من الجرائم البشعة المنتشرة في أوساط كثير من الفساق الغافلين: جريمة الزنا، وهي جريمة من أخطر الجرائم التي تهلك الأفراد والمجتمع والأمة، فآثارها خطيرة، وأضرارها كبيرة، ومفاسدها عديدة، ولذا اتفقت الشرائع السماوية على تحريمها.
-
جرائم زنا وقتل تدق أجراس الخطر
-
الإسلام يأخذ على يد المفسد
الإسلام يحرص على أن يهيئ المناخ الصالح لكى يتنفس الفرد المسلم في جو اجتماعي طاهر نظيف، ثم يعاقب الإسلام بعد ذلك -وبمنتهى الصرامة والشدة- كل فرد ترك هذا الجو النظيف الطاهر النقي وراح ليتمرغ في وحل الجريمة الآثم طائعاً مختاراً غير مضطر، لا يرخي الإسلام العنان لكل أحد لينطلق ليعيث في الأرض فساداً، فينتهك الحرمات، ويتعدى على أعراض النساء المؤمنات، ويروع البيوت الآمنة المطمئنة، لا يرخي الإسلام العنان للفرد ليفعل هذا كله، وإنما إذا لم تجدِ في الفرد التربية ولم تؤثر فيه الموعظة ولم يلتفت الفرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله وإلى كرامة أبناء المجتمع الذي يعيش بينهم، إذا لم يراع المسلم أو الفرد كل هذا، وانطلق لينتهك العرض والحرمة فإن الإسلام يأخذ على يديه بمنتهى الصرامة والشدة؛ لتعيش الجماعة كلها آمنة هادئة مطمئنة، وهذه هي الرحمة في أسمى معانيها.
أرأيتم لو أن إنساناً من الناس أصيب بمرض السرطان - أعاذنا الله منه وإياكم- في طرف من أطرافه، وقرر الأطباء المتخصصون أنه لابد من بتر هذا الطرف حتى لا يسري المرض في جميع أجزاء الجسم، هل يأتي عاقل ويقول: لا؛ إنها وحشية، إنها بربرية، إنها غلظة وقسوة، لا تقطعوا هذا الطرف؟ لا والله، وإنما سيأتي أقرب الناس إلى المريض، وسيأتي أحب الناس إليه وينصحه ويشجعه على قطع ذلك الطرف، ويقول له: أسأل الله لك التوفيق، وأسأل الله لك الثبات مع أنه يعلم أنه ذاهب إلى غرفة العمليات ليقطع طرفاً عزيزاً لديه وحبيباً عنده، لكنه يعلم أن بتر هذا الطرف سيضمن الحياة -بإذن الله جل وعلا- لبقية الأطراف، إنها الرحمة بعينها.
كذا -الفرد أيها الأحبة!- إذا لم تؤثر فيه تربية ولم تؤثر فيه موعظة ولم يراع حرمة مجتمع يعيش فيه وانطلق ليعيث في الأرض فساداً بانتهاك الحرمات والأعراض فإن الإسلام يأخذ على يديه بمنتهى الشدة والصرامة؛ ليزول الفرد العفن السرطاني، ولتبقى الجماعة كلها هادئة آمنة مطمئنة، ومن ثم جعل الإسلام أبشع جريمة على ظهر هذه الأرض بعد الشرك بالله وقتل النفس الزنا، فقال سبحانه في سياق صفات عباد الرحمن:
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] فجاء به بعد الشرك والقتل مباشرة
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا *
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *
وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:68-71].
نعم -أيها الأحبة الكرام!- إن المرأة -والعياذ بالله- إذا زنت وضعت رأس زوجها، بل ورؤوس أهلها في الوحل والطين والتراب، فإذا خافت المرأة الفضيحة والعار وكانت متزوجة أو كانت بكراً قتلت ولدها من الزنا فوقعت في كبيرتين: كبيرة الزنا وكبيرة القتل والعياذ بالله.
وإذا كانت المرأة متزوجة وخانت زوجها الذي انطلق بعيداً ليأتيها بالطعام والشراب ولينفق عليها من المال الحلال الطيب فقد خانت هذا الزوج المسكين، وحملت من الزنا وأبقت على ولدها من الزنا، ونسبت هذا الولد لزوجها المسكين المخدوع، وأدخلت هذه المرأة الخائنة على بيتها ولداً أجنبياً عنهم، فعاش بينهم وهو أجنبي عنهم، وخلا ببناتهم ولا يحق له ذلك، بل وورث أموالهم بعد موت المورث وليس له حق في ذلك، وهكذا -ولا حول ولا قوة إلا بالله- تهدم البيوت، وتدفن الفضيلة، وتنهار المجتمعات.
وإذا زنى الرجل اختلطت الأنساب، وتأججت نار الأحقاد في القلوب، وانطلق هذا الذي زني بأهله أو ببنته أو بزوجته أو بأمه وقد نكس رأسه في الوحل والطين والتراب، هذا إن ترك الزاني يمشي أمام عينيه وبين يديه ولم يفكر في قتله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إنه الانحراف عن دين الله، إنه الانحراف عن منهج الله، إنه التحدي لشريعة الله جل وعلا، ووالله ستدور الأمة في هذه المتاهات العفنة الآسنة ما دامت الأمة قد تحدت شريعة الله، وما دامت الأمة قد نَحَّت شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا يقول:
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179]، ولكن العلمانيين القذرين يقولون: ولكم في القصاص وحشية وبربرية، دعوكم من هذه القوانين الجامدة، إن هذه الحدود إنما أنزلت لأناس كانوا يعيشون في أرض الجزيرة كانوا يتَّسمون بالغلظة والقسوة والفظاظة، وكانوا يركبون الناقة والحمار، ولكننا الآن نعيش عصر الحضارة وعصر المدنية وعصر التطور، عصر الصاروخ والقنبلة النووية، فدعوكم من هذه القوانين البربرية الوحشية، وتعالوا بنا لنقنن لأنفسنا من دون الله.
يقول الله جل وعلا:
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [يوسف:40]، ويأبى العلمانيون إلا أن يقولوا: إن الحكم إلا لمجلس الشعب، الله جل وعلا يقول:
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [يوسف:40] ويأبى العلمانيون إلا أن يقولوا: إن الحكم إلا للبيت الأبيض، أو للبيت الأحمر أو للبيت الأسود فوقعت الأمة في الضنك والشقاء، ولن تخرج من هذا البلاء وهذا المستنقع الآسن إلا إذا نفضت عن كاهلها غبار هذه القوانين الوضعية الفاجرة الكافرة وعادت من جديد إلى كتاب ربها وسنة الحبيب نبيها صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها المسلمون! أيها الآباء! أيتها الأمهات! أيها الشباب! أيتها البنات! والله الذي لا إله غيره ما شرع الإسلام ما شرع إلا لتبقى المرأة المسلمة درة مصونة ولؤلؤة مكنونة لا يمسها إلا زوجها، ولا تنظر إليها عين زانية، حفظ الإسلام كرامتها، وأمرها بالحجاب، وأمر الرجل بغض البصر، وأمر الرجال والنساء بتخفيف مئونة الزواج، ووضع من الضمانات الوقائية ما يضمن به أن يعيش الرجل والمرأة في ظل مجتمع نظيف طاهر نقي، ثم بعد ذلك يعاقب من ترك هذه الضمانات الوقائية العظيمة وذهب ليتمرغ في أوحال المعصية طائعاً مختاراً غير مضطر.
-
أحاديث تحذر من جريمة الزنا
-
حد الزاني البكر والمحصن وأقوال العلماء في ذلك
أيها الحبيب! للعلماء في حد الزاني تفصيل ونزاع، وهذا شرع الله جل وعلا الذي يعرض عنه أهل العلمنة.
الزاني إما أن يكون بكراً أو محصناً، والبكر هو الشاب الذي لم يتزوج، والمحصن هو الرجل الذي وطئ في نكاح شرعي صحيح وهو حر عاقل بالغ، فإن كان الزاني بكراً فحده عند الله -جل وعلا- أن يجلد مائة جلدة وأن يغرب عاماً عن بلده، أي: ينفى عاماً عن بلده. وهذا هو رأي الجمهور، وخالف في ذلك الإمام
أبو حنيفة، فقال: يجلد فقط، ويبقى التغريب للإمام، فإن شاء الإمام -أي: وليَّ الأمر المسلم- غرب وإن شاء لم يغرب.
ولكن الراجح هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، واستدل الجمهور على ذلك برواية في الصحيحين من حديث
أبي هريرة و
زيد بن خالد الجهني قالا: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله فقام خصمه وقال: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي -أي: وائذن لي أن أبين حجتي ابتداءً فأذن له المصطفى فقال الرجل: إن ابني هذا كان عسيفاً عند هذا -يعني: كان أجيراً عند هذا- فرأى امرأته فزنى بها، فافتديت ولدي بمائة شاة وخادم -أي: دفعت لهذا الرجل مائة شاة وخادماً لأفتدي ولدي-، ثم سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم. فقال المصطفى: (
والذي نفسي بيده! لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل، المائة شاة والخادم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام. ثم قال: يا أنيس -صحابي من الصحابة- اغد إلى امرأة هذا -أي: انطلق في الصباح إلى امرأة هذا الرجل- فإن اعترفت بالزنا فارجمها. فغدا
أنيس إلى هذه المرأة فاعترفت بالزنا فرجمها).
فالشاهد من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على هذا الشاب الذي لم يتزوج وقد ارتكب جريمة الزنا بالجلد وبالتغريب، فالبكر حده أن يجلد مائة جلدة وأن يغرب، أي: أن ينفى عاماً كاملاً.
أما المحصن الذي وطئ في نكاح شرعي صحيح فحده أن يرجم حتى الموت، هذا حكم الله عز وجل، وهذا شرع الله عز وجل، ووالله لو علمنا فضل الشرع ما حِدْنا عنه
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179].
وفي الصحيحين أن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوماً، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وقال: أيها الناس! إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه القرآن، وكان مما أنزل الله عليه فيه آية الرجم، فعقلناها ووعيناها وعملنا بها، فرجمنا ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني أخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل: إنا لا نجد آية الرجم في كتاب الله جل وعلا. فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله سبحانه. وفي لفظ الإمام
مالك قال
عمر : (ووالله لولا أني أخشى أن يقول الناس زاد
عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها في المصحف بيدي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، قال
مالك : الشيخ والشيخة: الثيب والثيبة. أي: المحصن والمحصنة.
ويعلق الإمام
الشنقيطي رحمه الله على هذا الحديث ويقول: وآية الرجم نسخت تلاوتها، وبقي حكمها لم ينسخ، فهي آية منسوخة التلاوة باقية الحكم.
فهذا حد الزاني المحصن الثيب الذي تزوج زواجاً شرعياً صحيحاً وهو حر عاقل بالغ فترك هذا اللحم الطيب، وذهب ليأكل ذاك اللحم النيء الخبيث.
قال الإمام
أحمد : إن الزاني المحصن يجلد ويرجمه، وخالف جمهور أهل العلم، كما خالف
أبو حنيفة جمهور أهل العلم كذلك، خالف الإمام
أحمد الجمهور فقال: الزاني المحصن يجلد ويرجمه، واستدل على ذلك بحديث في الصحيحين من حديث
عبادة بن الصامت ، ولكن الراجح أن حديث
عبادة كان في أول الأمر ثم نسخ، وبقي حكم الرجم فقط للزاني المحصن، واستدل جمهور أهل العلم على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم الزاني المحصن فقط ولم يجلده قبل الرجم، ففي الحديث الذي رواه
مسلم من حديث
بريدة أن
ماعز بن مالك رضي الله عنه جاء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! طهرني. وانتبه لهذا الحديث، فقد جاء
ماعز بنفسه، لم يأت به بوليس الآداب، ولم يأت به جندي من الشرطة، وإنما جاء يسعى على قدميه إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله! طهرني، سبحان الله! لم يرك أحد يا
ماعز، فما الذي جاء بك يا
ماعز ؟ انطلق واهرب يا
ماعز! لا؛ فإن هربت اليوم في الدنيا، وإن هربت من رسول الله في الدنيا فلن أستطيع أن أهرب من ملك الملوك وجبار السماوات والأرض.
هذا هو الحد الفاصل بين أن نربي أبناءنا على مراقبة القانون الوضعي الأعمى وبين مراقبة الحي الذي لا ينام: (
إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).
جاء
ماعز بن مالك بنفسه على قدميه إلى الحبيب المصطفى ليقول: يا رسول الله! طهرني. والعلمانيون يقولون: انظروا إلى الإسلام المتعطش للدماء، انظروا إلى الإسلام المتعطش لإقامة الحدود، انظروا إلى الوحشية، انظروا إلى البربرية! كما يتغنى بذلك أهل العلمنة أذناب الشرق الملحد والغرب الكافر، لقد جاء الرجل بنفسه وهو يقول: يا رسول الله! طهرني، والحبيب المصطفى يقول: (
ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه)، لم يقم النبي عليه الحد، لم يقل النبي: امسكوه قبل أن يهرب. كلا كلا، الإسلام دين الرحمة، الإسلام أخبرنا أن الله أدخل بغية زانية الجنة؛ لأنها رحمت كلباً فسقته الماء، ويخبرنا الإسلام أن امرأة دخلت النار لأنها حبست هرة ومنعت عنها الطعام والماء، الإسلام دين الرحمة والشفقة حتى في الكلاب وفي القطط وفي الطيور وسائر الحيوانات، الإسلام ما كان ولن يكون ديناً متعطشاً للدماء كما يتغنى بذلك أهل الشرق وأهل الغرب لا والله، بل اسألوا الإسلام عن الأمان، اسألوا الإسلام عن الأمن، اسألوا الإسلام عن الرحمة، اسألوا الإسلام عن الشفقة، اسألوا الإسلام عن العفو، اسألوا الإسلام عن الكرم، بل اسألوا اليهود والنصارى الذين عاشوا في كنف الإسلام سنوات طوال، اسألوهم عن رحمة الإسلام، وعن عظمة الإسلام، وعن شفقة الإسلام؛ لتعلموا علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام ما بعث بهذا الدين إلا كما قال: (
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
قال له النبي: (
ويحك! ارجع استغفر الله وتب إليه)، فرجع
ماعز غير بعيد، ثم جاء مرة ثانية وقال: يا رسول الله! طهرني. قلبه يعتصر، هو لا يخالف رسول الله، وإنما يريد أن يطهر نفسه بين يدي الله جل وعلا الذي سمعه ورآه، قلوب حية تغلي من شدة الخوف من الله جل وعلا، فقال له النبي للمرة الثانية: (
ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه) ، فرجع
ماعز بن مالك غير بعيد، ثم جاء إلى المصطفى للمرة الثالثة وقال: يا رسول الله! طهرني. فقال المصطفى: (
ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه)، فرجع
ماعز غير بعيد، ثم جاء في المرة الرابعة فقال: يا رسول الله! طهرني. قال: (
ممّ أطهرك يا ماعز ؟ قال: من الزنا. فسأل النبي أصحابه: أبه جنون؟ قالوا: لا يا رسول الله، ليس مجنوناً. قال: أو شرب الخمر فلعبت الخمر برأسه؟ فقام أحد الصحابة فاستنكهه -أي: شم رائحة فمه- فقال: لا يا رسول الله، لم يشرب خمراً. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فرجم، وبعد يومين أو ثلاثة عاد المصطفى إلى المجلس وقال: استغفروا لأخيكم
ماعز بن مالك ، فقال الصحابة: غفر الله لـ
ماعز بن مالك فقال المصطفى: والذي نفسي بيده لقد تاب توبة لو قسمت على أمة لوسعتهم).
جاءت
الغامدية فقالت: يا رسول الله! طهرني. فقال لها المصطفى عليه الصلاة والسلام: (
ويحك ارجعي استغفري الله وتوبي إليه)، فقالت المرأة: أتريد أن تردني كما رددت
ماعز بن مالك ؟ يا إلهي! هل المرأة تقول هذا؟! يقول لها المصطفى عليه الصلاة والسلام: (ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه) فترد المرأة على رسول الله قائلة: أتريد أن تردني كما رددت
ماعز بن مالك ، إن في بطني حملاً من الزنا فماذا قال الحبيب: أرجم؟ أقتل؟ لا، وإنما قال: (
اذهبي حتى تضعين هذا الولد)، فهذا الولد ما جريرته؟ فانطلقت المرأة حتى وضعت ولدها، وجاءت تلفه في خرقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله! طهرني. جاءت بعد ثمانية أشهر أو أكثر أو أقل، جاءت بعد هذه الشهور الطويلة وما نسيت وما هربت، وما خافت أن تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جاءت بعد أشهر طويلة تقول: يا رسول الله! طهرني. فهل أمر النبي برجمها؟ كلا. سبحان الله! إذاً ماذا فعل؟ قال: (
انطلقي وارضعيه سنتين كاملتين حتى تفطميه)، فانطلقت المرأة برضيعها -وهذه في رواية صحيحة في صحيح مسلم- وأرضعته حولين كاملين، وعادت المرأة بعد فطام الولد وهو يحمل كسرة خبز بيده، فقالت: يا رسول الله! هذا ولدي قد فطمته، وها هو يأكل الخبز فطهرني. بعد سنتين! بل إن شئت فقل: بعد ثلاث سنوات ولم تنس المرأة أن تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقيم عليها حد الله جل وعلا، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها أن ترجم، فيحفر لها وتوضع في الحفرة وترجم، وكان من بين الراجمين
خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، فرجمها
خالد بحجر فانفضخ الدم منها على وجهه، فسبها
خالد بن الوليد ، فسمع النبي سب
خالد لها، فقال: (
مهلاً يا خالد ! أي: لا تسب هذه المرأة. ثم قال الحبيب: والله لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر الله له)، وانظر إلى هذه المنقبة: فقد أمر النبي بها فغسلت وكفنت وصلى عليها المصطفى ودفنها، ويا لها من كرامة أن يدعو لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يصلي عليها نهر الرحمة وينبوع الحنان بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
هذا -أيها الأحبة- هو حد الزاني إن كان بكراً وإن كان محصناً.
-
أحاديث في سعة رحمة الله تعالى
سأذكر بعض الأحاديث التي تذكر بعظيم فضل الله وبسعة فضله سبحانه وتعالى.
وقبل ذلك أقول: أيها الحبيب الكريم! تب إلى الله عز وجل، فأنا أذكر نفسي وإياك، فإن التوبة يؤمر بها العاصي والمؤمن، تب إلى الله سبحانه، واعلم أن الله سيفرح بتوبتك وإن كنت قد ارتكبت جريمة الزنا، عد إلى الله وتب إليه وسيفرح الله بأوبتك، وهو الغني عن العالمين الذي لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية. (
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المِخْيطُ إذا أُدخل البحر).
فضل الله عظيم، ورحمة الله واسعة، فلا تقنط من رحمة الله، ولا تيأس من رحمة الله، وتب إلى الله جل وعلا، واعلم أن الله تواب رحيم، واعلم أن الله غفور كريم، يغفر الذنوب ويقبل التوبة عن عباده.
وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: (
لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ، فانفلتت منه راحلته فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذ به يرى راحلته قائمة عند رأسه وعليها الطعام والشراب) رجل انفلتت منه الدابة وعليها الطعام والشراب فيئس واسستسلم للموت، ونام في ظل شجرة ينتظر أمر الله جل وعلا، فبينما هو كذلك إذا به يرى الدابة واقفة عند رأسه وعليها الطعام وعليها الشراب، فسعد سعادة غامرة، وفرح فرحاً منقطع النظير، فأراد أن يعبر عن شكره لله عز وجل، فقال: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك يقول المصطفى: (
أخطأ من شدة الفرح)، هذه الفرحة أنسته نفسه.
فالله جل وعلا يفرح بك إن تبت إليه أعظم من فرحة هذا العبد بعودة راحلته إليه مرة أخرى.
يا من أذنبت في حق الله بالنهار تب إلى الله، ويا من أذنبت في حق الله بالليل تب إلى الله، فإن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ولا يزال ربك كذلك حتى تطلع الشمس من مغربها، وهذه علامة من علامات القيامة الكبرى، فلا تيأس أبداً ولا تقنط من رحمة ولا من عفو الله جل وعلا، اعترف إلى الله بذنبك، وتب إلى الله وقل:
إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني
فكم من زلة لي في البرايا وأنت عليَّ ذو فضل ومنِّ
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني
تب إلى الله أيها المسلم وتوبي إلى الله أيتها المسلمة، وتوبوا إلى الله جميعاً -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يستر نساءنا وأن يستر بناتنا.
واعلم أيها الحريص على الزنا وعلى انتهاك الحرمات والأعراض أن الزنا دين حتماً ستوفيه.
يا هاتكاً حرم الرجال وقاطعاً سبل المودة عشت غير مكرم
من يزن في قوم بألفي درهم في بيته يزنى بربع الدرهم
إن الزنا دين إذا أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
فيا أيها الشاب: تب إلى الله، وتذكر أمك، وتذكر أختك، وتذكر ابنتك، وتذكر زوجتك، فإن رأيت امرأة مسكينة ضعفت فأعنها على طاعة الله، وأنت -أيتها المسلمة- تذكري القرآن، وتذكري السنة، وتذكري النار، وتذكري الجنة، وتذكري هذا الأب المسكين، وتذكري هذا الزوج المسكين، وتذكري هذه الأسرة التي ستضع رؤوسها كلها في الوحل والتراب.
أيها المسلمون: إن الزنا جريمة كبيرة، وجريمة بشعة تؤجج نار الأحقاد في القلوب، ومن ثم حذر منها علام الغيوب والحبيب المحبوب، صلى الله عليه وآله وسلم.
أسأل الله جل وعلا أن يسترنا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يتقبل منا وإياكم جميعاً صالح الأعمال، اللهم! احفظ نساءنا، اللهم! احفظ بناتنا، اللهم! احفظ بناتنا، اللهم! اجعلهن قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، اللهم! أصلح شباب المسلمين، اللهم! أصلح شباب المسلمين، اللهم! أصلح شباب المسلمين، اللهم! من كان من شبابنا طائعاً فزده طاعة على طاعته، ومن كان منهم على معصية فخذ بناصيته إليك يارب العالمين، اللهم! أصلح حكام المسلمين ووفقهم للعمل بكتابك وتحكيم شريعة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم! رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم! رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم! عجل بالقائد الرباني الذي يقود الأمة بكتابك وبسنة نبيك أنت ولي ذلك والقادر عليه، اللهم! أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، واشف اللهم! صدور قوم مؤمنين، وانصر المجاهدين في كل مكان يا أرحم الراحمين، اللهم! احمل المسلمين الحفاة، واكسُ المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع، اللهم! اجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم! اجعل مصر سخاء رخاء وسائر بلاد الإسلام، اللهم! ارفع عن مصر الغلاء والوباء والبلاء، اللهم! ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتي في الله! هذا، وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.