أيها الإخوة: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم حين عرج به إلى السماء جاءه جبريل عليه السلام بإناءين: في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل له: اختر أحدهما، فأخذ صلى الله عليه وسلم الإناء الذي فيه اللبن فشربه، فقال له جبريل عليه السلام: هُديت الفطرة}وفي لفظ: {أصبت! أصاب الله بك، أمتك على الفطرة} وهذا الحديث العظيم المتفق عليه هو حديثنا في هذه الليلة.
الفائدة الأولى: أن الإنسان مفطور على أشياء كثيرة، خُلق عليها وجبل عليها، وهي ما تسمى بـ"الفطرة".
والفطرة: هي ما جُبل الإنسان عليه في أصل الخلقة من الأشياء الظاهرة والباطنة، تلك الأشياء التي هي من مُقتضى الإنسانية، والتي يكون الإخلال بها أو مخالفتها خروجًا عن الإنسانية، إما خروجاً كلياً أو خروجاً جزئياً. هذه هي الفطرة على أصح أقوال أهل العلم.
وهذا هو المعنى الذي اختاره عدد من العلماء : كـابن دقيق العيد، وابن القيم، والسيوطي، وغيرهم.
الفائدة الثانية: أن الإسلام بل الرسالات السماوية كلها جاءت موافقةً للفطرة، ومؤيدةً لها، ومنطلقةً منها؛ ولذلك كان الإسلام دين الفطرة، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِينُ القَيّم [الروم:30] وهكذا الرسالات السماوية الأخرى كلها جاءت موافقة للفطرة في الظاهر وفي الباطن.
الفائدة الثالثة: إن هناك وسائل ومناهج أخرى يمكن أن يسلكها الإنسان وهي معارضة للفطرة ومخالفة لها؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام أُتي بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر.
فالإناء الذي فيه اللبن: هو رمزٌ لإشباع الفطرة وتوجيهها بالطريقة الصحيحة التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام.
والإناء الآخر فيه خمر، وهو إشارة أو رمز إلى من يوجهون الفطرة توجيهاً منحرفاً، ويستغلون هذه الأشياء التي جبل عليها الإنسان استغلالاً سيئاً.
ولذلك سيكون حديثي في هذه الليلة في ثلاث نقاط:
أولاهـا: ذكر الفطرة، والأشياء التي فُطر عليها الإنسان.
والثانيـة: هي ذكر موقف الإسلام من الفطرة.
والثالثـة: هي ذكر موقف الجاهلية أو المناهج المنحرفة من هذه الفطرة.
فالإنسان مفطورٌ على حب الحياة، والتعلق بالبقاء؛ ولذلك تجد أن الطفل -مثلاً- وهو صبي صغير، لو هددته بأن تسقطه من فوق جدار أو في بئر، أو ترمي به من سيارة؛ فإنه يرتعد ويبكي خوفًا من الموت والفناء، وهذه فطرة لا يحتاج الطفل إلى أن يتعلمها؛ بل هي مخلوقة معه.
ولذلك: تجدون أيضاً أن الصحف والإحصائيات في كثيرٍ من الأحيان تتحدث عن نسبة الانتحار في العالم، وأن نسبة الانتحار مثلاً، في أمريكا كذا، ونسبة الانتحار في بريطانيا كذا، ونسبة الانتحار في روسيا كذا، وأن أعلى نسبة للانتحار هي في البلد الفلاني.
ويعتبرون الانتحار مسألة شاذة، بغض النظر عن أضرارها أو آثارها، فهم ينظرون إليها على أنها مسألة شاذة وتدل على انحراف في تربية هذا المجتمع، ولو كان أي مجتمع، لماذا؟
لأن حب البقاء وحب الحياة، أمرٌ فطري غريزي مركب في أصل طبيعة الإنسان.
فمن الفطرة: أن الإنسان يحب الحياة.
ومن الفطرة: أن الإنسان يحب الوطن، يحب الأرض التي نشأ فيها بطبيعته.
ومن الفطرة: أن الإنسان الذكر يميل إلى الأنثى أي يميل إلى المرأة، والمرأة تميل إلى الرجل.
ومن الفطرة: أن الإنسان يحب الولد.
ومن الفطرة: أن الإنسان يحب المال.
ومن الفطرة: أن الإنسان يميل إلى العبودية.
فالإنسان -بطبيعته- ضعيف يحتاج إلى أن يُكّمل ضعفه، أو يتوجه بضعفه إلى شيئٍ يعبده؛ أيَّاً كان هذا المعبود، سواء كان بحق أم بباطل لكن الإنسان مفطور على العبودية.
من الفطرة: أن الإنسان يميل إلى التستر، وألا ينكشف أو يتّعرى أمام الناس؛ ولذلك فالعلماء الذين يتحدثون عن المجتمعات القديمة، ويتكلمون عن مجتمع الغابة؛ يصفونه بأنه مجتمع متعرٍ، متهتك، ليس فيه حجاب ولا لباس، فقضية التستر هي قضية فطرية غريزية مركبة مع الإنسان.
والطفل - منذ صغره - تجد أنه يحس شيئًا فشيئًا بالخجل من ظهور سوءته أو عورته أمام الآخرين.
وهكذا تجد أن هناك أشياء كثيرة جداً الإنسان مفطور عليها، صحيح أنها تنمو مع نمو الإنسان، ومع تربيته، ومع معايشته للمجتمع؛ لكن هذه الأشياء موجودة في أصل الإنسان حتى لو لم يوجد شيءٌ يُنمي هذه الأمور، ولا شيء يعارضها ويدمرها فإذا نشأ الإنسان، نشأ عليها، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل مولود يولد على الفطرة} والحديث -أيضاً- متفق عليه، وفي لفظ: {ما من مولود إلا يولد على الفطرة}.
والكلام في هذه النقطة يمكن أن يلخص في عدة أمور:
فمثلاً:- حب الحياة الذي هو فطرة مركوزة عند الإنسان، جاء في القرآن ما يدل على ذلك، يقول الله عز وجل عن اليهود: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:196] تأمل قوله تعالى: (أَحْرَصَ) واحرص كما يقول علماء اللغة أفعل تفضيل، أي: أشد الناس حرصاً فكأن معنى الآية أن الله عز وجل يقول: إن اليهود أشد الناس حرصاً على الحياة.. معنى ذلك: أن الناس كلهم حريصون على الحياة، لكن اليهود هم أشد الناس حرصاً.
فمن هذه الآية عرفنا أن الإسلام يبين أن غريزة حب البقاء فعلاً غريزة فطر الإنسان عليها.
مثلاً:- غريزة حب الزوجة، حب المال، وحب الولد جاء الدين مقراً لذلك، قال الله عز وجل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14].
وهذا السياق لا يدل على مدح ولا ذم؛ إنما إشارة إلى أن هذه الأشياء عبارة عن فطرة فُطر عليها الإنسان، وغريزة رُكِّبت فيه، ويأتي بعد ذلك ذكر: متى تكون هذه الأشياء محمودة؟ ومتى تكون مذمومة؟ المهم أن هذه الأشياء أمور من حيث الأصل لا يلام عليها الإنسان.
انظر أيضاً إلى قوله الله عزوجل في وصف المؤمنين: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:29-30] ثم عقب على هذا السياق بقوله: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] ليتأمل الإنسان قوله تعالى : فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] يجد أشياء عجيبة فعلاً! فإنهم غير ملومين لا يلامون على هذا الأمر، فالقضية من حيث الأصل ليست قضية يحمد أو يذم عليها؛ إنما الإنسان لا يلام فيها.
قد يكون في قضية الزواج والنكاح أمور قد يستقذرها الإنسان لو تأمل فيها بطبيعته، خاصةً الإنسان الذي فيه سمو وترقّ، وكمال وحياء، قد يستقذر قضايا من قضايا النكاح والزواج، ولذلك جاء النص القرآني: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] أي: أن هذه قضية خارجة عن إرادة الإنسان، فالله عز وجل ركبها في الإنسان. حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم كغيرهم في هذا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، كما قال تعالى في الآية الأخرى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30] فالقضية قضية فطرة.
ومن الطريف ما رواه أهل السير ورواه أيضاً النسائي في سننه -وهو في سنن ابن ماجة -عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها، وكان زوجها مصعب بن عمير رضي الله عنه: {فقُتل
وهكذا تجد أن الدين جاء مقراً بهذه الفطرة، معترفاً بوجودها، لا ينكرها، وهذا أمر طبعي -كما ذكرت- لأنه يستحيل أن يأتي الدين مخبراً بخلاف الواقع... فما دام الإنسان مفطوراً على أشياء معينة؛ فلا بد أن يكون الدين -حين يأتي- مقراً بهذه الأشياء، معترفاً بها.. هذا الأمر الأول، في موقف الإسلام من الفطرة.
وجاء الدين آذناً بالكسب الحلال -مثلاً- وشرع تشريعات كثيرة، موافقة لهذه الفطرة، ولا يمكن -وهذه قاعدة لا يختلف فيها اثنان، لا يمكن- أن يوجد في الدين أي تشريع مخالف لفطرة فُطِِرَ عليها الإنسان، وإذا سبق إلى وهمك أو ظنك، أن هناك أمراً من أمور الشرع مخالفاً للفطرة؛ فيجب أن تعلم أن الحالة حينئذٍ لا تخلو إما أن يكون هذا الأمر غير مشروع... ولكن الناس توهموا أنه مشروع، وهناك أشياء كثيرة ينسبها الناس إلى الدين جهلاً منهم، وفي الواقع أنها ليست من الدين، وحينئذٍ هذه الأشياء يمكن أن تكون مخالفة للفطرة في بعض الأحيان.
وإما أن يكون هذا الأمر من الدين فعلاً، ولكنك توهمت أنه مخالف للفطرة، والواقع أنه موافق للفطرة، ومخالفته للفطرة وهمٌ عندك.
والاحتمال الثاني: أن يوجد أمر مشروع فعلاً، ومخالف للفطرة، فهذا مستحيل! فالدين جاء موافقاً للفطرة.
ولذلك جمع الله تعالى بينهما، فقال: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] أي: أن أمام الفطرة كما سبق طريقان للإشباع:
الطريق الحلال.. والطريق الحرام.. فالإسلام فتح طريق الحلال ونظّّمه لإشباع الفطرة، وأغلق الطريق الحرام؛ فأحّل الله البيع وحرّم الربا، فالإنسان يُلَبِّي الرغبة في التملك، والتي هي رغبة فطرية وغريزة موجودة حتى لدى الأطفال، يلبيها عن طريق الكسب الحلال، وليس عن طريق الربا المحرم.
وكذلك أحل الإسلام الزواج؛ بل أمر الإسلام بالزواج، كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج}.
فأمر الإسلام بالزواج؛ ولذلك كان الزواج على المستطيع الذي يشعر بالحاجة إليه واجباً على الصحيح من أقوال أهل العلم لقوله صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج } فهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وفي مقابل ذلك: حرّم الزنا، وهكذا أباح الإسلام الطريق الحلال وحرم الطريق الآخر.
لقد اعترف الإسلام بأن الإنسان بطبعه قد يحب ولده، أو زوجه، أو ماله، أو مسكنه، أو وطنه.. أو غير ذلك.
لكن أن يصل ذلك إلى حد أن يفضل الإنسان هذه الأشياء على حب الله ورسوله، وجهاد في سبيله؛ فهو حينئذ إنسان فاسق يتوعده الله عزوجل بالوعيد الشديد :فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ]التوبة:24]
ولما ذكر الله تزيين الشهوات للإنسان: من النساء، والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث؛ عقَّب بقوله: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ [آل عمران:14-15].
إذاً: هذه الفطرة يجب أن توجه في الطريق الصحيح، ويجب أن تُزكّى بحيث تكون دافعاً إلى الخير، مصروفةً في سبيل الله، وألا تحول بين الإنسان وبين مرضاة الله عز وجل، وبين الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.
انظر أيها المسلم إلى المسلمين الأوائل الذين صنعهم الإسلام! وكيف كان موقفهم وتعاملهم مع هذه الأشياء التي فطروا عليها!!
فطروا على حُب الحياة كغيرهم من البشر! ولكنهم كانوا يبذلون أرواحهم رخيصة في سبيل الله عز وجل، وكان الواحد منهم يحمل روحه على راحته، ويُلقي بها في مهاوي الردى، مقاتلاً في سبيل الله عز وجل! يفرح بالموت في سبيل الله ويسعى إليه! كما يفرح أهل الدنيا وأهل الحياة بالبقاء والسلامة!!
ولعلّ من أبلغ من يصور مواقفهم تلك: الشاعر.. والشعر عند العرب هو المترجم عن حقائق ما في نفوسهم؛ فهو ديوانهم، وسجل حياتهم..
يقولالطرماح بن حكيم، معبراً عن حبه أن يقتل في سبيل الله، وأن يلقى الموت شهيداً في ميدان المعارك، يقول:
وإني لمقتادٌ جـوادي فقـاذف به وبنفسي العامَ إحدى المقاذف |
فيا ربِّ إن حانت وفاتي فلا تكن على شَرْجعٍ يُعلى بخُضْرِ المَطارفِ |
ولكن أحن يومي سعيدًا بعصبـةٍ يصابون في فجٍّ من الأرض خائفِ |
يسأل الله أن يكون موته موت شهادة على عصابة من المؤمنين يصابون ويقتلون في فج من فجاج الأرض:
عصائب من شيبان ألَّف بينهـم تُقى الله، نـزَّالون عند التزاحـف |
إذا فارقوا دنياهُمُ فارقـوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف |
يفارقون الدنيا فيفارقون ما فيها من الأذى والحياة لا بد فيها من الأذى، فيفارقون هذا الأذى ويصيرون إلى موعود ما في القرآن الكريم.
فأُقتل قعصًا ثم يُرمى بأعظمـي كضغث الخلا بين الرياح العواصفِ |
أي إن المـوت في سبيـل الله مع هذه العصـابة من فوارس بني شيبان الشجعان المغاوير، ممن تحابوا في ذات الله وألَّف بينهم تقى الله هو أقصى ما يتمناه؛ إذ هذه الميتة تعني مفارقة هذه الدنيا المليئة بالأذى والكدر، وتعني الوصول
إلى جنات الله التي وعدها المتقين والشهداء، ولا يضير الشهيد أن يُقتل قتلاً سريعًا، ثم تُرمى عظامه في الصحراء لتتنازعها تلك النسور العواكف العوائف.
وهذا الوعد الموعود هو: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ [آل عمران:15].
فإذا كان الإنسان يحب البقاء، فلا بد له في الدنيا من الموت، وإنما البقاء الأبدي الذي لا يكدره خوف الموت، ولا يكدره حلول الأجل؛ هو البقاء في الجنة.
النابغة
، أراد أن يخرج في سبيل الله عز وجل، فأمسكت به زوجته وهي تبكي وتسائله: كيف تخرج وتتركني؟ فولى وهو يقول لها:ابن إسحاق
وغيره من أهل السير عنفروة بن عمرو الجذامي
، وهو ملك عرب الروم، وكان هذا الرجل قد أسلم ودان بدين الإسلام، فَعلِمَ به الروم، فأمسكوا به وحبسوه وأرادوه على الردة عن دين الإسلام، فأبى وأصّر على دينه، فصلبوه إلى خشبه، وفوقوا إليه السهام، وهم يهددونه إن لم يرتد عن الإسلام أن يقتلوه؛ وهذا موقف صعب ولكن أصر هذا الرجل على دينه، فأبى أن يخرج منه، وكان يتمثل بأبياتٍ من الشعر في هذا الموقف، أو قال أبياتاً من الشعر في هذا الموقف. فتأمل وانظر! ما هي المشاعر التي جالت في نفسه، بطبيعة الحال أن هذا الرجل بشر، وإن كان مسلماً، فالإسلام يخاطب فطرة الإنسان -كما سبق- ولا يخرج الإنسان عن بشريته، بل يزكي هذه البشرية، ويقويها وينميها، فهذا الرجل يتذكر أولاً إخوانه المسلمين الموافقين له على الدين، فيقول:الموقع الأول: هو مسخ الفطرة؛ وأعني بمسخ الفطرة: أن الشيطان وجنوده وأولياءه، يستغلون هذه الفطرة التي فطر عليها الإنسان، ليوجهوها وجهةً منحرفة، ويحاولون بكل وسيلة أن يناقضوا ما أمر الله ورسوله به، فيفتحوا -مااستطاعوا- الباب المحرم لإشباع الفطرة، ويغلقوا ماستطاعوا الباب المشروع لإشباع الفطرة.
انظر إلى الحديث الذي رواه النسائي وأحمد وابن حبان وغيرهم، وهو حديث حسن الإسناد، كما ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة، إسناده حسن، عن سبرة بن الفاكة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه أي: أن الشيطان قعد للإنسان في طريقه قاطع طريق, يمكن أن نقول: إن الطريق ها هُنا هو الفطرة فقعد له بطريق الإسلام، فقال له: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟! قال صلى الله عليه وسلم: فعصاه فأسلم}.
فالإنسان في هذه الحال -يفترض أنه إنسان مشرك أو كافر- دُعي إلى الإسلام، فلما هم أن يسلم، جاءه الشيطان، وقال له: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟!
ولذلك لما أسلم "بجير بن كعب" أخو "كعب بن مالك الصحابي لما أسلم أرسل إليه أخوه كعب بن مالك يعاتبه على الإسلام، ويقول له :
ألا بلِّغا عـني بجيراً رسـالة فهل لك فيما قلت؟! ويحك هل لكا؟ |
فبيِّن لنا إن كنتَ لست بفاعل على أي شيء غير ذلك دلَّكـا؟ |
يعاتبه: كيف تدخل في دين ما وجدت عليه أمك ولا أباك ولا أخاك؟!
والمشركون كانوا يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة؛ والآن: كثيرٌ من الناس يضربون على هذا الوتر... فإذا دعوا إلى الله ورسوله، قالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة، حتى ولو كانوا من المسلمين! إذا دعوا إلى أمرٍ من أمور الدين، المجتمع قد تعوّد على خلافه، سنة مهجورة، بل أحياناً قد يكون أمراً واجباً، ولكن الناس قد تركوه وعملوا بخلافه، وجدت كثيراً من الناس يرفضون هذا الأمر، ويقولون: هذا أمرٌ ما عرفناه! بل بعضهم يقول: هذا دينٌ جديد! وبعض كبار السن إذا رأى أمراً لم يعتده، قال: منذ تسعين سنة ما رأيت مثل هذا الأمر، ولا سمعت به!!
ولكن ماذا إذا كنت ما رأيت ولا سمعت؟!! الإنسان لا يزال متعلماً حتى يموت!
إذاً في كثير من الأحيان الشيطان يحرك في الإنسان غريزة معينة، وهي غريزة حب التقليد، غريزة الوفاء للتقاليد والعادات التي وجد عليها الإنسان آباءه وأجداده ومجتمعه، فيحاول أن يحول بين الإنسان وبين التزام الخير، بتحريك هذه الغريزة وإثارتها.. وأنتم تجدون الشيطان في الحديث المذكور، يقول للإنسان: تسلم وتذر دينك ودين آبائك ودين آباء أبيك!
ولله در الإمام الجليل العز بن عبد السلام! حين قال له تلاميذه: يا إمام! إنَّ في مكان كذا وكذا في القاهرة مكاناً أو حانةً يباع فيها الخمر، فذهب فنظر فوجد الأمر كما أُخبر..
فوقف في طريق السلطان، وكان قادماً في أحد الشوارع بأبهته وصولجانه، فلما قرب السلطان من هذا الإمام الذي كان يسمى سلطان العلماء لقوته وشدة بأسه وشجاعته في الحق، قال له العز بن عبد السلام: يا فلان -باسمه المجرد- إن في مكان كذا وكذا حانةً يُباع فيها الخمر، فقال السلطان للعز بن عبد السلام: يا سيدي! هذه الحانة من عهد أبي، أي هذه من قبل أن أتولى السلطة وهي موجودة فهز العز بن عبد السلام رأسه وقال: أنت من الذين يقولون: إنَّا وجدنا آباءنا على أمة، وإناَّ على آثارهم مقتدون، قال: أعوذ بالله! أعوذ بالله! وأمر بالحانة فأزيلت من ساعتها.
فالإنسان المؤمن القوي يعتبر أنه يتقرب إلى الله عز وجل بمخالفة المألوف الذي وجد عليه الآباء والأجداد متى كان هذا المألوف مخالفاً لشريعة الله عز وجل.
ثم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ثم قعد له -أي الشيطان قعد للإنسان -بطريق الهجرة-، هو الآن أسلم، في بلد شرك يريد أن يهاجر فقال له: تهاجر.. وتذر أرضك وسماءك؟! وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول}.
كيف تهاجر فتذر أرضك وسماءك؟! الأرض والسماء هي أرض وسماء في أي مكان, لكن الإنسان بطبيعته -كما سبق- مفطورٌ ومجبول على حب البلد الذي نشأ فيه، وهذه بحد ذاتها لا تحمد ولا تذم.
فحب الوطن بذاته غريزة، والشيطان يستثمر هذه الغريزة، فيحاول أن يحرك هذه الغريزة في نفس الإنسان؛ ليمنعه بها من أعمال الخير؛ بل ليجعل الوطن وثناً يعبد من دون الله عز وجل.
أحد الشعراء المنحرفين واسمه صلاح بن عبد الصبور، من شعراء مصر، يتغنى بوطنه ويقول:
الشمس أجمل في بلادي حتى السماء هناك أجمل |
أي أن الشمس في بلده أجمل من الشمس في أي بلد آخر! والسماء في بلده، أجمل من السماء في بلدٍ آخر! والأمر هو هو؛ لكنه يشير أو يريد أن يقول: إن حبه لوطنه جعل الأشياء كلها الموجودة في وطنه أحب إليه من الأشياء نفسها حين تكون موجودة في بلد آخر.
شاعر آخر: وهو خير الدين الزركلي من شعراء أهل الشام، وهي قصيدة كانت تُغنى وتذاع في وسائل الإعلام، فيما أخبرني بعض الإخوة الثقات، يقول:
وطني لو صوروه لي وثناً لهممت ألثم ذلك الوثنا |
أي أنه مستعد أن يقبل هذا الوثن ما دام هو الوطن.
إذاً: الوطنية هي في كثير من الأحيان وثنية، ومن العجيب جداً أن شاعراً هو أحمد شوقي الشاعر المشهور _أيضاً_ وكل هؤلاء مع الأسف شعراء من المنتسبين إلى الإسلام! ذاك من شعراء النصرانية الذي يقول قائلهم:
هبو لي دينًا يجعل العُرب أمـةً وسيروا بجثماني على دين برهم |
ألا حبذا كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ |
دعك من هؤلاء فهم كفارٌ نصارى؛ لكن المصيبة أن يكون المسلم ضحية هذه الوثنية التي يسمونها الآن الوطنية!!
أحمد شوقي يقول مخاطباً بلاده بعد سفراً طويل:
ويا وطني لقـيتك بعد يـأس كأني قد لقيت بك الشـبابا |
يا للعجب!! رجل يتفوه بالشهادتين وبالتوبة وأي توبة هذه لمن يقول: أدير إليك قبل البيت وجهي؟!!
وليس المقصود الحديث عن فلان أو فلان، فهؤلاء قدموا لما عملوا، ولعلهم تابوا من هذه الأشياء، ولعل الله ختم لهم أو لبعضهم بخير، فالله أعلم، وليس المقصود الحكم على فلان، أو على علان، إنما المقصود الإشارة إلى أن الشيطان وجنده، والمناهج الجاهلية تستغل محبة الوطن الغريزية الموجودة عند الإنسان لتجعلها وثنية؛ بحيث يقدس الإنسان هذا الوطن ويصلي ويسجد إليه، ويضحي بأشياء كثيرة مطلوبة في الشرع محافظةً على هذا الوطن، وحباً له.
وهذا الأمر -مع الآسف- أصبح اليوم نغمة يكثر الصحفيون والإعلاميون والكُتَّاب وغيرهم من الطرق عليها؛ ويعتبرون قضية الوطنية والوطن -في كثير من الأحيان- قضيةً أعظم حتى من قضية الدين.
فمن الواجب -فعلاً- أن ننتبه إلى أن هذا مزلق يستغله كثيرٌ من أعداء الإسلام، لصرف عبودية المسلم من عبوديته لله عز وجل إلى العبودية لهذا الوثن، الذي يسمى الوطن؛ مع أن القضية ظاهرة.. فحب الوطن بحد ذاته أمرٌ لا يحمد ولا يذم، إن كان فيه خير فهو محمود، وإن كان فيه شر فهو مذموم.. كحب المال، كحب الزوجة، والولد.. فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6].
فالشيطان يأتي للإنسان الذي يريد أن يهاجر، ويقول له: تهاجر، وتذر أرضك وسماءك!
ويستمر الشيطان في الحديث والإغراء، فيقول لهذا الإنسان: وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، أي: مثل الفرس المربوط بالحبل الطول هو الحبل: فأنت إذا هاجرت تهاجر إلى بلد لا تعرفه، وإلى ناس لا تعرفهم، ليس لك أقارب، القبيلة مختلفة، ليس لديك وسائل لكسب المال؛ فأنت تصبح مربوطاً هناك، لا تستطيع أن تذهب ولا أن تأتي؛ فاترك الهجرة وابقَ في وطنك، قال صلى الله عليه وسلم: {فعصاه فهاجر}.
فالشيطان يقف للمرة الثالثة، وهو لا ييئس، فيقول له:{ أين تريد أن تذهب؟ تجاهد! كيف تجاهد؟! أتدري ما الجهاد؟! الجهاد هو جهد النفس والمال} أي: إتعاب النفس والمال، إتعاب النفس معروف بالجهد الذي يبذله الإنسان؛ أما إتعاب المال فقد يكون مجازياً بمعنى إنفاق المال في الجهاد في سبيل الله، وقد يكون حقيقياً بمعنى أن الإنسان يتعب ماله، يتعب الخيل والإبل، يتعب العبيد الأرقاء تعباً حقيقياً بالجهاد في سبيل الله، هو جهد النفس والمال.
فمالك وللجهد والتعب؟! الراحة والسكون أمر مطلوب، وأكثرنا يميل إلى الراحة والسكون حتى ولو كان يتطلع ويتمنى الخير ولله در الشاعر الذي يقول، -وما أجمل ما يقول-:
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتالُ |
كل الناس بودهم أن يكونوا أبطالاً، وبودهم أن يكونوا شجعاناً، وبودهم أن يكونوا كرماء، وبودهم أن يكونوا ممن يشار إليهم بالبنان، وبودهم أن يكونوا في الدرجات العليا في الجنة؛ لكن الفرق ليس في الود والرغبة.. القضية قضية الاستطاعة، استطاعة الإنسان التغلب على حب هذه الأشياء؛ ولذلك يقول:
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتَّالُ |
فالشيطان يدعو الإنسان ويثير غريزة حب الراحة {الجهاد هو جهد النفس والمال، فتقاتل، فتقتل!! فتنكح الزوجة ويقسم المال}
فالحقيقة أن الإنسان لو -فعلاً- شد أحزمته، وركب راحلته، ويمم شطر ميادين الجهاد فعلاً، ماذا تتوقعون أن يثور في نفس الإنسان من المشاعر؟! يتذكر الإنسان في مثل تلك الحال، أنه مُقِدَم على ميدان القتال، وهناك احتمال كبير جداً أن يقتل؛ والإنسان دائماً يضع الاحتمالات في نفسه، واحتمال القتل يغلب في مثل هذه الحال في نفس الإنسان... فأنت ستقتل الآن.. ماذا سيجري بعد قتلك؟
ستفقد الحياة، وغريزة حب الحياة: غريزة موجودة عند الإنسان.
فلأن الإنسان يحب الحياة والبقاء، فالشيطان يقول له: ستقتل فتفقد الحياة!!
أيضاً: الإنسان يحب أن يستمتع بزوجته.. فتنكح الزوجة من بعده، والإنسان يحب ماله.. فيقسم ماله من بعده، وكذلك ييتم أولادك، إذاً لا داعي للجهاد.
قال صلى الله عليه وسلم: {فعصاه فجاهد}؛ ومن الملاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام، في المواقف الثلاثه يذكر النتيجة الإيجابية، في الموقف الأول: { فعصاه فأسلم} في الثاني: {فعصاه فهاجر} في الثالث، {فعصاه فجاهد}.
وبعدما ذكر كيد الشيطان وموقف الإنسان المسلم قال: {فإن فعل ذلك فمات؛ كان حقاً على الله أن يرضيه، أو قتل؛ كان حقاً على الله أن يرضيه، أو وقصته دابته؛ كان حقاً على الله أن يرضيه، وإن غرق كان حقاً على الله أن يرضيه}.
فإذا صحت نية الإنسان، أرضاه الله تبارك وتعالى، ولو لم يبلغ ما سعى إليه من الشهادة!!
وهذه قضية بحد ذاتها فطرية غريزية لا يلام عليها الإنسان -وقد سبقت إشارة عابرة إلى موقف الإسلام منها، وهو أنه شرع الزواج وأمر بتيسير أسبابه وحث عليه- لكن انظر إلى موقف الجاهليات والمناهج المنحرفة من هذا الأمر! ستجد لو تأملت -أيضاً- في هذا الأمر عجباً! فالجاهلية في كل عصر -وفي هذا العصر خاصة- تحاول أن تجعل من هذا الميل الغريزي الموجود لدى كل جنس نحو الجنس الآخر؛ تحاول أن تجعل منه خنجراً تطعن فيه الإسلام والمسلمين، وتفعل ما يلي:-
العمل بكل وسيلة على تهييج الغريزة الجنسية وإثارتها.
سد الأبواب المشروعة للإشباع الفطري.
ففي الوقت الذي يشحذ فيه الشيطان غريزة الإنسان، فإنه يقوم بعمل آخر متزامن مع هذا العمل: وهو سد الأبواب المشروعة للإشباع الفطري؛ وذلك بوضع العراقيل والعقبات الحقيقية والوهمية في هذا السبيل، ويختلق عوائق اجتماعية ونفسية وعقلية واقتصادية؛ للتأثير على الشباب والشابات بمؤثرات كثيرة، تقنعهم بأن قضية الزواج مسألة صعبة يجب عدم التفكير فيها الآن لأسباب عديدة، منها: مواصلة الدراسة، والعمل على تأمين المستقبل، وعدم توفر الإمكانات اللازمة، والظروف البيتية، وانصراف النفس أصلاً عن التفكير في هذا الموضوع.. وعدم التهيؤ له؛ بسبب مؤثرات تظهر بصمات إبليس في معظمها.. وقد جند آلاف الصفحات والمطابع، والمحررين، والأجهزة المختلفة لتحقيق هذا المطلب، وتضخيم هذه العقبات.
أما الفتاة فهي لا تريد الزواج الآن؛ لأنها ما زالت طالبة في الجامعة، ويتقدم الأَكْفاء، فترفضهم بهذه الحجة، فلا تتخرج إلا وعمرها ثنتان وعشرون سنة -على أقل تقدير- فترغب أن تعمل لعدد من السنوات قبل الزواج؛ لأن من غير المعقول أن تتسلّم الشهادة الجامعية وتعلقها في المطبخ -هكذا تقول- ثم تبدأ في فترة متأخرة تفكر في الزواج، وهي تحتفظ بشروطها العسيرة في من ترضاه شريكًا لحياتها..
فالفتاة من شروطها وأقوالها: بأنها تريد إنساناً بصفاتٍ معينة، فحتى بعد سن الأربعة والعشرين -مثلاً- يتقدم واحدٌ وثاني وثالث... فترفضهم!.. ويتقدم بها السن، بعد ذلك تريد أن تتنازل قليلاً عن شروطها؛ لكن الزوج الذي تريده ذهب إلى غيرها، وتقدم تنازلاً آخر، ولكن بعد فوات الأوان؛ إلى حد أنها قد تتنازل عن كثير من شروطها، فلا يتقدم لها من تريد، فقد يصل بها الحال إلى أن ترغب أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة، فلا تجد من يوافقها على ذلك.
وهناك في الواقع -الآن- كثير من الفتيات بلغت سن الثلاثين، بل تعدت هذا السن بمحض اختيارها، دعك ممن يعضلها أهلها، ودعك ممن لا تريد الزواج أصلاً، لأنها لا تريد هذا الأمر، وتشعر بأنها غير سوية في هذا المجال؛ لكن ممن يرغبن في الزواج -وهن غالب النساء- هناك من جاوزت هذا السن وبكثير؛ بل ولا زالت تشترط، تشترط شاباً بصفات معينة، ولا زالت الأحلام تدور برأسها!!.
هذه صورة مما يحدث من كيد الشيطان في إيجاد العوائق والعقبات الكثيرة في الواقع وفي نفس المرأة، أو في نفس الرجل عن الزواج، وبالمقابل: انظر إلى الطرف الآخر! هل غريزة الإنسان ذكراً أو أنثى، خلال هذه المدة؛ هل هذه الغريزة نائمة؟ كلا.
بل هذه الغريزة يقظة؛ والشيطان كما يسعى في الطرف الأول إلى محاولة إيجاد العوائق والعقبات الكثيرة، أمام الإشباع الصحيح للغريزة؛ يسعى في الطرف الثاني إلى فتح الباب على مصراعيه للإشباع المحرم، عن طريق الإغراءات الكثيرة.. عن طريق المجلات التي هي بالمئات؛ بل لا أبالغ إذا قلت: أنها بالآلاف، من مجلات الأزياء، مجلات الفن، مجلات السينما، مجلات الرياضة، مجلات الجمال، مجلات الجنس....الخ.
فمن مختلف البلدان.. تجبى إلى هذه البلاد ثمرات كل دارٍ من دور النشر المنحرفة؛ وتجد في بلاد الإسلام، مرتعاً خصباً، حيث الغنى والمال؛ ويشتريها المسلمون بأغلى الأثمان، من أجل ماذا؟! من أجل الصور الجميلة.. من أجل الأزياء، من خلال القصص المثيرة للجنس، المحركة للعاطفة... وفي البقالات تباع هذه القصص، فضلاً عن المكتبات، وقد رأيت في البقالات، كثيراً منها روايات وقصص يسمونها روايات عبير!.
ولله الحمد ما قرأت شيئاً منها؛ ولكن يكفي لتعلموا مدى سوء هذه الروايات، وإثارتها للغريزة الجنسية؛ أن بعض صحفنا السعودية كتبت تنتقد هذه الروايات، وتنتقد بيعها.. وتقول: إنها روايات تتاجر في الغريزة الجنسية، أو كما قالت إحدى الصحف.
فما بالك بما تنتقده هذه الصحيفة، أو بالمادة التي تنتقدها هذه الصحيفة أي: لا بد أنها بلغت مبلغاً عظيماً في الإثارة الجنسية، ومعظم الروايات تدور حول الجنس.. قصص.. دواوين شعر.. لا أقول بالمرأة، فالمرأة ثياب متكاملة، المرأة عواطف، المرأة خلق، تتاجر بالجنس فحسب، وكأن الحياة كلها شهوة، أفلام الفيديو التي أصبحت محلاتها كثيرة جداً، والأفلام المسموح بها كثيرٌ منها يخجل الإنسان من سماع ما فيها فضلاً عن مشاهدتها، فضلاً عن الأفلام الممنوعة والتي أصبحت، تتداول بشكل غريب بين كثير من الشباب! أفلام تصل إلى حد عرض الجريمة الخلقية، على مرأى ومشهد من الشباب والشابات.
فما بالكم أيها الإخوة بشاب غير متزوج، أو فتاة غير متزوجة، فيه غريزية وفطرة مركوزة أصلاً؛ باب الزواج المشروع، مغلق أو وضعت أمامه عقبات وعراقيل كثيرة؛ ثم يشاهد مثل هذه الأشياء أو بعضها، ما الذي يحدث؟!
يحدث اشتعال لهذه الغريزة.. تحرك شديد.. انفعال غير طبيعي؛ فيركض الإنسان للطريق المباح إن كان يخاف الله عز وجل؛ فيجده مغلقاً، ولذلك يتجه للطريق الآخر، -الطريق المحرم- وهذا ما يريده الشيطان؛ يريد أن يسوق الإنسان بالقوة إلى هذا الطريق الحرام؛ ولذلك يشيع -مثلاً- في كثير من الأوساط: الكلام في الحب، والغزل، وتبادل الرسائل، والمعاكسات مع الشباب، والمعاكسات الهاتفية، وغير ذلك.. ومن الغريب جداً أن تجد أولياء الشيطان من أصحاب تلك الصحف، والمجلات، والمسرحيات، والتمثيليات، والكتب يطالبون بفتح المجال لمثل هذه الأشياء، بالعلاقة بين الشباب، بالاختلاط -كما يسمونه الاختلاط البريء- في العلاقات المباحة البعيدة...الخ.
فيا سبحان الله! وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28].
فكثير من الناس يوقع نفسه في هذا الموقع، فيجره الشيطان إلى الآخر؛ إذا مشى خطوة، جره الشيطان عشر خطوات، فيأتي يبكي على نفسه! ولسان حاله يقول كما قال الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماءِ |
وقد حدثني أحد الإخوة الثقات: أن بعض الشباب، في بلدانٍ منحرفة، كانوا يجلسون في مكانٍ مع بعض الساقطات العاهرات، ثم يخرجون إلى مكانٍ آخر والدموع تنهمر من عيونهم خوفاً من الله عز وجل!!
فيا سبحان الله..! ما الذي جاء بك أصلاً إلى هذا المكان؟! الإنسان إذا أسلم قياده للشيطان بخطوة، قد يجره الشيطان خطوات، وقد يصعب عليه أن يرفض الخطوة الثانية.
ومنها: زيارة الكهان والعرافين والمنجمين وقارئ الكف وقارئة الفنجان، وحظك هذا اليوم..إلخ وهذا كله شيء من حيل الشيطان في مسخ الفطرة، وهو الشق الأول من كيده لتغيير خلق الله.
فالشيطان مثلاً قد يغري بعض الإنسان بالرهبانية، لأنه إنسان غير قابل للصلاح، غير قابل للانحراف، فيريد الصلاح فيقربه بالرهبانية التي تتنكر للفطرة الموجودة عند الإنسان؛ وقد وجد في هذا العصر أنظمة كـالشيوعية تتنكر للفطرة، فتلغي مثلاً الملكية الفردية، وتحرم على الإنسان أن يملك أي شيء، حتى القلم أو الثوب أو الحذاء الذي يلبسه هو ملك للدولة، وإنما تعطيك إياه الدولة لتستخدمه، ولا يملك الإنسان أدنى شيء، وإنما هي ملك للدولة.
غريزة -مثلاً- حب الولد يحاولون أن يلغوها عن طريق كون الولد هو الآخر ليس لرجل من امرأةٍ خاصةٍ له؛ وإنما هو من أية امرأة، والدولة تستلم هذا الولد، وتضعه في محضن، وتربيه، ثم تتجه به إلى المصنع، وليس لأبيه به من علاقة.
في دول أوروبا وأمريكا: نسخت الفطرة، حتى أن الزوج يفتخر أن تتعرى امرأته أمام الناس، وهذا هو نظام شريعة الغاب الذي ذكره العلماء عن المجتمعات القديمة غير المتحضرة، عاد الناس إليه اليوم في المجتمع الذي يصفونه بأنه المجتمع المتحضر.
والله عزوجل يريد من عباده أن يسلكوا بهذه الفطرة المسلك الصحيح، فالإسلام هو دين الفطرة، والشيطان يريد أن يغلق أمام الناس الطريق الصحيح لإشباع هذه الفطرة؛ ليسلك بهم الطريق الآخر المنحرف.
والله عز وجل جعل للإنسان إمكانية أن يسلك هذا الطريق أو ذاك، فقال سبحانه: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] وقال: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3] وقال: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10].
اللهم اهدنا الصراط المستقيم؛ اللهم أصلحنا واصلح لنا واصلح بنا، اللهم ثبتنا بالقول الثابت وفي الحياة الدنيا وفي الآخرة؛ اللهم احمنا من شر أنفسنا، ومن شر الشيطان وشركه، اللهم وفقنا لما تحب وترضى؛ اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم لقائك، وآخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمداً رسول الله، وتوفنا وأنت راضٍ عنا؛ اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: هذا من الفطرة، فالفطرة -كما لعلي أشرت- فطرة ظاهرة، وفطرة باطنة:
أما الفطرة الظاهرة: يمثلها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {عشر من الفطرة -كما في الحديث الذي رواه
فهذه من الفطرة الظاهرة، التي الإنسان بأصل فطرته يميل إليها؛ لأنها من كمال الإنسان ومما يحبب إلى الناس، ويجعل الألفة بينهم قائمة على أساسٍ سليم والشرائع كلها جاءت بتكميل هذه الفطرة، ورسم المنهج الصحيح لها.
والفطرة الثانية: هي الفطرة الباطنة: وهي ميل القلب إلى معبود كما أشرت، وهذا أمرُُ فطري، والله عز وجل يقول: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61].
فالإنسان لابد عابد، إما للشيطان أو للرحمن، يقول الله عز وجل: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً [مريم:93] ويقول: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95].
فالإنسان عابد بلا شك، ولو تُرك الإنسان وفطرته لاهتدى إلى الله عز وجل، والشرائع، والديانات السماوية جاءت لتزكي هذه المعرفة.. تُزكي معرفة الإنسان بالله عز وجل؛ فتجعله يؤمن بالله، ويعرف الله حق المعرفة، ويعبد الله حق العبادة؛ والشيطان والمجتمع المنحرف يحاول أن يصرف الإنسان عن هذه الفطرة؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه}.
ولذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: أن في القلب شعثاً لا يلومه إلا الإقبال على الله، وفقراً لا يغنيه إلا التوجه إلى الله عز وجل؛ وأن العبد إذا لم يُقبل على الله تبارك وتعالى؛ فإن قلبه يتشعب في أودية الدنيا وفجاجها، فلا يبالي الله به في أي وادٍ هلك؛ ولذلك الإنسان إذا ترك دينه؛ أصابه من الأمراض النفسية مالا يعرفه بها إلا من عاشره!! نسأل الله السلامة، وأشد الناس شقاءً وتعاسة في الدنيا، هما الملحدون، والعياذ بالله.
الجواب: لا ينبغي للإنسان أن يُفرط في موليته؛ بل يجب عليه أن يختار لها الرجل المناسب، وكما أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من يبحث عن زوجة بأن يظفر بذات الدين؛ فإن الولي وكذلك المرأة مأموران بالبحث عن ذي الدين، فينبغي للمرأة ألا تقبل بزوجٍ إلا أن يكون زوجاً صالحاً يعينها على طاعة الله، وكذلك يجب على الولي ألاَّ يُزوج من يعلم منه تقصيراً في دينه أو فسقاً أو انحرافاً.
ثم بعد ذلك انظر إلى حال المرأة، فإن كانت المرأة متدينة صالحة، فلا تزوجها إلاَّ المتدين الصالح الذي يزيد من دينها؛ وإن كانت امرأة عادية كغيرها من الناس، فزوجها من هو من جنسها، إلا أن يتقدم لها من هو أفضل؛ فحبذا!.
الجواب: إذا كانت هذه الفتاة وأمثالها ممن تشعر بالرغبة الأصلية في تكميل دينها بالزواج، وهذا هو الغالب على جنس الإنسان ذكر وأنثى، فعليها وزر في رد الخاطب المناسب بدون سبب، ولا يجوز لها أن ترفضه، وتؤخر زواجها؛ لأنه قد لا يتقدم لها بعد ذلك من تريد وترغب فيه، فيجب على الفتاة أن تَفرح بقدوم الشاب الذي فيه صلاح، ولو كان فيه بعض النقائص.
فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نُبلاً أن تُعد معايبهُ |
إذا كانت هذه النقائص في أمر الدنيا، كأن يكون وضعه المادي، متوسطاً -مثلاً- أو تكون هيئته عادية، أو يكون عليه بعض الملحوظات اليسيرة؛ فيجب على الشابة أو الفتاة أن تقبل بذلك، وأن تفرح به..وَلِمَ تفرح؟ لأن الفتاة حين لا يتقدم لها من تريد، لا تستطيع أن تبحث هي؛ فالمرأة مطلوبة وليست طالبة، ومن العجب أن يتقدم لها رجل طيب وترفضه! وربما يكون عند المرأة -أحياناً- تهيب من موضوع الزواج، وحياء أو خجل منه؛ فعليها أن تدرك أن هذا أمرُُ فطري جبل الله عليه بنات آدم، ولا بد لها منه عاجلاً أو آجلاً، فأن تتزوج الآن بشاب مناسب خيرُُ من أن تُؤخر الأمر وترفضه بدون سبب؛ فقد لا تجد يوماً من الأيام من يتقدم لها، وقد تتنازل عن بعض ما تريد من الشروط، لكن بعد فوات الأوان.
الجواب: عليها كفارة يمين، ذكره الله عز وجل بقوله: فَكَفَّارَتُه إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89] فعليها أن تُطعم عشرة مساكين، أو تكسوهم؛ والإطعام يعادل -كما ذكر بعض المشايخ- أن تطعمهم نحو ستة كيلو من الأرز، توزعه عليهم.
الجواب: مشاهدة البرامج التي تحتوي على مادة محرمة لا تجوز، فمشاهدة أو تلذذ الرجل بالنظر للمرأة، أو تلذذ المرأة بالرجل -بالنظر إلى الرجل- والشهوة في ذلك، سماع الغناء، سماع الموسيقى لا يجوز، اقتناء هذه الأجهزة التي قد تستخدم في البيت بغير موافقة المسئول عن البيت، استخداماً محرماً! إذا علم أن ذلك يحصل فهذا لا يجوز أيضاً.
الجواب: أدب الله عز وجل أفضل النساء -زوجات نبيه صلى الله عليه وسلم، الطاهرات- بقوله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] فالمسلمة مطالبة بالقرار في بيتها؛ وأعجب أشد العجب، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لزوجاته بعد أن حج بهن: {هذه، ثم لزوم الحُصر} أي أنه بعد الحج، المرأة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم تلزم بيتها. فالمسلمة مملكتها البيت، لا تخرج إلا لحاجة، وإذا خرجت فتخرج متسترة، غير متطيبة ولا متزينة؛ فالمرأة تفتن وتفتتن، والرجل إذا نظر إلى المرأة؛ تصيبه الفتنة والتأثر قل أو كثر، حتى إن كثيراً من الرجال يتحدثون، أن أحدهم قد يرى زوجته؛ وهو يعلم أنها زوجته، فلا يلتفت إليها، ولا يأبه بها؛ لكن إذا لبست ثيابها، وتنكرت، ورآها من دون أن يعلم أنها زوجته ثارت في نفسه مشاعر شديدة وقوية، فالمرأة تفتن من رآها وقد تفتتن هي، وخاصةً إذا كانت متجملة متطيبة، وهي شابة، كما هو واقع كثيراً ممن يخرجن للأسواق، فلتتقِ الله المرأة المسلمة في نفسها، ولتتقِ الله في إخوانها المسلمين، وعليها إن اضطرت للخروج أو احتاجت إليه أن تخرج بثيابٍ متبذلة وهي تفلةٌ كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: من تخرج للمسجد، وأن تُخفي جميع محاسنها، تُخفي وجهها، تُخفي نحرها.. تُخفي ذراعيها.. تُخفي قدميها؛ فإن هذا كله من كمال التستر… ولا شك أن الرجل حين يرى المرأة وقد غطت ذراعيها وكفيها وقدميها؛ يشعر أنه أمام امرأة مؤمنة متدينة صالحة، خرجت لغرض؛ فيشعر بالإكبار والإجلال لهذه المرأة؛ ولا يفكر أو يهم بالنظر إليها، وهذا شعور من المؤكد أنه يثور لدى كثيرٍ من الناس، حتى لَدى الفُساق.
وما هي الكتب التي تنصح بها المرأة المسلمة؟
ما حكم مجلات الأزياء التي تحمل صور النساء؟
وما حكم مخطابة المرأة للخياط الأجنبي الهندي أو غيره عند الخياطة، وكذلك لأصحاب المحلات؟
الجواب: أما النصيحة للمرأة فالكلام فيها كثير، فإن المرأة يجب أن تنتبه لفطرتها، ولا تعارض هذه الفطرةح والمرأة خلقت بفطرة معينة متميزة عن الرجل، فعلى المرأة أن تُدرك أن من كمال دينها ومن كمال سعادتها أن تسعى إلى معرفة فطرتها، والتجاوب مع هذه الفطرة، يقول الشاعر:
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول |
المرأة غير الرجل كما قال تعالى: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36] فالمرأة حين تحاول أن تسترجل؛ هي كالرجل حين يحاول أن يتأنث!
وما عجبُُ أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجيبُ |
يقول الشاعر:
فالذين يطالبون مثلاً بخروج المرأة للعمل.. بالاختلاط..بكون المرأة تشتغل في الهندسة؛ تشتغل مهندسة جسور، تشتغل سكرتيرة؛ تشتغل كذا؛ تشتغل كذا، يريدون أن يستمتعوا بالمرأة في قارعة الطريق، ويريدون أن يُخرِجُوا المرأة عن فطرتها فكمالك يا أختي المسلمة! هو في معرفتك بفطرتك التي فطرك الله عليها، وتزكية هذه الفطرة والتجاوب معها؛ فعلى المرأة أن تسعى إلى تحقيق فطرتها عن طريق الزواج المشروع؛ لأنه يُحقق للمرأة جانباً مهماً جداً، وعن طريق الإنجاب الذي يحقق -أيضاً- جانب مهم جداً عند المرأة، فالمرأة هي أُم، ومن أعظم مشاعر المرأة مشاعر الأمومة، والحنو على الولد، وتربية الأجيال الذين يخرجون على يديها، والشاعر -وأظنه حافظ ابراهيم- يقول:
الأم مدرسةُُ إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ |
والآخر يقول عن أعداء الإسلام:
وقديماً يئسوا من قهرنا حينما أعياهم لمح خيالك |
غير أن الذل قد دمرنا منذُ أن خضت بنا تلك المسالك |
فإذا انحرفت المرأة انحرفت الأجيال، وإذا صلحت المرأة صلحت الأجيال.
نصيحتي للمرأة المسلمة أن تحرص على الوعي بالإسلام، والوعي بالمخططات الرهيبة التي يديرها أعداء الإسلام، وخاصةً اليهود لإفساد المرأة، وإفساد المسلمين بالمرأة.
نصيحتي للمرأة المسلمة: أن تكون داعية، لا تقتصر على إصلاح نفسها؛ بل تحرص على إصلاح من حولها في البيت وفي المدرسة، وفي المجتمعات النسائية، والذي أنصح المرأة المسلمة به بعد كتاب الله، وبعد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: إصلاح العقيدة من خلال الكتب الصحيحة، ككتاب التوحيد، العقيدة الطحاوية، العقيدة الواسطية، ومعرفة الأحكام المتعلقة بالمرأة في كتب الفقه، ككتاب فقه السنة -مثلاً- ومعرفة أحكام المرأة وما يتعلق بها من خلال المؤلفات والكتب المؤلفة في المرأة، وهي كثيرة جداً، منها كتاب عمر الأشقر، ومنها كتاب عبد العزيز المقبل، ومنها كتاب نعمة صدقي: خطر التبرج والإختلاط، ومنها كتاب مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، وكُتب كثيرة لا تحضرني.
وأما مجلات الأزياء التي تحمل صور النساء فأرى من الواجب على المسلمين ذكوراً وإناثاً مقاطعتها، وشن حرب عليها، حتى تكسد سوقها، ويضطر مصدروها إلى التوقف... أمَّا الرسم الذي بدون صور، أي رسم أزياء بدون صور فهذا لا بأس فيه، وأما مخاطبة المرأة للرجل إذا كان ذلك لحاجة، فهو جائز.
الجواب: قد يعوذ بالله من الانحراف والفساد الموجود في ذلك البلد، وقد يعوذ بالله من تقديم هذا البلد على محبة الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وهذا صحيح.
أما بغض البلاد بذاتها؛ فليس بمشروع، إلاَّ لو وجد بلد ورد في الشرع ما يدُل على سوئه؛ فإن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، وقد اختار الله بلداناً وفضلها وأثنى عليها، وذكر {أن الإسلام يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها} ولـمكة وللمدينة فضل ليس لغيرهما، ولـجزيرة العرب فضل، ولبلاد اليمن فضل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن} وقال: {آتاكم أهل اليمن} ولـبلاد الشام فضل {وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم} إلى غير ذلك.
الجواب: يقول الله عز وجل: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] فالزواج من أسباب الغِنى، وهذا أمرٌ مجرب، فالله عز وجل وعد الفقير إذا نكح بقصد الإعفاف أن يغنيه، وهذا أمرُ مشاهد؛ ومن أسباب الغنى: أن الرجل بعد الزواج يشعر بالمسئولية، وأنه أصبح رب أسرة، ولابد أن يعتمد بعد الله على نفسه، فيجد ويجتهد في تحصيل الاستغناء المالي.
الأمر الآخر: أن الإنسان يجب أن يحرص على ترتيب الأولويات، فأغنى شيء على الإنسان دينه، كثيرٌ جداً من الشباب يشتكون من قضية ما يسمى بالعادة السرية، ويتكلمون كلام الإنسان اليائس، الذي يشعر بأنه تاب ثم وقع، تاب ثم وقع، حتى إن بعضهم ينذر على نفسه أن يقلع فلا يقلع، وبعضهم يقع في أشياء مُتعبة جداً، بسبب تكرر حصول هذا الأمر منه؛ لأنه ما أشبع هذه الغريزة الفطرية.
فدينك أيها الشاب أغلى عليك من كل شيء، وعليك أن تفكر جدياً في حماية دينك، ولو على حساب أشياء أخرى؛ ولله در ذلك الصحابي الذي كان بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأةٌ فأهدت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم، فصوب إليها النظر، فكأنها لم تعجبه، فقال الرجل: {يا رسول الله! زوجني إياها إن لم تكن إليك بها حاجة، فقال له: أصدقها، ذهب يبحث فما وجد، قال: التمس ولو خاتماً من حديد، فما وجد، قال للرسول: إزاري هذا قال: إن أعطيت لها إزارك، بقيت ولا إزار لك ثم سأله إن كان يحفظ شيئاً من القرآن، فقال: زوجتك بما معك من القرآن} أي أن تعلمها شيئاً من القرآن.
فذلك رجل يدرك أن قضية الزواج مهمة، إلى درجة أنه مستعد أن يخلع إزاره ليكون مهراً للمرأة؛ وآخر تزوجها بنعليه، طبعاً ذلك المجتمع كان فيه فقر؛ لكن المقصود أن أولئك كان يدركون أن قضية الزواج قضية أساسية، ويجب العمل على إزالة العوائق.
وكيف يكون المسلم غيوراً وهو لا يقيم بعض الصلوات ويفعل بعض المعاصي؟
وهل الانتحار يكون من فقد بعض الفطرة؟
الجواب: أما الغيرة في الأصل.. فالغيرة من الفطرة في الجملة على أشياء معينة؛ فالإنسان يغار على أمور معينة -فمثلاً- المرأة تغار، وهذه فطرة موجودة في المرأة، لكن يهذبها الإسلام، والرجل كذلك يغار، والإنسان المسلم يغار من انتهاك حرمة الله عز وجل؛ لأنه يحب ما أحبه الله ورسوله؛ أما الذي يترك الصلوات ويفعل المعاصي، فَقَدْ فَقَدَ الغيرة أو كثيراً منها؛ لأنه كيف يغار وقد وقع هو فيما يُغارُ منه.
أما الانتحار: فيكون من فقد أو ضعف فطرة معينة وهي حب البقاء، ويكون بالمقابل من وجود سبب؛ ولكن ضعفت الفطرة، في نفس هذا المنتحر.
الجواب: ليس عليها قضاء، الأيام التي حصلت منها قبل الحيض، بل تقضي الأيام التي تحيض فيها، ثم تصوم البقية.
الجواب: بل يجوز.. وأنا أرى أن هذا العمل طيب ومبارك ومن كمال تستر المرأة المسلمة، واعتزازها بأنوثتها ودينها أن تلبس المرأة المسلمة القفازين؛ بشرط ألا يكون ذلك بغرض الإثارة؛ لأن بعض الألوان من الملابس حتى حجاب الوجه؛ من الظاهر جداً أن بعض النساء تلبسه للإثارة، لأنها تلبس حجاباً قليلاً، إذا التفتت يميناً أو يساراً؛ أظهر جزءاً من وجهها، أو أظهر جزءً من رقبتها، أو أظهر نحرها.. فغطت بعض وجهها وأظهرت بعضه؛ من باب كل ممنوع مرغوب، فعلى المرأة أن تتستر تستراً صحيحاً، بعيداً عن الإثارة.
السؤال: ما حكم المزاح في الكذب؟
الجواب: الكذب لا يحوز في كل حال، إلا في حالة مستثناة، معروفة ليس المزاح من بينها.
الجواب: ما معنى الضرورة؟ وما هي الضرورة؟ للضرورة معنىً آخر غير المعنى الصحيح، فأما إذا كان هناك ضرورة، مثل مريض -مثلاً- لابد من أن يُوَصل المستشفى، ولا حل إلا بهذا؛ فهذا لا بد منه.
الجواب: المجلات السيئة المنحرفة -كما سبق- على المسلمين جميعاً أن يقاطعوها، وألا يقتنوها، ولا يجوز وجودها في البيت ولا مطالعتها.
الجواب: أما الأديان؛ فدين الإسلام: هو الدين الذي نـزل على جميع الرسل؛ فجميع الرسل دينهم الإسلام، وكلهم جاءوا بدينٍ واحد وهو الإسلام، بمعنى أن العقيدة التي جاءوا بها واحدة، لكن الشرائع مختلفة؛ فكل نبيٍ جاء بشريعة غير الشريعة التي جاء بها غيره، لكن جمع دين على أديان، كلمة دارجة مستعملة، وكان العلماء القدماء يقولون: إن هذا طبيب أديان، وهذا طبيب أبدان، ولا بأس من استعمال هذه الكلمة بهذا المعنى.
الجواب: الكذب لا يجوز.. بل هو من كبائر الذنوب، متى يجوز الكذب؟ يجوز في حالات معينة:
يجوز الكذب في حال الحرب؛ ويجوز الكذب للإصلاح بين المتخاصمين، فتنمي خيراً وتشيع بينهم أن فلاناً ندم، وفلان قال فيك كذا، وأثنى عليك؛ ويجوز الكذب من الزوج على زوجته؛ والذي يظهر لي مما يتعلق بكذب الزوج على زوجته هو فيما ليس بالكذب الصريح، بل هو نوع من وصف شيء معين، لا بد منه لاستمرار الحياة الزوجية، فمثلاً قد يخبر الزوج زوجته أنه يحبها؛ والواقع أنه يحبها فعلاً لكن حبه لها قليل، فهو قد يشعرها بأن محبتها في قلبه أكثر مما هي في الواقع؛ رغبة في استمرار الحياة الزوجية؛ فهذا النوع إن أمكن تسميته كذباً؛ جائز، لأنه يساعد على استمرار الحياة الزوجية، وهو نوع من جبر خاطر المرأة، وما أشبه ذلك من الأمور التي يرى الزوج أن فيها مصلحة لاستمرار العلاقة بينهما.. كذلك لو كان عند المرأة طمع في أشياء معينة، والزوج يصعب عليه أن يحقق هذه الأشياء، ويرى أن العلاقة الزوجية قد قامت الآن، ولا يمكن أن ينفصل عن هذه المرأة؛ فيضطر إلى أن يتعامل معها بأسلوب معين، قد يُعَّمي عليها بعض الأشياء، وقد يُبالغ في بعض الأمور تحقيقاً لهذا المطلب عند المرأة، مع أنه يبقى الأصل أن الكذب محرم.
الجواب: إذا كان لا يصلي بالكلية، فعليها أن تنصحه، ثم تنصحه، ثم تنصحه؛ فإن لم ينتصح؛ فيحرم عليها أن تبقى في عصمته، بل يجب أن تبذل الأسباب لمفارقته، ويحرُم عليها أن تمكنه من نفسها؛ لأنه إذا كان مصراً على ترك الصلاة بالكلية؛ فهو كافر وكذلك تنصح المسلمة قريباتها، ممن تعلم هذا من أزواجهن.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر