وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134].
ولشهر رجب أسماء منها: رجب من الترجيب، أي: التعظيم؛ لأنه كان يعظم.
ومن أسمائه أيضاً: رجم بالميم، يقولون: إنه كانت ترجم فيه الشياطين.
وسمي أيضاً: شهر رجب الأصم، لأنه لم تكن تسمع فيه قعقعة بسلاح.
وسمي شهر رجب الأصب، قالوا: لأن الرحمة تصب فيه صباً.
وسمي المعكعك، وسمي المعلى، وسمي المقيم؛ لأن حرمته ثابتة مقيمة.
وأما التسمية الشرعية فهي شهر رجب.
وهناك من علماء السلف من كان يصوم الأربعة الأشهر الحرم، ولا يفطر إلا في يوم عيد الأضحى وأيام التشريق، منهم الحسن البصري وأبو إسحاق السبيعي ، ومنهم من كان يكثر الصيام في الأشهر الحرم كـسفيان الثوري ، وكره الإمام أحمد، ويحيى بن سعيد القطان، وأنس رضوان الله عليه، وابن عمر أن يتم الرجل صيام رجب، وكان أبو بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى أهله قد جمعوا السلال والكيزان لمجيء شهر رجب، يقلب السلال، ويكسر الكيزان، ويقول: ماذا؟! أجعلتم رجب كرمضان؟!، ونص الإمام أحمد أنه لا يصوم رجب كرمضان بتمامه إلا من صام الدهر بأكمله.
وورد حديث ضعيف: (أن في الجنة نهر يقال له: رجب، ماؤه أحلى من العسل، وأشد بياضاً من اللبن، من صام يوماً في رجب سقاه الله من ذلك النهر) وقد ضعفه الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه: (تبيين العجب في ما ورد في فضل رجب) وقال: لا يصح في فضل رجب حديث صحيح.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: والله! إني لأعجب، وإني لأغار لرمضان ولصلاة التراويح من هذه الصلاة، ليس جحداً بهذه الصلاة، بل إن العوام يجتمعون على هذه الصلاة أكثر مما يجتمعون في شهر رمضان، وكثير من الوعاظ يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، وهذا الحديث فيه أبو بكر بن القاسم ، وهو ضعيف لا يصح.
أما حديث صلاة الرغائب، فقد قال الإمام الحافظ عبد الوهاب شيخ الإمام ابن حجر العسقلاني : فتشت عن رجاله في جميع الكتب فلم أجدهم.
يعني: أن أسانيده أسانيد ملفقة، يضعها الوضاعون في فضل صلاة هذا الشهر، وصلاة الرغائب ضعفها شيخ الإسلام الإمام العربي الأنصاري، وضعفها ابن الصنعاني، وابن الزيدي، وابن رجب الحنبلي ولم يصححها إلا ابن الصلاح وهذه سقطة، وسقطات العلماء في بحر جودهم وفي بحر علمهم مغفورة.
يقول الحافظ ابن حجر : وأما ما يقوله القصاص والمفسرون من أن الإسراء والمعراج كان في رجب، فذلك كذب. ضعفه ابن حجر العسقلاني ، وكذلك الإمام الحافظ إبراهيم الحربي، وابن رجب الحنبلي ، وقالوا: إن الإسناد إلى القاسم بن محمد لا يصح.
وهناك فريق من العلماء منهم الإمام النووي قالوا: إن الإسراء كان في شهر رجب، وهناك جمع من العلماء قالوا: إن الإسراء كان في شهر رمضان، ومنهم ابن سعد ، وهناك جمع من العلماء قالوا: إن الإسراء كان في ربيع الآخر، ومنهم إبراهيم الحربي ، فهذا قول العلماء أن الإسراء والمعراج لم يكن في رجب.
وعلى قول من قال: إن الإسراء كان في رجب، أما اختصاصه في السابع والعشرين من رجب فهذا ما قاله إلا العماد ونقل عنه العلامة ابن كثير.
أما بالنسبة للذبيحة في رجب، فهناك حديث للنووي وغيره ورواه الإمام البخاري يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا فرعة، ولا عتيرة)، وورد عند النسائي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من شاء منكم أن يفرع فرع، ومن شاء أن يعتر عتر)، فجمع العلماء بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة فقالوا: إن النفي هنا هو نفي الوجوب، أي: أن الذبيحة ليست واجبة، والرأي الأقوى الذي ذهب إليه ابن رجب الحنبلي قال: والعمل على حديث أبي هريرة بكراهية الذبيحة التي كانوا يذبحونها في رجب العتيرة، والنهي أولى، ويقدم حديث أبي هريرة في هذا الباب فحديثه أصح.
القدس تحتل مكان القلب
من قلب كل امرئ مسلم
قديسة التاريخ والآباء والذكر الحسن
يا عطر كل الأنبياء المخلصين
يا زهر كل الأولياء المتقين
من قال اسمك يمتهن
يا قدسنا .. يا عشقنا .. يا صهرنا
قاتلت فيك ولم يزل يحلو السفر.
وجبريل حاد لمشرودة تقاصر عنها خيال الزمان
ونور ينادي ونور يلبي ونور يضاء به المشرقان
وفاض الذي لا تراه العيون يراه محمد رؤيا عيان
ويقول الله تبارك وتعالى في كتابه على لسان موسى: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة:21].
ويقول الله تبارك وتعالى عن بيت المقدس: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأعراف:137].
ويقول الله تبارك وتعالى عن الشام وبيت المقدس: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [سبأ:18].
ويقول الله تبارك وتعالى عن الشام وبيت المقدس فيما جاء عن إبراهيم: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:71].
ويقول الله تبارك وتعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ [الأنبياء:81].
ويقول الله تبارك وتعالى عن عيسى وعن أمه عليهما السلام: وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون:50]. قال قتادة والسدي : إنها بيت المقدس.
ويقول الله تبارك وتعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36]. قال عكرمة : هي المساجد الأربعة: الكعبة، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، ومسجد قباء.
ويقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا [البقرة:114]. نزلت هذه بقول علماء التفسير في بيت المقدس.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس، سأل ربه ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يأتي إلا للصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أما اثنتين فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة) هذا الحديث رواه الإمام ابن ماجه في سننه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه وفي صحيح الجامع الصغير.
فقوله: (لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس) أي: من تجديد بناء البيت؛ لأن الذي بناه يعقوب، وكان بين بناء المسجد الأقصى وبين بناء أول بيت وضع للناس أربعون سنة كما جاء في الصحيحين.
وقوله: (سأل ربه ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه) أي: حكماً يوافق حكم الله تبارك وتعالى، كما قال الله تبارك وتعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ [الأنبياء:79].
وقوله: (وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده) أي: وملكاً لا يكون لأحد من بعده، والمعجزة التي أعطيها سيدنا سليمان كانت في الملك والنعم التي أعطاها الله تبارك وتعالى لسليمان، فما أعطى الله تبارك وتعالى ملك سليمان لأحد من قبله ولا لأحد من بعده.
وقوله: (وألا يأتي هذا المسجد) أي: بيت المقدس، (أحد لا يأتي إلا للصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
وروى الإمام البخاري والإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا لثلاث: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).
وروى الإمام النسائي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس، ثم ربطته في الحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت المسجد)، لو لم يكن لبيت المقدس إلا هذه الفضيلة لكفى.
وعن جنادة الأزدي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال ويقول في الدجال: (فيمكث في الأرض أربعين صباحاً، يبلغ ملكه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد الطور، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم).
وعن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (قلت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس، قال: أرض المحشر والمنشر). أي: يحشر الناس إليها ومنها ينشرون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه، قال: فاهدوا له زيتاً يسرج فيه، فمن فعل فهو كمن أتاه).
ويقول الله تبارك وتعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ [ق:41]، قالوا: ينادي -وهو إسرافيل- يقف على صخرة المقدس، وينادي الناس للنشر وللوقوف أمام الله تبارك وتعالى في عرفات القيامة.
الجراحات تستغيث وتشكو مل سمع الوجود أين صلاح
مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منائره من حيث يتلى ولا الآذان آذان
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد من رواية أبي الدرداء : (بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب قد احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام)
قال ابن حجر : سنده صحيح.
وذلك لأن ملك النبوة في آخر الزمان سيكون في الشام، بل الخلافة الإسلامية سيكون مركزها في القدس، لما رواه الإمام أحمد والإمام أبو داود والحاكم في مستدركه عن ابن حوالة الأزدي قال: (وضع رسول الله صلى الله وسلم يده على رأسي -أو على هامتي- وقال: يا
يقول الشاعر:
وفيها دماء الطهر لابن رواحة وفيها قضى زيد العوالي وجعفر
وفي السنة التاسعة من الهجرة قاد النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة ثلاثين ألف مقاتل، حتى وصل إلى تبوك وفرت جحافل الروم، وبعد أن طهر البيت الحرام مما فيه من الأصنام والأوثان، يمم الرسول الله صلى الله عليه وسلم وجهته إلى المسجد الأقصى، فعقد اللواء بيديه لـأسامة ، ليؤدب عساكر الروم وجحافلها، فمنعه مرض الموت من ذلك، وعسكر أسامة هناك، ومات الرسول صلى الله عليه وسلم، فأراد بعض الناس من أبي بكر أن يستعيد هذا الجيش لقتال المرتدين، فقال: والله! لا أفكن لواءً عقده بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي عهد أبي بكر الصديق استطاع المسلمون أن يستنفذوا من براثن الصليبية بعض مدن فلسطين، وأرسل إليهم خالد بن الوليد الذي قال فيه الصديق : والله لأذهبن وساوس الروم بسيف خالد، ولما وصل إلى قنسرين والتقى بالروم قال خالد بن الوليد سيف الله لجحافل الروم: والله! لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم، أو لأنزلكم إلينا حتى نقاتلكم. ولما سمع عمر هذه الكلمة فيما بعد قال: يرحم الله أبا بكر ، لقد كان أعلم بالرجال مني.
وعسكرت الجيوش الإسلامية الوضيئة -وكان عددهم خمسة عشر ألف مقاتل- أربعة أشهر على آثار القدس، خمسة آلاف تحت قيادة أبي عبيدة، وخمسة آلاف تحت قيادة يزيد بن أبي سفيان، وخمسة آلاف تحت قيادة شرحبيل بن حسنة، فأرسل بطاريك القدس: والله لا نسلم المفتاح إلا لـعمر ، وأتى عمر ليتسلم المفتاح، فجاء سيدنا عمر إلى الشام بنفسه ولم يلبس قميص صوف، ولم يضع على رأسه عمامة، تلوح صلعته للشمس، راكباً على جمله، فلما وصل إلى الشام ترجل عمر وترجل أبو عبيدة وهمّ أبو عبيدة أن يقبل يد عمر ، فهم عمر أن يقبل رجل أبي عبيدة، فامتنع أبو عبيدة وامتنع عمر ، فقال له أبو عبيدة لما رأى قميصه مرقعاً قد اتسخ: يا أمير المؤمنين! إنك تأتي إلى قوم ذوي شأن فلا يصلح أن تأتيهم بهذه الهيئة، ثم أعطاه برذوناً، فلما ركب عمر فوق البرذون تاه به البرذون وتبختر في مشيته، فنزل عنه وقال: والله! ما كنت أظن أن الشياطين تركب قبل اليوم، علي بقميصي، ووجدوا بين كتفيه وبين منكبيه ثلاث عشرة رقعة.
فلما مضى إلى القدس ليدخلها خاض في الوحل، فنزع نعليه ووضعهما في يد، وهو يخطم الجمل باليد الأخرى، وخاض في الوحل، فقال أبو عبيدة: ما رأيت مثل اليوم منظراً، فضربه عمر في صدره، وقال: لو قالها غيرك يا أبا عبيدة! لقد كنا أحقر وأذل الناس، فأعزنا الله بالإسلام، فلو طلبنا العزة في غيره لأذلنا الله.
ثم سار إلى الصخرة، فقال لـكعب : أرني موقع الصخرة، وكانت المرأة إذا حاضت حيضاً أرسلت بخرقة الحيض إلى مكان الصخرة، وهي قبلة اليهود التي يزعمون، حتى قال لـهرقل: والله! لأنتم أحرى بالقتل على ما فعلتم بهذا المسجد من اليهود على قتل يحيى وعلى بني يحيى، فكان عمر يضع القمامات في جلبابه وفي قميصه ويخرجها خارج المسجد، ومن خلفه المسلمون.
ومن الشروط التي اشترطها النصارى على أنفسهم قولهم لـعمر : أن تدق الأجراس في جوف الكنائس دقاً خفيفاً بحيث لا يسمعه المسلمون، وأن نقوم للمسلمين من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، وألا نتشبه بالمسلمين في فرق شعر ولا في لباس نعل، وألا نضع السرج على الخيل، وأن نركب الخيل من شق واحد، وأن نلزم زنارنا حيث كنا.
أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجندك في حطين صلوا وكبروا
وتبكيك من شوق المآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيبي وخيبر
نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر
وليمون يافا يابس في حقوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر
وقال الآخر:
وكأنني وابن الوليد وجنده وبكل كف لامع الأنصال
نشروا على أرض الخليل لواءهم فغدا يظلل أطهر الأطلال
وعن اليمين أبو عبيدة قد أتى وأتى صلاح الدين صوب شمال
يسعى بجند قد شَرَوْا أرواحهم لله يوم تسابق لقتال
فهم الأعزة في كتاب خالد ما بعد قول الله من أقوال
ولما تولى معاوية الخلافة، أخذ العهد بالخلافة في بيت المقدس، ثم جعل دمشق عاصمة لخلافته، وفي عهد عبد الملك بن مروان أخذ البيعة بالخلافة في بيت المقدس، وأوقف عبد الملك بن مروان خراج مصر سبع سنوات على تجديد المسجدين، وعمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة طلب من الجميع أن يذهبوا إلى بيت المقدس ويقسموا هناك بين ربوعه يمين الولاء والطاعة والعدل بين الرعية.
وكم من مسجد جعلوه ديراً على محرابه نصب الصليب
دم الخنزير فيه لهم خلوف وتحريق المصاحف فيه طيب
وظلت القدس أسيرة إحدى وتسعين سنة، وجعلوا من قبة الصخرة مرتعاً لكلابهم، وربطوا الخيل والخنازير في أرجاء المسجد، حتى عسكر صلاح الدين الأيوبي في الخامس عشر من رجب، وفرض حصاراً حول القدس، ولما صارحوه على أن تفتح القدس بطريقة اشترطوها، قال: والله! لا تفتح إلا عنوة كما أخذت عنوة، فقال له مقدم النصارى الذي في القدس: إذاً نقتل من بأيدينا من أسرى المسلمين -وهم أربعة آلاف أسير مسلم- ونقتل أولادنا ونساءنا وجوارينا، ثم نهدم القدس وقبة الصخرة، ثم نخرج إلى العراء نقاتلكم قتال الموت، وهنا استجاب صلاح الدين إلى مطالبهم على أن يخرج كل رجل ويدفع عشرة دنانير، وكل امرأة خمسة دنانير، وعن كل صبي أو صبية ديناران، ومن يمكث أربعين يوماً ولا يخرج يقع أسيراً في أيدي المسلمين، وتم أسر ستة عشر ألف رجل وامرأة وولد، ودخلت جيوش المسلمين القدس بعد طول غيبة، في يوم الجمعة 27 من شهر رجب سنة 593هـ، دخل صلاح الدين الأيوبي، واهتموا بإزالة ما فيه من الصلبان والقساوسة والرهبان والخنازير، ثم غسلوا المسجد بالماء الطاهر، ثم بعد ذلك غسلوه مرة ثانية وقبة الصخرة بماء الورد والمسك الفاخر، وصدر المرسوم الصلاحي بأن يكون خطيب الجمعة في يوم الجمعة 4 شعبان هو القاضي القرشي ابن الزكي.
ما أجمل عودة الأرض إلى أهلها! وما أجمل عودة الأرض إلى الذين جادوا بأنفسهم لله تبارك وتعالى! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقتتل المسلمون واليهود، وحتى يختبئ اليهودي خلف الحجر والشجر، وينطق الحجر: يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجرهم) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد الفتح بثمان، أي: في اليوم الرابع من شعبان علا صوت الأذان، وخسئ القسيسون والرهبان، وصمتت النواقيس والرهبان، وقرئ القرآن، وعلقت القناديل، وتلي التنزيل، وتنوعت العبادات، وكثرت الدعوات، وكبر الله تبارك وتعالى الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد؛ كبره كل قائم وقاعد، وكل راكع وساجد، وامتلأ الجامع، وسالت لرقة القلوب المدامع.
كما قال العلامة ابن كثير : وصعد القاضي المنبر، فكان أول ما قال: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45]، ثم أتى بجميع المحامد أي: آيات الحمد التي في القرآن الكريم.
فما أحلاها من عظة! ما تمسك المسلمون بدينهم إلا وأعزهم الله تبارك وتعالى، وما فرطوا فيه إلا وأذلهم الله تبارك وتعالى.
تقول كاتبة مذكرات بلفور : إن بلفور كان يؤمن بالتوراة إيماناً عميقاً، ويؤمن بها إيماناً حرفياً، ولإيمانه بالتوراة أعطى اليهود فلسطين على أساس أنها ستكون لهم، كما جاء في التوراة المحرفة، فما أعطاها نظام تولي فقط، وإنما أعطاها لإيمانه العميق بالتوراة المحرفة، وقبلها لينين زعيم الشيوعية وكلبهم الأحمر، إذ أعطى فلسطين عام 1917م لرفاقه اليهود الذين شاركوه في الثورة، وأصدر منشوراً بإعطاء موطناً لليهود في فلسطين.
وقبل سنة 1798م قال نابليون بونابرت في الحملة الفرنسية على مصر أمام يهود العالم: أيها الإسرائيليون! أيها الشعب المختار! يا ورثة فلسطين الحقيقيين! هذه اللحظة قد لا تعود لآلاف السنين، فانتهزوا هذه اللحظة لإقامة وطن قومي لكم في فلسطين.
فـنابليون بونابرت وعد اليهود قبل أن يعدهم لينين .
واجتمعت جحافل الصليبيين والشيوعيين على الغدر بفلسطين وأقيمت الدولة اليهودية، وما استطاع أهلها أن يقاتلوا إذ لم يكن لهم من يقودهم ويأمرهم، فقائد القوات الأردنية لم يكن أردنياً، وإنما كان إنجليزياً، وحين لاقى الجيش المصري العدو في الفالوجة أشار عليهم القائد الإنجليزي أن يلبسوا ملابس النساء إذا أرادوا أن يخرجوا من الفالوجة، فامتنعوا من ذلك.
وأول سيارة دخلت إلى سينا نزل منها الجنود والضباط الإسرائيليون، وقبلوا الأرض الذي تسلم فيها موسى التوراة من ربه، أو التي كلم موسى فيها ربه.
إن ما بيننا وبين هؤلاء اليهود حرب دينية بحتة، ففي عام 1956م كانت أول سيارة جيب تخترق أرض سينا محملة بنسخة كبيرة من التوراة، ووراء هذا الكتاب حاخام يهودي يتلو على الجنود الإسرائيليين: يا أبناء إسرائيل! إنكم الآن تدخلون الأرض المقدسة، إنكم الآن أتيتم إلى الأرض التي تسلم موسى فيها رسالة من ربه، فقاتلوا أعداء موسى.
وفي سنة 1967م ألفت بنت موشي ديان كتاباً يسمى كتاب (جندي من إسرائيل) -وكانت ممن اشترك في الحرب- تقول فيه: وكان ينتابني الرعب، ويعتصر قلوبنا الخوف من لقاء الجبهة الجنوبية لجيش مصر، فكان إذا أتانا الحاخام وتلا علينا نصوصاً من التوراة، استحال الخوف أمناً، بينما كانت إذاعة العدو تردد للجنود المصريين: قاتلوا من أجل الربيع، قاتلوا من أجل عشاق الحياة، قاتلوا من أجل صناع الحياة، وأم كلثوم معهم في المعركة، يا خيبة الأمل!
وبعد المعركة تساقطت سبعمائة وخمسون طائرة، حتى إن جمال عبد الناصر أرسل إلى الملك حسين وقال له: أسقطنا ثلثي طائرات العدو، طائراتنا فوق تل أبيب، اطمئن يا جلالة الملك! التوقيع سلمي.
أنقل هذا الكلام سخرية من رجالات العرب.
كوكب الشرق لا تذوبي غراماً ودلالاً وحرقة وهياما
ففلسطين لا تحب السكارى وربى القدس لا تريد النياما
كوكب الشرق ضاع قومي لما تاه في حبك القطيع وهاما
ولو أن الخيام يبعث حياً هوت الكأس من يديه حطاما
فاليهود قتلة الأنبياء قتلوا يحيى وقتلوا قبله أباه زكريا، وأرادوا أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ دست امرأة زعيم من زعماء اليهود السم في ذراع الشاة، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة).
ومات من أكل هذه الأكلة بشر بن البراء الصحابي الجليل، بل قال كثير من العلماء: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات من أثر السم، لأنه قال لأخت بشر بن البراء في مرض الموت: (هذا أوان انقطاع أبهري من أثر الأكلة).
ومن اليهود عليهم اللعنة من الله، منهم كعب بن الأشرف الذي سب أمهات المؤمنين، ومنهم عبد الله بن سبأ مؤسس دين الشيعة الأكبر، ومنهم مدحت باشا مثير النعرات القومية، والذي كان سبباً في إسقاط دولة الخلافة على يد اليهودي الأصل مصطفى كمال أتاتورك ؛ لأنه كان من يهود الدونمة.
ومنهم كارل ماركس زعيم الشيوعية، ومن اليهود أيضاً جامبل كرتر، وقبائحهم لا تنقضي ولا تعد، فما بيننا وبين اليهود حرب دينية بحتة، ودولة إسرائيل دولة دينية، وشعارها شعار ديني، وتسمى بإسرائيل وهو نبي الله يعقوب، وحدودها كما جاء في الإصحاح الخامس عشر من التوراة المحرفة: (ما بين النيل إلى الفرات لنسلك هذه الأرض)، من نهر النيل إلى النهر الكبير؛ نهر الفرات، وعلمهم أيضاً فيه شعار ديني: خطان أزرقان يشيران إلى النيل والفرات وبينهما مسجد داود إشارة إلى ملك إسرائيل لهذه الأرض.
وهذا ياسر عرفات حينما اشتكى لـديفيد كاسترو قال له: وأنت مرشدنا وزعيمنا الروحي، وجعل محمود درويش مستشاراً له، وحينما نزل إلى مطار القاهرة الدولي إذا بآلاف مؤلفة يستمعون إلى محمود درويش الشيوعي المرتد، وقد كان مستشاراً ولكن عرفات أقاله من منصبه، وقد نظم محمود درويش قصيدة بعنوان: للحقيقة وجهان ولون الثلج أسود، يقول فيها:
لم تقاتل لأنك تخشى الشهادة
لكن نعشك عرشك
تحمل العرش
إن أردت العرش يا ملك الانتظار
لم يترك لنا هذا السلام إلا حفنة من غبار
ويقول محمود درويش :
أنا من قرية عزلاء منفية
كل رجالها في الحقل والمعمل
يحبون الشيوعية
وقال في ياسر عرفات :
أنا يا أخي! آمنت بالشعب المقلد والمكبل
وحملت رشاشي لتحمل بعدنا الأجيال منجل
شعار الشيوعية
وقال أيضاً:
نامي فعين الله نائمة عنا وأسراب الشحارير
ويقول في قصيدته مديح الظل العالي:
يا خالقي في هذه الساعات من عدم تجلّى -يعني: ظهر وبان-.
فلعل لي رباً لأعبده لعلَّ
أما رشاد حسين شاعر من شعراء منظمة فتح يقول:
الله أصبح غائباً يا سيدي صابر إذاً حتى بساط المسجد
أما سميح القاسم عضو الكنيست الإسرائيلي وشاعر من شعراء الثورة الفلسطينية: يقول في قصيدته: (التعاويذ المضادة للطائرات):
والله نحن نشاؤه بغرورنا
شيئاً له قسماتنا الشوهاء ترسمه أنانياتنا
ويقول محمود توفيق زياد في قصيدته (عيوني إليك المراكشية) يقول:
وكان الله جندياً يحمل الحجارة
ويعزل الإسمنت بيديه
ويصطاد السمك لأطفال فلسطين
ويقول محمود بسيسو المرتد الملحد في قصيدة له (إلى سائحة):
وآخر ديك قد ذبحناه
بقي الله
هؤلاء هم أصحاب الردة، وشعراء الإباحية والزندقة، كلهم مستشارو عرفات، فالعلمانية لا دين لها، وهي التي احتفلت بـلينين الذي أعطى أول وعد لليهود في فلسطين.
يقول محمود توفيق زياد :
أمامه وقفت خاشع الجبين
ضريحك المنصوب في القيود يا لينين
يكفيك أن عدانا أهدروا دمانا ونحن من دمنا نحسو ونحتلب
فأمريكا يغلب عليها مذهب البروتستانت الذي يؤمن بالتوراة إيماناً حرفياً، ويؤمن بالعهد القديم وبالتوراة المحرفة، وفي التوراة المحرفة: أن الله تبارك وتعالى يورث أرض كنعان -يعني: أرض العرب- لأولاد سام ويافث ، ويعطي لإسرائيل ولنسله الأرض، يقول: لتسجد لك شعوب، لتسجد لك قبائل، ليكن كنعان وأولاد كنعان لك. فهم يؤمنون بالتوراة.
فسبعة من رؤساء أمريكا كلهم يؤمنون بالصهيونية الإنجيلية، أو المذهب عند البروتستانت يؤمن به ريجن ، ويؤمن به نيكسون ، ويؤمن به بوش ، وكان يؤمن به قبل ذلك جونسون من أربعة قرون، ويؤمنون أن اليهود لهم الحق في إقامة وطن ديني لهم في فلسطين، بل ويؤمنون أيضاً بخرافة ينسبونها إلى التوراة المحرفة، تقول: إن معركة سيقودها المسيح تسمى معركة هرمجدون في سهل مجيدو في فلسطين. ويقولون: إن رؤساء العالم ويهوده يجتمع منهم حوالي أربعمائة مليون يقاتلون الوثنيين أو العرب المسلمين، وهناك ينصرهم دين المسيح حتى يرفع عرايا شيكاغو وعرايا باريس.
ويقولون: إن المسيح سينزل بعد ألف سنة فيحكم الأرض ألف سنة، وفيها تقع معركة هرمجدون، فلما تأخر نزوله عن الألف الأولى قالوا: تأخر نزوله إلى الألف الثانية، وهناك كتاباً اسمه: 1999مسلم بلا حرب، وستسيطر أمريكا سيطرة كاملة على العالم ويبقى ما بقى على السيد المسيح.
أما ريجن فيقول: أظن أن السوفيت سيتورطون في معركة هرمجدون، ويعلن أمام التلفاز والبيت الأبيض وأمام مجلس الشيوخ إحدى عشرة ألف مرة إيمانه بهذه المعركة.
ويقول جونسون رئيس أمريكا أثناء الحرب العالمية الأولى: إنه يتوجب على ابن راعي الكنيسة كما قال في التوراة أن ينشئ وطناً دينياً لليهود في فلسطين.
وأما كارتر فيقول في خطابه في تاريخ 5/1/1973: إن إنشاء دولة إسرائيل وقيامها أولاً وقبل كل شيء تحقيق للنبوءة التوراتية، وتحقيق للوطن التوراتي لليهود في فلسطين، وقيام دولة إسرائيل هو منشأ النبوءة التوراتية وجوهرها فهؤلاء يعتقدون اعتقاداً دينياً أنه لا بد من تسليم القدس لليهود، تمهيداً لعودة المسيح إلى الأرض، ونحن نقول هذا الكلام حتى يفيق الناس من سباتهم، وحتى يعودوا إلى الله تبارك وتعالى، وعليكم أن تعلموا أولادكم أن بين أمريكا وإسرائيل وفاقاً دينياً كبيراً شديد الصلة كالحبل السري، كما قال أحد ساساتهم أمام مجلس الشيوخ الأمريكي.
فاتقوا الله تبارك وتعالى فينا وفي أولاد المسلمين، واتقوا الله تبارك وتعالى في كل مسجد ذبيح، وفي كل أذان صابر، وفي كل شبر من الأرض.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى عن المنكر، رب اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، إليك توابين منيبين، تقبل توبتنا، وأجب دعوتنا، واسلل سخائم صدورنا، اللهم إن علمت الصدق منا فارزقنا شهادة في سبيلك، اللهم احشرنا إليك من حواصل الطيور وبطون السباع، اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك وموتاً في بلد رسولك.
وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر