قال الله تعالى:
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا *
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:1-2].
وصف الله سبحانه وتعالى نعمته على نبيه التي أسبغها عليه صلى الله عليه وسلم بالتمام، إيذاناً منه بدوام هذه النعمة واتصالها، فقوله: (( وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ )) يدل على أن نعمة الله سبحانه وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم هي نعمة دائمة متصلة لا يمكن أن يسلبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعطاه الله إياها، بل يتمها له صلى الله عليه وسلم بالدوام في هذه الدار وفي دار القرار.
وما أحسن اقتران التمام بالنعمة، وإضافة النعم إليه، فقال سبحانه: (( وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ))، في حين أنه سبحانه وتعالى قال في الذنب: (( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ))، فالنعمة وصفها بالتمام، وأضاف نعمته إلى نفسه عز وجل، أما الذنب فأضافه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما جاء في سيد الاستغفار: (
.. أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي ..)؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينسب إليه الشر، فليس في أفعاله شر على الإطلاق، وإنما أفعاله عز وجل خير كلها، وهذا المعنى أوضحناه في مناسبات عدة، ومنها هذا الموضع.
قال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله تعالى: العارف يسير إلى الله تعالى بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل. يعني: هذان ركنا العبودية، مشاهدة منة الله سبحانه وتعالى على العبد، ومطالعة عيب النفس والعمل، فإن مشاهدة منة الله سبحانه وتعالى على العبد توجب له عز وجل المحبة والحمد، والشكر لولي النعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار، والافتقار والتوبة في كل وقت، وأنه لا يرى نفسه إلا مفلساً، وأقرب باب دخل منه العبد على الله سبحانه وتعالى هو الإفلاس، فلا يرى لنفسه حالاً ولا مقاماً ولا سبباًً يتعلق به، ولا وسيلة منه يمن بها، فالعباد لم يدخلوا على الله تعالى إلا من باب الافتقار الصرف، والإفلاس المحض، دخول من قد كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع، وملكته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل، وكمال فاقته وفقره إليه، وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه عز وجل، وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر، إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته، ولا طريق إلى الله تبارك وتعالى أقرب من العبودية، ولا حجاب أغلظ من الدعوة، والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلها: حب كامل وذل تام، هذا معنى العبودية، فلابد في العبودية من هذين الركنين، حب كامل وذل تام، فإذا وجد الحب بدون ذل وطاعة وانقياد فليست هذه العبودية، وإذا وجد انقياد بدون الحب فهذه أيضاً ليست عبودية، فربما انقاد الإنسان إلى من هو أعلى منه رتبة كالجندي مثلاً مع قائده وهو لا يحبه، لكن في الظاهر هناك انقياد، لكن لما لم يقترن به الحب والحمد له لا تسمى هذه عبودية.
أما العبودية الصحيحة فلها جناحان هما: غاية الحب مع غاية الذل، غاية الحب الذي ينشأ عن أمرين:
الأول: التفكر في نعم الله سبحانه وتعالى على هذا العبد وإحسانه إليه؛ لأن ذلك لا شك مما يوجب المحبة، فإن الفطرة توجب على القلب حب من أحسن إلى الإنسان.
الثاني: التفكر في صفات الله سبحانه وتعالى، صفات الجلال والجمال والكمال التي توجب له المدح والحمد والثناء الحسن، وإن لم يصل منه إلى العبد شيء، فإنك لا شك إذا سمعت -ولله المثل الأعلى- عن أوصاف شخص كريم وسخي وصادق ووفي وكذا وكذا من الصفات الجميلة فإنك تحبه، حتى ولو لم يكن أحسن إليك أو لم تتعد هذه النعم إليك، لكنك تجد قلبك منجذباً إليه محباً له.
فالله سبحانه وتعالى -ولله المثل الأعلى- أنعم على عباده غاية الإنعام والإحسان:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، ثم إنه سبحانه وتعالى متصف بأعظم وأجمل وأجل صفات الكمال والجمال والجلال، فهذان أمران يوجبان محبة الله سبحانه وتعالى والحمد له.
الجناح الثاني للعبودية: الذل التام، فالعبودية هي غاية الحب وغاية الذل، فالحب ينشأ عن التفكر في نعم الله، والتفكر في صفات الله التي تستوجب له المدح والحب، والذل التام ينشأ عن معرفة العبد نفسه وما فيها من الآفات والتقصير.
فمنشأ الحب الكامل والذل التام عن ذينك الأصلين المتقدمين، وهما مشاهدة المنة كما في قوله:
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف:6]، ومطالعة عيب النفس والعمل المأخوذ من قوله: (( مِنْ ذَنْبِكَ ))، وهي التي تورث الذل التام، وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله سبحانه وتعالى على هذين الأصلين لم يظفر به عدوه إلا على غرة وغيلة، وما أسرع ما ينعشه الله سبحانه وتعالى ويجبره ويتداركه برحمته، وتأمل إتمام النعمة، بحرف (على) في قوله:
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف:6]، فحرف (على) يؤذن بالاستعلاء والاكتمال والإحاطة.
قال شيخ المفسرين الإمام
ابن جرير رحمه الله تعالى: ((وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)) لإظهاره إياك على عدوك، ورفعه ذكرك في الدنيا، وغفرانه ذنوبك في الآخرة.
وقال
القرطبي :
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف:6] قال
ابن عباس : في الجنة، وقيل: بالنبوة والحكمة، وقيل: بفتح مكة والطائف وخيبر، وقيل: بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر.
وقال
الشوكاني : لإظهار دينك على الدين كله، وقيل: بالجنة، وقيل: بالنبوة والحكمة، وقيل: بفتح مكة والطائف وخيبر، والأولى أن يكون المعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى صراط مستقيم وهو دين الإسلام.
وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى نعمته على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في سورة الضحى حين قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم:
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، فأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحدث أمته بما أنعم عليه ليعرفوه ويعتقدوه، ويزدادوا حباً له وتعظيماً، فالتحدث بالنعمة في حق النبي صلى الله عليه وسلم واجب، وفي حق غيره من أفراد الأمة جائز إذا أمن العجب والرياء، فأوجب الله على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر أمته بعظم مقامه عند الله، وتمام نعمة الله عليه ويفصل لهم ذلك، لماذا؟ لما سيأتي في نفس هذه السورة:
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح:9] يعني: كي تعرفوا قدر هذا النبي العظيم عند الله سبحانه وتعالى؛ فتعزروه وتوقروه وتؤدوا حقه عليكم.
مظاهر نعمة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم
من مظاهر نعمة الله على نبيه ما جاء في قوله تعالى:
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3]، وقد روي في السيرة ما يشهد لهذا المعنى، ويثبت دوام موالاة الله سبحانه وتعالى لحبيبه، وعنايته به صلى الله عليه وسلم، وحفظه له، فقد كان يكلؤه عمه، وقال له في ذلك:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
فسخر له عمه مع عدم موافقته له على الإيمان والإسلام، لكن بما في قلبه من المحبة الطبيعية وليست المحبة الشرعية التي اقتضت مناصرته والدفاع عنه.
ومن ذلك أيضاً ما نصره به من أصحابه خاصة
أبو بكر رضي الله تعالى عنه، كما فعل الهجرة وهما في طريقهما، حيث كان
أبو بكر رضي الله تعالى عنه تارة يمشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يلبث أن يمشي خلفه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (
أذكر الرصد -العدو الذي يأتي من الأمام- فأكون أمامك، وأذكر الطلب -العدو حين يأتي من خلف- فأكون وراءك).
ومن هذه النعم قول الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] قال
ابن كثير رحمه الله تعالى: ومن عصمة الله لرسوله حفظه له من أهل مكة، وصناديدها وحسادها، ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغض، ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً، لما يخلقه الله سبحانه وتعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه
أبي طالب إذ كان رئيساً كبيراً مطاعاً في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبين كفار قريش -بين
أبي طالب وبين كفار قريش- قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات
أبو طالب نال منه المشركون أذىً يسيراً، ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم (المدينة) فلما صار إليها حموه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه، فلما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواءً لذلك الداء، ولما سم اليهود ذراع تلك الشاه بخيبر أعلمه الله به وحماه منه، ولهذا أسباب كثيرة جداً يطول ذكرها.
النعم التي أمتن الله بها على نبيه في سورة الضحى
النعم التي امتن الله بها على نبيه في سورة الشرح
عدد الله على نبيه نعمه العظمى في سورة الشرح، فقال سبحانه وتعالى:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] قيل: هو شق صدره الشريف وغسله وملئه حكمة وإيماناً، وقيل: هو توسيعه للمعرفة والإيمان، وجعل قلبه وعاء للحكمة، وفي
البخاري عن
ابن عباس قال: شرح الله صدره للإسلام، وقال
ابن كثير في تفسير قوله: ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)): نورناه وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً، كقوله تعالى:
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125]، وقال تعالى:
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر:22]، وقال جل وعلا:
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4].
ثم قال:
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4] اختلف في تفسير هذه الآية، فمن قائل: إنه رفع حسي، أي: إن ذكرك واسمك الشريف يذكر في الأماكن العالية على المنابر في الخطب، وفي الأذان ، وفي الإقامة، وافتتاحيات الكلام في الأمور الهامة، واستدلوا لذلك بالواقع فعلاً حيث إن الله سبحانه وتعالى رفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رفعاً حسياً، واستشهدوا على ذلك بقول
حسان رضي الله تعالى عنه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
أغر عليه للنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
ومن رفع ذكره صلى الله عليه وسلم ذكر صفته واسمه في كتب الأنبياء قبله، حتى عرف للأمم الماضية قبل مجيئه صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك جعله تعالى الوحي ذكراً له، قال الله:
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف:43-44]، فتبين أن رفع ذكره صلى الله عليه وسلم إنما هو عن طريق الوحي، فقوله: (( وَإِنَّهُ )) أي: القرآن (( لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ )) يعني: رفعة ومجد، وعلو شأن لك ولقومك إن اتبعوا هذا القرآن، فبين الله سبحانه وتعالى أن الله يرفع ذكر النبي عليه السلام بالقرآن، لذا تأملوا الآية: ((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))، (( وَإِنَّهُ )) أي: هذا الوحي الذي هو القرآن (( لَذِكْرٌ لَكَ )) لرفعة شأن لك ((وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ))، فهذا بيان أن الله رفع ذكره صلى الله عليه وسلم بالوحي سواء كان الوحي نصوصاً توجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، ففي الوحي توجد أنواع من المخاطبة للرسول صلى الله عليه وسلم كلها تدل على رفع ذكره وشأنه عند الله بالوحي؛ كقوله عز وجل:
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41]،
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال:64]،
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر:1]،
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل:1]، ولم يخاطبه باسمه قط، فلا توجد آية واحدة في القرآن فيها خطاب من الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام باسمه، وإنما يخاطبه بأوصافه، بخلاف الخطاب مع جميع الأنبياء قبله كما سنبين ذلك إن شاء الله تعالى.
فأما في مقام إثبات الرسالة والشهادة له بأنه رسول فقد صرح باسمه بقوله:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29] يعني: الله هو الذي يخبر بصدقه في هذه الرسالة، أو رفع ذكره في الوحي عن طريق الوحي، والوحي يعم القرآن والسنة، فكلاهما وحي، ورفع ذكره في فروع الشريعة -كما ذكرنا- في الأذان وفي الإقامة، وفي التشهد، وفي الخطب، وفي الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، والكافر إذا أتى بكل شعب الإيمان، ولكنه لم يشهد أن محمداً رسول الله، فهو باق على كفره، وهو من أهل جهنم الخالدين فيها؛ لأنه لم يشهد له صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
النعم التي أمتن الله بها على نبيه في سورة الكوثر
وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
من النعم التي امتن الله سبحانه وتعالى بها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما أوجده الله عز وجل لنبينا على القلب واللسان والجوارح من حقوق زائدة على مجرد التصديق بنبوته، فليس حق النبي علينا يقتصر على الاعتراف بنبوته، وإنما هناك حقوق زائدة على هذا، كما أوجب الله سبحانه وتعالى على خلقه من العبادات على القلب واللسان والجوارح أموراً زائدة على مجرد التصديق به سبحانه وتعالى، وحرم الله سبحانه وتعالى لحرمة نبيه صلى الله عليه وسلم أشياء مما يباح أن تفعل مع غيره، غير مجرد التكذيب بنبوته، يعني: يحرم تكذيب نبوته، وإلى جانب ذلك حرمت أشياء زائدة على مجرد التكذيب على أمته، مع أن هذه الأشياء تباح أن تفعل مع غيره، فمن ذلك أنه أمر بالصلاة عليه والتسليم صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر أن الله وملائكته يصلون عليه صلى الله عليه وسلم، وجعل الصلاة والسلام عليه قربة وعبادة، وهذا أمر لم ينله غيره من الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وجمعت صيغة الصلاة والسلام عليه جميع الخيرات، ومن صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً حضاً للناس على ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (
من ذكرت عنده فلم يصل علي خطئ طريق الجنة).
وقال عليه الصلاة والسلام: (
البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)، ولا شك أن في قوله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] التشريف الذي شرف الله به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الآية، وهو أجمع وأتم من تشريف آدم عليه السلام بسجود الملائكة له؛ لأن تشريف آدم بسجود الملائكة تشريف بفعل الملائكة، أما هنا فالتشريف هو بفعل الله سبحانه وتعالى، فتشريف يصدر عن الله عز وجل أبلغ من تشريف تختص به الملائكة من غير أن يكون الله تعالى معهم في هذا التشريف، فهنا جمع له تشريفاً تقوم به الملائكة كما حصل لآدم، لكن زاد عليه أن الله مع الملائكة، فالفارق كبير جداً كالفارق بين الخالق والمخلوق، قال هنا: (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ )) فبدأ بنفسه عز وجل، ثم ثنى بملائكته، وإذا استحضرنا أن الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله سبحانه وتعالى لعرفنا مدى تعظيم ذكر النبي عليه الصلاة والسلام والصلاة عليه على لسان الملائكة! ثم إن هذا مستمر، أما السجود فكان حادثة مؤقتة ثم انقضت، والصيغة هنا أتت بصيغة المضارعة؛ لتدل على الاستمرار إلى هذه اللحظة، فالملائكة مازالت تصلي -إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى- على النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الله؛ لأن الآية: (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ ))، ولم يقل: صلوا على النبي، لا، وإنما: (( يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ )) لتفيد الاستمرار في هذا التشريف.
من حقوقه صلى الله عليه وسلم أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم
من حقوق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كل مسلم ومؤمن أن يعتقد أن الرسول عليه السلام أولى بروحه وبنفسه وبحياته منه، بمعنى: أنك تقدم كل شيء أمام النبي عليه الصلاة والسلام، وأن تكون جازماً قاطعاً بأنك لن تتردد في أن تبذل له كل غال، فلو قدر أنه يوجد ماء لا يكفي إلا لك أو للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب عليك أن تقدمه له فيشربه هو ولو مت أنت، فتفديه بنفسك بناءً على اعتقاد حتمي أوجبه الله علينا، وهو أن نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بأرواحنا وأنفسنا منا، وهذا الأمر طبقه الصحابة في مواقف كثيرة وعظيمة، قال تعالى:
وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ [التوبة:120]، وقال تبارك وتعالى:
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6]
يعني: أولى بحياتك وبروحك منك أنت بهذه النفس، فهذا هو حقه عند الله سبحانه وتعالى كأي تعظيم وأي تشريف.
ومن حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحب وأن يؤثره العطشان بالماء والجائع بالطعام، وأنه يجب أن يوقى بالأنفس والأموال كما قال تعالى:
مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ [التوبة:120]، فرغبة الإنسان بنفسه أن يصيبه ما يصيب النبي صلى الله عليه وسلم من المشقة معه حرام، ولذلك قال
حسان رضي الله تعالى عنه:
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
والنماذج كثيرة جداً في الصحابة رضي الله تعالى عنهم من التطبيق العملي لهذه الآية: (( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ))، وخاصة في الغزوات كغزوة أحد وغيرها، فقد كانوا يفدونه صلى الله عليه وسلم بالغالي والنفيس رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
من حقوقه صلى الله عليه وسلم أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وولده
من حقوقه صلى الله عليه وسلم تعزيره وتوقيره
كذلك من حقوقه صلى الله عليه وسلم أن الله أمر في هذا القرآن بتعزيره وتوقيره، فقال عز وجل:
وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح:9] والضمير -على الراجح- يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والتعزير: اسم جامع لكل ما فيه نصره وتأييده، ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار.
من حقوقه صلى الله عليه وسلم عدم مناداته باسمه
من حقوقه صلى الله عليه وسلم عدم رفع الصوت والتقدم بين يديه
من حقوقه صلى الله عليه وسلم عدم إيذائه
من حقوقه صلى الله عليه وسلم أن الله أوجب ذكره في الأذان والتشهد والخطبة
إقسام الله بمدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم
من عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه تبارك وتعالى أن الله سبحانه وتعالى أقسم بمدة حياته، ولله عز وجل أن يقسم بما شاء من مخلوقاته؛ لأنها آيات من آياته عز وجل، أما نحن فيحرم علينا القسم بغير الله، وفي الحديث: (
من حلف بغير الله فقد أشرك)، فخطأ أن يقول شخص لآخر: وحياتك اعمل لي كذا، وحياتك الأمر الفلاني كذا، لكن الله سبحانه وتعالى أقسم بحياة نبيه عليه الصلاة والسلام، فقال عز وجل:
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] (لعمرك) هي بمعنى قولنا: وحياتك، فالله سبحانه وتعالى يقول له: أنا أحلف بحياتك يا محمد! وبعمرك الشريف، وهذا لم يحصل لأحد قط، فالله سبحانه وتعالى أقسم بحياته فقال: ((لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)) أي: وبقائك أو وعيشك أو وحياتك، وهذه نهاية التعظيم والبر والتكريم، قال
ابن عباس رضي الله عنهما: ما خلق الله تعالى، وما ذرأ، وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره.
إقسام الله بكلام نبيه صلى الله عليه وسلم
إقسام الله على تزكية نفس نبيه صلى الله عليه وسلم
شفقة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم
ومن شفقته عليه صلى الله عليه وسلم قوله تبارك وتعالى:
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:2]، ويقول جل وعلا:
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6]، وقوله تعالى:
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3].
فالله سبحانه وتعالى يقول له هنا: هون عليك! هل أنت مهلك نفسك حسرة وحزناً على هؤلاء الكافرين الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله؟!
فالله سبحانه وتعالى يواسيه ويعزيه بأن الهداية هي هداية الله عز وجل، ويقول له: لا تهلك نفسك، أنا ما أنزلت عليك القرآن لتشقى وتتعذب هذا العذاب؛ حسرة على هؤلاء المعرضين عن الحق، وشفقة وخوفاً عليهم من عذاب جهنم، فكان عليه السلام يتألم أشد الألم لإعراض قومه عنه؛ خوفاً عليهم أن يعذبوا ويهلكوا، وهذا صرح به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (
إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، فأخذ يذبهن عن النار، يقول صلى الله عليه وسلم: وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنت تفلتون من يدي، تقحمون فيها)، وفي بعض الروايات: (
فتغلبوني تتقحمون فيها) أو كما قال عليه الصلاة والسلام..
تصور كيف هو رحمة للعالمين! وكيف هو رحمة لجميع أمته عليه الصلاة والسلام! فيقول: (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً) في ظلمة، فمعلوم أن الفراش لعدم وجود عقل له ينجذب إلى هذا الضوء ولا يدرك أن في انجذابه للضوء إحراقه وهلاكه، وجعل هذا الرجل الذي أضاء هذه النيران يذب الفراش: يطرده حتى لا يحترق، فالفراش يهرب منه ويصر على أن يلقي بنفسه في النار، فيكون هذا نفس مثلي ومثلكم، يقول: أنا واقف على النار وأنتم تنجذبون إليها بالشهوات والشبهات، وأنا أذبكم وأدفعكم وأطردكم حتى لا تهلكوا، وهذا يقصد به أمة الدعوة كلها مسلمين وكفاراً جميعاً، فيقول: (وأنا آخذ بحجزكم عن النار)، يحاول أن يمسك هذا من ذيله، وهذا من كمه، وهذا من وسطه، وهم أناس كثير وهو واقف يريد أن يذب الذي يريد أن يلقي بنفسه في النار، (وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي) أي: تغلبوني وتدفعوني، وتلقون بأنفسكم في النار إصراراً على الهلاك، وهذا هو حال النبي عليه السلام مع الكفار والمعرضين عن هديه صلى الله عليه وآله وسلم، فكان شديد الحسرة على عدم إيمانهم، وشديد الحزن عليهم؛ لأنهم سوف يكونون من أهل النار، ولذلك لما دخل على ذلك الشاب اليهودي الذي كان يحتضر، أمر النبي عليه السلام هذا الشاب اليهودي أن يشهد شهادة الحق، ويدخل في الإسلام، فنظر إلى أبيه، فقال له: أطع أبا القاسم -عليه الصلاة والسلام- ففعل ذلك الشاب ودخل في الإسلام، ثم مات؛ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم مبتهجاً وفرحاً مسروراً وهو يقول: (
الحمد لله الذي أنقذه من النار) فهذا هو شعور النبي عليه السلام بأمته، رحمة لأمته عليه والسلام، فكان يحزن حزناً شديداً، ويتحسر ويتألم لإعراض الكفار عنه لما يعلمه من العذاب الذي سوف يصيبهم، فقال الله سبحانه وتعالى مخففاً عليه: ((مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) هل نحن أنزلنا عليك القرآن كي تتعذب وتتألم وتهلك نفسك من الخوف على الكافرين والحسرة عليهم؟
لا،
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى *
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:2-3] تذكرة لمن يخشى ويتقي الله سبحانه وتعالى.
وقال تبارك وتعالى: (( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ )) هل ستموَّت نفسك أم ماذا؟ هذا المعنى: ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ) أي: هل ستهلك نفسك ( عَلَى آثَارِهِمْ )؟
تخيلوا أن شخصاً يودع أحبابه الراكبين في القطار، وهو متحسر لفراق هؤلاء الأحباب، وحزين عليهم، فحتى والقطار يمشي، فهو يجري حتى يعجز عن القطار ويسبقه، وهذا نفس التصوير تقريباً في هذه الآية الكريمة ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ ) يمشون وهم معرضون عنه، وهو يتبعهم بأقصى استطاعته ( عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا )، فهل ستهلك نفسك أسفاً وحسرة عليهم وهم مصرون على الكفر؟
فبلا شك أن هذا غاية المحبة والإكرام من الله سبحانه وتعالى لنبيه وحبيبه وخليله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
أخذ الله الميثاق على الأنبياء قبله أن يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم
رفع العذاب عن أهل مكة لوجود النبي صلى الله عليه وسلم
تمام نعمة الله على عبده المصطفى عليه الصلاة والسلام
قال
جعفر بن محمد وهو يتكلم شارحاً معنى قوله تعالى: (( وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ )) صلى الله عليه وآله وسلم: من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه، وأقسم بحياته، ونسخ به شرائع غيره، وعرج به إلى المحل الأعلى، وحفظه في المعراج حتى
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وبعثه إلى الأحمر والأسود، وأحل له ولأمته الغنائم، وجعله شفيعاً مشفعاً، وسيد ولد آدم، وقرن ذكره بذكره، ورضاه برضاه، وجعله أحد ركني التوحيد، ثم قال:
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ [الفتح:10].
ومن نعمه عليه صلى الله عليه وآله وسلم ما امتن عليه به في سورة النجم والإسراء والفتح، ومن ذلك قوله تعالى:
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، ومنه قوله تعالى:
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال:30] إلى آخر الآية، ومنها قوله تعالى:
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ [التوبة:40]، وما كان من أمر الغار، و
سراقة بن مالك .
ومن مقام كماله صلى الله عليه وسلم ما جبله الله عليه من كمال خلقته، وجمال صورته، وقوة عقله، وصحة فهمه، وفصاحة لسانه، وقوة حواسه وأعضائه، واعتدال حركاته، وشرف نسبه، وعزة قومه، وكرم بيته صلى الله عليه آله وسلم.
وأما خصاله المكتسبة الأخروية فسائر الأخلاق العلية، والآداب الشرعية، من الدين والعلم، والحلم والصبر، والشكر والعدل، والزهد والتواضع، والعفو والعفة، والجود والشجاعة، والحياء والمروءة، والصمت والتؤدة والوقار، والرحمة، وحسن الأدب والمعاشرة وأخواتها التي جماعها حسن الخلق.
وإذا كانت خصال الكمال والجلال ما ذكرناه، ورأينا الواحد منا يتشرف بواحدة منها أو اثنتين، إن اتفقت له في كل عصر، إما من نسب، أو جمال، أو قوة، أو علم، أو حلم، أو شجاعة، أو سماحة، حتى يعظم قدره، ويضرب باسمه الأمثال، ويتقرر له بالوصف بذلك في القلوب أثرة وعظمة، وهو منذ عصور خوال رمم بوال، فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الخصال إلى ما لا يعد ولا يعبر عنه مقال، ولا ينال بكسب ولا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال من فضيلة النبوة والرسالة، والخلة والشفاعة، والوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة، والمقام المحمود، والبراق والمعراج، والبعث إلى الأحمر والأسود، والصلاة بالأنبياء، والشهادة بين الأنبياء والأمم، وسيادة ولد آدم، ولواء الحمد، والبشارة والنذارة، والمكانة عند ذي العرش، والأمانة والهداية، ورحمة للعالمين، وإعطاء الرضا والسؤل والكوثر، وسماع القول، وإتمام النعمة والعفو عما تقدم وما تأخر، وشرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، وعزة النصر، ونزول السكينة، والتأييد بالملائكة، وإيتاء الكتاب والحكمة، والسبع المثاني، والقرآن العظيم، وتزكية الأمة، والدعاء إلى الله، وصلاة الله تعالى والملائكة، والحكم بين الناس بما أراه الله، ووضع الإصر والأغلال عنهم، والقسم باسمه، وإجابة دعوته، وتكليم الجمادات والعجم، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير القليل، وانشقاق القمر، ورد الشمس، وقلب الأعيان، والنصر بالرعب، وظل الغمام، وتسبيح الحصى، وإبراء الآلام، والعصمة من الناس.. إلى ما لا يحويه محتفل، ولا يحيط بعلمه إلا مانحه ذلك سبحانه، ومفضله به لا إله غيره، إلى ما أعد له في الدار الآخرة من منازل الكرامة، ودرجات الخلد، ومراتب السعادة، والحسنى والزيادة التي تقف دونها العقول، ويحار دون إدراكها الوهم.