الجواب: الصدقة من الإنفاق المأمور به شرعاً والإحسان إلى عباد الله إذا وقعت موقعها، والإنسان مثاب عليها، وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، وهي مقبولة، سواء كان على الإنسان دين أو لم يكن عليه دين، إذا تمت فيها شروط القبول، بأن تكون بإخلاص لله عز وجل، ومن كسب طيب، ووقعت في محلها، فبهذه الشروط تكون مقبولة بمقتضى الدلائل الشرعية، ولا يشترط ألا يكون على الإنسان دين، لكن إذا كان الدين يستغرق جميع ما عنده، فإنه ليس من الحكمة ولا من العقل أن يتصدق، والصدقة مندوبة وليست بواجبة، فلا يتصدق ويدع ديناً واجباً عليه، فليبدأ أولاً بالواجب ثم يتصدق.
وقد اختلف أهل العلم فيما إذا تصدق وعليه دين يستغرق ماله، فمنهم من يقول: إن ذلك لا يجوز له، لأنه إضرار بغريمه، وإبقاء لشغل ذمته بهذا الدين الواجب، ومنهم من قال: إنه يجوز، لكنه خلاف الأولى، وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان الذي عليه دين يستغرق جميع ما عنده، لا ينبغي له أن يتصدق حتى يوفي جميع الدين؛ لأن الواجب أهم من التطوع.
وأما الحقوق الشرعية التي يعفى عنها من عليه دين حتى يقضيه فمنها الحج، فالحج لا يجب على الإنسان الذي عليه دين حتى يوفي دينه، أما الزكاة فقد اختلف أهل العلم هل تسقط عن المدين أو لا تسقط؟ فمن أهل العلم من يقول: إن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين، سواء كان المال ظاهراً أم غير ظاهر، ومنهم من يقول: إن الزكاة لا تسقط فيما يقابل الدين، بل عليه أن يزكي جميع ما في يده، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، ومنهم من فصل فقال: إن كان المال من الأموال الباطنة التي لا ترى ولا تشاهد، كالنقود وعروض التجارة، فإن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين، وإن كان من الأموال الظاهرة، كالمواشي والخارج من الأرض، فإن الزكاة لا تسقط.
والصحيح عندي أنها لا تسقط، سواء كان المال ظاهراً أو غير ظاهر، وأن كل من في يده مال مما تجب فيه الزكاة فعليه أن يؤدي زكاته ولو كان عليه دين؛ وذلك لأن الزكاة إنما تجب في المال؛ لقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام لـ معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، والحديث في البخاري بهذا اللفظ، ولهذا الدليل من الكتاب والسنة تكون الجهة منفكة، فلا تعارض بين الزكاة وبين الدين، فالجهة المنفكة؛ لأن الدين يجب في الذمة، والزكاة تجب في المال، فإذا كان كل منهما يجب في موضع دون ما يجب فيه الآخر، لم يحصل بينهما تعارض ولا تصادم، وحينئذ يبقى الدين في ذمة صاحبه، وتبقى الزكاة في المال يخرجها منه بكل حال.
الجواب: أما الوضوء فإنه ينتقض بالإغماء؛ لأن الإغماء أشد من النوم، والنوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أما النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحس بنفسه فإن هذا لا ينقض الوضوء، سواء كان من نائم أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ أو أي حال من الأحوال، ما دام لو أحدث لأحس بنفسه فإن نومه لا ينقض الوضوء، فالإغماء أشد من النوم، فإذا أغمي على الإنسان فإنه يجب عليه الوضوء.
أما لو أغمي عليه مدة فات بها عدة صلوات أو صلاة واحدة فإن العلماء اختلفوا في هذا، هل يجب عليه القضاء مدة الإغماء أو لا يجب؟
فمنهم من قال: إنه يجب عليه قضاء الصلوات التي تفوته في وقت الإغماء، قالوا: لأن الإغماء كالنوم، والنائم يجب عليه قضاء الصلوات؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها).
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجب على المغمى عليه قضاء الصلاة؛ وذلك لأنه لا يصح قياسه على النائم؛ لأن النائم يمكنه أن يستيقظ، بخلاف المغمى عليه فإنه لا يملك إيقاظ نفسه، ولا يملك أحد أن يوقظه، فبينهما فرق، ومع وجود الفارق لا يصح القياس، ولكن الاحتياط والأولى أن يقضي؛ براءة لذمته، ثم إن كان هذا واجباً عليه بأصل الشرع أو بمقتضى الشرع فقد أبرأ ذمته، وإن لم يكن واجباً عليه فإن ذلك يكون تطوعاً يؤجر به عند الله.
الجواب: إذا كان هذا الطفل قد رضع من أمك خمس رضعات فأكثر، فإنه يكون ابناً لها وإذا كان ابناً لأمك كان أخاً لك ولإخوانك، وعلى هذا فلا يجوز له أن يتزوج بأحد من بناتك أو بنات إخوانك؛ لأنه يكون عماً لهم، ولا يتزوج كذلك أحداً من أخواتك، أو من بنات أخواتك؛ لأنه أخ لهن وخال لبناتهن، هذا إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر في مدة الرضاع، وهي إما حولان على المشهور، وإما قبل الفطام على القول الثاني، أما إذا كان الرضاع أقل من خمس رضعات، فإنه لا يؤثر شيئاً، ولا يكون الراضع ابناً للتي رضع منها؛ وحينئذٍ فإنه يجوز أن يتزوج من بناتك، لأنه ليس خالاً لهن.
الجواب: الحكم في هذا القول أنه لا يحل لها أن تنطق بهذا النطق؛ لأنها شبهت من أحله الله لها بمن حرمه الله عليها، وهو كذب وزور، ولكنه ليس له حكم الظهار، أي: أنه لا يلزمها أن تكفر كفارة ظهار؛ لأن الله تعالى خص الظهار بالرجال، حيث قال: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا [المجادلة:3] ، لكنه بالنسبة للمرأة إذا قالته لزوجها يلزمها كفارة يمين، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وتكون الأيام متتابعة، والإطعام إطعام المساكين يكون على وجهين؛ فإما أن يصنع غداءً أو عشاءً ويدعوهم إليه فيأكلون، وإما أن يدفع إليهم من أوسط ما يطعم الناس في بلادهم مقدار ستة كيلوات، والأولى أن يكون معه لحم يؤدمه حتى يتم الإطعام ويكمل.
مداخلة: الستة الكيلو لجميع العشرة؟
الشيخ: نعم الستة كيلو لجميع العشرة.
الجواب: يؤسفنا أن يقع مثل هذا بين نساء المؤمنين، فإن هذا الترك، أعني: ترك قضاء ما يجب عليها من صيام، إما أن يكون جهلاً، وإما أن يكون تهاوناً، وكلاهما مصيبة، لأن الجهل دواؤه العلم والسؤال، وأما التهاون فإن دواءه تقوى الله عز وجل ومراقبته والخوف من عقابه، والمبادرة إلى ما فيه رضاه، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وأن تستغفر، وأن تتحرى الأيام التي تركتها بقدر استطاعتها فتقضيها، وبهذا تبرأ ذمتها، ونرجو لها أن يقبل الله توبتها.
الجواب: الأذكار الواردة بعد الصلوات متنوعة، فإذا أتى الإنسان بنوع منها كان كافياً؛ لأن العبادات المتنوعة يجوز بل يشرع للإنسان أن يفعلها على تلك الوجوه التي أتت عليها، مثال ذلك: الاستفتاح، هناك استفتاحات متنوعة، إذا استفتح بواحد منها أتى بالمشروع، ففيه ما دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، وفيها أيضاً: ( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)، فإذا استفتح بالأول أو بالثاني أو بغيرهما مما ورد في الاستفتاح، وهو الذي يقال في أول ركعة قبل الفاتحة، فلا حرج عليه، بل هو الأفضل أن يستفتح بهذا تارة وهذا تارة.
وكذلك ما ورد في التشهد، وكذلك ما ورد في أذكار الصلاة، فإذا فرغ الإنسان من الصلاة فإنه يستغفر ثلاثاً فيقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام! لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثلاث مرات، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ويقول أيضاً: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ويقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة، فهذه تسع وتسعون، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويجوز أن يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة جميعاً، والحمد لله، والحمد لله، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة جميعاً، بمعنى أنه يسبح ثلاثاً وثلاثين مرة وحدها، ويحمد ثلاثاً وثلاثين مرة وحدها، ويكبر أربع وثلاثين جميعاً، فهذه مائة، ويجوز أيضاً أن يقول بدلاً عن ذلك: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وعشرين مرة، فهذه مائة.
فهذه الأنواع الأفضل أن يأتي الإنسان منها مرة بهذا ومرة بهذا، ليكون قد أتى بالسنة، أما في صلاة المغرب وصلاة الفجر فإنه ورد أنه يقول بعدها عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، وكذلك يقول: ربي! أجرني من النار سبع مرات، واعلم أن تنوع العبادات والأذكار من نعمة الله على الإنسان؛ ذلك لأنه يحصل بها عدة فوائد، منها: أن تنوع العبادات يؤدي إلى استحضار الإنسان ما يقوله من الذكر، فإن الإنسان إذا دام على ذكر واحد، صار يأتي به كما يقولون روتينياً بدون أن يحضر قلبه، فإذا تعمد وتقصد تنويعها، فإنه بذلك يحصل له حضور القلب، ومن فوائد تنوع العبادات: أن الإنسان قد يختار الأسهل منها والأيسر لسبب من الأسباب، فيكون في ذلك تسهيل عليه، ومنها أن في كل نوع منها ما ليس في الآخر، فيكون بذلك زيادة ثناء على الله عز وجل، والحاصل أن الأذكار الواردة في الصلوات متنوعة كما سمعتم إلى بعض منها.
الجواب: رأينا في هذا أن ما ذكروه من أن هذه الحقوق إنما جاءت فيمن يجلس على الطريق لا فيمن يمر به، هو صحيح، جاءت فيمن يجلس على الطريق، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إياكم والجلوس على الطرقات، أو قال: في الطرقات، قالوا: يا رسول الله! هذه مجالسنا ما لنا منها بد نتحدث فيها، قال: فإن أبيتم فآتوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وهذه الحقوق الخمسة وإن كانت جاءت في الحديث فيمن جلس في الطريق، فإنها واجبة حتى على من مر بالطريق، فإن غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة على كل أحد، كل أحد يجب عليه أن يكف أذاه، وأن يغض بصره عما لا يجوز النظر إليه، وأن يرد السلام، وأن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر، فهؤلاء الأصحاب إن امتثلوا ما نهيتهم عنه وتركوه، فهذا خير لك ولهم، واستمر على صحبتهم إذا كانوا يأتمرون بالمعروف وينتهون عن المنكر، أما إذا أصروا على ما هم عليه، ولم يقلعوا عما حرم الله عليهم من هذه الأشياء وأمثالها، وما هو أعظم منها، فإنه لا يجوز لك أن تصاحبهم؛ لأن مصاحبة فاعل السوء له حكم فاعله؛ لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء:140] .
وبهذه المناسبة أود أن أذكر ما يفهمه بعض الناس من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)، حيث أن بعض الناس فهم من هذا الحديث أن من جلس مع من يفعل المنكر وهو كاره لهذا المنكر بقلبه، فإنه قد سلم منه، وهذا فهم خاطئ؛ لأن من كره بقلبه لا يمكن أن يبقى في مكان أو في حال يكرهها، فلو صدق لفارقهم، فمفارقة الإنسان لفاعل المنكر هو الإنكار بالقلب؛ لأنه علامته، أما أن تجلس معهم وتقول: أنا أكره ما يفعلون، فهذا يخالفه الواقع، وهو جلوسك مع أهل المنكر، فلا يمكن الإنكار بالقلب إلا بمفارقة مكان المعصية، ومن يمارس هذه المعصية.
الجواب: لا يجوز أن تجعل مقابر المسلمون طرقاً يتطرق الناس بها، أو يجلسون عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس على القبر وقال: ( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتمضي إلى جلده خير له من أن يجلس على القبر)، والواجب أن ترفعوا هذا للمسئولين لديكم، إما للبلدية أو للمحكمة أو لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو للمسئول عن هذا الأمر حتى يزال هذا الطريق وتحترم مقابر المسلمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر