إن للتلفاز والفيديو والبث المباشر مخاطر عظيمة جداً، ومن أعظم هذه المخاطر قطع الطريق على التائبين إلى الله، ومن مخاطرها زرع روح الجريمة في نفوس الناس خاصة الشباب، ومن مخاطرها تفكك المجتمعات والأسر.
فعلى المسلمين أن يدركوا مخاطر هذه الآلات، وأن يسعوا جاهدين في إزالة هذه المخاطر، وذلك بالتحذير منها ومن مساوئها.
-
رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمة
-
التحذير من قطاع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى
نتناول إن شاء الله تعالى في هذه السلسلة التي نفتتحها اليوم بالكلام حول توعية المسلمين بأخطر قاطع طريق وهو الذي يقطع الطريق على المسلمين الذين يتوبون إلى الله عز وجل، ويريدون أن يرحلوا إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، ويهاجروا إلى الله ورسوله.
ونحن حينما نجتهد في أن نبين حكم الشرع في مثل هذه الفتن المتلاطمة وهذه القضايا الخطيرة، فنحن حينما نقدم على حكم الشرع الشريف فإننا على ثقة وعلم أنه يريد بنا الخير ويريد رحمتنا، مصداقاً لقوله تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].
فلذلك لا نتصور كما يريد أعداؤنا أن نتصوره أن حكم الشرع تضييق وتزمت وحجر وتحجير وتعنت وتطرف إلى آخر هذه المصطلحات، لكننا نثق أن حكم الله سبحانه وتعالى هو الخير لنا في الدنيا وفي الآخرة، ونستحضر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيه، فأخذ يذبهن بيده، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي) .
فما أصدق هذا الحديث في تصويره حقيقة موقفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وموقفه منا، وحرصه علينا وهو الرءوف الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم.
الجنادب والفراش والدواب التي تطير حينما ترى النار تضيء حولها، هي تتصور أنها في مكان مظلم، وحينما ترى هذه النار تتخيل أن هذه كوة تستطيع أن تخرج منها إلى الضياء وإلى النور، فتقتحم هذه الأضواء بشدة وهي لا تدرك أن في ذلك حتفها وهلاكها وإحراقها.
كذلك هؤلاء العصاة الذين لا ينصتون لتحذيرات الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يخاف ويشفق على هؤلاء العصاة فيذبهم ويدفعهم من أن ينجذبوا نحو النار ونحو الشهوات التي حفت بها النيران، وهم لا يتفكرون ولا يتلمحون عواقب هذا الشيء.
فالرسول عليه الصلاة والسلام يحاول غاية جهده أن يصرفنا عن الهلكة، وإذا هلك واحد منا فبسبب أنه تفلت من يده.
قوله: (وأنا آخذ بحجزكم عن النار) أي: حاول أن يمسكه لكنه لم يستطع إمساكه.
من الحجز وهو مقعد الإزار أو السراويل في وسط الجسم، فهو يمسكه حتى لا يقع في النار.
قوله: (وأنتم تفلتون من يدي) أي: أنا أحاول إنقاذكم ولكن أنتم تصرون على أن تجتذبكم هذه المهلكات.
فبمناسبة الإقدام على شهر رمضان قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله تبارك وتعالى فيقول: (وأسألك العزيمة على الرشد) يعني: أسألك أن ترزقني الإرادة الصادقة والجازمة على أن أختار طريق الرشاد وأتجنب طريق المهالك، فهذه من منن الله على العبد أن يرزقه العزيمة على الرشد، أن ينوي المسلم من الآن الاستعداد لهذا الشهر الكريم، وأن ينوي أن يعمره بطاعة الله سبحانه وتعالى، ويعزم على أن يرشد أمره في هذا الموسم الذي هو أعظم مواسم الخيرات على الإطلاق في السنة كلها.
فإذا كان قطاع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى يستعدون لرمضان بالفوازير والمسلسلات والأفلام والسهرات الرمضانية، وغير ذلك من هذه السفاهات، حتى طلاب الدنيا من التجار وغيرهم يستعدون بطريقتهم الخاصة لاستقبال رمضان، فلا ينبغي أن يقصر عباد الرحمن وأولياء الله عز وجل عن أمثال هؤلاء في الاستعداد لاغتنام هذه الفرصة العظيمة إلى أقصى حد ممكن، ولما كانت القاعدة أن درء المضار مقدم على جلب المنافع، وأن الدفع أسهل من الرفع من أجل ذلك نحن نستعد لرمضان ابتداء، قبل أن نتكلم فيما اعتدنا الكلام فيه في الحث على الطاعات وغير ذلك من أعمال البر في رمضان، فلهذا أيضاً وقت آخر إن شاء الله.
لكننا نقدم التحذير من هذا العدو قاطع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، الذي أصاب أغلب الديار شؤمه، ولكن نقدم لذلك بهذه المقدمة فنقول إن الأرض إذا مادت تحت أقدام الناس بالزلازل، فإنه يصيب الناس الهلع والفزع والخوف والجزع، فلا تجد واحداً من هؤلاء الذين تموج بهم الأرض يستطيع أن يحدد موقفه ولا مصيره؛ لأن الجميع يكونون مأخوذين بدهشة المفاجأة، فلا يوجد لأحد فرصة أن يسأل غيره ماذا يفعل؟ بل لا يخطر في بال أحد أصلاً أن يسأل غيره.
-
خطورة اقتناء جهاز التلفاز وتهافت المسلمين على ذلك
-
موقف العلمانيين من خطر التلفاز
هذه القضية تتناول بطرق شتى، فنحن نسمع ونقرأ في كثير من المباحث هذه الأيام ومن قبل هذه الأيام، في بلادنا وفي غير بلادنا أن كثيراً من الناس يشتكون من التلفاز وأثره على الأخلاق وغير ذلك، لكن أغلب هؤلاء الذين يتباكون من التلفاز ومشاكله في بعض البلاد التي مازال فيها ما يسمى بالوطنية يتباكون على الوطنية والقيم الوطنية، وأحياناً يتباكون على اللغة القومية، وبعضهم يحذر من خطورة الاستهلاك الاقتصادي، وهذا في الحقيقة تناول علماني لهذه القضية الخطيرة، فهو يركز على مخاطرها على الدنيا دون أن يعطيها حجمها الحقيقي وهو خطرها على الدين، فبدل أن تكون القضية قضية حلال وحرام، وصلاح وفساد، وكفر وإيمان، وولاء وبراء، تصير القضية عندهم اللغة والقومية، والتقاليد القومية والوطنية، والهوية القومية، وغير ذلك من الاعتبارات التي تظهر التناول العلماني للقضية.
-
موقف المسلمين من خطر التلفاز وغيره من وسائل الإعلام
ومما يؤسف له -أيضاً- أننا وصلنا إلى زمان أصبحنا فيه في تعاملنا مع هذه السهام المحرقة التي نرمى بها بين وقت وآخر مجرد مدافعين، وكان الأولى وقد سخر الله سبحانه وتعالى هذه الأجهزة الخطيرة مثل الفيديو أو التلفاز أو الكمبيوتر أو الشبكة الدولية (الإنترنت) وغير ذلك من هذه الطاقات العظيمة جداً، كان الواجب الأصلي على المسلمين أن يسعوا إلى إيجاد البث الإسلامي الذي يحمل هداية الإسلام إلى البشرية الظامئة إلى نور الهداية المحمدية.
كان هذا هو الموقع اللائق بهذه الأمة، أن تكون هي التي توجه وهي التي تستثمر مثل هذه الطاقات العظيمة، وبما أننا لم نغزوا فقد غزينا في عقر دارنا بالبث المباشر بكل أنواعه، فالمؤسف في القضية أننا نحن -المسلمين- مضطرون إزاء كثافة الحملة على الإسلام وعلى قيم ومفاهيم الإسلام لأن نقف أمام هذه الأجهزة التي لا نملك إلا مجرد الدفاع السلبي نحوها، كالناظرين الذين يقبعون في هامش الحياة عالة على الأمم، فنقتصر على الدفاع لأننا فقدنا زمام المبادرة.
إن بعض الناس غابت عنهم مخاطر هذا الجهاز ومساوئه، وبعضهم اعترفوا بالسلبيات، لكن نظروا إليها بمنظار مصغر عن حقيقتها فحقروها، فمن أجل ذلك كانت هذه الوقفة الصادقة مع النفس، نراجعها ونقلب أبصارنا وبصائرنا في محاسن هذا الجهاز وفي مساوئه؛ لأننا إذا فعلنا سنقرر بالفعل أن للفيديو والتلفاز وغيرهما نفعاً ما، ولكننا فوراً نتذكر قوله تعالى في شقيقيهما الخمر والميسر:
قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] فهذه المنافع المزعومة ضخمت وأريد لها الظهور فروج لها، وأخفيت المثالب على خطورتها وكثرتها فلا تكاد تذكر.
فهذا الموضوع سنتناوله إن شاء الله ولن نفصل فيه، بل نحاول أن لا نضيع الوقت في ذكر المزايا؛ لأن المزايا يدركها كل الناس، ويتعاملون مع الجهاز تعاملاًمباشراً، فليس الجهاز في حاجة إلى زيادة تلميع أو ترغيب، إنما هدفنا كشف ما فيه من المخاطر، لعل الله سبحانه وتعالى ينبه الغافلين، ومن باب قوله تعالى:
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55].
ثم إن من يريد أن يعالج مثل هذا الداء ينبغي عليه أن يقابل العلة بما يضادها لا بما يزيدها، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد قال:
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9] فإنه بين في آية أخرى أن الذكرى إنما تنفع المؤمنين.
فأول ما نذكر به المؤمنين آية من كتاب ربنا العظيم لو فقهت معناها قلوبنا لرأيتها خاشعة متصدعة من خشية الله، وإذا استيقظت ضمائرنا فلعل قشعريرة الرهبة تسري في أوصالنا ورعشة الهيبة تهز أعماقنا، إنها قول ربنا جل وعز:
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36] هذا هو أول ما نصدر به هذه التذكرة وهذه الذكرى، فإذا تخيلت أن نعمة السمع ونعمة البصر ونعمة القلب سوف تسأل عنها أمام الله سبحانه وتعالى فيم استعملتها فما جوابك؟!
ومعلوم أن شكر النعم يكون بثلاثة أشياء: بالاعتراف بها باطناً، وبالتحدث بها ظاهراً، وبتسليطها في طاعة ومرضاة مسديها والمنعم بها الله سبحانه وتعالى، هذا هو شكر النعمة.
وإذا سألنا أنفسنا عن كل الذين يعصون الله سبحانه وتعالى من العصاة والفاسقين فما هي الآلات التي يستعملونها في المعصية؟! ما هي إلا نعم الله سبحانه وتعالى، فأعظم بحلم الله عز وجل! يعطينا هذه النعم ثم نحاربه بها ولا يعجل لنا العقوبة.
تخيل لو كان عندك عامل أو خادم كلما أمرته بشيء عصاك، ويستعمل ما أنعمت عليه في أذيتك وفي محاربتك ومبارزتك بالمخالفة، فماذا ستفعل به؟ هل تطيق أن تتحمله أو أنك ستطرده من العمل فوراً؟!
تأمل هذا الكم من العصاة، وهذا الكم من المسرفين على أنفسهم، وتأمل -أيضاً- حلم الله سبحانه وتعالى الذي لا يعاجلهم العقوبة عسى أن يتوبوا وعسى أن يستعتبوا، والله سبحانه وتعالى قد ذكر هذا المعنى فقال عز وجل في الحديث القدسي: (
أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما الذي يقول: مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما الذي يقول: مطرنا بنوء كذا ونوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) فهذا نسب النعمة إلى غير معطيها، وكذلك قال الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة:
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82] يعني: نحن نرزقكم النعم ونفيض عليكم الرزق والعطايا، ثم أنتم تجعلون شكر هذا الرزق أنكم تكذبون رسولي عليه الصلاة والسلام إذ أرسلته إليكم.
وقد عبر بعض الشعراء عن هذا المعنى بقوله:
أنالك رزقه لتقوم فيه بطاعته وتشكر بعض حقه
فلم تشكر لنعمته ولكن قويت على معاصيه برزقه
إذاً: نتأمل هذا الجهاز التي يستعمل فيه أساساً نعمة السمع والبصر والفؤاد، فإذا نظرنا إلى واقع المسلمين فستجد أنهم ينظرون إلى هذه المناظر المنحرفة المخزية.
فنقول للواحد منهم: لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام طرق بابك وأنت جالس أمام الفيلم أو أمام المسرحية أو الأغنية هل سيفرح بك وبانتمائك لأمته، أم أنك تشعر بالعار وبالخزي وتحاول أن تستر المصيبة التي تجهر بها ولا تبالي بها؟!
ألا يقدر الله سبحانه وتعالى على أن يخطف أبصار هؤلاء الذين ينظرون إلى ما حرم الله ويرتكبون معصية زنا العين كما قال عليه الصلاة والسلام؟! هل يأمنون نزول عذاب الله سبحانه وتعالى بهم بياتاً أو هم قائلون في حال غفلتهم؟!
نعود إلى الآية الكريمة (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) فما ألصق هذه الآية بموضوعنا؛ لأن النعمة التي تستعمل في التعامل مع هذا الجهاز هي السمع والبصر.
وفي الحقيقة أن التلفاز هو أخطر جهاز إعلامي؛ لأنه يخاطب العين والأذن والقلب، يخاطب بالصوت وبالصورة وبالحركة، وبعض الناس يقولون: الإنسان يحصل على المعلومات عن طريق النظر بنسبة (90%) وعن طريق السمع بنسبة (8%) وأيضاً العين تجذبها الحركة أكثر من أن يجذبها أي شيء آخر.
فهذا الجهاز هو أخطر أجهزة الإعلام وأخطر أجهزة الثقافة والتربية من حيث التأثير؛ لأنه ليس مجرد أفكار معنوية يقرؤها الإنسان في كتاب أو يسمعها من مذياع، بل هو واقع حي يعيش أمام هذا المشاهد، ولذلك فإن تأثير هذه الأشياء لا يقتصر على الأفكار النظرية كما هو تأثير المؤلفات، وإنما ينطبع بصورة أشد على سلوكنا ومظاهرنا؛ فإن أفكاره تترسخ في النفوس أكثر؛ لأنها تظهر حقيقة معاشة وليست مجرد خواطر نقرؤها.
وعن طريق التلفزيون دخلت السينما إلى بيوتنا، وقد كان الناس يتكلفون في الخروج إلى السينما، أما الآن فقد انتقلت إلى داخل البيوت، ونقلت إلينا الشواطئ والحانات والخمارات ومجالس الفسوق والكفر والعصيان عن طريق التلفاز.
يقول بعض الباحثين في كتاب (الناس على دين إذاعاتهم): كان الناس قديماً على دين ملوكهم، كانوا يلتقون بهم في الأسواق وفي الأعياد وفي المساجد، كانوا يحتكون بهم ويتطلعون إليهم كقدوة فيتأثرون بهم، ولكن في العصر الحديث تنازع السيطرة على الناس زعماء الأحزاب وقادة الرأي من الكتاب والساسة والجرائد اليومية، ثم جاءت الإذاعة فتسللت إلى الناس كوسوسة الشيطان، واستحوذت على الآذان، والتفوا حولها، وما لبث أن جاء التلفزيون فاستولى على أفراد الأسرة، فضعف تأثير الأب، بل صار التلفزيون هو الأم المؤثرة في الأسرة، وأصبح الناس على دين هذه الأم.
لقد تولى بالفعل التلفزيون أمور التربية وشئونها، ولم ينتزع زمام الأسرة من الأبوين فحسب، بل انتزعه من المدرسة، وجاء بعده ما سانده وساعده على أداء مهمته وهو الفيديو، وهو ابنه البار الذي -بلا شك- يصعب التحكم فيه؛ لأنه يعتبر وسيلة غير موجهة أو غير متحكم فيها؛ لأن طابعه الدكتاتوري أشد من طابع التلفزيون؛ لأن مادته تأتي في الخفاء سراً دون رقابة، ثم إنه لا يرتبط بنوعية معينة من البرامج، أو مواعيد محددة من الساعات، ولا يبقى رقيب على الشخص بعد الله سبحانه وتعالى إلا الوازع الإيماني في قلبه إن وجد.
ثم بعد ذلك يأتي البث المباشر وما يتلوه من قفزات، فجعلت بالفعل قنوات التلفاز في العالم كله عند أطراف أصابع الإنسان العادي، حتى إنه لا يتكلف أن يقوم من الفراش كي يشغل الجهاز، وإنما يتحكم به على بعد وهو جالس يطوف العالم كله، وهذا هو الخطر الحقيقي، لقد انعقدت ألويته فوق رءوسنا يبغي إخراجنا من ملتنا وتعبيدنا لغير الله سبحانه وتعالى، أو استذلالنا واستعبادنا لنمشي في موكب الرذيلة مع القافلة إلى الهاوية.
-
سبب تسابق الغربيين على نقل البث المباشر إلى ديار المسلمين
لماذا يتسابق على رءوسنا أو على عقولنا هؤلاء الغربيون حينما يتصدقون علينا وعلى البلاد الإسلامية بمنحة البث المباشر وتدعيم أجهزة البث المباشر؟! هل هذا لوجه الله؟! وهل يريدون بنا خيراً؟! لا، وإنما يعرفون أن هذا أخطر بكثير من الغزو العسكري بلا شك.
إن المقصود من ذلك كله هو تدمير شباب الأمة، وشغلهم بالشهوات والمفاسد والأفكار المسمومة.
إن شعوب الغرب معروف ما عندها من الوعي السياسي، فإذا كانت الحكومات تدفع الملايين من أجل تدعيم البث المباشر وتقديمه ليصل إلى بيوت المسلمين، فهل كان رعاياها الذين يعلمون أن هذه الميزانية تقتطع من الضرائب التي تؤخذ منهم سيسكتون أن يسكتوا لو كان في ذلك نوع من الإحسان إلى المسلمين؟! لا، لكن عرفوا أن هذه لها أشد التأثير في إضعاف المسلمين.
-
الانفصام بين ديانة بعض المسلمين وواقع أعمالهم
إن من المسلمين من يرحب بالبث المباشر وسرعة إدخاله بحيث يصل إلى كل بيت دون حاجة إلى الأطباق المعروفة فرحين ومهللين ويقولون: نحن سننفتح على العالم وكذا وكذا. وهذا يذكرني بقول الله سبحانه وتعالى:
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف:24-25].
هناك شبه كثيرة عند هؤلاء الذين يرحبون بهذه النيران التي لا تبقي على أخضر ولا على يابس، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فنحن لا نعجب إذا رأينا في زماننا قوماً حرموا من نعمة الهداية، فمنهم من أشرب في قلبه حب عبادة الأبقار، والتفاني في سبيل الانتصار لها بالروح والدم، حتى إن
غاندي ظل يقارن بين أمه وبين البقرة التي يعبدها من دون الله سبحانه وتعالى ففضلها على أمه! وليس بعد الكفر ذنب.
فالناس وصلوا إلى هذا المستوى من الانحطاط الفكري والعقائدي والشرك بحيث عبدوا البقر.
وحكى بعض الناس أنه رأى معابد من الرخام الأبيض في بلاد شرق آسيا في منتهى الفخامة يعبد فيها الفئران، وحكى بعض الإخوة أنه رأى بعض الناس في مناطق من شرق آسيا من شدة تعظيمهم للفئران أن أحدهم يأكل والفأر يصعد على رأسه وعلى كتفه ولا يستطيع أن يؤذيه؛ لأن هذا إلهه في نظره.
فهل نعجب حينما نرى أمثال هؤلاء الناس في الشرق أو إخوانهم في الغرب ممن انتكسوا وارتكسوا وصاروا في مستوى أقل من البهائم والعجماوات في أخلاقهم وعقائدهم وأفكارهم؟! هل نعجب من أن هؤلاء يقعون بالمرة في حمأة التلفزيون والفيديو وهذه الرذائل؟! هذا لا يستغرب؛ لأن الشيء من معدنه لا يستغرب، فهؤلاء أولى الناس بهذه المهالك وهذه المآسي.
لكن العجب الذي لا ينقضي منه العجب أن نرى مسلمين حنفاء موحدين يشربون في قلوبهم حب التلفزيون والفيديو!
تجد المسلم يجلس ويرى هذه المناظر القبيحة أمام بناته وأمام زوجته وأمام أبنائه ولا يتحرك ولا يبالي، وصار الشيء كأنه أمر عادي جداً، لا إحساس ولا غيرة ولا حياء، فكيف يستوي المسلم الذي يؤمن بالآخرة ويخشى حساب الله سبحانه وتعالى في الآخرة مع هؤلاء الملاحدة؟!
إذاً: نحن لا نستغرب أن يقع من هؤلاء الكفار في الشرق أو في الغرب أو في الشمال أو في الجنوب مثل هذا الإسفاف وهذا الانحلال، هذا لا يستغرب؛ لأن هذا ثمرة خبيثة من ثمار عقائدهم الفاسدة وانحرافهم عن منهج الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال تعالى:
وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:113] لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، ولذلك خصهم بنفي الإيمان بالآخرة؛ لأن الأيمان بالآخرة ينعكس في سلوك الإنسان، أما هؤلاء فلا نستغرب من أفعالهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة.
والحقيقة أن مما يتألم منه المسلم الحق أشد الألم ويشعر بالخزي ويشعر بالهوان ما يتكرر على أسماعنا بين وقت وآخر أن أختاً أسلمت، وقالت: أريد أن أهاجر إلى بلاد المسلمين حيث العلم وحيث الشريعة وحيث الالتزام بالدين، ثم يأتي أمثالها ويصدمون بالواقع الذي نحن عليه، فمنهم كما حكى لي ذلك بنفسه الأخ
يوسف إسلام المغني الشهير الذي كان يسمى قبل إسلامه
كات ستيفن وهو مطرب إنجليزي مشهور، حكى لي أنه أتى إلى مصر ليفزع إلى بلاد المسلمين ويجد البيئة الإسلامية والأحلام التي يتخيلها، فبمجرد أن نزل القاهرة ورأى الفساد في الشوارع، ورأى الانحلال والبعد عن الدين فزع إلى بريطانيا وقال: إن ديني في بريطانيا أقوى من تواجدي هنا. لأنه يحاصر نفسه مع طائفة من إخوانه المتدينين الذين ما زالت عندهم طاعة الله أقوى من هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام انتساباً اسمياً أو جغرافياً.
-
أسباب عدم الإحساس بخطر المعاصي والذنوب
لماذا نحن لا نحس بهذا الإحساس؟! لأنه حصل تعايش سلمي بيننا وبين المعاصي، حصل المصطلح السياسي الجديد الذي يسمى التطبيع، ليس التطبيع مع الخنازير والقردة، بل التطبيع مع قطاع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى.
صارت عادة طبيعية أن يجلس الأب والبنات والأولاد أمام التلفزيون؛ ليعطيهم دروساً خصوصية في كل أنواع الفساد، يصحب الأولاد إلى أماكن الإدمان، يصحبهم إلى عصابات السرقة والقتل والفساد الخلقي، هذا هو الواقع الذي نعيشه الآن أم أننا نكذب ونفتري؟
فنحن لا نحس بخطورة الحد الذي وصلنا إليه مثل جحا الذي كان يقطع فرع الشجرة ولا يحس أنه سيسقط، ويستغرب من شخص يقول له: سوف تسقط بعد حين، فنحتاج إلى أن نتحرر من سلطان هذا المجال؛ كي نحسن الحكم على هذه الفتنة، ألا تنظر إلى الخشوع والرهبة والصمت عند من يشاهد المباريات، ولو أن طفلاً صغيراً أو واحداً من الحاضرين حاول أن يبكي أو يطلب شيئاً بصوت عال فإن الكل يسكته؟ ألا تنظرون إليهم خاشعين وهم ينتظرون ضربة جزاء، ويدعون الله: يا رب يا رب يا رب!! وكأنهم على وشك أن يفتحوا القدس وأن يحرروا فلسطين، تدعون الله على ماذا؟
هذا مرض نفسي أن يصل الأمر إلى أن يعتقدوا أن البطولة هي في الرقص والغناء والكرة، الهدف هو أن نغلب الجزائر أو نغلب دولة كذا وكذا أو كذا، وصارت المصائب عندهم هي انهزام مصر في الكرة أمام دولة أخرى، وتماسيح النيل لابد أن يفوزوا أو الفراعنة، فإذا رأيت حال القوم فعلاً كأنهم في معبد يتهجدون ويتبتلون، وكأن قلوبهم لا تنشغل بشيء أبداً، يستغرق هذا عقولهم وقلوبهم وفكرهم، حتى لا يحس الإنسان لا بالجوع ولا بالعطش، وربما أيضاً لا يحس بألم، ولا يحس بمن يسلم عليه، فضلاً عن أن يذكر ربه وصلاته وعبادته، وتبقى هذه المشاهد الأثيمة يختزنها في ذاكرته، ثم إن الشيطان يستدعي ما اختزنه الإنسان في ذاكرته من تلك الصور التي رآها حتى تعرض له ربما في الصلاة، وفي مرضه، وفي مشيه، وفي كلامه، بل ربما تعرض له عند موته ويكون عليها سوء خاتمته والعياذ بالله، وهو في وقت أحوج ما يكون إلى ذكر ربه سبحانه وتعالى، وهو بهذا يريد أن يصد الناس فعلاً عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟!
كما أن سماع المكاء والتصدية والأغاني والموسيقى وغيرها من الأشياء لا تقرب إلى الله ولا تزيد الإيمان بل العكس هو الصحيح، فلو سألنا أي إنسان وكان صادقاً: هل إذا جلست أمام الفيلم أو المسرحية أو كذا، هل يزيد الإيمان أم ينقص؟ ما نظن أن أي إنسان صادق سوف يخالف في الإجابة التي نقطع بها جميعاً وهي: زين لنا سوء أعمالنا، كيف نفكر في أن نتوب منها؟ نحن نستحسنها ونستمتع بها، ولا نتصور الحياة بدونها، مع أنه يتصور الحياة أحياناً بدون صلاة، وبدون صيام، وبدون حجاب، ولا يقلق ولا يشعر بأنه مرتكب كبيرة، لكن لا يتصور أن يعيش بدون هذه الأجهزة، فنحن لم ننته عن المنكر ولم ننه عنه، بل نحن فعلنا المنكر وتواصينا به ونظرنا إليه على أنه عنصر ضروري لحياتنا لا نتصور الحياة بدونه.
بل قد يقتطع بعض الناس من قوت أولادهم الضروري حتى يقتنوا الفيديو أو التلفاز، في بعض المساكن العشوائية هنا في الإسكندرية التي تبنى من الطوب وكذا وكذا؛ لأن بيوتهم تهدمت ولا يجدون أموالاً يصلحونها، ومع ذلك سكان هذه المناطق العشوائية جمعوا فيما بينهم حصصاً معينة على كل واحد مقيم، واشتروا ما يسمى بالدش أو الطبق هذا، يعني: سفاهة ما بعدها سفاهة!
إذاً: نحن في الحقيقة ليس فقط لا ننكر المنكر نحن أحببنا المنكر، نحن راغبون فيه، نحن حبب إلينا الكفر والفسوق والعصيان، ولذلك لما قيل لبعض السلف: ما بال أهل الأهواء شديدي المحبة لأهوائهم؟ قال: ألم تر إلى قوله تبارك وتعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:93].
يعني: أن يحب عبادة العجل وحب العجل جرى في أبدانهم كما يجري الدم في العروق، كذلك حب أهل هذه الأهواء للأهواء، ونتذكر هنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً -إما أن تؤثر فيه بزيادة الإيمان وإما أن تؤثر فيه بنقص الإيمان وضعفه وإطفاء نوره- فأي قلب أشربها -يعني: أحبها ورضي بها- نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء) إذا أنكرت هذه الفتنة وقلت: اللهم إن هذا منكر لا يرضيك ونهيت عنه أو غير ذلك من المواقف الإيمانية، حينئذ ينكت في قلبك هذا النور الأبيض نكتة بيضاء.
أما من أحب المنكر ورضيه فحينئذ ينكت في قلبه نكتة سوداء.
ثم يقول عليه الصلاة والسلام مبيناً تمايز القلوب إلى معسكرين : (حتى تصير القلوب إلى قلبين: قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض) رواه مسلم .
-
دور التلفاز في انحراف الأحداث والأطفال
هناك طبيب يدعى
تسيفن بانا في جامعة كولومبيا غير مسلم، يقول: إذا كان السجن هو جامعة الجريمة فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث.
يعني: عندما يدخل الإنسان السجن مع المجرمين فإنه يرتقي إلى جامعة الإجرام؛ لأنه هناك يتعلم كل شيء، لكن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث.
فمن أخطر مخاطر التلفاز أنه يشيع الفاحشة، وينفث روح الجريمة، ويقلب القيم رأساً على عقب، فاللصوصية بطولة تثير الإعجاب، والغدر سياسة، والخيانة فطانة، والعنف هو الوسيلة المثلى والأقل تكلفة لتحقيق المآرب، وعقوق الآباء تحرر، وبر الوالدين ظلم، وطاعة الزوج رق واستعباد، والنشوز حق، والعفة كبت، والدياثة فن راق وذوق رفيع، وهي أسرع وسيلة للإثراء، ولا ريب أن موالاة عرض الجرائم والإلحاح في ذلك يوماً بعد يوم هو من أخطر ما يدرب القلوب على التهوين من شأنها وقبول الانحراف والتعايش معه والتدرج والانخراط في سلك أهله، وصارت هذه الفضائح مألوفة عند الإنسان، فهو عندما يسمع عن جرائم الذي قتل أباه والذي قتل أمه، كل ذلك يجعله يتجرأ على هذه الجرائم.
وهذا الدكتور
السعدي فرهود حكى في حوار له مع إحدى الجرائد يقول: أظنكم سمعتم أو قرأتم أن شخصاً يملك منزلاً اتفق مع مقاول على أن ينسف السلم، وفعلاً أرسل المقاول ابنه بفتيل من الديناميت ووضعه على السلم، واختار وقتاً مناسباً وهو وقت انشغال الناس بمشاهدة مباراة كرة القدم، وانفجر الفتيل، لكنه لم يهدم إلا حجرة واحدة، فمن أين عرف المقاول هذه الطريقة؟! عرفها من أحد الأفلام في السينما التي عرضت في التلفزيون.
وهكذا فإن كثيراً من الأفلام الأجنبية تعلم أحدث وسائل ارتكاب الجريمة. انتهى كلام الدكتور
فرهود .
وقد توصلت الدراسات التحليلية إلى أن التلفاز بما يعرضه من أفلام سينمائية تحتوي على مناظر إجرامية أو انحلالية قد يؤدي إلى انحراف كثير من الناس عن طريق ما تخلقه هذه الأفلام من خيالات يعيشها من يشاهدها، كما تبين من مجموعة ذكور منحرفين تناولتهم تلك الدراسة أن أحد الأفلام التي عرضها التلفاز قد أثار فيهم الرغبة في حمل السلاح، وعلمهم كيفية ارتكاب السرقات وتضليل الشرطة، وشجعهم على المخاطرة بارتكاب الجرائم.
ويحكي الدكتور
عبد العزيز كامل ما يدلل به على أثر مشاهدة العنف والجريمة التي يعرضها التلفاز على الشباب، ويذكر مشهداً تكرر في أكثر من فيلم، حينما يهاجم أحد الشباب زميلاً له في مشرب أو مقهى، فيمسك بيده زجاجة فارغة ويضرب قاعدتها فتنكسر تاركة وراءها أطرافاً مسننة كل منها كأنها خنجر، ويهاجم بها خصمه في رقبته أو وجهه.
ويحكي مشهداً واقعياً آخر رآه، يقول: كان هناك جمع من الطلبة يلعبون بالكرة في فناء قريب أراه من نافذة مسكني، واختلفوا، فإذا بشاب منهم هو أقواهم قد تقمصته روح التمثيل، فرفع كتفيه وأحنى رأسه قليلاً إلى الأمام وباعد مرفقيه، وأمسك زجاجة وكسرها على سور قريب، ولكن الكسر لم يكن فنياً، فإذا هي تنكسر في يده، واندفع الدم منها، واندفع الشاب يصرخ بشدة طالباً النجدة، هو يريد أن يقلد المشهد الذي رآه، وسارع زملاؤه إلى رفع يده وحمله إلى أقرب مستوصف طبي، وتحول مشهد التمثيل إلى حقيقة دامية.
حتى المرأة لم تسلم من وسوسة أُستاذ الإجرام (التلفاز) الذي أفسد فطرتها وشوه هويتها، فرأينا بعضهن ممن كانت بالأمس جنساً لطيفاً فصارت اليوم بعد أن تخرجت من مدرسة الجريمة وحشاً عنيفاً وخطراً مخيفاً.
رأت فتاة في الخامسة عشرة من عمرها في برنامج تلفزيوني قاتلاً يقص فرامل السيارة فقلدته، وحاولت قص فرامل سيارة أبويها لتقتلهما، واكتشف الأبوان الأمر قدراً؛ لأن الفتاة أخطأت فقطعت سلكاً آخر أضاء إشارة إنذار حمراء، ولم يعرفا من الذي حاول قتلهما، فجربت الفتاة خطة أخرى، إذ ألقت صفيحة من البنزين على السيارة في (الكراج) فانفجرت، وانتبه الأبوان في آخر لحظة فأسرعا يفتشان (المرقاب) أو (الكراج) في البيت خوفاً على ابنتهما، وكادا يختنقان لكثافة الدخان، واكتشفا أن الفاعل ابنتهما، وعندما سئلت الفتاة عن السبب قالت: أبواي يضغطان عليّ كثيراً للمذاكرة، وأخي أخفق في الدراسة، وهما يريدان مني تعويض إخفاقه، فنظرت إلى التلفزيون فتعلمت منه الجريمة.
وعقب عرض مسرحية تسمى (ريا وسكينة) تكررت حوادث تخدير الضحايا وسرقة ما معهم من مصوغات ذهبية، ومن ذلك ما وقع لامرأة ضريرة من دمياط استدرجتها امرأتان إلى بورسعيد، فوضعتا كمية من المخدر في كوب ليمون تشربه، ثم استولتا على ست (غوايش) ذهبية قيمتها ألف جنيه، وبعد غيبوبة ثلاثة أيام في المستشفى العام ببورسعيد أدلت المجني عليها ببعض المعلومات، حيث تمكن رجال الأمن من القبض على المرأتين، وتبين أنهما تحضران إلى بورسعيد لصيد الضحايا، وقد اعترفت المرأتان بقيامهما بسرقات سابقة مماثلة، وقد تعلمت المرأتان هذا الأسلوب بعد مشاهدتهما مسرحية (ريا وسكينة).
أما تأثيره على النشء فمعروف، وأتذكر أثناء الحملة على الحجاب والنقاب أنه كانت بعض الجرائد تأتي بصور طفلات صغيرات محجبات، ثم تتكلم عن اغتيال براءة الطفولة، أي أن البنت الصغيرة حين تتحجب فهذا اغتيال لبراءة الطفولة، فلنتأمل من الذي يغتال براءة الطفولة ويسلب فطرتها؟!
إننا نعلم تأثير هذا الجهاز على هذه البراءة واغتيالها، وانتزاعه من الأبوين زمام التربية، فأخذت القيم التي تبثها الأسرة تذوى وتضمحل وتضمر لتحل محلها قيم تلفزيونية مشتقة من الأفلام والمسرحيات والتمثيليات، فشاع التحرر من القيود الأخلاقية، وظهر التمرد على الكبار، وانتشر ازدراء المعلمين واحتقار المدرسين والسخرية منهم، وصارت الاستقامة والطهارة أمراً يثير الضحك والاستهزاء والاستخفاف، وتشبع الأطفال بالروح الإجرامية والميول العدوانية.
وهنا نستدل بشاهد من أهلها، فهذا قاض فرنسي يعمل في ميدان الأحداث يقول: لا يخالجني أي تردد في أن لبعض الأفلام -خاصة الأفلام البوليسية المثيرة- معظم الأثر الضار على غالبية حالات الأحداث المنحرفين، وأننا لهذا لسنا بحاجة إلى البحث عن أسباب عميقة وراء السلوك الإجرامي عند هؤلاء الأطفال أو المراهقين.
يعني أنَّ السبب معروف.
وفي تجربة عملية عرض فيلم عنيف على مجموعة من الأطفال، ثم قدمت لهم دمى تشبه تلك التي عرضت في الفيلم، فعاملوها كما عاملها الممثلون فمزقوها إرباً إرباً.
ومعروف أن الاختبارات النفسية أحياناً تؤدى عن طريق اللعب أو الدمى.
وفي مرة أخرى قدمت هذه الدمى لأطفال لم يشاهدوا الفيلم فلم يعاملوها بعنف.
وهذا الأستاذ
مروان كجك له كتاب رائع اسمه (الأسرة المسلمة أمام الفيديو والتلفاز) استفدت كثيراً منه في هذا الموضوع، يقول: ما أكثر ما نرى ونسمع بين الحين والآخر أو نقرأ عن أطفال دفعتهم موحيات البرامج التلفزيونية إلى سلوك شائن مخيف، أو حملتهم على ارتكاب جريمة ظنوها ألعوبة من تلك الألعاب التي تظهر على الشاشة، وهي ليست في حقيقتها سوى دروس وتوجيهات تبذر الشر أو توقظه في نفوس هؤلاء الأطفال البرآء من قصد الجريمة، غير أن هذا لا يمنع أن يصبح ذلك أسلوباً وطريقاً لديهم يشبون عليه، بل قد يشيبون وهم يحملون قيمه بين جوانحهم وتؤكده فعالهم.
ويذكر
شارلز آر رايس أن أجهزة معينة تشجع المسلك الشيطاني للأطفال الذين يقلدون أفعال الشخصيات الروائية، ويذكر عادة لتعزيز هذا الاتهام حادث الطفل الذي شنق نفسه وسط كتبه الفكاهية، بنفس الطريقة التي وردت في الرواية، مقلداً سلوك الشخصية.
كذلك تذكر حادثة أخرى، وهي أن طفلاً أصيب أو قتل وهو يحاول أن يطير في الفضاء كما يفعل سوبر مان في الأفلام الكرتونية (الكتاب الفكاهي).
إذاً: هذا يذكرنا بما حدث منذ سنوات حينما قدم التلفاز شخصية بطل خارق غير طبيعي، فقام أحد الأطفال فطار من شرفة منزله في مصر محاولاً تقليد هذا البطل العجيب فأودى بحياته.
ويذكر الباحثون المتخصصون أمثلة أخرجها الواقع لا التخمين لتأييد هذه الحقيقة، وهؤلاء الباحثون ينقلون كثيراً جداً عن كتاب (أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون) مترجم للعربية لمؤلف يدعى
جوري مندر كان له وظيفة عالمية مرموقة في أمريكا، ويحذر أشد التحذير من التلفاز.
من هذه الوقائع أنه كثر في حي معين في إحدى المدن حوادث إصابة الأطفال بجروح وكسور في مؤخرة الرأس، وحولت حالات متتابعة إلى المستشفى القريب، واسترعى هذا نظر الجهاز الطبي فيها، فأجرى بحثاً عاجلاً لمعرفة السبب، فظهر أن فيلماً معيناً شاهده الأطفال وتأثروا به، وفيه مشهد شاب قوي الجسم تعود أن ينتصر على زملائه بأن يطرح أحدهم أرضاً ثم يضرب مؤخرة الرأس في حافة رصيف فقام هؤلاء الأطفال يقلدون هذا المشهد.
وفي واشنطن قام أحد الصغار بسحب وقود سيارة جارهم وصبه عليه وهو نائم، ثم أشعل الثقاب ورماه على الجار الذي أخذ يركض والنار تلتهمه، وعمر هذا المجرم الصغير ست سنوات.
وفي (بوسطن) رسب طفل عمره تسع سنوات في معظم مواد الدراسة، فاقترح على والده أن يرسل صندوقاً من الحلوى المسمومة إلى المدرسة، وعندما استوضحه والده عن ذلك قال: إنه أخذ الفكرة من برنامج تلفزيوني.
وفي فرنسا أطلق طفل عمره خمس سنوات رصاصة على جار له عمره سبع سنوات، وأصابه إصابة خطيرة بعد أن رفض الأخير أن يعطيه قطعة من اللبان، وذكر في أقواله للشرطة أنه تعلم كيف يحشو بندقية والده عن طريق مشاهدة الأفلام في التلفزيون.
والحقيقة أن الأمثلة كثيرة جداً، سواء في بلادنا أو في غيرها، وليس هدفنا أن نفصل، لكن كلها تحوم حول هذا.
فمجموعة من الأطفال في مدرسة يرون جريمة ترتكب بطريقة معينة فيعتبرون ذلك نموذجاً مثالياً ويطبقونه في المدرسة.
وهنا قصة، وهي أن مدرسة
أبي بكر الإعدادية بحلوان تعرضت خلال الليل لتسلل من عدة أشخاص، وقاموا بأعمال تخريبية، إذ حطموا الدواليب والخزائن التي تضم أوراق ومستندات تلاميذ المدرسة، وكذلك أتلفوا في الأوراق والكتب والملفات والشهادات، وتركوا ورقة صغيرة كتبوا عليها عبارة صبيانية تقول: البرادع
-
دور التلفاز في تخريب الأسر وتفككها ووسائله في ذلك
روى الإمام
مسلم في صحيحه بسنده عن
جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول: مازلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا. فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئاً. ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله -يعني: حتى طلق امرأته- قال: فيقربه ويدنيه ويقول: نعم أنت)
وعن
أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (
من أفسد امرأة على زوجها فليس منا).
وعن
بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (
ومن خبب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا) (خبب) أي: أفسد الزوجة على زوجها.
أما تطبيق هذا الكلام على التلفاز وتوأمه الفيديو في تمزيق الحياة الزوجية فله وسائل متعددة:
الوسيلة الأولى: أنه قد يدفع الزوجة دفعاً إلى أن تقارن بين بيتها المتواضع وبين تلك القصور الفارهة والبيوت الواسعة والفرش الوثيرة والثروات النفيسة والملابس الفخمة، وما أدراك ما الملابس عند أولئك النساء! ثم توازن بين مستواها المعيشي المحدود وبين ما تراه على شاشة التلفاز من خدم وحشم وما لذ وطاب من ألوان الطعام والشراب، فتتأفف من حالها، وتزدري نعمة الله عليها، ثم تجحد فضل زوجها عليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (
لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه).
وقال صلى الله عليه وسلم للنساء يوماً: (
إياكن وكفر المنعمين. فقالت أسماء بنت زيد رضي الله عنها: يا رسول الله! وما كفر المنعمين؟ فقال: لعل إحداكن تطول أيمتها من أبويها -يعني: تبقى بدون زوج مدة طويلة عند أبويها- ثم يرزقها الله زوجاً ويرزقها منه ولداً، فتغضب الغضبة فتكفر، فتقول: ما رأيت منك خيراً قط) وهذا هو كفران العشير الذي تُوعدن عليه بالنار، فقد يدفعها ما تراه إلى أن تطالبه بما هو فوق طاقته فترهقه من أمره عسراً.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (
إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب ما تكلف امرأة الغني).
وتنسى المسكينة التي تتعرض لهذا الإغراء التلفزيوني، فيحصل نوع من التقمص أو الاندماج مع الشيء الذي تراه، بحيث تصدق في الحقيقة، وهي لا تتفطن إلى أن هذا عبارة عن خيال لا ظل له من الحقيقة، فما هو إلا تمثيل، وما هذه الفخامة والأبهة إلا صالات يستأجرها المنتجون لتصوير الأفلام والمسلسلات فيها، وليست بيوتاً حقيقية، وما هي إلا أثاثات استأجروها من محلات الأثاث أو الملابس وكذا.
الوسيلة الثانية في إفساد ما بين الرجل وامرأته: أن الرجل إذا رأى النساء كلهن محجبات مستورات ولم ير في التلفزيون ولا في الشارع ولا في العمل النسوة المتفرغات للتبرج بهذه الصورة الشنيعة فلاشك أنه سيقنع بزوجته ويرضى بما كتب الله له، فإذا كان يتطلع باستمرار إلى من هي أجمل فهذا -بلا شك- يزهده في امرأته ويجعله لا يغض البصر عما حرم الله إن لم يكن عنده خوف وورع من الله سبحانه وتعالى.
الوسيلة الثالثة من وسائل الإفساد بين الرجل وامرأته: إبراز الزوجة التلفزيونية في صورة هي غاية في الرقة واللطف في معاملة زوجها، وكذلك إبراز هذا الزوج التلفزيوني في صورة العاشق الموله بزوجته التلفزيونية، المتزلف لديها بكل ما يرضيها، فتنبعث مشاعر التألم والحسرة في قلب الزوج المشاهد، وهو يرى زوجته منهمكة في خدمة البيت والأولاد، وتثور مشاعر الحرمان في قلب الزوجة المشاهدة وهي ترى زوجها المكافح منهمكاً في السعي وراء الرزق الحلال، مطحوناً في أتون مسئوليته نحو بيته وأولاده، وقد شغل حتى عن نفسه، وينسى الاثنان أن الأمر لا يعدو أن يكون تمثيلاً خيالياً، وأن هؤلاء الممثلين والممثلات متفرغون لمهنة التمثيل، ومحترفون لهذا النوع من التزوير، وأنهم في الحقيقة وفي الأعم الأغلب لا يعرفون حياة الأسرة ولا قيمها، وإنما يتقنون تمثيلها فقط، ولا يخفى على أحد أن هذا الذي يسمى بالوسط الفني يعتبر أكثر طبقات المجتمع شقاء وتفككاً وتعرضاً للأمراض النفسية والجسمية، فضحكات أهله صناعة، وبسماتهم أوامر من المخرجين، وأزياؤهم ملك لشركات الإنتاج.
الوسيلة الرابعة من وسائل إفساد ما بين المرء وزوجه: أن برامج التلفاز والفيديو يقوم بأدائها رجال ونساء، وهم بواسطة ما يسمى بالمكياج يبدون في أشد مظاهر الفتنة، ولابد للمشاهد الرجل من أن يتأثر بدرجة ما بالمذيعة أو الممثلة أو المطربة، ولابد للمرأة التي تشاهد الفيديو أو التلفزيون من التأثر بدرجة ما بنفس الطريقة، ومن أراد أن ينفي هذا الأمر فإنما هو مكابر مغالط، أو أنه غير سوي جسدياً أو نفسياً أو عقلياً، ومثل هؤلاء لا يعول عليهم ولا يعتد بآرائهم.
يقول بعض الفضلاء في صيف إحدى السنوات: عندما كنت أقيم في إحدى المدن كان يزورنا أحد الأصدقاء لمشاهدة التلفزيون وهو متزوج وله أولاد، وفي إحدى المرات كان يرنو إلى المذيعة التي كانت تختم البرامج، فحدق فيها طويلاً واتجه إلينا قائلاً: بالله عليكم أهذه -يعني: زوجته- امرأة؟!
فهذا أثر طبيعي لا افتراء فيه، وهذا واقع.
وقد حكى الشيخ
محمد الزمزمي في كتابه: (المرأة العصرية) أن امرأة لما خرجت من السينما قالت لمن معها من النساء: كيف يمكنني أن أرجع إلى ذلك الوجه الكئيب -تقصد زوجها- بعد رؤية هذه الوجوه التي نراها في شاشة السينما؟! إلى غير ذلك من الكلام الذي ذكرته.
-
حكم مشاهدة الفيديو والتلفاز
على أي حال نستطيع على هذا الأساس أن نجزم بأن العلاقة بين المشاهدين وبين الفيديو والتلفاز هي علاقة آثمة في كثير من صورها، ما ينفي هذا إلا مكابر أو مغالط، هي علاقة معصية وعلاقة ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم بزنا العين، وإن كل مشاهد شجاع يستطيع أن يكون صريحاً مع نفسه ويعترف بهذه الحقيقة، وأنه يعلم أقل شيء أنه سيقع في خائنة الأعين بالنظر إلى ما حرم الله النظر إليه، وما تخفي صدورهم أكبر.
فأين هؤلاء من قوله تبارك وتعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] إلى قوله عز وجل: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] إلى آخر الآية؟!
أين هم من مجتمع الصحابة الأبرار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه؟ مجتمع الطهارة والنقاء والعفة! مجتمع لم يكن للرجال سبيل إلى النظر إلى النساء إلا بنظرة الفجأة؟!!
عن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري)، فأين نظر الفجأة من نظرة العمد؟! وأين رؤية الوجه من رؤية ما عداه مما حرم الله كشفه؟!
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها).
يعني: نهى المرأة أن تجلس مع المرأة غير متسترة.
إذاً: على المرأة أن تجلس مع أختها بثياب المهنة التي تجلس بها في البيت؛ حتى لا تخرج هذه الأخت إلى زوجها أو أخيها وتصف هذه المرأة وتقول: شعرها كذا وجهها كذا وشكلها كذا، فمن شدة الوصف كأنه ينظر إليها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.