فالراجح -والله أعلم- في الجلالة: أنها كل ما يأكل الجلة والعذرة سواء كان من ذوات الأربع أو من ذوات الرجلين، ولماذا نهى الرسول عن ركوب الجلالة؟ مثلاً: ناقة تأكل العذرة وتأكل الجلة، لماذا نهى الرسول عنها؟ قال بعض العلماء: إنها إذا كانت تأكل العذرة وتأكل الجلة، أحياناً إذا كنت تركب الدابة -الحمار أو الفرس أو الناقة- تأتي تلحسك بلسانها، فلما تلحسك بلسانها تنجس، ثيابك وتنجسك؛ لأن لسانها ملوث بأكل العذرة، وإذا ذبحتها وجئت تأكلها طعامها لا يهضم، فأنت تشعر بالعذرة التي أكلت، وأنت مثلاً إذا ذبحت الآن دجاجة أو ذبحت بطة أكلت فول أو ذرة، بمجرد الذبح تجد الفول والذرة ما زال في بطنها لم يهضم، فيستقذر أكل الجلالة لأن آثار تلك العذرة لا تزال فيها، والرائحة أيضاً تجدها حتى في لحمها بعد ذبحها، فكيف العمل؟ العمل ألا تذبح الجلالة التي أكلت الجيفة الآن وتأكلها، والنفس تعاف هذا وتستقذره، لكن النهي عنها ليس من باب التحريم المطلق الدائم؛ لأن الله يقول: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ [الأنعام:145]، ولم تذكر الجلالة هنا، فالنهي عن أكل الجلالة مؤقت بوقت، فإن حبست ثلاثة أيام، وعلفت بطعام نظيف؛ فتعود حلالاً طيباً.
الجواب: لا مانع من ذلك، وقد ورد حديث في إسناده ضعف: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قام بالآية الأخيرة من سورة المائدة إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، ليلة)، لكن في إسناد الحديث ضعف والله أعلم، وقد ورد قراءة الصحابي بسورة "قل هو الله أحد" يرددها.
الجواب: هو يوم عرفة من حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة، ومات الرسول بعدها بقرابة تسعين يوماً، لكن الإشكال الذي قد يرد هو أن النبي بعد هذه الآية حث على أمور في مرض موته، يعني: في مرض الموت قال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان)، وقال في مرض الموت: (ألا لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد)، وكل هذا بعد (اليوم أكملت لكم دينكم)، فكيف يجمع بين (أكملت لكم دينكم) وبين هذه النصوص التي أتت لاحقة؟ فالعلماء لهم إجابات على هذه الإشكالات، أحد هذه الأجوبة: أن المراد بالدين في قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم): الحج، أي: أكملت لكم حجكم، هذا قول، والقول الثاني: أن المراد بـ ( اليوم أكملت لكم دينكم): أصول دينكم، والقول الثالث: أن المناهي التي نهى عنها الرسول عليه الصلاة والسلام في مرض موته بعد هذه الآية، كان قد نهى عنها من قبل، ولكنه أكد النهي عنها مرة ثانية، كما ذكر أنه في مرض الموت كان يقول : (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)، مع أنه حث على الصلاة منذ أن كان بمكة، وحث على الرفق بملك اليمين منذ أن كان بمكة عليه الصلاة والسلام، فهذه بعض الوجوه التي جمع بها في هذا الباب.
الجواب: لا أعلم في الصيام في شهر رجب نصاً صريحاً عن رسول الله، اللهم إلا عموم القول بأن شهر رجب من الأشهر الحرم، قال الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الأشهر الحرم: (ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، وشهر الله المحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)، ولماذا نسب رجب إلى قبيلة مضر؟ لأنها كانت تحافظ على شهر رجب لا تقدمه ولا تؤخره، أما أهل الجهل والغباء من أهل الجاهلية، فكانوا إذا دبت بينهم حروب ودخل عليهم الشهر الحرام ويفترض أنهم يتوقفون عن الحرب، لكن كانوا في رجب يقولون: لا بأس في هذه السنة أن نلغي رجب من أجل الاستمرار في الحروب، أو يقولون: نؤخر رجب ونجعله مكان شعبان، من أجل أن يستمروا في الحروب، فقال الله: إِنَّمَا النَّسِيءُ [التوبة:37] أي: إنما التأخير زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا [التوبة:37] الآية. أما شهر شعبان فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر من الصيام فيه.
الجواب: الخنزير كله حرام.
الجواب: لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر