هذه ليلة الإثنين الثالث والعشرين من شهر ذي القعدة من سنة (1412هـ) ينعقد فيها هذا الدرس [61] من سلسلة الدروس العلمية العامة التي تلقى في الجامع الكبير بـبريدة.
نعم أيها الإخوة: كنت قلت لكم أن موضوع هذا الدرس وعنوانه سيكون
حين تقرأ القرآن الكريم، تجد أن الله تعالى خاطب الناس في أكثر من عشرين موضعاً في القرآن بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وخاطب الإنسان بلفظ الإنسان: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار:6] يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] أما لفظ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فقد ورد في القرآن الكريم نحواً من تسعين مرة، ولفظ الناس أو الإنسان يشمل كل إنسان على ظهر هذه الأرض، سواء كان عربياً أم عجمياً، ذكراً أم أنثى، كبيراً أم صغيراً، من الذين كانوا موجودين في زمن البعثة، أو ممن خلقوا ووجدوا بعد ذلك.
كما أن لفظ الذين آمنوا يشمل كل مؤمن أياً كان لونه وجنسه وبلده، وأياًَ كانت مرتبته في الإيمان أيضا، قوةً أو ضعفاً أو غير ذلك، ويقول الله عز وجل في محكم تنـزيله: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:93-95] فهذه الآية تؤكد أن المسئولية على كل إنسان، وأن الحساب فردي يوم القيامة، وهو المعنى الذي يؤكده رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن ابن عمر: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}.
حتى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الإمام وهو الحاكم الإمام الأعظم الخليفة وذكر في الجانب الآخر الخادم ورعايته في مال سيده، وكلكهم راعٍ وكلكهم مسئول عن رعيته.
أيها الإخوة: إن قضايا الأمة الإسلامية كلها لن تنجح إلا إذا صارت هذه القضايا هماً للجميع، يشتغل بها كل إنسان ويتعاطاها، حديثاً، ومناقشة، ومراجعة، ودراسة، ومشاركة، ولذلك لابد أن يكون هناك خطاب لجمهور الأمة كلها على كافة المستويات، خطاب يرفع مستوى التفكير عند الأمة، ويرفع مستوى الاهتمام عند الأمة، بحيث نكسر احتكار هموم الأمة لفئات خاصة.
فلا تعود مشاكل المسلمين أو قضاياهم أو أمورهم حكراً على فئات الدعاة يعالجونها ويخاطبونها، ولا حكراً على فئة العلماء، ولا حكراًً على أهل الرئاسة، ولا حكراً على أهل الإعلام والصحافة، لا، بل تصبح الأمة تعالج قضاياها بنفسها، ولا يشعر فرد من هذه الأمة أن هذا الهم لا يعنيه إنما يعني غيره، أو أن هذا هَمّ فلان وفلان من العلماء أو الدعاة أو الرؤساء أو الإعلاميين أو سواهم.
النص القرآني خطاب للجميع كما سمعتم، خطاب للعموم، وكذلك النص النبوي، والأصل في التشريعات القرآنية والنبوية أنها موجهة لكل الناس دون استثناء، فالقرآن لم ينـزل للأذكياء فقط، بل نـزل للذكي ومتوسط الذكاء وللغبي أيضاً، وكل إنسان عنده عقل يعقل به أمر الله فهو مكلف بشرعية الله عز وجل، بغض النظر عن كون عبقرياً أو كونه إنساناً بسيط التفكير سطحي النظرة.
والقرآن والسنة أيضاً لم يكونا للسادة فقط، بل نزل القرآن وصدر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخاطب السادة وعِلْيَةَ القوم كما يخاطب السوقة والعامة والدهماء من الناس، والقرآن والحديث لم يوجه خطابهما إلى الأغنياء والأثرياء وأصحاب الأموال، بل وجه إلى الأثرياء والفقراء والمتوسطين والمعدمين على حد سواء.
بل إنك تجد أن التخصيص لا يكون إلا في أمور معينة لا يدركها إلا الخاصة من الناس، فمثلاً يقول الله عز وجل: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83].
إذاً: أنت الآن أمام قضية لها أبعاد، ولها أطراف، ولها خفايا، ولها أحكام، ولها نصوص، لا يدركها كل إنسان، فهذه نعم يردها العامة، ويردها جمهور الناس إلى الذين يستنبطونها من العلماء والخبراء بشئونها، أما ما سوى ذلك فالخطاب للجميع، بل لعلك تعجب! حتى الآيات القرآنية التي جاء فيها الخطاب للنبي صلى الله عليه سلم، فحقيقة الحكم لا تخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تشمله وتشمل غيره من الناس يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1].
وهذه الآية وإن كان الخطاب فيها موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فهو خطاب للأمة كلها من ورائه، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1] مع أن صدر الآية يبدأ بـ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الطلاق:1] إلا أنه يبدأ بعد ذلك يخاطب الأمة كلها إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1] وبإجماع العلماء فالخطاب، والحكم في هذه الآية عام لجميع الناس.
الأحكام التي يختص بها الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن محدودة جداً، مثل قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ [الأحزاب:52] ومثل قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50] إلى غير ذلك، فهي أحكام قليلة.
أما الأصل في الخطاب الإسلامي والقرآن والحديث أنه خطاب لكل إنسان، والخطاب الإيماني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هو خطاب لكل مؤمن.
بحيث نفلح في جر الجميع إلى ساحة العمل والمشاركة، إن أمكن جرهم باللين فبها، وإلا نجرهم بالقوة إذا لزم الأمر، ليتعاطوا قضايا أمتهم بحثاً ومشاركة ومساهمة، مشاركة بالرأي وبالعطاء وبالمال وبالكلمة وبالهمّ وبالدعوة، وبكل وسيلة ممكنة.
كلا، بل قام على يد جيل كله كان يتحرك للإسلام، وكله كان يشتغل بقضية الإسلام، وكله كان يراقب سير الدعوة، فيصحح إن احتاج الأمر إلى تصحيح، ويؤيد إن احتاج الأمر إلى تأييد، ويعارض إن احتاج إلى معارضة، كلهم كان معنياً بأمر الإسلام.
ترجم ابن الأثير -مثلاً- في أسد الغابة لما يزيد على سبعة آلاف وسبعمائة صحابي ما بين رجل وامرأة، لا تجد في ترجمتهم أحداً منهم مغموراً، لا بد أن تجد للواحد منهم مشاركة في بناء صرح الإسلام، ومساهمة في دفع عجلة الإسلام إلى الأمام، وأنت تجد في الأحاديث ذكراً لأشخاص رجالاً ونساءً ربما يجهل الواحد منا أسماءهم الآن.
فمثلاً: من هو الذي لم يسمع بحديث ذي اليدين؟
{لما سلم الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشيء الظهر أو العصر، سلم من ركعتين، وفي القوم قال: ما نسيت ولم تقصر، قال: بل نسيت، فقال عليه الصلاة والسلام: أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فاستقبل القبلة وأكمل ما عليه ثم سجد السجدتين
ما اسم ذي اليدين؟
يقولون اسمه الخرباق بن عمرو، وقيل غير ذلك، ليس المهم اسمه، المهم أن الرجل قام بدور في عملية بناء الإسلام، وهذا الرجل قد يكون مغموراً عند الكثيرين.
وفي مجال النساء مثلاً، المرأة التي كانت تقمّ المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه أيضاً، كانت تقيم المسجد فماتت فدفنوها، ففقدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسأل عنها، فقالوا: ماتت يا رسول الله! قال: {هلَّا آذنتموني، قالوا: إنها ماتت في الليل فكرهنا أن نوقظك، فقال: دلوني على قبرها، فذهب إلى قبرها صلى الله عليه وسلم وكبر عليه أربعاً}.
هذه المرأة قامت بعمل كبير في بناء الإسلام، في بناء صرح الإسلام، وتعزيز مكانته، كانت تقمُّ المسجد وهذا عمل عظيم، ولذلك عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رضاه عن العمل التي كانت تقوم به بأن سأل عن قبرها وكبر عليها أربعاً بعدما دفنت، واستغفر لها النبي عليه الصلاة والسلام.
فالجيل الأول كله كان جيلاً فعالاً، ولا أدل من ذلك من قول ربنا عز وجل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
فوصف الله تعالى الذين آمنوا مع رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه الأوصاف، التي تشمل كل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، على تفاوت في درجاتهم وطبقاتهم، فبالتأكيد ليست منـزلة أبي بكر مثلاً أو عمر، كمنـزلة رجل من مسلمة الفتح، لكن كلهم يدخلون تحت عموم قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] كلهم يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم.
وهذه امرأة اسمها أم هانئ أجارت رجلاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {قد أجرنا من أجرتِ يا
ولذلك حتى فَقْدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن ليمنع بقاء الإسلام وانتصاره، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تولَّى بعده أبو بكر رضي الله عنه، وحمل الراية من بعده، ومع أنه لا مقارنة فرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤيدٌ بالوحي من السماء، ومع ذلك فإن أبا بكر قد قام بالأمر من بعده خير قيام، ورضيه الناس لدينهم ودنياهم، كما رضيه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبح في عقيدة المسلم أن خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر.
إذاً هناك سر في انتصار الإسلام أول مرة، ورسوخ دعائمه واستمراريته، هو أن الإسلام لم يكن همَّ شخص واحد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هم أربعة هم الخلفاء الراشدون، ولم يكن هم عشرة هم المبشرون بالجنة، ولم يكن هم ألف وأربعمائة أيضاً هم الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، كلا، بل كان هَمَّ جيل بأكمله.
ولن يفلح وينجح ويصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، أي بأن يكون أمر الإسلام هماً يشغل كل مسلم، قد يقول قائل: كيف ذلك؟
فأعطيك بعض الأمثلة الموجودة على الساحة اليوم، التي تدلك على نجاح الأمر حينما تعانيه الأمة كلها، وفشل الأمر حينما يكون هماً لفئة خاصة، خذ مثلاً قضية أفغانستان، نعتبر أنها قضية نجحت إلى حد كبير، وبغض النظر عما يمكن أن يتم الآن أو بعد حين، لكن الأمر الذي حصل يعتبر نجاحاً، فقد نجح المسلمون في تحطيم الحكم الشيوعي في أفغانستان، وزحزحته، وإقامة حكومة للمجاهدين، إلى هذا الحد يعتبر نجاحاً، ولا شك أن الأمر الأكبر والمؤثر في ذلك هو عون الله عز وجل، وكما قيل:
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده< |
وبالمقابل كتبت لي امرأة عن طفل لها صغير يدرس في الرابعة الابتدائية في أحد مدارس تحفيظ القرآن الكريم، فتقول: إنه معني أشد العناية بأمر المجاهدين الأفغان، فهو يتتبع أخبارهم، وقد يبكي لهم أحياناً، وربما أخذ شيئاً من المال الذي يعطيه أبوه ليشتري به طعاماً أو شراباً في المدرسة، فأعطانيه، وقال: هذه للمجاهدين الأفغان.
أمة بأكملها كانت تتفاعل مع وضع المجاهدين الأفغان، إذاً كان هذا هم الجميع، ولذلك انظر قدرة الله تعالى وحكمته، تخلت الحكومات كلها عن المجاهدين الأفغان في الفترة الأخيرة، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وزواله، وبداية طرح ما يسمى بالحلول السلمية من قبل الأمم المتحدة وغيرها، فتخلت الدول العربية والإسلامية عن الجهاد الأفغاني، وأسلمت المجاهدين وطالبت باكستان المجاهدين بالرحيل عن أراضيها، وأغلقت المضافات التي كانت تقام في بيشاور، ومع ذلك أبى الله إلا أن يستمر الجهاد الأفغاني، بل أبى الله إلا أن يحقق الجهاد الأفغاني أعظم انتصاراته، وأرقى مكاسبه، وأنجح أعماله في تلك الفترة التي تخلت عنه فيها الحكومات.
وفي هذا درس أن العبرة هو بتفاعل المسلم العادي، حتى ولو كان فقيراً أو شخصاً عادياً، أو ضعيفاً، أو رجلاً كبيراً مسناً، أو امرأة في بيتها، أو طفلاً صغيراً، المهم أن تكون مشاعر المسلمين وقلوبهم مع هذه القضية أو تلك من قضايا المسلمين.
القضية الآن في طريقها إلى أن تتحول إلى هم شعبي، يعانيه كل مسلم في أي بلد، فوق كل أرض وتحت كل سماء، ولو حدث هذا، لما أمكن أن ينهزم المسلمون بإذن الله، لا في أفغانستان، ولا في يوغسلافيا.
ولذلك أنت تلحظ أمراً إن كنت أدركته وإلا فلتتأمله الآن: العالم الغربي الآن، -العالم النصراني- يحاول أن يلتف على قضية يوغسلافيا، يلتف عليها بالدعاية الإعلامية، مثلاً: صرح وزير الخارجية الأمريكي بتصريح شديد اللهجة ضد الصرب، وقال: إنني أطالب العالم أن يتخذ موقفاً صارماً وقوياً ضد هذه المذابح الرهيبة التي لم يشهد لها مثيلاً منذ قرون.
وزير الخارجية الأمريكي يصرخ بالعالم ويستنجد لصالح المسلمين في يوغسلافيا سبحان الله! ما الذي تغير؟
الأمر بسيط يا أخي، إن أمريكا لا تستنجد بالعالم، بل العالم هو الذي يستنجد بها في العادة، وأمريكا لما أرادت أن تتدخل في أكثر من بلد ما احتاجت إلى تصريحات حماسية، ولا احتاجت إلى خطب رنانة، بل كل ما في الأمر أنها دعت مجلس الأمن إلى الاجتماع واتفقت على اتخاذ إجراءات حاسمة، التدخل هنا، والضغط هناك، والحصار الاقتصادي ضد هذا البلد، والحصار العسكري ضد ذاك البلد، وغير ذلك حتى أفلحت في تحقيق ما تريد، وما أحداثها في العراق -مثلاً- ثم في ليبيا، ثم في غيرها من البلاد إلا خير شاهد على ذلك.
إذاً: لم تكن أمريكا بحاجة إلى أن تصرخ وترغي وتزبد، وتقول: أين العالم المتفرج؟!
يجب أن تتدخلوا يا عالم، لأن العالم يعتبر أن أمريكا الآن هي الزعيم المتوج لهم، ولكن هذه التصريحات هي للاستهلاك المحلي فقط، ولتخدير مشاعر الناس، ولئلا يقول الناس: أين دور الغرب؟ أين دور أمريكا؟
أمريكا تتحالف مع النصارى، من أجل ألا يقال هذا، رأوا أن المسلمين تكفيهم التصريحات فصرخوا حتى يهدأ الناس، وصرخوا أيضا لأنهم لا يريدون أن تثور المشاعر الإسلامية، لا يريدون أن تكون قضية يوغسلافيا قضية كل مسلم، لأنهم يعلمون جيداً أن المسلمين لو شعروا كلهم أن هناك حرباً صليبية تدبر ضدهم لم يقف أمامهم أحد.
حتى وإن كانوا عزلاً من السلاح، حتى ولو سلط عليهم، حتى ولو وقف في وجوههم من وقف، والله لو شعرت الأمة الإسلامية وأقول: حتى الذي لا تربطهم بالإسلام إلا رابطة الانتماء الوراثي، حتى الذين لا يؤدون الصلوات، لو شعروا أن هناك حرباً توجه إليهم؛ لأنهم أولاد مسلمين، أو لأنهم يعيشون في رقعة إسلامية، أو أن اسم الواحد منهم أحمد ومحمد علي وصالح، لو شعروا بهذا لرجعوا إلى دينهم واستقاموا على أمرهم، وحاربوا وقاوموا.
وما بالك بألف مليون إنسان لو غضبوا؟!
لا يقوم لغضبهم شيء، فلهذا يداري العالم الغربي، يداري غضبهم، فيحاول أن يشعرهم، أو يعطيهم في كل وقت إبراً مخدرة تلهيهم وتجعلهم لا يدركون هذه الحرب النصرانية الصليبية التي تدبر ضدهم.
إذاً: فالغرب يدرك القضية التي نتحدث عنها الآن، إن أي قضية لكي تنجح يجب أن تكون هماً للجميع: الكبير والصغير، الرجل والمرأة، المثقف والعامي، العالم وغير العالم، وإذا أفلحنا في جعل قضايا الإسلام هماً للجميع فمعنى ذلك أنها قضايا ناجحة بلا شك، ونقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً.
فهذه قضايا اهتم بها الناس فصارت في طريقها إلى النجاح والفلاح، لكن في مقابل ذلك، تجد هناك أنواعاً أو جهادات أخرى في بلاد مختلفة لم تحض بكسب الاهتمام بما فيه الكفاية، فظلت تراوح في مكانها منذ زمان بعيد، فكثيرون كانوا يسمعون أخبار الجهاد في هذا البلد أو ذاك، وكثيرون سمعوا بالمدينة التي دمرت على أهلها، وهدمت مساجدها على رءوس المصلين، وقتل فيها في ضحوة واحدة ما يزيد على عشرة آلاف أو عشرين ألف مسلم.
وكثيرون يتحدثون عن مذابح رهيبة حصلت لأحد الشعوب المسلمة من عدد من الدول التي تتقاسم حكمهم، وقتلتهم بطريقة وحشية، وسكت الإعلام الغربي عن تلك المذابح، وسكت الإعلام العربي تبعاً لذلك، حتى مجرد العلم بهذه المذابح لم يعلم بهم أحد، فضلاً عن أن يحزن لهم أو يتحرك من أجلهم.
ولما احتاج الإعلام العربي أن يتكلم عن تلك المذابح نكاية بأحد الأنظمة، تكلم ولكن بعد فوات الأوان، وبعد خراب البصرة!
إذاً قضايا المسلمين الواقعية، وجهاد المسلمين، ومواجهة المسلمين لخصومهم وأعدائهم، لا تنجح نجاحاً حقيقياً إلا إذا أفلحت أن تصل إلى عقول كل المسلمين، وإلى قلوب كل المسلمين، أو على الأقل جمهور المسلمين فلا يكون ثمة حواجز بينها وبينهم، لا تخاطب النخبة المثقفة أو علية القوم أو العلماء أو الساسة والسادة والرؤساء لا، بل تخاطب المسلم أياً كان، وتناديه، وتصل إلى قلبه وعقله، هذا مثال.
وأنت تجد أن هناك من أفلح ونجح في تسهيل العلم الشرعي بحيث يصبح في متناول الجميع، فهذا كتاب مبسط وسهل، في صفحات، يشرح قضية علمية يحتاجها جمهور الناس، رسالة.. درس، أعداد غفيرة من الناس تتمكن من المشاركة في معرفة شيء عن الدين على كافة المستويات، بل لو ذهبت إلى أمر آخر، خطبة الجمعة مثلاً عدد الذي يحضرون هذه الخطبة لا يحصيهم إلا الله عز وجل، ولا يكاد إنسان ينتسب إلى الإسلام إلا ويحضر خطبة الجمعة، إما باستمرار أو على الأقل بين الفينة والأخرى.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم: {من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه} خطبة الجمعة إذا أمكن أن تعرض من خلالها القضايا التي تخاطب المسلم العادي، تبصره بأمور دينه، تسهل له معرفة الأحكام الشرعية، ليس من المصلحة أن يوجد العلم بطريقة -كما يعبرون في لغة العصر الحاضر- طريقة أكاديمية، لا يصل إليها إلا المختصون، وأسلوب علمي متين لا يستطيع أن يفك رموزه إلا كبار الطلبة، أو كتب قديمة فيها متانة، وفيها قوة، وفيها حجة، وفيها استدلال، لكن لم يعد المسلم العادي البسيط يستطيع أن يفهمه، فمن المصلحة أن يسهل له العلم، ويوصل إليه من أقرب طريق.
الشريط مثلاً وسيلة ناجحة جداً، وأفلحت في جعل العلم الشرعي، بل جعل كثير من الأمور التي تتناول، سواءً العلوم الشرعية، أو أوضاع المسلمين وأحوالهم، أو المفاهيم التي ينبغي أن تصحح، أفلحت في أن توصلها إلى عقول وقلوب الكثير من الناس.
البرامج الإعلامية: سواء كانت فتاوى، أم دروساً، أم لقاءات، أم غير ذلك، هذه أيضاً أوصلت العلم الشرعي إلى طبقات عريضة من الناس قد يكون الواحد منهم في الصحراء، في البادية، أو في بلد ناءٍ، أو قد يكون غير قارئ أصلاً ولا كاتب، أو قد يكون غير مهتم، ولكنه سمع الكثير وفهم الكثير من خلال هذه الوسائل والبرامج.
وبناءً عليه أصبحت تجد أن رجل الشارع يفهم الكثير، ويقول على أقل تقدير: سمعت الشيخ الفلاني يفتي بكذا، وسمعت الشيخ الفلاني يقول كذا، وسمعت الخطيب الفلاني يقول كذا، والشريط الفلاني جيد وفيه كيت وكيت، وهناك كتاب مهم يتحدث عن الموضوع الفلاني.
هنا نستطيع أن نقول: إن العلم أصبح هماً للجميع، يخاطبون به، ويحدثون عنه، ويجرون إليه، لكنك تجد مثلاً أن هناك أماكن أخرى لا يزال العلم الشرعي فيها محصوراً ومقصوراً على فئة معينة، في دوائر مغلقة، أو كما يسمى في أكاديميات، وفي جامعات، من الممكن أن يحصل على العلم طالب جاء إلى المسجد، لكن لو حسبت عدد الطلاب الذين وصلوا إلى المسجد، لوجدت أنهم عشرة أو خمسة أو عشرين أو قل مائة، ولكنهم بالقياس إلى عدد أفراد الأمة يعدون أقل من القليل.
فهل من المعقول أن نقصر العلم على هذه الفئة المحصورة، التي جاءت للدرس أو للجامعة، ونحجب العلم عن أعداد غفيرة من الطلبة أو من كبار السن أو الصغار، بحجة أن العلم هنا، ومن أحبه أتاه ووجده! لا، بل ينبغي أن نفكر جيداً في كل وسيلة نستطيع من خلالها أن نوصل العلم لكل إنسان، لكل مسلم، وعلى الأقل نوصل العلم الضروري الذي لا بد من معرفته.
وعلى كل حال فنحن نعلم أنه ليس هناك أحد يهمه أن يبقى العلم حكراً على فئة معينة، حتى العالم يفرح أن توجد بضاعته عند كل أحد، لأنه لا يستفيد من علمه دنياً أو جاهاً، حتى يقول: ماذا يبقى دوري إذا تعلم الناس، بل كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله: والله لوددت أن هذا الخلق تعلموا هذا العلم، وأنه لم ينسب إلي منه حرفٌ واحد، فكان همه أن يعلم الناس هم الدين، أما كون العلم ينسب إلى فلان أو علان، أو يحتاج فيه إلى هذا، أو يستفتى فيه ذاك، فهذا أمر ليس مهماً، المهم هو أن يوصل العلم إلى الخلق.
إذاً: سينجح العلم حينما نفلح في إيصاله أو في إيصال الضروري منه إلى أفراد الناس وآحادهم، وأن نخاطبهم به من خلال المنابر والوسائل الممكنة التي قد يتعاطونها.
وذلك لأن تلك الدولة الشيوعية لم تقم على عروش القلوب، قامت بالقوة والتسلط والبطش والإرهاب فأخافت الناس، ولأنهم ضعفاء سكتوا فعلاً، ولكن لما شعروا بأن هذا الكابوس بدأ يتزعزع قاوموه وحاربوه، ولو كانوا يملكون القوة من قبل لقاوموه وحاربوه قبل ذلك.
ولا شك أنك تعلم أن عدداً كبيراً من الأنظمة العربية التي تحكم المسلمين اليوم، لم تحض بأي لون من ألوان التأييد الشعبي من جماهير الأمة، ولم يتعاطف معها المسلمون بقلوبهم، ولم يقتنعوا بها بقلوبهم أيضاً، ولكنهم رضوا بها لأنهم لا يملكون أسلوباً لتغييرها، وعلى رغم أنهم ضعفاء إلا أنهم يعبرون على الأقل تعبيراً سلبياً، فلا يعنيهم أمر الحاكم مثلاً عاش أو مات، ارتفع أو انخفض، لأنهم لا يعتبرون أنه معبر عن مشاعرهم، عن طموحاتهم، عن آمالهم، عن آلامهم، أو ممثل لهم في دينهم، كما هي الحال بالنسبة للحاكم المسلم.
الحاكم المسلم الذي يقودكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث أم الحصين الذي هو في صحيح مسلم أيضاً، هذا الحاكم تجد كل فرد يفديه بروحه، ولو استطاع أن يصل عمره ببعض عمره لفعل، ويقول: نفسي دون نفسه، وروحي دون روحه.
أصبحت الأمة الآن تقبل على همومها الخاصة، تحتج على فساد الأوضاع بما يسمى المقاطعة الشعورية، تقاطع هذه الأمور، ولا أدل على ذلك مما يسمى بالانتخابات التي تقام الآن في أكثر من بلد من البلاد العربية والإسلامية -وهي قليلة على كل حال- لكن تجد أن نسبة المشاركين في هذه الانتخابات نسبة قليلة جداً؛ لأنهم غير واثقين بهذه الأمور، ولا مصدقين لها، ولا متعاطفين معها، ويعرفون أن النسبة المقررة سلفا ًهي فوز الحاكم الفلاني بنسبة (99.9%) أيضاً.
ولذلك لا يرون ثمة داعياً للمشاركة، ويكتفون بالمقاطعة الشعورية لمثل هذه الأوضاع، فالشعوب الإسلامية تعيش في وادٍ، وحكامها يعيشون في وادٍ آخر، لأنهم لا يعبرون عن حقيقة مشاعرها التي في قلبها، ولا يمثلون حقيقة الدين التي تنتسب إليه، وهذا لا شك يجعل أنهم في حالة ضعفهم مستسلمون، لكن لو جدوا أن أي خطر يهدد هذا الحزب الذي يبطش بهم، أو هذه الطبقة التي تحكمهم لما تعاطفوا معها، ولا وقفوا إلى جنبها، بل كانوا يفرحون بذلك، بل كانوا هم أول المؤيدين لذلك.
يؤسفني جداً أن أقول في مقابل ذلك: هناك دول قامت على أساس قناعة الناس بها، فكانت راسخة عميقة ممكنة، أما دولة الإسلام التي تحكم المسلمين منذ عهد الخلافة الراشدة، فهذا أمر واضح لا يحتاج إلى بيان، فقد ظلت دولة الخلافة قائمة قروناً طويلة تزيد على ثلاثة عشر قرناً من الزمان، تحميها القلوب قبل الأيدي، وتحميها الدعوات قبل المعارك والضربات.
أما في واقعنا اليوم فالمؤسف أن الأمثلة التي تتجه إليها الأنظار غالباً هي أمثلة غير إسلامية، فمثلاً الدول الغربية كلها، كيف استطاعت أن تمكن لنفسها في الأرض؟
استطاعت من خلال إشعار جمهور الناس بأنهم شركاء في إدارتها وفي تدبير شئونها، وفي أخذ رأيهم في الدقيق والجلي.
فالمواطن منهم يشعر أنه يستشار في كل شيء، وأنه يستطيع أن يقدم رأيه في أي أمر، ويستطيع أن يحتج، ويستطيع أن يعترض، ويستطيع أن يقول ما يراه مناسباً دون أن يخاف من بطش، وهذا ما يعبرون عنه لغتهم بـالديمقراطية، الليبرالية الغربية، لا شك هي ديمقراطية نظام غير إسلامي، ولكنهم أفلحوا في كسب ثقة شعوبهم وقناعتها، ولهذا يعشون أوضاعاً من الاستقرار لا تعيشها البلاد الأخرى على الإطلاق.
مثل آخر دولة إسرائيل، يحدثني أحد الإخوة الفلسطينيين -وقد زارني قبل أسبوعين- يقول: لا يكاد يوجد في إسرائيل يهودي واحد يعتبر مدنياً بالمعنى الصحيح، كلهم عسكريون أو كانوا في يوم من الأيام عسكريين، أو جندوا للخدمة وقتاً من الأوقات، أو يعملون في بعض الأجهزة الأمنية السرية أو العلنية، بمعنى أن الشعب كله مجاهد، الشعب اليهودي مقاتل، يقاتل عن عقيدته الفاسدة، يقاتل عن دينه، يقاتل عن حدوده، يقاتل عن عرقيته وعنصريته، وأفلحت دولته الفاسدة الكاسدة في إقناع كل مواطن يهودي بأن الدفاع عن إسرائيل -أو ما يسمى بإسرائيل- واجبه هو، وليس واجب حكومة معينة، أو وزراء معينين، أو تكتل، أو تحالف، لا، واجب كل فرد، ولهذا ما من إنسان إلا وقد خدم أو يخدم الآن؛ أو سوف يخدم مستقبلاً إما سراً أو علانية، إما عسكرياً أو أمنياً أو غير ذلك، فهو بناء يتضافر الجميع على دعمه وترسيخه وتأييده، ويشد بعضه بعضاً.
ولو أردنا أن نضرب بعض الأمثلة الإسلامية لما أعجزنا أن نضرب المثال -أيضاً- بما حصل في الجزائر، فإن الانتصار الذي حققته جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر يعتبر انتصاراً كبيراً للإسلام، فقد أفلحت هذه الجبهة في جعل الإسلام هماً سياسياً للمواطن العادي، فكل مواطن عبر عن اختياره للإسلام، حتى عبر أكثر من (82%) منهم عن أنهم يريدون الإسلام ولا يريدون سواه، وهذا بحد ذاته مكسب كبير، لأنه كشف لنا أن الجبهة هناك نجحت في مخاطبة الشارع الإسلامي، مخاطبة الفرد الإسلامي أن لا يعتبر أن مهمة الحكم بالإسلام مهمة مجموعة من العلماء يجب أن يفعلوا، ولا مهمة مجموعة من الدعاة ينتظر منهم أن يقولوا، لا، إنها مهمة كل إنسان مسلم في الجزائر أن يسعى بما يستطيع إلى التصويت للإسلام ولصالح الإسلام، والعمل على تحكيم شريعة الله تعالى في الأرض.
المصلي الجديد الذي بدأ يتردد على المسجد هذا مكسب، والصائم الجديد الذي صام رمضان لأول مرة هذا مكسب، والتائب الذي انضم إلى مواكب الراجعين إلى الله تعالى هذا مكسب، حتى لو لم يأتِ منه إلا أن يصلي أو يصوم أو يذكر الله عز وجل، ولهذا تعرف في صحيح البخاري قصة الغلام اليهودي الذي كان بجوار النبي صلى الله عليه وسلم: {فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده وبه الموت، فقال له: يا غلام قل لا إله إلا الله، فنظر إلى أبيه، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثم مات، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده، وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار}.
ماذا كسب الإسلام من هذا الغلام اليهودي الذي أسلم؟!
أسلم ثم مات، ما قدم للإسلام شيئاً، لا مالاً، لا قتالاً، وجاهاً، ولا ولداً، بل ولا صلى ولا صام ولا حج ولا شيئاً من ذلك، لأنه تشهد ثم مات في ساعته، فدخل الجنة ولم يسجد لله تعالى سجدة، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً مسروراً بإدخال هذا الإنسان إلى الإسلام، وإنقاذه من النار.
فكل شخص أو فرد تكسبه إلى صالح الدعوة هو خير وبر، حتى لو وقف الأمر عند هذا الحد، ولكننا نجد الآن أن العنصر البشري الإسلامي كبير، والإحصائيات الرسمية تقول: ألف مليون، بغض النظر عن حقيقة هذا الرقم، هذا العدد أكبر من الدول، وأكبر من الدول الإسلامية، وأكبر من الجماعات الإسلامية أيضاً، وأكبر من الأشخاص، وأكبر من المصالح الذاتية هو رصيد عظيم للدعوة الإسلامية بكل حال، ولا زال هذا الرصيد غير مستثمر بشكل صحيح.
وهذه أمثلة لكيفية استثمار هذا الرصيد:
قام رجلٌ بين أظهر الناس في مسجد من هذه المساجد يدعوهم إلى التبرع، وكان فصيحاً لسناً جيد العبارة، فحرك مشاعر الناس، وألهب أحاسيسهم، فتبرعوا بما يملكون، فهذا أخرج ما في جيبه وألقى به، وهذا أخرج محفظته وألقاها، وثالث لم يجد إلا ساعته فأخذها من يده ووضعها في صندوق التبرعات، وكان من بين هؤلاء الناس رجل يتململ يدخل يده بلا شعور في جيبه فلا يجد شيئاً، يدخلها في جيبه الآخر فلا يجد شيئاً، فقام بحركة عصبية شديدة، وأخذ غترته التي كانت على رأسه، وألقى بها في ظل التبرعات، ولسان حاله يقول: ربي إني لا أملك إلا هذا، ثم أشاح بوجهه وهو يداري دمعة يوشك أن تخرج من عينه، رآه كثيرون، فتحركت أريحيتهم، فمن كان أخفى في جيبه شيئاً من المال مصروفاً للأولاد أخرجه، ومن كان تبرع ببعض ما يملك أخرج كل ما يملك معه، ومن كان تردد عزم على الإنفاق، فكان لهذا الإنسان أجر ما تصدق به، وأجر من عمل بما عمل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة}.
أمر آخر رآه أحد التجار فأخذ هذه الغتره وقال: من يسوم؟
فسامها رجل بعشرة ريالات، من يزيد عشرين، ثلاثين، مائة، ألف، خمسة آلاف، عشرة آلاف، حتى وصلت إلى عشرين ألفاً، وبيعت هذه الغتره التاريخية العتيدة بعشرين ألف ريال، على أن لا بسها يقول: لو بعتني أنا والغتره ما كنا نساوي عشرين ألف ريال، بيعت بعشرين ألف ريال صرفت لصالح المجاهدين في أفغانستان، وهكذا يقول المثل: الحاجة أم الاختراع.
هذا الرجل دخل المسجد مثقلاً بالديون، لم يكن يخطر في باله أنه لن يخرج حتى يتبرع بعشرين ألف ريال، بل يكون له أجر من تبرعوا إعجاباً بعمله وتأثراً به ممن لا يحصيهم ولا يعلمهم إلا الله عز وجل.
الله أعلم أنه يوجد، هذه الأمة لا تخلو من أخيار، وأبرار، وأطهار، أصحاب أسحار، وأصحاب أذكار، وأصحاب نيات صادقة.
لو أن هذا العدد الكبير الغفير حشد بتجنيد من الدعاة والعلماء والمخلصين والمتحدثين، حشد ليدعو الله تعالى في قضايا الإسلام والمسلمين، أو يدعو على الأعداء والكافرين، لربما دعوة صادقة ولو من أحدهم أو من بعضهم كان بها الخير والنجاة، وما يدريك أن النصرة الذي حققه المسلمون هنا أو هناك، أو الشر الذي اندفع عنهم هنا أو هناك كان ببركة دعوة صادقة من رجل صالح، حتى هو ربما لم يدرِ أن دعوته قد أجيبت، لكنه سهم أصاب.
لو كان غضبهم لله عز وجل، لو تنادت المشارق والمغارب، ليس على أصوات التعصب لفلان أو لفلان من الزعماء المصنوعين الذين كانوا يخاطبون الجماهير من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر، وليس على الدعوات والنعرات الجاهلية، وإنما غضبوا لله عز وجل، غضباً إيمانياً، غضباً ربانياً، من كان يستطيع أن يقف في وجوههم، ولذلك يداري الغرب كما ذكرت غضب هؤلاء.
ونحن يجب أن نعمل على إثارة غضبهم، غضبهم ضد الكافر، ضد اليهودي، ضد النصراني، ضد المنافق، من خلال الحقائق والوثائق والأرقام التي تتكلم عن مؤامرات أعداء الدين على هذه الشعوب، لا بد أن تصحو هذه الشعوب من سباتها، وتعرف عدوها من صديقها، وتغضب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنها ما لم تغضب لا تستطيع أن تصنع شيئاً.
وهذه الأمثلة كلها تبرز أهمية انغماس الدعاة في الناس، ومشاركتهم، وإشراكهم في هموم الدعوة والأمة، والقدرة على الوصول إلى قلوبهم وأخذها بما تيسر منهم، نحن كثيراً ما نتحدث -أيها الإخوة- عن الصحوة كجزء متميز من المجتمع، وكأنهم فئة ونقول: الصحوة بخير، وننسى أن هذه الصحوة ينبغي أن تمتد لتشمل الأمة كلها، وأنه يجب أن نكسر هذا الخط الأحمر ونمتد إلى طبقات المجتمع بلا استثناء.
قد يكون منا من نجح في مخاطبة جمهور الصلوات الخمس، ربما خاطبهم بعضنا، ولكننا لم نخاطب جمهور الجمعة وهو جمهور واسع عريق، وقد يكون منا من نجح في مخاطبة جمهور الجمعة، ولكن لم ينجح في مخاطبة جمهور المدرجات مثلاً، وهي أعداد غفيرة كبيرة تحضر للكرة، أو جمهور الشاطئ، أو الشارع والسوق، أو حتى جمهور الجريدة، ولا يجوز أبداً أن نغالط أنفسنا ونظن: أن الناس كلهم ملتزمون.
إذاً: نحن نطالب بأن تكون الدعوة لجميع الناس، أنت خطيب مثلاً خاطب الناس من خلال المنبر، قد تقول: أنا لست بخطيب ولا أجيد فن الخطابة، شارك واقترح على الخطيب موضوعاً، قدم للخطيب ملاحظة، إن لم تكن هذا ولا ذاك فلتكن مستمعاً جيداً، تستمع الخطبة وتنقل مضمونها إلى الناس، تتأثر بها، تشارك في فهم معناها، في التفاعل معها.
إن لم تكن هذا ولا ذاك فقد تكون أديباً أو شاعراً أو كاتباً أو قاصاً أو إعلامياً أو خبيراً أكاديمياً أو قارئاً أو حتى خطاطاً أو رساماً، رُبّ إنسان يمكن أن يلتفت إلى الخير من خلال أنه دخل في معرض مثلاً، فرأى ما فيه من اللوحات الجميلة، لوحات تعبر عن تاريخ المسلمين وما فيه من المجد والعظمة، لوحات أخرى تتحدث عن جوانب في الكون مما ينبئ عن قدرة الله تعالى، من حفيف الأشجار، أو خرير الأنهار، أو جميل المناظر والأزهار، أو سواها، أو أخرى تعبر بصورة شرعية مباحة غير محرمة عن بعض المآسي والآلام التي يعيشها المسلمون، أو قرأ آية فتعجب منها ووقعت في قلبه.
المهم أن نحشد كل الطاقات لدعوة الناس إلى الإسلام، وألاَّ نقبل أن يكون الإسلام هماً لفئة خاصة من الناس، هذا الكلام لا يعني أبداً التقليل من دور الأفراد، فنحن نؤمن أن هناك أفراداً لهم دور خاص الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، المصلحون من بعدهم، لكن حتى هؤلاء لم يربط الدين بهم بدءاً وانتهاءً وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144].
ولهذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، انتهت دولة الخلفاء جاءت دولة بني أمية، ثم بني العباس، ثم دولة العثمانيين، فليس من المصلحة تضخيم دور الأشخاص وجعل الدولة محصورة بهم، حتى كأنهم رموز لا قيام للدين إلا بهم، لأن الأشخاص يذهبون ويجيئون، ويمرضون ويموتون، ويوقفون ويسجنون، ويستقيمون وينحرفون، لكن لو جعلنا الهمَّ همَّ الجميع؛ لكنا أفلحنا في تكسير كل الحواجز والحيلولة دون أن يفلح أحد في إيقاف مسير الدعوة.
هذا هو السؤال الكبير، وهنا تأتي العوائق النفسية التي أرى الوقت يسارع، ولكنني أذكرها الآن ولو بإيجاز، على أني وعدتكم أن أتكلم عنها إن شاء الله بشكل مفصل في جلسة قادمة.
وهو حيناً يلقي بلائمة على سواه، فإن كان يتحدث عن الفساد السياسي والعسكري جعل سببه الحكام، وللحكام من ذلك نصيب، ولكن للشعوب أيضاً نصيب آخر، وإن كان يتحدث عن الفساد الديني والأخلاقي جعله مسئولية العلماء والدعاة، وإن كان يتحدث عن الانتكاسات التي منيت بها الأمة، جعلها مسئولية كيد الأعداء ومكرهم الذي لا يفتر ليلاً ولا نهاراً، وينسى قول الله عز وجل: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76] ثم هو يفتعل كافة الأسباب لتسويغ هذا القعود.
حالة الضعف: واحد من الناس -رقم واحد- من أجل ألا يعمل ولأنه عاجز يزعم أن الأمور جيدة، وأن الدعوة قائمة تماماً وأنه ليس له مكان، فهو يقول: ماذا أصنع؟
المساجد لا تحتاج إلى خطباء أو أئمة، النشاط المدرسي هناك من يقوم عليه، والدروس العلمية كثيرة بل هي أكثر من الحاجة، ولذلك ليس لي مجال.
وهذا كما يقول هذا في الدنيا، يقول مثله في الآخرة أو قريباً منه، وفي الصحيح ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي قال الله تعالى له: {اذهب ادخل الجنة، فذهب فلما اقترب منها خيل إليه أنها ملئا فرجع، وقال: يا رب وجدتها ملئا، قال الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة، حتى قال الله تعالى له: اذهب فادخل الجنة فإن لك الدنيا وعشرة أمثال الدنيا، فقال: أتهزأ بي وأنت الملك؟! قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه
إذاً: يتعلل أحياناً بأن الميدان ملئا، وأن الساحة لا تحتاج إلى جهده ولا إلى جهاده.
المهم النتيجة أن هذا الإنسان بخل علينا حتى بتوقيعه في إنكار منكر، وقد يرتب على هذا العمل البسيط لخوفه، نتائج بعيدة المدى، فهو يفترض دائماً أسوأ الاحتمالات، يفترض مثلاً أن العمل الذي عمله كان بمرأى من خصم شديد الخصومة، هذا الخصم له صلات وصداقات مع فئات شتى استطاع أن يفعل ويفعل، وعلى كل حال فهو يقول: السلامة لا يعدلها شيء، وأنا فرد واحد، وجودي لا ينفع وعدمي لا يضر.
كثيرون يعتقدون الآن أن اليهود يدبرون أمر العالم، وأن هناك لجنة ثلاثية أو رباعية أو أربعينية أو خمسينية مكونة من رءوس اليهود هي التي تدير كل الأمور في العالم، وهذا في الواقع تصور خطير حتى من الناحية الاعتقادية، فنحن نعلم أن الله تعالى وحده هو الذي على كل شيء قدير، وهو الذي بكل شيء عليم، وهو الذي لا يقع في الكون إلا ما يريد، أما البشر فهم ليسوا كذلك ولا قريباً منه، بل كثيرٌ من الأشياء تقع بغير اختيارهم، ربما يفلحون فقط في استغلال الأحداث، في صناعتها، في تجييرها لصالحهم، أما أن يصنعوا هم الأحداث من أصلها وفصلها فهذا ليس بصحيح.
على سبيل المثال: الغرب الآن في فترة تمكين وقوة وبأس شديد، أليس الغرب أعلن بنفسه أنه يسعى إلى إسقاط النظام البعثي في العراق ومع ذلك لم يفعل حتى الآن، بغض النظر عن جديته في مثل هذا الأمر ومصداقيته، قد يقول قائل: إن الغرب مستفيد من بقاء حكم البعث في العراق.
مثلٌ آخر: أليس الغرب أعلن منذ سنوات أنه ضد الحكومة القائمة في السودان، وأنه يحاربها، وكان يراهن على سقوطها خلال ستة أشهر، ومع ذلك ظلت وبقيت وربما قويت أيضاً، مع أنها دولة من الناحية الاقتصادية ليست بالوضع الذي يمكنها من مواجهة مثل هذه المواقف الصعبة، لكن ينبغي أن نعلم أيضاً أن هؤلاء قد يريدون الشيء ولا يقع، وقد يقع الشيء ولا يريدونه، وأن هناك أشياء كثيرة تقع على خلاف ما يتوقعون، وخلاف ما يريدون وما يتمنون، لكنهم أذكياء فهم يستفيدون من الأحداث ويحاولون أن يطوعوها لمصلحتهم.
لماذا لا تدرس؟
قال يا أخي: التدريس يتطلب مثلما كان السلف الصالح علماء حفاظ لديهم من العلم والفقه والصواب والصلاح والاستقامة كيت وكيت.
لماذا لا تكون إماماًً؟
قال: الإمامة تتطلب حفظ القرآن، والمحافظة على الصلوات في أوقاتها وضبط المواعيد، وأنا لا أستطيع ذلك.
لماذا لا تخطب؟
قال: الخطبة تتطلب جهورية الصوت، وجودة القراءة وحسن الإلقاء.
وهكذا يفترض المثالية دائماً في كل شيء ثم لا يسعى هو إلى تحصيل الأسباب بأي وسيلة.
وفي جريدة رياضية يوم الخميس (19/11/ 1412هـ) يقول أحد المسئولين في الرياضة كلاماً خطيراً ينم عن أن القضية ليست مجرد رياضة كما أجلبت لها الصحف، يقول: إن الوفد سيلتقي اليوم مع اللجنة المشتركة الذي تضم مسئولين من الخارجية ومن المجلس البريطاني للرياضة والثقافة، إضافة إلى اجتماع آخر مع اتحاد كرة القدم يشارك فيه مجموعة من المسئولين، أننا سنبحث معهم اليوم البرامج المشتركة بين الاتحاد السعودي والاتحاد الإنجليزي، ومن ضمنها موضوع الخبراء الذين سنحتاجهم في الاتحاد السعودي.
ثم قال: إن الأمر ليس مقصوراً على الرياضة فقط، وإنما يأخذ جانباً آخر وهو المراكز الخاصة بالأسر والمجتمع ككل، وأنه سيكون هناك لقاء آخر لموضوع الثقافة بعد أن يتم تبادل مذكرات بين البلدين، والذي ربما يقود إلى توقيع مذكرة تفاهم أخرى، وأعرب عن أمله أن يتم هذا البرنامج مع البريطانيين لسنوات قادمة، مشيراً إلى أن كلا الطرفين متحمس لمذكرة التفاهم هذه وتطبيقها، وقال: نعمل على تطويرها لتشمل إلى جانب النشاطات الرياضية تبادل زيارات الشباب من الجامعات والمدارس الثانوية، مثل ما تم مع الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى.
إذاً: القضية ستشمل نشاطات المجتمع والأسر، وستشمل تبادل الزيارات بين الشباب وغيرهم، وفي العدد نفسه يوم الخميس، تكلم عن سبعة آلاف ناشئ اختبروا في نادي الاتحاد الذي تنظمه أكاديمية الاتحاد العربي لكرة القدم، وقد حضر الاختبارات أكبر من سبعة آلاف ناشئ اكتظ بهم ملعب النادي طوال الفترتين الصباحية والمسائية، ولم يتمكن عدد كبير آخر من الناشئين من حضور هذه الاختبارات، نظراً لعدم إمكانية استيعاب هذا العدد الهائل من الناشئين.
الخبير العالمي بوب شارلتون أعرب عن سعادته ودهشته في نفس الوقت لحضور هذه المجموعة الكبيرة من الناشئين لنادي الاتحاد لتلقي اختبارات البرامج.
التعليق الأول: أن الصحف السعودية نفسها نشرت قبل سنتين خبراً يقول: الفاتيكان يخطط للتنصير في كأس العالم.
وأنا أقرأ الآن من أحد الجرائد السعودية يقول: بعض التقارير الصحفية نشرت أن نشاطات خاصة، وخططاً مكثفة تنفذ في أقسام النشاط الخارجي المختلفة في الفاتيكان لاستغلال مسابقة كأس العالم التي ستشهدها إيطاليا وتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وسيقوم القساوسة ضمن الخطط.... إلى آخر الكلام، المهم أن القساوسة سوف يستغلون كأس العالم للقيام بحملة تنصيرية يقف وراءها الفاتيكان.
إذاً: ما الذي يجعلنا نستبعد أن بوب شارلتون هذا الذي ترك النادي الذي ينتسب إليه منذ حوالي أكثر من خمس عشرة سنة، ما الذي يجعلنا نطمئن أن الرجل ليس قسيساً؟!
وقد سمعت أخباراً أنه قضى جزءاً من هذه المدة في أفريقيا، وهي كما هو معروف بلد النشاط التنصيري منقطع النظير، وهو يقوم أيضاً على معهد لتدريب الناشئين في العالم فهذا جانب.
أمرٌ آخر: هؤلاء الشباب سينتخب منهم مجموعة لتذهب إلى بريطانيا، وتقيم في معسكرات هناك، معسكرات مختلطة من الأولاد والبنات، والسن أقل سن اثنا عشر وأكثر سن ستة عشر وما بينهما، سن المراهقة المبكرة، سن إمكانية التأثر والانجراف، فكيف نفرط في فلذات أكبادنا وندعهم في مثل تلك الأجواء الفاسدة الملوثة؟!
الفساد الأخلاقي، الأغراض التنصيرية، تدمير عقول الشباب، نـزع ثقتهم بدينهم، وغرس الثقة بالنصراني، الآن الذين يتدربون في الرياض وفي الحجاز، جاءتني أوراق كثيرة لا أحصيها وهي موجودة عندي بخطوط بعضهم يقولون يدربهم نصارى، الصلبان تلمع على صدورهم، بل وعلى سراويلهم القصيرة التي لا تواري أفخاذهم، أوقات الصلوات تضيع دون أن يصلوا، التعظيم لهذا المدرب النصراني، يضع يده على كتف الطفل المسلم، يلطف معه، يحادثه.
أين أولياء الأمور؟!
أين الآباء؟!
كيف يرضى أب أن يذهب ولده إلى مثل تلك البيئات الفاسدة المنحرفة المحاربة لله تعالى ورسوله؟!
وكيف يرضى المسلمون أن تكون مدارسهم التي إنما بنيت أصلاً لتعليم الدين، وتربية الناس على الإسلام والخير، أن تكون مجالاً لاختيار مثل هذه البذرات الغضة الطرية البريئة ليدربها بوب شارلتون، ثم يذهب بها إلى بريطانيا حيث تعيش هناك في معسكرات مع الأولاد والبنات من النصارى واليهود وكل شعوب الدنيا؟!
أمر آخر: ماذا يريد بوب شارلتون وغيره من هذه الدعايات الإعلامية؟!
الاقتصاد والتجارة والمال، ولا تستبعد أبداً أن هذا الرجل يذهب بعد شهر أو شهرين إلى بريطانيا فتجري معه الصحف البريطانية مقابلات كما حصل هذا فعلاً مع غيره ممن جاءوا قبل سنوات، فيقولون: ماذا استفدت من زيارتك للسعودية؟
فيقول: والله ما استفدت شيئاً إلا المال، وقد قال أحدهم مثل هذا الكلام، وكان قد جاء إلى المملكة قبل سنتين.
فالهدف له جانب تخريبي، وله جانب اقتصادي مادي، وفي بعض الصحف إشارة إلى أن هذه الحملة لها هدف اقتصادي واضح وبارز.
ونحن نسأل ما دور المسلمين في هذا البلد؟
ما دور العلماء والدعاة والخطباء، وكل رجالات الأمة؟
فنحن قبل قليل نتكلم عن أن القضية لا يجوز أبداً أن تكون مهمة فئة خاصة من الناس، بل يجب أن تكون مهمة الجميع، فولي الأمر يخاطب ويعاتب على أن يرسل ابنه، والطالب ينصح زميله، والمدرس ينصح طلابه، والمدير ينصح أيضاً، وينبغي أن يكتب كل إنسان وتخاطب كل جهة، وبكل وسيلة في إيقاف مثل هذا العمل، وأنه لا يجوز أبداً أن يمر على ظهور المسلمين، لا يجوز أن يذهب شاب مسلم من هذا البلد إلى بريطانيا؛ ليتدرب في تلك المعسكرات المختلطة، ولا يجوز أن تتخذ المجالات العلمية والتعليمية بل ولا الرياضية، التي إنما أقيمت وبنيت بأموال المسلمين وجهودهم وميزانياتهم أن تكون لهدم أخلاقيات الشباب وتدميرهم.
وإذا كان هذا اليوم بالنسبة للأولاد، فما الذي يؤمننا أن يكون الدور على الفتاة غداً أو بعد غد، خاصة ونحن نعلم أن عدداً من العلمانيين أصحاب المراكز الاستشارية يتكلمون سراً في كثير من الأحيان، وجهراً -إن استطاعوا- عن تمنياتهم أن تكون الحصة الرياضية مقرراً دراسياً في رئاسة تعليم البنات.
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى، أعلنت شركة بيبسي كولا عن عزمها على إقامة دورة في كرة القدم أكاديمية للناشئين من سن الثانية عشرة إلى السادسة عشرة، أي من طلاب الابتدائي والمتوسط تحت إشراف فريق من البريطانيين، وهي تطلب من الجميع المشاركة لتنتخب منهم بعد إجراء اختبارات مجموعة، فما رأي فضيلتكم هل يشجع الإنسان أبناءه على الالتحاق بها ليسافر بهم إلى بريطانيا؟
أجاب فضيلة الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، لقد سمعت هذا الخبر وقرأته، وفيه أنهم سوف ينتخبون من النشء الصغار ثلاث فرق، فرقة إلى حد السنة الثانية عشرة، وفرقة إلى حد السنة الرابعة عشرة، وفرقة إلى حد السنة السادسة عشرة، ليختاروا منهم من يرونه صالحاً للمشاركة في هذه الأكاديمية التي سيجري التمرين عليها في بريطانيا، وأنا لا أظن أن أحداً من الناس يسمح لولده فلذة كبده وثمرة فؤاده أن يذهب بهذه السن إلى بريطانيا أو غيرها من بلاد الكفر، لما في ذلك من الخطورة العظيمة على دين الولد وأخلاقه وعبادته، ويحرم على الإنسان أن يُمكِّن لهذه الشركة من السفر بهؤلاء النشء إلى بريطانيا أو غيرها من دول الكفر، لأنه مؤتمن على أهله وأولاده، وسوف يسأل عنهم يوم القيامة، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: {الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}.
أسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا وشبابنا من كيد أعدائنا، وأن يحفظ حكومتنا بالإسلام ويحفظ الإسلام بها، وأن يجعلها خير راع لأبناء شعبها وفلذات أكبادهم أن تجترفهم مثل هذه الأفكار السيئة إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا الجواب عن سفر الناشئين إلى بريطانيا للتدريب على كرة القدم من إملائي، قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين في (21/11/1411هـ).
وسأترك بقية الحديث عن هذا الموضوع ليتمه فضيلة شيخي الشيخ محمد صالح المنصور بعد قليل، لإكمال بعض النقاط الأخرى التي لا بد من المرور بها.
وهذا يدل فعلاً على أن الأخيار كثيرون، ولو أنهم قاموا بدورهم في مقاطعة أي عمل جريدة أو مجلة أو كتاب، أو أي عمل آخر فاسد، لما كتب له البقاء وأن يقوم على قدميه، فهم لا يستطيعون إلا بقوة يأخذونها من أفراد المجتمع الذين غالبهم خيرون وغيورون على دينهم، ولذلك أنا أقول: انتهت الصباحية، فإلى أين نتجه؟!
قضينا من تهامة كل وتر وخيبر ثم أجممنا السيوف |
نخيرها ولو نطقت لقالت قواطعهن دوساً أو ثقيفا |
فأنا أقول: انتهت الصباحية وجاء دور الشرق الأوسط، إن جريدة الشرق الأوسط تمارس دوراً سيئاً جداً في تشويه أخبار المسلمين، والتكتم على قضاياهم، وتشويه صورة الإسلام، والنيل من قضايا الإسلام، ومعالجتها بطريقة لا تخدم المصلحة الإسلامية بحال من الأحوال، فهي لا تسمي المسلمين إلا بالأصوليين، وتتهمهم بأنهم مجموعة من الناس المتوحشين الذين لا هم لهم إلا السلب والنهب والقتل والتدمير والإحراق.
وقد تكلمت قبل أسبوعين عما تقوم به هذه الجريدة، فهل يحق لنا أيها الإخوة أن ندعو جميع المؤمنين والمسلمين والغيورين والمتحمسين إلى مقاطعة هذه الجريدة، وعدم شرائها، خاصة أنها لا تحمل مادة إعلامية مهمة، ولا أخباراً ذات بال، وهناك جرائد أخرى كثيرة قد تغني عنها، ليعلم هؤلاء الناس أنهم قد أساءوا إلى مشاعرنا، فأنا أدعو الجميع إلى مقاطعة هذه الجريدة وعدم تعاطيها أو شرائها أو بيعها أو المشاركة فيها بأي أسلوب.
وقد تحدث الأستاذ عبد الرحمن العشماوي في قصيدة بعنوان "خضراء الدمن" عن هذه الجريدة فقال:
تجيء إليك فاقدة الصواب مهتكة العباءة والحجاب |
مصبغة الملابس باخضرار ملونة المبادئ باغتراب |
رأينا في الجزائر راحتيها وقد حملت شعارات اضطراب |
وفي أرض الجهاد لها حديث مريب في الحضور وفي الغياب |
تروح على تنكرها وتغدو خداعاً في الذهاب وفي الإياب |
تشوه وجه صحوتنا جهاراً وتطعنها بآلاف الحراب |
وتغلق باب إنصاف وعدل وتفتح للتحامل كل باب |
تقول عن الأصوليين قولاً تميز بالتحامل والسباب |
لها كف مخضبة ولكن بأسوأ ما تراه من الخضاب |
جريدة شرق أوسطهم مقرٌ لأصناف الزواحف والذئاب |
فكم وصفت بإرهاب دعاة إلى نهج الشريعة والكتاب |
بَرِئْتُ إلى إله العرش منها كما برئ المشيب من الشباب |
أقول لمن يدير الأمر فيها أما لك بعد هذا من متاب؟! |
أما لك رجعة للحق تبدي بها للناس أحكام الصواب؟! |
تذكر أيها المخدوع أنا سنلقى بعضنا يوم الحساب< |
وكان النبي صلى الله عليه وسلم له لحية شأنه شأن العرب، ولم يطلقها بعد الإسلام، ولا تعني في الإسلام شيئاً مميزاً للمسلم، كل ما في الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره رؤية اللحية الكثة -انظر كيف الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم! لم يتكلم على أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، تكلم عن مشاعر قلبية في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم- كان يكره رؤية اللحية الكثة ويتضايق منها، فقال: {حفوا الشوارب وأكرموا اللحى} أكرموها بمعنى: هذبوها، رتبوها، امشطوها، وليست بمعنى: أطلقوها لأنها مطلقة أصلاً.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتاح -لا حظ الكلام مرة أخرى عن مشاعر النبي صلى الله عليه وسلم لم تقف الجرأة عند الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بالقول وكفى به أثماً مبينا، {ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار} بل تطور الأمر إلى الكذب في التعبير عن مشاعر في قلب النبي صلى الله عليه وسلم- كان يرتاح للوجوه النضرة، واللحية المهذبة، ويرعبه شكل الإنسان المشوه، ولا أبلغ من قول الله تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً [الكهف:18].
شكلهم المخيف بسبب لحاهم التي غطت وجوههم، وأظفارهم التي وصلت إلى الأرض، وليس لسبب آخر فهم بشر وطولهم متوسط، لذا بقيت صورة الرعب هذه في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومرة ثالثة يتكلم عن ذهن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الصورة بقيت في ذهنه عليه الصلاة والسلام، فكان كلما رأى من هو كث اللحية، تذكر شكل أهل الكهف، حتى التذكر يفتري على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً على ذلك وقال ذلك الحديث المشهور.
يقول: في هذه الأيام برز جيل من الملتحين، لا يعرفون أن الدين المعاملة، ويجهلون أن الدين النصيحة، ويتناسون أن الإسلام جملة من المحبة والمودة والفضائل، لا يعرفون أن المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، نسوا محاسن الإسلام وسلوك الإسلام، وتمسكوا باللحية وكأن الإسلام لحية، لا يعرفون أن اللحية تعبر عن الأمة العربية أحسن تعبير، ونسوا أن أحبار اليهود ورهبان النصارى وكفار قريش والهندوس والشيوعيين يلتحون، وكذلك البدائيون من الخلق.
النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ما يفيد أن اللحية من الإسلام في شيء، وإنما قال حديثاً يزجر به الذين شوهوا مناظرهم بلحاهم الكثة، الذين كانوا ينتفونها بأيديهم، ويقضمون شواربهم بأسنانهم، ويشوهون منظرهم الإنساني الجميل.
فقال عليه الصلاة والسلام ما معناه -الآن انتقل من الكذب على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشاعر، وعلى عقله بالتذكر والتصور إلى الكذب على لسانه صلى الله عليه وسلم- فقال ما معناه: يا جماعة هذبوا لحاكم وحفوا شواربكم بالمقص وليس بأسنانكم.
الجهلة اعتقدوا أن هذا هو الحديث الوحيد الذي يرمز إلى إسلام المرء، ومن حقك إذا أطلت لحيتك أن تشتم الناس وتكفرهم وتفرق بينهم، وتحلل دماءهم ونساءهم.ا.هـ
هذا الكلام ليس كلاماً علمياً حتى نرد عليه بالمنطق العلمي والحجة والبيان، وإنما هو كلام سفه، وكلام افتراء، وكلام تهويش وتشويش، وكلام إنسان في حالة انفعال لا يفرق فيها بين الحق والباطل، والخطأ والصواب، والنور والظلام، فهو يتقول على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا الكلام ينبغي أن يعرف بالضبط من قاله، وينبغي أن يعرف بالضبط أين نشر، وينبغي أن يعرف بالضبط من الذي سمح بنشره، وينبغي أن يخضع ذلك كله لمحاكمة من قبل الغيورين على أمر الإسلام.
هناك كلام أيضاً عن آخر أخبار المجاهدين الأفغان، وهناك كلام عن آخر أخبار المسلمين في يوغسلافيا والموقف الغربي، وهناك كلام عن بعض الموضوعات المتعلقة بأمور أخرى.
وبقدر ما فرحنا بهذا الأمر وسُرِرْنا، إلا أنه ترامى إلى عقلي وذهني قصة يوسف عليه الصلاة والسلام قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف:50] فنعم أخرج لكن بعد أن مكث في السجن شهراً وأياماً، فلا أدري حتى الآن لم يكن هناك أي إدانة تدل على السبب الذي سجن فيه، لذلك فهذا الفرح أمرٌ عادي، لكن الأصل ألا يسجن بلا معنى، ثم يفرح بخروجه، فالأصل أن أعراض الناس ودماءهم وأموالهم حرام كما نص على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الأمر الذي نصت عليه الأنظمة التي أعلنت، فهو لم يكن له ذنب إلا الأمر بالمعروف، فكان غريباً أن ينال من الإنسان في نفسه أو أهله أو ماله أو عرضه بشيء، وإن كنا لا نملك إلا الفرح بخروجه.
لكننا نقول أيضاً: ينبغي أن تكون أموال الناس وأعراضهم مصونة فلا يسمح لرجل الأمن أن ينال منها، ونتمنى بإذن الله تعالى ألا نسمع مثل هذه الأخبار المزعجة في المستقبل في شأن أحد من الأخيار والصالحين.
فإذا حصل من أحد ما يدعو إلى مناقشته فالحمد لله البلد مرجعه أهل العلم، وسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز ومن معه من العلماء هم مرجع للجميع، ولا أحد من أهل هذا البلد كبيراً أو صغيراً عالماً أو جاهلاً إلا ويرضى بهم، ويقبل بالانصياع إلى ما يقولون ويرشدون.
فنسأل الله تعالى أن يرزق الشيخ سمير وغيره من الدعاة والمؤمنين الصبر والاحتساب وأن يجازيهم على ما لقوا خير الجزاء، وأن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأسأله جل وعلا أن يعز الإسلام والمسلمين في كل مكان، ويذل الشرك والمشركين ويدمر أعداء الدين، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر