إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح الترغيب و الترهيب للمنذرى
  6. شرح الترغيب والترهيب - الترغيب في الزهد في الدنيا والترهيب من حبها والتكاثر فيها [1]

شرح الترغيب والترهيب - الترغيب في الزهد في الدنيا والترهيب من حبها والتكاثر فيها [1]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حذر الإسلام من الركون إلى الدنيا، والإخلاد إليها، ومن الاغترار بها، وأمر بالمسارعة والمسابقة إلى ما عنده سبحانه وتعالى، وحذر من كل ما يقطع عن ذلك من متاع الدنيا وزهرتها.

    1.   

    الترغيب في الزهد

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    أما بعد:

    قال الحافظ المنذري في كتاب التوبة والزهد:

    [وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا أعلمه إلا رفعه، قال: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلاك آخرها بالبخل والأمل). رواه الطبراني .

    وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).

    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض فيما اشتهت نفسه، ليس له يوم القيامة إلا النار). رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات.

    هذه الأحاديث من كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري وقد ذكرها الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، في الترغيب في الزهد، وهذه الأحاديث فيها الحث للإنسان المؤمن على أن يزهد في الدنيا، حتى وإن جاءته الدنيا فهو زاهد فيها. وليس المعنى: أنه لا يجمع شيئاً أو لا يطلب منها شيئاً، ويجلس فيها فقيراً وإنما المعنى: أنه مهما جاءته الدنيا فهو لا يجعلها في قلبه، ولا يطمع في المزيد.

    والكثير من أهل الدنيا كلما جاءهم من الدنيا شيء طمعوا في المزيد من ذلك، سواء جاءهم من حلال أو من حرام، فلا فرق عندهم. والإنسان المؤمن زاهد في مطامع الدنيا، فإن جاءته أخذها بحقها، وأنفقها في حقها، واتقى الله عز وجل في ذلك، فيبارك الله عز وجل له فيما أنفق، وفيما ترك.

    بيان أن صلاح هذه الأمة بزهدها في الدنيا

    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين). وهذا يبين لنا فضل الصحابة ومن اتبعهم بإحسان، فصلاح هؤلاء بزهدهم في الدنيا، فهم زاهدون فيها، وغير راغبين في المزيد منها، فقد فتحت الفتوحات من بلاد قيصر وبلاد كسرى، وفتح الله عز وجل لهم مشارق الأرض ومغاربها، وجاءتهم الدنيا من كل مكان، وبزهدهم فيها أعطاهم الله أكثر وأكثر. فقد أعطوا لله حقه فأعطاهم الله وفتح عليهم سبحانه.

    ومع أنهم جاءتهم الدنيا إلا أنها كانت في أيديهم، وكان الذي في قلوبهم هو الخوف من الله والخشية منه والزهد وعدم الطمع في هذه الدنيا.

    وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اثنان لا يشبعان، طالب علم وطالب دنيا). فطالب العلم لا يشبع أبداً؛ لأنه كلما ازداد علماً ازداد علماً بجهله، فازداد طلباً للعلم. وطالب الدنيا كلما أغناه الله من الدنيا استشعر الفقر إليها، وأنه محتاج أكثر وأكثر، فهما لا يشبعان.

    وفرق بين الاثنين كبير: فالعالم يطلب العلم يبتغي به وجه الله سبحانه، وكلما ازداد علماً ازداد رفعة، وازداد في نفسه تواضعاً.

    وطالب الدنيا كلما ازداد غنىً ازداد في نفسه فقراً وافتقاراً إلى الدنيا، وازداد شعوراً بأن هذا يزول منه، فيريد أن يتمكن منه، فهو يحرس الدنيا، وأما صاحب العلم فعلمه يحرسه، فالفرق كبير بين الاثنين.

    فلذلك المؤمن يكون طالباً للعلم، وطالباً للآخرة، وزاهداً في الدنيا، وستأتيه الدنيا راغمة، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم.

    فصلاح أمر هذه الأمة كان بالزهد واليقين، أي: بالزهد في الدنيا، واليقين فيما عند الله سبحانه.

    بأن يكون الإنسان زاهداً، وفي قلبه يقين بأن ما كتب له لا بد أن يأتيه، وأنه لن تفلت منه الدنيا التي كتبها الله عز وجل له. ولذلك فهو لا يحسد الناس؛ لأن الشيء الذي آتاه الله عز وجل لغيره لو أراد أن يأتيه إياه لآتاه، فهو على يقين بأن الله لو أراد أن يعطيه هذا الشيء لأعطاه إياه، فلا ينظر إلى غيره نظرة حسد، ولا يتخط لأن الله أعطى هذا الشيء لغيره، ولم يؤته هو؛ لأنه واثق بأن الله لن يؤتيه إلا الخير، ولا يمنع عنه إلا الضير. فكان صلاح الأوائل بسبب زهدهم ويقينهم.

    بيان أن البخل والأمل سببان لهلاك هذه الأمة

    وهلاك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل:

    فإذا أعطى الله أحدهم من الدنيا تجده يبخل، ولا يخرج منها شيئاً، وتجد بعض الناس معه الأموال الكثيرة، ويقول: إنه طول عمره لم يخرج زكاة ماله، ولا يعرف ما هي زكاة المال!

    وهذا عجيب، أن يكون عمر الإنسان ستين أو سبعين سنة ويقول إنه طوال عمره لم يخرج زكاة ماله.

    فأين ذهب عمره؟ وأن ذهبت السبعون السنة، وهو لم يسمع عن زكاة المال؟ ولم يخرج زكاة المال مرة من المرات.

    ألم يسمع قول الله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]؟ ولكن الإنسان يبخل، فيعاقبه الله عز وجل بالغفلة، فيسمع هذه الآية ولا ينبته لمعناها، ولا يتذكر بها، إلا أن يشاء الله عز وجل له يوماً من الأيام ذلك.

    فهلاك آخر هذه الأمة بالبخل، ففي أيديهم المال ويبخلون عن الحقوق، فلا يعطون لأهلهم حقهم، ولا يعطون الفقراء حقوقهم وحظهم، ولا يعطون أولادهم حقوقهم، ولا ينفقون على أحد فهم بخلاء.

    وكذلك عندهم الأمل فيطمعون في المزيد، ويؤملون أن يعشوا، ويقولون: سننفق فيما بعد، فلا يعيشون ولا ينفقون وإنما يموتون ويأخذ ما لهم غيرهم.

    التحذير من الاغترار بالدنيا

    وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وروى مثله الطبراني عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدنيا حلوة خضرة).

    أي: مثل البقل الذي ينبت من الأرض، وتأكله البقر والإبل والغنم. فإن طعمه حلو، ولو تركت المواشي تأكل منه ما أرادت؛ لأتخمت ثم تموت.

    ولكن الله عز وجل جعل آكلة الخضر من المواشي مثل البقرة تأكل ما يكفيها، ثم تركن إلى الشمس، فتجتر هذا الذي أكلته، ثم ثلطت وبالت وأخرجت.

    وأما الإنسان فلا يعمل هذا الشيء، وإنما يجمع الدنيا ويخزنها إلى أن تتخمه وتهلكه، قال صلى الله عليه وسلم: (وإن الله تعالى مستخلفكم فيها)، يعني: جاعلاً بعضكم يخلف بعضاً فيها، فإذا مت جاء عيالك بعدك يخلفونك، ويأتي غيرك ليأخذ مكانك، فلا أحد يعيش فيها أبداً.

    فإن الإنسان يصل إلى أعلى شيء ثم يموت، ويأتي غيره مكانه، ولا تدوم الدنيا لأحد أبداً. ولذلك السعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه.

    قال صلى الله عليه وسلم: (وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعلمون؟ فاتقوا الدنيا)، أي: اجعلوا بينكم وبين هذه الدنيا وقاية، وعين بصيرة من ذكر لله سبحانه، ومن مواعظ تسمعونها وتعملون بها.

    قال: (واتقوا النساء) أي: احذروا من النظر إلى النساء، واحذروا من أن تتبعوا الهوى، فتغووا في النهاية وتضيعوا.

    قال صلى الله عليه وسلم: (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).

    1.   

    بيان أن الأخذ من الدنيا سبب لنقصان الدرجات في الآخرة

    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رواه ابن أبي الدنيا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجاته عند الله، وإن كان عليه كريمة).

    والدرجات في الآخرة درجات عالية جداً، فمهما أخذ الإنسان من الدنيا، وطمع فيها، وقد يكون هذا الإنسان كريماً عند الله عز وجل، ولكنه لا يصل إلى الدرجات العلا لأخذه من الدنيا ومن حطامها؛ ولذلك المؤمن يأخذ ما يكفيه، وإن جاءته الدنيا أنفق لله عز وجل بقدر ما وسع عليه؛ حتى يزاحم في الآخرة مع أهل الدرجات .

    وعن أبي عسيب رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فمر بي، فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بـأبي بكر رحمه الله فدعاه فخرج إليه، ثم مر بـعمر رحمه الله فدعاه فخرج إليه، فانطلقنا حتى دخل حائط لبعض الأنصار فقال لصاحب الحائط: أطعمنا، فأطعمنا بسراً، -أي: بلح البسر- بعذق فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء بارد فشرب).

    وبعد أن أكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التمر، وشربوا الماء، ولم يكن الماء من ثلاجة، ولكنه ماء بارد من البئر، كانوا يأتون به ويضعونه في زير أو في قلة، ويبردونه في الهواء، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أكل، ثم قال لهم هذه الموعظة، قال: (لتسألن عن هذا يوم القيامة) يعني: هذا من النعيم الذي أنعم الله عز وجل به عليكم.

    قال: فأخذ عمر رحمه الله العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (يا رسول الله! إنا لمسؤلون عن هذا يوم القيامة؟) يعني: عن هذا وهو أقل شيء، وكل الناس تجده، والمدينة مليئة بالبساتين؟

    فـعمر بن الخطاب يستغرب ويقول: هل هذا هو الذي يقول الله عنه: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8]؟ وهل هذا هو الذي سنسأل عنه يوم القيامة؟

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم، إلا من ثلاث: خرقة لف بها الرجل عورته، أو كسرة سد بها جوعته، أو جحر يدخل فيه من الحر أو القر)، يعني: غرفة صغيرة يدخل فيها، وليس قصراً ولا فلة كبيرة ولا شقة كبيرة، فهذه يسأل عنها كلها يوم القيامة.

    1.   

    الحث على الاستعداد ليوم القيامة

    وعندما مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل من أصحابه يبني بيته، وقف صلى الله عليه وسلم وقال: (الأمر أعجل من هذا).

    فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: لا تطمع في الدنيا ولا تتمن أن تبني شاهقاً وعالياً، وإلا فأنت تأمل أن تعيش أكثر.

    وليس معناه أنه ينهاه، ولكنه يذكره أنك عندما تبني فتذكر أنك لن تعيش، ويمكن أن يعيش البيت أكثر منك، وأكثر البيوت التي تجدها وتمر عليها قد مضى أصحابها وماتوا، وبقي البيت فقط موجوداً.

    فعلى الإنسان أن يتذكر، ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص لما سأله رجل فقال: ألست من الفقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها؟ يعني: هل أنت متزوج؟ فقال: نعم.

    قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم.

    قال: فأنت من الأغنياء. فقال الرجل: إن عندي خادماً أيضاً. قال: فأنت من الملوك.

    فالذي عنده بيت وزوجة وخادم يخدمه فهو من الملوك. هذا كلام عبد الله بن عمرو بن العاص الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني البيت: (الأمر أعجل من ذلك). فقد تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون الزهد في الدنيا، بتربية النبي صلى الله عليه وسلم لهم .

    نسأل الله عزل وجل أن يطمعنا فيما عنده من الدار الآخرة، وأن يزهدنا في الدنيا.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768069693