يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:
إن محمداً رسول الله هو سيد الخلق أجمعين، وهو إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، أكرم الخلق على الله، خير من وطئ التراب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشمس ما طلعت على رجل خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو سيد المرسلين، وإمام الأنبياء والصالحين، بل هو خطيب الأنبياء والمرسلين يوم القيامة.
ويكفي أن الله جل في علاه لم يقسم بحياة أحد من خلقه إلا بحياة نبينا صلى الله عليه وسلم، تشريفاً وتعظيماً وتكريماً لهذا الرسول الكريم، فقال الله تعالى: لَعَمْرُكَ [الحجر:72] أي: لحياتك، والمعنى: أن الله جل وعلا يقسم بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] والله جل في علاه قد أدبه فأحسن تأديبه؛ ولذلك وسمه ووصفه بأرقى الصفات وأغلى السمات، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] صلى الله عليه وسلم.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ولا فخر، وهو إمام الدنيا بأسرها وإمام الخلق أجمعين، وقد صح عنه أنه قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) فهو أكرم خلق الله على الله، وهو سيد البشر أجمعين.
والإشكال هنا: هو أنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم وأفضل الخلق أجمعين، فكيف ينهى الصحابة عن أن يخيروه على يونس بن متى، وأن يخيروا بين الأنبياء؟
يجاب على هذا الإشكال بثلاث إجابات:
الإجابة الأولى: أن الجمع بين النهي عن التخيير وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم) هو أن النهي عن التخيير بين الأنبياء لا يجوز إذا كان على سبيل التنقيص، كأن يقال مثلاً: محمد خير من يونس، أما رأيت يونس ماذا فعل؟ تعجل أمر ربه فابتلعه الحوت، أو بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم أيضاً، فيكون التخيير المنهي عنه هو التخيير الذي مآله إلى التنقيص.
الإجابة الثانية: أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التخيير: (لا تخيروني على يونس) كان قبل أن يوحى إليه أنه سيد البشر أجمعين، وأنه سيد المرسلين، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أوحي إليه أنه سيد الخلق، ثم أوحي إليه بعد ذلك فقال: (أنا سيد الخلق يوم القيامة ولا فخر).
الإجابة الثالثة: أن النهي عن التخيير إذا كان على سبيل التفاخر بينهم، لا على سبيل التبيين، وترجع هذه أيضاً إلى الإجابة الأولى.
من هذه الخصائص: أنه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فلا نبي بعده، وبهذا يتبين كذب وزور وبهتان من ادعى النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بهم حيث يقول: (يأتي بعدي ثلاثون كذابون كلهم يدعي النبوة، ولا نبي بعدي) فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أنه لا نبي بعده، وقال الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
إن البهائية والقاديانية من الفرق الضالة الكافرة التي ظهرت في عصورنا هذه يقولون: إن معنى خاتم الأنبياء أي: زينة الأنبياء، وأئمتهم في ذلك القادياني والبهائي من الذين يدعون النبوة، بل إن القادياني ادعى النبوة ثم ادعى الربوبية في الهند وباكستان وهذه البلاد، فهو من الذين بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الكذابين.
ولكنهم أولوا وشوشوا على أهل السنة والجماعة بشبهتين:
الأولى: قالوا: معنى قول الله تعالى: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] أي: زينة الأنبياء.
والثانية: قالوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولكن ليس بخاتم المرسلين، وهم يدعون أنهم رسل.
والجواب على الشبهة الأولى: أولاً: أنهم خالفوا إجماع السلف.
ثانياً: حتى لو افترضنا أن خاتم النبيين بمعنى الزينة -وهذا تنزل مع الخصم- فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حاسماً للمادة: (لا نبي بعدي) ففسر معنى خاتم النبيين: أنه آخر الأنبياء، فهو خاتم الأنبياء، وهو زينة الأنبياء، وهو سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
والجواب على الشبهة الثانية: أنه لا يمكن أن يكون الرسول رسولاً حتى يكون نبياً، فإذا قالوا: خاتم النبيين فمن باب أولى أن يكون خاتم المرسلين.
إذاً: أول خصيصة اختص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم: أنه خاتم النبيين.
ومن الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم: أن له الشفاعة يوم القيامة, فالشفاعة لا تكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الشفاعة هي المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، والمقام المحمود: هو الذي يحمد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمده عليه الناس، فيحمدونه في الدنيا بالأعمال الجميلة ونشر الدعوة، وفي الآخرة بمقام الشفاعة في أهل الموقف حتى يقضى بين العباد، فهذا هو المقام المحمود، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما بينا ذلك في حديث الشفاعة.
ومن الخصوصيات التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم: أنه أول من يمر على الصراط، وأمته أول الأمم التي تمر على الصراط، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون) أي: سابقون في القضاء، وسابقون في المرور، وسابقون في دخول الجنة.
أيضاً من الخصائص التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم: أن الجنة لا تفتح إلا له، ولا يمكن لأحد أن يدخل الجنة إلا به ومن خلفه، كما قال صلى الله عليه وسلم في البخاري : (أنه يأتي الجنة فيقال: من؟ فيقول: محمد، فيقال: بك أمرت) أي: لا أفتح لغيرك.
ومن الخصائص التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صاحب لواء الحمد يوم القيامة، فلواء الحمد ينزل تحته كل الرسل وكل الأنبياء، وهذه منة من الله، وكرم وتعظيم لهذا النبي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر) ففي هذا دلالة على خصوصيات اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الخصائص التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا: أن الله جل وعلا جعل له الأرض مسجداً وطهوراً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي: ... وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فهذا النبي هو أفضل الخلق أجمعين.
نسأل الله جل في علاه أن يشفعه فينا، وأن يجعلنا ممن يكون معه في الفردوس الأعلى، وألا ننزل عن هذه الدرجة أبداً.
ولما سئل ابن المبارك : من الجماعة؟ قال: أبو بكر وعمر ، فيبين أن جماعة الحق هم: أبو بكر وعمر .
قال الله تعالى مبيناً فضل هؤلاء: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح:26] وهذا أعظم ثناء، ولا يمكن أن تجده على أحد غير صحابة رسول الله، وهو أن الله جل في علاه أثنى عليهم بأنهم أحق بكلمة: (لا إله إلا الله)، وأحق بدين الإسلام؛ لأن الله يغار أن يضع الشيء في غير موضعه، أو يعطي هذه المنة وهذه النعمة لأحد لا يستحقها، فبين الله أن صحابة رسول الله هم الذين يستحقون هذه الكلمة فقال: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح:26] وقال الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]، وهذه الآية استدل بها الإمام مالك استدلالاً رائعاً على كفر من يبغض الصحابة رضي الله عنهم، ووجه الشاهد: هو قوله تعالى: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
قال: إذاً: من تغيض على الصحابة فهو من الكفار. والله جل في علاه يقول: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ [التوبة:100] فمدح المهاجرين ومدح الأنصار، وبين أن الذين آووا ونصروا أنهم هم المؤمنون حقاً، والنبي صلى الله عليه وسلم بين فضل هؤلاء، ونشر فضل هؤلاء عندما قال: (أصحابي أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) وهذا فيه دلالة على فضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن فضائل الصحابة: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي -هنا محل شاهد التفضيل- أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد) فعليهم رضوان الله.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)، وفي مسند أحمد بسند صحيح قال: (اقتدوا باللذين من بعدي:
فهذه كلها تفصيلات من النبي صلى الله عليه وسلم يبين فيها خيرة الناس من أصحابه، ويبين فضلهم.
إذاً: أبو بكر بالاتفاق هو خير هذه الأمة، وخير الناس بعد الأنبياء؛ ولذلك في سقيفة بني ساعدة كان أبو عبيدة بن الجراح مع عمر بن الخطاب ، فقام أبو عبيدة فقال: يا عمر ! ابسط يدك لأبايعك، فقام عمر بن الخطاب كأنه كالأسد الثائر فقال: تقول ذلك لي وفيكم أبو بكر ؟ لأن يضربوا عنقي خير لي من أن أتقدم على أبي بكر رضي الله عنه، أو أتأمر على أناس فيهم أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه. وقال عبد الرحمن بن عوف كما روي عنه بسند صحيح: ما سبق أبو بكر الناس بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه.
وخلافة أبي بكر رضي الله عنه مشهورة متفق عليها، إلا أن العلماء اختلفوا: هل كانت خلافته بنص من النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، أم كانت بالإشارة؟
والصحيح الراجح أنها إشارة تنزل منزلة النص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائتوني بكتاب أكتب كتاباً لا يطمع طامع أو يقول قائل: أنا أولى)، ثم قال: (يأبى الله ويأبى رسوله ويأبى المؤمنون إلا
والذين قالوا: إنها بالإشارة قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وضعه إماماً للناس في الصلاة، فرضيه إماماً لصلاتنا أفلا يرضاه لدنيانا؟! فاستنبطوها بقياس الأولى أو القياس الجلي، وهذا الذي جعل بعضهم يقول: إنها منصوص عليها.
إذاً: فالصحيح الراجح أنها إشارة، وأن استخلاف أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كان من أهل الحل والعقد، وهذا النص الذي قاله عمر بن الخطاب فاصل في النزاع، حيث قال: لأن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني -يقصد أبا بكر- وإن لم أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني ومن أبي بكر، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف؛ لأنه أشار للناس إشارة واضحة لا تحتاج لإمعان نظر على أن أبا بكر هو الذي يستحق هذه الخلافة، وكأن القدر ظهر لرسول الله فقال: (لا، يأبى الله ويأبى رسوله ويأبى المؤمنون إلا
فـأبو بكر هو الخليفة بعد رسول الله؛ ولذلك لقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعده عمر بن الخطاب، فهو بالاتفاق، وبلا منازعة أفضل هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر ، ولا سيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر: (إذا سلكت فجاً سلك الشيطان فجاً غير فجك ) رضي الله عنه وأرضاه، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان في الأمة ملهم لكان
وقد اتفقت كلمة الأمة على أفضلية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، ذلك الأسد المغوار الذي نافح عن رسول الله، وعن دين الله جل في علاه، فهو أفضل الصحابة على الإطلاق بعد موت الثلاثة.
والخلاف كان ناشئاً بين العلماء في عثمان وعلي ، فـأبو حنيفة وغيره من العلماء كانوا يقدمون علياً على عثمان، وعلي بن أبي طالب لم يقدم نفسه على عثمان ، ولما قال له عبد الرحمن بن عوف في قضية الشورى: يا علي بن أبي طالب ! لو لم تتول أنت الخلافة فمن يتولاها؟ قال: عثمان، يبين بذلك فضل عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وهذه دلالة على أن أفضل اثنين في هذه الأمة بعد موت الاثنين هما: عثمان وعلي، ثم ذهب إلى عثمان فقال: إني أقول لك قولاً وأريد التصريح: لو لم تتول أنت الخلافة فمن يتولاها؟ قال: علي بن أبي طالب ، فـعثمان يبين فضل علي وعلي يبين فضل عثمان .
ولذلك لما خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة قال على المنبر: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري، أي: الكذاب؛ لأن أبا بكر وعمر هم خير هذه الأمة، ثم قال: أفضل هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر ، ثم الله أعلم بعد ذلك، فلم يخير عثمان عليه رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين.
ولكن بعد ذلك اتفقت كلمة أهل العلم على الترتيب الأولي وهو ترتيب الخلافة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأرضاهم.
فخلافة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كانت سنتين وثلاثة أشهر وتسع ليال، من السنة الحادية عشرة إلى ثلاثة عشر من ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة هجرية، وخلافة عمر رضي الله عنه وأرضاه كانت عشر سنوات وستة أشهر وثلاثة أيام، من ثلاثة وعشرين جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة هجرية إلى ستة وعشرين ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين هجرية.
وخلافة عثمان رضي الله عنه وأرضاه كانت اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً، من واحد محرم سنة أربع وعشرين هجرية إلى ذي الحجة سنة خمس وثلاثين هجرية.
أما خلافة علي رضي الله عنه وأرضاه فكانت أربع سنوات وتسعة أشهر، من تسعة عشر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين هجرية إلى تسعة عشر رمضان سنة أربعين هجرية.
فمجموع خلافة هؤلاء هي: تسع وعشرون سنة وستة أشهر إلا أربعة أيام، وهذه الستة الأشهر كانت من نصيب الحسن رضي الله عنه، إذاً فـالحسن يدخل في الخلافة الراشدة عند بعض العلماء؛ لأنها ثلاثون سنة، فتمام الثلاثين يكون هذه الستة الأشهر، وبعض العلماء لم يقل بذلك؛ لأنه تنازل عن الخلافة.
فالخلافة الراشدة: هي خلافة أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنهم وأرضاهم.
وأما المهاجرون فقد قال أبو بكر رضي الله عنه: منا الأمير ومنكم الوزير، أي: أن الخلافة لا تكون إلا في المهاجرين من قريش، والدلالة الصريحة على تقديم المهاجرين على الأنصار: هي أن المهاجرين قد قرنوا بين الهجرة وبين النصرة، ولذلك فهم يسمون أنصاراً، ويسمون مهاجرين؛ لأنهم جمعوا بين الخيرين: هاجروا، ونصروا الرسول صلى الله عليه وسلم بأموالهم وأنفسهم وذواتهم، وهذه تأتي على الصادقين، أما الأنصار فهم ناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم في مدينتهم، فلذلك فضل المهاجرون على الأنصار.
إذاً: يقدم المهاجرون في الأفضلية، ثم الأنصار، ثم باقي الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
وكذلك المرأة السوداء، فقد قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن شئت صبرت ولك الجنة).
و بلال رضي الله عنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إني سمعت خشخشة نعليك في الجنة).
وكذلك عمرو بن الجموح عندما قال: إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد رأيته وطأ بعرجته الجنة). وكذلك عامر الأكوع عندما رجع سيفه على نفسه وهو يبارز مرحباً اليهودي فقالوا: قتل نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: (كذب من قال ذلك بل له أجره مرتين).
وكذلك سعد بن معاذ ، فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (منديل من مناديل
وكذلك أهل بدر فقد قال عنهم صلى الله عليه وسلم: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
إذاً: لا يجوز أن تقول لمعين: هذا في الجنة إلا بدليل، ولكن ظن بالناس خيراً، ولا يجوز كذلك أن تقول لأحد معين: هو في النار إلا بدليل، فلا تقل: هو في النار للمعين إلا بدليل، كـأبي لهب مثلاً، فإن الله عز وجل قد أخبر أنه في النار، فقال سبحانه: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:1-3]، وزوجته كذلك، قال الله عز وجل: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:4-5]، وكذلك عمرو بن لحي ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيته يدور مع أقتابه في النار).
وكذلك الوليد بن المغيرة ، قال الله عز وجل عنه : سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ [المدثر:26-27] وكذلك أبو طالب فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يعذب في النار.
وكذلك أبو الرسول صلى الله عليه وسلم فهو في النار، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن جاء يسأل عن أبيه: (إن أبي وأباك في النار).
وأيضاً أم النبي صلى الله عليه وسلم هي في النار، والدليل على ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي)، وقال الله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة:113].
وكذلك العاص بن وائل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن العاص وأخيه: (مؤمنان أبوهما كافر). وكذلك أبو جهل في النار، والدليل على ذلك: هو عندما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر قال: فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا [الأعراف:44]، وقد وعد الله الكافرين بالنار، وأبو جهل منهم، وكان ممن قتل ورمي في القليب.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر