وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد، والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم.
والعبد هو: المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم.
وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق وقدرتهم وإرادتهم؛ كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29].
وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: (مجوس هذه الأمة)، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها].
الدرجة الأولى من القدر جعلها تتضمن شيئين، والدرجة الثانية جعلها تتضمن شيئين، والسبب في هذا التقسيم: أن عدم الإقرار بالدرجة الأولى كفر بالله جل وعلا، فيكون الذي لم يقر بها ولم يؤمن بها ليس بمسلم.
وأما الدرجة الثانية فإنكارها ليس كفراً، ولكنه ضلال بين، والسبب في هذا: أن الدرجة الأولى تتضمن علم الله وكتابته، وعلم الله صفة من صفاته الأزلية، لم يزل جل وعلا عليماً ولا يزال كذلك، ولا يمكن أن يقع شيء لم يعلمه الله جل وعلا.
والكتابة كذلك أخبرنا ربنا جل وعلا في كتابه في آيات متعددة، وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله كتب كل شيء، فإنكار هذه الدرجة إنكار لما ثبت ضرورة في دين الإسلام فكان منكرها كافراً.
فالمقصود: أن يذكر العموم: وهو أن الله جل وعلا خلق كل شيء.
عرفنا الدرجة الأولى التي هي علم الله، وأن الله عليم بكل شيء وأنه لا يخلو من علمه شيء من الأشياء أزلاً وأبداً وهذا أمر واضح وجلي، وهذا الأمر عام مطلق يشمل الموجود والمعدوم والذي لا يوجد يعلمه لو وجد كيف يكون، كما سبق التمثيل في ذلك، وأما الكتابة فإنه كتب علمه الذي علمه في المخلوقين قبل وجودهم كما في بعض النصوص كحديث عبد الله بن عمرو الذي في صحيح مسلم : (إن الله كتب مقادير الأشياء قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)وكذلك حديث عبادة : (أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة)، وسبق الجمع بين هذين الحديثين وأنه ليس بينهما اختلاف، فقوله: (إن الله كتب مقادير الأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) قوله: (وكان عرشه على الماء) جملة حالية يعني: في حالة الكتابة كان عرشه موجوداً على الماء.
الرواية الثانية: (أولَ ما خلق الله القلم قال له: اكتب) بالنصب، ويكون (أولَ) معمولاً لخلق والمعنى: الإخبار بأن خلق القلم وقعت بعده الكتابة مباشرة بدون فرقن فلما خلقه قال له: اكتب فلم يحصل فاصلاً بين خلقه وبين الكتابة، وهذا هو القول الصحيح، فيكون موافقاً لحديث عبد الله بن عمرو ، ولم يرد به: الإخبار عن أولية المخلوقات وإنما أريد الإخبار بأن الكتابة وقعت بعد خلق القلم مباشرة بدون فرق فيكون موافقاً لحديث عبد الله بن عمرو ، ويكون خلق العرش والماء قبل خلق القلم؛ لأنه في حالة الكتابة كان العرش والماء موجودين.
وهذه الكتابة كتابة عامة شاملة لم يخرج عنها شيء دقيق ولا جلي بل كل شيء كتب قبل وجوده، وهذا من تمام علم الله جل وعلا، أما الإشكال الذي يترتب على هذا فسيأتي حله إن شاء الله.
إرادة دينية أمرية شرعية، تتضمن أمر الله وشرعه كقوله جل وعلا لما فرض الصيام ثم خفف عن عباده المرضى والمسافرين: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ [البقرة:185] فإرادة اليسر وعدم إرادة العسر أمر شرعي.
وإرادة كونية قدرية: فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] فهذه إرادة كونية، وهذه الإرادة الكونية تتفق مع المشيئة، والمشيئة لا تنقسم، بل هي واحدة، وهي مشيئة عامة لا يخرج عنها شيء، والإرادة الكونية تتفق معها وهي مرادفة لها، فمشيئته جل وعلا عامة كقدرته، فلا يمكن أن يوجد شيء لا يشاؤه الله، ولا يعدم شيء يشاؤه الله. فمشيئته جل وعلا تتعلق بالموجودات وبالمعدومات يعني: بالشيء الموجود والشيء الذي لا يوجد إذ لو أراد وجود المعدوم لوجد، ولكنه لم يرد ذلك فصار معدوماً، وهذه ردها القدرية ولم يؤمنوا بعمومها فقالوا: إن الكافر هو الذي يشاء الكفر، والمؤمن هو الذي يشاء الإيمان، والله لا يشاء الكفر؛ لأن الله حكم عدل، ولو شاء الكفر للكافر للزم من ذلك أنه يعذبه على شيء هو من فعل الله، هذه الشبهة التي عرضت لهم فلم يقبلوا عموم المشيئة، ويأتي الجواب عن هذا إن شاء الله.
ولهذا قال: (وأما الدرجة الثانية فهي: مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة) النافذة يعني: الماضية التي لا ترد، والشاملة العامة التي لا يخرج عنها شيء، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، يعني: كل موجود وجد بمشيئته، وكل معدوم فقد بمشيئته جل وعلا، هذا عموم لا يخرج عنه شيء.
قوله: (وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله جل وعلا) كل شيء يتحرك سواءً كان ذلك بفعل العاقل الاختياري أو ليس بفعله الاختياري كنبض عروقه وكحركة الأشجار وسقوط الورق وغير ذلك، كل شيء يتحرك فهو بمشيئته، وكل شيء يسكن فهو بمشيئته؛ لأنه جل وعلا هو المالك لكل شيء، وهو عليم بكل شيء، وقدير على كل شيء تعالى وتقدس.
قوله: (لا يكون في ملكه إلا ما يريد) فكل شيء ملك له وليس لأحد من الخلق شيء، ولكنه يعطي ما يشاء ويُملِّكُ من يشاء ملكاً مستعاراً يزول منه ويذهب.
قوله: (وأنه سبحانه على كل شيء قدير) يعني: أنه خلق الخلق بقدرته، وأنه لا يخرج عن خلقه شيء، فهو على كل شيء قدير، و(شيء) هنا عام لا يجوز أن يخرج منه شيء، فدخل فيه أفعال الخلق التي تصدر منهم سواء كانت صالحة أو فاسدة، يعني: سواء كانت طاعات أو معاصي فهي داخلة في هذا العموم والله خالقها.
قوله: (من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه وتعالى، لا خالق غيره ولا رب سواه) والرب هو: الموجد الذي يوجد الشيء ثم يربيه بما يلزم من إيجاد النعم ودفع النقم ودفع كل ما يضاد الحياة أو يذهب بها، فهو المالك المتصرف المنعم، ومع ذلك -يعني: مع هذا العموم وهو كونه جل وعلا لا يقع الشيء إلا بمشيئته وكونه جل وعلا الخالق لكل شيء- أمر العباد بالطاعة ونهاهم عن المعصية، وأمره بالطاعة ونهيه عن المعصية لا يخالف كونه جل وعلا لا يقع إلا ما يريد، وكونه الخالق لكل شيء، وكونه كتب كل شيء، بل يتفق معه؛ لأن الله جل وعلا علم هذا المخلوق قبل وجوده وعلم أنه سيفعل كذا وكذا باختياره فكتب علمه، وليس معنى ذلك أن الكتابة مجبرة ومرغمة للإنسان على أن يفعل كذا، وإنما أمره بالشيء الذي يستطيع أن يفعله باختياره، فإذا أقدم على شيء فإنه يقدم عليه باختياره وقدرته.
قال: (ومع ذلك) يعني: مع كونه هو الخالق لكل شيء، وأنه لا يقع شيء إلا بمشيئته: (فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسوله ونهاهم عن معصيته) ومخالفة رسله، وأمره ونهيه لا يخالف قدره ولا يخالف مشيئته كما زعم الكفرة الذين كفروا بالله جل وعلا.
قوله: (وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين)، المتقي: هو الذي يفعل المأمور ويترك المنهي عنه، هذا هو المتقي، والمحسن: هو الذي يبالغ في ذلك ويعمل غاية جهده في إحسان عمله ابتغاء مرضاة الله جل وعلا، والله يحب ذلك، وهذا من فعلهم حقيقة.
قوله: (ولا يحب الكافرين) مع أن الإحسان والعدل لا يقع إلا بمشيئته وإرادته، ولا يقع إلا بخلقه فأحب وقوعه من العباد؛ لأنه أمر به، ويكره الكفر ويبغضه والمعاصي والمخالفات وهي لا تقع إلا بمشيئته، ولا تقع إلا بخلقه، ومع ذلك يكرهها ويبغضها وليس في هذا تعارض فهو لا يحب الكافرين (ولا يرضى عن القوم الفاسقين ولا يأمر بالفحشاء) والفحشاء: هي كل فعل يكون فاحشاً قبيحاً ويكرهه ويبغضه ذوو النفوس السليمة والعقول المستقيمة، سواء كان من الأقوال أو الأفعال.
قوله: (ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد)، يعني: أن أمره جل وعلا يتفق مع محبته، فإذا أمر بشيء أحب وجوده، ولكن مشيئته وخلقه لا يلزم أن يكون راضياً بما شاء وجوده وما شاء خلقه، فقد يكون راضياً عنه وقد يكون كارهاً له ساخطاً عليه، وهذا مثل وجود إبليس وجنوده فإنه وجد بمشيئته وبخلقه وهو جل وعلا يكره وجوده، وكذلك مثل وجود الكفر من عباده ووجود المعاصي من العاصي، فإنه لا يوجد الكفر والمعاصي إلا بمشيئته وبخلقه وهو يكره وجوده ويبغضه.
قوله: (وللعباد قدرة على أعمالهم) وهذه القدرة ظاهرة؛ لأنه لو لم يكن له قدرة ما وقع منه الفعل، (ولهم إرادة) وبالإرادة مع وجود القدرة تحصل أعمالهم، وهذا جواب عن قول الجبرية الذين أنكروا أن تكون الأفعال واقعة في فعلهم حقيقة، كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]، (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) فجعل الاستقامة موكولة إلى مشيئتهم، ثم نفى أن تقع مشيئتهم خارجة عن مشيئته، وهذا ليس فيه تناقض؛ لأن مشيئتهم مضافة إليهم مخلوقة لهم، والله خلقهم وخلق مشيئتهم، فهي لا يمكن أن توجد بلا خلقه وبلا مشيئته، ولكنها إذا وجدت فهم يفعلون بها حقيقة، وفعلهم الذي يقع منهم يقع بمشيئتهم وبإرادتهم حقيقة، والآية ظاهرة في هذا.
بهذا يتبين لنا أن الناس في القدر ثلاثة أقسام: قسمان متقابلان تمام المقابلة، فطائفة تقول بإثبات القدر عموماً، وأن الإنسان لا قدرة له، بل إن كل شيء يقع فهو فعل الله، كما قال البخاري في الرد عليهم، قالوا: الأفعال كلها لله، يعني: ليس للإنسان فعل، وقسم آخر قابلوهم فقالوا: العباد العقلاء هم الذين يخلقون أفعالهم وليس لله فيها دخل ولا يشاؤها، بل هم الذين يشاءونها، وهؤلاء مقابلون لأولئك تماماً، وبالضرورة عند العاقل على أقل تقدير لابد أن يحكم بأن أحد القولين باطل، والحق أن كلا القولين باطل.
أما الطائفة الأولى فاحتجوا بمثل قول الله جل وعلا: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] واحتجوا بعموم قدرة الله ومشيئته، وأنه هو القادر على كل شيء، وأنه هو الخالق لكل شيء، وهذا الاحتجاج صحيح، ولكن لا يلزم منه سلب العباد قدرتهم وأفعالهم، فأما قوله جل وعلا في: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [الأنفال:17] يعني: أن الأسباب التي حصل بها قتلهم وإن كانت في أيديكم، فالله جل وعلا هو الذي هيأها وهو الذي يسر لكم الطريق إليها، وأما قوله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ [الأنفال:17] فالمقصود به: رميه صلى الله عليه وسلم الكفار بالحصباء، فإنه أخذ كفاً من التراب ثم رماه نحو الكفار يوم بدر، فذهب هذا الكف من التراب ودخل في أعينهم ومناخرهم، فالمنفي غير المثبت، فقوله: (وَمَا رَمَيْتَ) يعني: ليس بقدرتك واستطاعتك أن توصل هذه الرمية إلى أعينهم ومناخرهم، وقوله: (إِذْ رَمَيْتَ) إثبات لرميه، وهو أخذه الحصباء ورميه بها، وبهذا يتبين أن المنفي غير المثبت، وأن المثبت للرسول صلى الله عليه وسلم شيء والمنفي عنه شيء آخر، وأن هذا ليس دليلاً لهم على نفي وقوع الأفعال من العباد اختياراً، واحتجوا كذلك على هذا المذهب بالحديث الذي في الصحيح، وهو: حديث احتجاج موسى على آدم واحتجاج آدم عليه بالقدر، وفيه: (أن آدم عليه السلام قال لموسى لما قال له: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ قال له: كم وجدت بين خروجي من الجنة وبين خلقي في التوراة التي كتبها الله لك بيده؟ قال: وجدت أربعين سنة بين قوله: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121] وبين خروجك، فقال: أتلومني على شيء كتب علي قبل أن أخلق بأربعين سنة فحاج آدم موسى) يعني: غلبه بالحجة، فقالوا: إذاً: القدر يكون حجة، وهذا في الواقع ضلال وتأويل للحديث على غير وجهه، ومعلوم أن موسى عليه السلام لا يلوم آدم على ذنب قد تاب منه، فهو لم يلمه على الذنب وإنما لامه على المصيبة، والمصيبة ترتبت على الذنب، يعني قال: لماذا أخرجتنا؟ والخروج مصيبة، فهو ما قال: لماذا أذنبت؟ لأنه تاب من الذنب، فلا يلومه على الذنب، وإنما لامه على الخروج والخروج مصيبة، فاحتج آدم عليه بالقدر؛ لأن المصيبة مكتوبة وقد وقعت ولا يمكن تداركها، والشيء الذي لا يمكن تداركه يمكن أن يحتج الإنسان عليه بالقدر كما في الحديث الذي ذكرنا: (إذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) يعني: هكذا وقع القدر؛ لأنه ليس بالإمكان استدراكه.
ولهذا يقول العلماء: إن أمور العبادة تبعدية، فما معنى تعبدي؟ معناه: أنه يجب أن تخضع له وتعبد ربك بالانقياد في ذلك ولا تبحث عن الأسرار في هذا، وهكذا الأمور التي تخفى على الخلق، ولكن الذي أمر الله جل وعلا به ونهى عنه أمر واضح فيجب أن يجتنب النهي وأن يطاع الأمر، ثم ليس بين مشيئته جل وعلا وخلقه وأمره مناقضة.
الجواب: إن من سنن الله الكونية أن جعل لكل شيء سبباً، فلا يوجد الشيء إلا بسببه، فالولد لا يوجد بلا والد ووالدة، لابد أن يكون هناك سبب يترتب عليه المسبب، وإن كان الله على كل شيء قدير، ولكن لابد من ربط الأمور بأسبابها، فإذا أراد الإنسان أن يكون عالماً فلابد من السبب وهو الطلب والاجتهاد، فهذا هو ربط الأسباب بمسبباتها.
الجواب: هذا الحديث يدل على أن الثلاث والسبعين فرقة كلها من المسلمين، هذا منطوق الحديث؛ لأنه قال: (أمتي) والمقصود بالأمة أمة الإجابة؛ لأنه لا يقول على اليهود والنصارى: إنهم افترقوا على كذا وكذا، بل جعلهم مثالاً فقال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة) فدل هذا على أن المقصود بالأمة أمته التي استجابت له، أما قوله: (كلها في النار) فهذا من نصوص الوعيد الذي لا يجوز أن يحمل على ظاهره، بل يتوقف فيه الإنسان ويقول: الله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم، كقوله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء:10]، فإذا رأيت إنساناً يأكل مال اليتيم فلا يجوز أن تقول: إنه في النار وإنه كافر، ولكن أمره إلى الله؛ لأنه مسلم.
الجواب: نثبت المجيء والإتيان لله جل وعلا كما جاء في النصوص وإلا فالمعنى واحد، ولكن نقول: إنه جاء هذا وجاء هذا، ونحن نقف مع النص.
الجواب: الإرادة الكونية هي المشيئة لا فرق، والمشيئة لا تنقسم بل هي شيء واحد، أما الإرادة فتنقسم إلى كونية وقدرية أو إلى كونية وأمرية شرعية، فالكونية هي المشيئة.
الجواب: معنى قول الإمام أحمد : (القدر قدرة الله) أن الله على كل شيء قدير، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يقع إلا ما يشاء، ويدخل في قدرته جل وعلا علمه بكل شيء، وكتابته لكل شيء، فيكون قد شمل بكلامه هذا مراتب القدر، ولهذا استحسن هذه الكلمة من الإمام أحمد العلامة ابن عقيل رحمه الله، فكان يقول: هذا يدل على عمق الإمام أحمد في علمه.
الجواب: نقرأ الآية من أولها: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء:78]، ثم قال جل وعلا: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:78-79] المقصود بالحسنة في هذا: مثل نزول المطر، وكثرة الخير من النعم، ووجود الولد، أما المصيبة: فمثل الجدب وموت الولد وذهاب المال هذا هو المقصود بها، وكان الكفار يتشاءمون بالأنبياء فإذا أصيبوا بخير قالوا: هذه النعم من الله، وإذا جاءهم شر قالوا: هذه بشؤم محمد يتطيرون به، فقال الله جل وعلا: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) يعني: التقدير والجزاء والخلق والإيجاد كله من عند الله، مع أنها تابعة لأسبابها، ولهذا قال بعد ذلك: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) يعني: النعم من العافية والرزق وغيره هي من الله: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) يعني: بسبب نفسك؛ لأنك لا تصاب إلا بسبب ذنوبك، فليس فيه تعارض.
الجواب: هناك أدلة كثيرة أوضح من هذا وأبين تدل على إثبات هداية التوفيق من الله تعالى، أن الله أمر بالإيمان ونهى عن الكفر.
وقد جعل في وسع المرء أن يختار الهداية، كما قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، أما قوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) فمعناه: أن الهدى مقدر، سواء فيما يدخل في الحياة والوجود أو فيما تئول إليه حياته ووجوده من خير وغيره، ومعلوم أن كل شيء بيد الله جل وعلا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر