يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون! عند بداية العام الدراسي نتحدث عن العلم والتعليم، وحديثنا حقيقةً هو عن التربية والتعليم، وقد أشرت فيما مضى إلى أهمية العلم، واقترانه في منهج القرآن الكريم ودعوة صفوة الخلق أجمعين بالتزكية، وطهارة القلوب، وزكاة النفوس، واستقامة السلوك، ولعلنا هنا نؤكد هذه المعاني، ونوضحها ونجليها، ونحن نوجه حديثنا إلى المعلمين والمعلمات والمسئولين والمسئولات في وزارة التربية والتعليم؛ لأننا ندفع إليهم فلذات أكبادنا، ويقضون في أروقة المدارس والمعاهد في وقت قد يكون أكثر من الوقت الذي يقضونه معنا.
ونحن نريد أن يعلموهم العلوم المختلفة، وأن يسلحوهم بسلاح العلم في هذا العصر، لكنني أوقن أننا جميعاً نعنى كذلك بالقدر نفسه بتربيتهم، وبتزكيتهم، وبتقويم سلوكهم، وبحسن أخلاقهم.
ونحن نعول على تلك المدارس وعلى أولئك المعلمين والمعلمات أن يساعدونا معاشر الآباء والأمهات في صياغة شخصية أبنائنا، وإخراجهم إلى هذا المجتمع أسوياء، أتقياء، أنقياء، بعيدين عن طرفي التشدد والتسيب، بعيدين عن سلوك منحرف وخلق معوج.
ولا شك أننا عندما نجد في المعلم أو في المدرسة عناية بهذا الجانب نفرح به ونسعد، ونهش به ونستعد لأن نكمل دورنا ونقوم به، وإن وجدنا غير ذلك وجدنا المعاناة إذا نحن نقوم ونوجه، وربما لا نجد تعضيداً وتكاملاً من جهة المدرسة أو المعلم والمعلمة.
هذا الاسم: التربية والتعليم فيه تقديم التربية لبيان أهميتها، ومكانتها، ومنزلتها، بل وعظمتها وخطورتها، وإن عدم العناية بذلك الجانب لا يؤدي إلى المقاصد العظيمة التي ننشدها جميعاً لأبنائنا الذين هم أبناء اليوم وشباب الغد، ورجال المستقبل، وكلنا يدرك أن ذلك أيضاً لا يحقق الأهداف المنصوص عليها في سياسة التعليم، والتي تؤكد على صياغة الشخصية المؤمنة المسلمة، والتي تبرز أهمية السلوك والأخلاق في حياة الطلاب، ونحن ندرك ذلك، فنحن نعرف أن العلم معلومات ومهارات ووسائل واختبارات، لكن التربية هي نضج الفكر، واستقرار النفس، وحسن السلوك، فلا شك أن هذا له من العظمة ما لا يخفى.
وانتبهوا وتأملوا فيما جاء في كتاب الله عز وجل في الحظ والحث على العلم، إنه توجيه إلى العلم والمعرفة في الأمور الأساسية الكلية العقدية التصورية التي تغرس في القلب والنفس من المفاهيم والتوجهات ما هو كفيل باستقامة السلوك، وانتظام الأحوال، وربط الإنسان بين دنياه وأخراه، بين ما يعمله على هذه الحياة الدنيا، وما يعمله في تلك الحياة الأخرى، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194] أي: اعلموا علم معرفة بمعية الله وتأييده وتسديده لمن يستقيم ويخشاه ويعمل بأوامره ويجتنب نواهيه، وهذا علم مؤثر في القلب، ومحرك للنفس، وصائغ للسلوك، ومقوم للفكر، إنها معلومات ذات ترجمة عملية، قال عز وجل: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].
وانتبه إلى كثرة الآيات العاضدة لهذا المعنى كقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196] أي: اعلموا حقيقة علمية معرفية أن من صفات الله عز وجل شدة عقابه، لكنها ليس مرادة لتكون معلومة تحفظ ولا معرفةً تعرف، وإنما لتكون تأثيراً في كل شيء في الإنسان قلباً وروحاً ونفساً وفكراً وسلوكاً ومعاملة، وتلك هي الثمرة الحقيقية. قال عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223] تأمل هذا الربط الدائم بين التقوى والعلم!
وقال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] إنها حقيقة كل أهل الإيمان والإسلام يعرفونها، لكن التفاوت بينهم هو في مدى استقرارها في قلوبهم، وفي مدى تأثيرها في سلوكهم، وفي مدى توجيهها لأفكارهم.
قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223] أي: حتى يكون ذلك حافزاً لعملهم وإقبالهم على ربهم، وانتهاجهم للسبيل والطريق الموصل إلى رضاه، وذلكم هو ما ينبغي أن نتنبه له.
وقال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233]، وقال سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231]، يجب أن نعلم ذلك؛ ليستقر في قلوبنا اطلاعه علينا، ومراقبتنا له، وحياؤنا منه، وصدق توكلنا عليه، وعظمة إنابتنا إليه، إنها معرفة محركة، إنه علم مربٍ، إنه تغيير حقيقي يتناول الإنسان في أعماق نفسه وقلبه، وفكره وعقله، وسلوكه وعمله، ولو مضينا لوجدنا من ذلك كثيراً، ولقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العلم ترجمةًَ مهمة فقال: باب العلم قبل العمل؛ ترجم بهذا ليدل على أهمية العلم قبل العمل، وليدل على أن غاية العلم إنما هو العمل، واستشهد بقوله سبحانه وتعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19]، فقوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، هذا العلم وتلك المعرفة هي بداية الطريق، ثم ينتج عنها السلوك، وينتج عنها العمل: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، وتستقر حقائق الإيمان مؤثرة مغيرة في الواقع: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ).
وإذا نظرنا وجدنا ما يقابل ذلك، وجدنا كيف يكون حال العلم إن لم يورث سلوكاً مستقيماً وخلقاً قويماً، فأي شيء ينفع؟ إنه حينئذ يكون حجة على المرء وليس له، ويكون إثماً وليس أجراً؛ لأن العلم حجة على من علم؛ ولأن العلم إذا لم يخلص إلى النفس والقلب ويؤثر فيهما فإنه يكون عوناً لصاحبه -والعياذ بالله- على تسويغ المنكرات، وتحليل المحرمات، وتضليل الناس، والتلبيس عليهم بالشبهات؛ ولذا كانت فتنة العالم غير العامل عظيمةً في واقع الناس، ومن هنا حذر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين حين قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا قبض العلماء اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).
وتنبه إلى هذا الجانب في النداءات والآيات القرآنية! قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27] أي: كيف تقع منكم هذه الخيانة، مع علمكم بوحدانية الله، وحسن أسمائه، وكمال صفاته، وعظمته جل وعلا؟! وكيف يكون ذلك منكم وأنتم تؤمنون وتصدقون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتعرفون فضائله وشمائله عليه الصلاة والسلام، وتعلمون أوامره ونواهيه وهديه صلى الله عليه وسلم؟! وقوله تعالى: (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، أي: تعلمون ما كلفكم الله به، وتدركون وتوقنون ما هو الواجب المناط بكم، والأمانة المربوطة في أعناقكم، فكيف تكون حينئذ خيانتكم؟ وكيف يكون انحرافكم بعد علمكم؟ وأي شيء أقبح من هذا؟ وأي أمر تكون فيه الحجة أعظم من مثل هذا الصنيع؟ فهل نريد نحن لأنفسنا فضلاً عن أبنائنا في المعاهد والمدارس أن يعلموا علماً، ويكون سلوكهم مخالفاً له؟ أتدركون ما معنى هذا وما أثره؟ إن معناه: ألا يكون في قلوبهم توقير ولا تعظيم للأوامر والنواهي الربانية والنبوية، ومن باب أولى ألا يكون هناك تعظيم ولا توقير للأوامر والنواهي والتوجيهات الأبوية في البيوت.
وكلنا يحفظ ذلك الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان رديف المصطفى صلى الله عليه وسلم فالتفت إليه في كلمات حانية وتوجيهات مربية قائلاً: (يا غلام! إني أعلمك كلمات ..) إنه لم يرد عليه الصلاة والسلام ذلك التعليم الذي ينتهي أمره إلى الحفظ، ومآله إلى الكتابة في الاختبار، ومصيره إلى الكتب التي تلقى في صناديق النفايات، ولكنه أراد أن يحفظها في قلبه، وفي نفسه، وفي سلوكه، وفي كل جوانب حياته وتعاملاته.
ونحن نعلم تلك الوصية العظيمة، وذلك التوجيه والتعليم النبوي الإيماني التربوي الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) وذكر الوصايا العظيمة المعروفة.
إذاً: العلم أثره في السلوك عظيم، فكيف نجد من يضحك ملء شدقيه، ويأكل ملء ماضغيه، وينام ملء جفنيه، ويلهو ويلعب، ثم نقول: إنه عالم؟! فأين أثر علمه بأنه إنما يعيش في دار ممر لا مقر؟! وأين أثر علمه بأنه غريب عن هذه الحياة يوشك أن يرتحل؟! وأين أثر علمه بأن مآله إلى موت وقبر وظلمة ووحشة؟! وأين أثر علمه بأن بعد ذلك بعثاً وحشراً ونشوراً وحساباً وثواباً وعقاباً؟! إن العلم الحق هو الذي يستقر في القلب ويوجه الإنسان في كل جوانب حياته، وفي كل مكوناته من عقله وفكره وكلامه وجوارحه، وذلكم هو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلكم هو ما كان يحذر منه ويدعو بالبعد عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) رواه مسلم في صحيحه.
فعلينا أن نتأمل هذا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسأل الله عز وجل الوقاية من كل ما لا يثمر ثمرةً محمودة، ولا يؤدي إلى أثر إيجابي. وقد ضرب الله مثلاً لمن لم يعمل فقال: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5] ، وقال: كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ [الأعراف:176]، فمن هو الذي يريد أن يكون في موضع هذا المثل؟ نسأل الله عز وجل السلامة من ذلك، ونسأل الله لأبنائنا وبناتنا ومعلمينا ومعلماتنا ومسئولينا ومسئولاتنا أن يراعوا ذلك، وأن يتقوا الله في الأمانة التي في أعناقهم، إنها أمانة التربية قبل التعليم، فالتعليم يؤدي إلى تربية، والتربية مصدرها ومبناها هو جزء من أساسياتها في ذلك التعليم، وليس في التعليم الذي هو متعلق بكتاب الله أو بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كل العلوم قائدة إلى تعميق الإيمان وترسيخ اليقين، وكل العلوم فيها لفتات وتوجيهات وإرشادات ودلالات على عظمة الخالق وعلى عظمة ما جاء به منهجه وتشريعه، ألسنا اليوم نعلم ما هو معلوم من الإعجاز العلمي في كتاب الله وسنة رسوله؟!
ألسنا ندرك أن عظمة الخلق التي ندرسها في الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء إنما هي شواهد على عظمة الخالق وعلى دقة خلقه جل وعلا، وعظمة ذلك؟
أليس جديراً بنا أن نلفت نظر أبنائنا وبناتنا إلى ذلك؟
أليس من المطلوب أن نستل من ذلك ما فيه ومضات إيمان وإشراقات أخلاق وإرشادات سريعة عظيمة مؤثرة بليغة؟
ومن هنا فإن مهمة معلمينا ومعلماتنا لأبنائنا وبناتنا أن يدركوا ذلك، ولابد لهم من أمور:
الأمر الأول: أن يكونوا متفوقين على طلابهم ليس في العلم فحسب، بل في العلم والسلوك والأخلاق؛ لأنه لا يمكن أن يعطوا علماً ما لم يكونوا عالمين، ولا سلوكاً ولا خلقاً ما لم يكونوا مستقيمين.
الأمر الثاني: العناية بالزيادة والتنمية للعلم والمهارة والمعرفة.
الأمر الثالث: الحماية والوقاية من كل ما يناقض ذلك ويعارضه، فذلكم هو جوهر التربية، وذلكم هو جوهر المنهج القرآني والرباني.
فلماذا ندرسهم ذلك ثم نقول لهم: لا تتكلموا إلا في الفيزياء، ولا تتحدثوا إلا عن الكيمياء؟ فهم لا يدرسون في جامعاتهم هذه المواد إلا ليكون لها انعكاس وأثر في حسن معاملتهم لطلابهم.
وهنا صورة يرسمها بعض العلماء في مقالة طويلة أذكر بعض ومضات منها، يقول ابن القيم في صفة هذه النفس، واحتمالها لما أشارت إليه دلالات الآيات القرآنية للخير والشر، قال في قوله تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:7-8]: (في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وحيل أصحاب السبت...) ثم يذكر صوراً كثيرة يضيق المقام عن ذكرها، ثم شبه النفس ببعض صفات موجودة في البهائم، فقال: (وفيها من البهائم: حرص الغراب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وحقد الجمل، ومكر الثعلب...) إلى غير ذلك مما أورده، ثم قال: (فمن استرسل مع طبعه فإنه من هذا الجند، ولا تصلح سلعته لعقد: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111].
فما اشترى الله إلا نفساً هذبها الإيمان، وخرجت إلى بلد العابدين والتائبين، وذلك أمر مهم، كما ذكر ذلك ابن القيم أيضاً فقال: كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه؟ وولد لا يعذره؟ وصاحب لا ينصحه؟ وعدو لا ينصفه؟ وجار لا يأمنه؟ وشريك لا ينصفه؟ وعدو لا ينام عن عداوته؟ ونفس أمارة بالسوء؟ ودنيا متزينة؟ وهوىً مرد؟ وشهوة غالبة له؟ وغضب قاهر؟ وضعف مستول عليه؟).
وكل هذا موجود: النفس والهوى والشيطان، ثم نحن اليوم قد ابتلينا ببلايا عظيمة جاءتنا من هذه القنوات الفضائية والمقالات الإباحية والسلوكيات الانحرافية والضلالات العالمية التي أصبحت تغزو الناس في عقر بيوتهم، وبعد ذلك كله نقول: إن أمر التربية هين! وإن أمر العناية بها ليس في الدرجة الأولى! أو يقول بعض الناس: إنه ينبغي ألا نخوض فيها وألا نتعرض لها!
إن الأمر جد خطير، نسأل عز وجل أن يزكي نفوسنا، وأن يطهر قلوبنا، وأن يرشد عقولنا، وأن يهذب سلوكنا، وأن يصلح أعمالنا.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون!
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن أمر التربية والتعليم لأمر مهم يخصنا جميعاً، ويعنينا جميعاً؛ ولذا لابد أن نعتني به، ولابد أن نذهب إلى مدارس أبنائنا؛ لنحدث المعلمين والمدراء، ونطلب منهم أن يُعنوا بهذا الجانب تأكيداً وتعاوناً واشتراكاً بين المدرسة والبيت، فإن ثمرة ذلك استقامة الشباب والتضييق على الانحراف والشذوذ والخلل الذي قد يتسرب إلى عقولهم وأفكارهم، ثم يظهر في سلوكهم وأحوالهم، فلا بد أن نُعنى بذلك، وأن نخاطب به من يباشر هذه المهام، وأن نكتب عن ذلك، وأن نتحدث عنه؛ لأنه يمثل محوراً أساسياً جوهرياً.
ومن هنا فإننا نأمل من كل أحد من خلال وسائل الإعلام، ومن خلال مناهج التعليم، ومن خلال أدوار المدراء والمعلمين، ومن خلال دور معاشر أولياء الأمور من الآباء والأمهات، ومن خلال كل هذا المجتمع أن نؤكد على أهمية التعليم، وأهمية التزود به واتخاذه سلاحاً من أسلحة القوة ومن أسلحة العصر، وقبل ذلك ومعه وبعده التركيز على أهمية التربية والتزكية والتقويم السلوكي والفكري والنفسي الذي له ثماره الحميدة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والهداية والاستقامة.
اللهم طهر قلوبنا، وزك نفوسنا، وأرشد عقولنا، وحسن أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وأخلص نياتنا، وارفع درجاتنا، وضاعف أجورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وأقل عثراتنا، وامح سيئاتنا، وارفع درجاتنا برحمتك يا أرحم الرحمين!
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، وألهمنا رشدنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، ووفقنا لطاعتك ومرضاتك يا رب العالمين!
اللهم خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم.
اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه.
اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، وأحصهم اللهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وأرنا فيهم -يا رب- عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، وزلزل اللهم الأرض تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، اللهم استأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، وخالف كلمتهم، واجعل بأسهم بينهم، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي! يا عزيز! يا متين!
اللهم اشف فيهم صدور قوم مؤمنين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين!
اللهم أقر أعيننا بنصر الإسلام والمسلمين في كل مكان يا رب العالمين! واجعل الدائرة على البغاة الظلمة المعتدين يا قوي! يا عزيز! يا متين!
اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين!
اللهم سكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، خائفون فأمنهم، مشردون فسكنهم، اللهم منّ علينا وعليهم بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام يا رب العالمين!
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! وانصر اللهم عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين!
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابةً لأمر الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وترضوا عن الصحابة الكرام، وأخص منهم بالذكر ذوي العلي والمقام الجلي، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر