إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (87) - النوع الثامن والسبعون في معرفة شروط المفسر وآدابه [8]

عرض كتاب الإتقان (87) - النوع الثامن والسبعون في معرفة شروط المفسر وآدابه [8]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ممن اشتهر بالتفسير الإشاري الصوفية، وأول كتاب لهم هو كتاب أبي عبد الرحمن السلمي، والقاعدة العامة في التفسير الإشاري هي: إن كان المعنى في ذاته باطلاً فيرد إجمالاً، وإن كان المعنى في ذاته صحيحاً لكن ليس له ارتباط بالآية فيقبل من حيث هو كلام لا أنه تفسير للآية.

    1.   

    معرفة التفاسير الواردة عن الصحابة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    لا نزال في النوع الثامن والسبعين من كتاب الإتقان للإمام السيوطي رحمه الله تعالى، وقد وقفنا عند التنبيه الذي أشار إليه فيما يتعلق بقراءات الصحابة وتفسيراتهم، فنشرح هذا ثم ننتقل للفقرة التي بعدها.

    يقول الإمام السيوطي رحمه الله تعالى: [من المهم: معرفة التفاسير الواردة عن الصحابة بحسب قراءة مخصوصة، وذلك أنه قد يرد عنهم تفسيران في الآية الواحدة مختلفتان، فيظن اختلافًا وليس باختلاف، وإنما كل تفسير على قراءة].

    أهمية النظر إلى التفاسير المبنية على قراءة معينة

    هذه قاعدة مهمة ونفيسة، فيها أولًا جانب مهم جدًا ننتبه له، وهو تنزيل تفسيرات السلف على القراءة المناسبة لها، سواء كانت القراءة متواترة أم شاذة؛ ولهذا أقول: إن هذا المبحث مبحث صالح للدراسة المستقلة.

    والمراد بالتفاسير: التفاسير المبنية على قراءة مخصوصة؛ لأنه تأتينا الرواية عن السلف والواحد منهم قد تكون قراءته غير قراءة حفص المشهورة عندنا، فلا ينتبه الناقل لهذا، فيظن أنه يشرح قراءة حفص وهو يشرح قراءة أخرى، وستأتي أمثلة في ذلك.

    نلاحظ مثلًا: الآية التي ذكرها، في قوله: لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا [الحجر:15]، وفي قراءة: (سُكِرت أبصارنا)، وفي كلتا القراءتين أوجه من المعاني، لكن هو ذكر هنا أنه ورد من طرق عن ابن عباس : أنها بمعنى: سُدت، ومن طرق أنها بمعنى: أُخذت، ومعنى ذلك: أنه لا يفسر قراءة واحدة، وإنما مرة فسر قراءة، ومرة فسر قراءة أخرى.

    ثم أورد عن قتادة نقلًا نفيسًا وهو قول قتادة : [من قرأ (سُكّرت) مشددة -في الطبري مثقلة- فإنما يعني: سُدّت، ومن قرأ (سُكِرت) مخففة فإنه يعني: (سُحِرت_، فإذاً قتادة هنا نص في توجيه القراءات على التفريق.

    كذلك زر بن حبيش في قوله: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24]، فقد وجه القراءتين معًا.

    فالمقصد من هذا: أننا حينما نرجع إلى تفسير السلف، سنجد أن بعضهم يفسر القراءة، فنحتاج أن ننزل المعنى على القراءة المناسبة، خصوصًا إذا علمنا القراءة التي يقرأ بها.

    أمثلة على اختلاف التفاسير باختلاف القراءات

    المثال على ذلك: مجاهد قرأ من طريق المكيين، ففي قراءة ابن كثير فقرأ قوله: (وأحيطَ بثُمُرِه)، (وكان له ثُمُر) والثُّمر: هو المال المثمر، بمعنى: أنه يطلق على البنيان وعلى البضائع وغيرها، ويسميها ثُمراً، والثَّمَر هو ثَمر الشجر، فمن قرأ: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ [الكهف:34]، فالمراد ثمر الشجر، ومن قرأ (ثُمُر) فالمراد المال المثمر، فلا يصح أن نرجع إلى تفسير مجاهد ونقول: إن مجاهدًا ، يفسر (ثَمر) بالمال المثمر؛ لأن قراءته هي (ثُمر)، بل ينزل التفسير على القراءة، وقس على ذلك غيرها.

    ثم أورد أيضًا في قوله: سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ [إبراهيم:50] عن الحسن : أنه الذي يهنأ به الإبل، فيكون القطران المعروف.

    أيضًا أورد من طرق أخرى عنه أنه قال: النحاس المذاب، ولو طلعت أنت على هذا فستقول بأنهما تفسيران لقوله: (قطران)، وليس كذلك.

    بل النحاس المذاب: هو تفسير لقراءة شاذة، (قطرٍ) بمعنى: آن، وآن بمعنى: حار مذاب، فيكون (قطر) -الذي هو النحاس- (آن) بمعنى: حار مذاب، فصار هذا تنزيلاً على قراءة.

    ولهذا أقول: إن هذه المسألة فيها لطافة ودقة، وتحتاج منا إلى أن نعرف التفسير وننزله على القراءة المناسبة له، وهنا وردت فائدة عن الشافعي ذكرها البويطي في مختصره قال: لا يحل تفسير المتشابه إلا بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو خبر عن أحد من أصحابه، أو إجماع العلماء، قال: هذا نصه.

    عد اختلاف القراءات من أسباب اختلاف المفسرين

    وهناك تنبيه آخر نبه عليه السيوطي رحمه الله تعالى وهو: أن الاختلاف في توجيه القراءات ليس من باب الاختلاف في التفسير. بمعنى: ما تأتي إلى قوله: إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا [الحجر:15]، وتقول: (سكرت) اختلف المفسرون، فبعضهم قال: سُدّت، وبعضهم قال: أُخِذت؛ لأن من قال: سُدّت فسر (سكّرت) ومن قال: أخذت فسر (سكِرت)، إذاً هذا يفسر قراءة، وهذا يفسر قراءة، فهما بمثابة الآيتين.

    ولهذا من عدّ هذا من أسباب خلاف المفسرين فإنه غير صواب، وقد ذكرته قديمًا في كتاب فصول في أصول التفسير، ولكني الآن أذكره؛ لأن هذا من الخطأ الذي وقعت فيه، بناءً على ذكر بعض من سبقني له في هذا، حيث عده من باب اختلاف المفسرين؛ لأن المفسرين لم يختلفوا في لفظة، بل هذا بمثابة الآيتين، لكن لو جئنا إلى (سكّرت) ووقع في معناها خلاف بينهم، فنقول: نعم، هذا يدخل في باب اختلاف المفسرين؛ لأنه اختلاف في مدلول لفظة، أما لفظة (سكّرت، ولفظة: سكِرت) فاختلفت اللفظة واختلف معها المدلول، فصارت هذه قراءة، وهذه قراءة، والقراءات بمثابة الآيات، واضح الآن الفكرة، هذه أيضًا فائدة يمكن أن نستفيدها من كلام السيوطي رحمه الله تعالى.

    نرجع إلى كلام الإمام الشافعي ، الإمام الشافعي يقول: لا يحل تفسير المتشابه إلا بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو خبر عن أحد من الصحابة أو إجماع العلماء، مثل هذه العبارات المجملة التي ترد عن أمثال هؤلاء الكرام، يقع إشكال كثير جدًا في فهمها بسبب أنه كلام مقتطع، قد يكون مقتطعاً من سياق أو قد يكون قيل دون أن يكون له تمثيل، فما هو المتشابه الذي يشير إليه الشافعي ؛ لأن المتشابه كثير جدًا، خصوصًا إذا قلنا: بالمتشابه النسبي، فهذا كثير؛ لأن الذي يتشابه عند فلان، قد يكون معلومًا عند غيره، والذي تشابه عند غيره قد يكون معلومًا عنده، لكن كونه يكون بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أيضًا يحتاج إلى من يكون عنده فقه في ربط سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات، وسبق أن نبهنا إلى أن هذا من باب الاجتهاد، وما دام من باب الاجتهاد فقد يوفق المجتهد في ربط حديث ما بآية ما، وقد لا يوفق، أما الخبر عن أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم فهذا إن نص على أن هذا هو المراد، وهو المعنى دون غيره، فنعم: يمكن أن يحتكم إليه نقول له: لا يقول الصحابي مثل هذا إلا بنص، وإما إن كان قولًا محتملًا، وقد يكون غيره قال غير هذا، خاصة إذا كان من باب الاجتهاد، فالمسألة فيها منازعة معروفة وطويلة، أما إجماع العلماء فهذا إن ثبت انتهى، ولكن أنا قصدت أن هذه الفائدة مع ذكره لها فائدة مجتزأة، صعب الاستفادة منها إلا حين تذكر في سياق أو أن تكون لها أمثلة.

    التفسير الإشاري عند الصوفية

    ندخل إلى مسألة مهمة ونقف عندها، ثم ننتهي إلى تفسير الإمام الطبري رحمه الله تعالى، وهي كلام الصوفية في القرآن، الذي صار ويصطلح عليه بالتفسير الإشاري، لما نتكلم عن هذا الموضوع، لا أشك أن كل واحد منا قد يكون عنده في ذهنه حكم مسبق، مثل هذا النوع من التفسير، إن سميناه تفسيرًا، أو هذا النوع من ربط كلام هؤلاء الصوفية بالآيات.

    وهذا الحكم المسبق سيكون مبنيًا على حكمك أنت على الصوفية أصلًا، ولهذا أقول: إن الأحكام المسبقة المجملة هذه ليست دقيقة وليست من باب العدل، ومن أراد أن يحكم على شيء فإنه يحتاج إلى أن يستقرأه ليخرج بحكم واضح.

    ولهذا نجد مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى لما تكلم عن كلام الصوفية في القرآن، خاصة في كتاب حقائق التفسير لـأبي عبد الرحمن السلمي نبه على أن هذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: المنقولات التي فيه، وفي منقولات مكذوبة على أصحابها، خصوصًا ما ينقل عن جعفر الصادق ، وفي منقولات ثابتة عن أصحابها، وهذا الثابت عن أصحابه منه ما هو حق، ومنه ما هو باطل، ولهذا نحن نحتاج إلى أن نتأمل مثل هذه المسائل بهذه الطريقة فلا يحكم الإنسان إلا بعد القراءة والاستقراء، وكلام الصوفية متنوع جدًا، إذا أردنا أن نأخذ جميع طبقات الصوفية، من الصوفية العباد والزهاد، والذين سلكوا مسالك الزهد والعبادة على طريقة ما، مثل الجنيد و إبراهيم بن أدهم وغيرهم، وعندنا صوفية متأخرون الذين دخلوا في الحلول والاتحاد، والصوفية الفلسفية، فهذا مجال آخر أيضًا فكل مجموعة من هؤلاء إذا أردنا أن نحكم نحكم عليها بخصوصها، ونحكم عليها من خلال كلامها، لكن إذا جعلنا مثل كتاب الإمام القشيري وكتاب أبي عبد الرحمن السلمي وأمثال هؤلاء من الفضلاء، الذين نقلوا عن الجنيد وعن غيرهم، فحكمنا على هذا النوع بين أيدينا المنقول، أما إذا دخلنا إلى بعض المنقولات الفلسفية عن هؤلاء فهذه قضية أخرى نحتاج فيها إلى نظر آخر فيما يتعلق بالحكم على الصوفية، ولهذا أقول: الكلام على هذا الموضوع بعمومه لا يصلح، بل هو يحتاج إلى أن يقسم وأن ينظر إلى كل كتاب بعينه، أو أن ينظر إلى كل مجموعة بعينها، ولا يحكم على الأمر بعمومه.

    قاعدة في التفسير الإشاري

    ولهذا أقول: نحتاج إلى وضع قاعدة، وقد ذكرتها في بعض كتبي، أذكرها الآن، وهي مرتبطة سواء بكلام الصوفية أو غيره، أي كلام يدرس ضمن آية من الآيات فإنه لا يخلو هذا الكلام من حالين: أن يكون باطلًا في ذاته، أو أن يكون حقًا في ذاته؛ لأننا ننظر إلى الكلام من حيث هو كلام بغض النظر عن ربطه، لكن نحن نتكلم إذا ربط بالآية، إذا كان باطلًا في ذاته فإنه لا يمكن أن يدل عليه القرآن بحال؛ لأن القرآن لا يدل على باطل، وهناك جزء كبير وليس قليلاً من كلام الصوفية بطبقاتهم التي ذكرتها يندرج تحت هذا النوع، فيكون كلاماً باطلاً في ذاته، مثل الإشارات التي يشير بعضهم إلى الاتحاد، أو إلى الحلول من الآيات، والاتحاد والحلول بذاته باطل، والقرآن لا يدل عليه، وقد ذكرت مثالًا آخر في قضية بعض المتصوفة ذكرهم القرطبي أنهم استدلوا بقوله سبحانه وتعالى: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ[ص:42] أن هذا دليل على جواز الرقص، ثم تجد أن بعض الصوفية يمتهن هذا وتجده يرقص على دقات الطبول، وعلى ما يسمى بالغناء، والشعر الإلهي وغيرها، وعندهم في هذا مذاهب، ويستدل بمثل هذه الآية، فالكلام الآن قبل الاستدلال عن قضية جواز الرقص، فإذا كان الرقص باطلًا لا يجوز للرجال، ولا عهد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عهد على أحد من أصحابه، ولا على أحد من السلف المعتبرين، فلا شك أن هذا باطل في ذاته، فحمل الآية عليه قطعًا هو باطل.

    القسم الثاني: وهو أن يكون الكلام في ذاته حقًا، فهنا ننظر: هل بينه وبين الآية أي نوع من أنواع الارتباطات، سواء كان هذا الارتباط واضحًا وقويًا، أو كان خفيًا، أو كان ضعيفًا.

    المقصد من ذلك: على الأقل أن يكون هناك نوع من الارتباط، إذا كان هناك نوع من الارتباط، وصح هذا الارتباط فننظر: إن كان من باب بيان المعاني فهذا تفسير، وإن لم يكن من باب بيان المعاني فهذا نوع من الاستنباط أوقعه تدبر هذا المتدبر في كلام الله سبحانه وتعالى، خرج بهذا المعنى من خلال تدبره القائم على الاستنباط، قد يكون حقًا في ذاته، لكن القرآن لا يدل عليه، فنحن نقبله من حيث هو كلام، ونرفض ربطه بالقرآن، ونقول: هذا ربطه بالقرآن أو أن القرآن يدل عليه ليس بصحيح، وأيضًا ذكر القرطبي رحمه الله تعالى، وهو ممن كان يعترض على الصوفية في كثير من أمثلتهم، ذكر أن بعضهم وهو يتكلم على قول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ[البقرة:249]، يتكلم عن هذا النهر الذي كان بين يدي بني إسرائيل يقول عن النهر هذا: هذا مثل ضربه الله للدنيا، ثم ذكر أصناف الناس في الدنيا: الهالك فيها، والذي أخذ منها بعضًا، والذي زهد فيها، مع أن هذه الآية ليست مثلًا للدنيا، ولا هي قريبة من هذا.

    فربطه أو جعل هذا التفسير أو هذا المعنى مرتبطًا بالآية من هذا الوجه لا شك أنه ليس بصحيح، مع أن كلامه من حيث هو مستقلًا، يعني: لو وقف واعظ وقال: أيها الناس إن هذه الدنيا كنهر، وإن الناس فيها أجناس ثلاثة، ثم بدأ يفصل، فهذا الكلام مقبول من حيث هو؛ لأنه ليس في كلام باطل وهو صحيح، لكن أن نقول: إن الآية التي في سورة البقرة يراد منها هذا، فهذا ليس بصحيح.

    يأتي عندنا النوع الثالث الذي هو الاستنباط الصحيح، وهذا أيضًا كثير، ويقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية : إن هذا النوع من الاعتبارات والإشارات إذا صح فإنه مثل استدلالات الفقهاء؛ لأنه مبني على الاستدلال والتدبر والاستنباط، فإذا كان صحيحًا قُبل، وأمثلته كما قلنا كثيرة، منها قوله سبحانه وتعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ[الواقعة:79]، ذكر أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية وكذا غيره أن القرآن لا يخالط معانيه إلا من كان طاهر القلب، يعني: لا يتأثر به التأثر التام إلا من كان طاهر القلب، فهذا معنى إشاري، الآية ما دلت عليه مباشرة، وهو معنى صحيح، وجعلوه من إشارات الآية.

    فإذاً: المقصد من هذا: أننا حينما نتأمل هذه النصوص الواردة فإننا ننظر وأول ما ننظر هل هذا الكلام من حيث هو صحيح أو باطل؟ إن كان باطلاً فقد كفينا أمره من أول الطريق، وإن كان صحيحًا في ذاته فننظر إلى الربط، هل الآية تدل عليه بأي وجه من الوجوه؟ فإن دلت عليه بأي وجه من الوجه قُبِل إذا كان استنباطًا حسنًا، وإلا اعترض على ربطه بالآية فقط.

    تداعي المعاني

    أذكر مثالًا ينبغي التنبه له: لأنه نوع من الأنواع التي يستخدمها الصوفية وهو الذي يسمى عن بعض علماء النفس: تداعي المعاني، يأتي بعض المتصوفة إلى آية تذكر حدثًا ما، فيأتي بحدث مشابه لما في الآية من باب المشابهة والمشاكلة، وليس قصده أن هذه الآية تدل على هذا المعنى مباشرة.

    مثال ذلك: سهل بن عبد الله التستري في قوله سبحانه وتعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ[الحشر:2]، يقول أهل البدع: يخربون قلوبهم ببدعهم، مع أن الآية لا علاقة بأهل البدع لا من قريب ولا من بعيد، لكن الحالة التي حدثت من بني النضير في بيوتهم، هو يقول: تشبه الحالة التي تحدث عند صاحب البدعة في قلبه الذي جعله بيتًا.

    أيضًا هذا النوع كثير عند المتصوفة، لكن لا يسمى تفسيرًا، ولا يدخل من باب التفسير، ولا هو أيضًا من أنواع الاستنباطات التي ذكرناها قبل قليل، بل هو مجرد ما يمكن أن نسميه بتداعي المعاني: مشابهات في الصور أو في الأشياء المذكورة، وهذا موجود عند بعض المتصوفة .

    ويقع الإشكال مع هؤلاء حينما يجعلون كلامهم معتبرًا، وأنه مرادًا إرادة ذاتية، فإذا وقع منهم مثل هذا، -فلا شك.. خاصة ونحن نتكلم عن النوع الذي يمكن قبوله- فإذا وقع مثل هذا فنقول: إن هذا هو الذي ينازع فيه في كونه هو المراد، لكن لو أنت قرأت مثلاً كتاب القشيري الذي هو لطائف الإشارات، أو حقائق التفسير لـأبي عبد الرحمن السلمي ، خاصة كتاب حقائق التفسير، فإنك ستجد أمثلة كثيرة ممكن أن تبنيها على هذه التي ذكرتها.

    ثم ذكر في هذا الباب الذي هو ما يتعلق بتفسير الصوفية نقولات، منها: النقل الموجود عن الواحدي ، و الواحدي كان قريبًا من أبي عبد الرحمن السلمي ؛ لأن أبا عبد الرحمن السلمي من شيوخ شيوخه.

    فأبو عبد الرحمن السلمي كتابه استفاد منه الثعلبي ، و الواحدي استفاد من كتاب الثعلبي الذي هو الكشف والبيان، وكان شديدًا في كلامه؛ لأنه يقول عن كتاب أبي عبد الرحمن بالذات قال: إن كان اعتقد أن ذلك تفسيراً فقد كفر، هذا يقوله الواحدي في أبي عبد الرحمن السلمي ، وهذه كلمة مشهورة عن الواحدي .

    وابن الصلاح له كلام أيضًا جميل في هذا، لما سئل عن هذه المسألة؟ عن تفاسير الصوفية ، فقال: أنا أقول: الظن بمن يوثق به منهم وذكر الجنيد وغيره، إذا قال شيئًا من ذلك: أنهم لم يذكروه تفسريًا، ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية. ثم قال: وإنما ذلك منهم لنظير ما ورد به القرآن، فإن النظير يذكر بالنظير ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك لما فيه من الإيهام والإلباس، أو الإبهام والإلباس.. يعني: قرئت هذه العباة كذا وكذا، في فتاوى ابن الصلاح .

    وكلامه أيضًا صحيح؛ لأننا لسنا بحاجة إلى هذا التكلف الموجود في هذه التفاسير، ومع ذلك نعلم أن بعضها حق.

    ولهذا إذا تأملت كثيرًا من التربويين، والإدرايين، وبعض الوعاظ، وغيرهم إذا تأملتهم وهم يريدون أن يستدلوا بالآيات على بعض ما يستدلون به، فإنهم في الحقيقة يتعاطون هذا النوع من الأسلوب الموجود عند الصوفية شعروا أو لم يشعروا، ولهذا نقول: لا بد من العدل في مثل هذه الأمور، والأمثلة المعاصرة موجودة وواضحة جدًا.

    الفرق بين الاستنباط والمعاني

    التفسير الإشاري هو من باب الاستنباط، وباب الاستنباط واسع، أوسع من باب المعاني، مشكلة المعاني أنها محصورة ومحدودة، ليس مثل ما يقول بعضهم إن المعاني متسعة؛ لأن لغة العرب في النهاية: الكلمة الواحدة لها عشر معاني، ما يمكن أن تخترع معنىً زائداً، لكن الاستنباط مفتوح، يجب أن نفرق بين المعاني والاستنباطات، والتفسير الإشاري، وكذلك التفسير التي ذكرته لكم قبل قليل هو داخل في باب الاستنباط، فهذا المعنى الذي في باب الاستنباطات ننظر إليه أصلًا، هل هو حق أو ليس بحق، لكي نربطه بالآية، أما هناك فنتكلم في المعنى نفسه، فإذا كان المعنى باطلًا، مثل: من فسر الاستواء بالاستيلاء، المعنى باطل وليس واردًا في كلام العرب، والشعر المذكور فيه متكلم فيه، فهذا باطلًا من أصله، ولعله يصير واضح الفرق بينهما.

    كون المعنى الظاهر لسورة النصر مراداً

    هو السؤال الآن في مثل تفسير ابن عباس لسورة النصر وهذا المثال في الحقيقة من الأمثلة الصعبة، الذي هو أثر عمر و ابن عباس من الأمثلة الصعبة التي تحتاج في الحقيقة إلى نقاش ومدارسة، والسؤال: هل المعنى الظاهر الذي اعترض عليه عمر غير مراد؟ لأنه قال: ما أعلم منها إلا ما تقول.

    الجواب: هذا المعنى مراد، والدليل على أنه مراد: حديث عائشة رضي الله عنها: ( كان يتأول القرآن )، فإذاً: المعنى الظاهر هذا مراد، والمعنى الباطن: لا يخالف المعنى الظاهر وهو نوع من الاستدلال وهو صحيح، لكن لا يكون تفسيرًا، هو من باب الاستدلال والاستنباط، فهو استدل واستنبط من هذا الخطاب أنه تنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم على قرب وفاته صلى الله عليه وسلم.

    وقول عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول، مراده الآن الذي يظهر والله أعلم، السياق كله لو تأملته هو أراد أن يظهر علم ابن عباس ودقة فهم ابن عباس للآيات، فإذا أخذنا بهذا السياق فنقول: إن عمر أراد أن ينبههم أن هذا الظاهر الذي تكلمتم عنه معلوم، لكنه خفي عليكم شيء من معاني أو من استدلالات الآية لم تنتبهوا له، فإذا حملناه على هذا فلا يكون هناك إشكال، يعني: كأن عمر يقول: أنا أريد هذا المعنى الذي خفي عليكم، وإلا هذا المعنى أي عربي يسمعه يعرفه، بل أي سامع من أي لغة كان إذا نُقل له هذا الكلام العام الظاهر يعرفه، وإنما أنا أريد المعنى الخفي الذي لم تدركوه، وأدركه ابن عباس ، هذا الذي يبدو والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    كون فهم ابن عباس لسورة النصر من التفسير

    السؤال: [هل فهم ابن عباس المراد من سورة النصر يعد تفسيراً؟]

    الجواب: أنا عندي ليس من باب التفسير، إنما هو من باب الاستنباط، والتفسير هو الظاهر الذي عمل به الرسول صلى الله عليه وسلم وتأوله بفعله.

    كون ذكر أنواع الصبر وتقسيماته يعد تفسير لآية الصبر

    السؤال: [هل ذكر أنواع الصبر وتقسيماته يعد تفسيراً لآية الصبر؟]

    الجواب: هذا استخدمه المعاصرون كثيرًا، فيأتي بعض من يريد أن يكتب في مجلة أو جريدة أو غيره، يتكلم عن الصبر مثلًا، ويأتي إلى آية الصبر ويشرح معانيها، ثم يتكلم عن الصبر وأنواعه وأقسامه وفضائل الصبر وغيره، وهذا قطعاً ليس من باب التفسير، هذا نظر إلى موضوع الصبر وليس إلى تفسير الآية، والذي استدل بآيات أخرى وبأحاديث هذا لا يدخل قطعًا في باب التفسير.

    فالتفسير الموضوعي موضوعه آخر يطول، هذا جزء منه، لكن ليس هو كل شيء، هذا جزء مما يتعلق بالتفسير الموضوعي.

    حكم التفسير الإشاري

    السؤال: [هل التفسير الإشاري مذموم؟]

    الجواب: لا نقول التفسير الإشاري مذموم، وإنما ننظر إلى المعاني المذكورة فيه، فإن كانت باطلة فهي مذمومة، وإن كان الربط ليس صوابًا، فنقول: إن الربط خطأ والمعنى صحيح.

    ترك التفسير الإشاري من جهة ابن الصلاح

    السؤال: [ما هي العلة في كون الأفضل ترك التفسير الإشاري؟]

    الجواب: لأن الذين سلكوا مسلك المتصوفة صاروا يتعاملون مع القرآن بهذا الأسلوب، يعني: صار ديدنًا لهم ومنهجًا، فيقول: ليتهم ما فعلوه؛ لأنه فيه إيهاماً وإلباساً، هذا قصده، ولو رجعت مثلًا إلى كتاب أبي عبد الرحمن السلمي أو عطاء الإسكندري فستجد أمثلة من هذا كثيرة جدًا عندهم، فكأنه صار هدفاً مقصوداً من الأهداف التي يميل إليها ويكتب فيها، هذا قصده، وإلا كونه تمر من خلال آيات كثيرة جدًا لمفسر نظرة إشارية أو نظرتين ما يؤثر.

    لكن ابن الصلاح ممكن لكونه نظر إلى الربط الضعيف بين الكلام وبين الآية.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757257461