الوفاء بالعهد وصدق الوعد من صفات الأنبياء والصالحين، ولهذا مدح الله عز وجل من كان كذلك، وأمر بهما، وجعل نقض العهد وإخلاف الوعد من صفات المنافقين التي يجب الحذر منها!
-
صدق الوعد خصلة كريمة من خصال الأنبياء عليهم السلام
والله لقد مزق الخوف من النفاق قلوب السابقين الأولين، وهم من هم في الصدق والوفاء! مزق الخوف من النفاق قلوبهم، فهذا فاروق الأمة
عمر بن الخطاب الذي قال في حقه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (
لقد أجرى الله الحق على لسان عمر وقلبه)، انظر إلى هذه الشهادة التي شهدها الرسول صلى الله عليه وسلم لـ
عمر ! فهو الذي وصفه القرآن من فوق سبع سموات، ونزل القرآن من عند الله موافقاً لرأي
عمر في أكثر من موضع، ويوم أن قام النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي على رأس النفاق
عبد الله بن أبي ابن سلول جذبه
عمر بن الخطاب بثوبه، وقال: لا تصل عليه يا رسول الله! أنسيت ما صنع؟! لقد صنع كذا في يوم كذا، وكذا في يوم كذا، وجاذب
عمر ثوب الرسول صلى الله عليه وسلم فجذب رسول الله ثوبه وقال: (
دعني يا عمر! فلقد خيرني الله جل وعلا بين أن أستغفر لهم أو لا أستغفر لهم) ثم صلى الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس النفاق، وينزل القرآن على الحبيب صلى الله عليه وسلم موافقاً لرأي
عمر رضي الله عنه، وهو قول الله جل وعلا:
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فنزل القرآن موافقاً لرأي
عمر ، ويوم أن قال
عمر برأيه في أسرى بدر نزل القرآن موافقاً أيضاً لرأي
عمر .
ويوم أن نظر
عمر إلى المنافقين وهم ينظرون إلى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب وأخذته الغيرة، وقال لرسول الله: (احجب نساءك يا رسول الله! فإن المنافقين ينظرون إليهن) فنزلت آيات الحجاب، وحجب الرسول نساءه، وكم من الآيات والمواقف التي نزل فيها القرآن موافقاً لرأي
عمر رضي الله عنه؟ فـ
عمر هو الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، و
عمر هو الذي يقول في حقه رسول الله: (
لو كان نبياً بعدي لكان عمر).
ويوم أن سمع
عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر
حذيفة بن اليمان -وهو أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم- بأسماء المنافقين ذهب إلى
حذيفة رضي الله عنه ويقول له: (نشدتك الله يا
حذيفة ! هل سماني لك رسول الله في أسماء المنافقين؟).
عمر بن الخطاب يخشى ويخاف على نفسه النفاق، فقال: (نشدتك الله يا
حذيفة ! هل سماني لك رسول الله في المنافقين؟ فيرد عليه
حذيفة ويقول: لا، ولا أزكي بعدك أحداً)
عمر مزق الخوف من النفاق قلبه وقلوب السابقين الصادقين، حتى أساءوا الظن بأنفسهم، وخشوا أن يكونوا من المنافقين، والعياذ بالله!
ولقد ثبت في صحيح مسلم من حديث
حنظلة الأسيدي رضي الله عنه أنه مر عليه
الصديق يوماً فوجده يبكي، فسأله
الصديق : لماذا تبكي يا
حنظلة؟ فرد عليه
حنظلة بقوله: نافق
حنظلة يا
أبا بكر ! فقال: ومم ذاك؟ قال
حنظلة : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكرنا بالجنة والنار كأنهما رأي العين، حتى إذا ما عدنا إلى بيوتنا عافسنا الأزواج والصبية فنسينا كثيراً -أي: إذا عدنا إلى البيوت وتركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نسينا كثيراً من الخشوع والخضوع والبكاء والذل لله جل وعلا- فنظر
الصديق رضي الله عنه إلى
حنظلة وقال: وأنا أجد مثل ذلك.
فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل الحبيب
حنظلة : وقال: (
ما يبكيك يا حنظلة ؟!)، فقال
حنظلة : نافق
حنظلة يا رسول الله! فسأله النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما ذكره لـ
أبي بكر فقال الحبيب عليه الصلاة والسلام: (
لو تدومون على الحالة التي تكونون بها عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وعلى الطرقات، ولكن ساعة وساعة)، أي: لو تدومون على هذا الحال من الخشوع والخضوع والذل والانكسار للكبير المتعال لأصبحتم كالملائكة، وبمعنى أدق: لصافحتكم الملائكة في مجالسكم، وفي الطرقات، ولكن ساعة وساعة.
وهنا وقفة؛ لأن كثيراً من المسلمين يأخذون هذه القولة في هذا الحديث المبارك ويقولون: ساعة وساعة، بمعنى: ساعة لشهواتك وملذاتك ومعاصيك، وساعة لربك جل وعلا، فإذا ما ذهبت إليه لتذكره بالله ولتأمره بالمعروف ولتنهاه عن المنكر قال لك: يا أخي! ساعة وساعة، فلا تشدد علينا، وإذا ما قلت له: صل، وإذا ما قلت له: زك، وإذا ما قلت له: لا تسبل الثوب، وإذا ما قلت له: لا تحلق اللحية، نظر إليك وقال: يا أخي! لا تشدد علينا؛ فإن الأمر يسير، ألم يقل رسول الله: (ساعة وساعة)؟! ومثل هذه الفتاوى جاهزة ومعدة.
وإذا ما قلت له: اتق الله! قال لك:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وإذا ما قلت له: اتق الله! ولا تشرب الخمر، قال لك: ليست خمراً، ولكنها مشروبات روحية! وإذا ما قلت له: اتق الله ولا تأكل الخنزير لأنه حرام، قال لك: الخنزير المحرم هو الخنزير الذي كان في أرض الجزيرة يوم أن نزل القرآن؛ وكان خنزيراً هزيلاً، أما خنازير اليوم -وما أكثرها!- فهي تربى في المصحات، ويشرف عليها الأطباء، فلمَ لا نأكلها؟!!
وأصبح الحال كما قال الشاعر:
إن قلت قال الله قال رسوله همزوك همز المنكر المتغالي
أو قلت قد قال الصحابة والأولو تبع لهم في القول والأعمال
أو قلت قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والإمام العالي
صدوك عن وحي الإله ودينه واحتالوا على حرام الله بالإحلال
يا أمة لعبت بـدين نبيها كتلاعب الصبيان في الأوحال
حاشا رسول الله يحكم بالهوى والجهل تلك حكومة الضلال
وإنما المراد بقوله: (ساعة وساعة)، أي: ساعة لمعاشك، وساعة لمعادك، فلا مانع من أن تداعب زوجك وولدك، ولا مانع من أن تمكث مع أولادك ومع زوجتك أو زوجاتك ساعة لتخفف عليهم، أو أن تمكث في الأرض أو تسيح في الأرض لتحصل رزقك من الحلال، وبعدها تتفرغ لعبادة الله جل وعلا، فساعة لدنياك، وساعة لأخراك، ساعة لمعاشك وساعة لمعادك، أما أن تجلس أمام المسلسلات الفاجرة والأفلام الداعرة وأنت تقول: قال رسول الله: (ساعة وساعة)، فهذا فهم مقلوب، ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أبداً.
-
مواقف ضرب فيها السلف أروع الأمثلة في صدق الوعد
فصدق الوعد خصلة كريمة وصفة حميدة من صفات الإيمان، وخلق عظيم من أخلاق الإسلام، ولا أنسى وأنا أتحدث في هذا المقام عن صدق الوعود وعن الوفاء بالعهود أن أذكِّر بخيرة الرجال الأبطال، الذين رباهم سيد الناس محمد صلى الله عليه وسلم فضربوا للبشرية إلى يوم القيامة أروع الأمثلة في صدق الوعد والوفاء بالعهد، فهؤلاء الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم عاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وبايعوه على الصدق فصدقوا، وعاهدوه على نصرته فنصروه.
وأضرب مثالين اثنين في ذلك:
صدق سعد بن الربيع مع الله ورسوله
المثال الأول:
ما ذكره
ابن سعد في (الطبقات) و
ابن إسحاق في (السيرة) و
ابن عبد البر في (الاستيعاب) والإمام
مالك و
ابن حجر في (الإصابة) وغير هؤلاء: أن
زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: (
انطلق يا زيد ! إلى
سعد بن الربيع -وهو الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه- فانظر أهو في الأحياء أم في الأموات؟ وأقرئه مني السلام، قال
زيد بن ثابت : فانطلقت فوجدت
سعدا في آخر رمق من الحياة، فاقتربت منه وقلت له: يا
سعد ! لقد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ وأن أقرئك منه السلام، فنظر
سعد وقال: بل أنا في الأموات يا
زيد ! وأبلغ رسول الله مني السلام، وقل له: يقول لك:
سعد بن الربيع: جزاك الله عنا خير ما جزى الله نبياً عن أمته ورسولاً عن رسالته، ثم قال
سعد: يا
زيد ! وأبلغ القوم مني السلام، وقل لهم: يقول لكم
سعد بن الربيع : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله مكروه وفيكم عين تطرف).
أي رجال هؤلاء؟! وأي عظمة هذه؟! يموت
سعد وهو يقول: (بلغ رسول الله مني السلامة، وقل له: جزاك الله عنا خير ما جزى الله نبياً عن أمته ورسولاً عن رسالته، وبلغ القوم مني السلام يا
زيد ! وقل لهم: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله مكروه وفيكم عين تطرف!
صدق عبد الله بن عبد الله بن أبي مع الله ورسوله
-
ثناء الله عز وجل على نبيه إسماعيل عليه السلام بصدق الوعد
-
قوا أنفسكم وأهليكم النار فإنهم أمانة في أعناكم
-
ثناء الله على نبيه إدريس عليه السلام بصدق الوعد