أما بعد: فإجابة على سؤالكم أقول: نعم، هناك توسل زائد على الأربعة السابقة، وهو التوسل إلى الله عز وجل بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته، فإن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم بدعاء عام وبدعاء خاص، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: اللهم أغثنا ثلاث مرات، فما نزل صلى الله عليه وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته وبقي المطر أسبوعاً كاملاً، وفي جمعة أخرى جاء ذلك الرجل أو غيره والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! هلك المال وتهدم البناء فادع الله تعالى أن يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى خرج الناس يمشون في الشمس )، وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم على وجه الخصوص، ومن ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، فقام
الشيخ: التوسل الباطل: أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة؛ لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو والباطل المخالف للمعقول والمنقول، ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله عز وجل بدعاء ميت، يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له، فإن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة، بل هو سفه من الإنسان أن يدعو من هذا الميت أن يدعو الله له؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله، ولا يمكن أن يدعو لأحد، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته عليه الصلاة والسلام، ولهذا لم يتوسل الصحابة رضي الله عنهم إلى الله بطلب الدعاء من رسوله صلى الله عليه وسلم بعد موته، فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر بن الخطاب قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا، فقام العباس رضي الله عنه فدعا الله عز وجل، ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن إجابة دعائه أقرب من إجابة دعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
فالمهم أن التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من الميت توسل باطل، لا يحل ولا يجوز.
ومن التوسل أيضاً الذي ليس بصحيح أن يتوسل الإنسان إلى الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك كذا وكذا؛ وذلك أن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس مفيداً بالنسبة إليك؛ لأنه لا يفيد إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، أما بالنسبة لك فليس بمفيد حتى تتوسل إلى الله تعالى به، والتوسل كما قلنا: هو اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر، فما فائدتك أنت من كون الرسول عليه الصلاة والسلام له جاه عند الله؟ وإذا أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل: اللهم إني أسألك بإيماني برسولك أو بمحبتي لرسولك أو ما أشبه ذلك، فإن هذا من الوسيلة الصحيحة النافعة.
أما معناها: فهي التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة، يعني: أن يقوم الشافع بين المشفوع إليه والمشفوع له بواسطة ليجلب منفعة إلى المشفوع له، أو يدفع عنه مضرة.
والشفاعة نوعان: شفاعة ثابتة صحيحة، وشفاعة باطلة لا تنفع أصحابها.
الشرط الأول: رضا الله عن الشافع.
والشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له.
والشرط الثالث: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع.
وهذه الشروط مجموعة في قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]، ومفصلة في قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وفي قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [طه:109]، وقوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]، فلابد من هذه الشروط الثلاثة حتى تتحقق الشفاعة.
فتعلق المشركين بآلهة يعبدونها ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله تعلق باطل غير نافع، بل هذا لا يزيدهم من الله تعالى إلا بعداً.
ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فتمحص قلوبهم بعضهم من بعض، حتى يهذبوا وينقوا، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة، ولكن لا يدخلونها إلا بعد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل أن يدخلوا الجنة، فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الشفاعة العامة له ولغيره من عباد الله الصالحين فهي أن يشفع في أهل النار من المؤمنين -أي: من عصاة المؤمنين الذين لا يستحقون الخلود في النار- أن يخرجوا من النار، وهذه الشفاعة ثابتة له ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر