إسلام ويب

مفاتيح طلب علم الفقهللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يخفى على طالب العلم أهمية الفقه وفضله وتعليق الخيرية على تعلمه ونيله، ولقد مر الفقه بمراحل عديدة حتى وصل إلى ما وصل إليه، فمن أراد أن يكون فقيهاً فعليه أن يتدرج في هذا العلم العظيم، وأن يعرف مبادئه وأن يسير على ما سار عليه الفقهاء الأوائل.

    1.   

    أهمية الفقه وفضله

    المقدم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن علم الفقه من أعظم العلوم التي يحتاجها المسلم في عباداته وفي معاملاته، بل وفي جميع شئون حياته، وإلى ذلك أشار ابن الجوزي رحمه الله تعالى بقوله: دليل فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته، ومن تأمل ثمرة علم الفقه علم أنه أفضل العلوم.

    وإذا استمعنا إلى أسئلة الناس واستفتاءاتهم للعلماء في المساجد وفي البيوت، وعبر وسائل الإعلام نجد أن أكثر اسئلتهم واستفساراتهم إنما تتعلق بمسائل علم الفقه؛ مما يدل على عظم حاجة طالب العلم إلى التفقه وضبط علم الفقه، ومحاضرة هذه الليلة بإذن الله -مفاتيح طلب الفقه- تأتي خاتمة المطاف في هذه السلسلة المباركة مفاتيح طلب العلم، وضيفنا في هذه الليلة شيخ من شيوخ الفقه، الذين فتح الله عليهم في هذا العلم فولجه من أوسع أبوابه، وحقق في مسائله ودقق، فسبق علمه وفقهه عمره.

    واحة الفقه تغنت وزهت فخراً وتيهاً

    شيخنا السلمي أمسى ضيفنا الليلة فيها

    علماً تنشر علماً كنت والله فقيهاً

    باسمكم جميعاً أيها الإخوة! نرحب بفضيلة شيخنا الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الإمام، والله نسأل أن يكتب خطواته، وأن يبارك في علمه وعمله إنه سميع مجيب.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم واجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك راهبين أواهين منيبين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واسلل سخيمة قلوبنا، اللهم واستر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

    وبعد: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

    ونعوذ بالله أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل، أو نظلم أو نظلم.

    أحبتي الكرام! إن علم الفقه من أجل العلوم وأنفعها، ولقد كان سلف هذه الأمة ممن برع في الفقه والحديث كانوا يقولون: فهم الحديث أحب إلينا من حفظه، كما قال أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى عليه، وقال سفيان الثوري رضي الله عنه ورحمه: تفسير الحديث أحب إلينا من سماعه، ولهذا كان أئمة الشأن من أهل الحديث كالإمام البخاري و أحمد و الشافعي و مالك و الرازي و أبي حاتم وغيرهم من سلف هذه الأمة يجمعون بين الفقه والحديث، فلذا نبلوا في هذا الشأن.

    والفقه أعظم العلم على الإطلاق، ونعني بالفقه ليس هو الفقه الذي يحدد بقولهم: هو معرفة الأحكام الفقهية بأدلتها التفصيلية فقط، بل الفقه هو الشريعة كلها، هو الحلال والحرام، ولذا كان أئمة الإسلام في السابق يسمون علم العقيدة بالفقه الأكبر، فالفقه على شموله وعمومه يعم الشريعة كلها، وهي الحلال والحرام، والفقه كما لا يخفى هو الفهم والفطنة، يقال: افقه عني ما أقول لك، أي: افهمه وتفطن له، وقال الراغب الأصفهاني رحمه الله: الفقه معرفة باطن الشيء والوصول إلى أعماقه.

    ولقد استعمل القرآن الكريم الفقه بالمعنى العام وهو الفهم، وكذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم بينت الفقه بمعنيين: بمعنى الفهم وهو على ما جاء في القرآن، والمعنى الثاني: فهم الشريعة كلها وقد جاء به القرآن والسنة أيضاً قال تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]، ومعنى الفقه بهذا العموم هو معرفة الشريعة برمتها حلالها وحرامها.

    وعلى هذا قال ابن القيم رحمة الله تعالى عليه في إعلام الموقعين، قال: والفقه أخص من الفهم؛ لأن الفقه فهم مراد المتكلم من كلامه، وهو قدر زائد على مجرد فهم اللفظ في اللغة، ويتفاوت الناس في الفهم بتفاوت مرتبتهم في الفقه والعلم، ثم استعمل في عرف الإسلام في نوع من الفهم العميق، وهو فهم الأحكام الشرعية، سواء كانت علمية أو عملية، ونعني بالعلمية: مسائل العقائد، ونعني بالعملية: بقية المسائل كالصلاة والزكاة والصيام والحج.

    وفضل الفقه عظيم، ولا أعظم من قول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).

    قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله في المجلد العشرين: ولازم هذا الحديث أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيراً، قال: فيكون التفقه في الدين فرضاً، وأخذ بذلك رحمه الله على أن المرء يجب عليه بعد الشهادتين أن يعمل أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ولا يستطيع أن يعمل هذه الأركان إلا بالفهم والتفقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )، وكل حديث أو آية بينت فضل العلم وثمرته وأهميته، فإن الفقه في الدين على سبيل العموم يدخل في كل آية أو حديث؛ إذ أن الفقه كما مر معنا ليس هو معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها التفصيلية فقط كما يقوله الأصوليون، ولكن الفقه يشمل الفقه وأصول الفقه، وعلم العقيدة بل الشريعة برمتها.

    وقد روى أبو داود رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لئن أجلس مع قوم يذكرون الله من غدوة إلى طلوع الشمس أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ومن العصر إلى غروبها أحب إليّ من كذا وكذا )، والحديث في سنده موسى بن خلف العمي فيه كلام يسير، تكلم فيه الحافظ ابن حبان ، وأثنى عليه البخاري ، واستشهد له في كتابه، وقد حسن الحديث الترمذي .

    وذكر الخطيب البغدادي في كتابه العظيم الفقيه والمتفقه، عن يزيد الرقاشي وهو ضعيف أنه قال: التفت إليّ أنس فقال بعد ما ذكر هذا الحديث: والله ما هو بالذي تصنع أنت وأصحابك، يعني: ليس هو الذكر والعبادة والتسبيح والتهليل فقط، قال: ولكنهم قوم يتعلمون القرآن والفقه.

    وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28]، قال: مجالس الفقه.

    وقال عطاء الخراساني في قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر )، قال عطاء : (حلق الذكر) مجالس الذكر: وهي مجالس الحلال والحرام.

    وقد قال رجل لـأبي مجلز التابعي المشهور، وكانوا يتذاكرون الفقه: يا أبا مجلز لو قرأت علينا سورة من القرآن يعني: كأنه يقول: دعنا من كلام الفقه، لو قرأت علينا سورة من القرآن، فقال رحمه الله: ما أنا بالذي أزعم أن قراءة القرآن أفضل مما نحن فيه.

    وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: تعليم الفقه صلاة، ودراسة الفقه صلاة. وقد روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله عن أبي هريرة رضي الله عنه من قوله، وروي مرفوعاً ولا يصح: لئن أتعلم مسألة يحتاج إليها الخلق أحب إليّ من سبعين صلاة، أو كلمة نحوها.

    وقال مجاهد رضي الله عنه ورحمه في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] قال: ليست بالنبوة، ولكنها الفقه والعلم.

    وبهذا تعرف أخي الكريم أن السلف رضي الله عنهم كانوا إذا أرادوا أن يتعلموا العلم تعلموه بنية صالحة، ولذا كتب عبد الله بن عمر العمري رسالة لـمالك حينما رآه مقبلاً على العلم وتعليمه، وأكب على ذلك حتى أصبح جل وقته، ولم يكن كغيره من أقرانه من أهل العلم الذين بالغوا في العبادة والتضرع والابتهال والانكسار والانطراح بين يدي الله سبحانه وتعالى، فكتب مالك رحمه الله رسالة إليه، وضمن هذه الرسالة قوله: وأنا في الذي كتب الله لي ما أنا بأقل مما كتب الله وفتح عليك، وأرانا يا أخي! كلانا على خير.

    وقول مالك رحمه الله إنما هو من باب التلطف، وإلا فإن أهل العلم أجمع ذهبوا إلى أن الفقه في الدين أعظم من العبادة؛ لأن العبادة مقتصرة، والتفقه في الدين لمن صلحت نيته عبادة متعدية.

    وقيل لـأحمد بن حنبل : أي العبادة أفضل؟ قال: تعلم العلم لمن صلحت نيته، قيل: يا أبا عبد الله ! وما صلاح النية؟ قال: أن يرفع الجهل عن نفسه، وأن يرفع الجهل عن إخوانه.

    1.   

    المراحل التي مر بها الفقه الإسلامي

    والفقه في الدين مر بمراحل، وقد ذكر الذين كتبوا في تاريخ التشريع عن هذا وأطالوا، لكن لابد من لمحة سريعة.

    في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

    فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن مسألة إما أن ينتظر الوحي، وهذا جل حاله عليه الصلاة والسلام حتى يأتيه الوحي، ثم يجيب وهذا أمثلته كثيرة، بل هي جل الشريعة التي نزلت على نبينا عليه الصلاة وأتم التسليم، كما جاء في الصحيح من حديث يعلى بن أمية ( أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وعليه جبة، وعليها أثر خلوق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرم بالعمرة، فقال الرجل: ما تراني أصنع في عمرتي؟ قال يعلى بن أمية : فجاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، قال: ثم غطي، وله غطيط، فقال لي عمر : أتشتهي أن تنظر إليه؟ قلت: نعم، قال: فأزال الحجاب عنه، فرأيت له غطيطاً كغطيط البكرة، ثم سري عنه، فقال: أين السائل عن العمرة؟ قال: أنا، قال: اخلع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ). وقد قال عليه الصلاة والسلام في قصة عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك، حينما لم يجد ما يدفع عنها: ( يا عائشة! إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، وإن كنت مبرأة فسوف يبرئك الله ).

    ثم نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( أبشري يا عائشة! فقد برأك الله من فوق سبع سماوات، فقالت أم رومان : قومي إلى رسول الله فاحمديه، فقالت: والله لا أحمد إلا الله تعالى )، هذا جزء.

    الجزء الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، فإن كان صواباً أقر على ذلك وكان تشريعاً، وإن أخطأ بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام بين له خطؤه، وعلى هذا جمهور الأصوليين.

    ومن المسائل التي تدل على هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أسارى بدر فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى قول أبي بكر -وهو أخذ الفداء منهم- ولم يأخذ بقول عمر وهو قتلهم، والذي ذهب إليه هو الحق بأبي هو وأمي، وهو الذي أقره الله سبحانه وتعالى عليه، ولكن جاء العتاب ليس لأجل قول النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه برأي أبي بكر ، ولكن لأمر آخر بينه الحافظ ابن حجر في كتابه العظيم فتح الباري.

    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه يبعث أصحابه إلى الفيافي والقفار وإلى المدن، ويأمرهم أن يحكموا بكتاب الله وسنة رسوله، فإن أعيتهم مسألة ولم يجدوها فيها اجتهدوا، وقد كانوا يجتهدون وهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر ظاهر، وهذا يدل على أن قول بعض الأصوليين: لا ينبغي للعالم أن يفتي وفي البلد من هو أعلم منه إنما هو قول قالوه، واستحسنوه بعقولهم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل الصحابة تأبى ذلك، كما جاء في الصحيحين في قصة الرجل الذي زنى بالمرأة، ( فقال الرجل: يا رسول الله! وإني سألت أهل العلم فأفتوني بأن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأحكمن بينكم بكتاب الله، ثم بين له الحكم )، وقوله: (إني سألت أهل العلم فأفتوني) دليل على أن العالم إذا كان يعلم المسألة فإنه يفتي بها ولو كان هناك من هو أفقه منه وأعلم.

    في زمن الخلفاء الراشدين

    ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جاء عهد الخلفاء الراشدين، فكانوا يفتون بما علموا من كتاب الله سبحانه وتعالى، فإن لم يكن ذهبوا إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: إذا لم يكن دليل من أصله، أو تفصيله من الكتاب، وإلا فإن الكتاب والسنة شيء واحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي داود و أحمد بسند صحيح: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما قلت به فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ).

    وقال الإمام الشافعي في كتاب الرسالة: كل كلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم من سنته، فإنما ذلك شيء فهمه من القرآن.

    كما ذكر ذلك وبينه وفصله الإمام الشاطبي في كتابه العظيم الموافقات، ثم إذا لم يجدوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يجمعون الصحابة، ويطرحون عليهم المسألة، ثم ينظرون هل بلغ أحدهم شيئاً من السنة، أو يجتهدون في ذلك كما حصل لـأبي بكر رضي الله عنه في ميراث الجدة، وكما حصل لـعمر رضي الله عنه في دخوله الشام حين وقع فيها الطاعون كما في الصحيحين، وكما ثبت عن عمر رضي الله عنه في أكثر من مسألة حينما كان يدخل مع الصحابة ابن عباس رضي الله عنهم.

    وقد كانوا يتناظرون في المسألة علهم أن يصلوا إلى الحق، كما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن حنين قال: (تمارى ابن عباس -يعني: تحاور ابن عباس- و المسور بن مخرمة، فقال المسور بن مخرمة : لا يغسل المحرم رأسه، وقال: ابن عباس يغسل المحرم رأسه، قال: فبعثني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله: كيف رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو محرم، قال عبد الله : فذهبت إلى أبي أيوب ، ورأيته يغتسل عند البئر بين القرنين، قال: من أنت؟ قلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني ابن عباس لأسألك: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو محرم، قال: فأخذ بيده فطأطأ الغطاء وكان قد غطى نفسه، حتى بدا لي منه رأسه، ثم قال لإنسان يصب: اصبب. فبدأ بمقدم رأسه حتى انتهى بهما إلى قفاه، ثم ردهما وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، قال المسور لـابن عباس : لا أماريك أبداً).

    وكذا في قصة عمار بن ياسر في التيمم، ومناظرته لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي قصة أبي موسى و عبد الله بن مسعود في مسألة التيمم لمن لم يجد الماء في الحضر، وغير ذلك من المسائل.

    ثم بعد ذلك يعني: في مراحل التأسيس كان الصحابي يخرج من المدينة إلى أصقاع الدنيا في الشام ومصر، وكان للصحابي أتباع، يقتدون به ويأخذون بأقواله، وانتشرت الأقوال، وعرفت المدارس مثل مدرسة ابن مسعود ، ومدرسة ابن عباس ، ومدرسة عبد الله بن عمر ، ومدرسة زيد بن ثابت ، ومدرسة عمر بن الخطاب وهي أولها.

    وقد ذكر ابن حزم في كتاب الإحكام أهل الإفتاء من الصحابة وعدهم، ولا داعي لذكر هذه الأشياء، فإنها معروفة معلومة، إلا أننا نعلم أن أفقه الصحابة هو أبو بكر رضي الله عنه، وهذا خلاف ما يتصوره بعض الناس، وبعض صغار الطلبة فإنهم يتصورون أن ابن عباس و ابن مسعود ، و زيد بن ثابت ، و معاذ بن جبل هم أعلم الصحابة مع أن الفقيه هو الذي يفقه الشريعة كلها، ومعرفته ببعض الأجزاء لا يدل على أنه فقيه في الشريعة كلها.

    نعم قد تجد من يحفظ جزءاً من المتون في الفقه، وقد يعجز أكابر الفقهاء عن بعض المسائل الصغار، ولكن هذا ليس في الشريعة كما هو مسلك الأئمة الكبار، قال مالك بن أنس : الفقه ليس بكثرة الرواية، ولا بكثرة المسائل، ولكنه نور يقذفه الله في قلب العبد، نسأل الله أن يقذف في قلوبنا هذا النور.

    في زمن التابعين

    وبعد موت الصحابة جاء التابعون وبدءوا ينقلون أقوال الصحابة، ويجتهدون في اختيار أيهما أقرب إلى ما يرتضونه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما تدل عليه قواعد الشريعة، وبعد التابعين جاء من بعدهم، ثم احتاج الناس إلى أن يصنفوا في هذا الباب؛ وذلك لأن العجمة دخلت على بعض أهل العلم ممن فتحت بلادهم فدخلوا في الإسلام، واشتغلوا بطلب العلم، فأصبحت اللكنة مشكل بالنسبة لهم؛ لكونهم لا يفقهون كثيراً من قواعد اللغة العربية، ومعرفة عامها وخاصها، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام، ودلالة التطابق. وقد كان فقه الصحابة سريعاً وكانوا لا يحتاجون إلى أصول الفقه؛ لأنهم يعرفونه سليقة، وقد كان عبد الله بن عباس يقول: كنت كثيراً ما أسمع عمر لا يقول كلمة، إلا ويذكر لها بيتاً من الشعر.

    وقال عروة بن الزبير : ما رأيت أفقه ولا أحفظ للحديث، ولا أعلم بلغة العرب وأشعارها من عائشة ! قيل: وكيف عرفت ذلك؟ قال: يدخل عليها المحدثون فتحدثهم، ثم يدخل عليها الفقهاء فتحدثهم، ثم يدخل عليها الشعراء فتحدثهم.

    وقد خطبت عائشة في معركة الجمل خطبة عصماء لا يستطيع الواحد منا أن يفقهها إلا إذا كان لسان العرب، أو القاموس المحيط بين يديه، فرضي الله عنها وأرضاها.

    ثم بعد ذلك انتشر الناس وصعب عليهم حفظ الأقوال، وبدءوا يكتبون الفتاوى، فكتبت المصنفات، مثل مصنف ابن أبي شيبة ، ومصنف عبد الرزاق ، فكانوا إذا سئل عطاء أو ابن عباس أو مجاهد أو طاوس يكتبون فتواهم، ومن ذلك الفقهاء السبعة، فإنهم كانوا يكتبون ما يستحضرونه من فهمهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا أحياناً يذكرون الفتوى من غير دليل؛ لأنهم يُسألون فيفتون فقط ولا يذكرون الدليل، وقد ذكر كثير من الأصوليين الإجماع على أنه لا يلزم الفقيه إذا سئل عن مسألة أن يذكر الدليل إلا لمن احتاج إلى ذلك، وبهذا تعرف خطأ بعض طلاب العلم من المعاصرين الذين قالوا: لا يجوز للمفتي أن يفتي إلا ويذكر الدليل، وقد قال الشاطبي رحمه الله: نصوص الأئمة للعوام كنصوص الكتاب والسنة للعلماء؛ لأن العامي لا يستطيع أن يميز، والأولى أن الإنسان إذا سئل عن مسألة أجاب بالأدلة؛ حتى يعرف المرء أنه ما أفتاه العالم إلا بدليل.

    في زمن الأئمة الأربعة

    ثم وجدت المذاهب الأربعة. وجد أبو حنيفة ، وقد كان رضي الله عنه في الكوفة، وأهل الكوفة غلب عليهم التشيع، فجعل أبو حنيفة لا يقبل الحديث إلا إذا جاءه من طريق أصحاب ابن مسعود ، أو من طريق أهل الحجاز، ولذا كثر عنده الرأي والاستئناس بالقواعد الشرعية التي حفظها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بذلك صاحب قياس عظيم، حتى قال مالك رحمه الله حينما سئل عن أبي حنيفة قال: لو أراد أن يحاجكم على أن أسطوانتكم هذه ذهباً لاستطاع، وهذا دليل على قوة قياسه رضي الله عنه، ولذا قال الإمام الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة .

    قال أبو العباس بن تيمية : ولم يكن أحد من أئمة الإسلام يأخذ القياس ويترك النص مما صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، حاشاهم من ذلك، وما نقل عن أبي حنيفة رضي الله عنه فإنما ذلك لأنه لم يبلغه السنة، كيف و أبو حنيفة يترك القياس لقول ابن مسعود أو لقول كبار التابعين كـإبراهيم النخعي وغيره؟ فأخذ بأن الضحك في الصلاة يبطل الوضوء؛ لأنه روي عن ابن مسعود رضي الله عنه، فترك لأجل ذلك القياس الجلي وأخذ بقول الصحابي، قال ابن تيمية : فإن أبا حنيفة أو غيره من الأئمة لا يكادون يتركون سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذا استبانت لهم لقول أحد من الناس.

    ثم بعد ذلك جاء مالك وقد وقع نزاع كبير بين أهل الرأي المتمثلين في أهل الكوفة كـأبي حنيفة وغيره، وأهل الحديث كـمالك رحمه والله وغيره، وحدث تصارع وتناحر وكلام طويل بين طلاب الأئمة حتى أصبح الناس يسألون عن الرأي أكثر من سؤالهم عن الحديث، فلذا شنع أهل الحديث على هذا الأمر، وبهذا نعرف أن تشنيع أهل الحديث كما في كتاب السنة لـعبد الله بن أحمد أحياناً مبالغ فيه؛ كي لا ينصاع الناس إلى الرأي، ويتركوا الحديث، وإلا فالناس عيال في الفقه على أبي حنيفة ، والناس كلهم يبحثون عن الحق، إلا أنه في بعض الفترات قد يبالغ بعض الناس في شيء بسبب ردة الفعل، فقد تجد بعض الأئمة يردون ويبالغون، كما نجد ذلك في كتاب السنة لـعبد الله بن الإمام أحمد فإنه قد بالغ رحمه الله ورضي عنه في رده على أبي حنيفة ، وأكثر الآثار التي تتحدث عن أبي حنيفة ضعيفة.

    وبعد ذلك جاء الشافعي رحمه الله، فجمع بين مدرسة الرأي، ومدرسة أهل الحديث بما يسمى بأصول الفقه، وقد كان أول ما ألف في ذلك كتاب الرسالة، وهي التي جمعت وبينت، وقعدت وضبطت فهم الحديث، وقد كان مالك رحمه الله مع اهتمامه بالحديث لا يقبل كل حديث مهما كان إسناده صحيحاً؛ لأن الحديث أحياناً يكون ظاهره الصحة، ولكن متنه يخالف القواعد الشرعية، ولهذا قال الأئمة: لا تكاد تجد متناً مخالفاً للقواعد إلا وفي إسناده ضعف ولو كان ظاهره الصحة.

    يقول عبد الله بن وهب رضي الله عنه ورحمه: لقد خشيت على نفسي أن أضل، فما هو إلا أن جلست عند مالك و الليث فقوموني، قالوا: بم؟ قال: قالوا: خذ هذا الحديث، ودع هذا الحديث.

    ولذا كان مالك رحمه الله يجعل عمل أهل المدينة أصلاً لا يمكن أن يحيد عنه، فكان إذا جاءه الحديث، ولم يكن عليه عمل أهل المدينة يتركه، وبهذا تعرف أن مالكاً رحمه الله ترك بعض الأحاديث الصحيحة؛ لأنه لم يبلغه أن أهل المدينة عملوا بها، كما في حديث خيار المجلس: ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا )، وصيام ست من شوال ففي حديث أبي أيوب كما في صحيح مسلم : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر )، فإن مالكاً رحمه الله لم يبلغه عن أهل المدينة فعله، فترك ذلك، وإلا فإن أهل المدينة ثبت عنهم ذلك، ثم إن أهل العلم يقولون: العبرة بالدليل الصحيح إذا ثبت، وإلا فإن حديث: ( الحج عرفة ) رواه عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، وهو كوفي.

    قال سفيان بن عيينة : قلت لـسفيان الثوري : ليس عندكم في الكوفة حديث أشرف ولا أحسن من هذا؛ لأن (الحج عرفة) دليل على أن عرفة ركن من أركان الحج ولم يعرف ذلك إلا من حديث الكوفيين، وغالب ما يتفرد به الكوفيون من الحديث عن أهل الحجاز يكون ضعيفاً.

    ثم انتشرت أقوال الأئمة، واعتنوا بها، سواء كانت للأئمة الأربعة أو غيرهم من الأئمة الذين برزوا كـالليث بن سعد في مصر، و الأوزاعي في الشام، إلا أن الأوزاعي و الليث بن سعد ، و ابن شبرمة ، و ابن أبي ليلى لم يكن لهم طلاب علم يجمعون نصوصهم، ويقتدون بفعلهم، ولهذا قال الإمام الشافعي كلمة عظيمة، قال: الليث بن سعد أفقه من مالك ، إلا أنه لم يرزق بطلاب كما رزق مالك .

    وأشهب رحمه الله كان على أصول مالك ، وكان من الفقهاء، يقول عنه الشافعي : ما رأيت أفقه من أشهب لولا طيش فيه، رحمة الله تعالى على الجميع.

    ثم بعد ذلك جاء الإمام أحمد بن حنبل ، وقد كان رحمه الله يهتم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وآثار الصحابة، حتى قال الخطابي : فإنه لا تكاد تخفى على أحمد سنة من السنن، بل أقول: ولا أثر من الآثار حتى قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: لا يكاد ينفرد أحمد بمسألة إلا والحق معه في الجملة.

    ولا داعي أن نقول: أيهما أفضل مذهب الشافعي أو مذهب مالك أو مذهب أبي حنيفة أو مذهب فلان أو علان، كلهم على خير وعلى هدى، والواجب على العبد المريد لنفسه السلامة أن يتبع أو يدرس أي مذهب شاء، ولكن إذا بلغته سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز له أن يدعها لقول أحد من الناس؛ إذ أن الأئمة الذين ألف أتباعهم هذه المذاهب كانوا ينفرون ويشددون على أهمية عدم الاقتداء بهم فيما صحت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بخلافه، حتى قال الشافعي : إذا رأيتم قولي خالف قول رسول الله، فاضربوا بقولي عرض الحائط، وقال مالك رحمه الله: كلنا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، وقال أبو حنيفة مثله، وقال أحمد رحمه الله: لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا سفيان وخذ من حيث أخذوا.

    وعلى هذا فينبغي لطالب العلم أن يجمع بين الفقه والحديث، وكلما جمع طالب العلم بين الفقه والحديث وكان متميزاً في الفقه، ومتميزاً في الحديث كلما ذاع صيته، وظهر فقهه، ونبل علمه، وميز على غيره من الأقران؛ لأن الفقيه إذا لم يكن محدثاً مميزاً، فإنه ربما تعييه الأدلة، وربما استدل بالأحاديث الضعيفة، والمحدث إذا كان محدثاً ربما خالف أصول الشريعة لأجل دليل في الظاهر تخالفه أصول الشريعة.

    ولهذا كان زفر الحنفي يجلس في المسجد، فإذا جاءه الفضل بن دكين شيخ البخاري قال له: تعال يا أحول! أغربل لك أحاديثك، قال: فأقرأ عليه الحديث، فيقول: هذا جاء ما ينسخه، وهذا عام وقد جاء ما يخصصه.

    وقد جاء في بعض الروايات أن إسحاق بن راهويه جاء من خراسان فأراد أن يجلس عند سفيان بن عيينة ليسمع منه حديثه، فقال له أحمد : تعال واجلس عند محمد بن إدريس الشافعي ، فقال: وما أصنع بـمحمد بن إدريس وأترك سفيان بن عيينة ، قال: إنك إن لم تحفظ الحديث بإسناد عال فإنك سوف تحفظه بإسناد نازل، يعني: إذا لم تحفظ الحديث بإسناد قصير عند سفيان بن عيينة فسوف تحفظه بإسناد طويل عند غيره، ولكن من يعرفك بالناسخ والمنسوخ، والعام والمخصوص، وقد بين بعض أهل العلم أن هذه القصة ضعيفة، ولكنها مشهورة، فذكرناها لشهرتها.

    1.   

    طرق تعلم الفقه وإتقانه

    ولن أطيل عليكم فالموضوع طويل جد طويل، ولكن لعلي أترك كثيراً منه مثل أبرز الكتب المؤلفة عند أئمة المذاهب، وميزة كل كتاب، وأذكر ما هو أهم من ذلك، وهي المنهجية العلمية في طلب علم الفقه، وإتقانه.

    أهم شيء أن الإنسان إذا سئل عن مسألة يقول: قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء أخذ بطريقة التفقه بالحديث، أو بطريقة التفقه بكتب الأئمة، أو بأي طريقة شاء، ولا ينبغي أن نعنف بعضنا بعضاً على أي طريقة كانت، بل العبرة أن المرء إذا سئل عن مسألة فإنما يجيب على ذلك بالأدلة الشرعية المرعية، والقواعد التي بينها أهل العلم، ولا يكاد يضطرب في أصوله، وإن كان جل العلماء مهما بلغ صيتهم، وعلا كعبهم في العلم، إلا أنهم ربما اضطربوا في أصولهم، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في القواعد النورانية: ما من إمام من أئمة الإسلام إلا وقد اضطرب في أصوله، وذلك ليكون الدين كله لله.

    ويقول ابن تيمية في المجلد الحادي عشر: وقد اتفق الأئمة على أنه ليس أحد من أئمة الإسلام يؤخذ قوله على الإطلاق؛ إذ أن المعصوم هو محمد صلى الله عليه وسلم.

    بل قال في بعض كتبه: ومن زعم أن عالماً من العلماء يجب أن يؤخذ قوله في كل شيء فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه جعله مشرعاً.

    وعلى كل حال فالذي أراه أفضل طريقة لطلب العلم طريقتان: الأولى: إذا كنت تريد أن تكون طالب علم يعني: تترقى في سلم العلم فهذه لها طريقة.

    الثانية: وهي طريقة أن يكون عندك إلمام بالفقه ومعرفة به، فهذه لها طريقة أخرى، وسنتحدث عن الطريقة الثانية؛ لأنها طريقة غالب الناس، وهي أن يكون عنده إلمام بالفقه، ومعرفة الحكم الشرعي، فأفضل طريقة هي أن يقرأ رسالة صغيرة في الصلاة لبعض العلماء في زمانه، ويقرأ الفتاوى التي كتبها أهل العلم، فمثلاً: هناك فتاوى لشيخنا عبد العزيز بن باز في الطهارة، وكذلك فتاوى لشيخنا ابن عثيمين يقرؤها، ثم بعد ذلك يتدرج في كتاب الصلاة، ثم بعد ذلك يتدرج في كتاب الزكاة، وهو يقرأ هذه الفتاوى، ويقرأ كتاباً مختصراً بسيطاً في الفقه مثل كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدي: منهج السالكين، فإنه كتاب بسيط، ويعطيك العبارة بأسلوب عصري ربما لا تجد مشقة في فهمها، وإذا قرأ هذا حاول أن يميز الفرق بين فتوى هذا الإمام وفتوى هذا الإمام، فإذا تدرج في هذا صار بعد سنوات قليلة يعرف الحكم الشرعي بدليله ويميز، فإذا جاء وقت الصيام قرأ فتاوى الصيام، ويقرأ كتاباً مختصراً في الفقه في كتاب الصيام، فإذا أراد أن يفهم كتاب الزكاة يقرأ فتاوى الزكاة؛ لأن الفتاوى في الغالب هي التي يهتم بها غالب المسلمين في هذا الزمان، فسيستفيد منها استفادة كبيرة، وينبغي له حينما يقرأ الفتوى أن يفهمها ويحفظ دليلها، فهو إذا سار على هذه الطريقة سرعان ما ينبل، ويميز ويضبط فتاوى العلماء، وينبغي له أن يحفظ الفتوى، ولو قرأها مرة أو مرتين أو ثلاث أو أربع، فهذا أفضل وأحسن؛ لأنه بكثرة ترداده يعرف مصطلح الفقهاء، ومصطلح الأئمة ومصطلح المشايخ في طريقتهم في الفتوى.

    ولا بأس أن يقرأ بعض الكتب الحديثية في الأحكام، مثل: عمدة الأحكام، ويقرأ شروحها البسيطة مثل: توضيح الأحكام في شرح بلوغ المرام للشيخ عبد الله البسام ، ومثل تيسير العلام في شرح عمدة الأحكام، ومثل شرح شيخنا ابن عثيمين لبلوغ المرام، فهو إذا بدأ يقرأ هذه الكتب التي ليس فيها كلام للأئمة سرعان ما ينبل، ويشتد عوده، ويصلب فهمه للأقوال.

    وإذا أراد أن يشتري سيارة، فيحاول أن يقرأ فتاوى الأئمة في المعاملات المالية، وإذا أراد أن يتزوج يقرأ كتاب النكاح في الفتاوى، بحيث يستطيع أن يميز، فإنه بهذه الطريقة سيكون عنده نوع من الإدراك، ونوع من فهم النصوص، ونوع من جمع الأدلة في ذهنه، وبالتالي يستطيع أن يميز، فيقول بعد كثرة القراءة: فتوى شيخنا ابن باز بناءً على كذا، وفتوى شيخنا ابن عثيمين بناءً على كذا، وفتوى العالم الفلاني بناءً على كذا، فهو إذا بدأ يسمع هذه الفتاوى تجده يترقى فيحاول أن يرقى إلى مرتبة أعظم، وهي قراءة فتاوى ابن تيمية ، وفتاوى الأئمة الذين سبقوا هؤلاء المشايخ الأعلام، فإذا استمر بهذه الطريقة فسوف تجده يقطع شوطاً كبيراً إلى المرتبة الثانية، وهي مرتبة طريقة طالب العلم المترقي في سلم الفقه في الدين.

    وأما أفضل طريقة لهذه المرتبة: أن يأخذ متناً من المتون الفقهية كزاد المستقنع، أو المنهاج للشافعية، أو مختصر خليل للمالكية، أو كتاب الهداية للأحناف، فإن كان في الحجاز أخذ كتاب زاد المستقنع، وميزته أنه حوى جل المسائل، أو عمدة الفقه لـابن قدامة فيقرأ أولاً باب المياه مرة، ثم مرتين، مع التدقيق في هذه المسائل، مثل أن يقول: باب المياه، كل إناء كذا وكذا، ويكتب في كتابه مثلاً: قاعدة في جواز كل الأواني، وأن الماء على ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس، فيحفظها، فإذا قرأ هذا الباب مرة ومرتين وثلاث وأربع وخمس وست، فإنه يتشرب نصوص الأئمة، ولا أقول: يحفظ، لا يلزم، لكن إذا كان لا يشق عليه الحفظ فليحفظ، وأهم شيء أن يقرأ في الباب ويكرر القراءة.

    وإذا انتهى من هذا الباب، وعرف أن الماء ثلاثة أقسام، وأن الطهور أنواع: منه ما يشق نزعه، وما لا يشق نزعه، كمياه البحار وغير ذلك وميزها، وأن الطاهر أربعة أو خمسة أنواع، والنجس كذا، فإذا ضبط هذا في كتاب الزاد قرأ شرح الزاد، وأفضل شرح للمبتدئ والمتمكن أيضاً شرح شيخنا محمد بن عثيمين ؛ لأنه يبين لك الراجح، ولا تذهب إلى غير هذين الكتابين في الفقه، فإنك إذا قرأت باب المياه، أعطاك الشيخ قول صاحب المتن، فإذا أصاب صاحب المتن قوى ذلك شيخنا محمد ودلل على ذلك، فتحفظ الدليل.

    مثلاً: الدليل على أن الماء طهور قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]، ودليل النجس: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته ).

    1.   

    صور من تناقضات بعض العلماء المتأخرين

    ومن ذلك أيضاً قول الصحابي هل هو حجة أو ليس بحجة؟ فبعضهم يقول: قول الصحابي حجة، وإذا جاء وقت التطبيق يخالف، فيقول: ولا يلزم في ترك الواجب دم؛ لأن قول ابن عباس لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، عجب! ابن عباس قال قولاً اشتهر في كل من جاء بعده، بل إن المدارس الفقهية: مدرسة ابن مسعود ومدرسة ابن عباس ومدرسة ابن عمر كلها على هذه الفتوى، ثم نأتي ونخالفهم بهذه الطريقة وهذا تناقض رهيب! إما أن نأخذ بقول ابن حزم وهو أنه يرى أن من ترك واجباً ليس عليه دم وهذا القول ما عرف إلا عن الشوكاني رحمه الله، ثم انتشر في زماننا، وإلا فإن المسألة معلومة مقطوع بها أن ترك الواجب في الحج يجبر بدم، بل قال ابن قدامة: أجمعوا، ونقل الإجماع ابن المنذر ، و محمد الأمين الشنقيطي و القرطبي، وغير واحد من أهل العلم.

    ثم إنك تعجب أشد العجب حينما ترى مثل هؤلاء يقولون: من جامع قبل التحلل الأول فعليه دم، فإذا قيل له: ما دليلك؟ قال: قول ابن عباس ، فما هو الفرق بين قول ابن عباس هنا وقول ابن عباس هناك؟ فإذا قال: هذا إجماع؛ لأن ابن عباس و ابن عمر وافقوه، قلنا أيضاً: فعل المحظور ابن عباس و ابن عمر قالوا به!

    وهناك مسائل لا تستطيع أن تجد لها نصاً من القرآن، لكن الأئمة عرفوا فيها فهم الصحابة والسلف فلا ينبغي لنا أن نخالف الأئمة في هذا الأمر.

    ولهذا أقول: لا تتسرع في مخالفة الجمهور، ولكن اتئد حتى تضبط المسألة، ولهذا يقول الذهبي رحمه الله: لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه. أي: لا يمكن أن يوجد الحق في غير أقوال الأئمة الأربعة، يقول: مع اعترافنا بأن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة، ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها بأن الحق في خلافها.

    وانظر بين هذا الكلام الذي فيه نوع من الواقعية، وبين كلام الشوكاني حينما ذكر ذلك في كتاب نيل الأوطار في مسألة استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب فقال: وأما وظيفة الفقيه اللبيب الذي لم يضرب بسياط الجمهور أي: ما عليه إلا أن يأخذ بالقول الفلاني الذي خالف قول الجمهور!

    والأمثلة في هذا كثيرة جداً ولكن الوقت لا يسعف، ولعله يكون ثمة كتاب في هذا الأمر، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يمنحنا وإياكم رضاه والعمل بما يحبه وتقواه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    المقدم: شكر الله لفضيلة شيخنا! الأسئلة في الحقيقة كثيرة جداً، والله أسأل أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.

    الواجب على من اشترى أسهماً في شركة تقترض بالربا

    السؤال: هذا سائل يقول: اشتريت قبل سنة أسهماً في شركة مساهمة علمت فيما بعد أنها تقترض بنسبة عالية بالربا، فما هو الواجب عليّ علماً بأن سهم هذه الشركة قد ارتفع خلال هذه السنة؟

    الجواب: كل من تعامل بمعاملة باجتهاد أو تقليد أو تأويل، ثم انتهت هذه المعاملة، ثم علم بعد ذلك فليس عليه شيء، كما ذكر ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، وقال تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275]. أما إن علم والأسهم ما زالت في السوق يملكها في محفظته، فإنه يتخلص منها، ويخرج نسبة الاقتراض المحرم، فإذا كان علم بعد ذلك كأن ملكها لأربعة أشهر، والشركة استثمارها الربوي لمدة سنة يقدر بثلاثين أو ستة وأربعين بالمائة، فإنه ينظر النسبة السنوية هذه، فيقسمها على أربعة أشهر كم تقدر، ثم يخرج هذا المبلغ، وأنا أقول: هذا تخلصاً، ولا يستمر، أما إن خسر، يعني: مثلاً اشتراها بسعر كذا ثم خسر فإنه ينتظر حتى يرتفع رأس مالها، ثم يبيع بعد ذلك، ويتخلص من هذا المبلغ بمعنى: أنه لا ينتفع به، فلا يعطيه أولاده، ولا يعطيه أقاربه الذين تعود منفعتهم له، ولا يدفع به ضريبة أو رسوماً واجبة عليه؛ لأنها تعود عليه حينئذٍ بالمنفعة.

    صيام ثاني أيام العيد

    السؤال: أحسن الله إليكم! هذا سائل عبر الإنترنت من الأردن يقول: ما حكم صيام ثاني أيام العيد؟

    الجواب: صيام ثاني أيام العيد لا يخلو إما أن يكون من عيد الفطر، أو من عيد الأضحى، فإن كان من عيد الفطر فلا بأس به، بل هو أفضل لمن أراد أن يتعجل صيام الست من شوال؛ لقوله تعالى على لسان موسى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، أما ثاني أيام عيد الأضحى، فإنه لا يجوز للإنسان أن يصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إلا لمن حج وليس عنده هدي، كما جاء في صحيح البخاري من حديث عائشة و ابن عمر أنهما قالا: (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي).

    درجة حديث: (من صلى الفجر في جماعة وجلس في مصلاه..)

    السؤال: أحسن الله إليكم! يسأل هذا السائل عن درجة حديث: ( من صلى الفجر في جماعة، وجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كان كأجر حجة تامة

    الجواب: هذا الحديث رواه الترمذي ، وقال: حديث حسن غريب، وقد رواه من طريق أبي ظلال عن أنس ، وأبو ظلال هذا قال فيه الإمام البخاري : مقارب الحديث، والرجل إذا كان مقارب الحديث، فإذا جاء ما يعضده من الأحاديث التي على منواله وبابه فإنه يقوى حديثه، وقد جاء من طرق يقوي بعضها بعضاً خاصة وأن أصل الحديث ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بعد طلوع الشمس حتى تخرج الشمس حسناء أو حسنةً )، وقوله: (ثم صلى ركعتين) كلمة (ثم) تفيد الترتيب مع التراخي، فسواء صلاها في البيت أو صلاها في المسجد، أو تأخر حتى ترمض الفصال يعني: قبل الظهر، كل ذلك داخل في هذا الحديث، ولم يرد ما يدل على أنه يصليها في بيته، هذا هو الأظهر، والله أعلم.

    وقد ضعف الحديث ابن حبان كما في كتاب المجروحين حينما ترجم لـسعد بن حكيم أبي حكيم وقال: ولا يصح في الباب شيء، ولكن الأقرب والله أعلم أن الحديث قريب التصحيح، خاصة وأن الأئمة قد يصححون ما هو أضعف من هذا، وأما تضعيف بعض طلاب العلم لهذا الحديث؛ لكون هذا فضل عظيم لا يتأتى لأجل هذا، فنقول كما قال ابن عبد البر : والفضل لا يقاس برأي، ولا مدخل له بقياس.

    حكم توضئة غير القادر على الحركة

    السؤال: هذا السائل يقول: ما حكم من يده معاقة غير قادرة على الحركة، ويريد أن يتوضأ، هل يجوز للآخر أن يوضئه؟

    الجواب: نعم، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر أحد أصحابه أن يصب له الماء، وجاء أنه قال لإنسان: اصبب فصب، وغير ذلك من الأحاديث، وأما إذا كان يعجز فلا يخلو من الحالات التالية:

    الحال الأولى: إذا كان عنده من يعينه، فحينئذٍ لا يشق عليه، فيجب عليه أن يغسل هذه الذراع المشلولة أو المعاقة التي لا يستطيع تحريكها.

    الحال الثانية: إذا لم يكن عنده أحد، ولا يستطيع أن يصيبها الماء، فنقول: تيمم لهذه اليد، ثم توضأ بما تقدر عليه، وأنا لا أظن أن الإنسان لا يستطيع أن يصب بيده بحيث يفتح الصنبور، ثم يصيبه الماء بما يقدر عليه، ولكن إذا لم يجد -خاصة مثل المعاق الذي لا يستطيع أن يتحرك، ولا يجد أحداً- فإن تيمم وهو على حاله إن شاء الله، فلا بأس بذلك.

    كيفية رفع السبابة في التشهد

    السؤال: السائل يقول: ما هي صفة رفع السبابة في التشهد الأخير؟

    الجواب: أولاً: رفع السبابة لا يكون إلا في التشهد الأول أو الثاني، ولا يكون بين السجدتين، وما جاء في حديث عبد الرزاق من حديث سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن علقمة عن وائل ، فهو حديث ضعيف، والصواب أنه يكون في التشهد، وطريقة رفع السبابة هو أن يرفعها مستقبلاً بها القبلة، وقد حناها شيئاً، كما عند النسائي من حديث عاصم بن قدامة عن أبي مالك النميري عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا قعد في التشهد رفع أصبعيه وقد حناها شيئاً )، أما استقباله بها القبلة، فقد ثبت عند ابن خزيمة من حديث ابن عمر : (فيضم الخنصر والبنصر ويجمع بين الوسطى والإبهام، ويحنيها شيئاً قليلاً، ثم يستقبل بها القبلة، ويرفعها إذا بدأ في الدعاء، فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات..) ثم يشرع في رفع الأصبع، ولا يحركها؛ لأن الحديث الوارد في التحريك ضعيف، تفرد به زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب من بين خمسة عشر راوياً لم يذكروا هذه اللفظة ومنهم الثوري و شعبة و أبو عوانة وغيرهم فقد رووه عن عاصم بن كليب، ولم يذكروا لفظة التحريك.

    وأيضاً رواية لا يحركها ضعيفة، والصحيح في هذا رواية مسلم : من حديث ابن عمر : ( يدعو بها )، فعلى هذا فإذا جاء وقت الدعاء رفعها، ويستمر في ذلك، ومما يدل على ذلك رواية مسلم من حديث ابن الزبير قال: ( ثم رفع يده يشير بها )، ومعلوم أنك إذا أشرت بأصبعك لا تحركها، هذا الأظهر والله أعلم، والمسألة من المسائل الخفيفة، ولكن بلا شك تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم أكمل في الصلاة.

    صلاة تحية المسجد لمن دخل في وقت النهي

    السؤال: إذا دخلت المسجد وقت نهي هل أصلي تحية المسجد؟

    الجواب: هذه من المسائل المشكلة، ولكن الأقرب والله أعلم أنه إذا دخل المرء في وقت النهي، فلا يخلو وقت النهي من أحوال:

    الحال الأول: إذا كان في أوقات النهي العادية مثل بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العصر، وقبل أذان الظهر بعشر دقائق أو أقل، أو أكثر قليلاً، فهذا والله أعلم يصلي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن: ( يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار )، قال ابن تيمية : ومعلوم أن الأمر بالصلاة عام محفوظ، وأحاديث النهي عام مخصوص، خصصتها بعض الروايات، وإذا تعارض العام المحفوظ مع العام المخصوص قدم العام المحفوظ، وعلى هذا يصلي.

    الحال الثاني: إذا دخل قبل غروب الشمس بقليل وهذا الوقت هو ما يسميه أهل العلم بوقت النهي الشديد، فإذا استطاع أن يقف حتى يؤذن المؤذن فليفعل، فإن كان الوقت طويلاً فإنه يصلي ولا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن النهي إنما هو عن التحري وقصد الصلاة في وقت النهي، كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة و ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك ).

    الكتب الفقهية التي ينصح بها المبتدئون والمتوسطون في طلب علم الفقه

    السؤال: ما هي الكتب الفقهية التي تنصحون بها المبتدئين، ثم المتوسطين في علم الفقه؟

    الجواب: الفقه لا يحتاج كثير قراءة، الفقه يحتاج كثير تأمل، ومع ذلك أنا أنصح الطالب أن يقرأ الشرح الممتع، وأيضاً يقرأ الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان ، ويقرأ العدة شرح عمدة الفقه، ويقرأ الكافي، فالكافي كتاب سهل ميسور، وطريقته جيدة، وهو كأنه مختصر للمغني، ولكنه لا يذكر أقوال الأئمة الذين من غير المذهب الحنبلي، وهو كتاب جيد.

    وأيضاً من الكتب الجيدة القيمة التي أنصح طالب العلم أن يقرأها خاصة بعد التخرج بداية المجتهد، فهو كتاب جيد، وأيضاً لا ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يبحث مسألة أن يترك مراجعة التالي:

    الأول: المحلى لـابن حزم .

    الثاني: مجموع الفتاوى لـابن تيمية .

    الثالث: فتح الباري لـابن رجب .

    الرابع: فتح الباري لـابن حجر .

    الخامس: كتاب التمهيد.

    السادس: كتاب الاستذكار.

    السابع: كتاب المغني.

    والثامن: السنن الكبرى للبيهقي .

    فإذا داوم المرء على هذه الكتب حتى لو لم يكن في مكتبته إلا هذه الكتب فقط فإنها تكفيه، فإنه إذا لازم هذه الكتب، وتأملها وراجعها، وعرف أقوال الأئمة فيها فإنه سوف يكون إماماً من أئمة الإسلام بإذن الله تعالى.

    المقدم: أحسن الله إليكم، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشكر شيخنا حفظه الله على تفضله بإلقاء هذه المحاضرة، والله نسأل أن يجعلها في موازين حسناته، ويرزقنا جميعاً الفقه في الدين، والثبات عليه حتى الممات، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، ومن نزغات الشيطان، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768086030