بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد..:
فيمكن تقسيم كتب التفسير إلى مرحلة المبتدئين, ومرحلة المتقدمين, ومرحلة المتخصصين, وهذه التقسيمات اجتهادية يمكن أن يقسم غيرها, ويمكن أن يجتهد آخر ويرى أن هذا الكتاب أنسب لهذه المرحلة، وهذا أنسب للمرحلة, فالقضية اجتهادية بحتة, وهذه نظرة خاصة من خلال معرفتي لبضع كتب التفسير, فأول قضية يجب أن ينتبه لها في جميع المراحل الثلاث أن تجعل لك أصلاً معتمداً من كتب التفسير فلا يكون التفسير عشوائياً, بل يجب أن يكون لك تفسير ثابت بين يديك دائماً تقرأ فيه, وهذا الكتاب إن لم تستطع حفظه تحاول أن تستظهره؛ فالمتقدمون كانوا يكتبون كتباً مختصرة؛ لأجل أن يحفظ الكتاب, فمن لم يستطع أن يحفظ فليستظهر والاستظهار هو: بحيث لو سئل عن آية فإن يعرف تفسير وما قيل فيها وليس بالضروري أن يعرف جميع الأقاويل, فأهم شيء في هذه المرحلة: أن تتمسك بأصل من هذه الكتب.
والكتب التي تناسب المرحلة الأولى مرحلة المبتدئين مثل: كتاب الوجيز في التفسير للواحدي ، وهو كتاب مختصر, وسهل العبارة, وكذلك مختصر تفسير يحيى بن سلام لـابن أبي زمنين , وتفسير أبي المظفر السمعاني , وجامع البيان للصفوي , وتفسير الشيخ السعدي , والتفسير الميسر الذي خرج من وزارة الشؤون الإسلامية.
فهذه الكتب فيها سهولة في العبارة، فيعتمد كتاباً منها على أنه أصل يرجع إليه دائماً.
أيش الفائدة منه؟ أنه لما تأتيك أي آية تكون في ذهنك التفسير تستظهره, يعني: تستظهر التفسير، قد يقال: افتراض أن يكون صاحب الكتاب غير سلفي، أو يكون القول الذي اختاره ضعيفاً.
فالجواب أن من يكون في هذه المرحلة في الغالب يكون عنده مبادئ علم العقيدة، فيعرف القول الصواب من الخطأ؛ لكن قد لا يكون عنده مبادئ علم التفسير لكي يعرف القول الصحيح من القول الضعيف, ففي هذه المرحلة لا تلزم نفسك بأن تعرف القول الصحيح من الضعيف؛ لأنك في مرحلة التعلم, وضبط تفسير الآيات من هذا الكتاب فقط.
المرحلة الثانية: يبدأ بالتعليق على الكتاب, وتصحيح القول الضعيف، والتعليق على الأخطاء العقدية, فإذا سئلت عن آية: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], كنت مستظهراً أن فلاناً المفسر الذي اخترته قال: استوى بمعنى: استولى, وهذا خطأ في الاعتقاد, بل تقول: الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والسؤال عنه بدعة.. كما هو مذهب السلف المعروف.
فتذكر الصواب المذكور في الكتاب, كذلك لو عرفت أن هذا قول ضعيف, فأنت تعلق عليه بقول صحيح وتعطي السائل القول الصحيح.
والمرحلة الثانية يمكن أن نقسمها إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: معرفة الأقوال في التفسير.
المرحلة الثانية: معرفة الراجح من هذه الأقوال في التفسير, وهذه المرحلة متقدمة، التي تحتاج إلى استيعاب لكثير من القضايا المتعلقة بأصول التفسير للوصول إليها.
فمعرفة الأقوال في التفسير مهمة جداً, ومما لاحظته: أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: كان يعتمد هذا الأسلوب، لمعرفة الأقوال في التفسير, وظهر لي: أنه كان يعتمد كتب معينة في معرفة أقوال السلف, ككتاب: ابن الجوزي , فإذا أراد أن يناقش قضية منسوبة للسلف فإنه يذكر أقاويل السلف من خلال كتاب ابن الجوزي , ومن خلال كتاب البغوي بالذات, فيقول: ذكر ابن الجوزي كذا, وذكر البغوي كذا, فنستفيد من هذا أن الإنسان يضع له أصلاً في معرفة الأقاويل.
وفي هذه المرحلة وتلك يحسن أيضاً لطالب العلم أن يكون بين يديه كتاب في غريب القرآن؛ لكي يعرف معاني الألفاظ اللغوية, من الكتب السهلة والجيدة، وهي على أسلوب المتقدمين: كتاب ابن قتيبة تفسير غريب القرآن, وهو مطبوع وموجود, وستأتي إن شاء الله الإشارة إليه.
كذلك كتاب المفردات للراغب الأصفهاني، وهو كتاب عميق فيه فوائد زائدة كثيرة جداً، قد لا يستفيد منها المبتدئ في طلب العلم؛ لكن في المرحلة الثانية يمكن أن يستفيد من تفسير غريب القرآن، أو من مجاز القرآن، أو من كتاب المفردات إلى آخره.
وعلى العموم يحسن دائماً وأنت تقرأ التفسير أن يكون عندك أصل معتمد من كتب غريب القرآن، ترجع فيه لمعرفة المفردات, وتحليل الألفاظ اللغوية.
المرحلة الثالثة: مرحلة المتخصصين وهذه تتسم باتساع طريقة القراءة والبحث, فليس لها حد في الكتب التي يستفاد منها, فأي كتاب من الكتب المرتبطة بالقرآن يمكن أن يستفيد منها المتخصص, سواء كانت الكتب في وجوه النظائر، أو في إعراب القرآن، أو في متشابه القرآن إلى آخره، وهذه أشبه بالطريقة البحثية.
فبعد أن يتركز عندك أصل من الأصول تعتمد عليه في المرحلة المبتدئة, ثم بعد ذلك عرفت الأقاويل واستطعت أن تعرف الراجح والمرجوح، تنتقل إلى المرحلة الأخرى: وهي الأخذ باتجاهات التفسير العامة, مثل: الاتجاه الفقهي، والاتجاه النحوي، والاتجاه اللغوي.. إلى آخره, يعني: أنه صار فيه توسع وشمولية بعد ذلك في أخذ التفسير.
فهذه صورة من صور التدرج في علم التفسير، وإن كانت تحتاج إلى إيضاح أكثر وضرب أمثلة, وأركز وأشدد: على أنه يجب أن يكون لطالب العلم كتاب يعتمد عليه ويدمن القراءة فيه.
الموضوع الأخير في هذا الدرس: هو النظر إلى أسلوب كتابة التفسير, من الأشياء المعاصرة التي ذكرها بعض المعاصرين: أن أساليب كتابة التفسير أربعة: الأسلوب التحليلي, والأسلوب المقارن, والأسلوب الإجمالي, والأسلوب الموضوعي, ويسمى بالتفسير الموضوعي.
فالأسلوب التحليلي: هو أن يأخذ الآية ويناقش ما فيها من إعراب وقراءات وأقاويل .. إلى آخره.
والأسلوب المقارن: هو المقارنة بين أقوال المفسرين, ومعرفة الراجح من المرجوح.
والأسلوب الإجمالي: هو أن يذكر المعنى الجملي للآية دون النظر إلى تفاصيل أخرى، من ذكر أقوال، أو غيره.
والتفسير الموضوعي سنتعرض له لاحقاً.
فالتحليلي والمقارن أو الموازن والإجمالي, هذه نجدها في تفسير ابن جرير الطبري , ففيه هذه الأنواع الثلاثة, فأحياناً نجده يحلل الآية ثم يذكر المعنى الجملي للآية, ثم يذكر أقوال السلف ثم يرجح, ففيه تحليل, وفيه معنى إجمالي, وفيه أيضاً مقارنة موازنة.
وتفسير الشيخ السعدي يعد من التفسير الإجمالي, وتفسير أبي حيان البحر المحيط يعد من التفسير التحليلي، وأيضاً المقارنة؛ لأنه يعرض أحياناً الأقوال ويرجح بينها، فكل مفسر يعرض الأقوال ويرجح بينها فإننا نعتبره من التفسير المقارن, أما التفسير الذي يذكر معنى الآية دون التعرض للأقاويل وغيره فإنه من التفسير الإجمالي, وأما التفسير الذي يستوعب ما قيل في الآية فإنه من التفسير التحليلي.
وهذه تقسيمات فنية ليس لها أي أثر علمي.
وأما التفسير الموضوعي فإنه تفسير حادث معاصر, وقد ذكر من كتب فيه أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: دراسة موضوع من خلال القرآن, مثل: الجهاد في القرآن, ثانياً: دراسة لفظة أو مصطلح من خلال القرآن, مثل: الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:52], في القرآن، كم آية وردت في: الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:52]؟
ست آيات أو سبع آيات يدرسها المفسر ويخرج بنتيجة, أو يأخذ لفظة مثل لفظة: (آمنوا), في القرآن, فيدرس الصيغة كصيغة، ولا يدرس موضوعات الإيمان أو غيره وإنما, يدرسها كلفظة لغوية أو كمصطلح.
ثالثاً: دراسة موضوع من خلال سورة, مثل: غزوة بدر من خلال سورة الأنفال, أو عزوة تبوك من خلال سورة التوبة .. وهكذا, وله ضوابط موجودة من أراد أن يستزيد فليرجع إلى أي كتاب من كتب التفسير الموضوعي التي تتكلم عن هذه الأفكار.
هذا تقريباً بإيجاز ما يتعلق بأساليب التفسير.
وهنا نستعرض كتب التفسير وما يتعلق بها من وفاة ابن عباس إلى نهاية القرن الثاني.
ولنأخذها قرناً قرناً, وسأشير أحياناً إلى النظر التأثيري، وهو أن بعض كتب التفسير لها أثر واضح في من جاء بعدها, ويمكن أيضاً أن يدمج فيها النظر الاتجاهي، يعني: ما هو اتجاه هذا التفسير؟ فنذكر النظر التاريخي, والنظر التأثيري, والنظر الاتجاهي، يعني: الاتجاه العلمي لهذا التفسير.
أولاً: سنتحدث سريعاً عن تنوير المقباس المنسوب لـابن عباس , وجزء فيه تفسير يحيى بن اليمان , وتفسير مقاتل بن سليمان , وتفسير سفيان الثوري , وتفسير عبد الرزاق الصنعاني.
فتنوير المقباس في تفسير ابن عباس ، كتاب منسوب لـابن عباس وهو مطبوع ومنتشر انتشار كبير جداً، فأحببت أن أنبه عليه.
فالكتاب هذا يرويه محمد بن مروان السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس , ومحمد بن مروان السدي روايته هالكة, و الكلبي مثله أيضاً متهم بالكذب, ولا يبعد أن يكون الكتاب هذا أصلاً للكلبي , لكن هذه الرواية لا يحل الاعتماد عليها, فلا يصح لإنسان أن يجعل المقباس أصلاً يعتمد عليه في التفسير ولا يستفيد منها المبتدئ في طلب العلم, لكن قد يستفيد منها العلماء الكبار في إثبات قضايا معينة كما سيأتي؛ ومن العجيب أنه منتشر ويطبع بكثرة.
فهذه الرواية لا يستفيد منها إلا العلماء، ولو أراد إنسان من المفسرين أن يثبت قضية ضد أهل البدع, إنما يثبتها على سبيل الاستئناس لا الاعتماد، ففي قوله تعالى مثلاً: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], لو أردنا أن نناقش أهل البدع في الاستواء فإنه قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], أي: استقر, وهذه أحد عبارات السلف, في هذا الكتاب الذي لا يعتمد, فقد يحتج محتج من أهل السنة: أن هذه الروايات لا تعمد.
فيقال نحن لا نذكرها على سبيل الاحتجاج, إنما على سبيل بيان أنه حتى الروايات الضعيفة المتكلم فيها عن السلف موافقة لما ورد عن السلف.
ومن خلال القراءة السريعة في هذا الكتاب تجد أن فيه ذكر الاختلافات, ففي قوله سبحانه وتعالى مثلاً: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:146], قال: في السر، ويقال: في الوعد، ويقال: مع المؤمنين في السر العلانية, ويقال: مع المؤمنين في الجنة, إذاً ففيه حكاية أقوال ولكنها قليلة.
وأيضاً فيه عناية كبيرة جداً بأسباب النزول، وذكر من نزل فيه الخطاب, ولهذا يكثر عن الكلبي بالذات ذكر من نزل فيه الخطاب, ولا يبعد أن يكون مأخوذاً من هذه الرواية, هذا ما يتعلق بتنوير المقباس في التفسير المنسوب لـابن عباس .
الكتاب الثاني: جزء فيه تفسير القرآن، كذا عنوانه وهذا مطبوع, جزء فيه تفسير القرآن لـيحيى بن اليمان و نافع بن أبي نعيم و مسلم بن خالد الزنجي و عطاء الخراساني , وهذا الجزء يرويه أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الرملي الفقيه , المتوفى سنة (295) وهو جامع هذا التفسير, وهذا التفسير فيه آثار مجموعة واردة عن السلف, تبلغ هذه الآثار قرابة أربعمائة أثر, عن الصحابة، أو التابعين، أو أتباع التابعين, بمجموع ما فيه من القراءات أو أقوال في التفسير أو ما إلى ذلك.
وهو كتاب مطبوع بهذا الاسم حققه حكمت بشير ياسين لو سمي هذا التفسير باسم جامعه الذي هو أبو جعفر محمد بن أحمد لصح أن نقول: هذا تفسير أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الرملي ؛ لأن كل الأسانيد ترجع إلى أبي جعفر ، فهو جامع التفسير.
فالسند الذي بُدئ بهذا الكتاب، يقول: قرأت على أبي منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون قال: أخبركم أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن سحنون النرسي: فيما أذن لك في روايته وكتب خطه لك بذلك في سنة (456), قال: قُرِئ على أبي الحسن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس بن إسماعيل الواعظ المعروف بـابن سمعون , فأقر به في مسجده في سنة (327) قال: حدثنا أبو بكر محمد بن يونس المعروف بـالمطرز قال: حدثنا محمد بن نصر , هذا هو جامع التفسير، قال: حدثنا يزيد الموهب قال: حدثنا يحيى بن اليمان قال: حدثنا أشعث عن جعفر عن سعيد , يعني ابن جبير , ثم بدأ في التفسير، قال: لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8], قال: عن الصحة.
ثم قال: وحدثنا أشعث عن جعفر عن سعيد : وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:2], قال: سمعت وأطاعت, ويستمر التفسير بهذا الأسلوب حتى ينتقل إلى الروايات عن يحيى بن اليمان هذا, ثم ينتقل بعدها إلى تفسير عطاء بنفس الإسناد, حدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا محمد بن أحمد الذي جمع التفسير، ثم يستمر بإسناد آخر عن عطاء الخراساني ، قال: حدثنا رشدين بن سعد عن يونس بن يزيد عن عطاء الخراساني في قوله: بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود:69], قال: النضيج السخن, وفي قوله عز وجل: يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [يوسف:12], قال: يسعى وينشط, و أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102], قال: هم بنو يعقوب إذ يمكرون بـيوسف, فهذا كله تفسير عطاء .
وفي قوله عز وجل: قَضَى أَجَلًا [الأنعام:2], قال: ما خلق في ستة أيام, وفي قوله عز وجل: وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2], قال: ما كان بعد ذلك إلى يوم القيامة, فنلاحظ في هذا التفسير وهو يسير على هذه الطريقة, ليس فيه ترتيب آيات ولا ترتيب مرويات, بل مجرد أن يذكر هذا الذي جمع التفسير، فيذكر الروايات عن السلف كما بلغته من طريق يحيى بن اليمان , ومن طريق ابن أبي نعيم , ومن طريق عطاء الخراساني , ومن طريق أبي مسلم الزندي , وهذه طريقة هذا الكتاب, ويستفيد منه من يحتاج أن يرجع إلى أثر من آثار السلف ويحقق في هذه الروايات, فهذا الكتاب لا يستفيد منه طالب عالم, ولا ينصح بشرائه لأي إنسان؛ لأنه لا يستفيد منه, وإنما يستفيد منه في الغالب من كان له عناية بآثار السلف في التفسير.
هذا ما يتعلق بتفسير يحيى بن اليمان .
الكتاب الثالث: تفسير مقاتل بن سليمان : وهذا التفسير مطبوع لكنه نادر التوزيع، حتى أن بعض المكتبات الخاصة لا تملك هذا التفسير, ولا أدري ما السبب في ذلك مع أنه مطبوع في مصر، وحققه الدكتور عبد الله شحاتة المحقق لكتاب الوجوه النظائر لــمقاتل بن سليمان .
فهذا التفسير هو المعتمد عن مقاتل بن سليمان , وهو الذي وقع فيه الكلام على مقاتل بن سليمان , وقد ذكر طريقته في كتابه هذا, فذكر من سيروي عنهم التفسير, ثم سرد بعد ذلك بدون إسناد, ولا نسبة للأقوال إلى قائلها, فلو نظرت في أول الصفحة فستجد من روي عنه التفسير في هذا الكتاب، من دون ذكر إسناد وحين دخل في التفسير حذف الإسناد وذكره تفسير الآيات مباشرةً، فلا نستطيع أن نميز قائل هذه الروايات, وهذا مما نقد على مقاتل ، مع أن مقاتلاً تكلم فيه أصلاً, حيث اتهم بالكذب وروايته لا تقبل، ففعله هذا أيضاً زاد طيناً بلة كما يقال.
يقول راوي التفسير الذي هو زيد بن حبيب : عن مقاتل عن ثلاثين رجلاً, منهم اثنا عشر رجلاً من التابعين, فمنهم من زاد على صاحبه الحرف, ومنهم من وافق صاحبه في التفسير, فمن الاثني عشر: عطاء بن أبي رباح , و الضحاك بن مزاحم , و نافع مولى ابن عمر , و ابن الزبير و ابن شهاب الزهري , و محمد بن سيرين , و ابن أبي مليكة , و شهر بن حوشب , و عكرمة , و عطية الكوفي , و أبو إسحاق الشعبي , و محمد بن علي بن الحسين , وذكرها كما وردت في كتاب في تحقيق الدكتور عبد الله شحاتة , مع أن بعضها فيها إشكال.
قالوا: ومن بعد هؤلاء؟ قلت: قتادة ونظراؤه حتى ألفت هذا الكتاب, يعني: هو جمع مرويات عن السلف: عن الصحابة والتابعين، ثم كأنه انتخب منها من دون أن ينسب الأقوال إلى أصحابها, ذكر بعد ذلك عبد الخالق بن الحسن بقية من روى عنه.
قال: ثم قال أبو محمد قال: أبي فقلت: لـأبي صالح راوي التفسير: لمَ كتب عن سفيان وهو أكبر منه؟ فقال: لأن مقاتلاً عمّر فكتب عن الصغار والكبار, وسفيان هو الثوري .
قال أبو محمد : قال أبي قال أبو صالح : بذلك أخبرني مقاتل , فهذا موجود في أول الكتاب، الذي هو سند مقاتل لهؤلاء, في هذا التفسير: سنجد أنه أحياناً يورد السند في وسط التفسير, يعني: فهو ذكر إسناده الأول لهذا المجمل؛ لكن مع ذلك أحياناً قد يورد السند في وسط التفسير, ولكنه أقل، وليس الأصل.
كما نجد أنه يورد أحاديث نبوية، منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسناد في وسط الكتاب.
وهذا التفسير يعتبر تفسيراً كاملاً للقرآن ليس آيةً آية فحسب، بل حرفاً حرفاً، فهو يفسر الآيات حرفاً حرفاً.
وأيضاً هذا التفسير فيه عناية كبيرة جداً بتفسير القرآن بالقرآن، وكذلك بذكر النظائر القرآنية, وإذا عرفت أن مقاتلاً له كتاب اسمه: وجوه النظائر, فلا يبعد علينا أن نتصور أنه اهتم في تفسيره هذا بالنظائر القرآنية.
وكذلك فيه عناية بذكر قصص الآي, خصوصاً أخبار بني إسرائيل, وهو يعتبر أحد الذي يعتنون بالرواية عن بني إسرائيل.
وكذلك فيه عناية بمبهمات القرآن، يعني: من نزل فيه الخطاب مثل: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ [التوبة:75], فيقول: هو فلان, وقوله: لا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84], فيقول: هو فلان, فيحرص على ذكر من نزل فيه الخطاب, وهذا يسمى مبهمات القرآن أو يدخل في المراد بالقرآن.
وأيضاً له عناية بأسباب النزول, وهناك قضايا أخرى غير هذه, فهذه إشارة إجمالية إلى ما يحويه هذا التفسير.
وهذا التفسير لا ستفيد منه المبتدئ, وإنما هو مرجع يستفيد منه المتخصصون في حال الرجوع إلى الرواية ومعرفة القول فقط, ويكثر نقل قول مقاتل في كتب التفسير الأخرى وهي مأخوذة من هذا الكتاب, وقصارى الأمر: أن ينسب هذا التفسير إلى مقاتل حتى ولو كان ناقلاً له؛ لأنه ما دام ناقلاً وانتخب فكأنه قد اقتنع بهذا القول وقال به، فلا ينسب إلى غيره, وهذا ما جرى عليه المفسرون بعد ذلك , فيقولون: قال مقاتل في تفسيره, ولا يقولون: روى مقاتل ؛ لأنه الرواية فيه قليلة كما ذكرت, فالإنسان إذا انتخب بهذا الأسلوب كأن ما انتخبه يكون من قوله؛ ولهذا يناقشونه على أنه قول مقاتل , وليس على أنه قول فلان أو غيره ممن سبقهم.
... قال: فأنزل الله قوله: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ [الفجر:15], وهذه من باب عنايته بالنزول ثم قال: وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:16], قال: يقول كل ما أغنيت هذا الغني لكرامته، كلا آسف، ما أغنيت هذا الغني لكرامته، ولا أفقرت هذا الفقير لهوانه عليّ, ولكن كذلك أردت أن أحسن إلى هذا الغني في الدنيا، وأهون على هذا الفقير حسابه يوم القيامة.
ثم قال في سورة أخرى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6], يقول: ليس من شدة إلا بعدها رخاء, ولا رخاء إلا بعدها شدة, ثم انقطع الكلام, فنلاحظ النظائر حيث ربط قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6], بتفسيره للآية؛ لأنه ذكر تفسيره للآية فقال: كلا ما أغنيت هذا الغني لكرامته، ولا أفقرت هذا الفقير لهوانه, ولكن كذلك أردت أن أحسن إلى هذا الغني في الدنيا، وأهون على هذا الفقير حسابه يوم القيامة, فكأنه قال: إن الله سبحانه وتعالى لما شدد على الفقير المؤمن في الدنيا أراد أن يهون عليه يوم القيامة، واستدل بقوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6].
ثم ذكر كلام أمية بن خلف الجمحي ، وذكر مساوئه فقال وهذا فيه عناية بمن نزل فيه الخطاب: كَلَّا [الفجر:17], يقول: من أمره، كما قال أمية بن خلف بَل [الفجر:17], يعني: لكن, لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ [الفجر:17-18]؛ لأنهم لا يرجون بها الآخرة, وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا [الفجر:19], يعني: تأكلون الميراث أكلاً شديداً, وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20], ويجمعون المال جمعاً كثيراً، قال: وهي بلغة مالك بن كنانة , ثم قال: كَلَّا [الفجر:21], ما يؤمنون بالآخرة، وهو وعيد.
وأما قوله: إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [الفجر:21], يعني: إذا تركت فاستوت الجبال مع الأرض الممدودة, ثم قال: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22], وذلك أن تنشق السموات والأرض فتنزل ملائكة كل سماء، وتقوم ملائكة كل سماء على حدة، فيجئ الله تبارك وتعالى كما قال: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158], وكما قال: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالمَلائِكَةُ [البقرة:210], قياماً صفوفاً، قال: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23], يجاء بها من مسيرة خمسمائة عام, عليه سبعون ألف زمام، على كل زمام سبعون ألف ملك متعلقون بها يحبسونها عن الخلائق, وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق, فإذا تكلم أحدهم تناثر من فيه النار, بيد كل ملك منهم مرزبة عليها ألفان وسبعون رأس كأمثال الجبال, وهي أخف في يده من الريش, ولها سبعة رءوس كرءوس الأفاعي, وأعينهم زرق تنظر إلى الخلائق من شدة الغضب، تريد أن تنفلت على الخلائق من غضب الله عز وجل, ويجاء بها حتى تقام على ساق العرش، ثم قال: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ [الفجر:23], يعني: أمية بن خلف الجمحي إذا عاين النار والملائكة.. إلى آخر التفسير.
قصدت من نقل هذا؛ لكي نلاحظ هذا التفسير فلو أن إنساناً ما عنده علم وقرأ هذا الكتاب فإنه لا يستفيد منه؛ لأن فيه ما هو باطل أو فيه روايات فيها نظر وفيها أشياء صحيحة، ففيه حق وفيه باطل, ولهذا يقول أحمد بن حنبل عن هذا التفسير: ما أحسن هذا التفسير فلو كان له إسناد, لو كان له إسناد لتبين, فلو أردنا أن ننظر ما هو الصحيح منها ما هو الباطل فسنجد مثلاً كلامه عن أوصاف الملائكة الذي يمسكون بالنار وهذه أوصاف غيبية خبرية نحتاج فيها إلى خبر عن معصوم؛ لكن كون لها سبعون ألف زمام هذا صحيح, لكل زمام سبعون ألف ملك صحيح؛ لأن هذا ثابت في الصحيح من حديث ابن مسعود , ( يجاء بجنهم لها سبعون ألف زمام، لكل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ), وما بعد ذلك مما ذكره هذا مما يحتاج إلى دليل, فهذا لا يقبل.
ولما فسر قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22], لم يكن مؤولاً, وإنما أثبت المجيء, واستدل له أيضاً بآيات دالة على المجيء فنقبل قوله هنا وهنا من باب تفسير الآية بالآية, وعلى هذا يستمر التفسير, وكما قلت لكم: مثل هذا التفسير لا يستفيد منه إلا المتخصصون.
الكتاب الرابع: تفسير سفيان الثوري ، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع عن نسخة أصلية, وليس مجموعاً, والنسخة هذه المطبوعة ناقصة من الأول ومن الآخر, وقد حققه امتياز علي عرشي , فهو سرق في مكتبات لبنان وطبع باسم أحد المكتبات، وهو موجود في السوق, لكن طبعته قديمة.
فالمحقق استظهر أنه لـسفيان الثوري بدلالة قوله في تفسير قوله سبحانه وتعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163], قال سفيان : عن أبيه سعيد بن مسروق , فاستظهر أنه كتاب لـسفيان ؛ لأن فيه قال سفيان ، قال سفيان كثيرة, فـسفيان بن عيينة توفي سنة (198), و سفيان الثوري (161), ويشتركان في بعض الشيوخ، وكذلك بعض التلاميذ, فظاهر جداً أن المراد بـسفيان هنا: أنه سفيان الثوري ؛ لأنه قال: سفيان عن أبيه سعيد؛ فتبين أنه الثوري .
وأيضاً استظهر ذلك من رواية تلميذه أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي , وهذا مذكور في كتب التراجم أن له كتاباً في التفسير, وقد رواه أيضاً الثعلبي في مقدمة تفسيره, في إسناد أورده في قوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ [الصافات:143], قال: حدثنا محمد قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان , عن أبي الهيثم عن إبراهيم عن سعيد بن جبير قال: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ [الصافات:143], قال: من المصلين, وبهذا استظهر المحقق: أنه لـسفيان الثوري , وأنه من وراية تلميذه أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي .
فهذا التفسير على طريق الرواية بالإسناد؛ لأنه عن سفيان ؛ وغالب روايته عن الصحابة وعن التابعين.
ويبتدئ دائماً التفسير بقال: سفيان أو عن سفيان ونحوه.
وهذا التفسير ليس فيه لا ترجيح ولا نقاش، إنما هو كتاب رواية, ويستفاد منه في تحقيق الرواية.
ففي سورة المؤمنون مثلاً يقول: قال: سفيان مباشرةً, في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ [المؤمنون:12], قال: آدم , فالمفسرون هنا سفيان ، وأحياناً سفيان عن ليث عن مجاهد : ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون:14], قال: حين نفخ فيه الروح, المفسر هنا سفيان ففي هذا الكتاب: أحياناً سفيان يكون مفسراً، يعني: صاحب القول, وأحياناً يكون راوياً.
مثال ذلك: قال سفيان : عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في قوله: وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون:50], قال: هي دمشق, فهو هنا راوي عن سعيد , ومجاهد تابعي وسعيد أيضاً تابعي.
كذلك أيضاً: سفيان عن العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد في قوله: وَلَهمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ [المؤمنون:63], قال: أعمال لا بد أن يعملوها, فهذا تفسير عن مجاهد .
كذلك: سفيان عن علقمة بن مرثد عن مجاهد في قوله: حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ [المؤمنون:64], قال: أُخذوا يوم بدر بالسيوف.
كذلك: سفيان عن حصين عن سعيد بن جبير في قوله: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ [المؤمنون:67], قال: مستكبرين بالحرم.
كذلك: سفيان عن حصين عن سعيد بن جبير في قوله الثاني: سَامِرًا تَهْجُرُونَ [المؤمنون:67], تقولون غير الحق.
أيضاً: سفيان عن رجل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [المؤمنون:69], قال: قد عرفوه ولكنهم حسدوه.
فهذا كما نلاحظ تفسير رواية، عن الصحابة وعن التابعين, طبعاً ما عندنا مثال للصحابة في هذه الصفحة, لكن لو تقرأ في التفسير فستجد أيضاً روايات عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن علي بن أبي طالب وعن عمر , فهذا التفسير فيه خلط بين الرأي والأثر.
فهذه هي الكتب المطبوعة المتعلقة بتفسير السلف في هذا العصر إلى رأس المائتين.
وعندنا مرويات المقلين، سواء كان قولهم في التفسير قليلاً, أو أن الوارد عنهم قليل, يعني: قد يكون المفسر معروفاً، لكن الوارد عنه قليل, أو قد يكون هو مقل بذاته غير مكتمل التفسير، مثل: عبد الله بن الزبير , وعبد الله بن عمر و ميمون بن مهران , وغيرهم ممن يدرس تفسيرات متفرقة.
فهذه لم تجمع حسب علمي إلى الآن, ولو جمعت هذه لكتملت حلقة مرويات السلف.
وهؤلاء المقلين يمكن دراستهم من خلال الأقطار, مثل: جمع تفسير المقلين المكيين, وجمع تفاسير المقلين العراقيين, وتفسير المقلين من أهل المدينة, فهذا ممكن أن يجمع مجموعة صالحة لدراسة هذه المرويات.
القضية الثانية: ما يتعلق بالمرويات, الموازنة بين المرويات التفسيرية أعني: المكثرين, وهذا مما لم يطرق له حسب علمي أيضاً, فمثلاً ابن عباس , و مجاهد , و الحسن , و قتادة هؤلاء لهم أقوال كثيرة في التفسير, فنحتاج في هذا الموضوع إلى أن نوازن بين الروايات الواردة عن ابن عباس ؛ لأن بعض من يجهل طريقة السلف في التفسير يزعم: أنه قد ورد عن ابن عباس روايات متناقضة في التفسير, وهي: إذا تأملتها وتعرفت طريقة السلف في التفسير تجدها غير متناقضة؛ لأنها في كثير من الأحيان تدخل في باب اختلاف التنوع, وليست في باب اختلاف التضاد, فالتضاد نادر جداً في تفسير الواحد منهم, ثم إذا ورد تضاد ففيه دلالة على أنه ترك أحد القولين إلى قول آخر, إذ لا يمكن أن يقول بهما معاً وفيهما تضاد, وهذا موضوع ليس هذا محله لكن أكتفي بهذه الإشارة: والمقصود دراسة ما روي عن ابن عباس من طرقه, والموازنة بين طريق علي بن أبي طلحة من جهة المعنى، و عطية العوفي ما رواه مجاهد عنه، ورواه عكرمة عنه, والنظر في هذه الأشياء التي رويت عن ابن عباس وتحليلها من باب اختلاف التنوع، واختلاف التضاد, وهذا مهم جداً؛ لأنه سيتبين منها: بعض الروايات المكذوبة عليهم ستظهر من خلال الموازنة والمقارنة بين هذه الروايات ويظهر ما فيها من الشذوذات.
الموضوع الأخير: كما هو معلوم أن هذا الجمع اعتمد الإفراد، يعني: أنه يفرد كل مفسر بكتاب: تفسير قتادة , تفسير مجاهد .. إلى آخره, وهناك غاية أخرى بعد هذا الجمع وهو أن تجمع هذه الروايات في الآية الواحدة, بمعنى: أنه يدرس التفسير مرة أخرى من خلال المرويات، لكن على أسلوب الآية, يعني: المأثور عن السلف في سورة الفاتحة, المأثور عن السلف في سورة البقرة, المأثور عن السلف في سورة آل عمران.. وهكذا.
فهذا يفيد في معرفة الائتلاف والاختلاف الحاصل في التفسير, قد يقول قائل: هذا تحصيل حاصل؛ لأنه موجود في تفسير ابن كثير وتفسير ابن جرير .. وغيرهما, وهذا صحيح؛ لكن يكون هناك رسم خطة معينة لدراسة هذه الآثار من خلال ما طرحه شيخ الإسلام ابن تيمية في قضية اختلاف التنوع واختلاف التضاد, والكلام على هذه الآثار من جهة المعنى لمعرفة مدى احتمال الآية لها, وما مدى بعدها وقربها، أو مدى كونها تجتمع وتأتلف على قول واحد, وغيرها من الأشياء المرتبطة بموضوع اختلاف التنوع واختلاف التضاد, كذلك أيضاً معرفة أسباب الاختلاف التي دعت المفسرين إلى القول بهذه الأقوال المتعددة.
وأخيراً: بجمع هذه الأقوال يمكن معرفة المقصود بالآية, فجمع الأقوال الواردة عن السلف أدل على المقصود كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مقدمته في أصول التفسير هذا خلاصة ما يتعلق بالمرويات.
ولا بأس أن نقرأ من تفسير ابن مسعود جمع الدكتور محمد أحمد عيسوي , نقرأ المدونة ونضع الملحوظات سريعاً على ما بين يدينا من هذه الصفحات.
سورة الأعلى.
بسم الله الرحمن الرحيم, سورة الأعلى من تفسير ابن كثير :
روي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان يقرأ في الوتر بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1], و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1], و قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ), وهكذا ..
وهكذا روى هذا الحديث من طريق جابر و عبد الله بن مسعود وغيرهما.
وفي القرطبي في سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1], وروي عن علي و عبد الله بن مسعود وغيرهما: أنهم كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا: سبحان ربي الأعلى, امتثالاً لأمره في ابتدائها, وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8].
وفي تفسير الرازي قال: ابن مسعود : اليسرى الجنة.
وفي تفسير السيوطي : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15], أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: إذا خرج أحدكم يريد الصلاة فلا عليه أن يتصدق بشيء؛ لأن الله يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15].
وفي تفسير البغوي : كان ابن مسعود يقول: رحم الله رجلاً تصدق ثم صلى, ثم يقرأ هذه الآية.
وفي تفسير القرطبي : روي عن عبد الله قال: من أقام الصلاة ولم يؤتِ الزكاة فلا صلاة له, بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [الأعلى:16]].
ونلاحظ على هذا الجمع, الأثر الأول قال ابن كثير : روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أن هذه أولاً ليست من تفسير ابن مسعود .
ثانياً: هذه ليست قضية تفسيرية مرتبطة بـابن مسعود ؛ لأن ابن مسعود يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقرأ في الوتر إلى آخره.
وفي القرطبي في قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1], روي عن علي و عبد الله بن مسعود , ثم ذكر أنهم كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه .. إلى آخره, فهذه قضية امتثالية يعني: يمكن أن نسميها: تأول القرآن، وهذا نوع من أنواع التفسير.
لكن نلاحظ أنه جمع من دون إسناد.
وفي تفسير الرازي قال ابن مسعود : اليسرى: الجنة, هذه قضية تفسيرية, وأغلب الجمع في هذا من دون النظر إلى الإسناد.
وفي قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14], أيضاً قضية تفسيرية, وهي أيضاً من باب تأول القرآن؛ فهو يقول: إذا خرج أحدكم يريد الصلاة فلا عليه أن يتصدق بشيء, امتثالاً لقول الله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15], فهذا تأول للقرآن وهو نوع من التفسير. فهذا مثال لجمع مرويات ابن مسعود .
نأخذ مثالاً آخر فيه مرويات عائشة .
قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38].
قال النسائي بسنده ..
عن سعد بن هشام أنه دخل على أم المؤمنين. قال: قلت: إني أريد أن أسألك عن التبتل، فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل، أما سمعت الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]؟ فلا تتبتل.
قال أحمد عن سعد بن هشام بن عامر قال: ( أتيت عائشة فقلت: فإني أريد أن أتبتل, قالت: لا تفعل, أما تقرأ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21], فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ولد له ).
قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48], قال مسلم : عن مسروق عن عائشة قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ [إبراهيم:48], فأين يكون الناس يومئذٍ يا رسول الله فقالت: على الصراط).
وقوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1], قال الحاكم : عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك, فارتد ممن كانوا آمنوا به وصدقوه, وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس، قال: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم, قال: لئن قال ذلك لقد صدق, قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح، فقال: نعم, إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك, أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة, فلذلك سمي أبا بكر الصديق رضي الله عنه ).
قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [الإسراء:110], قال البخاري : حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110], أنزلت في الدعاء.
وقال الطبري عن هشام بن عروة عن أبيه عائشة قالت: نزلت هذه الآية في التشهد: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110].
وأول ملحوظة نلاحظها: أن هذا الذي جمع تفسير عائشة هو الدكتور عبد الله أبو السعود بدر اعتنى بالإسناد أو الاسم.
الرواية الأولى التي أوردها عن عائشة في سؤال سعد بن هشام تدخل في الاستنباط, فـعائشة رضي الله عنها هنا لا تفسر: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا [الرعد:38], وإنما استنبطت منها عدم التبتل, وكذلك في قوله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21], أيضاً استدلت بها على عدم التبتل.
وفي قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ [إبراهيم:48], هذا تفسير لكنه من تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم, وليس من تفسير عائشة , إذاً فـعائشة هنا راوية وليست هي صاحبة القول, وهذا كما ذكرت يدخلون في جمع مروياتهم ما يروونه عن غيرهم, فهذا أدخلت ما روته عن النبي صلى الله عليه وسلم, فهو صحيح أنه تفسير؛ لكنه ليس من قول عائشة ، إنما هو من قول الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي قوله: ( سألت عائشة عن قول الله عز وجل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ [إبراهيم:48], فقالت: فأين يكون الناس يومئذٍ؟ وقال: على الصراط ).
فهي لم تفسر وإنما سألت سؤالاً: إذا لم يكن هناك أرض ولا سماء فأين الناس يومئذٍ؟ فقال: (على الصراط).
وفي قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1], يلاحظ عليها أنها ذكرت قصة مرتبطة بالآية؛ مع أننا لا نحتاجها في فهم معنى قوله: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ [الإسراء:1] ؟ لكن ذكرتها لعلاقتها بالآية.
وفي قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء:110], نقارن في هذه الرواية بين البخاري و الطبري : فـالبخاري مقدم على الطبري من جهة الإسناد, فيكون القول الأول هو الصحيح, أنها في الدعاء؛ لأنه في نفس الآية, فمرة قالت: أنزلت في الدعاء, ومرة قالت: نزلت هذه الآية في التشهد الأخير, ولا تعارض في كونها نزلت في الدعاء أو نزلت في التشهد الأخير لا تعارض من جهة المعنى، فالتشهد الأخير دعاء, وهذا مما قد يزعم بعضهم أنه متناقض، وهو في الحقيقة غير متناقض, فقولها رضي الله عنها: أنزلت في الدعاء, وكذلك قولها: نزلت في التشهد, كلاهما قول صحيح؛ لأن التشهد في نهايته دعاء.
ويلاحظ من قولها: أنزلت في الدعاء ذكر سبب النزول وأن الدعاء أو التشهد يدخل في حكم الآية.
إذاً فقوله: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء:110], يشمل جميع الصلاة من قراءة القرآن وركوع.. إلى آخره, فما ذكرته هو جزء مما يرتبط بالصلاة, وليس المراد: أنها نزلت بخصوص الدعاء أو بخصوص التشهد فقط, وإنما هو مثال لما يقع من الدعاء في الصلاة.
الكتب المشاركة في علم التفسير إلى نهاية القرن الثاني.
كتاب تفسير غريب القرآن المنسوب لـزيد بن علي : الذي تنسب إليه الزيدية, المتوفى سنة (120), وهذا الكتاب مطبوع, وهو مرتب حسب السور, وقد حققه أحد الزيدية المعاصرين, ونسب الكتاب إلى زيد ، مع أن الذي رواه عنه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي , وفي كتب الجرح والتعديل جاء في ترجمته: أنه كذاب متروك الحديث, ومعروف أنه إذا انفرد كذاب متروك الحديث برواية كتاب فإنه لا يقبل ولا تعرف رواية هذا الكتاب إلا من طريق هذا الكذاب.
ولا يبعد أن يكون هو الذي صنع هذا الكتاب، وأضاف إليه إضافات, فقد يكون ذكر تفسيرات لـزيد، وأضاف عليها إضافات مما يستأنس به لذلك.
فالكتاب ليس لـزيد؛ لأن من ألفه متأخر, وفي بعض المواطن قد ينسب الكلام فيقول: قال زيد عليه السلام, مع أن الكتاب كله لـزيد , وهذا الكتاب يؤخذ به من باب الاستئناس؛ لأنه لو كان الكتاب لـزيد لكان المفترض أنه يرويه كله عن زيد .
قال في تفسير الصيب يقول: (ومنها أنه قال في تفسير الصيب قال: الصيب المطر, وجمعه صيائب), والملاحظ هنا أن زيد بن علي من مفسري السلف, ولم يعهد في تفسير أتباع التابعين من السلف العناية بالجانب اللغوي فهذا مما يدل على أنه من صنع متأخر.
وقال في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], قال معناه: علا وقهر, والعرش: العزة والسلطان, وهذا التفسير أيضاً فيه إشكال؛ لأن تفسيرات السلف في ذاك العصر لم يرد فيها مثل هذا القول الذي فيه إشكالية التأويل؛ لأن زيد بن علي من أئمة السلف، المتوفي سنة مائة وعشرين, وإن كان تنسب إليه الفرقة الزيدية هذه؛ لأنه أضيف إلى مذهبه أشياء متأخرة.
وفي قوله: وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11], قال: معناه يفرغ عليهم الصبر, وهذا تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنى , وهذا التفسير تفسير من يجهل الآثار الواردة في غزوة بدر، ولا يعقل أن مثل زيد بن علي الفقيه العالم يجهل خبر غزوة بدر فيفسر بهذا التفسير, ولا يستبعد أن يكون هذا الذي جمع التفسير قد استفاد من كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى كثيراً, واستفاد من غيره.
والعجيب أن المحقق قلب القضية فقال: إن أبا عبيدة معمر بن المثنى استفاد كثيراً من تفسير زيد ولم يشر إلى ذلك, والحقيقة فيما يبدو مقلوبة: وأن الذي جمع تفسير زيد وأضاف إليه هذه الإضافات استفاد من تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنى ؛ لأنه يروي عنه أشياء بالنص، مثل هذا التفسير: يفرغ عليهم الصبر, وأبو عبيدة يقول: مجازه يفرغ عليهم الصبر.
وفي قوله تعالى: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ [الأنعام:73], يقول: فالصور: القرن, والصور جمع صورة, وهذا لا يعقل أن يقوله زيد ؛ لأن المعروف أن الصور في الآيات هو ما ورد في الأحاديث أنه القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل, ولا يتصور أن زيداً رحمه الله تعالى يجهل مثل هذا التفسير.
وأيضاً قوله: الصور القرن, والصور جمع صورة, هذا قول أبي عبيدة معمر بن المثنى أيضاً في كتابه: مجاز القرآن, وهو الذي سار عليه المخالفون في إثبات بعض الأحاديث المتعلقة بالمعاد, فهو جمع بين قولين متناقضين, لا يمكن الجمع بينهما.
فهذه إشارة إلى تفسير زيد بن علي المطبوع.
والصحيح أنه ليس له, لكن قد يوجد فيه تفسيرات لـزيد أضافها أحد المتأخرين، ولا يبعد أن يكون هذا المتهم بالكذب هو الذي جمع هذا التفسير نقرأ نموذجاً من التفسير المنسوب لـزيد .
(سورة: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر:1], أخبرنا أبو جعفر قال: حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا عطاء بن الساعد عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن علي عليهما السلام في قوله تعالى: ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1], قال: فانشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار فلقتين والناس ينظرون، فقالت اليهود: سحر القمر، فأنزل الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر:1-2] ), والمستمر: الشديد، ويقال: يشبه بعضه بعضاً، ويقال: الذاهب.
وقوله تعالى: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ [القمر:8], معناه: مسرعون, ويقال: بارعون.
وقوله تعالى: وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [القمر:9], معناه: أسفر جنونه, وقال: استطر, والمزدجر: المنتهى المتعظ.
وقوله تعالى: فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:12], معناه: ماء السماء والأرض.
وقوله تعالى: وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ [القمر:13], فذات الألواح يريد السفينة, وألواحها عوارضها, والدسر: المسامير, واحدها دسار, ويقال: دسر معناه: تدسر السفينة الماء بسدرها, معناه: تدفعه.
وقوله تعالى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14], معناه: بحفظنا وبكلاءتنا.
وقوله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً [القمر:15], معناه: ألقى سفينة نوح عليه السلام على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة.
وقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [القمر:19], والصرصر: الشديدة ذات الصوت, والنحس أي: المشؤوم.
وقوله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر:20], معناه: المنقطع.
وقوله تعالى: أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا [القمر:25], فالذكر القرآن.
وقوله تعالى: فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ [القمر:27], معناه: انتظرهم واصبر, وهذا قبل أن يؤمر بالقتال.
وقوله تعالى: وَنَبِّئْهُمْ [القمر:28], معناه: أخبرهم.
وقوله تعالى: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [القمر:28], والشرب أي: النصيب.
وقوله تعالى: كَهَشِيمِ المُحْتَظِرِ [القمر:31], فالهشيم ما تكسر من الشجر, والمحتضر أي: الحضيرة.
وقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا [القمر:34], معناه: حجارة.
وقوله تعالى: أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ [القمر:43], وهي الكتب واحدها زبور.
وقوله تعالى: وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر:46], معناه أعظم).
فالذي يطلع على التفسير بهذا الشكل يظهر له أن هذا من صنع متأخر, فهذا الأسلوب لم يكن جارياً في عرف السلف, ولهذا شنع على أبي عبيدة معمر بن المثنى لما أخرج كتابه: مجاز القرآن, ولو كان هذا الكتاب موجوداً لكان مثله, فقط أبو عبيدة زاد أشعار العرب, يعني: على في مجاز القرآن, لو أن قارنت بين هذا وبين ذاك فستجد أكبر فارق بينهما قضية أشعار العرب.
وبعض هذه الأقوال التي نقلها صحيحة وبعضها فيها إشكال, وبعضها حكاية أقوال, فحين تنظر إلى هذا التفسير بهذا الشكل يكون عندك شيء من الشك في أن يكون هذا الكتاب لـزيد بن علي نعم.
ومن الكتب المرتبطة بالوجوه والنظائر, وهي كتب مطبوعة كتاب لـمقاتل بن سليمان , وكتاب هارون الأعور , وكتاب يحيى بن سلام ، المسمى باسم التصاريف, فهذه الكتب الثلاثة مطبوعة, فالأول مطبوع باسم الأشباه والنظائر لـمقاتل بن سليمان , والصحيح أنه الوجوه, والوجوه والنظائر لـهارون الأعور , والتصاريف لـيحيى بن سلام البصري .
فهذه ثلاثة كتب من كتب أتباع التابعين مطبوعة في الوجوه والنظائر.
نقرأ من هذه الكتب كتاب مقاتل (تفسير اللغو على ثلاثة وجوه, فوجه منها: اللغو يعني: اليمين الكاذبة في الدنيا, وهو يرى أنه فيها صادق، فذلك قوله في البقرة: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225], يعني: اليمين الكاذبة إذا حلف عليها الإنسان وهو يرى أنه فيها صادق فليست هي كفارة ولا إثم؛ لأنه لم يتعمد الكذب ومثلها في المائدة.
والوجه الثاني: اللغو يعني: الباطل, فذلك قوله في المؤمنين: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ [المؤمنون:3], يعني: عن الباطل: مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3], نظيرها في حم السجدة قوله: لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26], يعني: تتكلموا فيه بالباطل والإشاعات.
والوجه الثالث: اللغو يعني: الحلف عن شرب الخمر في الآخرة, فذلك قوله في مريم: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا [مريم:62], يعني: في الجنة: لَغْوًا [مريم:62], يعني: الحلف عند شرب الخمر كفعل أهل الدنيا إذا شربوا الخمر, كقوله في الطور: يَتَنَازَعُونَ فِيهَا [الطور:23], يعني: في الجنة: كَأْسًا [الطور:23], يعني: الخمر: لا لَغْوٌ فِيهَا [الطور:23], يعني: الحلف عند شرب الخمر).
فكتب الوجوه النظائر أولاً: يذكرون اللفظ الذي سيوردون له الوجوه, وهو اللغو في المثال السابق، وذكر له ثلاثة أوجه, اللغو يعني: اليمين الكاذبة هذا الوجه الأول, الوجه الثاني: اللغو يعني: الباطل, الوجه الثالث: اللغو يعني: الحلف عند شرب الخمر في الآخرة.
فهذا هو المراد بالوجوه هنا, فالوجوه: هي المعاني السياقية للفظ الواردة في القرآن وليس فيه اللغة؛ لأن اللغو في اللغة: له معنى واحد وهو الشيء الباطل الذي لا قيمة له.
والنظائر هي: الآيات المتوافقة في الوجه ففي الوجه الثاني من النص على اللغو في نظيرها، قال: اللغو يعني: الباطل, فذلك قوله في المؤمنين: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ [المؤمنون:3], يعني: عن الباطل: مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3], نظيرها, يعني: نظير هذه الآية في حم السجدة قوله: لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت:26], والخلاصة أن الوجوه: هي المعاني السياقية للفظة في القرآن, والنظائر: هي الآيات المتوافقة في وجه من الوجوه.
هذا هو علم الوجوه والنظائر من جهة التعريف, وهنا ملاحظة: أن أغلب كتب الوجوه النظائر القديمة؛ ككتاب الوجوه والنظائر لـمقاتل , لا تعنى بالتحليل اللغوي للفظة, وإنما ظهر ذلك عند ابن الجوزي في نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر, الاعتناء بالمدلول اللغوي للفظة التي سيورد فيها الوجوه.
القضية الثانية: نلاحظ أن المعنى يستنبط من السياق عند أصحاب الوجوه إذ لا الفرق بين اللغو في الوجه الثاني، واللغو في الوجه الثالث، واللغو في الوجه الأول فكلها يجمعها شيء واحد: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ [البقرة:225], أو وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ [المؤمنون:3], أو لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا [مريم:62], وهي أنها الشيء الباطل أو الشيء الذي لا قيمة له.
وفسرت عائشة اللغو فقالت: قول الرجل: كلا والله، وبلى والله, فهذه تعتبر من لغو اليمين الذي لا يكتب على الإنسان. وهو أشار إلى نوع آخر من أنواع اللغو في اليمين, وهو: أن يحلف الإنسان على شيء يرى أنه صادق ولكنه يخطئ فيه, فهذا أيضاً يدخل في اللغو؛ لأنه لا يحاسب عليه.
المقصود: أن الوجوه تكثر بسبب النظر إلى السياق, ولو نظر إلى اللغة لقلت هذه الأوجه.
وكتب التفسير وما يتعلق بها إلى نهاية القرن الثالث, من (201) إلى (300), ومن خلال تتبع أعلام هذا العصر من المفسرين, نلاحظ أنه غلب عليهم الطابع النقلي.
الملاحظ: أن الذين شاركوا في التفسير كانت مشاركتهم بجمع المرويات, ولم يظهر لأحد أعلام أهل السنة أنه كان يوصف بأنه مفسر, لكن قد نجد تفسيرات لفلان أو تفسيرات لآخر أما أنه استقل بالتفسير فهذا لم أجده, والموضوع يحتاج إلى بحث, وليس فصلاً في القضية.
نذكر أمثلة لما دون في التفسير في هذه المرحلة, وقد سبقت الإشارة إليها: عبد الرزاق الصنعاني وسبق الإشارة إليه, تفسير القرآن للفضل بن دكين , وتفسير أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي , وتفسير آدم بن أبي إياس , وتفسير سنيد بن داود أو الحسين بن داود هو نفسه, وتفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي , وتفسير عبد الله بن محمد بن أبي شيبة , وتفسير إسحاق بن راهويه , وتفسير عثمان بن أبي شيبة , وتفسير أحمد بن حنبل , وتفسير عبد بن حميد الكشي , وتفسير عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي , وتفسير الإمام البخاري , وتفسير أبي سعيد الأشج , وتفسير بقية بن مخلد .
فهؤلاء الأعلام لا تجد في كتب التفسير المتأخرة من ينقل قولاً له في التفسير إلا وذكر أحدهم: وغيرهم كثير في هذه الطبقة، التي هي ما بين المائتين إلى الثلاثمائة؛ لأنه غلب عليها جمع الروايات.
ويلاحظ في هذه الفترة فترة القرن إلى نهاية القرن الثالث: أنه أدخل التفسير على أنه باب من أبواب الكتب الحديثية, فمثلاً نجد سنن سعيد بن منصور فيها كتاب التفسير, وصحيح البخاري فيه كتاب التفسير, وسنن الترمذي فيها كتاب التفسير.
ومن المطبوع لأعلام السنة في هذا العصر إلى نهاية القرن الثاني، تفسير الإمام المحدث عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، المتوفى سنة (211), وهذا الكتاب له ثلاث تحقيقات، آخرها تحقيق لأحد الدكاترة المصريين, لكنه في الحقيقة سلك منهجاً عجباً في منهج المؤلف, وادعى عليه ادعاءات في المنهج, وهو مجرد نقل, وهذا من الأخطاء التي تقع في افتعال القضايا العلمية أحياناً, والكتاب مؤلف في ثلاثة مجلدات وصاحبه يتكلم عن موقف عبد الرزاق من القضايا اللغوية والبلاغية.
وعبد الرزاق ما له موقف أصلاً! عبد الرزاق ناقل أولاً وآخراً, ولو أردنا أن ندرس منهج عبد الرزاق فندرسه من جهة ما اختاره من الروايات, فعمل عبد الرزاق جمع الروايات, فأنا أدرس منهجه في جمع الروايات, ولا أدرس هذه القضية؛ لأن هذا افتعال قضية علمية غير صحيحة, فـعبد الرزاق لم يكن له موقف من القضايا البلاغية, وسر على ذلك مما جمعه، موقفه من كذا وموقفه من كذا, وأغلب هذه قضايا مفتعلة ليس لها في الواقع نصيب علمي إطلاقاً, والتحقيق مع جودته فيه هذه الإشكالية؛ والأصل أن ندرس قضية هل استوعب جمع التفسير أو لم يستوعب هذا يمكن أن يناقش.
وهذا الكتاب هو كتاب رواية مجردة, وليس له فيه تعليق على التفسير, فهو يرويه عن أشياخه من المفسرين, وأغلب رواية هذا التفسير من طريق معمر عن قتادة , وقد بلغت الروايات عن قتادة قرابة (656) رواية. حتى إن بعض من تكلم عن هذا التفسير زعم: أنه تفسير قتادة ، وهذا غير صحيح.
كما أنه اعتمد الرواية عن شيخ معمر , فـمعمر بلغت الرواية عنه قرابة (737) مرة وسفيان الثوري بلغت قرابة (222), و ابن عيينة بلغت قرابة (115), فهؤلاء من أشياخه الذين أكثر عنهم, وهم: معمر , و سفيان الثوري , و سفيان بن عيينة .
ولاحظ في رواية تفسيرية أخرى عن الحسن ، حيث ورد اسمه قرابة (210), و مجاهد قرابة (188), و ابن عباس قرابة (182), و الكلبي (130) مرة, و عكرمة (111) مرة تقريباً, و ابن مسعود (74), و طاوس (58), فالأغلب ما يحكيه عن هؤلاء قضايا تفسيرية.
فإذاً قتادة له النصيب الأكبر في الروايات.
وهذا التفسير نجد فيه أحياناً بعض الأحاديث النبوية المتعلقة بالآيات, وهو يمثل طريقة السلف في هذا الجيل: جيل ما بعد أتباع التابعين.
وهذا الكتاب بدايته مفقودة, لكن بدأ بجمع القرآن ثم جاء بمن قال في القرآن برأيه, ثم نزول القرآن ثم ابتدأ بسورة الفاتحة إلى أن ختم بسورة الناس.
السؤال الذي يمكن أن نوجهه أو نستفهم عنه: هل عبد الرزاق رحمه الله تعالى جمع كل ما بلغه من التفسير أو هو انتخب؟ الله أعلم.
المتوقع من خلال سعة اطلاع عبد الرزاق على الروايات التفسيرية والروايات الحديثية أن يكون انتخب هذا, ويمكن معرفة ذلك بمقارنة الروايات التفسيرية الواردة عنده في كتابه المصنف, ففيه دلالة على أنه انتخب؛ لكن السؤال يبقى للبحث.
التفسير الثاني: تفسير آدم بن أبي إياس , المتوفى سنة (220), وهذا مطبوع, وهو المسمى بتفسير مجاهد , وحقق الأستاذ الدكتور حكمت بشير ياسين : أن هذا التفسير هو تفسير آدم بن أبي إياس ؛ لأن الإسناد يدور عليه, فهو يروي في هذا عن مجاهد وعن غيره, مجاهد , فإذا كان تفسير مجاهد فهذه الروايات الأخرى تعتبر تفسير من فسر بها فهي روايات عن ابن عباس , وروايات عن عطاء , وروايات عن عكرمة إلى آخره, يعني: جملة من مفسري السلف.
فحقق الدكتور: أن هذا الكتاب هو لـآدم بن أبي إياس , وهذا الكتاب من مطبوعات دار ابن الجوزي فيما يتعلق بعلوم القرآن، فحقق أن هذا التفسير المسمى بتفسير مجاهد هو في حقيقته لـآدم بن أبي إياس , وهو يحكي لنا نفس المرحلة وهي مرحلة النقل, فلا تجد لـآدم بن أبي إياس أي قول بل كله مروي عن مفسري السلف.
كما أن تفسير عبد الرزاق أغلبه عن قتادة فنجد أن هذا التفسير أغلبه عن مجاهد , ولهذا نسب التفسير إليه, وقد وردت روايات لجمع من مفسري السلف كـابن عباس و الحسن البصري وغيرهم, وهو لا يشمل جميع القرآن، بخلاف تفسير عبد الرزاق فإنه في الغالب شمل جميع السور, وإن لم يشمل جميع الآيات.
ونلاحظ هنا أن السند يتكرر في كل أثر من آثار الكتاب, ومثله أيضاً: عبد الرزاق فالسند الذي ذكره في كل أثر من آثار الكتاب؛ لأنه كتاب رواية, ويعتمد السند في كل أثر من الآثار الغالب فيه هذا السند: أنبأنا عبد الرحمن قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أو قال: عن ابن أبي نجيح عن مجاهد , فهذا السند هو الذي يدور عليه الكتاب غالباً.
هذا ما يتعلق بتفسير آدم .
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر