أما بعد…
ففي هذا اليوم الأحد، ليلة الإثنين، الأول من شهر شعبان لعام 1410هـ، ينعقد هذا المجلس وهو الثالث ضمن مجالس الدروس العامة، التي بدأت قبل أسبوعين أو ثلاثة وقد تحدثت في الأسبوعين الماضيين عن موضوع: "
فإن موضوع هذه الليلة -أيها الأحبة- هو موضوع جديد ولعله لا يخلو من بعض الطرافة، وهو موضوع: الأسماء والكنى والألقاب، وسأبدأ به هذه الليلة، وأتمه بما يأتي إن شاء الله تعالى.
فبناءً على الطلب السابق، في ذكر مراجع البحث والكتب التي تعين الباحث فيه، أذكر بعض هذه المراجع وإن كانت مراجعه كثيرة، لكن منها كتاب زاد المعاد لـابن القيم، في أول الجزء الثاني، ومنها: كتاب إعلام الموقعين له، في الجزء الثالث، ومنها كتاب: تحفة المودود في أحكام المولود لـابن القيم أيضاً، ومنها كتاب اسمه الجوائز والصلات لـنور الدين بن الشيخ صديق حسن خان العالم الهندي الشهير.
ومنها كتاب امتاع الأسماع للمقريزي، حيث ذكر فيها الأسماء المتعلقة بالرسول عليه الصلاة والسلام، ذكر أسماءه وأسماء أولاده، وأسماء ما له من الإبل والخيل وغيرها، ومثله كتاب تخريج الدلالات السمعية للخزاعي، وكتاب التراتيب الإدارية للكتاني، كلها اعتنت بذكر الأسماء المتعلقة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك كتاب تهذيب الأسماء واللغات للنووي، وهو في أجزاء وخاصة الجزء الأول والثاني منه فهو يتعلق بالأسماء.
ومنها كتاب أدب الكاتب للإمام محمد بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ومنها كتاب جامع الأصول في الجزء الأول، حيث عقد فصلاً عن الأسماء والكنى، ونقل فيما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام في الكتب الستة، ومنها كتاب الأدب المفرد للبخاري، وكذلك كتاب الأدب في صحيح البخاري، وشرحه في فتح الباري، وهو يقع في الجزء العاشر من الطبعة السلفية.
ومنها كتاب معاصر اسمه أسماء الناس لـعباس كاظم مراد، وهو كاتب أو باحث عراقي.
وهناك كتب أخرى كثيرة جداً في الأدب واللغة وغيرها لا أطيل بذكرها.
وقد اختلف النحاة اختلافات كثيرة في أصل اشتقاق الاسم، من أين اشتق؟ وهذا اختلاف لا يعنينا كثيراً، فمنهم من يقول: إنه مشتق من الوسم لأنه علامة على صاحبه يميزه عن غيره، وإلى هذا ذهب الكوفيون، في حين يذهب البصريون إلى أنه مشتق من السمو والعلو والارتفاع، ولعل الأول أقرب، على كل حال هذا الموضوع لا يعنينا كثيراً، لكن الذي يعنينا هو: ما هو الفرق بين الاسم، واللقب، والكنية.
أولاً: هو أمر يحتاجه إليه الجميع فما من إنسان إلا وله اسم، بل يتعدى الأمر إلى جميع الأشياء، فجميع الأشياء لها اسم، حتى البقاع والحيوانات وغيرها، لها أسماء تميزها عن غيرها، ولا يغني عن هذا الاسم شيء آخر، لا يغني عنه وصف، ولا يغني عنه رقم، ولا شيء من ذلك.
وهذا من حكمة الله تعالى، فإنك فمثلاً إذا كنت تعرف شخصاً اسمه صالح، فقلت مثلاً: من فعل لك هذا؟ قال لك رجل: فعله صالح، بمجرد أن تسمع هذا اللفظ صالح، يقفز إلى ذهنك وفهمك شخص متكامل، فتتذكر صفة هذا الشخص وعمله وأخلاقه ومكانه، وغير ذلك من الأشياء.
فالاسم إذاً أمر ضروري لكل أحد ولا يغني عنه شيء، ولهذا كل شيء له اسم.
ثانياً: كثرة الأخطاء الشائعة عند الناس في موضوع التسمية، سواءً الأخطاء الشرعية، مثل تسمية أولادهم وبناتهم بأسماء ما أنـزل الله بها من سلطان، أسماء محرمة، أو على الأقل مكروهة، وأحياناً أخطاء اجتماعية تضر بالولد، وأحياناً أخطاء لغوية لا تتناسب مع أصل الوضع اللغوي، ومع اللغة العربية التي نـزل بها القرآن الكريم.
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه لو فكرت في لقبه |
وبعضهم يروي البيت:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه في اسم منه أو لقب |
كل شخص له اسم أو لقب يكون غالباً له من اسمه نصيب، وقد أطال ابن القيم رحمه الله في ذكر هذا في مواضع، منها ما أشرت إليه في زاد المعاد، ومنها في تحفة المودود وغيرها من الكتب، فأشار إلى ارتباط الاسم بالمسمى، وأن له به علاقة كبيرة.
وخاصة إذا عقل هذا الإنسان ووعى، وعرف دلالة الاسم، وأيضاً بصفة خاصة: إذا كان الناس يعلقون على هذا الإنسان من خلال اسمه.
وأضرب لكم -أيها الإخوة- قصة واقعية، رأيتها بعيني: في إحدى المناسبات كنا مع مجموعة من الطلاب، وكان فيهم طالب كثير المزاح، وكأن في عقله شيء من الخفة والطيش، فسألت عنه، فقال لي أحد الأساتذة الذين يعرفونه: إن هذا الرجل كان رجلاً شاباً عاقلاً، لا يؤخذ عليه شيء، ليس عليه مغمز ولا مطعن في عقله، ولا فهمه، ولا ذكائه، لكنه في إحدى المرات قام بتمثيل دور في مسرحية من التمثيليات التي تقوم أحياناً في المدارس، فكان هذا الدور الذي قام بتمثيله دوراً هازلاً، دور إنسان مضحك، أو منكت، أو ما أشبه ذلك.
فلما انتهى، وكان نجح في أداء هذا الدور، بدأ الطلاب، وزملاؤه وأصدقاؤه لا يسمونه إلا بالاسم الذي تسمى به في المسرحية، وتركوا اسمه الصحيح، حتى تقمص شخصية هذا الدور الذي قام به، وأصبح كأنه دائماً في حالة تمثيل، فهذا يدلك على ارتباط الاسم بالمسمى، وتأثيره فيه، وأهمية العناية بموضوع الأسماء.
وأحياناً تأتي إلى مجتمع، فتجد أنه تشيع فيه أسماء أجنبية وأسماء غربية مستوردة، سواء أسماء الرجال أو النساء، فهذا دليل على أن هذا المجتمع مجتمعٌ ضعيفٌ، مقلد، فقد هويته وشخصيته، وأصبح يأخذ حتى الأسماء من غيره.
أحياناً تجد مجتمعاً شاعت فيه الأسماء الفنية، مثل أسماء المغنين والمغنيات، كما حدث في بلاد الأندلس سابقاً، وكما يحدث في كثير من بلاد العالم الإسلامي اليوم، هذا يدل على أن ذلك المجتمع مجتمع هازل غير جاد، وأن الأشخاص المعظمين في المجتمع هم أهل الطرب والغناء والعبث واللهو.
تنتقل إلى مجتمع رابع، فتجد أن الأسماء التي فيه أسماء عسكرية، أو أسماء سياسية، أو غير ذلك، فالأسماء التي تنتشر في مجتمع من المجتمعات -غالباً- تدل على مستوى ذلك المجتمع.
ولهذا يذكر الجاحظ في كتاب الحيوان، يقول: "كان عندي حارس اسمه أبو خزيمة، وكان أعجمياً، وفيه لكنة لا يتكلم العربية إلا بصعوبة، فيقول: كان اسمه أبو خزيمة، وهذا اسم حسن، فكنت طالما أتعجب من أين جاءه هذا الاسم؟! جاء أبو خزيمة، راح أبو خزيمة، قال: فيوماً من الأيام، طرأ في بالي أن أسأله عن ذلك، فقلت له: هل لك أبٌ أوجدٌّ يسمى خزيمة؟ قال: لا، قلت له: هل لك قريب يسمى خزيمة؟ قال: لا، قلت: ألك ولد يسمى خزيمة؟ قال: لا، قلت: أفي القرية رجل صالح اسمه خزيمة، قال: لا، قلت: فمن أين أخذت هذا الاسم؟ قال: هكذا جاءني، أنا لا أدري من أين جاءني الاسم، لكنني تسميت به.
فقال له الجاحظ على سبيل الاختبار: فخذ هذا الدينار ودع عنك هذه الكنية، فقال: لا والله ولا بالدنيا وما فيها، لا أترك هذا الكنية ولو أعطيتني الدنيا وما فيها".
هذا الرجل ما اشترى الكنية بثمن، لكنه عُرف بها، وأصبحت تدل عليه، وتسمى بها، فكانت عنده غالية وثمينة.
فعلى كل حال فإن الاسم ضرورة لا بد منه، ولذلك عند علماء الحديث إذا لم يكن الراوي مسمى فهو مجهول، فإذا جاء في إسناد الحديث: حدثنا رجلٌ، أو حدثنا فلان عن رجلٍ، فإنهم يسمونه: مبهم، وهذا في الأصل إذا لم يعرف ولم يحدد فهو مجهول، وحتى لو قالوا محمد، ولم يعرف أي محمد هذا، فهذا يسمى: مهمل، ولا بد من تحديده وتمييزه ليعرف أثقة هو أم غير ثقة.
يذكر عن أبي عبيد، الإمام اللغوي رحمه الله، أنه كان في مجلس، فسأله رجل: أتعرف اسم فلان؟ قال: لا، فقام أحد الجالسين، فقال: بلى والله، أنا أعلم الناس به، قيل: فما اسمه؟ قال: اسمه خداش، أو خراش، أو شيء آخر، لا يعرف اسمه بالضبط، فقال له أبو عبيد رحمه الله: نعم والله ما عرفت عن هذا الرجل، ما دام لا تعرف الاسم، إما خداش أو خراش أو شيء آخر، فكأنك لم تعرفه إذاً.
ولذلك روى أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فاحسنوا أسماءكم} والحديث صححه ابن حبان، وقال الإمام ابن القيم في تحفة المودود: سنده جيد، وقال مرة أخرى في موضوع ثانٍ: سنده حسن وقال ابن حجر في فتح الباري: رجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعاً، فإن عبد الله بن أبي زكريا الراوي عن أبي الدرداء رضي الله عنه لم يدرك أبا الدرداء، فالحديث في سنده ضعف، لكن معناه صحيح.
أما الأمر بإحسان الأسماء فسيأتي مزيد بسطٍ لذلك.
أما قضية أن الناس يدعون يوم القيامة بأسمائهم وأسماء آبائهم فهذا هو الصحيح أيضاً، ولهذا جاء في صحيح البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ينصب لكل غادر لواءٌ عند استه يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان ابن فلان}. فدل على أن الإنسان يوم القيامة ينادى باسمه واسم أبيه.
وقد عقد الإمام البخاري لهذا الحديث عنواناً أو ترجمةً عنونها بباب: أن الناس يدعون يوم القيامة بأسمائهم وأسماء آبائهم، خلافاً لما رواه الطبراني، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا دفنتم الرجل في قبره، فليقم أحدكم على رأسه وليقل: يا فلان ابن فلانة، وليسمه باسم أمه، فليقل ذلك ثلاثاً، فإنه يقول: أرشدني رحمك الله، وإن الناس يوم القيامة يدعون بأسمائهم وأسماء أمهاتهم} فإن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال فيه الإمام ابن القيم في تحفة المودود قال: إنه ضعيف باتفاق أهل العلم، فكونه يدعى باسمه واسم أمه هذا لا يصح، والصواب ما في الصحيحين أنه يدعى باسمه واسم أبيه.
فقوله عليه السلام: {إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم } هذا صحيح لا إشكال فيه وإن كان الحديث فيه ضعف، وكذلك قوله: { احسنوا أسماءكم } صحيح وله شواهد كثيرة.
وكذلك جاء في البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: [[أول مولود ولد في المدينة عبد الله بن الزبير، وفرح به المسلمون فرحاً شديداً، لأن اليهود أشاعوا أن المسلمين لا يولد لهم، وأنهم قد سحروا، فلما قدمت أسماء المدينة وكانت متماً - يعني في آخر مدة حملها- فولدت عبد الله بن الزبير، ففرحوا به فرحاً شديداً وجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحنكه -يعني مضغ التمر ووضعه فوق حنكه- ودعا له وسماه عبد الله]].
وكذلك جاء في الصحيحين، من حديث أنس في القصة المشهورة: {أن فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالخبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل أصبت منها الليلة شيئاً، أو أعرستم الليلة؟ فقال: نعم، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة، فحملت، ثم ولدت غلاماً، فلما ولدته قالت: لا تصنعوا به شيئاً حتى تذهبوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمله أنس ومعه شيء من تمر، فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية عند مسلم: أنه عليه الصلاة السلام كان قادم من سفر، فدخل المدينة قبل أبي طلحة وأم سليم، فدخلوا بهذا الصبي إليه، فقال: أمعه شيء؟ قال: نعم، شيء من تمر، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم هذه التمرات ومضغها، ثم وضعها في فم الصبي، فبدأ الصبي يتلمض لما وجد التمر كما في رواية مسلم- فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: حب الأنصار للتمر -لأن هذا الغلام أنصاري رضي الله عنه- وفي رواية: حب الأنصار التمر -وحبهم يعني حبيبهم، فيكون مبتدأ خبره التمر، أي التمر حبيب الأنصار- ثم سماه عليه الصلاة والسلام عبد الله، فكان أكثر أولاد أبي طلحة براً بأبيه، وكان حافظاً للقرآن فقيهاً
إذاً من الأسماء الفاضلة عبد الله -كما سبق- وعبد الرحمن، فهل يشمل هذا الحكم غيرهما من الأسماء المعبدة، مثل عبد الكريم، عبد العزيز، عبد الجليل، عبد القوي، عبد المتين، أم لا يشمل؟
القرطبي رحمه الله، صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم، ذكر أنه يشمل غيرهما، فكل ما عبد فإنه فاضل، وقال ذلك لأن في عبد الله -مثلاً- أو عبد الرحمن، أو حتى عبد الكريم، وعبد العزيز، أولاً: فيها تسمية الله عز وجل، بأسمائه الحسنى، مثل الكريم، العزيز، الجليل، الغفور، الرحيم.
وثانياً: أن في كلمة (عبد): فيها وصف العبد المخلوق بما هو له أهل، من الذل والعبودية، وإضافة العبد إلى الله إضافة حقيقية، فهي قضية صادقة من جميع وجوهها.
ولهذا ذهب القرطبي إلى أن من الأسماء الفاضلة -أيضاً- كل اسم مبدوء بـ(عبد) مثل: عبد العزيز وعبد الكريم، وما شابهها.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه لا يكون غيرهما في الفضل بمنـزلتهما، وذلك لأن اسم (الله) واسم (الرحمن) لهما ميزات، ومن ميزاتهما: أنه لم يرد في القرآن إضافة (عبد) إلى غيرهما، فقد ورد في القرآن إضافة (عبد) إلى الله كما في قوله تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن:19].
كذلك ورد إضافة (عبد) إلى (الرحمن) وفي أي موضع؟ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الفرقان:63] وكذلك قال الله عز وجل -وهذا يؤيد ما سبق-: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110] فذكر لفظ (الله) أو (الرحمن)، وكذلك ذكر بعض أهل العلم أنه لم يتسم أحد بهذين الإسمين الشريفين العظيمين من المخلوقين، فلم يتسم أحد باسم (الله)، ولا باسم (الرحمن)، بخلاف بقية الأسماء فهناك من تسمى به، فمثلاً (الرحيم)، هناك من تسمى بـ(الملك الرحيم)، وكذلك (القاهر)، وغيرها من أسماء الله تسمى بها بعض الملوك، وبعض السلاطين، وبعض الحكام بل وغيرهم.
أما (الله(و(الرحمن)، فلم يتسم بهما أحد، إلا أن مسيلمة كان يسمي نفسه في الجاهلية (رحمان اليمامة)، لكن هذه نسبة إضافية، فهو اسم مضاف، فهو ادعى لنفسه أنه رحمان لليمامة وليس الرحمن بإطلاق، وكذلك أحد الشعراء مدح رجلاً بقوله:
وأنت غيث الورى لا زلت رحمان |
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وهذا غلو في الكفر حيث وصفه بأنه رحمان"، ثم إن الرجل هذا لم يسم نفسه بهذا الاسم، بل وصفه هذا الشاعر الملحد فلا عبرة في ذلك.
ويبقى الكلام الذي ذكره أهل العلم أنه لم يتسم أحد باسم (الله) ولا باسم (الرحمن) كلام صحيح، فـ(الله) و(الرحمن)، لم يتسم بهما أحد من بني الإنسان، ولذلك فليس غيرهما بمنـزلتهما، وإن كان ورد في ذلك أحاديث في أن كل ما عبد فهو فاضل لكن لا يصح من ذلك شيء، أما حديث {خير الأسماء ما حمد وعبد} فهذا الحديث لا أصل له كما ذكر ذلك جماعة من أهل الحديث، وإن كان شائعاً على الألسنة، فهو حديث موضوع، لا أصل له.
لكن روى الطبراني في معجمه عن ابن مسعود رضي الله عنه، وعن أبي زهير الثقفي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا سميتم فعبدوا} أي: اجعلوا الاسم مبدوءاً بعبد الله، وكذلك اللفظ الآخر لفظ ابن مسعود: {خير الأسماء ما تعبد به} وفي سند هذا الحديث محمد بن محصن، وهو ضعيف جداً بل متروك، فالحديث أيضاً شبه موضوع، وإن كان الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ذكر الحديثين، وقال: وفي سندهما ضعف.
والواقع أن الحديثين سندهما إن لم يكن ضعيفاً جداً فهو شبه موضوع، فلا حجة بهما، فلا يصح في التعبيد مطلقاً حديث، لكن لا شك أن الأسماء المبدوءة بـ(عبد)، كعبد الله، عبد الرحمن والتي فيها تعبيد لله تعالى أنها أسماء معانيها حسنة وصحيحة، فهي فاضلة بهذا الاعتبار، أما من خصوص ورود شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا يصح شيء من ذلك.
النوع الثاني من الأسماء الفاضلة: أسماء الأنبياء:
وقد روى مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شعبة، في تفسير قوله تعالى: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً [مريم:28] قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وكانوا يسموا بأسماء أنبيائهم} أي أن بني إسرائيل يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم.
وكذلك روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب، أنه كان أحب الأسماء إليه أسماء الأنبياء، ولعل المقصود بأحب الأسماء إليه يعني إلى سعيد بن المسيب، وليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ورد الأمر بهذا -الأمر بالتسمي بأسماء الأنبياء- من حديث وهب الجشمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تسموا بأسماء الأنبياء } والحديث رواه أبو داود والنسائي وفيه عقيل بن شبيب وهو مجهول؛ فالحديث ضعيف، لكن يشهد له ما سبق: حديث المغيرة وما سيأتي.
فالخلاصة: أن التسمي بأسماء الأنبياء فاضل، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الصحابة بأسماء الأنبياء، هذه بعض أسمائهم:
فممن سماهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى إبراهيم، كما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال: {ولد لي غلام، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له، وحنكه، وسماه: إبراهيم p}. وقد جاء أيضاً أن إبراهيم هذا كان من أكثر أبي موسى براً بأبيه.
وكذلك في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أنس: {ولد لي الليلة غلامٌ فسميته باسم أبي
فحزن صلى الله عليه وسلم لموته حزناً شديداً، وقال: {إن له ضئراً تكمل رضاعه في الجنة} وقد ورد في فضل إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة جداً، حتى ورد في آثار عديدة أنه لو عاش لكان نبياً، وهذا المعنى أنكره ابن عبد البر، ثم النووي إنكاراً شديداً وقالوا: هذا هجوم على الغيب بما لا علم به، ودعوى باطلة جائرة، حتى قال ابن عبد البر: لو كان كل ابن نبي يكون نبياً لكان الناس كلهم أنبياء؛ لأنهم أبناء لآدم عليه الصلاة والسلام.
لكن رد هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال: "إنه ليس بلازم، لكن هذا خبر عن إبراهيم بالذات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خبر معلق بأنه لو عاش، وقد قضى الله تعالى وقدر ألا يعيش إبراهيم، بل مات وهو في الثدي وهو لا يزال غلاماً رضيعاً.
كذلك من الأسماء التي سمى بها الرسول، أو أمر بها اسم (محمد)، وهو اسم نبينا وسيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي}. وكذلك روى الشيخان عن أنس بن مالك نحوه، أنه قال عليه الصلاة والسلام: {تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي}.
وسيأتي الكلام إن شاء الله في الدرس القادم عن موضوع الكنية، كنية (أبى القاسم)، وهل تجوز أم لا تجوز، ولكن المقصود من هذا الحديث التسمي باسم (محمد)، وأنه من الأسماء المشروعة، المستحبة، المستحسنة حيث أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: { تسموا باسمي } وهذا أمر يدل على الفضل وقطعاً لا يدل على الوجوب.
وهنا أشير إلى حديث موضوع وهو ما رواه أبو نعيم في الحلية، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال -عن الله جل وعلا- أن الله تبارك وتعالى قال: وعزتي وجلالي -مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم- لا أعذب أحداً تسمى باسمك بالنار.
وهذا الحديث موضوع لعنة الله على واضعه ومختلقه، فإنه مفترٍ أفاك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم من إنسان اسمه (محمد)، وكان عدواً للإسلام والمسلمين! من الذين طغوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد، فهذا افتراء ليس على الرسول صلى الله عليه وسلم فحسب، بل على رب العالمين، فعلى واضعه ومختلقه من الله ما يستحق.
ويستغرب من بعض أهل العلم -غفر الله لنا ولهم- أن يسوقوا هذا الحديث دون أن يعقبوا عليه ببيان أنه حديث مختلق موضوع، كما فعل جماعة من المصنفين المشهورين.
من الأسماء التي سمى بها الرسول صلى الله عليه وسلم (يوسف)، على النبي يوسف عليه الصلاة والسلام، فقد روى يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما كما في كتاب الأدب المفرد للبخاري، بسند صحيح أنه قال: {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماني
إذاً الرسول عليه الصلاة والسلام سمى إبراهيم، وسمى محمداً، وسمى يوسف من أسماء الأنبياء فالتسمي بأسماء الأنبياء -أيضاً- مشروع.
بل جاء هذا في حديث مرفوع، رواه البزار وأبو يعلى، لكن سنده لين ولا يصح، أن النبي عليه الصلاة السلام قال: {تسمونهم بأسماء الأنبياء أو تسمونهم محمداً ثم تلعنونهم!} فذهب بعض أهل العلم إلى كراهية التسمي بأسماء الأنبياء صيانة لأسماء الأنبياء عن أن يقع لعن أو شتم عليها، لكن هذا قول مرجوح، والصحيح ما سبق من أنه يشرع التسمي بأسماء الأنبياء.
وقد ورد أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه -الصحابي الجليل المبشر بالجنة- كان له عشرة من الولد كل واحد منهم اسمه اسم نبي، في حين أن الزبير رضي الله عنه كان له عشرة كل واحد منهم اسمه اسم شهيد، فقال طلحة للزبير: [[قد سبقتك، أسماء أولادي أسماء الأنبياء، قال
ولا شك أن اختيار الأسماء -كما سلف- أمر مطلوب، والبعد عن الأسماء المذمومة كذلك، بل إذا ورد اسم مذموم فإنه يشرع قلبه وتغييره إلى اسم حسن محمود، ولذلك جاء عن عائشة رضي الله عنها: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير الأسماء القبيحة} والحديث رواه الترمذي وفيه عمر بن علي المقدمي، وهو مدلس وقد عنعن في هذا الحديث، فهو حديث ضعيف، لكن معناه صحيح ويشهد له واقع الحال، فإنه ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم غير أسماء جماعة من الناس، وسأذكر أسماء بعض هؤلاء الذين غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم بعد قليل.
وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى -في حديث جابر قال: { هممت أن أنهي }- لكن في حديث سمرة أنه نهى وهو أيضاً في صحيح مسلم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا تسمِّ غلامك رباحاً، ولا يساراً، ولا نجيحاً} وعلل عليه الصلاة والسلام بالعلة السابقة، فدل على أنه نهى عن ذلك صلى الله عليه وسلم.
والصحيح في هذا الأمر أنه نهى عليه الصلاة والسلام لكن الأمر الذي قال: { هممت أن أنهى } أي: هممت أن أنهى نهي تحريم، فإن أهل العلم يقولون: إن النهي في هذه الأسماء ليس للتحريم بل هو للكراهة فحسب، وهم عليه الصلاة السلام أن يحرم هذه الأسماء، ثم لم يفعل كما ذكر ذلك جابر أنه مات وهو قد سكت عنها، فلم ينه عنها، كما في صحيح مسلم.
وقد قال الإمام ابن القيم في تحفة المودود، قال: إنه يدخل في معنى هذه الأسماء ما كان مثلها، مثل: (مبارك) -مثلاً- و(خير)، وما أشبهها، فإنه يقال هل يوجد مبارك؟ فيقال: لا، هل يوجد خير؟ فيقال: لا، لا يوجد خير! فيكون في الجواب بشاعة، وربما تطير منه بعض الناس، لكن النهي -كما أسلفت- نهي كراهة، وإلا فكثير من أسماء الناس الموجودة اليوم يوجد فيها هذا المعنى، بل الأسماء الموجودة حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كثير منها فيه هذا المعنى، ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحيح أن النهي للكراهة.
إذاً النوع الأول من الذي ينهى عن التسمي به: الاسم الذي يكون فيه تطير أو تشاؤم إذا أجيب به.
وعن ابن عباس كما في صحيح مسلم أن جويرية بنت الحارث كان أسمها أيضاً (برة) فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها إلى جويرية، وهناك نساء أخريات كان اسم كل واحدة منهن (برة)، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى اسم آخر، إما زينب، أو جويرية أو ما أشبه ذلك.
فالأسماء التي فيها تزكية -أيضاً- مكروهة، وهذه الأسماء كثيرة مثل (ناسكة) مثلاً، أو (عابدة)، أو (زاهدة)، أو (جاهدة)، أو ما أشبه ذلك من الأسماء، وهي موجودة في أحوال الناس، فنقول هذه الأسماء مكروهة، لكنها لا شك ليست محرمة؛ لأنه لم يرد دليل صريح على تحريمها.
وكذلك في صحيح مسلم عن ابن عمر، أن بنتاً لـعمر كان اسمها عاصية، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها جميلة، وذلك لأن اسم عاصية فيه قبح وكراهة، فغير النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم.
وقد غير عليه الصلاة والسلام أسماء جماعة من الصحابة كان اسمهم (العاصي) منهم عبد الله بن عمر كان اسمه العاصي، وكذلك عبد الله بن عمرو بن العاص، وكذلك عبد الله بن الحارث كان اسمه (العاصي)، فغير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم إلى (عبد الله).
وكذلك رجل آخر كان اسمه العاصي بن الأسود، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه إلى مطيع بن الأسود وهو والد عبد الله بن مطيع القائد المعروف، فغير النبي عليه الصلاة والسلام اسم (عاصي) أو (عاص) إلى (مطيع)، أو إلى (عبد الله) تغييراً للاسم القبيح إلى ضده، إلى اسم حسن، كما غير عليه السلام أسماء كثيرة جداً كما ذكر ذلك أبو داود.
قال أبو داود في سننه: {وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء جماعة، كـ(العاصي) و(عزيز) و(غراب) و(شهاب) و(حباب) و(الحكم) و(حرب) و(المضطجع) و(عفرة) وسماه بأسماء حسنة جميلة} فمثلاً اسم أبي الحكم غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه من أبي الحكم إلى أبي شريح، كما في الحديث الصحيح الآتي.
(المضطجع) غير اسمه إلى (المنبعث)، عفرة هذا اسم أرض، غير اسمه النبي صلى الله عليه وسلم.
كذلك (شعب) وكان اسمه (شعب الضلالة)، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في بعض الأحاديث أنه سماه (شعب الهدى)، أو (شعب الهدي) أو ما أشبه ذلك.
بل كان جماعة من الناس يسمون بنو الزينة، أي: أن هذا الاسم يدل على أنهم من زنى، فغير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم، وسماهم (بنو الرشدة)، يعني أنهم من نكاح صحيح لا من سفاح حرام، إلى غير ذلك من الأشياء التي غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم.
وهذا يدل على أن الاسم القبيح الذي يدل على معنى رديء؛ ينبغي أن يغير، وبعض العوام يعتقدون أن التغيير لا يكون إلا بأن يذبح الإنسان شيئاً إذا غير اسمه، وهذا مجرد إشاعة انتشرت عند العامة، لا أعلم لها أصلاً في الشرع، ولا أعلم أحداً قال بها من أهل العلم، فيغير الاسم القبيح إلى اسم حسن، دون أن يترتب على ذلك طلب فدية، ولا كفارة ولا شيء من ذلك، ولم يرد في شيء من النصوص السابقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.
هذه الأسماء التي غيرها النبي عليه الصلاة والسلام، إنما غيرها فراراً وكراهيةً من معانيها الرديئة؛ لما سبق من ارتباط الاسم بالمسمى، ولذلك جاء في الحديث الصحيح، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: -كما في صحيح البخاري وصحيح مسلم: {أسلم سالمها الله، هذه قبيلة أسلم، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله ورسوله} فانظر كيف ناسب صلى الله عليه وسلم بين أسماء هذه القبائل وبين أحوالها، فأسلم قد أسلم كثير منهم، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمسالمة، وكذلك غفار دعا لها بالمغفرة، أما عصية فهم الذين غدروا بأصحابه وقتلوا منهم؛ فدعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {عصت الله ورسوله}.
ومن طريف ما يحكى في التفاؤل بالأسماء الحسنة، وكان عليه السلام يعجبه ذلك، وفي ذلك قصص كثيرة، لم أشأ أن أستدل بأشياء من القصص المروية عن الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنني أود أن أقتصر فيما يتعلق بالرسول عليه الصلاة والسلام على ما صح وثبت بسند صحيح، لكن أذكر بعض الروايات المتعلقة بغيره باختصار:
فمما يحكى من ذلك أن حليمة السعدية؛ التي أرضعت الرسول صلى الله عليه وسلم، جاءت إلى مكة لطلب الرضاعة، فلما وقفت على عبد المطلب قالوا: من أنتِ؟ قالت: أنا حليمة، قالوا: ممن أنت؟ قالت: من بني سعد، فقال عبد المطلب: حلم وسعد ما أحسن هذان! في هذين غناء الدهر، ودفع إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك يحكى أن الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه لما ذهب إلى كربلاء، ونـزل بها سأل عن اسمها، فقيل له: هذه كربلاء، فقال: فيها كرب وفيها بلاء، وفيها حصل فعلاً المقتلة العظيمة، حيث قتل رضي الله عنه وطائفة كبيرة من جنده الذين كانوا معه، فهذا أيضاً يدل على ضرورة تغيير الأسماء السيئة إلى أسماء حسنة تدل على معانٍ جملية.
الأسماء التي فيها تعبيد لغير الله، وقد نقل الإمام ابن حزم اتفاق العلماء على منع وتحريم تسمية أحد بـ(عبد) لغير الله تعالى، أما مثل (عبدالعزى)، و(عبد هبل)، فهذا لا إشكال فيه لأنها أصنام، لكن أيضاً لو كانت أسماء تعبيد لأشخاص مثل (عبد عمرو) -مثلاً- فهذا لا يجوز، أو (عبد الكعبة) وهذا موجود مع الأسف في المسلمين من يسمون (عبد الكعبة)، وبعضهم يسمي (عبد الرسول)، و(عبد الرسول) هذا مشتهر جداً عند أهل السنة.
أما عند الشيعة الرافضة، فإنهم يسمون بـ(عبد الحسين)، و(عبد علي)، و(عبد الرضا)، وما أشبه ذلك من الأسماء التي فيها تعبيد لغير الله، ولكن لا يستغرب من الشيعة؛ فإنهم يعبدون غير الله فعلاً، وهم يطوفون حول القبور والمزارات، في حين أن المساجد عندهم مهجورة، لكن الذي يستغرب من أهل السنة؛ أن يسمي أحد منهم ابنه بـ(عبد الكعبة)، أو (عبد الرسول) أو ما أشبه ذلك، فإن التعبيد لغير الله لا يجوز اتفاقاً، وكذلك (عبد المطلب) أيضاً موجود عند المسلمين فـ(المطلب) اسم رجل، فالأصح أنه لا يجوز التسمي بـ(عبد المطلب)؛ لأنه تعبيد لغير الله تعالى.
وذلك كـ(الأجدع)، فقد ورد أن مسروقاً لما قدم على عمر قال له: ما اسمك؟ قال: مسروق، قال: ابن من؟ قال: ابن الأجدع؛ قال له عمر: (الأجدع) شيطان، وكذلك (خنـزب) هذا اسم شيطان، و(الولهان) اسم شيطان، فلا يجوز التسمي بأسماء الشياطين.
ولذلك الإمام البخاري رحمه الله، لقوة فقهه وسعة علمه، عقد في صحيحه باباً فقال: باب تسمية الوليد، وذكر فيه حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته بعد ما يرفع رأسه من الركوع، ويقول: {اللهم انج
يا عين فابكي للوليد بن الوليد بن المغيرة |
كان الوليد بن الوليد أبا الوليد فتى العشيرة |
فأيضاً كان يكنى بـأبي الوليد، واسمه الوليد وأبوه الوليد، فلو ولد له ولد لكان ولده الوليد بن الوليد بن الوليد، فدل على أن الصحيح أنه لا بأس بتسمية (الوليد) أو (وليد) بدون أل أيضاً.
أبي الحكم
، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: ما اسمك؟ قال: اسميهانئ
، قال له: كم لك من الولد؟ قال: لي فلان، ومسلم، وشريح
، قال: من أكبرهم؟ قال: أكبرهمشريح
، قال: {أنتأبو شريح
أبي الحكم وليس من ولدك أحد اسمه الحكم؟ قال: لأنهم كانوا إذا اختلفوا في أمرا أتوا إلي فأحكم بينهم؛ فيرضون بحكومتي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ما أحسن هذاأبي شريح
والحديث جاء عنشريح بن هانيء
ابن هذا الرجل، فيأبي داود
والنسائي
، وهو بسند صحيح.أما تسمية النساء بأسماء الملائكة فهو محرم؛ لأن في ذلك مضاهاة للمشركين الذين يعدون الملائكة إناثاً، كما قال الله عز وجل: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ [الزخرف:19].
وأذكر أن بعض الناس يسمي بنته (ملاك) -بفتح الميم أو كسرها- والذي أعلم أن كلمة (مَلاك) أو (مِلاك) تطلق على (الملك)، فمعنى -(مَلاك) أو (مِلاك)- معناها ملك، وإذا صح هذا فإن تسمية الأنثى بهذا الاسم لا يجوز لأنه مضاهاة لاعتقاد المشركين، وقد روي في ذلك حديث رواه البخاري في تاريخه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تسموا بأسماء الأنبياء ولا تسموا بأسماء الملائكة} وقال البخاري: في إسناده نظر، وهذه الكلمة في إسناده نظر لا يستخدمها البخاري إلا في الحديث الذي يكون ضعيفاً جداً، فالحديث لا يصح.
وأيضاً غير أسماء المواقع، ولعل من أشهر ما غيره المدينة، فإنها كانت تعرف في الجاهلية بـيثرب فسماها النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ولذلك روى الشيخان في صحيحيهما عن أبي حميد الساعدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من تبوك قال: {هذه المدينة وهم يقولون يثرب} وكذلك روى النسائي بسند صحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الرجال أو تنفي خبث الرجال كما ينفى الكير خبث الحديد} ولم يحك الله تعالى لفظ يثرب إلا عن المنافقين: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب:13] ولذلك فإن تسمية المدينة بـيثرب هو مكروه كراهية شديدة، على ما هو الراجح.
وقد ذكر ابن فارس رحمه الله، أن للرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرين اسماً، فالتسمي بأكثر من اسم لا بأس به، وإن كان خلاف الأولى.
لكن أريد أن أنبه إلى نقطة: وهي أن بعض الشباب -خاصة الذين يذهبون للجهاد في بعض المواقع الإسلامية- أخبروني أنهم يسمون أنفسهم بأسماء أخرى منتحلة كاملة، مثل: أحدهم سمى نفسه: مصعب بن عمير، وهو في الواقع اسمه (محمد بن علي) مثلاً، أو صالح بن إبراهيم، فهذا لا يجوز؛ لأن الله تعالى يقول: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5].
فكون الإنسان يسمي نفسه (ابن كذا)، ويذكر اسماً ليس لأبيه هذا حرام، اللهم إلا أن ينتسب إلى جده مثلاً، أو إلى أحد أجداده، أو إلى قبيلته فهذا لا بأس، أما أن ينتحل لنفسه اسماً ولأبيه اسماً، فيسمى نفسه مثلاً أسامة بن زيد، أو مصعب بن عمير، أو عمر بن الخطاب، وليس اسمه كذلك، فإن هذا حرام لا يجوز؛ لأن الله تعالى يقول: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5].
قيل: إنه يستحب التسمية في اليوم السابع، وقد جاء في هذا ثلاثة أحاديث أو أكثر، أحدها: حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى} والحديث رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة وسنده جيد لأن الحسن البصري صرح بسماعه لهذا الحديث من سمرة بن جندب فأمن انقطاعه، وقد ذكر أهل العلم: النسائي وغيره أن الحسن سمع من سمرة بن جندب ثلاثة أحاديث هذا أحدها.
الثاني حديث عبد الله بن عمر {أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه} والحديث رواه الترمذي وسنده ضعيف، والثالث حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأظنه عند ابن المنذر قال: {أمرنا بتسمية المولود يوم سابعه}. هذا هو القول الأول.
وقال آخرون: بل يسمى في اليوم الثالث، وجاء هذا عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه يسمى في اليوم الثالث.
والقول الثالث: أنه يسمى من حين يولد، قال البيهقي رحمه الله: وهذا أصح، أنه يسمى من حين يولد، وذلك لأن جميع القصص السابقة -وهي كثيرة- وردت فيها التسمية حين ولادته، مثل ابن الرسول عليه الصلاة والسلام إبراهيم، سماه حين ولد، وإبراهيم بن أبي يوسف، سماه لما جاء به ليحكنه، والتحنيك يكون بعد ولادته مباشرة، وقبل أن يدخل جوفه شيء أبداً، لا لبن ولا غيره، وكذلك عبد الله بن الزبير سماه عليه الصلاة والسلام، وابن الأنصاري، وغيرهم كثير ممن سماهم النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاده أيضاً، الحسن، والحسين، ومحسن -إذا صحت- سماهم عليه الصلاة والسلام حين ولادتهم، فأكثر ما ورد من النصوص أن التسمية كانت حين الولادة، ولذلك فإن الأقرب -والله أعلم- ما قاله ابن القيم رحمه الله حين قال: والأمر في ذلك كله واسع، فإن سمى في اليوم الأول أو الثالث أو السابع. وكأن الأحاديث التي فيها التسمية بالسابع تحتمل في نظري على أنه ينبغي أن لا يتعدى بالتسمية اليوم السابع.
أي: يسميه حين يولد، فإن لم يفعل سماه إلى اليوم الثالث، فإن لم يفعل سماه إلى اليوم السابع، ولا ينبغي أن يتعدى به اليوم السابع، هذا استحباباً، ولو تعدى لم يكن في ذلك حرجٌ.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر