وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
وها نحن مع هذه الآيات من سورة الشورى، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى:36-41].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! يقول ربنا جل ذكره: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الشورى:36]، ما أوتيتم من مال وأولاد ونساء وعمارات وسيارات ومراكب؛ فوالله! ما هو إلا متاع الحياة الدنيا، أيام وينتهي صاحبه.
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الشورى:36]، يا معشر المشركين والكافرين والفاسقين والفاجرين المستكبرين عن دين الله المعرضين عنه! اعلموا أن ما أوتيتموه -والذي آتاكم إياه هو الله- ما هو إلا متاع تتمتعون به أياماً ثم يقال: مات فلان وترك كل شيء.
أجابنا تعالى بقوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا [الشورى:36] هذه صفة أولى، وهي تسع صفات، والله نسأل أن نكون متصفين بها كاملة.
الصفة الأولى: الإيمان، قالوا: آمنا بالله ولقائه، آمنا بالله وكتابه، آمنا بالله ورسوله، آمنا بالله ووعده ووعيده، آمنا بالله وقضائه وقدره، صادقون مصدقون لا يرتابون ولا يشكون.
وهنا ضابطة علمية: يقول أهل العلم: الكبائر التي جاء فيها الحد كالزنا والسرقة والقتل، والتي لعن الله فاعلها في كتابه عز وجل، والتي توعد الله فاعلها بالنارو هذه هي الكبائر، ومن أبشع الفواحش الزنا واللواط والعياذ بالله تعالى، ونبرأ إلى الله من ذلك.
وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37] لمن أغضبهم بأن سب أو شتم أو ضرب، حتى الضربة من المؤمنين الفاسقين، لا من الكافرين.
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37] تلك الزلة ولا يؤاخذون بها صاحبها، فإن شتمك فقل: يرحمك الله، وإن سبك فقل: غفر الله لك؛ لأنه جاهل من إخوانك المؤمنين ما عرف فلا تؤاخذه.
إن أمر بشيء فعلوه، وإن نهى عن شيء تركوه، والله! لهذه الاستجابة، استجابوا لربهم إذا دعاهم إلى فعل شيء ففعلوا، دعاهم إلى ترك شيء فتركوا، استجابوا لمن؟ لخالقهم ورازقهم، لإلههم لربهم لمالك أمرهم، فما معنى استجابوا؟
أي: قبلوا: أمرهم بشيء ففعلوه، نهاهم عن شيء فتركوه، هذه هي الاستجابة.
والمراد من الصلاة: الصلوات الخمس: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، أقاموها فما فرطوا فيها، ما أضاعوها، ما عبثوا فيها، أدوها على الوجه المطلوب الذي يزكي النفس ويطهرها.
ومع الأسف ما بقي من يشير ويستشير إلا من رحم الله، أردنا أن نفعل شيئاً في قريتنا، في حينا، في مسجدنا فنجتمع ونتداول القضية فهذا يقول كذا وهذا يقول كذا، ونأخذ بما هو الأوفق والأرفق والأحسن، هذه صفات الربانين أهل الجنة.
وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38] ما يستبدون ولا يتحزبون ولا يتجمعون، ولكنهم إخوة في الله، كلمتهم واحدة وصراطهم المستقيم واحد وهو الإسلام.
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ [الشورى:39] ألا وهم الظلم، بغى عليه يبغي: إذا ظلمه في عرضه، في ماله، في بدنه، فينتصر ويهزم ذلك الذي بغى عليه وظلمه.
هذه تسع صفات، فهل نحن متصفون بها؟
قال تعالى: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الشورى:36] وأوساخها، لا قيمة له يا أيها الكافرون والمشركون، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ [الشورى:36] وهو الجنة وما فيها من نعيم مقيم خَيْرٌ وَأَبْقَى [الشورى:36] لمن؟ لأصحاب الصفات التسع، لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى:36-39] اللهم اجعلنا منهم.
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] هو الذي يجزيه على ذلك السكوت والرضا وعدم المؤاخذة؛ وذلك لأن الله لا يحب الظالمين: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40]، نبرأ إلى الله من الظلم وأهله، وأفظع أنواع الظلم الشرك والعياذ بالله تعالى، ومن أنواع الظلم ظلم النفس بصب الذنوب والآثام عليها حتى تصبح منتنة عفنة، من أنواع الظلم ظلم الإنسان لأخيه، ظلم الإنسان بالباطل بالاعتداء عليه، بأخذ ماله أو ضرب جسمه أو انتهاك عرضه.
فهذا كلام من يرحمكم الله؟ هذا كلام الله، هذا هو القرآن العظيم، فهل هذا يدرس أو يقرأ على الموتى؟ ماذا يستفيد الموتى بقراءته عليهم؟ لم ما نقرأ في بيوتنا وبيوت ربنا، وحيث اجتمعنا نقول لأحدنا: اقرأ علينا آية من كتاب الله، أسمعنا آية من كتاب الله؟ فهذا رسول الله يقول لـعبد الله بن مسعود : أسمعني شيئاً من كلام الله، فيقول: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ( إني أحب أن أسمعه من غيري ).
والله! لا سبيل إلى نجاتنا وخلاصنا من محننا وذلنا ودوننا إلا أن نعود إلى كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فنجتمع كل ليلة في حينا، في قريتنا، نصلي المغرب ونجلس على آية أو حديث إلى أن نصلي العشاء طول العام ولا يتخلف مواطن أبداً إلا مريض أو ممرض له فقط، والنساء الحيض نجعل لهن ستارة عند باب المسجد، ونضع مكبر الصوت عندهن، ولا يحرم مواطن لا ذكر ولا أنثى، لا كبير ولا صغير أبداً، هذا نظام حياتنا من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء على كتاب الله وهدي رسوله طول العام وطول الحياة، وقد سبقنا لهذا رسول الله وأصحابه، يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.
معشر المستمعين! لنأخذ بهذا عل الله ينقذنا مما نحن فيه.
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: متاع الحياة الدنيا إذا قوبل بما أعد الله للمؤمنين المتقين لا يعد شيئا يذكر أبداً ].
أي نعم. فمتاع الحياة الدنيا من الطعام، الشراب، اللباس، المراكب، الأولاد، النساء، السلطان.. كل هذا إذا قابلناه بما عند الله في الجنة لم يساو شيئاً، أما قال تعالى: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الشورى:36].
[ ثانياً: بيان أكمل الشخصيات الإسلامية، وهي الشخصية التي تتصف بالصفات العشر التي تضمنتها الآيات الأربع ].
بيان الشخصية الإسلامية الربانية التي نسأل الله أن نكون من أهلها، وهي التي اتصفت بعشر صفات كما قدمنا، وما تنازلت عن صفة.
[ ثالثاً: مشروعية القصاص وعقوبة الظالم ].
فالمحكمة إذا رفعت إليها قضية ظلم فلا بد أن تحكم على الظالم، فالسارق تقطع يده، القاتل يقتل، الزاني يرجم أو يجلد كما هو في كتاب الله، لا بد من هذا.
[ رابعاً: عدم مؤاخذة من ظلم فأخذ بحقه بلا زيادة عنه ما لم يكن حداً؛ فإن الحدود يقيمها الإمام ].
بيان أن من ظلم بين المؤمنين ظلماً ثم لم يعف عنه المظلوم وأخذ حقه منه فإنه يجوز، على شرط ألا يعتدي، ألا يتجاوز ما أُخذ منه، أخذ شاتك فتأخذ شاة، لم تأخذ شاتين؟ أخذ منك ديناراً فتأخذ منه ديناراً لا دينارين، وإن عفوت فذلك خير لك، وألا يكون حداً؛ فإن الحد يقيمه الإمام.
[ خامساً: فضيلة العفو على الإخوة المسلمين والإصلاح بينهم ]، فهذا ما ينبغي أن نكون عليه، نعفو ونحاول أن نصلح ولا نفسد بين المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر