إسلام ويب

كيف تحفظ جوارحك؟للشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إنك إذا آمنت بالله حق الإيمان، فإنك لا بد أن تتعرض للأذى، ولا بد أن تتعرض لشتى الفتن، حتى من نفسك فهي تأمرك بالسوء، ومن الذي يستطيع أن يدافع نفسه عن بعض الشهوات؟ ليس كل أحد! إن كنت صاحب مال يأتيك الشيطان ويدعوك وتنفق في التبذير والإسراف وفي أي شيء ليس له قيمة، ولكن إذا أردت أن تخرج الزكاة، تجد النفس تنفر من ذلك، وتحاول أن تخلق الأعذار والأسباب لكيلا تؤدي هذه الزكاة، كأن يقول: إن لي أرحاماً مساكين وهم أولى، إلى غير ذلك من المغالطات، لكن إذا قيل له هناك: تبرع للنادي الفلاني لأنه سيشارك في بطولة القارات، فإنه يقول: كم؟ فيقولون: مليون ريال! فيقول: بسيط خذوا!

    فالشيطان دائماً يزين شهوة النفس ومثلاً لو كان راتبك خمسة عشر ألف، فإذا أردت أن تنفق من أجل شهوة تحبها النفس، فإن الشيطان يزين لك ذلك ويحسنه، وإذا كان من أجل الله فالنفس وكذلك الشيطان يكرِّه لك ذلك، ويحاول أن يصرفك عنه، مثلاً: النظر إلى الحرام -والعياذ بالله- لا يجوز، ولكن الشيطان يزين لك هذه الفاحشة، قال بعض السلف: جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، أربعين سنة؟! فبلغ ذلك الكلام بعض العلماء فقال: أَوَ قد استقامت؟! يغبطه بعد أربعين سنه أنها استقامت..!

    فبعض الإخوان يقول: أنا إنسان ملتزم، ولكنني أشكو ضعفاً في إيماني... إلخ، فنقول لهذا: يا أخي! كلنا كذلك، لست أنت وحدك فقط تشكو ضعف الإيمان! فيجب أن نرجع إلى الله، وأن نقوي إيماننا، والمهم أن تحرص في حياتك أن تكون قريباً من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بحيث لا يفقدك حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك.

    وإذا أذنبت أو عصيت فارجع إلى الله واستغفره وتب؛ قال سبحانه: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ [غافر:3] وقال أيضاً: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] بل ربما يكون حالك بعد التوبة والإقلاع خيراً، وأفضل من حالك قبلها، كما قال بعض الحكماء: 'رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً، خير من طاعة أورثت عزاً واستكبارا.

    وهكذا كما وقع في عهد الصحابة رضوان الله عليهم لحاطب أو غيره، حتى ذكر ذلك في شأن داوود -عليه السلام- لما استغفر ربه وخر راكعاً وأناب، وهكذا ينبغي أن يكون حالك بعد التوبة أفضل؛ لأن الله تبارك وتعالى يريد أن يتعبدنا بحال الاستقامة، ومنا الاستقامة، ويريد أن يتعبدنا بالتوبة، ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) [آل عمران:135].

    مشكلة هذه الأمة هو الإصرار على المعاصي والمجاهرة بها، فإذا أذنبت في جوف الليل فاستر نفسك واستغفر الله عز وجل، ولكن المصيبة أننا نجد العكس، فنجد البعض يفتخر بالذنب، أمثال الفنانين عندما تجرى لهم المقابلات في التلفاز وغيره فيقول: تعلمت الفن من فلان، وتخرجت على يديه، وكم صوت عندك؟ وكم لحن..؟

    مجاهرة وإصرار على المعصية، والمقصود أن نتواصى بالدعاء فيما بيننا ونتواصى بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في السر والعلن، ويحرص كل منا دائماً أن ينظر إلى موقعه من الله: أين أنا من طاعة الله؟ وأين أنا من دينه؟ وأين أنا من قربي إليه؟ فإن كنت قريباً فلا ضير عليك، وإن كنت بعيداً فبادر بالأعمال، والتوبة، والأعمال الخيرة التي تقربك من الله تبارك وتعالى.

    وأسأل الله عز وجل لي ولكم حسن الخاتمة في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:-

    فنحمد الله تبارك وتعالى ونشكره على ما منَّ به علينا من النعم، ونسأله عز وجل ونتضرع ونتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل لنا ذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً، وعملاً صالحاً مقبولاً، وقلوباً وأبصاراً سليمة، وألسنة كافة عما حرم الله تبارك وتعالى، وجوارحاً تستعمل في طاعته، ولا يستزلها الشيطان لتعمل في معصيته.

    ثم إن الموضوع الذي أريد أن أتحدث به ليس هو بجديد عليكم، ولكن التذكير به واجب، لأن يجب علينا أن نتذاكر به نحن طلبة العلم، كما يجب علينا أن ننصح لعامة الأمة، فإن كثيراً من الأدواء والعلل قد تعتري قلوبنا ونحن لا نعلم بها، بل ربما تصيبنا بعض الآفات الخطيرة ونحن مشغولون بمعالجة أدواء الناس، ونعوذ بالله من ذلك ونستجير به عز وجل أن نكون ممن قال الله -تبارك وتعالى- فيهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] ومن هنا كان التذكير واجباً، فكل منا عرضة لمثل هذه الذنوب والعيوب، ولا سيما في زمن كثرت فيه الفتن والمثيرات، وكثر فيه الإفساد، وقل الناصحون.

    فالواجب علينا جميعا أن نوصي أنفسنا، ويوصي بعضنا بعضاً بحفظ هذه الجوارح التي ائتمننا الله تبارك وتعالى عليها، فإن الله عز وجل لما قال إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] فإنه يدخل في ذلك حفظ هذا البدن الذي أعطاك الله تبارك وتعالى إياه وامتن به عليك، كما قال الله عز وجل: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78] وهذا فيه حض وحث وتنبيه أن نشكر نعمة الله تبارك وتعالى على ما أعطانا من هذه الأعضاء ومن هذه الجوارح، والتي ميزنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بها عن سائر خلقه، وفضلنا بها عن باقي ما خلق من الدواب.

    فجعل لنا سمعاً وأبصاراً وأفئدة وعقولاً نهتدي بها، ونعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والتوحيد من الشرك، والسنة من البدعة، والطاعة من المعصية، والحسنة من السيئة، ونعمل بمقتضى ذلك بجوارحنا الظاهرة، لأن هذه من نعم الله العظيمة، والواجب فيها أن نشكر الله تبارك وتعالى عليها، وأن نراعي حق الأمانة الذي ائتمنا عليها، فالمال أمانة، واليد أمانة، والعين أمانة، والقلب أمانة، وكل ذلك مما يجب علينا جميعاً أن نحفظه، وأن نعتني ونهتم به، ونتوقع السؤال عنه بين يدي الله تبارك وتعالى، كما قال عز وجل: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].

    فلا يغرن العبد منا شيطان من شياطين الإنس أو الجن، فيحسب أنه غير مسئول، وأنه يفكر كما يشاء، ويعتقد ما يشاء، وينظر إلى ما يشاء، ويتناول بيده ما يشاء، ويعمل بفرجه ما يشاء، ويمشي برجليه إلى حيث شاء، من قال لك ذلك؟ ومن قال لك هذا؟!

    إنك عبد، ولا يخرج واحد منا عن عبودية الله -تبارك وتعالى- بحال من الأحوال، والعبد مأمور أن يستخدم ما أعطاه سيده فيما أمره به لا فيما نهاه عنه، والله تبارك وتعالى يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] واليقين هو الموت، كما قال الله تبارك وتعالى : حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:47] وكما جاء في حديث عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه عندما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أما عثمان فقد أتاه اليقين من ربه) فلا بد أن نعبد الله حتى الموت.

    فلا ينتهي عقد الأمانة الذي ائتمنك الله تبارك وتعالى عليه إلا بموتك، فحينئذ ينتهي هذا العقد، أما ما دمت حياً فأنت مسئولٌ عن هذه الأعضاء، والجوارح جميعاً، ألا تستخدمها إلا فيما أمرك به سيدك وخالقك، وربك الذي أعطاكها، ومنّ بها عليك وقد حرمها كثيراً من الخلق.

    فكثير من الخلق لم يرزقه الله تبارك وتعالى قلباً يعقل به فتراه مجنوناً، فاحمد ربك الذي أعطاك العقل والفؤاد لتعي وتتذكر كلما رأيت من لا عقل له، واعلم أن الواجب عليك أن تستخدم قلبك وفكرك وعقلك في طاعة الله تبارك وتعالى، وبعض الناس خلقه الله تبارك وتعالى لا بصر له مطلقاً، فإذا رأيت أحداً من ذلك فاذكر نعمة الله تعالى عليك، واحمد الله الذي أعطاك عينين تبصر بهما وترى وتميز وتستخدمها في حياتك فيما ينفعك في الدنيا والآخرة، وبعض الناس لم يعطه الخالق تبارك وتعالى -وله في ذلك حكمة- أذنين، وقد أعطاكها فأنت تسمع بهما، فاحمد الله تبارك وتعالى واشكره ولا تسمع بهما إلا ما يرضي هذا المنعم المتفضل تبارك وتعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086889568

    عدد مرات الحفظ

    769373952