باب النفس بالنفس.
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا عبيد الله -يعني ابن موسى - عن علي بن صالح عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فودي بمائة وسق من تمر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتوه فنزلت: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42]والقسط: النفس بالنفس، ثم نزلت: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]).
قال أبو داود : قريظة والنضير جميعاًمن ولد هارون النبي عليه الصلاة السلام ].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الديات ].
الديات: جمع دية، والدية: هي ما يدفع من المال مقابل قتل نفس، سواءً كانت الدية عن خطأ وهي مقدرة، أو كانت عن عمد إذا تنازل أهل القتيل عن القصاص وطلبوا الدية.
والمقصود من هذا الكتاب ما يتعلق بالديات وهي الأموال التي تكون مقابل النفس، وما يتعلق بالقصاص الذي هو النفس بالنفس.
وقد أورد أبو داود رحمه الله جملة من الأبواب، منها ما يتعلق بالقصاص، ومنها ما يتعلق بالديات.
وأول باب أورده: [ باب: النفس بالنفس ].
أي: أن النفس تقتل بالنفس قصاصاً.
وإذا أراد أولياء القتيل التنازل عن القتل وأرادوا أن يأخذوا الدية، فلهم أن يأخذوا الدية، ولهم أن يأخذوا أكثر من الدية المقدرة في مقابل تنازلهم عن القتل، ولهم أن يعفوا، كل ذلك لهم، وأما الدية في قتل الخطأ فإنها محددة ومقدرة.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن بني النضير وقريظة من اليهود، وكان بنو النضير أشرف من بني قريظة، وكانوا إذا قتل نضيري قرظياً فإنه لا يقتل النضيري بالقرظي، والقرظي يقتل بالنضيري، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل رجل من بني النضير رجلاً من بني قريظة، طلب بنو قريظة النضيري من أجل أن يقتلوه في مقابل قتيلهم، فامتنع بنو النضير من ذلك بناءً على ما كانوا عليه في الجاهلية من أن هؤلاء أشرف من هؤلاء، وأن هؤلاء لا يقتلون بأولئك وأولئك يقتلون بهؤلاء، فأبوا أن يسلموه، ولما امتنع بنو النضير من تسليم القاتل لبني قريظة ليقتلوه، قالوا: بيننا وبينكم محمد صلى الله عليه وسلم، فذهبوا إليه.
وكانت الطريقة كما قال ابن عباس : أن القرظي يقتل بالنضيري والنضيري لا يقتل بالقرظي، وإنما يودى أو يدفع عنه مائة وسق من التمر في مقابل قتله إياه، ولا يقتل به.
فترافع بنو النضير وبنو قريظة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وجاءوا إليه وأخبروه، وطلبوا منه أن يحكم بينهم، وقد جاء في القرآن: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42] والقسط: هو العدل، الذي هو النفس بالنفس، وأنزل الله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50] أي: أيريدون أن يبقوا على ما كانوا عليه في الجاهلية من أن الشريف لا يقتل بمن دونه، والذي هو دونه يقتل به، ولا يريدون حكم الله سبحانه وتعالى؟!
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبيد الله - يعني ابن موسى - ].
عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي بن صالح ].
هو علي بن صالح بن حي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن سماك بن حرب ].
سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عكرمة ].
هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ قال أبو داود : قريظة والنضير جميعاً من ولد هارون النبي عليه الصلاة والسلام ]
أي: أن قريظة والنضير، هم من ولد هارون النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أخو موسى عليه الصلاة والسلام.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبيد الله -يعني ابن إياد - حدثنا إياد عن أبي رمثة قال: (انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي: ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: حقاً؟ قال: أشهد به، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضاحكاً من ثبت شبهي في أبي ومن حلف أبي علي، ثم قال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164])].
يقول المصنف رحمه الله: [ باب لا يؤخذ بجريرة أخيه أو أبيه ].
أي: أنه لا يؤخذ أحد بذنب الآخر، ولا يعاقب أحد من أجل أن غيره جنى، بل العقوبة على الجاني والعاصي، وأما الذي لم يحصل منه جناية ولا معصية؛ فإنه لا يعاقب ولا يؤخذ البريء بجريرة المذنب العاصي الجاني، وقد كان في الجاهلية يؤخذ الشخص بجريرة غيره.
وقد أورد أبو داود حديث أبي رمثة رضي الله تعالى عنه: أنه جاء مع أبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قوي الشبه بأبيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لوالد أبي رمثة : [ (ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: حقاً؟ قال: أشهد به)].
قوله: [ (قال: حقاً) ] أي: أنه ولدك؟
قوله: [ (قال: أشهد به) ] أي: أشهد على ذلك، أو اشهد بذلك أنت يا رسول الله! والرسول صلى الله عليه وسلم رأى قوة الشبه بينه وبينه.
قوله: [ (أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه)].
أي: لا يؤخذ بجنايتك ولا تؤخذ بجنايته.
وليس معنى ذلك عدم حصول الجناية من الولد للوالد أو من الوالد للولد، فقد يجني الوالد على الولد وقد يجني الولد على الوالد؛ ولكن المقصود المؤاخذة، وأن الواحد لا يؤاخذ بذنب الثاني، وإنما كل يؤاخذ بذنبه.
فالمذنب هو الذي يؤاخذ بما ارتكبه من جناية أو معصية، ولا يؤاخذ به ولده ولا والده، وهكذا لا يؤاخذ أحد بذنب غيره.
قوله: [ (وقرأ: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]) ] أي: لا يعاقب شخص بجناية غيره أو بوزر غيره؛ وإنما المذنب والجاني هو الذي يعاقب، والبريء لا عقوبة عليه.
هو أحمد بن عبد الله بن يونس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبيد الله يعني ابن إياد ].
عبيد الله بن إياد صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا إياد ].
إياد هو أبوه، وهو ثقة، أخرج له الذين أخرجوا لابنه.
[ عن أبي رمثة ].
هو رفاعة بن يثربي، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي ، وهذا يعتبر من أعلى الإسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)].
قوله: [ باب الإمام يأمر بالعفو في الدم ] أي: أنه يشفع إلى أولياء القتيل من أجل أن يعفوا عن القاتل.
وهذا يبين أن القصاص ليس كالحدود التي لابد من تنفيذها، وأنه لا يشفع فيها لا من جهة الإمام ولا من جهة غيره، فإذا وصلت إلى الإمام فلا شفاعة في الحدود؛ ولهذا جاء في الحديث الذي سبق في حق أسامة بن زيد : (أتشفع في حد من حدود الله؟!) وهذا استفهام إنكار.
فهذا يبين أن القصاص ليس من هذا القبيل؛ وذلك أن الحق في القصاص للمخلوق، فله أن يتركه ويتنازل عنه، ولغيره أن يشفع عنده حتى يتنازل عنه.
ولهذا اختلف العلماء هل يقال له: حد أو لا؟ ولو قيل: إنه من الحدود، فإنه مستثنى من منع الشفاعة فيه، بل الشفاعة فيه سائغة، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه الترغيب في ذلك.
وقد أورد أبو داود حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (من أصيب بقتل) ] وهو إزهاق النفس.
قوله: [ (أو خبل) ] الخبل هو الجرح.
قوله: [ (فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية) ]
يعني: إذا كان القاتل قتل عمداً فيقتص أولياء القتيل من القاتل فيقتل، أو يحصل العفو منهم فيتركونه دون أن يقتلوه ودون أن يأخذوا منه دية، أو يأخذوا منه دية.
وسواءً كانت تلك الدية هي المقدرة أو أكثر منها؛ لأن أخذهم للدية هو مقابل تنازلهم عن حق لهم، وإذا لم يعطوا ما يريدون فلهم أن يقتلوا القاتل قصاصاً، وإذا طلبوا شيئاً وأعطوا إياه فإنه يسقط حقهم في القتل قصاصاً.
قوله: [ (فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه) ] أي: إذا طلب شيئاً أكثر مما حدد له وقدر، وهو أحد هذه الأمور الثلاثة، أو حصل منه اعتداء أو شيء لا يجوز الإقدام عليه، فيؤخذ على يده ويمنع، وليس إلا أحد هذه الأمور الثلاثة فقط.
قوله: [ (ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) ] أي: بعدما يأخذ حقه أو يتنازل عن حقه، سواء القصاص أو الدية، أو عفا عنهما، ثم عاقب فإنه يكون معتدياً، وللمعتدي عذاب أليم.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرنا محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن الحارث بن فضيل ].
الحارث بن فضيل ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن سفيان بن أبي العوجاء ].
سفيان بن أبي العوجاء ضعيف، وحديثه أخرجه أبو داود وابن ماجة .
[ عن أبي شريح الخزاعي ].
أبو شريح الخزاعي رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث ضعيف الإسناد؛ لأن فيه سفيان بن أبي العوجاء ، وهو ضعيف، ولكن معناه صحيح من جهة أن هناك قصاصاً، أو عفواً مطلقاً عن القصاص والدية، أو عفواً عن القتل مع أخذ الدية.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [ (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) ] يعني: أمر بالعفو أمر إرشاد وترغيب، وليس أمر إيجاب؛ لأن هذا حق لهم، ولكن يرغبون في العفو.
فـأنس رضي الله عما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام من أنه كان يأمر ويرغب ولي القتيل بالعفو عن القصاص مطلقاً، أو العفو عن القتل مع أخذ الدية.
عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عطاء بن أبي ميمونة ].
عطاء بن أبي ميمونة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود .
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قتل رجلاً فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه لولي القتيل ليقتله، فقال القاتل: [ (يا رسول الله والله ما أردت قتله)] أي: أنه لم يقتله عمداً وإنما قتله خطأً.
قوله: [ (فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للولي: أما إنه إن كان صادقاً) ] أي: إن كان صادقاً في أنه لم يكن متعمداً.
قوله: [ (ثم قتلته دخلت النار) ] لأنك قتلت معصوماً لا يستحق القتل.
فما دام الأمر دائراً بين أن يكون عمداً وأن يكون خطأً، فهذه شبهة يدرأ بها الحكم، ولا يصار للحكم الأشد مع احتمال ذلك.
ودفع النبي صلى الله عليه وسلم القاتل لولي المقتول على اعتبار أنه اعترف بالقتل، ولكنه قال بعد ذلك: إني ما أردت قتله، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد هذا الولي إلى أن يتركه، وذلك أولى من أن يقتله.
ولكن لو أراد أن يأخذ الدية فله ذلك، وإذا أراد أن يعفو عن هذا وهذا فهذا من الأمور المحمودة الطيبة.
قوله: [ (قال: فخلى سبيله، قال: وكان مكتوفاً بنسعة، فخرج يجر نسعته، فسمي ذا النسعة)].
النسعة سير كان مربوطاً به.
وهذا فيه دليل على أن الشخص الذي يخشى انفلاته فإنه يوثق ويمسك حتى لا يهرب.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ أخبرنا أبو معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح ].
هو ذكوان السمان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
وهذا يدخل تحت القاعدة المشهورة: الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، أي: إذا كان هذا وهذا محتملاً فالخطأ في العفو أحسن من الخطأ في العقوبة.
أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه: أن رجلاً قاتلاً جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه إلى ولي القتيل، فأراد أن يقتله، فذهب به، فلما ولى قال: (أتعفو؟ قال: لا، قال: أفتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل؟ قال: نعم، قال: اذهب به)] أي: أنه لما ولى عرض عليه العفو أو أخذ الدية، لكنه أبى أن يأخذ الدية أو يعفو، بل أراد أن يقتل، ثم كرر عليه ذلك مراراً، ثم قال: [ (أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه، قال: فعفا عنه) ].
هذا فيه ترغيب في العفو، وأن الإنسان إذا عفا فإنه يبقى حق القتيل في ذمة القاتل؛ لأنه لم يقم عليه الحد الذي يكون كفارة له، على القول بأن القصاص هو من جملة الحدود التي هي كفارات؛ فيبوء ذلك القاتل الذي عفي عنه بإثمه وكذلك بإثم صاحبه الذي قتله.
والمقصود بذلك الذنب هو القتل، أما لو أنه أقيم الحد، فمعنى ذلك أنه أخذ حقه وصار القصاص كفارة، وتبقى على القاتل خطاياه وذنوبه من غير هذه الجناية، فالتكفير إنما هو لذنب القتل فقط، وإذا عفا عنه فإن ذنب هذه الجناية يبقى عليه، فيأخذ المقتول حقه منه يوم القيامة، وتبقى عليه ذنوبه الأخرى أيضاً.
هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي القواريري وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عوف ].
هو عوف الأعرابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حمزة أبو عمر العائذي ].
حمزة أبو عمر العائذي صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثني علقمة بن وائل ].
هو علقمة بن وائل بن حجر ، وهو صدوق أخرج له البخاري في رفع اليدين ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني وائل بن حجر ].
وائل بن حجر صحابي، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.
قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يحيى بن سعيد حدثني جامع بن مطر ].
جامع بن مطر صدوق أخرج له البخاري في رفع اليدين وأبو داود والنسائي .
أورد أبو داود حديث وائل بن حجر وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه شيئاً من التفصيل، فالأول فيه إجمال، وهذا فيه تفصيل.
قوله: [ (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحبشي فقال: إن هذا قتل ابن أخي)].
يعني: أتى برجل من الحبشة وهو عبد.
قوله: [ (فقال: إن هذا قتل ابن أخي، قال: كيف قتلته؟ قال: ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله)].
يبدو أنه الذي مر في الحديث السابق الذي قال: ما أردت قتله.
ولكن الفأس أداة قتل، وليس هناك احتمال غير القتل؛ لأنه ضرب رأسه بالفأس، وما دام أنه حصل الضرب بالفأس عمداً وهو شيء يقتل، فقوله: (ولم أرد قتله) لا ينفعه وكذلك لو ضرب شخص بسكين وهي من الأشياء القاتلة وقال: لم أرد قتله، فلا ينفعه هذا الكلام، وإلا لذهب كل شخص يجني على غيره ويقول: لم أرد قتله.
أي: كان مثله جانياً، على اعتبار أن استحقاق القتل ليس متيقناً.
أي: أنه يستحق العقوبة، وكما هو معلوم بالنسبة لحقوق الآدميين فإنه يقتص بعضهم من بعض يوم القيامة، وليس هناك إلا الحسنات والسيئات، فإذا كان مع المقتص منه حسنات أخذ منها وأعطيت للمجني عليه، وإذا لم يكن معه منه حسنات، فإنه يؤخذ من سيئات المجني عليه وتلقى على الجاني ثم يلقى في النار، ولكن كل ما كان دون الشرك فإنه يحتمل شفاعة الله عز وجل، وإذا عذب فلابد من خروجه من النار وإدخاله الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلوها.
محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي .
[ حدثنا عبد القدوس بن الحجاج ].
هو عبد القدوس بن الحجاج أبو المغيرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يزيد بن عطاء الواسطي ].
يزيد بن عطاء الواسطي لين الحديث، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود .
وقد مر ذكر الثلاثة.
والحديث صححه الشيخ الألباني ؛ لأنه كما هو معلوم مثل الذي قبله.
قال أبو داود : عثمان وأبو بكر رضي الله عنهما تركا الخمر في الجاهلية ].
أورد أبو داود حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه لما توعده الخارجون عليه الذين حاصروه في داره بالقتل، وآل الأمر إلى قتله رضي الله عنه وأرضاه، قال: [ (ولم يقتلونني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو زناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس) ] ثم أخبر أنه ما زنى في الجاهلية ولا في الإسلام، يعني: أن الله قد حفظه في جاهليته وفي إسلامه رضي الله عنه وأرضاه فلم يقع منه الزنا، وكذلك لم يقتل أحداً، وكذلك لم يرض بدينه بديلاً، ولن يصير منه ذلك، ومعنى ذلك أن قتلهم له كان بغير حق.
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد بن زيد ].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي أمامة بن سهل ].
هو أبو أمامة بن سهل بن حنيف له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ قال: كنا مع عثمان رضي الله عنه ].
هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه.
قال أبو داود : قال النضر بن شميل : الغير: الدية ].
أورد أبو داود حديث سعد بن ضميرة رضي الله عنه: [ (أن
أي: في أول الإسلام.
قوله: [ (وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
يعني: أول دية قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (فتكلم
يعني: واحد تكلم في القتيل، والثاني تكلم في القاتل.
قوله: [ (فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا
عيينة هو الذي يحاج عن الأشجعي.
قوله: [ فقال (
الحرب قيل: هو نهب المال، وقيل: إن المقصود بها الحرب بالسكون، أي: لا بد أن يصير هناك إخافة وقتل مثلما حصل القتل والإخافة
وفي عون المعبود: الحرب: بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين، أي: المقاتل.
قوله: [ (قال: ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا
الشكة: السلاح، والدرقة: هي الترس من الجلد ليس بها خشب ولا عصب.
قوله: [ (فقال: يا رسول الله! إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلاً إلا غنماً وردت فرمي أولها فنفر آخرها)].
يعني: لا أجد لهذا مثلاً إلا الغنم التي رمي أولها فحصل النفار في آخرها.
ومكيتل ليثي من قبيلة محلم فهو يقصد بهذا المثل عيينة ؛ لأنه مقابله وهو غطفاني.
قوله: [ (اسنن اليوم وغير غداً)].
هذا مثل ضربه لترك القتل، كما أن الأول ضربه للقتل؛ ولذلك ترك العطف.
ومعناه: قرر حكمك اليوم وغيره غداً؛ لأنك إذا تركت القصاص اليوم في أول ما شرع واكتفيت بالدية ثم أجريت القصاص على أحد فإنه يصير ذلك كهذا المثل.
وقال ابن الأثير في النهاية: اسنن اليوم وغير غداً، أي: اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص، ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير ما سننت، وقيل: غير من أخذ الغير وهي الدية .
وقال الخطابي : هذا مثل يقول: إن لم تقتص منه اليوم لم تثبت سنتك غداً، ولم ينفذ حكمك بعدك، وإن لم تفعل ذلك وجد القائل سبيلاً إلى أن يقول مثل هذا القول، أعني قوله: اسنن اليوم وغير غداً، فتتغير لذلك سنتك وتتبدل أحكامها.
وقال السيوطي في مرقاة الصعود: إن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه ألا يقتص منه وتؤخذ منه الدية والوقت أول الإسلام وصدره كمثل هذه الغنم النافرة.
يعني: إن جرى الأمر مع أولياء هذا القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام لمعرفتهم أن القود يغير بالدية والعوض، خصوصاً وهم حراص على درك الأوتار وفيهم الأنفة من قبول الديات، ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقادة منه بقوله: اسنن اليوم وغير غداً، يريد إن لم تقتص منه غيرت سنتك، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب، ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه.
قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسون في فورنا هذا وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة، وذلك في بعض أسفاره)].
وهذه هي الدية تسلم خمسون، وتؤجل خمسون إلى الرجوع إلى المدينة، وكان هذا في سفر.
قوله: [ (و
يعني فيه سمرة .
قوله: [ (فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله! إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تبارك وتعالى فاستغفر الله عز وجل لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ اللهم لا تغفر لـ
وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده رجلاً مقبولاً، والمقبول ليس بحجة.
محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت زياد بن ضميرة ].
زياد بن ضميرة مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ ح وحدثنا وهب بن بيان ].
وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ وأحمد بن سعيد الهمداني ].
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق أخرج له أبو داود .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد ].
عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[ عن عبد الرحمن بن الحارث ].
عبد الرحمن بن الحارث صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي وهذا حديث وهب وهو أتم يحدث عروة بن الزبير عن أبيه ].
أبوه هو سعد بن ضميرة السلمي وهو صحابي، وجد زياد صحابي، أخرج له أبو داود .
وجد زياد أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ قال أبو داود : قال النضر بن شميل : الغير: الدية ].
هذا تفسير للغير بأنها الدية.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر