إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [12]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد أن تحدثت سورة النبأ عن الكافرين، ذكرت بعد ذلك حال المتقين، وما أعده الله لهم من ضروب النعيم. كما ختمت السورة الكريمة بالحديث عن هول يوم القيامة، حيث يتمنى الكافر أن يكون تراباً.

    1.   

    تفسير آيات من سورة النبأ

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    فإننا في هذا اليوم. الخميس الثامن عشر من شهر جمادى الأولى عام (1413هـ) نلتقي بإخواننا اللقاء الثالث من هذا الشهر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله مباركاً نافعاً.

    نستمر في تفسير سورة النبأ، حيث وقفنا على قول الله تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ:31-33] ... إلى آخر ما ذكر الله عز وجل.

    هذه الآيات جاءت بعد قوله: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً [النبأ:21-22]، وذلك لأن القرآن الكريم مثاني تثنى فيه الأمور، إذا ذكر الثواب ذكر العقاب، وإذا ذكر العقاب ذكر الثواب، وإذا ذكرت صفات المؤمنين ذكرت صفات الكافرين .. وهكذا؛ لأجل أن يكون الإنسان حين يقرأ القرآن راغباً راهباً، إذا قرأ ما فيه الثواب للمؤمنين رغب ورجا وأمَّل، وإذا قرأ ما فيه عقاب الكافرين خاف، فيكون سائراً إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، لا يأمن مكر الله ولا ييأس من رحمة الله.

    قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ينبغي أن يكون الإنسان في عبادته لربه بين الخوف والرجاء، فأيهما غلب هلك صاحبه.

    تفسير قوله تعالى: (إن للمتقين مفازاً)

    قال تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً [النبأ:31] المتقون هم الذين اتقوا عقاب الله، وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، أحياناً يأمر الله بتقواه، وأحياناً يأمر بتقوى يوم الحساب، وأحياناً يأمر بتقوى النار، قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ [آل عمران:130-131] فجمع بين الأمر بتقواه والأمر بتقوى النار، وقال تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281] فأمر بتقوى يوم الحساب.

    وكل هذا يدور على معنى واحد، وهو أن يتقي الإنسان محارم ربه، فيقوم بطاعته وينتهي عن معصيته.

    فالمتقون هم الذين قاموا بأوامر الله، واجتنبوا نواهيه، هؤلاء لهم مفازاً، والمفاز هو: مكان الفوز وزمان الفوز أيضاً، فهم فائزون في أمكنتهم وفائزون في أيامهم.

    يقول عز وجل: حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً [النبأ:32] هذا نوع المفاز، حدائق، أي: بساتين عظيمة الأشجار، منوعة الأشجار، وَأَعْنَاباً [النبأ:32] جمع عنب، وهي من جملة الحدائق لكنه خصها بالذكر.

    تفسير قوله تعالى: (حدائق وأعناباً)

    قال تعالى: حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً [النبأ:32] هذا نوع المفاز (حدائق) أي: بساتين عظيمة الأشجار، منوعة الأشجار، وَأَعْنَاباً [النبأ:32] جمع عنب، وهي من جملة الحدائق لكنه خصها بالذكر.

    تفسير قوله تعالى: (وكواعب أتراباً ...)

    قال تعالى: وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ:33] (الكواعب) جمع كاعب، وهي المرأة التي تبين ثديها ولم يتدلِ، بل برز وظهر كالكعب، وهذا أكمل ما يكون في جمال الصدر، أَتْرَاباً [النبأ:33] أي: على سن واحدة، لا تختلف إحداهن عن الأخرى كبراً كما في نساء الدنيا؛ لأنه لو اختلفت إحداهن عن الأخرى كبراً، فربما تختل الموازنة بينهما، وربما تكون إحداهما محزونة إذا لم تساوي الأخرى، لكنهن أتراب.

    تفسير قوله تعالى: (وكأساً دهاقاً ...)

    قال تعالى: وَكَأْساً دِهَاقاً [النبأ:34]، أي: كأساً ممتلئة، والمراد بالكأس هنا كأس الخمر، وربما يكون من الخمر وغيره؛ لأن الجنة: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً [محمد:15].

    لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً [النبأ:35] لا يسمعون في الجنة لغواً، أي: كلاماً باطلاً لا خير فيه، ولا كذاباً، أي: لا كذباً، فلا يكذبون ولا يُكذب بعضهم بعضاً؛ لأنهم على سرر متقابلين، قد نزع الله ما في صدورهم من غلٍ وجعلهم إخواناً.

    تفسير قوله تعالى: (جزاء من ربك عطاءً حساباً)

    قال تعالى: جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً [النبأ:36] أي: أنهم يجزون بهذا جزاء من الله على أعمالهم الحسنة التي عملوها في الدنيا، واتقوا بها محارم الله.

    وقوله عز وجل: حِسَاباً ، أي: كافياً مأخوذة من الحسب وهو الكفاية، أي: أن هذا الكأس كافٍ لا يحتاجون معه إلى غيره؛ لكمال لذته وتمام منفعته.

    ثم قال عز وجل: رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً [النبأ:37] فالله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء، قال الله تعالى: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ [النمل:91]، فهو رب السماوات السبع الطباق، ورب الأرض -وهي سبع كما ثبت ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وما بينهما، أي: ما بين السموات والأرض من المخلوقات العظيمة كالغيوم والسحب، والأفلاك وغيرها مما نعلمه ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وقوله: لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً [النبأ:37] يعني: أن الناس لا يملكون خطاباً من الله، ولا يستطيع أحد أن يتكلم إلا بإذن الله، وذلك يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ [النبأ:38] وهو جبريل: وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً [النبأ:38] أي: صفوفاً صفاً بعد صف؛ لأنه كما جاء في الحديث تنـزل ملائكة السماء الدنيا فتحيط بالخلق ثم ملائكة السماء الثانية من ورائهم، ثم الثالثة ثم الرابعة والخامسة وهكذا صفوفاً، لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم سبحانه وتعالى.

    تفسير قوله تعالى: (يوم يقوم الروح والملائكة .....)

    قال تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً [النبأ:38] أي: لا الملائكة ولا غيرهم، كما قال تعالى: وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طـه:108] إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ [النبأ:38] بالكلام فإنه يتكلم كما أذن له وَقَالَ صَوَاباً [النبأ:38] أي: قال قولاً صواباً موافقاً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وذلك بالشفاعة إذا أذن الله سبحانه وتعالى لأحد أن يشفع شفع فيما أذن له أن يشفع فيه، على حسب ما أذن له.

    تفسير قوله تعالى: (ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً)

    قال تعالى: ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ [النبأ:39] أي: اليوم الذي أخبرناكم عنه هو اليوم الحق، والحق ضد الباطل، أي: الثابت الذي يقوم فيه الحق ويقوم فيه العدل، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] أعانني الله وإياكم على ذلك اليوم.

    فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا أي: من شاء عمل عملاً يئوب به إلى الله، ويرجع به إليه، وذلك العمل الصالح الموافق لمرضاة الله تعالى.

    وقوله: فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا قيدتها آية أخرى وهي قوله تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29] أي: أن لنا الخيار فيما نذهب إليه، لا أحد يكرهنا على شيء، لكن مع ذلك خيارنا وإرادتنا ومشيئتنا راجعة إلى الله، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، وإنما بين الله تعالى ذلك في كتابه من أجل ألا يعتمد الإنسان على نفسه وعلى مشيئته، بل يعلم أنها مرتبطة بمشيئة الله حتى يلجأ إلى الله في سؤال الهداية لما يحب ويرضى، ولا يقول الإنسان: أنا حر أريد ما شئت وأتصرف كما شئت، نقول: الأمر كذلك لكنك مربوط بإرادة الله عز وجل.

    تفسير قوله تعالى: (إنا أنذرناكم عذاباً قريباً...)

    قال تعالى: إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا [النبأ:40] أي: خوفناكم من عذاب قريب، وهو عذاب يوم القيامة، وهو في الحقيقة قريب، ولو بقي في الدنيا ملايين السنين فإنه قريب: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:46]، فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت، والإنسان لا يدري متى يموت، قد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا، وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان.

    قال تعالى: يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [النبأ:40] المرء، أي: كل امرئ ينظر ما قدمت يداه، ويأخذ كتابه ويعرف مصيره، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14] ويقول الكافر من شدة ما يرى من الهول، وما يشاهد من العذاب، يقول: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40] أي: ليتني لم أخلق، أو ليتني لم أبعث، أو إذا رأى البهائم التي يقضي الله بينها ثم يقول: كوني تراباً، حينئذ يتمنى أن يكون مثل البهائم، فقوله: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40] تحتمل ثلاث معاني:

    المعنى الأول: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40] أي: فلم أخلق؛ لأن الإنسان خلق من تراب.

    المعنى الثاني: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40] فلم أبعث، يعني: كنت تراباً في أجواف القبور.

    أو المعنى الثالث: أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني تراباً فكانت تراباً قال: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40] أي: كما كانت هذه البهائم، والله أعلم.

    وإلى هنا تنتهي سورة النبأ وفيها من المواعظ والحكم وآيات الله عز وجل ما يكون موجباً للإيقان والإيمان، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه، وأن يجعله موعظة لقلوبنا وشفاء لما في صدورنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    1.   

    الأسئلة

    المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمتي)

    السؤال: ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ليكونن من أمتي أقوام كذا وكذا، هل القصد بقوله: أمتي.. المسلم والكافر أم المسلم فقط؟

    الجواب: الحديث عام في هذا وهذا، ولكن الغالب أنها تكون للمؤمنين، ولكن ليس هذا دليلاً على جواز هذا الشيء الذي يقع .. بل قد يكون للتحذير منه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، هذا لم يقله على وجه التقرير، لكنه قاله على وجه التحذير أي: فاحذروا من هذا، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن) فهو أخبر أن من أمته من يتبع اليهود والنصارى، ولكنه لم يقل ذلك على سبيل التقرير بل على سبيل التحذير.

    معنى حديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)

    السؤال: وقفت على حديث ما معناه: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، ومن المعلوم أن في كتب الفقه والحديث نقرأ دائماً أحكام الاعتكاف وتفصيله، وما يشرع له وما يبطله ... إلى آخره، كيف ذلك؟

    الجواب: هذا الحديث الذي أشرت إليه هو من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، رأى أقواماً معتكفين في مسجد الكوفة بين بيته وبيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فجاء إلى ابن مسعود يحدثه بأنه رأى أقواماً يعتكفون في مسجد الكوفة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى) فقال لـه ابن مسعود : لعلهم أصابوا وأخطأت وحفظوا ونسيت، فكأن ابن مسعود رضي الله عنه رجح فعلهم على ما قاله حذيفة رضي الله عنه، ولا شك أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مخالف لعموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] والمساجد عامة ليس فيها تخصيص، ولا يمكن أن يخاطب الله تعالى الأمة بهذا الحكم العام في الاعتكاف ويقول في المساجد، ثم لا يراد به إلا ثلاثة مساجد، قد يدركها من يدركها من الناس، وقد لا يدركها.

    ثم على تقدير صحته إذا قدرنا أنه صحيح محفوظ، فإنه يعني: أنه لا اعتكاف كامل إلا في هذه المساجد وليس المعنى: لا اعتكاف يصح، والذي نرى أن الاعتكاف يصح في كل مسجد، في المساجد الثلاثة وفي غيرها، ويكون ذلك في العشر الأواخر من رمضان كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما قال بعض أهل العلم: من أنه ينبغي لكل من دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف فيه، فإن هذا بدعة، لم يكن معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولو كان من الشرع لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، فهاهو يتحدث صلى الله عليه وسلم عمن بكّر إلى الجمعة، فيقول: (من اغتسل فجاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ..) إلى آخر الحديث، ولم يقل: ولينوِ الاعتكاف، مع أنه حث على المجيء مبكراً، ولم يقل ولينو الاعتكاف حتى تأتي الصلاة.

    فالصواب أن الاعتكاف المشروع ما كان في العشر الأواخر كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.

    المشروع والممنوع في التعازي

    السؤال: ما هو الضابط في تقديم التعازي لأهل الميت، خاصة وأننا نجد في بعض البلدان أنهم يقرءون الفاتحة على الميت، وأنهم يستدلون على ذلك بأنه إذا كانت القراءة على المريض كالرقية جائزة فالميت من باب أولى أن يقرأ عليه الفاتحة، ونرجو البسط في هذه المسألة لأننا نجد فيها الكثير من الخلافات؟

    الجواب: العزاء مشروع لكل مصيبة، فيعزى المصاب وليس الأقارب فقط، قد يصاب الإنسان بموت صديقه أكثر مما يصاب بموت قريبه، وقد يموت القريب للشخص ولا يصاب به ولا يهتم به، وربما يفرح بموته إذا كان بينهما مشاكل، فالعزاء في الأصل إنما هو لمن أصيب، ويعزى يعني: يقوى على التمسك بالصبر، وأحسن ما يعزى به ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حيث أرسل إلى إحدى بناته، فقال: (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى).

    وأما اجتماع الناس للعزاء في بيت واحد فإن ذلك من البدع؛ فإن انضم إلى ذلك صنع الطعام في هذا البيت كان من النياحة كما كان الصحابة رضي الله عنهم يعدون ذلك، أي: الاجتماع عند أهل البيت وصنع الطعام يرونه من النياحة، والنياحة -كما يعلمه الكثير من طلبة العلم- من كبائر الذنوب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة.

    وعلى هذا فيجب على طلبة العلم أن يبينوا للعامة أن هذا أمر غير مشروع، وأنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة، وأن الواجب على خلف هذه الأمة أن يتبعوا سلفها، فهل جلس النبي صلى الله عليه وسلم للعزاء في بناته؟ في أولاده؟ في زوجته خديجة ؟ وزوجته زينب بنت خزيمة ؟ هل جلس أبو بكر ؟ هل جلس عمر ؟ هل جلس عثمان ؟ هل جلس علي ؟ هل جلس أحد من الصحابة ينتظرون من يعزيهم؟ أبداً. لم يفعل هذا ولا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

    وأما ما تلقي عن الآباء وجرت به العادات، فهذا يعرض على الكتاب والسنة وهدي السلف ، فإن وافقها فهو مقبول لا لأنه عادة ولكن لأنه وافق السنة، وما خالفها فيجب أن يرفض.

    ولا ينبغي لطلبة العلم أن يخضعوا للعادات، وأن يقولوا: كيف ننكر على آبائنا وأمهاتنا وإخواننا شيئاً معتاداً؟ لأننا لو أخذنا بهذا الطريق ما صلح شيء، وبقيت الأمور على ما هي عليه من الفساد.

    وأما قراءة الفاتحة فهي بدعة على بدعة، فما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعزي بقراءة الفاتحة ولا بغيرها من القرآن، وأما قولهم بأنها تقرأ على المريض فنقول: يقرأ بها على المريض ليشفى بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما يدريك أنها رقية؟!) فهي تقرأ على المرضى ويشفون بإذن الله، لكن الميت ميت، هل إذا قرأناها عليه سيشفى؟ أبداً هو ميت، ولا يبعث إلا يوم القيامة.

    كل هذه من الأشياء التي يجب على طلبة العلم أن ينتزعوها من مجتمعاتهم، وأن يعودوا إلى ما كان عليه السلف الصالح فإذا قيل: إذاً متى نعزي؟ قلنا:

    أولاً: العزاء ليس بواجب، غاية ما فيه أنه سنة.

    ثانياً: أن العزاء للمصاب الذي نعرف أنه تأثر بالمصيبة فنعزيه ونورد عليه المواعظ حتى يطمئن.

    ثالثاً: أن العزاء المشروع ليس بالاجتماع في البيت، وإنما في أي مكان تلقاه فيه سواء في السوق أو في المسجد ... وما أشبه ذلك.

    حكم الاقتداء بالمسبوق إذا قام لإكمال صلاته

    السؤال: القائم بقضاء ما فاته في الصلاة هل يجوز أن يقتدي به شخص آخر؟

    الجواب: يعني: الرجل المسبوق الذي دخل مع الإمام في أثناء الصلاة ثم قام يقضي ما فاته، هل يأتم به أحد دخل معه؟

    اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فمنهم من قال: إن هذا غير صحيح، وأنه لا يصح أن يأتم به أحد، ومنهم من قال: إنه صحيح ولكن خلاف الأولى وهذا هو الأقرب أنه صحيح لكنه خلاف الأولى، وهو إلى البدعة أقرب منه إلى السنة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون هذا، كان الرجل إذا فاته شيء من الصلاة قام فقضاه وحده، ثم إن هذا يؤدي إلى التسلسل فيصلي من دخل مع القاضي الذي يقضي ما فاته، وربما يفوته شيء أعني هذا الداخل فيقضيه، ثم يأتي ثالث ورابع ثم في هذه الحال يظهر جداً أنه بدعة.

    الفرق بين بيع السلم والغرر

    السؤال: بعض أصحاب المزارع يشتري مثلاً خمسين فرخ نخلة بخمسين ألفاً، دون أن يحدد نوع أو حجم الفراخ، ولكن يشترط عليه ألا يبيع شيئاً حتى يأخذ الخمسين التي له، فإذا كان لا يجوز فما رأيكم في حث أئمة المساجد على ذلك، لأن هذا سائد، وإذا كان يجوز فأرجو إفتاءنا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: لا شك أنه إذا اشترى منه فراخة نخل فإنه على قسمين:

    القسم الأول: أن يشتري منه موصوفاً في الذمة، وفي هذه الحال لا بد أن يحدد النوع والكمية والحجم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)، فمثلاً يقول: اشتريت منك مائة فرخ شجرة سكرية برحية بكذا وكذا من الدراهم.

    القسم الثاني: أما إذا كان معيناً كأن يقول: اشتريت منك فرخة هذا المقطر، فهذا لابد أن يعين الفرخ ولا يصح أن يكون موصوفاً بل يقول: هذه الفراخ العشرة ويعينها ويسمها بما تعرف به، فإن لم يكن كذلك فهي مجهولة، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر).

    وقت الصلاة في حق النائم إذا استيقظ

    السؤال: لو قام قائم من نومه ولم يبق على خروج الوقت إلا ما يكفيه لوضوئه، فهل في هذه الحال يتيمم ويصلي أو يتوضأ ولو خرج الوقت الواجب، ما الأولى في هذه المسألة حفظكم الله؟

    الجواب: إذا استيقظ الإنسان من نومه وقد بقي من الوقت ما لا يتسع لوضوئه وصلاته، فإنه يتوضأ ثم يصلي ولو خرج الوقت، وذلك لأن النائم يكون وقت الصلاة في حقه وقت استيقاظه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) يعني: إذا استيقظ، فالواجب أن يتطهر أولاً ثم يصلي ثانياً، ولو خرج الوقت، وفي هذا الحال تكون صلاته على القول الراجح أداء أي: كالذي صلى في الوقت.

    ولكن يجب علينا أن ننبه إلى أنه لا يجوز للإنسان أن يُغَلِّب جانب النوم على جانب الصلاة، بل الواجب أن يكون عنده (منبه) ساعة أو تليفون، أو يطلب من أصحابه مثلاً أن يتصلوا به إذا حان وقت الصلاة، وإذا كان عنده أحد في البيت يستيقظ فليطلب منه أن يوقظه، وأما التهاون فإنه لا يجوز، يجب أن ننتبه لهذا الأمر، يعني لا يقول قائل: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة ونسيها فليصلها إذا ذكرها) يدل على أن الأمر هين، لا. لكن إذا كان الإنسان لا يجد من يوقظه، ولم يتمكن من الاستيقاظ وتعذرت الوسائل كلها، ففي هذه الحال يكون معذوراً.

    نكتة بلاغية في قوله تعالى: (ولكن الله ألف بينهم)

    السؤال: في قوله تعالى في سورة الأنفال: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63] هل هناك نكتة بلاغية في مسألة: وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63] ولم يذكر قلوبهم؟

    الجواب: معلوم ذلك من وجهين:

    الوجه الأول: لأن قوله: وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [لأنفال:63] أظهر في التأليف من قوله: (ألف بين قلوبكم)؛ لأنه إذا تآلفت الظواهر كان ذلك دليلاً على تآلف البواطن، لكن لو تآلفت البواطن فقد يختلف التآلف في الظواهر، فلهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [لأنفال:63] هذا وجه.

    والوجه الثاني: أن المدار على تأليف القلوب وهو أمر باطن لا يقدر عليه إلا الله، أما تأليف الظواهر فقد يأتي شخص من الناس ولاسيما من لـه كلمة في مجتمعه فيؤلف بين اثنين تأليفاً صورياً ويقول: أنا ألفت بين هذين الرجلين، وجمعت بينهما، وأصلحت بينهما، لكن قلوبهما متعادية، ومثل هذا التآلف لا يدوم طويلاً فلهذا قال: مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63].

    الأولى في حق الراغب في اعتناق الإسلام

    السؤال: بالنسبة للكفار الذين يريدون الدخول في الإسلام ويرى بعض الإخوة ألا يستعجل في دخولهم، بل يرى أن يعطوا كتباً وأشرطة ويبقوا شهراً أو شهرين حتى يتعلموا ويتفقهوا في العقيدة الإسلامية، يأتي الرجل ويقول: أريد أن أدخل في الإسلام وبعد ذلك تخبروني بما يجب علي من العبادات، هل الأولى أن نسارع ونجعله يدخل في الإسلام أم نؤخره حتى يتعلم؟

    الجواب: الواقع أن بعض الناس كما ذكرت يقول: هؤلاء الذين جاءوا إلينا وافدين قد يقول قائل منهم: أنا أريد الإسلام وهو جاهل به، فإذا دخل في الإسلام لم يرق لـه، ولم يستحسن شعائر الإسلام فينكص على عقبيه، وحينئذ تكون الطامة أعظم؛ لأنه إذا دخل في الإسلام ثم نكص صار مرتداً، لكن لو بقي على دينه صار كافراً أصلياً، والمرتد أعظم من الكافر الأصلي؛ لأن الكافر الأصلي يقر على دينه، والمرتد لا يقر على ردته، يدعى للإسلام فإن تاب وإلا قتل، فيرى بعض الإخوة ألا نتعجل.

    ثم إن بعض هؤلاء العمال قد يدعي أنه مسلم لغرض دنيوي، ليس حباً في الإسلام، فكوننا نقيم عليه الحجة ببيان الإسلام ثم يدخل عن بصيرة أولى من كوننا نتعجل، فعلى هذا ينبغي أن ينظر للقرائن، إذا رأينا أن هذا الرجل عامل بين قوم مسلمين، وكان يشاهدهم ويشاهد طهارتهم وصلاتهم وأذكارهم وسيرهم، فهذا من حين ما يقول أنه راغب في الإسلام نقبل منه، وأما إذا كان جاهلاً وقد أتى حديثاً، ولم يدر عن الإسلام شيئاً فهنا يحسن أن نبين لـه الإسلام أولاً، ثم نقبل منه دعوى الإسلام.

    (المحيي والستير) وعلاقتهما بالأسماء والصفات

    السؤال: هل (المحيي والستير) يعتبران من أسماء الله؟

    الجواب: المحيي ليس من أسماء الله، من أسماء الله الحي، أم المحيي فهو صفة فعل من أفعال الله، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [غافر:68]، فالمحيي اسم فاعل من أحيا، فهو من صفات الأفعال وليس من الأسماء.

    وأما الستير فقد ورد فيه حديث، ولكن يحتاج إلى نظر في صحته فإذا صح فهو من أسماء الله؛ لأن مذهب أهل السنة والجماعة أن كل ما صح في أسماء الله عن رسول الله فإنه يثبت، أي: ثابت التسمية به.

    صفات من يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب

    السؤال: ما المقصود بحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بدون حساب ولا عذاب؟

    الجواب: هذا الحديث حديث طويل مشهور، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سواداً عظيماً قد سد الأفق فقيل لـه: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فجعل الصحابة رضي الله عنهم يتساءلون بينهم من هؤلاء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)، قوله: لا يسترقون، أي: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم لمرض كان فيهم، ولا يكتوون، أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم، ولا يتطيرون، أي: لا يتشاءمون، وعلى ربهم يتوكلون، أي: يعتمدون اعتماداً كلياً.

    وعلم من قوله: لا يسترقون أنهم لو قرءوا على غيرهم فلا بأس، ولا يحرمون من هذا الثواب العظيم، وأنه لو قرأ عليهم غيرهم بلا طلب منهم فلا بأس، ولا يحرمون من هذا الثواب العظيم، وكذلك من كواه غيره بلا طلب منه فإنه لا يحرم هذا الثواب.

    أما التطير فهو التشاؤم، قال العلماء: التشاؤم يكون بمرئي أو مسموع أو معلوم، والتشاؤم من مرئي: مثل أن يرى شيئاً فيقع في نفسه التشاؤم، كأن يرى طيراً أسود فيقول: هذا سواد يومي، أو كأن يرى أمامه إنساناً عثر فمات فيتشاءم ويقول: إن ذهبت في هذا الطريق حصل لي مثلما حصل لهذا الشخص، أو ما أشبه ذلك، والتشاؤم بمسموع: مثل أن يسمع كلمة نابية فيتشاءم ويرجع عن حاجته.

    والتشاؤم بالمعلوم: التشاؤم بالأيام أو بالشهور، كما كان أهل الجاهلية يفعلون، منهم من يتشاءم بشهر صفر، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ومنهم من يتشاءم بيوم الأربعاء، وغير ذلك مما هو معروف من طرق الجاهلية، فإن الطيرة من الشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك، الطيرة شرك) وعلى الإنسان أن يتوكل على الله ويعتمد عليه في أمره كله، وإذا رأى أن من الخير أن يفعل فليفعل، ولا يهمه ما سمعه وما رآه؛ لأن الطيرة من الشرك.

    وأما التوكل فهو: صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب النافعة؛ لأن التوكل بدون فعل الأسباب النافعة يسمى تواكلاً وليس توكلاً، فإن سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان يفعل الأسباب التي تقيه، ففي غزوة أحد ظاهر بين درعين يعني: لبس درعين خوفاً من السهام، وضرب الخندق على المدينة لئلا يدخلها العدو، واختفى في غار ثور ثلاثة أيام لئلا يدركه العدو، فالأسباب النافعة فعلها لا ينافي التوكل أبداً، بل هو من مقتضى التوكل.

    فهذه الأوصاف الأربعة أنهم: (لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، هي من صفات من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، ولكن ليعلم أنه لابد أن يكون عندهم إيمان، فلو فرضنا أن أحداً اتصف بهذه الصفات لكنه لا يصلي فهذا لا يدخل الجنة أبداً لا بحساب ولا بغير حساب؛ لأن من لا يصلي كافر، ولا ينفعه أنه لا يسترقي، ولا يكتوي، ولا يتطير، وأنه يتوكل ويعتمد على الله، فيجب أن ننتبه إلى هذه المسألة.

    معنى الفاضل والمفضول ومثال ذلك من الأعمال

    السؤال: ما معنى الفاضل والمفضول وأيهما أفضل؟

    الجواب: المفضول أي: الذي فضله غيره، والفاضل: الذي فيه الفضل، فإذا قيل: فاضل ومفضول، فالفاضل هنا بمعنى أفضل، وأما إذا قيل: فاضل بدون ذكر المفضول، فالفاضل قد يكون غيره أفضل منه، فالمراتب ثلاث: أفضل، وفاضل، ومفضول، فإذا قيل: أفضل فمعناه أنه لابد من شيء مفضول، مثال ذلك: رجل يريد أن يتفرغ لطلب العلم أو يصلي النوافل، فصلاة النوافل لا شك أن فيها فضلاً لكن طلب العلم أفضل منها بكثير، شخص آخر أراد أن يتصدق على فقير عنده بعض الكفاية، وآخر أراد أن يتصدق على فقير ليس عنده شيء من الكفاية، فالأفضل الثاني، وكلاهما فيه فضل.

    ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، مثاله: قراءة القرآن من أفضل الذكر، والقرآن أفضل الذكر، فلو كان رجل يقرأ وسمع المؤذن يؤذن فهل الأفضل أن يستمر في قراءته أو أن يجيب المؤذن؟

    هنا نقول: إن الأفضل أن يجيب المؤذن، وإن كان القرآن أفضل من الذكر، لكن الذكر في مكانه أفضل من قراءة القرآن؛ لأن قراءة القرآن غير مقيدة بوقت متى شئت فاقرأ، لكن إجابة المؤذن مربوطة بسماع المؤذن، كذلك أذكار الصلوات الخمس التي بعد الفرائض لو قال قائل: أنا أريد من حين أن أسلم أن أقرأ القرآن، فهل الأفضل أن أقرأ القرآن، أو أن أقول الذكر الوارد؟

    فالجواب: الأفضل الذكر الوارد، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)، مع أن قراءة القرآن من أفضل الأعمال، لكن نقول: إذا كنت راكعاً فأنت منهي عن قراءة القرآن، وكذلك إذا كنت ساجداً فإنك منهي عن قراءة القرآن، بل تقول سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، وقد قال بعض العلماء: لو قرأ الإنسان القرآن وهو راكع أو ساجد بطلت صلاته؛ لأنه فعل شيئاً منهياً عنه، أنت ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني نهيت -يعني نهاني ربي- أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) مع أن القرآن من أفضل الذكر.

    وخلاصة الجواب أن نقول: الأعمال لها مراتب بعضها أفضل من بعض، ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل.

    حكم الاقتصار على الأركان الخمسة

    السؤال: يقول بعض الإخوة: إن من أدى أركان الإسلام الخمسة أصبح مسلماً، وإن لم يطبق السنة النبوية من حف الشارب وإرخاء اللحية، وتقصير الثوب، ولكنه لا يكون مستقيماً، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هذا صحيح. بأن الإنسان إذا أتى بأركان الإسلام الخمسة فهو مسلم، حتى لو حلق لحيته أو أنزل ثوبه إلى أسفل من الكعبين فهو مسلم، بل هو مؤمن لكنه ناقص الإيمان لارتكابه هذه المعصية، وإصراره عليها؛ لأنك لو قلت: ليس بمسلم فقد أخرجته من الإسلام، والإخراج من الإسلام ليس بالهين، لا يجوز لنا أن نخرج شخصاً من الإسلام إلا بدليل من الكتاب والسنة، أو إجماع الأمة؛ لأن الإخراج من الإسلام حكم من أحكام الله يترتب عليه مسائل عظيمة، فإذا كان ليس لنا أن نقول: هذا حرام إلا بدليل، أو هذا واجب إلا بدليل، فليس لنا أن نقول: إن هذا كفر إلا بدليل، ولا نقول: هذا كافر إلا بدليل، والأمة الإسلامية ما فرقها إلا مثل هذا القول المبني على الوهم، فـالخوارج لماذا خرجوا على الأئمة وأفسدوا أشياء كثيرة في الأمة؟ لأنهم يكفرون بكبائر الذنوب، ويقولون: من فعل الكبيرة فهو كافر مخلد في النار يجب قتاله، ومن قرأ التاريخ عرف ما حصل عند ظهورهم من المفاسد العظيمة.

    فالحاصل: أن الكفر ليس بالأمر الهين، قد يعصي الإنسان معاصي كثيرة لكن يبقى مؤمناً، إلا أنه مؤمن ناقص الإيمان، ولو سألتكم ما هو أعظم شيء من العدوان على بني آدم؟ لكان الجواب: القتل، القتل أعظم من أخذ المال، ومع ذلك جعل الله تعالى القاتل أخاً للمقتول فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:178] (من) يعني بأخيه المقتول فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] أي من دم أخيه: شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:178].

    وقال تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] إلى أن قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] فأنتم ترون الآن القاتل لا يخرج من الإيمان، والمقاتل للمؤمنين لا يخرج من الإيمان، فكيف إذا حلق لحيته، أو أرخى ثوبه! نقول: هو مسلم مؤمن؛ لكنه ناقص الإيمان بما معه من المعاصي.

    حكم من سها عن السجدة الأخيرة ولم يسجد للسهو

    السؤال: جماعة صلوا أحد الفروض، وسها الإمام في السجدة الأخيرة ولم يسجدها وسلم وانصرف المأمومون، ومن المأمومين من فارق الإمام وأتى بالسجدة، ومنهم من قام وخرج من المسجد، ومنهم من أعاد الصلاة كلياً، فذُكِّر الإمام فقام بالسجدة وسلم ولم يسجد للسهو، ومن المعلوم أن السجود ركن وتبطل الصلاة بتركه سهواً أو عمداً؟

    الشيخ: لكن سجد السجدة أو السهو فقط؟

    السائل: السجدة فقط.

    الشيخ: ولم يسجد السهو؟

    السائل: نعم. ما الحكم؟

    الجواب: الواجب على المأموم إذا أخل إمامه بركن أو واجب أن ينبهه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله إنما التصفيق للنساء) الواجب على المأمومين أن يسبحوا، وأن يلحوا في التسبيح حتى يرجع الإمام، وإذا قُدِّر أن الإمام لم يفهم فليقرءوا آية تشير إلى ذلك، مثلاً هذا الرجل الذي ترك السجدة الأخيرة وسلم يجب على المأمومين أن يسبحوا ويقولوا: سبحان الله حتى ينتبه، وإذا لم ينتبه فليقرءوا آية من القرآن تذكره، مثل أن يقولوا: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] أو آية نحوها تذكره.

    أما في القضية الواقعة فالذين سجدوا السجدة الثانية وسلموا صلاتهم صحيحة، والذين لم يسجدوا حتى طال الزمن يجب عليهم أن يعيدوا الصلاة من أولها، والذين ذكروا عن قرب ثم سجدوها يجب عليهم بعد السلام أن يسجدوا سجدتين للسهو ويسلموا، فأنت اسأل هؤلاء الإخوة الذين حصل منهم ما حصل، فمن قال منهم: إنه لم يسجد حتى الآن، فمره بأن يعيد صلاته.

    حكم إطلاق اسم (عم) على أبي الزوجة ونحو ذلك

    السؤال: إن من العادات المتبعة أن يطلق على أبي الزوجة خال، وعلى أم الزوجة خالة، وبعضهم يطلق عم أو عمة، وبعض الإخوة سمع منك في تفسير سورة النساء: أنه لا يجوز أن يطلق هذا الاسم على أبي الزوجة أو الأم فما هو البديل؟ وما صحة هذا الكلام جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: أما أبو الزوجة فلا يسمى خالاً ولا عماً لأنه ليس خالاً شرعاً، ولا عماً شرعاً، وكذلك أم الزوجة ليست خالة ولا عمة، فلا ينبغي أن يسمى أبو الزوجة خالاً أو عماً، ولا ينبغي أن تسمى أم الزوجة خالة أو عمة، وإنما يسموا بالتسمية التي سموا بها عند أهل العلم وهم الأصهار، فيقال: صهري فلان، أبو زوجتي فلان، صهرتي فلانة، أم زوجتي فلانة، وأما أن يسموا بأسماء شرعية لا يتصفون بما تقتضيه هذه الأسماء فإن ذلك لا ينبغي.

    ولكن لم نقل إنه حرام ولعل الذي سمع كلامي، أي: قولي لا ينبغي ظن أن هذا يعني التحريم، فالأولى أن الإنسان يسمي الأشياء بتسمياتها الحقيقية الشرعية، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نسمي صلاة العشاء بالعتمة، وقال: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله العشاء)، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ [النور:58]، ولم يقل العتمة، والعتمة هي: إعتام الأعراب بالإبل، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يغلبنا الأعراب على تسميتنا للصلاة بغير اسمها الشرعي.

    الهداية والعمل بالأسباب المشروعة

    السؤال: في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في صحيح البخاري جزء من الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله الذي لا إله غيره إن منكم من يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ...) الحديث. يوجد في أوساط الشباب من يقول: إذا كانت الهداية مقدرة أو متعلقة بالمشيئة فلا يوجد ثمة داعٍ لأن أعمل الصالحات، أو ألتزم بطاعة الله عز وجل، فما رأيكم يا فضيلة الشيخ! في هذا القول؟

    الجواب: لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا: يا رسول الله! أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له؛ أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة).

    فإذا قال قائل: إذا كان الأمر مقدراً فلا فائدة من العمل، وأصر على ذلك، ونفذ ما قال، علمنا أنه من أهل الشقاوة والعياذ بالله؛ لأنه لم ييسر لعمل أهل السعادة، ثم نقول لهذا الرجل: هل أنت تعلم أن الله قدر لك أن تكون من أهل الشقاوة حتى تعمل بعملهم؟ فسيقول: لا. نقول: إذاً قدر أن الله كتبك من أهل السعادة واعمل بعمل أهل السعادة.

    ثم نقول ثالثاً: أنت الآن لو قيل لك: إن البلد الفلاني فيه تجارة كبيرة وهو بلد آمن فيه سعة رزق، وبلد آخر دون ذلك بكثير، هل تقول: لا أذهب إلى البلد الأول؛ لأنه لو قدر لي لذهبت! وتذهب إلى البلد الثاني، أو تذهب للبلد الأول وتقول: إنه قد قدر لي؟ الجواب: أنه سيقول الأخير، سيذهب إلى البلد الذي يرى أنه أنفع له، ويقول: إنه قد قدر لي أن أذهب إليه، هكذا أيضاً طريق الجنة والنار، لنفرض أن الجنة والنار بلدان هل تذهب إلى بلد الشقاء والعذاب أو بلد النعيم والسعادة، ستذهب إلى الثاني.

    فلهذا لا يقول هذا القول الذي أشرت إليه إلا رجل مخذول والعياذ بالله، نعلم أنه لو أصر على ذلك فإنه مقدر عليه أنه من أهل الشقاوة، وسيذوق بأس الله عز وجل، لقول الله تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام:148].

    وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) فهذا يوجب الحذر من أن يعمل الإنسان بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس دون ما في باطن قلبه، ويدل لهذا ما ثبت في الصحيح أيضاً: من أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، وكان لا يدع للعدو شاذة ولا فاذة إلا قضى عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (هذا من أهل النار) فعظم ذلك على الصحابة، وشق عليهم كيف يكون هذا من أهل النار وهو على هذه الحال! ثم قال أحد الصحابة: والله لألزمنه -ألزم هذا الرجل وأمشي معه- حتى أنظر ماذا يكون من أمره، يقول: فأصابه سهم -أصاب هذا الرجل الشجاع الجيد سهم- فغضب وجزع ثم أخذ بسيفه ووضعه على بطنه واتكأ عليه حتى خرج السيف من ظهره فمات، فجاء الرجل الذي كان ملازماً له إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، قال: (وبم؟) قال: إن الرجل الذي قلت لنا إنه من أهل النار صارت خاتمته كذا وكذا -نعوذ بالله من سوء الخاتمة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار)، وعلى هذا فيكون حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيه التحذير من سوء الطوية وفساد النية، وأن الإنسان يجب عليه إذا عمل بعمل أهل الجنة أن يكون عمله مبنياً على إخلاص وتوحيد حتى يكون نافعاً له عند وفاته ومفارقته الدنيا.

    المصلى في البيت أو العمل ليس له حكم المسجد

    السؤال: هناك مدرسة فيها مصلى معد لصلاة الظهر فقط، في وقت صلاة الظهر تجبر البنات على الدخول، وبعضهن تكون حائضاً، فهل هذا المصلى لـه حكم المسجد؟ يعني: لا يجوز أن تجلس فيه، وعندما يجلسن في الفصول ربما تحدث بعض الأشياء اللاأخلاقية، فهل يمكن أن يجبرن على دخول هذا المصلى؟

    الجواب: المصلى في المدارس ليس في حكم المسجد، بل هو مصلى، وليس كل مكان تقام فيه الصلاة يعتبر مسجداً، فالمسجد هو: ما أعد للصلاة على سبيل العموم وهيئ وبني. وأما مجرد أن يتخذ مكاناً يصلى فيه فهذا لا يجعله مسجداً، وعلى هذا فيجوز للمرأة الحائض أن تدخل مصلى المدرسة وتمكث فيه.

    حكم لزوم المصلي مصلاه إلى الشروق

    السؤال: هل الجلوس إلى الإشراق ملزم للمصلي أن يكون في مصلاه الذي صلى فيه الفجر؟ وماذا لو كان هناك عارض كذهابه إلى الجامعة أو طارئ يطرأ عليه وهو يريد الأجر؛ ولكن هذا الطارئ يعرض عليه في هذا الوقت؟

    الجواب: الجلوس في مصلى صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين، ليس بواجب ولكنه سنة مرغب فيها، فإذا عارضه واجب، أو عارضه ما هو أفضل منه كطلب العلم فليذهب إلى ما هو أفضل، أي لو قال قائل: أيهما أفضل: أن أجلس في مكاني في المسجد حتى تطلع الشمس وأصلي ركعتين، أو أذهب إلى حلقة علمية في مسجد آخر، قلنا: الذهاب إلى حلقة علمية أفضل، وكذلك الجامعة، فإن كانت دروس الجامعة دروس علم شرعي فهي أفضل من أن تبقى في مصلاك حتى طلوع الشمس.

    معنى قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً ...)

    السؤال: من المعلوم أنه لا يخلد في النار إلا أهل الشرك، ولكن في قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا [النساء:93] فكيف تفسر هذه الآية خاصة أن الخوارج يستدلون بها على كفر صاحب الكبيرة؟

    الجواب: يمكن أن يجاب عن هذا الإشكال من خمسة أوجه:

    الوجه الأول: هذه الآية من الآيات المتشابهة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه بحديدة: (أنه يعذب بها في جنهم خالداً مخلداً فيها أبداً) -فهو من النصوص المتشابهة- والقاعدة عند أهل الإيمان: أن النصوص المتشابهة تحمل على النصوص المحكمة، والنصوص المحكمة دلت على أن قتل النفس لا يخرج به الإنسان من الإيمان، قال الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178] إلى أن قال: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178]؛ فإذا كان كذلك فإن الواجب أن تحمل آية الوعيد والحديث على معنى لا يتنافى مع النصوص الأخرى، فتقول: قتل المؤمن عمداً وقتل النفس عمداً سبب للخلود في النار، والسبب قد يعارضه مانع، يمنع من حصول المسبب.

    أرأيت مثلاً في باب الفرائض، القرابة سبب من أسباب الإرث، لكن قد يوجد مانع يبطل هذا السبب، لو كان الأب كافراً والابن مؤمناً فمات الابن فإن الأب لا يرثه، ولو مات الأب لم يرثه الابن، لوجود اختلاف الدين، فهكذا هذه الآيات والأحاديث التي فيها الوعيد، نقول: هذه الأفعال التي رتب عليها هذا الوعيد وهو الخلود في النار سبب من الأسباب، وإذا كان سبباً فمقتضى ذلك أن يحترز الإنسان منها؛ لأنه قد يكون هذا السبب لا مانع له كما جاء في الحديث: (لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) أي: أن من أصاب دماً حراماً فإنه يوشك أن يزيغ فيموت على الكفر، فنقول: هذا الفعل أي: قتل النفس المؤمنة عمداً سبب للخلود في النار، وهذا السبب قد يوجد مانع يمنع منه وهو الإيمان، فإن من كان في قلبه أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان فإنه لا يخلد في النار، هذا وجه.

    الوجه الثاني: أن هذا فيمن استحل القتل فإنه يخلد في النار، لكن هذا الوجه لما ذكر للإمام أحمد رحمه الله تعالى أن فلاناً قال: يخلد في النار من قتل المؤمن عمداً مستحلاً لـه..ضحك، وقال: إذا استحل قتل المؤمن فإنه كافر سواء قتله أم لم يقتله، فهذا جواب ليس بشيء.

    الوجه الثالث: قال بعض العلماء في جواب آخر: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا [النساء:93] إن جازاه الله تعالى، فجعل الآية على تقدير شرط يعني إن جازاه فهذا جزاؤه، وإن لم يجازه بل عفا عنه؛ فإنه لا يحصل له هذا العذاب، قالوا: لأن الله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    الوجه الرابع: قال بعض أهل العلم: إن هذا خرج مخرج الزجر والتنفير، وما خرج مخرج الزجر والتنفير فإنه لا يقصد به هذا الحكم بعينه، وإنما يقصد تنفير الناس منه، كما تقول لابنك: والله إن فعلت ذلك لأقتلنك، وأنت لو فعله هل تقتله؟ لا. بل قد لا تضربه، مع أنك قلت لأقتلنك هددته بالقتل لكنك لم تقتله، ولكن من شدة التنفير عبرت بذلك، فقالوا: إن الله عبر بالخلود في النار فيمن قتل مؤمناً عمداً تنفيراً منه وزجراً، وليس المراد إيقاع حقيقة ذلك.

    الوجه الخامس: قال بعض العلماء: إن الخلود لا يقتضي التأبيد؛ لأن الخلود يأتي في اللغة العربية بمعنى المكث الطويل لا الدائم، وهذا الوجه يمكن أن يجاب به عن الآية الكريمة؛ لأن الله لم يذكر فيها التأبيد، لكن لا يمكن أن يجاب به عن الحديث أن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في جهنم خالداً فيها مخلداً أبداً.

    وعلى كل حال فيما أرى أن أحسن الأجوبة الوجه الأول: أن القتل عمداً للمؤمن سبب للخلود في النار، ولكن هذا السبب قد يوجد فيه ما يمنعه فيكون في ذلك تحذير شديد أن يفعل الإنسان هذا الفعل؛ لأنه سبب للخلود في النار، فإذا فعله كان السبب موجوداً محققاً والمانع غير محقق، قد لا يحصل مانع.

    التهاون في إخراج الزكاة لا يسقطها

    السؤال: إنسان تهاون في إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات، والآن هو تائب فهل التوبة تسقط إخراج الزكاة، وإذا لم تسقط إخراج الزكاة فما هو الحل؟ وهذا المال أكثر من عشرة آلاف وهو لا يعرف مقداره الآن؟

    الجواب: الزكاة عبادة لله عز وجل وحق للفقراء، فإذا منعها الإنسان كان منتهكاً لحقين: حق الله، وحق الفقراء أو غيرهم من أهل الزكاة، فإذا تاب بعد خمس سنوات كما جاء في السؤال سقط عنه حق الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قال: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25]، ويبقى الحق الثاني وهو: حق المستحقين للزكاة من الفقراء وغيرهم، فيجب عليه تسليم الزكاة لهؤلاء وربما ينال ثواب الزكاة مع صحة توبته؛ لأن فضل الله واسع.

    أما تقدير الزكاة فليتحر ما هو مقدار الزكاة؟ بقدر ما يستطيع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فعشرة آلاف مثلاً زكاتها في السنة كم؟ مائتان وخمسون، فإذا كان مقدار الزكاة مائتين وخمسين فليخرج مائتين وخمسين عن السنوات الماضية عن كل سنة، إلا إذا كان في بعض السنوات قد زاد عن العشرة فليخرج مقدار هذه الزيادة.

    حكم محاباة بعض المشترين

    السؤال: رجل باع سلعة لرجل غني بسعر، ثم جاءه آخر فقير فباعه فراعاه في السعر فعلم الغني فجاء يعاتبه فما حكم هذا البيع؟

    الجواب: إذا باع الإنسان سلعة لشخص بثمن ثم باعها لشخص آخر بثمن أقل محاباة ومراعاة له، إما لقرابة أو صداقة أو فقر أو غير ذلك، فليس للأول الحق في مطالبة البائع بتخفيض الثمن الذي جرى عليه العقد، إلا إذا كان قد زاد عليه زيادة لا يتسامح عن مثلها في السوق، مثلاً باعها له بمائة وهي في السوق بخمسين، هنا له الحق في مطالبته بتنزيل الثمن إلى ما تساويه في السوق.

    أما لو كانت قيمتها في السوق مائة فباعها لرجل بمائة، ثم جاء آخر فقير أو صديق أو قريب فباعها له بخمسين فليس للمشتري الأول أن يطالبه؛ لأنه لم يغبنه ولم يغره بل باع له بثمن يبيع به الناس.

    حكم إيقاع طلاق الثلاث

    السؤال: سمعنا من أشرطتك أن القول الراجح لك في الطلاق ثلاثاً يقع واحدة، لكن لو طلق شخص ثلاثاً وقال: في نيتي ليس التأكيد وإنما أريد إيقاع الثلاث هل تقع الثلاث؟

    الجواب: إذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، وقال: أردت التوكيد فهي واحدة، ولا أعلم في هذا خلافاً بين العلماء، ولكن لو قال: أردت التأسيس وأن كل طلقة نافذة؛ فأكثر أهل العلم على أنها ثلاث وأنها تبين بها المرأة، والراجح: أنها واحدة لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم : [كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر طلاق الثلاث واحدة، فلما أكثر الناس في ذلك قال عمر : أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلأمضينه عليهم فألزمهم عمر بالثلاث]، فتبعه أكثر أهل العلم على هذا، ولكن الصحيح أنها واحدة سواء قال: أنت طالق ثلاثاً، أو قال أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.

    حكم لعان المملوكة واليهودية والنصرانية

    السؤال: إذا كانت تحت الرجل امرأة نصرانية أو يهودية أو مملوكة فهل يقع بينهما اللعان؟

    الجواب: أما المملوكة فلا لعان بينه وبينها؛ لأنها مملوكة وليست زوجة لـه، والله سبحانه وتعالى قال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ [النور:6].

    وأما اليهودية والنصرانية فيجري في حقهما اللعان كما يجري في حق المسلمة، لعموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ [النور:6].

    حكم إطالة الإمام التشهد الأول

    السؤال: إذا أطال الإمام في الجلوس في التشهد الأول وأنهى المأموم قراءة التشهد الأول فماذا يفعل في باقي الوقت؟

    الجواب: إذا أطال الإمام التشهد الأول فاستمر في التشهد حتى لو أكملته فلا حرج، وكذلك لو أدركت معه الركعتين الأخيرتين فإنه سيطيل التشهد؛ لأن التشهد في حقه هو الثاني وفي حقك هو الأول، فأتم التشهد ولا حرج، وأكمل التشهد، صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وبارك على النبي صلى الله عليه وسلم، وتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، أو ادع بما شئت.

    نصيحة بتبليغ العقيدة الصحيحة

    السؤال: كنت أناقش أحد الإخوة وهو وافد من إحدى الدول العربية، وكنت أحدثه عن التوحيد وعقيدة الشرك، وخلاصة الكلام أنه قال: يا أخي! في بلادنا آبائي وأجدادي ما زالوا على الشرك الأكبر في المزارات والخرافات، وما هو معلوم لديكم مثل: زيارة القباب، والطواف حولها، والنذور، وتقديم القرابين إلى تلك الأماكن، والاستغاثة، والاستعانة إلى آخره، والتوكل على المشايخ ممن يسمونهم بـالصوفية، فكنت أناقشه في هذا فقال: ما سمعنا بهذا إلا عندما وصلنا هنا، وهو صادق في هذا، فما السبيل؛ لأنه يسألني يقول: والآن أبي وجدي على تلك العقيدة؟

    قلت: ابدأ أنت معهم بعد أن تخرج نفسك وأسرتك من هذا الشرك وتجعل لهم وقاية، فأرجو أن توجه كلمة مثلاً لطلبة العلم والمدرسين أن يحتكوا بهؤلاء المدرسين، ويجتهدوا معهم في هذا الباب؟

    الجواب: أقول: إن من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد أن الله سبحانه وتعالى أبقى فيها عقيدة التوحيد، في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ولم يعرفوا تلك البدع المكفرة، وما دون المكفرة إلا حين اختلطوا بالناس ذهاباً إليهم، أو اختلط الناس بهم إياباً إليهم، ولهذا كان من الواجب علينا نحن هنا أن نبين للناس عقيدة التوحيد، وأن نحثهم عليها، وأن نقول لهم: إن من مات مشركاً؛ فإن الله سبحانه وتعالى يحرم عليه الجنة إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72]، ونبين أن من دعا غير الله أو استغاث بغير الله من الأموات؛ فإنه كافر كفراً أكبر .. مشرك شركاً أكبر، إن مات على هذه العقيدة فهو مخلد في النار، ولو كان يصلي ويصوم.

    والواجب على طلبة العلم الذين منَّ الله عليهم بمعرفة الحق في هذه الأمور، أن يبينوا الحق لإخوانهم في البلاد الأخرى؛ لأن الله سائلهم عن ذلك، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187]، فالواجب أن يبينوا للناس وأن ينقذوهم من الشرك ولا يضرهم إذا عيروا في أول الدعوة، أو سبوا، أو قيل: أنتم كذا وكذا، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم عير وقيل له: أنت ساحر، ومجنون وكاذب، وأخرج من بلده، وأوذي في سبيل الله، وألقي سلى الناقة عليه وهو ساجد تحت الكعبة، وأدميت عقبه ومع ذلك كان صابراً محتسباً يؤدي ما أوجب الله عليه من الأمانة وتبليغ الرسالة، فنقول لإخواننا: بلغوا إخوانكم، بلغوا هؤلاء حتى لا يموتوا على الكفر والشرك، وإن أوذيتم وإن أخرجتم من دياركم، وإن عيرتم، وإن كتب السب لكم على الجدر، وفي الملصقات، وفي غيرها فاحتسبوا الأجر فأنتم مجاهدون.

    اقتراح بشرح الأصول الثلاثة

    السؤال: ليس سؤالاً لكنه اقتراح، بعد النجاح الكبير لهذا اللقاء، وعبر لقاء الباب المفتوح، وبعد انتهاء تفسير سورة النبأ نقترح على فضيلتكم شرح الأصول الثلاثة ؛ لأنها عظيمة في محتواها وهامة جداً، وخاصة أن كثيراً من الناس يودون من فضيلتكم شرح هذه الرسالة العظيمة؟

    الجواب: أنا أبشركم أننا قد شرحنا الأصول الثلاثة ، وأن بعض الإخوة جزاه الله خيراً قد أفرغها من الأشرطة وأضاف إليها من العقد الثمين مجموعة الرسائل والمسائل التي لنا، وهو الآن مستمر في إخراجها وإذا أخرجت سيكون لها أثر بالغ إن شاء الله.

    صورة من صور الربا

    السؤال: رجل ألح عليه ابنه بشراء سيارة، فذهب إلى إحدى الشركات وطلبوا منه الثمن نقداً وليس عنده فرجع وأتى بشخص آخر يشتريها له فاشتراها وأخرجها من محلها ثم باعها لهذا الرجل بزيادة فما الحكم؟

    الجواب: الصورة الآن واضحة لكم، إنسان احتاج إلى سيارة وليس معه نقد فجاء رجل آخر وقال: أنا أشتريها بنقد من الشركة وأبيعها عليك بتقسيط زائد على الثمن الذي اشتريتها به، والجواب: أن هذا حرام، وأنه حيلة على الربا؛ لأن هذا الذي اشتراها ثم باعها عليك حقيقة الأمر أنه أقرضك ثمنها بفائدة، فبدلاً من أن يقول: خذ الثمن يقول: هذه خمسون ألفاً وعليك بستين ألفاً إلى سنة، قال: أنا أشتريها وأبيعها عليك، ولولاك ما اشتراها، ولولا الربا الذي يكسبه منك ما اشتراها، فهي في الحقيقة ربا، ولكنه ربما يتضمن خداع رب العالمين عز وجل، وأنه لما حرم الربا الصريح ذهب هذا الرجل يحتال ويغير الصورة فقط، وتغيير الصورة لا يقلب الشيء الحرام حلالاً.

    فهاهم أصحاب السبت الذين حرم الله عليهم الصيد من البحر في يوم السبت، ابتلاهم الله عز وجل فصارت الحيتان يوم السبت تأتي على سطح الماء من كثرتها، وفي غير يوم السبت لا تأتي، فطال عليهم الأمد، يوم السبت حرم علينا الصيد والحيتان تأتي شرعاً وفي غير يوم السبت ما تأتينا اصنعوا حيلة، فصاروا يضعون شباكاً يوم الجمعة، فتأتي الحيتان في يوم السبت وتقع في هذه الشباك ولا تستطيع الخروج، فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوها من الشباك، صورة الأمر الواقع أنهم صادوا يوم الأحد، وما صادوا يوم السبت، فهي التي جاءت ووقعت في الشباك، ما جاءوا بها ولا أمسكوا بها فهل نفعتهم هذه الحيلة، قال الله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ [البقرة:65] فجعلهم معتدين في السبت، فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65].

    أمرهم الله أمراً كونياً أن يكونوا قردة خاسئين فصاروا قردة يتعاوون وكانوا بالأمس بشراً؛ لأنهم تحايلوا على محارم الله، ولهذا قال لنا نبينا صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود؛ لما حرم الله عليهم شحوم الميتة أذابوا الشحم ثم باعوه وأكلوا ثمنه)، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في المسند بإسناد صححه بعض الأئمة: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)، فهذه المعاملة كما ذكرت لا شك أنها معاملة فيها حيلة على الربا واضحة، فهي حرام على الفاعل المعطي للربا، وعلى الآخذ لهذا الربا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه.

    السائل: والحل جزاك الله خيراً؟

    الشيخ: الحل أن يتوب إلى الله كل منهما، أما بالنسبة لمن اشترى السيارة ثم باعها لهذا بزيادة، فإن من تمام توبته ألا يأخذ الزيادة من هذا، وما دام الثاني الذي أخذ السيارة جاهلاً فليس عليه إلا أن يسلم الثمن الأصلي لهذا الرجل، أما إذا كان كل منهما عالماً أنه حرام؛ فإن البائع الذي أخذ الزيادة لا يحل له أخذها، ولكن تجعل في بيت المال ولا توضع عن المشتري؛ لأن المشتري منتهك للتحريم، وفرق بين المنتهك للتحريم وبين الجاهل، فإذا كان كل منهما جاهلاً فالطريق الآن أن يقول الذي باعها بربح أو بربا في الحقيقة أن يقول: أنا يكفيني رأس مالي ولا أريد غيره.

    وإلى هنا ينتهي هذا المجلس وهذا اللقاء، وأسأل الله عز وجل أن يجعله نافعاً وإلى لقاء قادم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767955982