أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب:41-44].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأحزاب:41]! هذا نداء الله تعالى لكم أيها المؤمنون والمؤمنات! فاحمدوا الله على أن كنا أهلاً لأن ينادينا الله عز وجل، ووالله لولا الإيمان وصالح الأعمال ما كنا أهلاً لأن ينادينا الرحمن، ولكن هذا فضيلة الإيمان. فقد صدقنا الله ورسوله، وصدقنا بالله وبرسوله، وبما أخبر الله به وبما أخبر به رسوله، فأصبحنا مؤمنين صادقين، فشرفنا الله عز وجل، وها هو ذا ينادينا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأحزاب:41]!
وجاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله! أي الناس خير؟ أي: دلني على خير الناس؟ فقال: ( من طال عمره وحسن عمله ). فهذا خير الناس والله العظيم. وقال الآخر: إن شرائع الأعمال كثيرة علي، أي: العبادات، فدلني على أمر آخذ به، فقال له: ( لا يزال لسانك رطباً بذكر الله ). فهو قال: أعمال الشريعة كثيرة، وأنا عجزت، فدلني على أمر آخذ به، فقال له: ( لا يزال لسانك رطباً بذكر الله )، أي: ما تترك ذكر الله ليلاً أو نهاراً.
وأنتم تذكرون الله بعد الصلوات الخمس قائلين: سبحان الله والحمد لله والله أكبر تسعاً وتسعين مرة، وتقولون تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك والحمد وهو على كل شيء قدير.
ومن أوراد الصباح: ( من قال حين يصبح: لا إله إلا الله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة كان له كعتق عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، ولم يأت بمثل ما آتى به من الأجر إلا من قال مثله وزاد عليه ). وهذا الورد في الصباح لا يتركه إلا ميت.
والشيطان العدو يجب أن نطرده بكلمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا نمشي وراءه ونستذل له، فيتصرف بنا كيف يشاء. فعندنا هذه العصا له، وهي قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيرحل من ساعته.
والورد الثاني من أوراد الصباح والمساء: ( من قال حين يصبح أو يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ). ولا يوجد مؤمن عرف ووعى ويترك هذا الذكر والله. والذين ما عرفوا وما علموا هم الذين في حيرتهم وضلالهم يتخبطون. والذي منعهم من العلم والمعرفة الشياطين، فهي التي تصرفهم عن حلق الذكر وعن سؤال أهل العلم ومجالستهم، فيجالسون أهل الباطل والشر والفساد، فينسون الله. والعياذ بالله.
وقوله: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب:43]، من أجل أن يرحمكم، والملائكة تدعو وتستغفر لكم لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43]. من ظلمات الكفر والفسق، والضلال والشر والفساد إلى نور الإيمان والتقوى وصالح الأعمال. فقولوا: الحمد لله .. ربنا لك الحمد.
وقوله: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:43]، عطاء ثالث أعظم من الأول. فهو بالمؤمنين والمؤمنات رحيماً، يرحمهم في دنياهم وفي برزخهم بين حياتيهم وفي الحياة الآخرة بالدار النعيم الجنة، فالحمد لله. وهذا ما يسبح له، ولا يصلي له صباح مساء.
وحتى ملك الموت إذا جاء ليقبض روح المؤمن والله يسلم عليه أولاً، قائلاً: السلام عليكم. فملك الموت لما يأتي لقبض روح المؤمن الطاهرة الزكية يبدأه بالسلام. وهذا الله تعالى وملائكته يصلون عليكم ويسلمون كما قال هنا.
وقوله: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب:44]، التحية ما هي صباح الخير أو بنسوار، بل السلام عليكم. وهذه جهلها الجاهلون، وعندما يلقاك أحدهم في الشارع يسألك عن حالك، ولا يقول: السلام عليكم.
والسلام عليكم هو سلام الله، فنقوله للمؤمنين والمؤمنات، ويرد من سلم عليه: وعليكم السلام ورحمة الله بركاته. ونسلم على الأحياء، كما نسلم على الأموات، ونقول في السلام على الأموات: ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم السابقون، ونحن إن شاء الله بكم لاحقون، وإنا لله وإنا إليه راجعون ). هكذا نسلم على الموتى في مقابرهم.
والغافون عن ذكر الله لا يذكرون الله ولا يسلمون، بل هم كالأموات، لا حياة لهم.
فلهذا معشر المستمعين والمستمعات! لا ننسى أبداً أنا خلقنا لمهمة، ألا وهي ذكر الله وشكره، فمن رفض ذكر الله وشكره بلسانه وجوارحه فقد كفر الله وغطاه، وجحده وأنكره وكذب به، وبعد ذلك مآله ومصيره الخسران الأبدي، أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15].
وقوله: وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب:44]، ألا وهو الجنة. فالأجر مقابل عمل. والذين ما ذكروا الله ولا عبدوه ليس لهم أي عمل يأجرهم عليه. بل هذا للمؤمنين والمؤمنات الذاكرين والذاكرات، والشاكرين والشاكرات، فقد أعد لهم وهيأ وأحضر لهم أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب:44]. ألا والله هو الجنة. فهذا هو الثواب، وهذا هو الجزاء. فهذا هو المقابل للعمل، فعمل الدنيا مقابله في الآخرة الجنة دار النعيم دار الأبرار والمتقين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر