قول المؤلف رحمه الله: العراقيين, مراده بذلك الفقهاء المنسوبون إلى العراق, ويدخل في ذلك: أبو حنيفة وأصحابه ومشايخه وتلامذته, مثل: حماد بن أبي سليمان ، وعطية العوفي , وكذلك زياد بن أبي علاقة , هؤلاء كلهم من فقهاء العراق, وقوله: الحجازيين، يعني المنسوبين إلى الحجاز: فقهاء الحجاز, ويدخل في ذلك: الإمام مالك رحمه الله تعالى وتلامذته ومشايخه.
ومذهب أهل الحديث وسط بين مذهب العراقيين ومذهب الحجازيين, كما سيبينه الشيخ رحمه الله تعالى فيما يتعلق بالأطعمة والأشربة.
هذا أصل المالكية, والشيخ رحمه الله تعالى بين الآن ما هو أصل المالكية في الأطعمة والأشربة, المالكية في الأشربة يقابلون الحنفية, فالحنفية يتوسعون في باب الأشربة ويضيقون في باب الأطعمة, والمالكية يتوسعون في باب الأطعمة, وأما الأشربة فكما ذكر الشيخ رحمه الله أنهم يحرمون كل مسكر.
فالإمام مالك رحمه الله تعالى هو أوسع الناس في باب الأطعمة, لا يكاد يحرم شيئاً مع أن النصوص صريحة, مثل حديث أبي ثعلبة الخشني : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع، ومخلب من الطير) ومثله أيضاً حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما, ومع ذلك تجد أن مذهب المالكية إباحة سائر السباع، ويبيحون سائر الطير، وكذلك أيضاً يبيحون الحشرات، ويبيحون البغال والحمير.. إلخ, فالمالكية رحمهم الله تعالى يتوسعون في جانب الأطعمة.
وأما الحنفية فيضيقون في جانب الأطعمة حتى أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله يقول: إن حيوانات البحر كلها محرمة إلا السمك إلا ما طفا منه, فالسمك عنده حلال إلا ما طفا منه فإنه حرام, فهذان طرفان. ومذهب أهل السنة والجماعة, ومذهب أهل الحديث كالإمام أحمد وغيره وسط بين المالكية الذين يتوسعون في باب الأطعمة, فيبيحون حتى ما نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريمه: كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وبين الحنفية الذين يحرمون كل ما في البحر إلا السمك, إلا ما طفا منه, يقول أهل الحديث: الأصل في ذلك الحل إلا ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم, والنبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير.
وفيما يتعلق بالأشربة فالمالكية يحرمون كل مسكر , وهكذا جاء في السنة, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مسكر خمر وكل خمر حرام), لكن الإمام أبا حنيفة رضي الله تعالى يتوسع في الأشربة ويضيق في تعريف الخمر, بمعنى أنه يحصر الخمر في النيئ من عصير العنب إذا غلى وقذف بالزبد, وصاحباه يقولان: إن الخمر هو النيئ من عصير العنب إذا غلى وإن لم يقذف بالزبد, وأهل الحديث يقولون: إن الخمر هو ما فسرهُ به النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل مسكر خمر، وكل خمر حرام ).
وكما أنهما يتقابلان في باب الأشربة فإنهما يتقابلان في باب الأطعمة, والصواب في ذلك: ما ذهب إليه أهل الحديث, وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر؛ وكل مسكر خمر، كما أنه أباح الأطعمة, فسائر الأطعمة مباحة إلا ما حرمه الشارع, وسائر الأشربة مباحة إلا ما حرمه الشارع وهو الخمر وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كل مسكر.
الحنفية يقولون: إذا شرب شيئاً لا يسكره فإن كان من عصير العنب, حرم؛ لأن الخمر عندهم هو: عصير العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد, أما إذا لم يكن من عصير العنب وإن كان يسكر فليس خمراً، لكنه إذا شرب ما يسكر فإن ذلك يحرم عليه.
قال المؤلف رحمه الله: [فأخذ أهل الحديث في الأشربة بقول أهل المدينة وسائر أهل الأمصار، موافقة للسنة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في التحريم، وزادوا عليهم في متابعة السنة.. إلخ].
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب النبيذ إلى مساء الثالثة, فبعد مساء الثالثة يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فيهراق أو يسقى الخادم.
بعد مساء الثالثة هل يحرم أو لا يحرم؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله, والمشهور مذهب الإمام أحمد كما ذكر الشيخ رحمه الله أنه يرى تحريم النبيذ بعد مساء الثالثة؛ لأنه مظنة الإسكار.
الرأي الثاني رأي المالكية: أن النبيذ إنما يحرم إذا أسكر, يعني إذا غلى واشتد وقذف بالزبد أصبح مسكراً وحرم, أما إذا لم يحصل شيء من ذلك فإنه لا يحرم.
قال المؤلف رحمه الله: [فأقيمت المظنة مقام الحكمة، حتى إنه كره الخليطين، إما كراهة تنزيه أو تحريم، على اختلاف الروايتين عنه].
الخليطان كأن تنبذ في الماء تمراً وزبيباً؛ وهذا مظنة السكر فهو أدعى إلى أن يشتد ويقذف بالزبد, فإذا جعلت فيه نبيذ تمر وزبيب أو تمر وعسل أو نحو ذلك, فهذا هو الخليط, والإمام أحمد رحمه الله يكرهه.
قال المؤلف رحمه الله: [وحتى اختلف قوله في الانتباذ في الأوعية: هل هو مباح، أو محرم، أو مكروه؛ لأن أحاديث النهي كثيرة جداً، وأحاديث النسخ قليلة، فاختلف اجتهاده: هل تنسخ تلك الأخبار المستفيضة بمثل هذه الأخبار التي لا تخرج عن كونها أخبار آحاد ولم يخرج البخاري فيها شيئاً؟].
في أول الأمر النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ في بعض الأوعية, يعنى أن يجعل النبيذ في بعض الأوعية, فيجعل فيه ماء وينبذ فيها شيء من التمر أو الزبيب أو العسل.. إلخ, ثم بعد ذلك نسخ, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في وعاء كذا, فانتبذوا ما شئتم ولا تشربوا مسكراً), وإلاّ ففي أول الأمر نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الحنتم والمقير والدبى.. إلخ, وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ فيها, لأن هذا أدعى إلى تسارع شدته, حيث إنه يشتد ويقذف بالزبد, ثم نُسخ ذلك كما جاء في حديث بريدة في صحيح مسلم .
الخلاصة في هذه الجملة التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى أن نفهم أصل المالكية وأصل الحنفية في مسائل الأطعمة والأشربة، وأن أصل المالكية في مسائل الأطعمة التوسع, وأنهم لا يكادون يحرمون شيئاً من الحيوانات والطيور والحشرات, وإن كانوا ينصون على الكراهة, إلا أنهم يرون إباحة ذلك هو الأصل, وبهذا تفهم فروعاً كثيرة على مذهب المالكية.
الأصل الثاني, أصل الحنفية في ما يتعلق بالأشربة, وأن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يتوسع في باب الأشربة، وقد تقدم لنا أنه يخص الخمر بماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد, هذا هو الخمر عندهم, وما عداه وإن كان مسكراً فليس خمراً, لكنه إذا شرب ما يسكر, فإن ذلك يحرم عليه.
أما بالنسبة لأهل الحديث, فإنهم أخذوا في باب الأطعمة بمذهب الحنفية, وأما في باب الأشربة, فأخذوا بمذهب أهل المدينة: المالكية, الإمام أحمد رحمه الله أخذ -وهذا في الجملة- في باب الأشربة بمذهب المالكية, وأن كل مسكر خمر وكل خمر حرام, وأما في باب الأطعمة, فمذهب الحنفية هو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذي كل ناب من السباع ومخلب من الطير, وإن كان الحنفية يضيقون, كما تقدم, فقد ذكر الشيخ رحمه الله تعالى أن أبا حنيفة يحرم الضب, كما ذكر بأنه يحرم سائر حيوانات البحر إلا السمك, إلا ما طفا منه.
الزيادة على النص هل هي نسخ أو ليست نسخاً؟ هذه مسألة أصولية قسمها الأصوليون إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن تكون الزيادة غير المزيد, فهذه ليست نسخاً بالاتفاق, كأن يرد النص في الصلاة, ثم بعد ذلك يرد نص آخر في الصدقة, فإذا كانت الزيادة غير المزيد, فهذه ليست نسخاً بالاتفاق.
القسم الثاني: أن تكون الزيادة شرطاً في المزيد؛ كأن يرد النص في الطهارة في الصلاة، ثم بعد ذلك يرد نص في اشتراط الطهارة في الصلاة, فـأبو حنيفة رحمه الله يرى أنها نسخ بخلاف كثير من الحنفيين, فإنهم لا يرون أنها نسخ, ويوافقون الجمهور.
القسم الثالث: أن تكون الزيادة ليست شرطاً في المزيد, وهي متعلقة به, فالمشهور عند الحنفية أنها نسخ, ومن أمثلة ذلك: تغريب الزاني, فهل يغرب الزاني إذا كان محصناً أولا؟
الله عز وجل قال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ
[النور:2], وجاءت السنة بتغريب الزاني, فهل يغرب أو لا يغرب؟
الحنفية رحمهم الله تعالى يرون عدم التغريب؛ لأن الزيادة على النص نسخ, والآحاد لا ينسخ المتواتر, وأشد من تكلم عليهم الشوكاني رحمه الله في كتابه (نيل الأوطار), وكذلك أيضاً ابن القيم رحمه الله رد هذا القول في كتابه (إعلام الموقعين), فالزيادة على النص تنقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة:
القسم الأول: ألا تتعلق الزيادة بالمزيد, فهذه ليست نسخاً بالاتفاق.
القسم الثاني: أن تتعلق به وتكون شرطاً، فهذه عند أبي حنيفة نسخ بخلاف الكثير من الحنفية.
القسم الثالث: أن تتعلق بالمزيد, وليست شرطاً, فعند الحنفية أنها نسخ, وعند جماهير العلماء رحمهم الله أنها ليست نسخاً.
الشيخ رحمه الله ذكر أن أهل الحديث وافقوا الحنفية: أهل العراق فيما يتعلق بالأطعمة؛ لأن أهل العراق يحرمون كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير, إلا أنهم خالفوه فيما صحت به السنة, فمثلاً: الخيل، الحنفية يرون تحريم الخيل, وقد جاءت السنة بحله كما في حديث أسماء في البخاري : ( أنهم ذبحوا فرساً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأكلوه ) كذلك أيضاً الضب, الحنفية يرون تحريمه، وهكذا ما يتعلق بحيوان البحر مع أن الله سبحانه وتعالى قال: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
[المائدة:96] إلخ, والشيخ ما أشار إلى ذلك, فهم أخذوا بمذهب الحنفية فيما يتعلق بباب الأطعمة إلا أنهم خالفوهم فيما خالفوا فيه السنة من تحريم الخيل والضب وكذلك أيضاً فيما يتعلق بحيوانات البحر, والمالكية وافقهم أهل الحديث في باب الأشربة وأن كل مسكر خمر وكل خمر حرام إلا في بعض الأشياء التي حرمها المالكية, فإن أهل الحديث لم يحرموها.
قال المؤلف رحمه الله: [فنقصوا عما حرمه أهل الكوفة من الأطعمة. كما زادوا على أهل المدينة في الأشربة؛ لأن النصوص الدالة على تحريم الأشربة المسكرة أكثر من النصوص الدالة على تحريم الأطعمة].
قال: فنقصوا عما حرمه أهل الكوفة من الأطعمة كما زادوا على أهل المدينة في الأشربة, وأهل المدينة فيما يتعلق بالأشربة يشددون، وكما تقدم فهم يرون أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام، فمثلاً عند الإمام مالك رحمه الله تعالى لا يجوز الانتباذ في بعض الأوعية التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ فيها؛ لأنه يرى أن النهي لم ينسخ, وأهل الحديث يرون أن النهي قد نسخ لوجود الدليل, وهو حديث بريدة , فأهل الحديث وإن كانوا يوافقون المالكية في باب الأشربة, إلا أنهم يخالفونهم في ما دل عليه النص.
الشيخ رحمه الله يقول: استحلال ما استحله المالكية في ما يتعلق بكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير خلاف السنة, وقصر الخمر عند الحنفية على عصير العنب مخالف للسنة, كلاهما مخالف للسنة, لكن الشيخ يعتذر لأهل المدينة فيقول: أهل المدينة وإن أباحوا كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير إلا أن لهم أصلاً, فهناك من الصحابة من قال بهذا, فهو وارد عن عائشة ، وعن جابر ، وعن ابن عباس , وهو أيضاً قول الشعبي ، وقول سعيد بن جبير فالمالكية لهم أصل، لكن كون الحنفية يحصرون الخمر في عصير العنب هذا ليس له أصل.
قال المؤلف رحمه الله: [والمفاسد الناشئة من المسكر أعظم من مفاسد خبائث الأطعمة، ولهذا سميت الخمر أم الخبائث، كما سماها عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجلد شاربها، وفعله هو وخلفاؤه].
هذا هو الوجه الثاني من وجوه ترجيح مذهب المالكية على مذهب الحنفية.
الوجه الأول: أن المالكية لهم أصل.
الوجه الثاني: أن المفاسد الناشئة عن المسكر أعظم من المفاسد الناشئة عن خبائث الأطعمة, فكون الإنسان يأكل الأسد والذئب هذا فيه مفسدة لأنه سيكتسب من طبائع الحيوان فيما يتعلق بالتعدي إلخ, لكن المفسدة الناشئة عن شرب المسكر أعظم من المفسدة الناشئة عن اكتساب طبائع هذه الحيوانات.
قال المؤلف رحمه الله: [وأجمع عليه العلماء، دون المحرمات من الأطعمة فإنه لم يجلد فيها أحد من أهل العلم إلا ما بلغنا عن الحسن البصري ].
الوجه الثالث: أجمع العلماء على تحريم الخمر دون المحرمات من الأطعمة.
قال المؤلف رحمه الله: [بل قد أمر صلى الله عليه وسلم بقتل شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة].
هذا هو الوجه الرابع، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى في قتل شارب الخمر أنه يُقتل, هذه قاعدة عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وليست خاصة في شارب الخمر , يقول: كل من لم يندفع بالحدود المقدرة فإنه يقتل تعزيراً, فمثلاً السارق إذا تكررت سرقته ولم يندفع بالحد, قطعناه ثم قطعناه ثم قطعناه, ولا يزال يسرق يقول: يقتل تعزيراً, وكذلك أيضاً شارب الخمر إذا لم يندفع جلدناه ثم جلدناه ثم جلدناه فإنه يقتل تعزيراً, والأصل الذي بنا عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو دفع الصائل يقول: إن هذا من باب دفع الصائل, والصائل تدفعه بالأسهل فالأسهل فإذا لم يندفع إلا بالقتل فإن للإمام أن يقتله، وابن حزم رحمه الله يرى أنه يقتل حداً, لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أنه يقتل تعزيراً، وجمهور العلماء رحمهم الله تعالى يرون أن النهي منسوخ, وما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو مقتضى السياسة الشرعية.
قال المؤلف رحمه الله: [وإن كان الجمهور على أنه منسوخ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم -فيما صح عنه- عن تحليل الخمر إلخ].
والصواب في ذلك: أنه منسوخ.
الوجه الخامس: النهي عن تخليل الخمر، فهذه خمسة أوجه رجح فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أصل المالكية في إباحة ما أباحوه من الأطعمة على أصل الحنفية في إباحة ما أباحوه من الأشربة, وأن إباحة المالكية أهون من إباحة الحنفية.
قال المؤلف رحمه الله: [ولما كان الله سبحانه وتعالى إنما حرم الخبائث لما فيها من الفساد: إما في العقول أو الأخلاق، أو غيرها ظهر على الذين استحلوا بعض المحرمات من الأطعمة أو الأشربة من النقص بقدر ما فيها من المفسدة، ولولا التأويل لاستحقوا العقوبة.. إلخ].
الوجه السادس مما يرجح مذهب المالكية: أنه بين الحكمة التي من أجلها حرمت هذه الأطعمة، وهذه الأشربة, يعني كل ذي ناب من السباع وتحريم المسكرات إلخ وأن من يتعاطى مثل هذه الأشياء يظهر عليه من النقص بقدر ما حصل له من هذا التعاطي.
المقصود بالقوة الشيطانية: ما طبعت عليه هذه الحيوانات من الإبل من العجلة والطيش وسرعة الغضب والنفور, فآكل مثل هذه الأشياء يكتسب شيئاً من طبيعتها، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى وجوب الوضوء من لحوم الإبل, وإن كان لحمها مباحاً, إلا أن الإمام أحمد رحمه الله انفرد عن بقية الأئمة بوجوب الوضوء من لحوم الإبل لما طبعت عليه هذه الإبل من العجلة والطيش والنفور إلخ, والوضوء يكسر مثل هذه الأشياء.
قال المؤلف رحمه الله: [بقوله: ( إنها جن خلقت من جن ) ].
أي: طبيعتها فيها من طبيعة الجن.
قال المؤلف رحمه الله: [أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله المخرج في الصحيحين: ( إن الغلظة وقسوة القلوب في الفدادين أصحاب الإبل )].
الفدادية المقصود بهم الذين تعلو أصواتهم وحروثهم ومواشيهم، وقيل: إنهم الذين يكثرون من الإبل، وقيل: إنهم أهل الجفا في العراء, فالإمام أحمد يرى وجوب الوضوء من لحوم الإبل, لما جاء في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة ، وفي السنن من حديث البراء بن عازب ، وزاد الإمام أحمد رحمه الله وجوب الوضوء متابعة للسنة خلافاً لجمهور أهل العلم فإنهم لا يرون ذلك, والحكمة من الوضوء من لحوم الإبل بينها الشيخ رحمه الله: أن هذه الإبل فيها من طبيعة الجن من النفور والطيش وغيرها, وهذا أيضاً كما أشار الشيخ رحمه الله يولد قسوة القلب والحقد, ولهذا يوجد شيء من ذلك في الأعراب لكثرة ملامستهم لهذه الإبل وأكلهم منها, فشرع مثل هذا الوضوء لكي يكسر هذه الطبيعة التي قد يكتسبها آكل هذه اللحوم.