إسلام ويب

خطورة الولاء الفكري لأعداء اللهللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عرض الشيخ -حفظه الله- في هذه المحاضرة الكثير من المبادئ التي تهدم بمعول الإلحاد والزندقة صرح الإسلام ومنارة الدين، والتي قد تلقاها بعض أبناء المسلمين الذين ذهبوا إلى الغرب لتلقي الدراسات العليا، حيث تم دس السم في العسل. وقد فند الشيخ هذه الشبه بعد أن بين مصادرها ودعاتها، سواء كانت في العقائد أو السلوك أو الأدب أو اللغة.

    1.   

    مخططات الغزو الفكري على المسلمين

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن منهج التربية الإسلامية ينبغي أن يكون متكاملاً للفرد المسلم، فيعرف معاني كلام الله ومعاني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينبغي أن يلمَّ بتاريخه الإسلامي، وينبغي أن يكون واعياً لما يدبره أعداء الإسلام من كيد للمسلمين، والذين يغفلون الجانب الأخير من جوانب التربية -وهو تربية الفرد المسلم على الوعي، وعلى ضرورة تتبع مخططات أعداء الإسلام- يخسرون كثيراً؛ لأنهم سيعيشون في زاوية مظلمة لا يشعرون بما يحاك حولهم، وهذا المعنى أيها الإخوة مهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على فضح مكائد اليهود وخطط المنافقين، وكان القرآن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً هذا الأمر.

    السبب في ملاحقة المسلمين لحضارة الغرب

    وموضوعنا في هذه الليلة يتصل بهذه القصية اتصالاً وثيقاً جداً، وهو موضوع له خطورة وشأن وحساسية، وهذا الموضوع هو: (خطورة الولاء الفكري لأعداء الله) وبعبارة أخرى: خطورة تبني أفكار الكفار.

    لقد نشأت أجيال من المسلمين في هذا العصر تتبنى آراء الكفرة وتعتقد بها وتدعو إليها، وحصلت نتيجة هذا ونتيجة نشرهم لأفكارهم في أوساط المسلمين أضرار عظيمة على المسلمين، لا نزال نلمسها بين حين وآخر حتى في بيوتنا.

    والأخذ من الكفرة وتبني مواقفهم دليل على الزيغ وعلى النفاق والعياذ بالله، والله عز وجل حذرنا أن نتولى الكفار، فقال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ومن يتولهم سواء أعانهم أو ناصرهم أو حماهم أو دافع عنهم أو تبنى أفكارهم أو دخل في عقدهم أو أقام بينهم محباً لهم: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم) أي: تشبه بأفكارهم أو بمظهرهم.

    وكثير من أبناء المسلمين مع الأسف قد وقعوا فيما حذر الله ورسوله، فتبنى كثير منهم آراء الكفرة ودعوا إليها ونافحوا عنها، وربما كانوا أكثر حماساً من أصحابها الأصليين، وصادف ذلك جهلاً في أوساط المسلمين حملهم على التقليد الأعمى لهذه الشعارات والمذاهب التي طرحت في الساحة، والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا وقال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة -وفي رواية: حذو النعل بالنعل- حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، وحتى لو أن أحدهم نكح أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك) القذة: ريش السهم المجتمعة في النصل، فأنت تراها متتابعة ومتقاربة آخذ بعضها ببعض، وهكذا سيتبع كثير من المسلمين الكفرة كما أخبر عليه الصلاة والسلام متابعة شديدة لصيقة لما عليه الكفار من الآراء والمعتقدات، وهذا ما حصل وبالذات بشكل واضح في هذا العصر، حيث حصل من هذا التشبه وهذه المتابعة للكفرة ما لم يحصل في تاريخ المسلمين في أي زمان مضى.

    ولذلك نجد أن حال المسلمين اليوم من الضعف والمهانة لم يصلوا إليها من قبل قط، وأحد الأسباب الرئيسية هي قضية (لتتبعن سنن من كان قبلكم) فتابعناهم في الأفكار والمعتقدات والمذاهب السائدة عندهم، وفي أشكالهم وهيئاتهم وملابسهم وطريقة حديثهم وكلامهم وهكذا.

    بداية التخطيط للغزو الفكري

    وتبدأ القصة عندما وجد أعداء الإسلام الذين احتلوا بعضاً من بلدان المسلمين أو أجزاء كبيرة جداً من بلدان المسلمين، وجدوا أن القهر بالقوة لا يفيد في مسخ الشخصية الإسلامية، بل إنه سيتولد عنه جهاد إسلامي ضد هؤلاء المحتلين المعتدين، ففكروا مراراً وتكراراً -من يوم أن أسر ذلك الملك الكافر في المنصورة ثم أطلق سراحه- في كيفية وضع منهج يتغلغلون فيه في بلاد المسلمين حتى يطيحوا بعقيدة المسلمين، ويجعلوا أبناء المسلمين تبعاً وأذناباً لهم.

    وعندما ندرس كيفية انتشار بعض المذاهب الهدامة في بلدان المسلمين كـالقومية مثلاً، فإننا سنجد أيها الإخوة أن المسألة بدأت من بعض الكفار الذين يعيشون في بلدان المسلمين كالنصارى مثلاً الذين لهم اتصال وثيق أصلاً بالكفار، فنقلوا مبادئ الكفار إلى بلدان المسلمين، وساعد هؤلاء -الطابور الخامس- الكفرة على ترحيل أجيال من أبناء المسلمين إلى بلدان الكفار ليتربوا هناك فينشئوا على الكفر ثم يعودوا إلينا.

    ولذلك عندما تدرس أي مذهب هدام انتشر في بلدان المسلمين كـالقومية أو الشيوعية أو الوطنية أو زمالة الأديان أو المذاهب الأدبية الهدامة أو الدعوة لتحطيم اللغة العربية، تجد أنها نشأت في الأصل من اتصال وثيق بين مرتدين وكفرة يعيشون بين المسلمين وبين الكفرة في بلدان الكفار، ثم بعد ذلك انتقلت محلياً إلى أبناء المسلمين؛ فنشأ الآن جيل من أبناء المسلمين لا يحتاج الكفار بعد ذلك أن يخططوا كثيراً من أجل تقويته ومن أجل النفوذ إلى أوساط المسلمين؛ لأنه قد نشأ بين المسلمين من يحمل هذه الأفكار وينافح عنها ويدعو إليها.

    وأساس البلاء أيها الإخوة هو مخالفة واضحة لذكر من أذكار الصباح والمساء الذي نقوله يومياً، وعدم اعتراف به، وهذا هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً) هؤلاء لم يرضوا لا بالله رباً، ولا بالإسلام ديناً، ولا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً، فلذلك استوردوا لنا هذه الأفكار ونقلوها إلينا، وكان بينهم وبين الكفرة اتصال وثيق -كما ذكرت آنفاً- تعبر عنه هذه الآية، يقول الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد:26].

    تقولات لمن يوصمون بالولاء الفكري

    والله يعلم المؤامرات التي حاكوها والدسائس التي دبروها، هؤلاء الذين يعيشون بين المسلمين قالوا للكفار: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ [محمد:26] سنأخذ منكم ونتلقى عنكم ونتبنى مواقفكم وآراءكم ومذاهبكم ومعتقداتكم.

    فلنأخذ على سبيل المثال بعض الأمور التي انتقلت إلى بلدان المسلمين وصار لها خطورة واضحة جداً فمثلاً: الدعوة إلى الارتماء في أحضان الكفار وأخذ حضارتهم دون وعي ولا تمييز، عندما نأخذ شخصية مثل طه حسين الذي لقبوه بعميد الأدب العربي ورشح يوماً من الأيام لجائزة نوبل، هذا الرجل الذي ذهب إلى فرنسا وتربى هناك ورضع من ألبان الكفرة فكرياً، لما ألف كتابه: مستقبل الثقافة في مصر يقول فيه: بل نحن قد خطونا أبعد جداً مما ذكرت، فالتزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم، ونسير سيرتها في الإدارة، ونسلك طريقها في التشريع، التزمنا هذا كله أمام أوروبا لأننا حريصون على التقدم والرقي.

    وهذا سلامة موسى صديق طه حسين يقول متحدثاً عن نفسه: إنه شرقي مثل سائر مواطنيه، ولكنه ثار على الشرق -وهم يعبرون بكلمة الشرق عن بلاد الإسلام ومهبط والوحي وديار الرسالة الخاتمة- عندما أيقن أن عاداته تعوق التقاءه، ودعا إلى أن يأخذ الشرقيون بعادات الغربيين كي يقووا مثلهم. فهو إذاً يدعو صراحة إلى هذا.

    ومن هؤلاء أيضاً: أحمد لطفي وصهره إسماعيل مظهر وقاسم أمين ؛ هؤلاء دعوا إلى نفس الفكرة أن نحذو حذو الكفار، وأن نأخذ الحضارة الغربية بحلوها ومرها، لكي نتقوى مثلهم.

    هؤلاء هل هم يجهلون أن القوة في التمسك بالإسلام؟! أم أنهم يريدون أن يرسخوا في أذهان أبناء المسلمين هذه الحقيقة الكفرية، وكذلك احتقار الماضي الإسلامي وتربية الأجيال تربية لا دينية؟!

    ويقول صاحب كتاب: مصر ورسالتها : عندما فتح العرب مصر .

    انظر إلى الكيفية التي يعبرون بها عن إرادتهم لسلخ أبناء المسلمين عن ماضيهم، وعن تاريخهم الإسلامي، هم يريدون قطع الصلة بين النشء المسلم وبين التاريخ الإسلامي.

    يقول: عندما فتح العرب مصر عام ستمائة وأربعين للميلاد كانت ولاية بيزنطية تحكم من القسطنطينية ، وعندما غزا الفرنسيون مصر عام (1798) وجدوها ولاية عثمانية تحكم من نفس القسطنطينية.

    فبين عام (640) وبين (1798) تقريباً اثنا عشر قرناً، ألف ومائتا سنة، هذه الفترة التي حكمت فيها مصر حكماً إسلامياً من دخول المسلمين بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر وحتى انتهاء سلطة الخلافة العثمانية على مصر باحتلالها.

    يقول: لم يكن حالها عام (1798) بأحسن من حالها عام (640) كان الناس في بؤس وذل، وكان البلد في خراب، ثم يقول: فكأن اثني عشر قرناً من تاريخ ضاعت سدى، كأن هذه السنوات الكثيرة قد انقضت ونحن نيام بعيدين -هكذا على حد تعبيره- عن الوجود.

    ثم يقول: شيء لم يحدث في تاريخ بلد مثل مصر أبداً، تصور اثني عشر قرناً ونصف تذهب سدى. معناها: هذه فترة الحكم الإسلامي في مصر كلها كانت هباءً منثوراً، ما استفادت منها البلد ولا شيء، فإذاً يقول: نحن نريد أن نستمر الآن ونبتدئ حياة جديدة بعد عصور الذل التي عشناها.

    لقد سلخ أبناء الأمة المسلمين عن التاريخ الإسلامي وعن القيادات الإسلامية التي حكمتهم.

    1.   

    كيف حطم الغرب تاريخ المسلمين ودينهم؟

    وسوف أتكلم في محاضرة خاصة عن أهداف المستشرقين في تحطيم التاريخ الإسلامي في أذهان المسلمين، والذين تابعوهم كيف تابعوهم؟ وما هي الآثار التي حصلت من جراء طرح تلك الأفكار الاستشراقية في أوساط المسلمين؟

    مخططات الأعداء في التربية والتعليم

    أما بالنسبة للتربية والتعليم، فإنك قد تجد أنه قد أوجد هناك بعد كرومر ودنلوب قيادات وقدوات وهمية زائفة في الحقيقة سلمت إليها مقاليد التربية والتعليم في بلدان العالم الإسلامي، ونفذت المخططات التي أمليت عليها في بلدان المسلمين فخرج النشء خراباً، ولذلك يقول أحدهم -بعد دنلوب -: أصبحت كثير من أذهان المسلمين مثل إطارات دنلوب ، يعني في الفراغ الذي أحدث فيها.

    وسلك أعداء الإسلام في تحقيق ذلك سبيلين:

    الأول: السيطرة على التعليم في الداخل وعلى منهاج التعليم في العالم الإسلامي.

    الطريق الثاني: مسلك البعثات إلى الدول الكافرة.

    فأما سيطرتهم على التعليم في الداخل، فيتمثل في استبعاد تعليم العلوم الشرعية كلياً، وفي البعض الآخر من البلدان جعلت دراسة العلوم الشرعية دراسة غير أساسية في مناهج التعليم، بحيث إنه لا يترتب عليها نجاح ولا رسوب، وعندما ينظر الطالب إلى حقيقة الأمر وهو أن المواد الدينية لا يترتب عليها نجاح ولا رسوب، ولا يتقدم ولا يتأخر شأنه في القبول في الكليات العلمية، ماذا سيحدث؟

    إن ذلك سيحدث ردة فعل في نفسه، وإهمال هذه المواد، فكيف إذا أضيف إلى ذلك تفاهة تلك المقررات التي تدرس في كثير من بلدان العالم الإسلامي، فكيف إذا أضيف إلى ذلك أن وضع مدرس الدين من ناحية المرتب والمكانة والسمعة وصل إلى الحضيض، فماذا تتوقع بعد ذلك من النشء الذين يدرسون المواد الدينية في المدارس؟

    وكذلك حصل في بلدان المسلمين أن وضعت مقررات دينية نصفها إسلامي ونصفها نصراني، بزعمهم حتى تواكب احتياج الطلاب فيما يوجد في المدارس في بلدان المسلمين من نصارى، ففي بعض المقررات تجد نصفها عن الإسلام ونصفها عن النصرانية، هذه مادة العقيدة، أو مادة الثقافة الإسلامية مثلاً.

    وبالنسبة للتربية والتعليم أيضاً، حصلت هناك مؤتمرات لتنفيذ الخطط التي وضعها أعداء الإسلام، فمثلاً: في نشرة المؤتمر المسمى الحلقة الدراسية العربية الأولى للتربية وعلم النفس، يقول أحد الذين ألقوا كلمة أو قدموا أوراق بحث في هذه المؤتمرات يقول: فالمواطن العربي يجب أن يكون شخصاً تقدمياً يؤمن بفلسفة التغير والتطور، يجب أن يعتبر نفسه مسئولاً عن المستقبل لا عن الماضي.

    لا حظ العبارة، ما معنى يكون مسئولاً عن المستقبل لا عن الماضي؟

    معناها: ينبذ التاريخ الإسلامي وراء ظهره.

    يقول: ومسئولاً أمام الأجيال القادمة لا أمام رفات الموتى. يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز والعز بن عبد السلام والنووي وابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، هذا كله كلام على جنب، يقول: بل إنه عليه أن ينظر إلى المستقبل لا إلى رفات الموتى.

    ويقول كذلك أحدهم في بحث له في هذا المؤتمر: في تجاربنا الخاصة أن أخطر ما تتعرض له سيكولوجية الأطفال في هذا الصدد هو التعصب الديني. يقول: أخطر شيء في عملية تربية الطفل التعصب الديني.

    ويشن بعضهم غارات على قضية التلقين، أي: تحفيظ الأطفال القرآن والسنة مثلاً، يقول: هذه تهدم شخصية الطفل وتمسح مواهبه وإمكاناته. هذا كلام التجاني الماحي في الورقة التي قدمها لذلك المؤتمر.

    وكذلك يقول أحدهم: يرى الكثيرون أن الكتب السماوية ليس من أغراضها أن تكون موسعات يبحث المؤمنون فيها عن مشاكل العصر كي يجدوا فيها حلاً لمشكلة العمال في القرن العشرين على سبيل المثال.

    يقول: هذا القرآن والسنة ما فيها حل لمشكلات العصر، كيف نجد حلاً لمشكلات العمال في القرن العشرين في الكتاب والسنة؟! هذا كلام كفر بواح؛ لأن الله أنزل هذا الدين ليحكم في جميع نواحي الحياة صغيرها وكبيرها، وفي جميع الطبقات، وفي جميع الأوقات والأزمنة والأمكنة فكتاب الله يحكم على الجميع.

    خطر الاقتباس من مناهج الغرب الكفرية

    ومجال آخر من المجالات التي يتضح فيها خطورة الولاء الفكري للكفار: اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية من الكفرة، فعندما تنظر في الواقع إلى جامعات العالم الإسلامي مثلاً، بعد ثورة سعد زغلول وما قام به أحمد لطفي السيد وزملاؤه، تجد أن المسألة قد وصلت إلى استيراد النظريات لتدريسها في جامعات المسلمين ومدارسهم، فمثلاً: نظرية دارون ، بالمناسبة دارون ماذا يقول؟

    له كتاب أصل الأنواع ، وهي أشياء كثيرة منها أشهر شيء على ألسنة العامة: أن الإنسان أصله من القردة، وبعض الناس يظنون أن دارون يقول: إن الإنسان أصلاً حيوان، ولكن ليس بصحيح لأننا نحن المسلمين نقول: إن الإنسان حيوان، طبعاً ستعترضون عليّ، ولكن لأننا قد لا نعرف كلمة الحيوان في اللغة العربية، فنستنكر هذا القول، الحيوان: هو كل كائن فيه حياة، ولذلك يقول الله عز وجل: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت:64] ما معنى الدار الآخرة لهي الحيوان؟

    يعني هي الحياة الأبدية التامة الكاملة، حياة النعيم والسرور واللذة التي لا تنتهي، هذا بالنسبة للمسلمين، وبالنسبة للكفار: فهي حياة في جهنم، حياة سيئة لدرجة أن صاحبها لا يموت فيها ولا يحيا.

    فإذا قال شخص: أنت حيوان، فينبغي ألا تتهمه وتسارع إلى اتهامه بأنه قليل أدب؛ لأن المسألة في اللغة العربية صحيحة، حيوان كل كائن حي، لكن الإنسان له تركيب غير تركيب البهائم، لذلك لا تلاحظ في القرآن أنه أطلق على البهائم حيوانات، لاحظ في القرآن تجد بهيمة الأنعام، ما تجد أنه سماها حيوانات، فحيوانات هذه تسمى في كتاب الأحياء الذي درسناه، وإلا كلمة الحيوان لها مدلول غير المستقر في أذهان الناس الآن.

    فهذه نظرية دارون تدرس في مناهج كثير من المدارس والجامعات على أنها حقيقة علمية في مواد كثيرة كالأحياء والتاريخ الطبيعي وعلم الأرض، مع أنه قد ثبت فشلها حتى لدى الكفار أثبتوا أنها فاشلة، لكن ما زالت تدرس في أوساط المسلمين، ونظرية فرويد المتهافتة نجدها مقررة في أقسام علم النفس قاطبة على أساس أنها نظرية علمية، وفي أقسام الاجتماعيات تدرس نظرية دوركايم ، بل يدرس علم الاجتماع بكامله على المنهج الغربي.

    ونحن نعلم أن علم الاجتماع الموجود الآن كتبه هو كعلم النفس ليس له أسس إسلامية، فللأسف علم النفس وعلم الاجتماع لم يصغ حتى الآن صياغة إسلامية، ولم تؤلف فيه كتب ومراجع إسلامية حتى يعتمد عليها، وبدأت الآن محاولات نسأل الله أن تتم وأن تنتهي إلى خير، لكن لو قلت الآن لواحد من طلاب علم النفس أو علم الاجتماع ما هي مواضيعكم التي تدرسونها وما هي مراجعكم؟ فستجد أن أكثر المواضيع وأكثر المراجع هي مراجع كتبها الكفرة ومن ترجمها من أبناء المسلمين، أو كتبها بعض أبناء المسلمين المتأثرين بتلك الكتب التي كتبها الكفار المستقاة من نظرياتهم التي وضعوها بعيداً عن الدين وعن القرآن والسنة طبعاً، وفي أقسام الكيمياء والفيزياء والفلك والطب تدرس مناهج محشوة بإيحاءات فلسفية وثنية كقولهم مثلاً: المادة لا تفنى ولا تستحدث، مع أن الله خلق السموات والأرض من العدم، (كن فيكون) أو كذلك تجد عبارات: خلقت الطبيعة كذا، وشاءت الطبيعة كذا، ومنحت الطبيعة للكائن الفلاني أو الحيوان الفلاني القدرة على التأقلم مع العوامل الجوية والبيئة إلى آخره، فتجد كلمة (منحت الطبيعة) مبثوثة ومنتشرة، أو تفسير وقوع الزلزال وسقوط النجوم وتكوين الأجنة تفسير مادي صرف لا علاقة له بأن الله قدر ذلك وخلقه وشاءه، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يزلزل الأرض، وأن هذه عقوبات من الله عز وجل، لا ذكر لهذه الأشياء مطلقاً.

    وكذلك تجد عبارات مثلاً: كان الناس قبل ظهور العلم الحديث يعتقدون كذا، فلما جاء العلم الحديث بين المسألة ووضح أنه من قبل كانت خرافات وأوهاماً، أو كانت الكتب القديمة تقول كذا، ثم جاء العلم الحديث وبين المسألة وأظهرها وكشف القضية، وكان الناس قديماً ينسبون ما يعجزون عن تفسيره إلى القوة الغيبية الخفية، ويقولون: آلهه وكذا، فالآن جاء العلم وأثبت أن المسألة لها تفسيرات يفسرها، لكن لا يذكر أن الله قدر ذلك، أو أن كل ما يجري من هذه القوانين في الطبيعة وضعها رب العزة في الكون، وأن هناك سنناً ربانية، لا يوجد أي شيء من التعرض لهذه الأشياء.

    هدم الغرب لحقائق التاريخ الإسلامي

    وعندما تدرس قضية تدريس التأريخ، فإنك تراهم يقسمون التأريخ إلى ثلاثة أقسام: التأريخ القديم؛ العصر الحجري وما إلى ذلك، وتأريخ العصور الوسطى، وعندهم يشمل فترة ما قبل الإسلام بقليل، ثم يدخل فيه الإسلام، والتأريخ الحديث وهو يبدأ من حملة نابليون وهو مستمر إلى الآن وهذا التاريخ الحديث يطلقون عليه ألقاباً مثل: فجر النهضة الحديثة، معنى ذلك: أن ما قبل كان كله تخلفاً وعصور انحطاط، يطلقون على التاريخ الإسلام عصور الانحطاط، فضلاً عما نجد في بعض الكتب التي تدرس التأريخ الإسلامي أن مثلاً سبب غزوة بدر هي رد ممتلكات المسلمين في مكة ، وأن غرض عمرو بن العاص من فتح مصر هو خصوبة الأرض، وأن العالم العربي خضع للاستعمار العثماني، وأن حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أول ثورة عربية ضد الاحتلال التركي وهكذا.

    وقلت لكم: إننا سنتوسع في هذا الموضع على حدة.

    وأما لو ذهبت تنظر مثلاً في مواد المطالعة فإنك ترى أنها موجز للغزو الثقافي الغربي، ولا سيما إذا تصفحت الموضوعات التي تطرق إليها في كتب المطالعة، فستجد عناوين مثل: ماجلان قاهر البحار -كيف اكتشفت أمريكا ؟- إبراهيم لنكولن محرر العبيد، تحرير المرأة، ظهور القومية العربية، نابليون فاتح أوروبا ، عمر بن أبي ربيعة الشاعر الماجن -ما وجدوا إلا الشاعر الماجن عمر بن أبي ربيعة - الوطنية الصادقة ... وهكذا.

    أفكار استوردت من الغرب

    أتت الأفكار والمذاهب الكفرية أو الغربية التي وضعت في بيئات ليست إسلامية أبداً، ولا يمكن أن تناسب البيئة الإسلامية، ولا يمكن أن تنجح في بيئة إسلامية، استوردت فكرياً وثقافياً وامتلأت بها كثيرة من عقول المسلمين، حتى إنك تجد مع الأسف ليس فقط من تعرفهم من المغرضين والمنافقين والمجرمين والمخربين هؤلاء ولكن المشكلة عندما نرى بعض المتحمسين للإسلام على الأقل في الظاهر يكتبون كتابات: اشتراكية أبي بكر ، اشتراكية عمر، وتجد حتى العقاد في كتابه التفكير فريضة إسلامية يقول: ما الذي يمنع المسلم أن يعمل للديمقراطية أو يعمل للاشتراكية ، أو يعمل للوحدة العالمية؟ وما الذي يمنع المسلم من أن يقبل التطور أو يقبل الوجودية في صورتها المثلى، إلى أن قال: إن عقيدة المسلم لا تمنعه من أن يكون اشتراكياً.

    قضية تحكيم العقل في كل شيء، هذا مذهب المعتزلة قديماً، ولكن هناك فلسفات غربية مثل: فلسفة كمنت العقلية، نفس المنهج، حتى إن تصور أن بعض المسلمين تأثروا من فلسفة كمنت العقلية في تحكيم العقل في كل شيء أكثر مما تأثروا من فلسفة المعتزلة ، مع أن المعتزلة نشأت في أوساط إسلامية، لكن من أرضية بدعية طبعاً، فتجد مثلاً محمد عبده ظاهر في أفكاره جداً تأثره بـكمنت هذا وبفلسفته وبتحكيم العقل في القرآن وفي السنة.

    ومع الأسف الشديد تجد أن هذه الجرثومة قد انتقلت إلى بعض المفكرين الإسلاميين مثل ما حصل لـحسن الترابي في نزول المسيح عيسى بن مريم وقال: أنا لا أناقش الحديث من حيث سنده، وإنما أراه يتعارض مع العقل، ونادى بتجديد بعض كتب أصول الفقه وعنده آراء عجيبة غريبة.

    وكذلك ما حصل من الغزالي المتأخر المسكين الذي تراجع تحت مطارق أعداء الإسلام وهم يتهمون الإسلام بأشياء، فحاول المسكين أن يدافع عنها بأمور فظهرت حديثاً في كتبه وكان لها أثر سيئ في بعض القراء الذين قرءوا له، وهذا الموضع طويل جداً وإنما كان لهذا الرجل أيضاً نصيب من تحكيم العقل في نصوص الشرع، فتجده يقول في إحدى محاضراته أمام الطلبة: تريدوني أن أذهب إلى بريطانيا لأدعو إلى الإسلام، وعندما يسألوني: هل يجوز للمرأة أن تتولى الحكم؟ أقول لهم: لا.

    ويحكم عقله في أشياء كثيرة فيقول مثلاً: إن دية المرأة مثل دية الرجل، وأن الأحكام الفقهية أن دية المرأة نصف دية الرجل، هذا كلام مرفوض، يعني كلام طويل جداً وإنما كان هذا الرجل وغيره من الإسلاميين ليسوا من عموم المسلمين بل من الإسلاميين الذين يدافعون عن الإسلام قد تأثروا فعلاً وتشربوا كثيراً من هذا المذهب السيئ وهو تقديم العقل على نصوص الشرع.

    ولذلك أنكروا أحاديث، كما ذكرت أحاديث نزول عيسى بن مريم الذي أنكره الترابي وكذلك مثل ما أنكر الغزالي حديث لطم موسى لعين ملك الموت، وأحاديث أخرى.

    طريقة حصول الاستيراد الفكري الكفري

    إن استيراد المذاهب من الكفار وترويجها بين المسلمين حصل من ضمن ما حصل عن طريق الترجمة، ولذلك مثلاً تجد أن نظرية الداروينية نقلت بالدراسة المستفيضة من قبل أشخاص، مثل: شبهي شميل وسلامة مظهر والأولان نصرانيان أشهرا إلحادهما وكفرهما والآخر مسلم الأصل ولكن كلامه لا يدل على أن له صلة بالإسلام ألبتة.

    1.   

    تيارات الإلحاد في عدد من المجالات الشرعية

    وكذلك الإلحاد من الموجات أو التيارات التي اكتسحت العالم الإسلامي تيار الإلحاد، إنكار وجود الله والتمرد على كل شيء، وخذ لك مثلاً: إسماعيل أحمد أدهم الذي أتى من تركيا بعد إعلان العلمانية ألف رسالة صغيرة عنوانها: لماذا أنا ملحد؟ .

    وكذلك عندما تنظر حتى في بعض الشعراء المعاصرين كـالرصافي والزهاوي ، من شعراء العراق مثلاً، فإنك تجد بعض دواوينهم مملوءة بالأفكار الإلحادية، فهذا مثلاً الزهاوي يقول في أحد رباعيته:

    ما نحن إلا أقردٌ

    من نسل قردٍ هالك

    فخر لنا ارتقاؤنا

    في سلم المدارك

    حتى التيارات الأدبية التي نشأت في بلاد الكفار كان لها أيضاً تغلغل كامل وكبير في أوساط المسلمين الأدبية، في الصحافة وغيرها، وسنعرج على بعض منها بعد قليل.

    مجال الحكم والتشريع

    وهو من المجالات الخطيرة جداً ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (لينقضن الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة يتشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة).

    هذا المبدأ، مبدأ الحكم والتشريع، كان له نصيب وافر من دخول الأفكار الغربية إلى بلدان المسلمين، لما أسقطت الخلافة العثمانية الإسلامية وقع المسلمون في صدمة نتيجة إلغاء كمال أتاتورك لهذه الخلافة، وفي أثناء الصدمة ظهر رجل أزهري مع الأسف -كان له فضل كما يقول المستشرق شمدز - في تخفيف وطأة ما فعله أتاتورك على مشاعر المسلمين، وذلك الرجل هو: علي عبد الرازق صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم وهو من أخبث ما كتب في هذا الموضوع، لأنه كان من أوائله، وقد جمع في كتابه بين أسلوب المستشرقين في تحوير الفكرة وبين طريقة الباطنية ليصل في النهاية إلى نتيجة أن الإسلام كالمسيحية المحرفة، علاقة روحية يبن العبد والرب لا صلة لها بالواقع أبداً، هذه خلاصة كتاب الإسلام وأصول الحكم.

    والغريب أن هذا الشخص لم يحصل على مراجع معتبرة، وإنما ستندهش أنت عندما تسمع مراجعه عندما يقول: وإذا أردت مزيداً في البحث فارجع إلى كتاب الخلافة ، من هو مؤلف كتاب الخلافة ؟ يقول: فارجع إلى كتاب الخلافة للعلامة السير تومس أرنولد ففي الباب الثاني والثالث منه بيان ممتع ومقنع، هذا مرجع علي عبد الرازق الذي يريدنا أن نتوسع فيه!!

    ومن الآثار السيئة لهذا الكتاب الإسلام وأصول الحكم وهو فصل الدين عن الحياة: أن الأحزاب العلمانية الكفرية في مصر وجدت مستنداً وقاعدة لها في القيام وإعلان مبادئها الإلحادية بعد أن كانت تتستر من قبل، فعندما وجدت هناك من ينادي بأن الدين شيء والحياة شيء، قامت هذه الأحزاب الكفرية وأعلنت عن برامجها الإلحادية، وعن براءتها من الدين والمتدينين، وفيما كانت مصر مؤهلة لقيادة العالم الإسلامي من جديد، وكان الاستعمار أو الاستخراب يلم شعثه لمغادرتها ثارت زوبعة حول صلة الإسلام بالحكم تزعمها كاتب نصراني آخر أو كتاب بالأحرى أمثال: سلامة موسى ولويس عوض وأناس يدعون إلى الإسلام، ومن بين هؤلاء الناس خالد محمد خالد في كتابه: من هنا نبدأ، كان من الذين تورطوا في قضية الدعوة لفصل الإسلام عن الحياة، وقد رد عليه، حيث استخدم فيه أسلوباً ذكياً وماكراً، وبعض الناس مخدوعون بكتابه رجال حول الرسول.

    صحيح أن هذا الرجل قد يكون تاب من أفكار كثيرة بل قد يكون بعض الذين نمر بأسمائهم تراجعوا عن أشياء ولكن نحن نعلم هذه قاعدة مهمة جداً: أن التوبة الصحيحة لصاحب الفكر الهدام أن يعلن علناً عن تراجعه عن أفكاره، وليس أن يتراجع فيما بينه وبين نفسه ويقول: لقد تبت، كما أنه سمم عقولاً من خلال كتاباته فيجب أن يعيد الآن ويصحح ويعلن توبته من المبادئ السابقة، لا يكفي أن يقول بينه وبين نفسه: أنا تبت وأنا رجعت، ولذلك نحن نبقى على إدانتهم بكتبهم حتى يظهر لنا منهم تراجع واضح عن كتاباتهم السابقة.

    وكذلك ما يدعى بالشيخ عبد المتعالي الصعيدي يحاول هدم الحدود الإسلامية، مثل حد الردة والقتل والزنا والخمر، لماذا؟

    يقول: هذه أوامر للاستحباب وليست للوجوب، هذا مستنده، ثم يصل في النهاية يقول: ولذلك الحدود ليست مسألة مهمة وليس هناك ما يجبرنا على إقامتها.

    الإلحاد في وصف الإسلام بالرجعية

    ومن الأمور أيضاً القول: إن الإسلام دين رجعي جامد متأخر لا يصلح للتطبيق اليوم ولا يساير الحياة، والقول بأنه يكبل المرأة.

    وفي المقابل ظهرت فكرة أخرى من بعض المساكين من أبناء المسلمين مثل الغزالي المعاصر الذي يقول: لا. أنتم تتهمون الإسلام بالجمود والرجعية لا، الإسلام دين متطور، ودين مرن، ودين يقبل، هات أي شيء وأنا مستعد أن أبرهن لك أن الإسلام مرن.

    هذا ما حصل لبعض الناس المساكين، أي: قد تكون نيته طيبة يريد أن يدافع عن الإسلام، يرى هجوم الكفار والملاحدة ... الإسلام دين جامد، الإسلام دين لا يقبل التطور، الإسلام دين غير مرن، الإسلام لا يستوعب الحياة والمخترعات الحديثة، فيأتي هذا المسكين يريد أن يدافع فيقع في مزلق خطير جداً، وهو أن يجعل الإسلام فضفاضاً ومائعاً ومستعداً أن يحتوي الذي يعتقد به من الأفكار، ويقول: الإسلام سبق إلى الاشتراكية ، هذه فكرة الاشتراكية في محاسن الإسلام، أنتم أيها الغربيون شغلتم المرأة واستفدتم، إذاً الإسلام يدعو إلى تشغيل المرأة وإلى ...، ماذا تريد المخترعات الحديثة والطيارات؟ الإسلام فيه، انظر سورة الفلق، وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] وهكذا تجد هؤلاء المساكين يميعون الإسلام ويجعلونه رخواً لأنهم يريدون أن يردوا على الكفار الذين يتهمون الدين بالجمود فيميعون الدين ويقولون: هذا دين مرن، دين متطور؛ ولذلك هم يدعون إلى تطوير الفقه.

    الإلحاد في الفقه وأصوله

    من الشعارات الهدامة مسألة تطوير الفقه الإسلامي: وهل كان الفقه الإسلامي متخلفاً حتى نأتي الآن في القرن العشرين ونطوره؟! أم أن الآية أو الحديث الذي فيه كيفية الصلاة في البحر هو نفسه الذي ينطبق على كيفية الصلاة في الطائرة، ما نحتاج إلى تطوير شيء، إنها أشياء موجودة، والذكر الذي يقال عند ركوب الجمل (سبحان الذي سخر لنا هذا) هو نفس الذكر الذي يقال عند ركوب السيارة أو المصعد الكهربائي، ولكن المشكلة أن الناس هؤلاء ما عندهم فقه قائم ومؤسس على علم السلف ولكن عندهم ثقافة إسلامية عامة مع جرأة عقلية، فهاتان الدعامتان من أكبر الكوارث التي أدت إلى انحراف كثير من الكتاب الإسلاميين المعاصرين: ثقافة إسلامية عامة وليس علماً شرعياً مؤصلاً ومؤسساً، ثقافة إسلامية عامة زائد جرأة، فتتكون بعد ذلك أفكار عجيبة وغريبة.

    مبادئ الحط من قدر الإسلام

    وكذلك من الأمور التي انتشرت القول: إن الإسلام ليس له نظم، يعني: ليس هناك شيء اسمه نظام اقتصادي في الإسلام، أو نظام اجتماعي، الإسلام عبارة عن مجموعة توجيهات عامة استمد النظم من القانون الروماني والبيزنطيين والفرس، وهذه مجموعة أشياء أتى بها الإسلام.

    وكذلك نشر مبدأ الخلط بين الإسلام والمسلمين، وهناك فرق بين الإسلام والمسلمين، الإسلام هو الحق، والمسلمون قد يكونون مقصرين، وقد يكونون على الحق، قد يكونوا منتسبين للإسلام بالاسم، ولذلك ما الذي يحول اليوم بين دخول الكفرة في الدين؟

    إن من أكبر العوامل عندما يرى الفليبيني أو الكوري المسلم يعمل الموبقات والكبائر، عندما يذهب الفليبيني إلى مانلا فيرى أن هناك واحداً من مكة أو من أي بلد من بلاد المسلمين يفجر ويفسق، هل سيدخل في الدين؟

    فإذاً: هناك فرق بين الإسلام والمسلمين، ولذلك تصرفات بعض المسلمين في كثير من الأحيان هي عبارة عن سد منيع ضد دخول الكفار في الإسلام، وهؤلاء الملاحدة يحاولون أن يرسخوا الفكرة في العالم، يقول: الإسلام هو المسلمون، يصورون مثلاً في أفلامهم مناطق من بلدان العالم الإسلامي متخلفة بها جهل وفقر ثم يعرضون عليهم الأفلام ويقولون: هذا هو الإسلام، مع أن هناك فرقاً، لماذا لم يعرضوا صورة الحياة في عهد عمر بن عبد العزيز مثلاً؟

    1.   

    نعرات القومية العربية

    ومن الدعوات الهدامة كذلك التي نفذت إلى بلدان المسلمين: الدعوة القومية، التي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها: (من قاتل تحت راية عُمية أو عَمية -وبعض الذين يضبطون الأحاديث يقول: عِمية- يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبةً فقتل فقتلته جاهلية) مات ميتة جاهلية.

    والدعوة إلى القومية أيضاً في الحقيقة بدأت على أيدي النصارى، ومن أوائل من رفعوا لواء القومية العربية وأسسوا لذلك الجمعيات العلمية والأدبية في دمشق وبيروت والقاهرة وباريس وأسسوا التنظيمات السرية التي فجرت ما يسمى بالثورة العربية الكبرى التي كان الضابط لورانس الكافر من أهم قادتها وضمت نصارى العرب، ومن أوائل من قام بهذا ميشيل عفلق الذي يقول: إن الأمة العربية تعبر عن نفسها بأشكال متنوعة، فمرة تعبر عن نفسها بشريعة حمورابي ، ومرة تعبر عن نفسها بأشياء من الشعر الجاهلي يأتي بها، ومرة بدين محمد، ومرة بعصر المأمون ... وهكذا.

    ويقول محمود تيمور؛ وهو من كبار دعاة القومية: لئن كانت لكل عصر نبوته المقدسة، إن القومية العربية هي نبوة هذا العصر.

    ويقول الضال الآخر محمد أحمد خلف الله في مقال له: (القومية العربية كما ينبغي أن نفهمها) إن الساسة ينادون بـالقومية العربية، وتحقيق الوحدة العربية أقرب منالاً من تحقيق الوحدة الإسلامية.

    يقول: لو رفعنا القومية العربية يسهل توحيد هؤلاء العرب، لكن بالإسلام لا يمكن أن نوحدهم.

    ويقول عمر الفاخوري وهو ضال آخر في كتاب له سماه: كيف ينهض العرب يقول: لا ينهض العرب إلا إذا أصبحت العربية أو المبدأ العربي ديانة لهم يغارون عليها كما يغار المسلمون على قرآن النبي الكريم.

    انظر يقول: إذا نريد أن نطور وفعلاً نتحد؛ لا بد نغار على القومية مثل ما يغار المسلمون على قرآن النبي الكريم.

    يقول: ومثل ما يغار المسيحيون والكاثوليك على إنجيل المسيح الرحيم، ومثل ما يغار البروتستانت على تعاليم لوثر الإصلاحية، وهكذا.

    وقد قيض الله وله الحمد والمنة عدداً من كتاب المسلمين من فضح هذا الاتجاه وعراه ونقده، وهناك مرجع وهو كتاب: نقد القومية العربية . رسالة ماجستير، القومية العربية للشيخ صالح العبود ، وهي من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، وكذلك الأستاذ محمد قطب يقول عن تاريخ هذه القومية: إن أول من نادى بـالقومية العربية هم نصارى لبنان وسوريا ، وانضم إليهم المسلمون الذين تربوا في مدارس التبشير، ثم انضم إليهم المستغفلون من المسلمين.

    ونجح ساطع الحصري وهو علم من أشهر أعلام القومية العربية، وهو رجل أعجمي لا يستطيع الكلام بالفصحى ويضمر عداءً شديداً؛ نجح في نشر فكرة القومية بأبعادها.

    ونحن نقول: العرب في الجاهلية هل وجد مَن أشد في العروبة منهم؟ لا في شعرهم وقوته وجزالته، ولا في نخوتهم، ولا في شجاعتهم وكرمهم.

    الإسلام أقر العرب على الأخلاق الحميدة وأتى بزيادة عليها من الخصال الحميدة، لكن لما كانوا عرباً أقحاحاً ماذا كان وضعهم؟

    يقتل بعضهم بعضاً، يسبي بعضهم بعضاً، يغير بعضهم على بعض، يئدون البنات، وكان عندهم للمومسات أعلام توضع فوق بيت الزانية ويدخل إليها وينسب الولد، ومشاكل كثيرة جداً، وكانوا نهبة للفرس والروم، ومطمعاً لكل طامع، يأكلون الخنافس والجعلان.

    فماذا حصل؟ فلماذا يريد هؤلاء المأفونون أن يرجعونا إلى العربية أو إلى مرحلة العرب ما قبل الإسلام؟

    الوطنية والشعارات المجوفة

    وكذلك من الأفكار الهدامة أيضاً: الدعوة إلى الوطنية، وهي تقديس الوطن بحيث يصير الحب فيه، والبغض لأجله، والقتال من أجله، وإنفاق الأموال من أجله، حتى يطغى على الدين، وتحل الرابطة الوطنية محل الرابطة الدينية، وهذه أيضاً الدعوة من الدعوات الكفرية الإلحادية التي يقصد بها تمزيق العالم الإسلامي إلى قطع، يتعصب كل أصحاب أرض لأرضهم فيحصل الشقاق والتباعد بين أبناء المسلمين، فالكيان الإسلامي الواحد في المجتمع الإسلامي الكبير.

    والرسول صلى الله عليه وسلم يوضح أن أقوى وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله، وعندما تصبح القضية أساسها وطني فإن الإنسان يصل إلى عبودية هذا المبدأ ويصبح قد عبد الوطن من دون الله.

    وبالمناسبة فإن مصر وهي كبرى أو من أكبر البلاد الإسلامية كانت مستهدفة جداً، ولذلك نشأت فيها التيارات قبل غيرها من البلدان، ثم تلاها بلاد الشام وغيرها، لأن في مصر طاقات هائلة من المسلمين، ولذلك ركز عليها أكثر من غيرها، لأن هذا الجناح لو طاح لا يستطيع الطائر الإسلامي أن يطير أبداً. وبداية نشأة الدعوة إلى الوطنية كانت عندما أرسل اللمبي برقية إلى وزارة الخارجية البريطانية يقول: إن الثورة تنبع من الأزهر، وهذا أمر له خطورته البالغة، أفرجوا عن سعد زغلول وأرسلوه إلى القاهرة .

    وجاء سعد زغلول وقرت به أعين الإنجليز فصرف الثورة من ثورة دينية تنبع من الأزهر وتنادي بجهاد الكفار إلى ثورة وطنية تنادي بتحرير التراب؛ التراب عندهم أهم من الدين، فقد يعيش فوق التراب ملاحدة، نفس أبناء البلد لكن في إلحاد، ماذا استفدنا من تحرير التراب؟

    ولذلك قال سعد زغلول قولته المشهورة: الدين لله والوطن للجميع! ما معناها؟

    معناها: ليس لنا علاقة بالدين، فالدين لله وهو من يرفع الدين، وهو الذي يتولى الدفاع عنه، نحن علينا الوطن، وكذلك حتى يحدث له الاتحاد مع الأقباط، فلذلك دخل النصارى مع التيارات الوطنية وتحولت الحركات الجهادية الإسلامية ضد الاستعمار الصليبي إلى حركات وطنية، وسهل الاستعمار أن يتفاهم معها، الاستعمار ما يمكن أن يتفاهم مع الحركات الإسلامية، لكن يمكن أن يتفاهم مع الحركات الوطنية، ولذلك حصل الخلل في تلك الثورة ونحي الإسلام عن الحكم، وقال سعد زغلول قولته المشهورة: الإنجليز خصوم شرفاء معقولون. وقال غيره وهو لطفي السيد الملقب بأستاذ الجيل مع الأسف يقول: إن الإنجليز هم أولياء أمورنا في الوقت الحاضر، وليس السبيل أن نحاربهم، ولكن السبيل أن نتعلم منهم ثم نتفاهم معهم.

    الإنسانية الخالية من الإنسانية

    وكذلك من الدعوات الضالة التي استوردت الأفكار والتي تبناها بعض أبناء المسلمين وهي آتية من بلاد الكفار: الدعوة إلى الإنسانية.

    وهذا مبدأ هدام وباطل، وهذه الدعوة إلى الإنسانية لها شعارات الحرية .. المساواة .. الإخاء، هذه شعارات الماسونية ما معناها؟

    معناها كما يعبر محمد قطب جزاه الله خيراً ونفع الله به يقول: الإنسانية كما يدعونها أحياناً: دعوة براقة تظهر بين الحين والحين، ثم تختفي لتعود من جديد.

    يا أخي كن إنساني النـزعة، وجه قلبك ومشاعرك للإنسانية جمعاء، دع الدين جانباً، فهو أمر شخصي، علاقة خاصة بين العبد والرب محلها القلب، ولكن لا تجعلها تشكل مشاعرك وسلوكك نحو الآخرين الذين يخالفونك في الدين، فإنه لا ينبغي للدين أن يفرق بين الإخوة في الإنسانية، تعال نصنع الخير لكل البشرية غير ناظرين إلى جنس أو لون أو دين، ثم هذا معنى العبارة الماسونية : اخلع عقيدتك على الباب كما تخلع نعليك.

    إذاً: يريدون أن يكون المسلمون والنصارى واليهود والشيوعيون والوثنيون والبهائيون والقديانيون والمجوس كلنا إخوة في الإنسانية.

    يا أخي! هذه قضية إنسانية، نحن إخوة في الإنسانية، نحن بشر، ليس هناك داعٍ أن تفرق بيننا أديان! هذه من الدعاوي الخطيرة جداً التي بثها اليهود، ولذلك يقولون في بروتوكولاتهم: كنا أول من اخترع كلمات: الحرية والمساواة والإخاء التي أخذ العميان يرددونها في كل مكان دون تفكير أو وعي، وهي كلمات جوفاء، لم تلحظ الشعوب الجاهلة مدى الاختلاف الذي يشيع في مدلوله بل التناقض، إن شعار الحرية والمساواة والإخاء الذي أطلقناه قد جلب لنا أعواناً من جميع أنحاء الدنيا.

    تصور هذا كلامهم!

    ومن أشهر الشخصيات التي دعت إلى الإنسانية في حرارة لأجل إماتة الجهاد في سبيل الله في أبناء الهند إبان الاستعمار الإنجليزي هو المدعو سيد أحمد خان باهاجر ، وهذه دعوة إلى الإنسانية، دخل في الأنظمة الدولية وقوانين الولايات المتحدة دخولاً عجيباً لتسيطر على أفكار المسلمين، فمثلاً: تجد عندهم في موادهم: يولد جميع الناس أحراراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء، وإن غاية ما يرموا إليه عامة البشر انبثاق عالمي يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة، ويتحرر من الفزع والفاقة.

    بعض الناس يقول: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6] أي: كل واحد على دينه، والله يعينه، أي: ليس هناك إشكال، لكن ما معنى قول الله عز وجل: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6] معناه: أن الله عز وجل يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: قل لهم: لا مجال للالتقاء بيننا وبينكم أيها الكفار ألبتة، فإن لنا ديننا ولكم دينكم، ولا يمكن أن نلتقي معكم في منتصف الطريق أبداً، ولا يمكن أن يجمعنا شيء مطلقاً، وليس هناك عوامل مشتركة بيننا وبينكم، لكم دينكم ولنا ديننا، وهذا ديننا سنسعى لنشره والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا ونسقط أديانكم الكافرة، إن الإسلام ما جاء لصقع معين أو بلد معين أو منطقة معينة، بل أرسلناك للناس كافة، بشيراً ونذيراً للعالمين.

    فإذاً: يجب أن يعم الإسلام الأرض، فعندما يأتي هؤلاء بدعوة الإنسانية ويقولون في دساتيرهم: لا يجوز استرقاق أي شخص، فإن هذا منافٍ لما أحل الله من أحكام الرق في الجهاد، وله فوائد عظيمة ولا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات والمعاملات القاسية والوحشية، ولكل شخص أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية، ومعناها: لا تلجأ إلى المحاكم الشرعية، ومعناها لا تلجأ إلى الله ورسوله، ولكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته، هذا يعني أن قول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ [التوبة:28] معناه لا نطبق هذا الحكم، والحمد لله نجد الآن بعض الحرص على تطبيق هذا المبدأ وعدم إدخال الكفار إلى منطقة الحرم، وإلا فهم عندما يقولون: لكل فرد حرية التنقل دون قيود، معناها أنك تسمح للكفار بالدخول.

    وكذلك عندما تجد في قوانينهم: لكل فرد أن يغير عقيدته، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه) فلو أن شخصاً واحد كان مسلماً، ثم قال ما أريد الإسلام وسوف أصير نصرانياً، وأريد أن أصير شيوعياً نقول: تعال فليس الأمر على هواك، هذا الإسلام يسري على الجميع، فعندما تغير دينك يقام عليك حد الردة وتقتل. وهو حديث صريح: (من بدل دينه فاقتلوه) وهؤلاء أدعياء الإنسانية يقولون: كل واحد له حريته أي: يختار من الأديان ومن العقائد ما يشاء، فلا يقيد شخص شخصاً ولا يعتدي أحد على أحد.

    ولذلك يقولون: كل واحد له حرية، أي: ليس هناك جهاد، فلماذا نجاهد؟ فإذا أردنا تطبيق كلامهم انتهى الجهاد وألغي الجهاد، لأنك لن تنشر الإسلام، كل الناس أحرار، كل واحد يأخذ على هواه، فأين نذهب بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73].

    وكذلك يقول أحد أصحاب هذا الاتجاه وهو فهمي هويدي بعنوان: المسلمون والآخرون أشواك وعقد على الطريق، وفي ثنايا كلامه يقول: إنه ليس صحيحاً أن المسلم صادق ومتفوق ومتميز لمجرد كونه مسلماً، وليس صحيحاً أن الإسلام يعطي أفضلية للمسلمين، ويجعل غيرهم في الدونية -أي: بالدون- لأنهم كفار.

    تصور! يقول: ليس هناك ميزة للمسلمين فكل البشر مثل بعض!

    وكذلك سعوا إلى هدم دعائم العقيدة، ومن أوثقها: أن يكون الحب في الله والبغض في الله، ولذلك جعل بعضهم الإخاء، يقول التآخي إقامة علاقات المودة، كما ذكر محمد عبده في كتابه الإسلام والنصرانية وكذلك محمد أبي زهرة في محاضرات النصرانية، يصف أقباط مصر بأنهم إخوانه وأبناؤه وأصدقاؤه.

    وكذلك يجعلون قواعد العلاقات الدولية في الإسلام تدور على نقاط هي: المساواة والتعاون والكرامة الإنسانية والتسامح والحرية والفضيلة والعدالة والمعاملة بالمثل والمودة وهكذا، يقول هذا أبو زهرة تحت عنوان: المودة: إن الأخوة الإنسانية العامة التي أوجب الإسلام التعارف يجب وصلها بالمودة والعمل على الإصلاح ومنع الفساد ولو اختلف الناس ديناً وأرضاً وجنساً، وإن المودة الموصولة لا يقطعها الحرب ولا الاختلاف في الدين، وفتح باب المودة للشعوب ينهي الحرب ويفتح باب السلام العزيز الكريم.

    انظر ما معنى الكلام، معناها: نود جميع الناس وجميع الشعوب، مودة، وإخاء، حتى نفتح باب السلام العزيز الكريم. معناه: انتهى الجهاد، ولا نشعر بعداء للكفار، بل نشعر أنهم إخواننا مثلنا مثلهم ونأخذ منهم ويعطوننا.

    دعوى زمالة الأديان

    ومن المبادئ الهدامة كذلك: الدعوة إلى زمالة الأديان، وزمالة الأديان دعا إليها رواد المدرسة العقلية الحديثة مثل: جمال الدين أفغاني ومحمد عبده وغيرهم الذين يقولون: اقتلع الإسلام من قلوب المسلمين جذور الحقد الديني.

    هذا مع الأسف يقوله شيخ الأزهر مصطفى المراغي ، يقول: اقتلع الإسلام من قلوب المسلمين جذور الحقد الديني بالنسبة لأتباع الديانات السماوية وأقر -لاحظ الخطورة في كلامه- بوجود زمالة عالمية بين أفراد النوع البشري، ولم يمانع أن تتعايش الأديان جنباً إلى جنب.

    فما معنى قول الله عز وجل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73]، وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة:30] عندما يأمرنا الله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة:123] ما معنى الكلام إذاً، معناه لا ننصر الدين الإسلامي، وعندما يحكم الله عليهم بالزيغ والكفر في القرآن الكريم ويوضح لنا: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ثم يأتي هؤلاء يقولون: نحن لا ثمة حقد بيننا، انظر يستعمل كلمة حقد ديني حتى يزيل الفاصل الشعوري بين المسلم والنصراني واليهودي حتى يكونوا كلهم إخوة.

    1.   

    الانحراف الفكري في اللغة والأدب

    والظاهر: أننا سنختم حديثنا بكلام يتعلق بالأدب واللغة العربية، وبعض الاتجاهات المنحرفة أو الأفكار التي تبناها بعض المسلمين، وهناك مواضيع مثل جعل الكفار أو بعض الأفكار المستوردة والتي اقتنع بها كثير من المسلمين، مثل: أن الجهاد جهاد دفع فقط، الجهاد فقط يدافع به المسلمون ضد الاعتداء فقط، ولا يحاربون غيرهم ولا يجاهدون، هذه من الأفكار الضالة التي انتشرت، وكذلك وسائلهم في إماتة روح الجهاد في الأمة، ربما سوف نرجي الكلام عليها إلى مسألة قادمة.

    سبب حرص الأعداء على طمس اللغة

    بالنسبة للغة العربية تعرضت طبعاً لتشويهات ومحاولات في هدمها كثيرة جداً منها: الدعوة إلى العامية، فلما كانت اللغة العربية مما يقض مضاجع الكفار أنهم يرون المسلمين يصلون الصلوات الخمس، ويؤذنون خمس مرات في اليوم بلغة واحدة، يقض مضاجعهم ويؤلمهم ويجعلهم يتحسرون، كيف يقرأ الهنود والأتراك وأهل باكستان وإندونيسيا وماليزيا القرآن بلسان عربي مبين؟ كيف يجتمعون على القرآن بلسان عربي مبين؟ وكيف يحفظ هؤلاء الأعاجم القرآن عن ظهر قلب؟ هؤلاء طبعاً عندما يرون هذا لا بد أن يعملوا شيئاً لتحطيم لغة القرآن.

    ومن أوائل من قرع ناقوس الخطر لبني دينه وقومه، المستشرق أرنول جوندو في كتابه: الإسلام والغرب ، ونشأت بعد ذلك قضايا تحطيم اللغة العربية بوسائل: إضعاف اللغة العربية كلغة رسمية، وعدم الاهتمام بتدريسها، وعدم الاهتمام بمدرسي اللغة العربية، والدعوة إلى اللهجة العامية.

    وكان مع الأسف ممن فتح الباب محمد عبده ودعا إلى تصحيح الخطأ المشهور من أخطاء النحو والصرف التي كانت تتخلل الكتابة في عصره، ففتح الباب حتى جاءت القاعدة العجيبة: صحيح مشهور خير من فصيح مهجور، لو كان هذا الاستعمال العامي خطأ، فما دام أنه مشهور فإننا نأخذ ولا نذهب إلى فصيح مهجور، بل نستمر على الخطأ المشهور أحسن، وكان عبد الله النديم تلميذ محمد عبده ممن أسهم في الدعوة إلى العامية واستخدامها في لغة الصحافة ولذلك كان يكتب في مجلة الأستاذ، وكان يصدر في كل عدد من هذه المجلة مقالة مكتوبة باللهجة الدارجة.

    وجاء كذلك معه أحمد لطفي السيد وزميله ورفيق عمره عبد العزيز فهمي وزوج أخته إسماعيل مظهر ثم صديقهم الحميم طه حسين ، وأعلنوا عداوتهم للغة العربية والثقافة الإسلامية، وهؤلاء وبالذات أحمد لطفي السيد الذي كان متأثراً جداً بـدارون ومل ورسو وأضرابهم من الغربيين، الذي دعا إلى التفرنج وتحرير المرأة مع قاسم أمين ، كانت لهم مواقف من اللغة العربية، بل إن بعضهم وصل به الأمر إلى أن دعا إلى أن تكتب اللغة العربية بالأحرف اللاتينية، تصور يقول: السلام عليكم تكتب (alsslam alykm) كما تكتب في بعض الكتب التي تعلم غير العرب الكلام العربي ولكن بالأحرف اللاتينية، وصلت المسألة إلى هذه الدرجة، ومن رواد هذه المدرسة كذلك عبد العزيز فهمي الذي دعا بالنـزول بالفصحى إلى مستوى العامية، وكذلك مشى معهم توفيق الحكيم الذي وضع قاعدة: (سكن تسلم) حتى يضيع النحو، يضيع الفاعل من المفعول، أي تضيع المسألة، سكن تسلم.

    وكذلك طبعاً ركزوا على قضية المرأة المسلمة وهذا مجال له بحث خاص، وشجعوا فكرة تحديد النسل، وهذه ليست فكرة إسلامية أبداً، إنما أتتنا من الكفار وتبناها بعض أبناء المسلمين وبعض الأطباء أيضاً مع الأسف وصاروا يروجون لها.

    الأدب الخليع

    بالنسبة للقضايا الأدبية وهي خاتمة المطاف في درس هذه الليلة، فإن الاتجاهات الأدبية المتبناة من بعض أبناء المسلمين المستوردة من الخارج كثيرة جداً، أحياناً تكون إباحية، وأحياناً تكون رومنسية وكلام عن الحب والأدب العاطفي أو أدب الحب، والأدب المكشوف كما يقولون، اتجهت القضية في البداية إلى ترجمة أعمال الأدباء إن صح التعبير، فترجمت أعمال مشاهير الكتاب الغربيين من شكسبير إلى تولستوي وترجمت باللغة العربية، ونشرت بين المسلمين على أنها روائع في الأدب العالمي، وكذلك انتقل الأمر إلى ترجمة القصص الإباحية، كقصص ألكسندر توماس وإميل زولا وأنكول فرناس هؤلاء من الكتاب الإباحيين كتبهم كلها خلاعة وقصص مجون ودعارة، ترجمت أيضاً إلى اللغة العربية حتى يقرأها أبناء المسلمين.

    ثم أتت حركة اللامعقول والكتابة الأسطورية، وكان على رأسها جان كول سارتر وكامو واستخدموا أسلوب الضياع وفلسفة الضياع والعبث المستقاة من أساطير الرومان، فقلدهم بعض المنتسبين إلى الإسلام مثل طه حسين وتوفيق الحكيم في كتب على هامش السيرة والفتنة الكبرى وأصحاب الكهف ، وقلد بعد ذلك الكتاب الذين يعيشون بين المسلمين الحركة الإباحية في كتبهم، فكتب إحسان عبد القدوس ونزار قباني ونجيب محفوظ من الضلال الذين سيحاسبهم الله عز وجل عليه حساباً عسيراً إن لم يشأ أن يتوب عليهم على ما أفسدوا في أجيال المسلمين من هذه القصص الإباحية.

    وطالب بعضهم مثل سلامة موسى بفصل الأدب عن القيم الدينية، وبرزت الوجودية -اتجاه الوجود- والنظرية الوجودية في كتابات أنيس منصور ، والاتجاهات الماركسية في أدب نجيب محفوظ ، ونهج لا معقول وهي فكرة الحداثة التي صارت حولها ضجة كما هو في شعر بدر شاكر السياب وأدونيس وغيرهم، هذه الحداثة أو هذه الكتابات الفوضوية التي ليس لها خطام ولا زمام.

    نموذج لشعر ساذج

    أعرض لكم نموذجاً من هذا الغثاء الذي قلد فيه بعض أبناء المسلمين الكفرة، يقول واحد منهم وهو محمد الكيتوري يقول -هذه قصيدة وتمعن معي وحاول جاهداً وأجهد ذهنك وكده في أن تستخرج شيئاً واحداً مفيداً أو مفهوماً من هذه القصيدة- يقول:

    نار خطاينا تسيل في حنايانا

    فلنتكئ على عظام موتانا

    ولنصمت الآن

    برج كنيسة قديمة وراهب قلق

    وغيمة تشد قديمها وتعبر الأفق

    ورجل بلا عنق وامرأة على الرصيف تنزلق

    وقطة في أسفل السلم تختنق

    وصوت ناقوس يدق

    يرسم دورة في الفضاء ويدق ويدق ويدق

    أرجو ألا نكون قد فهمنا شيئاً من هذه القصيدة المعلقة المشهورة.

    فالخلاصة أيها الإخوة: أن هناك اتجاهات رهيبة جداً، وهذا الكلام ينبغي أن يعيه المسلمون جيداً، وأن يقرءوا عنه أكثر وأكثر، وأن يتبصروا فيه، وأن يحذر بعضهم بعضاً من هذه الاتجاهات الخبيثة، وأن يحذروا من تغلغل ونفوذ هذه الأشياء في كلامهم وكتاباتهم، كما وقع بعض المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    ونحن على ثقة أيها الإخوة بأن الله ناصر دينه، وقد قال سبحانه وتعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].. وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:9] فإن دين الله باقٍ عزيز، وإن هذه الشعلة لن تنطفئ أبداً بإذن الله العزيز الحكيم، ونحن ننتظر عودة هذا الدين إلى واقع الحياة كما كان في عهد المسلمين الأوائل.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768249149