يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [إبراهيم:33] وقد أنب الله تعالى الكفار لما أعطاهم العمر المديد، فلم يستفيدوا منه، فقال عز وجل: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37] ومدح المؤمنين، لأنهم استفادوا من أعمارهم، واغتنموا أوقاتهم، فقال عز وجل: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24] فوبخ هؤلاء مع أنه عمرهم؛ لأنهم لم يستفيدوا من العمر، ومدح هؤلاء؛ لأنهم اغتنموا الأيام الخالية، اغتنموا العمر في طاعة الله تعالى، وهذا المبدأ مهمٌ للغاية- أيها المسلمون- أن يعلم الإنسان قيمة عمره (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) فتأمل! أنه يُسأل عن العمر عموماً، ويسأل عن الشباب خصوصاً؛ لأنها مرحلةٌ فيها نشاطٌ وقوةٌ وحيويةٌ، ففي أي شيء صرفها؟ وفيمَ قضاها؟
وكذلك يسأل عن الصحة؛ لأنها نعمة يستطيع أن يفعل فيها أكثر مما يفعل في حال المرض، ويسأل كذلك عن أوقات الفراغ -يا عباد الله- والنبي صلى الله عليه وسلم بين هذا المفهوم بقوله: (عجلوا الخروج إلى مكة ، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة)، وقال: (من أراد الحج، فليتعجل؛ فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، أو تعرض الحاجة) حديث صحيح.
ومع الأسف! فإن كثيراً من الناس لا يعرفون قيمة عمرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ) فالحديث يدل على توفر أمرين: الوقت، وقوة الجسد.. الوقت الذي يمكن ملؤه، وقوة الجسد المعينة على العمل، وفترة الشباب تكون زاخرةً بهذين الأمرين.
عباد الله: ونحن مقبلون على موسم الطاعة، وعلى شهرٍ عظيمٍ، وسيكون فيه إجازةٌ من المدارس، فماذا سيفعل الشباب ويفعل الناس عموماً في هذا الموسم القادم؟
إذا علمنا أنه لا يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعةٍ مرت بهم في الدنيا لم يذكروا الله عز وجل فيها، فإذا قارنا هذا بالساعات الطوال التي تضيع في غير ما فائدة، بل إنها تقضى في المعاصي، ولا يبقي كثيرٌ من الناس لربهم وعبادته سبحانه إلا ساعة إذا اكتملت، هذا إذا اكتملت، وأهل الجنة يتحسرون على ساعة مرت لم يذكروا الله تعالى فيها، وكثيرٌ من الناس في هذا الزمان لا يتعدى ذكرهم لله في اليوم ساعة، وبقية الأوقات في الأشغال والملاهي والمحرمات، وهنا ينبغي أن يقف العاقل مع نفسه وقفةً يتذكر فيها ربه، ويعد العدة لما بعد الموت.
عباد الله: ينبغي اغتنام كل فرصة، واغتنام العمر حتى آخر لحظة، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألَّا تقوم حتى يغرسها، فليفعل) رواه الإمام أحمد .
في هذا الحديث الصحيح انتهاز الفرصة في عمل صالح في آخر لحظة، ولو كان الإنسان لم ير ثمرته، فسوف يرى ثمرته في الآخرة، ولو لم يجدها في الدنيا.
عباد الله: إن المشكلة تكمن في عدم معرفة قيمة الوقت.. الوقت سريع التقضي أبي التأتي، لا يرجع مطلقاً، والعاقل هو الذي يفعل ما يغتنم به وقته، قال بعض أهل العلم: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ثم ليس فقط انتهاز العمر بالطاعات، واغتنام الأوقات بالعبادات، وإنما يقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، اغتنام الوقت في أفضل ما يمكن مسألة تحتاج إلى فقه؛ لأن مسألة التفاضل بين الأعمال لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال الأدلة الشرعية، ولذلك فلا بد أن يكون للمسلم علمٌ بالأعمال التي نص الشارع على فضلها، وأنها أفضل من غيرها.
ولذلك نجد في بعض الأحاديث: (أفضل الأعمال إيمانٌ بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجةٌ برة).. (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله) وهكذا تتفاوت الأعمال في الفضل كما تختلف بالنسبة للأشخاص في ظروفهم وأحوالهم وإمكاناتهم، وكذلك فإنه قد يكون الأفضل لشخصٍ ما ليس لآخر، فالأذان لمن كان حسن الصوت، وقيادة عسكر الجهاد لمن كان له خبرةٌ وقوةٌ، والصدقات للأغنياء، وتعليم الناس لأهل العلم، والشفاعة الحسنة من صاحب الجاه، وغير ذلك من الأعمال التي تعتمد على إمكانات الأشخاص، ثم إنه قد لا يكون هناك من يقدر على هذا العمل ويستطيع القيام به إلا هو، فيتعين عليه.
وكذلك أن يكون العمل أنفع، فكلما كانت دائرة النفع أشمل، كلما كان أفضل، ولذلك كان نفع المسلم لأخيه المسلم من قضاء دين، أو تعليم علم، أو سد جوعة.. ونحو ذلك من أفضل القرب؛ حتى ربما فاق الاعتكاف في المسجد النبوي شهراً.
وكذلك فإنه إذا عرف أن بعض الأعمال أفضل لمشقتها، فإنه يقدم عليها كما جاء في فضل إسباغ الوضوء على المكاره، والمشي في الظلم إلى المساجد، والجهاد في سبيل الله، ولذلك فإن احتساب الأجر في التصدي لأهل البدع وأعداء الدين فيه أجرٌ عظيمٌ؛ لأنه يترتب عليه مشقة شديدة وتضحية، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يناله شيء من أذاهم.
عباد الله: حتى القرآن وهو كلام الله تعالى فيه آيات وسور بعضها أفضل من بعض، والأذكار الشرعية بعضها أفضل من بعض، فالحمد لله أفضل من سبحان الله، والكل واردٌ، وبعضه محددٌ في مناسبات، ولكن إذا جئت للأذكار المطلقة، هنا يظهر الفقه في انتهاز الوقت في العبادة والذكر التي هي أفضل من غيرها.
لماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال، وكثرة السؤال، ونهى عن سؤال ما لم يقع؟
لأجل حفظ الوقت، فيكون حال الجاهل بحق ربه ومصلحة نفسه من يضيع أوقاته في مثل هذه الترهات، وكثيرٌ ما هم! ونحن قادمون على إجازة في شهرٍ كريمٍ، فما هي الخطة؟ وما هو المنهج؟ وماذا كان الإعداد.
عباد الله! إن العوارض كثيرة، والأشغال متعددة، وتتزاحم الهموم، وينشغل التفكير، ويتكدر صفاء الذهن بمشكلات الحياة الكثيرة، ولذلك لا بد من اغتنام الأوقات قبل عروض المشاغل، والإنسان لا يدري ماذا تخبئ له الأيام، وبعض الناس قد انشغل بمرض سنوات طويلة أقعده وآلمه، وصرفه عن سعيه ونشاطه، ولا يظنن الشاب أن الأمر سيستمر على ما هو عليه.
أترجو أن تكون وأنت شيخٌ كما قد كنت أيام الشبابِ |
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب دريسٌ كالجديد من الثيابِ |
وينبغي على الطالب أن يغتنم وقته قبل أن يصبح موظفاً، وكذلك من لم يتزوج ينتهز وقته قبل أن ينشغل بالزواج والأولاد.. وهكذا تشغل الحياة الدنيا من فيها، فالسعيد العاقل من انتهز الوقت وعرف قيمته.
عباد الله: تمر بنا إجازات كثيرة، وعُطلٌ عن الأعمال في آخر الأسبوع وغيرها، ففي أي شيء تقضى؟
وفي أي شيء تصرف؟
والمسألة تحتاج إلى إمام يدفع لقضاء الأوقات في الطاعات.
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن لي قوة- شاب عندي قوة- وذكر له الصوم، فقال عليه الصلاة والسلام: (صم من كل عشرة أيامٍ يوماً ولك أجر التسعة، فقال: إني أقوى من ذلك، قال: فصم من كل تسعة أيامٍ يوماً ولك أجر الثمانية، فقال: إني أقوى من ذلك. قال: فصم من كل ثمانية أيامٍ يوماً ولك أجر تلك السبعة، قال: إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل به حتى قال: صم يوماً، وأفطر يوماً، فقال: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك) فكان ينتهز عمره وفرصة شبابه في الصيام.
كيف تعود الأعمش رحمه الله على ألا تفوته تكبيرة الإحرام ستين عاماً؟
لقد كان العلماء يعرفون فضائل الأوقات.
والبخاري -رحمه الله- كان يتمثل بهذين البيتين:
اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ فعسى أن يكون موتك بغتة |
كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ ذهبت نفسه الصحيحة فلتة |
وفعلاً فقد توفي البخاري رحمه الله بالسكتة وموت الفجأة مثلما كان يقول في هذين البيتين، ولكن: ماذا ترك محمد بن إسماعيل رحمة الله عليه؟
ترك هذا الكتاب العظيم الذي هو أصح كتابٍ بعد كتاب الله، ومنه ينهل الواردون، ويأتي المتعطشون للعلم، ويستدل بأحاديثه في الخطب والدروس والمواعظ، فكم جاء لـأبي عبد الله في قبره من حسنة، والله يعلم شأن عباده.
عباد الله: إن الله لما أمر نبيه بالعبادة، أو بالصلاة، أتبع الصلاة بعمل آخر، قال: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8] والمؤمن يخرج من عبادة ليدخل في أخرى، وهذا هو الاغتنام الحقيقي، فتحسن نيته حتى يكون نومه وأكله وشربه ونكاحه عبادة إذا حسنت النية، وابتغى بذلك وجه الله عز وجل.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله: أمران أنبه عليهما في هذا الاجتماع، لم يبق على رمضان إلا أيام قليلة، فينبغي إعداد العدة لقدوم الشهر الكريم، وإذا كان التجار يستعدون بتكديس المواد الغذائية، وأهل المعاصي يستعدون بالسهرات المحرمة والفوازير والمسابقات القائمة على الميسر والقمار الشائعة بين الناس، وغيرهم من أهل الدنيا في لهو ولعب، واستعداداتهم للشهر دائرة بين الانشغال بالمباحات، أو الإعداد للمحرمات، فينبغي للمسلم أن يعد العدة لهذا الشهر الكريم، فأما من كان على ثغرة في تعليم الناس، فينبغي أن يعد العدة فيما يقرأ عليهم، وأي شيء يذكرهم به، وأن يقرأ في فتاوى الصيام وأحكامه ليكون على استعداد لتعليم غيره ونفعه بما ينبه به غافلاً، ويعلم به جاهلاً، وهذه مسألة في غاية الأهمية، وهي تنبع من الشعور بالمسئولية، وحمل الأمانة التي كلف الله بها أهل هذا الدين.
كما أنبه- أيها الإخوة- إلى أنه لا يجوز تأخير القضاء بعذر الاختبارات والامتحانات، فإنها ليست بعذر؛ لأن قضاء الصوم أعلى درجةً بكثير من اختبارات الدنيا وامتحاناتها، فلا يكون ذلك عذرٌ، فتنبه يا ولي أمر الطالب والطالبة، وكذلك فإننا نسأل الله التوفيق للأبناء، وأن يجعل سعيهم في طاعته.
يجب على المسلم أداء الصلوات الخمس في أوقاتها التي حددها الله لها، وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله وبفعله، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء: 103] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلِّ الصلاة لوقتها) فلا يجوز فعل الصلاة في غير وقتها لا قبله ولا بعده إلا لمن يجوز له الجمع بين الصلاتين لعذر شرعي يبيح له الجمع، كالسفر الذي تقصر فيه الصلاة، والمرض الذي يحصل فيه على المريض بترك الجمع مشقة، وفي حالة المطر والوحل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لأن فعل الصلاة في وقتها فرض، والوقت أوكد فرائض الصلاة، كما أن صيام شهر رمضان واجب في وقته ليس لأحد أن يؤخره عن وقته، لكن يجوز الجمع بين الظهر والعصر بـعرفة ، وبين المغرب والعشاء بـمزدلفة باتفاق المسلمين، وكذلك يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر عند كثيرٍ من العلماء للسفر والمرض ونحو ذلك من الأعذار، وأما تأخير صلاة النهار إلى الليل، وتأخير صلاة الليل إلى النهار فلا يجوز لمرض، ولا لسفر، ولا لشغل من الأشغال، ولا لصناعة باتفاق العلماء، بل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: [الجمع بين صلاتين من غير عذر من الكبائر] انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
وبناءً على ذلك فالذين يسارعون إلى الجمع لمجرد وجود غيم، أو مطر خفيف لا يحصل منه مشقة، أو لحصول مطر سابق لم ينتج عنه وحلٌ في الطرق، فإنهم قد أخطئوا خطأً كبيراً، ولا تصح منهم الصلاة التي جمعوها إلى ما قبلها؛ لأنهم جمعوا من غير عذر، وصلوا الصلاة قبل دخول وقتها.
وأيضاً: لا يجوز الجمع بين الجمعة والعصر، لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ولأن الجمعة ليست من جنس العصر، فمن جمع بين الجمعة والعصر فعليه أن يعيد صلاة العصر لكونه صلاها قبل وقتها لغير مسوغ شرعي.
فإذاً إذا كان مطراً واضحاً يبل الثياب ويحصل منه مشقة ولو لبعض الناس، لأن بعض المجاورين للمسجد قد لا يحصل له شيء، فعند ذلك تُجمع الصلاتان.
وينبغي -يا عباد الله- كذلك الائتلاف والاتفاق وعدم الاختلاف، وبيان كلام أهل العلم في المسائل، وليس الجمع شهوة، المسألة ليست كما قال أحد الناس، قال: اجمعوا أين نجد هذه الفرصة؟
ليست المسألة بيعاً وشراءً، وليست عرضاً تجارياً، المسألة مسألة صلاة ودين، ولذلك ينبغي أن يكون الجمع صحيحاً، ولنعلم أيضاً: أن حال الأحياء والمدن يختلف، فبعض المساجد قد يحيط بها مستنقعات من المياه حتى لو توقف المطر يخوضون في الوحل والماء، فهؤلاء يجمعون، وآخرون ليس عندهم هذا العذر لا يجمعون، وبعض المخططات السكنية فيها خوض في الوحل والطين يجمعون ولو توقف المطر، وغيرهم لا يجمع، لأنه ليس عندهم عذر الجمع، وقد يكون المطر كثيفاً في طرف البلد خفيفاً في الطرف الآخر أو منقطعاً، فينبغي مراعاة كل مسجد وكل حي بحسبه.
وكذلك فإنه ينبغي تعلم دين الله تعالى، فإن بعض الناس بلغ من جهلهم أنهم جمعوا في المطر في البلد وقصروا!! وهذا من تقصيرهم وجهلهم، فأين سمعت بقصر صلاة في البلد وليس قصرٌ إلا في السفر؟! ومن فعل ذلك، فعليه التوبة والإعادة، وأحياناً يكون الإمام من الأعاجم، فيتسلط عليه من في المسجد، ويلزمونه بجمع ليس فيه جمع شرعي، ويكون بجهله ربما يؤدي إلى قصر الصلاة، وهم بجهلهم لا ينبهونه، ويخرج الناس من المسجد ويتفرقون ولم يقضوا واجب الله تعالى، ولذلك ينبغي الحرص على العلم، ومعرفة أقوال أهل العلم وتحقق العذر، ولا بأس إذا كان العذر قائماً أن يذهب إلى مسجد فيه جمع ليجمع ما دام العذر قائماً، وأما إذا لم يكن قائماً، فلا يجمع ولو معهم، ولا يصلي معهم ولو نافلة؛ لئلا يكون مقراً لهم على حالهم، وينبغي أن تكون النصيحة بالحسنى فيما بينه وبين إمامه وبين المصلين وبعضهم، وكونوا عباد الله إخواناً.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه والعمل بكتابه.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر