إسلام ويب

شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [3]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مواضع مخارج الحروف خمسة، وهي: الجوف، والحلق، وفيه ثلاثة مخارج: أقصى الحلق، ووسطه، وآخره، والثالث هو: اللسان، وفيه عشرة مخارج، والرابع: الشفتان، والخامس الخيشوم، وهو مخرج واحد للغنة، أما المخارج الجزئية فقد اختلفوا في عددها والذي اختاره ابن الجزري أنها سبعة عشر مخرجاً، ثم إن الحروف تنقسم إلى قسمين: أصلية وعددها تسعة وعشرون، وفرعية كالهمزة المسهلة والصاد المشمة زاياً.

    1.   

    باب مخارج الحروف

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

    فيقول المؤلف رحمه الله: (باب مخارج الحروف)، الباب في اللغة: فُرْجة في ساتر يتوصل بها من داخل إلى خارج وبالعكس، حقيقة في المباني؛ كباب الدار، وحكمًا في المعاني؛ كباب مخارج الحروف، وهو في الاصطلاح: اسم لطائفة من الفن تشترك في بعض الأحكام، وتتميز عن غيرها، وهو يعقد لما يحتاج لبيانه من العلم، فهذا العلم الذي هو علم الأداء من مسائله التي تحتاج إلى عقد باب: مخارج الحروف.

    والحروف قد سبق تعريفها، وهو يبحث فيها من أربعة أوجه:

    الوجه الأول: المخرج (مخرج الحرف).

    والوجه الثاني: الصفة التي يتصف بها الحرف.

    والوجه الثالث: الشكل؛ أي: الضبط الذي يكون عليه سكونًا أو حركة.

    والوجه الرابع: العوارض الصوتية عند التركيب؛ كالإدغام، والترقيق، وغير ذلك من العوارض الصوتية.

    فمن أتقن هذه الأمور الأربعة- كلٌّ على حدة- استطاع أداء الحرف على وجهه الصحيح، ومن عرف بعضها دون بعض لابد أن يدخل عليه الخلل والخطأ من جهة ما جهل منها؛ فلذلك لابد من العناية بهذه الأمور الأربعة، وأولها المخرج -مخرج الحرف- لأنه الذي يميزه عما سواه.

    والمخارج: جمع مخرج، وهو مفعل لمكان الخروج، والمفعل في مثل هذا النوع يطلق على المصدر، وعلى الزمان، وعلى المكان، فخرج فعل بالفتح وهي فعل ثلاثي ومضارعه بالضم (يخرج)، وعلى هذا فالمصدر منه والزمان والمكان بالفتح كما هو معروف في قواعد المفعل، فهو من القاعدة الأولى:

    من ذي الثلاثة لا يفعل له ائت بمفـعل لمصدر أو ما فيه قد عملا

    من زمان أو مكان؛ فلذلك المفعل من الخروج يأتي للمصدر، ويأتي للزمان، ويأتي للمكان، والمقصود به هنا المكان؛ أي: مكان خروج الحرف، والمقصود بخروجه: تكيفه حتى يستطيع الإنسان سماعه، وإلا فالحرف مخرجه هو -في الأصل- الشعب الهوائية التي في الرئة؛ فهذه هي التي يخرج منها الهواء ويسير في قصبة الهواء، وقصبة الهواء صلبة لا يمكن الضغط على أي: مكان منها، فلا يمكن أن يخرج منها حرف، يمكن أن يخرج منها هواء كالزفير والصفير، لكن لا يمكن أن يخرج منها حرف؛ لأنه لا يمكن الضغط عليها إلا بعامل خارجي يؤثر فيها، فعندما يصل إلى البلعوم يمكن الضغط عليه؛ ولذلك فمواضع المخارج خمسة عند جمهور أهل العلم، وهو الذي اختاره أهل الأداء ومنهم ابن الجزري رحمه الله.

    1.   

    مواضع مخارج الحروف العامة

    مواضع مخارج الحروف الخمسة هي: الجوف، والمقصود به: تجاويف الحلقوم، ولا يقصد به الجوف بمعنى مكان الطعام من الإنسان؛ لأن هذا لا يدخل إليه الهواء أصلًا، فالهواء إنما هو منبعث من الرئة، ولباطن الإنسان طريقان: إحداهما توصل إلى الرئة إلى الشعب الهوائية، وهي القصبة الهوائية البيضاء، والثاني هو: المريء الذي يصل إلى البطن ويحمل الطعام، وهو وراء القصبة الهوائية، فالكلام هنا في الجوف؛ أي: تجاويف الحلقوم، فإذًا هذا الموضع الأول وهو مخرج واحد للحروف الجوفية، وهي ثلاثة: الألف، والياء، والواو، إذا كانت حروف مد؛ أي: في حال مديتها، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.

    والموضع الثاني هو: الحلق، وفيه ثلاثة مخارج هي: أقصى الحلق، ووسطه، وآخره.

    والموضع الثالث هو: اللسان، وفيه عشرة مخارج كما سيتبين إن شاء الله.

    والموضع الرابع: الشفتان، وفيهما كذلك مخرجان كما سيأتي، وبعضهم يجعل أحد مخارج اللسان للشفتين، فيجعلها ثلاثة، والموضع الخامس الخيشوم، وهو مخرج واحد للغنة، فإذًا هذه خمسة مواضع، ومنها تخرج الحروف.

    1.   

    المخارج الجزئية للحروف

    أما المخارج الجزئية؛ أي: ما يتعلق بمواضع خروج الحروف، فقد اختلف أهل العلم في عددها، فذهب بعضهم إلى أنها تسعة وعشرون، فجعلوا لكل حرف مخرجًا يتميز به عن غيره، وستكون حينئذ متقاربة جدًّا؛ لأن من الحروف ما هو متقارب، ومنها ما هو متجانس كما سيأتينا، سنقسم الحروف التي يقع بينها الإدغام والفك إلى: مثلين، ومتجانسين، ومتقاربين، كما سيأتي إن شاء الله.

    والقول الثاني يجعل مخارج الحروف سبعة عشر، وهذا مذهب الخليل بن أحمد، وهو الذي اختاره أهل الأداء، وسار عليه ابن الجزري رحمه الله كما هنا.

    والقول الثالث مذهب سيبويه أنها ستة عشر بإلغاء مخرج الجوف؛ فيجعل أول المخارج ما كان من الحلق؛ وبذلك يجعل الألف اللينة من آخر الحلق مع الهمزة والهاء، ويجعل الياء والواو المديتين مع الألف والواو اللينتين، وبذلك يلغي مخرجًا، ويلغي موضعًا أيضًا، فيجعل المواضع أربعة، ويجعل المخارج ستة عشر، وهذا الذي سلكه النحويون؛ ولذلك قال المختار بن بونه رحمه الله في احمراره:

    لكل حرف مخرج إن سكنا بإثر همز موصل تبينا

    فالهمز والها مخرج ذو النطق والألف اللين من أقصى الحلق

    فجعل الألف مع الهمزة والهاء من أقصى الحلق، ولم يذكر الجوف.

    والقول الرابع هو اختيار الفراء، وهو جعل المخارج أربعة عشر فقط، وقد قسم المخارج التي في اللسان، فجعل المتقارب منها مخرجًا واحدًا، فما كان متقاربًا من مخارج اللسان جعله مخرجًا واحدًا، والمأخوذ به والذي سار عليه ابن الجزري هو مذهب الخليل بن أحمد، وهو جعل المخارج سبعة عشر، والحروف: جمع حرف، وهو في اللغة: طرف الشيء، ومنه قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ [الحج:11]؛ أي: على طرف اعتقاد، على طرف قناعة، ويطلق على الضامر من الحيوان، ومنه قول كعب بن زهير:

    حرف أبوها أخوها من مهجنة وعمها خالها قوداء شمليل

    ويطلق على أعلى الجبل؛ لأن أسفل الجبل ينتشر، ثم لا يزال يخف إلى أن يوصل إلى أعلاه.

    1.   

    أقسام الحروف وعددها

    الحروف الأصلية

    الحروف تنقسم إلى قسمين: إلى حروف أصلية، وحروف فرعية، فالحروف الأصلية تسعة وعشرون في اللغة العربية، وهذا مما تختلف فيه اللغات، فبعض اللغات تزيد حروفها عن هذا، وبعضها تنقص حروفها عن هذا، وبعض اللغات ليس فيها أحرف وإنما هي جزئياتها كلمات كاللغة الصينية، في واقعها ليس فيها أحرف، المفرد منها هو كلمة فقط؛ ولذلك يركبون الكلمة الواحدة من عدة كلمات (عبد العزيز) عبدول معناه: الملابس باللغة الصينية، آسيس أو آزيز معناه: الماكينة أو الشيء المحرك، فكلمتان تتألف منهما كلمة واحدة وهي (عبد العزيز) يكتبونها (ملابس محرك)، وتفسيرها (عبد العزيز).

    وحروف اللغة العربية الأصلية هي هذه الحروف: الألف، والباء، والتاء، والثاء، والجيم، والحاء، والخاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والعين، والغين، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون، والهاء، والواو، والياء، والهمزة، والهمزة ليس لها صورة في أصل كتابة العرب، وإنما تكتب على الألف، أو على الواو أو على الياء، وإذا لم تكتب على واحد من هذه الحروف سميت محذوفة، الهمزة المحذوفة: معناها التي ليس لها كتابة على الألف، أو على الواو، أو على الياء، وقد اصطلح المتأخرون على وضع نبرة هي بمثابة رأس الباء أو التاء من غير نقط، يجعلون عليها الهمزة في بعض الأحيان إذا كانت محذوفة، كما إذا كانت وراء الساكن، (شيئًا) مثلًا، الهمزة هنا وراء ساكن، وهي محذوفة في اصطلاح أهل الرسم، ولا تكتب على (شيء) وإنما تكتب على نبرة أو على السطر، وإذا وقعت مخالفة لذلك في رسم المصحف بينوه، كما قال صاحب الرسم:

    واحذف ورا السكن تنوء بالألف

    (واحذف ورا السكن) هذه قاعدة، أن الهمزة وراء الساكن تحذف؛ أي: لا تكتب على ألف، ولا على واو، ولا على ياء، وما خالف ذلك منه (تنوء) مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] تكتب على الألف، وهذا مخالف للقاعدة التي سبقت.

    الحروف الفرعية

    والحروف الفرعية هي في الواقع تغير يعرض للحرف ينقله عن أصله، وذلك التغير راجع إلى المخرج لا إلى الصفة على الراجح، وفروع الحروف تنقسم إلى قسمين: إلى فروع مستحسنة، وفروع مستقبحة، فالفروع المستحسنة فصيحة في اللغة، والفروع المستقبحة غير فصيحة، أما الفروع المستحسنة فهي التي جاءت في القرآن، والفروع المستقبحة لم يأت فيه منها شيء؛ لأنها غير فصيحة، والقرآن كل ما فيه من فصيح اللغة، وقد بين المختار بن بونه رحمه الله الفرق بين المستحسن والمستقبح من فروع الحروف في قوله:

    واستحسنت لها فروع فاعلم كالألف الممال والمفخم

    وهمزنا المسهل المعلوم والغنة التي من الخيشوم

    إلى آخر ما ساق، ثم ذكر بعد ذلك فصلًا للفروع المستقبحة.

    الهمزة المسهلة

    الفروع المستحسنة في القرآن منها سبعة:

    الأول: الهمزة المسهلة، فهي إذا كانت مفتوحة بين الهمزة والألف، وإذا كانت مضمومة بين الهمزة والواو، وإذا كانت مكسورة بين الهمزة والياء، فتخرج من بين المخرجين وتتصف بالاندماج؛ فاندمج فيها حرفان؛ فلذلك كانت بينهما، وتسهيل الهمزة إنما هو بسبب شدتها على النطق وصعوبة النطق بها، كما قال ابن بري رحمه الله:

    والهمز في النطق به تكلف فسهلوه تارة وحذفوا

    وأبدلوه حرف مد محضا ونقلوه للسكون رفضا

    والتسهيل آت في كل القراءات، لكنها تختلف في الإكثار منه والتقليل، فأكثر ورود التسهيل إنما هو في قراءة حمزة، فإنه يكثر التسهيل في قراءته؛ لأنه يسهل للوقف، إذا كان الوقف على آخر الكلمة وفيها همزة يسهل تلك الهمزة من أجل الوقف دائمًا؛ فلذلك كثر التسهيل في قراءة حمزة، وأيضًا قراءة نافع فيها تسهيل كثير، وبالأخص في رواية ورش، وفي رواية قالون إذ كان التسهيل لهمزة مفتوحة كثيرًا ما يكون سببًا أيضًا للإتيان بألف الإدخال، (آاشهدوا خلقهم) فيؤتى بألف الإدخال لـقالون، وهو أيضًا عند غير قالون، عند هشام عن ابن عامر ألف الإدخال وغيره، ومن القراء من يأتي به مع المحققة أيضًا، يأتي بألف الإدخال مع الهمزة المحققة، ومنهم من يقلل منه، ورواية حفص عن عاصم ليس فيها تسهيل إلا لهمزة واحدة، وهي الهمزة الأولى من قول الله تعالى: أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت:44] في سورة فصلت، فالهمزة الأولى مسهلة لـحفص عن عاصم، ولا تسهيل له فيما سواها؛ ولذلك انتشرت قراءة حفص عن عاصم في مشارق الأرض ومغاربها، وكثر القارئون بها لسهولتها، فليس فيها ممال إلا ألف واحدة وهي: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [هود:41]، وليس فيها تسهيل إلا واحد كما ذكرنا في همزة فصلت، وليس فيها كذلك إشمام إلا واحد في نون تَأْمَنَّا [يوسف:11]، فلسهولتها انتشرت وكثرت القراءة بها، وكثرت المصاحف المطبوعة بها.

    الصاد المشمّة زاياً

    وبعد الهمزة الفرع الثاني من فروع الحروف (الصاد المشمة زايًا)، الصاد التي فيها صوت الزاي، وذلك في قراءة حمزة: (اهدنا الزراط المستقيم زراط الذين أنعمت عليهم) (ومن أزدق من الله حديثا) فهذه الصاد مشمة بصوت الزاي، فهي فرع عن الصاد غير المشمة.

    الألف المفخمة

    والفرع الثالث من فروع الحروف: (الألف المفخمة)؛ فالألف إذا كانت مدًّا لحرف مفخم، فإنها تفخم تبعًا لذلك الحرف، سواء كان الحرف مفخمًا بأصله كحروف الاستعلاء، فهي مفخمة في الأصل، أو كان التفخيم عارضًا فيه كَلَامِ الجلالة -مثلًا- إذا كانت بعد ضم أو فتح فإنها تفخم؛ (وقال الله) (عبد الله) فاللام هنا تفخم بعد الفتح والضم، والألف التي بعدها تفخم تبعًا لها، وكذلك إذا كان التفخيم في غير لام الجلالة لـورش، وهو تفخيم اللام المفتوحة بعد الصاد والطاء والظاء إذا فتحن أو سكن.

    غلظ ورش فتحة اللام يلي طاء وظاء ولصاد مهمل

    وذلك في حال فتحهن أو سكونهن، فإذا جاءت الألف بعد اللام المفخمة لـورش فإنها تأخذ حكمها، (وما ربك بظلام للعبيد) وكذلك (الصلاة) (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فالألف هنا مفخمة لـورش تبعًا للام التي قبلها.

    الياء المشمة بصوت الواو

    والفرع الرابع هو (الياء المشمة بصوت الواو)، وذلك في مثل: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك:27] سِيءَ بِهِمْ [هود:77]، قِيلَ يَا نُوحُ [هود:48]، وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ [هود:44]، فهذه الكلمات فيها ياء ولكن تلك الياء تشم بصوت الواو، فيكون فيها جزء من الواوية؛ وبذلك تكون فرعًا عن الياء الأصلية، وذلك أن الفعل المبني للنائب من هذا النوع يجوز فيه في اللغة النطق به بالياء وبالواو، ويتركب منهما لغة ثالثة وهي (الإشمام)، فتقول:

    حوكت على نيرين إذ تحاك تختبط الشوك ولا تشاك

    (حوكت)، ويجوز أن تقول: (حيكت)، (قول) و(قيل)، (غيض) و(غوض)، يجوز كل ذلك في اللغة، ومن هاتين اللغتين تولد لغة الإشمام، والأصل الياء، فيكون فيها صوت الواو تشم به، فالياء المشمة واوًا في هذا النوع هي فرع عن الياء الخالصة، وكثير من الناس إذا قرأ بقراءة نافع لا يتقن الإشمام، فيجعله واوًا ممدودة بياء، كثير من الناس يقول: (سويئت) (سويء بهم) وهذا غلط تمامًا في القراءة، فقد جعل السين ساكنة، وجعل بعدها واوًا مكسورة ممدودة بياء، وهذا لحن، لا يمكن أن يستقيم؛ فإنما ينطق بالسين مكسورة ممدودة بالياء، والياء مشمة بشيء من صوت الواو، فيقال: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك:27]، سِيءَ بِهِمْ [هود:77]، فالسين مكسورة على كل حال، والياء التي بعدها هي المشمة بصوت الواو.

    اللام المفخمة

    الخامس من الحروف الفرعية (اللام المفخمة)، فاللام المفخمة كاللام في اسم الجلالة بعد الفتح أو الضم، وكاللام المفخمة لـورش بعد الصاد أو الطاء أو الظاء إذا فتحنا أو سكنا وكانت اللام مفتوحة، هذه اللام فرع عن اللام غير المفخمة، فالأصل عدم التفخيم في الحروف كلها، والتفخيم عارض فيها، لكن من الحروف ما لا يقبل التفخيم أصلًا، ومنها ما يلازم التفخيم، ومنها ما يعرض فيه التفخيم، فما لا يقبل التفخيم أصلًا كالحروف المستفلة ما عدا اللام والراء والألف، ثلاثة حروف من الحروف المستفلة هي التي يعرض فيها التفخيم، والحروف المستعلية كلها مفخمة في الأصل، فحروف الاستعلاء مفخمة في الأصل، وحروف الاستفال مرققة غير مفخمة، واللام والراء والألف هذه الثلاثة يعرض فيها التفخيم، والغريب أن أهل بلادنا هذه في بعض المناطق يفخمون الميم أيضًا، فأعرف أن بعض المناطق إذا قالوا: (اللامية) قالوا: (اللامية) بتفخيم الميم، وهذا عجب جدًا، كيف يفخمون الميم ولا تقبل التفخيم أصلًا! الميم غير قابلة للتفخيم أصلًا!

    الألف الممالة

    السادس من الحروف الفرعية (الألف الممالة)، وهي ممالة إلى جهة الياء، والإمالة قسمان: إمالة كبرى، وهي إمالة الألف إلى الياء، وإمالة صغرى، وهي: إمالة الفتحة إلى الكسرة، فهذه الإمالة هي فرع عن الفتح؛ ولذلك فإن كثيرًا من أهل اللغة يسمون الإمالة الكسرة والإضجاع، أي يسمونها (الكسرة)، ويسمونها (الإضجاع)، وهي في الأصل ليست من لغة قريش، وإنما هي من لغة تميم ومن جاورهم من بني أسد ومن أهل نجد؛ ولذلك هم الذين يقولون:

    عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرباب سكوب

    (عن بلاد ابن قادر) فهذه لغة بني تميم وبني أسد، وبها قرأ بعض القراء فتواترت، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه الناس يعلمهم القرآن، فإذا كانت لهجتهم تخالف لهجة قريش ينطقون بحرف على هيئة يقرهم على ذلك، وهذا دليل على نزوله كذلك، إذ لو لم ينزل الحرف كذلك لما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على النطق به على غير لغته؛ ولذلك أنزل عليه القرآن على سبعة أحرف، ومنها الإمالة فتكون من حرف من هذه الحروف، وليست القراءات السبع اليوم التي هي متواترة إجماعًا بالحروف السبعة، فهذه القراءات يمكن أن تكون ملفقة من بين الحروف، فما يدرينا لعل الحرف الذي فيه الإمالة ليس فيه مثلًا تسهيل الهمزة، وإذا قرأت برواية ورش عن نافع تأتي بالإمالة والتسهيل، فيمكن أن يكون التسهيل في حرف، والإمالة في حرف، وترقيق الراء في حرف، وتفخيم اللام في حرف، فالتلفيق بينها لا حرج فيه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرءوا القرآن ولا تختلفوا فيه؛ فإن هذا القرآن أنزل علي على سبعة أحرف ).

    وهذه الإمالة قسمان: إمالة محضة، وإمالة تقليل، فالإمالة المحضة هي قريبة من الياء، وإمالة التقليل قريبة من الألف، والقارئون برواية ورش عن نافع كثيرًا ما يغلطون أيضًا فيها، وبالأخص رواية أبي يعقوب الأزرق؛ لأن رواية الأصفهاني ليس فيها إمالة أصلًا، كما قال محمد مولود رحمه الله:

    ولم تمل حرفًا من القرآن طريق الاصفهاني عن عثمان

    فطريق الأصفهاني عن ورش ليس فيها إمالة أصلًا، وطريق أبي يعقوب الأزرق عن ورش هي التي فيها الإمالة، لكن الإمالة التي فيها إمالة تقليل، وليس شيء منها إمالة محضة إلا في كلمة واحدة وهي (طه)، ما سوى ذلك كله إمالة تقليل، سواء كان متفقًا عليه، أو كان مختلفًا فيه، فالمختلف فيه كالتوراة ونحوها مثلًا، والمتفق على إمالته كغير ذلك، لكن الإمالة التي فيها هي إمالة تقليل فقط، ويخطئ فيها كثير من القارئين عندنا، فالقارئ الذي يقرأ مثلًا: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى [الأعلى:1-4]، هذا لم يقرأ بـورش، إنما خلط بين القراءات، خلط بين قراءة حمزة وقراءة نافع من رواية ورش، والخلط بين القراءات في الكلمة الواحدة حرام باتفاق جميع القراء؛ فلذلك لابد أن نعلم أن التقليل لــورش هو أن تقول: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:1-8]، ويتأكد ذلك عند النطق بالراء المرققة مثل (اليسرى) و(الكبرى)؛ فإن كثيرًا من الناس لا يستطيع لفظها بالتقليل، بل لابد عنده من الإمالة الحقيقية فيها لاجتماع الترقيق والإمالة، الترقيق على الراء، والإمالة في الألف، فلابد من الانتباه لهذا.

    النون المخفاة

    السابع من الحروف الفرعية النون المخفاة، النون الساكنة أو التنوين في حال الإخفاء؛ فإنها لا يبقى منها إلا جزء من غنتها، وذلك قبل حروف الإخفاء وهي الخمسة عشر، المجموعة في قول الشاعر:

    ألا أخفين النون من قبل أحرف أوائل هذا البيت خمس مع العشر

    ترى جار دعد قد ثوى زيد في ضنًى كما ذاق طير صيد سوء شبا ظفر

    فهذه خمسة عشر حرفًا تخفى عندها النون الساكنة والتنوين؛ فتكون النون المخفاة التي لم يبق منها إلا غنتها (كنتم) فأنت لم تنطق بالنون، لم تحققها في المخرج، فإذا قلت: (كنتم) فقد لحنت، فتبقى منها الغنة، فتقول: (كنتم)، فالنون في الواقع ما خرجت من مخرجها، وإنما خرجت الغنة فقط، فهذا الإخفاء، فالنون حينئذ حرف فرعي، وأصلها النون غير المخفاة؛ بهذا نكون قد عرفنا الحروف، وعرفنا مواضع المخارج، ويبقى بيان أجزاء الفم التي هي مَحَالُّ المخارج.

    1.   

    أجزاء الفم التي هي مواضع مخارج الحروف

    العبرة هنا في المخارج بأولها من ناحية الوجود، لا بأولها عند الخروج، العبرة بأولها من ناحية الوجود، فالهواء منطلق من الرئة، وما دونها هو القصبة الهوائية، وقد ذكرنا أنها لا يمكن الضغط فيها، فلا يمكن أن يتكون فيها حرف فنتجاوزها لنصل إلى أول مكان يمكن أن يتصور منه الحروف وهو الجوف.

    المقصود بالجوف هو تجويف اللهى، ويسمى (اللهوات)، و(اللهاة)، ويسمى (اللهى) بالقصر والفتح، فاللهى تجاويفه هي التي تسمى بالجوف، ويخرج منها حروف المد وهي لهوية، وكذلك هي هوائية؛ لأنها تمشي في هواء الفم حتى تخرج منه؛ ولهذا فالحروف التي تقبل التمطيط والتمديد هي حروف المد الثلاثة، ويحتاج فيها إلى ضبط بمقدار الحركات، ويضاف إليها الغنة، فهي أيضًا قابلة للتمديد والتمطيط؛ فلذلك نقدرها بمقدارها من الحركات، سواء كان ذلك من حركات الأحرف- أي: من الشكل- أو كان من حركات الأصابع، فمثلًا المدود يقال فيها: يمد المد المتصل بمقدار أربع حركات، والمد اللازم مثلًا بمقدار ست حركات، ويقال: المد الطبيعي بمقدار حركة واحدة.

    وما المقصود هنا بالحركة؟ محل خلاف بين أهل التجويد، فقالت طائفة: المقصود حركة الإصبع هكذا، هو أسرع شيء في الحركة، وقيل المقصود به: الحركة؛ أي: الشكل على الحرف، سواء كان فتحًا أو ضمًّا أو كسرًا؛ أي: بمقدار النطق بحرف مشكول بحركة، فحروف المد قابلة للتمديد والتمطيط، فتقول: (آآآآآآآآ) ويمكن أن تزيد، وكذلك في الضم (أوووووووو)، وكذلك في الياء أيضًا حال الكسر تقول: (إييييييييييييي)، فهي قابلة للمد إلى أن ينتهي نَفَسُك أنت بحسب قوة نفسك؛ ولذلك فطول النفس يحتاج إليه في إخراج الهواء من الرئة في إتقان التجويد، فالإنسان الذي تَعَوَّد على رياضة السباحة كثيرًا ما يكون أحسن في التجويد وأتقن له من الذي لم يتعود على هذه المهارة والرياضة؛ لأنه يستطيع إمساك النفس؛ ولذلك يستطيع أن ينطق بالمدود في الآيات التي يجتمع فيها عدد من المدود، يستطيع النطق بها دون أن يقف وقف اضطرار، والقراء المصريون اليوم يعودون الأطفال الصغار على كتم النفس قبل البدء في التجويد، يغلقون نفس الطفل فترة حتى لا يتنفس بالكلية؛ ليتعود على كتم النفس، ثم بعد ذلك يبدءون تعويده على ألا يقف قبل الموقف الذي يقف فيه القارئ أمامه؛ ولذلك تسمعون في تسجيل تعليم التجويد للشيخ محمد علي المنشاوي رحمة الله عليه في تعليمه للأطفال الصغار، إذا وقف الطفل قبل موقفه هو الذي وقف فيه يرده؛ لأنه يريد تعويدهم على إطالة النفس.

    بعد هذا (الحلق) والمقصود به: أصل اللسان وما يحاذيه من اللحم، وثغرة الفم التي يدخل منها الطعام فما حولها، كل ذلك يسمى حلقًا، فهذه المنطقة بكاملها تسمى حلقًا، وهو من الحلقة وهي: الاستدارة، الشيء المستدير يسمى حلقة، والحلق كذلك استدارته تشبه الحلقة؛ فمن أجل ذلك سمي حلقًا.

    ثم بعد هذا (اللسان) وفيه مواضع؛ فظهر اللسان أعلاه، وحافة اللسان طرفه الذي يلي الأضراس، ورأس اللسان أو طرف اللسان هو: المحدد منه عند نهايته.

    ثم بعد هذا (اللثة) بالكسر هي: لحم الأسنان؛ أي: اللحم الذي تثبت فيه الأسنان يسمى (لثة) بالكسر، وجمعها (لثات) بالكسر.

    ثم بعد ذلك (الشفتان) تثنية شفة، فالأسنان منها الثنايا، وهي في الأصل عند أهل التجويد، يقولون: الثنايا العليا، والثنايا السفلى، وفي الواقع: ثنيتان علييان، وثنيتان سفليان، لكن جمعت الثنايا بالرباعيات، فالرباعيتان العلييان من الثنايا العليا، والسفليتان من الثنايا السفلى، وبعد الرباعيتين الناب، ولا يذكر في مخارج الحروف، وبعد ذلك اثنتان من الأضراس، وهما الصغيرتان من الأضراس في كل حنك، يسميان بالضاحكين، وهي الضواحك، وبعدها الطواحن، وهي: الأضراس الكبرى للمضغ، اثنتان في كل حنك، وبعدها النواجذ، وهي آخر ما ينبت من الأسنان.

    فهذه إذًا هي أجزاء الفم، وعلى أساسها تترتب المخارج كما سيأتي.

    ثم (الخيشوم) هو: الأنف، والأنف يسمى (خيشومًا)، ويسمى (منخرًا)، ويسمى (خرطومًا) أيضًا، واللَّيِّن منه يسمى مارنًا، وأعلاه المرتفع يسمى (أرنبة)، وكل فتحة من فتحتيه تسمى (منخرًا)، وما بينهما يسمى (وترة)كوترة القوس.

    الأرنبة أعلى الأنف، والمارن منه هو اللين، والوترة ما بين المنخرين، كوترة القوس، الذي يشد طرفي القوس يسمى (وترة)، وكلتا الفتحتين تسمى (منخرًا) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فليجعل في منخريه من الماء )، ويجوز النطق بها كذلك بكسر الميم، فيقال: (الـمِنخر)، لكن إذا كسرت الميم ستفتح الخاء؛ لأنه سيكون اسم آلة حينئذ، فيجوز فيه (الـمُنخرُ) و(الـمِنخرُ)، ومخارج الحروف في هذه الأماكن، فالجوف مخرج واحد يخرج منه أحرف المد الثلاثة: الألف، والواو، والياء، فهذه تسمى أحرف مد؛ لأنها امتداد في صوت غيرها، فالألف لا تكون دائمًا إلا حرف مد؛ لأنها دائمًا ساكنة وما قبلها مفتوح؛ أي: مجانس لها، والواو تكون حرف مد إذا سكنت وكان قبلها ضمة، والياء تكون حرف مد إذا سكنت وكان قبلها كسرة.

    ثم بعد هذا المخرج الثاني هو (أقصى الحلق)، وتخرج منه الهمزة والهاء، والمخرج الثالث هو (وسط الحلق) وتخرج منه العين والحاء، والمخرج الرابع (آخر الحلق)- أي: أدناه إلى الفم- وتخرج منه الغين والخاء، ثم بعد ذلك مخارج اللسان بحسب مواضعها، وهي عشرة على الذي اختاره هو هنا، ثم بعدها مخرج الشفتين، ثم بعد ذلك (الخيشوم)، وهو مكان الغنة، والغنة تعد صفة للنون والميم، ومع ذلك لها مخرج مستقل، وقد استشكل ذلك الشيخ محمد عالي رحمه الله؛ فقد سأل أحد القراء المصريين، فقال: هل الغنة حرف أم صفة؟ قال: بل صفة، قال: الصفة تلازم محلها، فلو كانت صفة لخرجت من مخرج النون والميم، ولما خرجت من مخرج آخر؛ لأنها إذًا صفة شيء آخر غير النون والميم، الصفة إنما تلازم الموصوف وتقوم به، فلم يستطع ذلك القارئ جوابًا عن هذه المسألة، وهي من مشكلات القراءة، قال المؤلف رحمه الله:

    مخارج الحروف سبعة عشر على الذي يختاره من اختبر

    مخارج الحروف: عددها- على الوجه المختار على القول الذي اختاره، وهو مذهب الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله- سبعة عشر.

    (على الذي يختاره)؛ أي: على القول الذي يختاره؛ أي: يرجحه من اختبر المخارج، والاختبار هو: الامتحان، والمقصود به السعي لإدراكها ومعرفتها، ولا يتم ذلك إلا بإسكان الحرف في إثر همز وصل، ما عدا أحرف المد، فهذه لا يمكن أن يعرف مخرجها بالإسكان؛ لأنها- أصلًا- الألف ملازمة للسكون، ومديتها ملازمة فيه للسكون، إنما يعرف مخرجها بالنطق بحرف مفتوح قبلها، إذا كانت ألفًا، أو مكسور إذا كانت ياء، أو مضموم إذا كانت واوًا؛ فيعرف مخرجها به.

    1.   

    مخرج الجوف

    والمخارج تنقسم إلى قسمين: إلى مخارج محققة، وإلى مخرج مقدر، فالمخرج المقدر هو: الجوف الذي هو مخرج حروف المد؛ لأنه في الواقع ليس مكانًا معينًا يضغط عليه فيخرج الحرف، والمخارج المحققة هي بقية المخارج ما عدا الجوف كله مخارج محققة، (على الذي يختاره من اختبر).

    (فألف الجوف وأختاها)؛ أي: فالجوف مخرج واحد هو موضع من المواضع الخمس الكبرى، ولكنه مخرج واحد، ذلك الموضع يخرج منه الألف وأختاها وهي: الواو، والياء في حال المدية، قال: (فألف الجوف وأختاها)، (وهي حروف مد) (وهي)- أي: هذه الثلاثة- (حروف مد للهواء تنتهي)؛ أي: تنتهي في الهواء، وهذا دليل على أن مخرجها مقدر وليس ثابتًا في مكان واحد، (للهواء تنتهي)؛ أي: هواء الفم؛ ولذلك يمكن خروجها خارج الفم، فالهواء منطلق من الفم ويخرج إلى الخارج وهي معه؛ ومن هنا لابد أن نعلم أن الهواء عند الضغط عليه ينقسم إلى قسمين: إلى صوت، وإلى نفس، فالنفس هو ما يبقى على هيئته؛ فالضغط لا يمكن أن يحيل جميع النفس الخارج؛ أي: الهواء المنطلق من الرئة وهو ثاني أكسيد الكربون، لا يمكن أن ينطلق الزفير إلى صوت فقط، بل لابد أن يبقى منه نَفَسٌ، فإذًا أمران، أحدهما: الصوت، والثاني: النفس، ينقطعان معًا، وينقطع أحدهما دون الآخر.. وسيأتي تفصيل ذلك عند صفات الحروف.

    (فألف الجوف وأختاها) وهي الثلاثة (حروف مد- هذا وصفها- للهواء تنتهي) تنتهي للهواء، واللام التي في قوله (للهواء) هي لام انتهاء أيضًا، فاللام من معانيها الانتهاء، (بعتك هذا الحائط لهذه الشجرة)، معناه: إلى هذه الشجرة.

    وإذا أردنا أن نعرف مخرج الحرف فنأتي قبله بهمزة ونسكن الحرف فيظهر مخرجه وتستثنى حروف اللهاة، وهذا ذكرته آنفًا، ذكرت أنها لا تدخل فيه، وأنها مستثناة، وأنك إذا أردت إخراجها من مخرجها؛ فإنك تأتي بحرف مفتوح قبل الألف، وبحرف مضموم قبل الواو، وبحرف مكسور قبل الياء؛ فتنطقها كذلك.

    وبالنسبة للامتداد فهو حصل من البداية، فعندما نطقت بأول الحرف قبل مده أخرجته من مخرجه وهو الشفتان، مثلًا (الباء)، قلت: (باء)، فأول نطقك به خرجت الباء من الشفتين مفتوحة فقط، لكن جاء المد بعد ذلك فأرفدها، فالتحق بها، فإذًا الباء خرجت من بين الشفتين مفتوحة، والألف جاءت وراءها؛ فكانت مدًّا لها، فلحقت بها.

    وأيضًا لابد أن ننتبه إلى أن جميع ما نذكره هنا من المخارج إنما هو تخميني ظني، كما قال المرابط يحظيه بن عبد الودود رحمة الله عليه يقول:

    إبداء ما ناسب لا الإثبات لثابت الأحكام توجيهات

    كما يقولون: مثل الحاذق في العلم كمثل الحاذق بالبناء، دخل دارًا فجعل يقول: وضع الباني هذا الحجر لحكمة كذا وهذا لحكمة كذا، فإن وافق فالحمد لله، وإلا فقد أتى بما يشبه ولا ينكر عليه، ومن هنا فما نذكره كله تقريبي تخميني، ولم ينزل الوحي بشيء منه؛ ولذلك يقع فيه الاختلاف الكثير جدًا حتى بين النحويين، وقد ذكرت أربعة أقوال في تحديد المخارج، وأيضًا في الصفات سيأتينا خلاف كثير، فجمهور القراء والنحويين يعدون صفات الحروف ثماني عشرة صفة، ومكي بن أبي طالب عدها أربعًا وأربعين صفة، فالخلاف كثير جدًّا، والأمر تقريبي، لذلك قال: (ثم لأقصى الحلق همز هاء)، في أقصى الحلق مخرج واحد وهو للهمز والهاء (إئ) (إه)، تخرج من آخر الحلق.

    قال: (ثم لوسطه فعين حاء)، وسط الحلق تخرج منه العين والحاء، (إع) (إح).

    قال: (أدناه غين خاؤها)، أدنى الحلق؛ أي: أقربه إلى اللسان وإلى الفم، وآخر الحلق عند أصل اللسان تخرج منه الغين والخاء (إغ) (إخ).

    1.   

    مخارج اللسان

    ثم بعد ذلك قال: (والقاف أقصى اللسان فوق).

    هذا أول مخارج اللسان، فأول مخارج اللسان أصل اللسان، وفيه مخرج واحد وهو القاف، فهي تخرج من آخر اللسان إلى فوق؛ ولذلك فهي قريبة من أحرف الحلق، تشابه أحرف الحلق (إق) (إق)؛ ولذلك كانت في أقصى اللسان، أي آخره، والقاف.

    قال: (ثم الكاف أسفل) كذلك أصل اللسان فيه مخرج آخر وهو للكاف، ولكنها أسفل من مخرج القاف، لكن مخرجها أسفل من مخرج القاف، (إك) فمخرجها دون مخرج القاف قليلًا.

    قال: (والوسط فجيم الشين يا)، وسط اللسان مخرج واحد لثلاثة حروف، وهي: الجيم، والشين، والياء، فهذه الحروف الثلاثة مخرجها واحد وهو وسط اللسان، تخرج منه هذه الحروف الثلاثة: الجيم، والشين، والياء؛ فلذلك قال:

    (الوَسْط) أي: الوسَط، وأسكنها للضرورة، فوسط الشيء معناه: المتوسط منه، وكذلك الوسَط من كل شيء معناه: خياره، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]؛ أي: خيارًا عدولًا، فالوسط هنا بمعنى الخيار العدول، ووسط الحلقة إذا كانت مستديرة فمعناه: أوسطها تمامًا، ولا يقصد ذلك هنا، إنما يقصد وسط اللسان، ولكنه أسكن للضرورة؛ فلذلك قال:

    (والوسط فجيم)؛ أي: فهو مخرج واحد لثلاثة حروف، وهي: الجيم، والشين، والياء.

    قال رحمه الله:

    والضاد من حافته إذ وليا الاضراس من أيسر أو يمناها

    حافة اللسان مما يلي الأضراس؛ أي: جانبه، سواء كان الجانب الأيمن أو الجانب الأيسر مما يلي الأضراس، تخرج منه الضاد، سواء كانت من أيسر أو من أيمن، وبعض أهل التجويد يرى أن خروجها من الأيسر أيسر، وبعضهم يرى أنها من الأيمن أيسر، ومن العزيز إخراجها منهما معًا؛ لأن الاستطالة إنما تتم بأحدهما في الغالب، وهي أصعب الحروف، الضاد هي أصعب الحروف؛ ولهذا قال الشيخ باب بن الشيخ سيديا رحمة الله عليهما:

    الضاد حرف عسير يشبه الظاء لا الدال يشبه في نطق ولا الطاء

    وسيتبين ذلك في الصفات إن شاء الله.

    تقول: (إض)، سواء أخرجته من اليمين (إض)، أو من اليسار (إض)؛ فيكون على هذا من بين جانب اللسان والأضراس؛ فتخرجه من هذا المكان ويستطيل؛ أي: يمتد إلى أن يصل إلى مخرج اللام، فالاستطالة تنتهي به إلى مخرج اللام.

    قال رحمه الله: (واللام أدناها لمنتهاها)، (اللام) هذا هو المخرج الخامس من مخارج اللسان، وهو مخرج اللام، وهو أدنى اللسان إلى طرفه؛ فلذلك قال: (واللام أدناها لمنتهاها)؛ أي: إلى منتهاها، فتقول: (إل) فينتهي إلى أصول الثنايا العليا إلى لثة الثنايا العليا، فينتهي اللام هنالك.

    قال رحمه الله تعالى:

    والنون من طرفه تحت اجعلوا والرا يدانيه لظهر أدخل

    (والنون من طرفه تحت اجعلوا)؛ أي: اجعلوا-أنتم يا معشر القارئين- النون خارجة من طرفه؛ أي: رأس اللسان، (تحت)؛ أي: من أسفل رأس اللسان، فتقول: (إن) (إن) (إن) يستعلي اللسان عندها قليلًا، وتخرج هي من تحت رأس اللسان، فهذا هو المخرج الآخر من مخارج اللسان.

    قال: (يدانيه لظهر أدخل)، (أدخل) إلى جهة ظهر اللسان، (أدخل) فقط بدون واو وبدون ألف.

    (أدخل) أفعل تفضيل، معناه: الراء أدخل إلى جهة اللسان إلى ظهر اللسان من النون.

    (والرا يدانيه) الراء يداني النون في كونه من رأس اللسان، لكنه أدخل إلى جهة الظهر؛ ومع ذلك فصفته التكرير تكون في أصل اللسان، وهو ارتعاد في رأس اللسان، ظهر اللسان ما يلي سقف الفم منه، ما يلي شجر الفم، هذا الذي يسمى ظهر اللسان كظهر الإنسان.

    بقي لنا من مخارج اللسان أن رأس اللسان- وهو الذي يسمى بطرف اللسان- فيه مخرجان: أحدهما للطاء والدال والتاء، وهذا المخرج بينه بقوله: (والطاء والدال وتا منه ومن عليا الثنايا) بين رأس اللسان والثنايا العليا تخرج هذه الحروف الثلاثة: (إط)، (إد)، (إت)، فلها مخرج واحد مشترك بين هذه الحروف الثلاثة، وهي الطاء، والدال، والتاء، وإنما تختلف بالصفة؛ ولذلك من لا يقلقل في الدال مثلًا كثيرًا ما ينطقها تاء، ومن لا يقلقل في الطاء كذلك ينطقها تاءً، فالذي يقول مثلًا: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالمُورِيَاتِ قَدْحًا [العاديات:1-2] إذا لم يأت بالقلقلة على هيئتها في الدال، سيقول: قتحًا؛ فتنقلب تاءً؛ فلذلك المخرج واحد وهو للطاء، والتاء، والدال.

    قال: (والطاء والدال وتَا منه)؛ أي: من طرف اللسان ومن عليا الثنايا؛ أي: بين طرف اللسان والثنايا العليا، (والصفير مستكن)؛ أي: وأحرف الصفير وهي: السين، والصاد، والزاي، هذه الأحرف مستكنة؛ أي: مختفية (منه)؛ أي: من طرف اللسان.

    (ومن فوق الثنايا السفلى) فيلتصق طرف اللسان- أي: رأس اللسان- بالثنايا السفلى، بأعلى الثنايا السفلى، فتخرج هذه الحروف الثلاثة التي هي: السين، والصاد، والزاي، (إص)، (إز)، (إس)، فتخرج من بين رأس اللسان، وهو طرفه وأعلى الثنايا السفلى.

    قال: (والظاء والذال وثًا للعليا).

    نعم، الصاد، والسين، والزاي، هذه الثلاثة مخرجها واحد، وهو ما بين طرف اللسان؛ أي: رأسه وبين أعلى الثنايا السفلى.

    أما الظاء، والذال، والثاء؛ فهذه من طرف اللسان أيضًا، لكن بينه وبين العليا؛ فلذلك تقول: (إظ)، (إث)، (إذ)، فهي بين رأس اللسان ورءوس الثنايا العليا، (والظاء والذال وثًا للعليا من طرفيهما) أي: رأس اللسان، ورأس الثنايا العليا، طرف اللسان، وطرف الثنايا العليا، والمقصود بذلك نهاية اللسان، وكذلك نهاية الثنايا العليا، والمقصود أسفلها بالنسبة للعليا أسفلها ورءوسها.

    قال: (ومن بطن الشفة فالْفَا مع اطراف الثنايا المشرفة) المخرج الأخير من هذه المخارج هو للفاء؛ فهي تخرج من بطن الشفة، وما بينها وبين الثنايا المشرفة؛ أي: المرتفعة، وهي الثنايا العليا، فالإشراف الارتفاع، وهو من صعود الشَّرَف، والشَّرَف في اللغة هو: المكان المرتفع، ومنه قول الشاعر:

    آتي الندي فلا يقرب مجلسي وأقود للشرف الرفيع حماري

    أي: للمكان المرتفع، ومنه الشرف المعنوي وهو مثل الشرف الحسي، فهو ارتفاع؛ فلذلك قال: (ومن بطن الشفة فالفا مع اطراف الثنايا المشرفة) فهي من باطن الشفة مع أطراف الثنايا العليا، يتصل اللسان بذلك المكان، فتقول: (إف)، ترتفع فتكون من باطن الشفة العليا مما يلي الثنايا العليا (إف) (إف)، وإذا لم تفعل فستجعلها باءً؛ ولذلك اللغة الأعجمية فيها الباء تنقسم إلى حرفين: إلى باء مجهورة، وباء مهموسة: P وB، فــ Bمهموسة، وP مجهورة، فهذا الفرق إنما هو في اللغة الأعجمية، أما في العربية فهو بين الفاء والباء، والحسن بن زين رحمه الله ذكر أنه لما أتى ملا شقراوي في الليل أول ما سمع منه، سمعه يقول:

    وبعد فا جواب نفي أو طلب محضين أن وحذفها حتم نصب

    فأول كلمة سمعها منه سمعه يشرح هذا البيت من الألفية، وهذا لا شك فيه مبالغة في النطق بها وهو الترويس الزائد للفاء، لكنه يحصل من اختلاط العربية بالعجمية، إذا كان الإنسان متعودًا على النطق بالعجمية، وبالأخص لغة صنهاجة، وقد كان في بلادنا منها هنا ثلاث لهجات، وبينهم فرق في النطق بين اللهجة التي يتكلم بها الحسنيون، واللهجة التي يتكلم بها الديمانيون، واللهجة التي يتكلم بها التندغيون، فيه فرق بين هذه اللهجات، وهي كلها مؤثرة في النطق بالحروف، فالحسنيون لهجتهم مؤثرة في الفاء والباء، والديمانيون لهجتهم مؤثرة في تشديد الحروف، والتندغيون لهجتهم مؤثرة في التاء، ينطقونها طاء في كثير من الأحيان؛ بسبب تأثير هذه اللهجة.

    قال: (فالفا مع اطراف) وهنا (مع) ساكنة، وهي لغة من لغاتها، ولما كانت بعدها الهمزة مفتوحة هي همزة (أطراف) نقل حركة الهمزة إلى الساكن الصحيح قبلها وهو العين، فقال: (مع اطراف الثنايا المشرفة) فالهمزة منقولة الحركة إلى العين الساكنة قبلها.

    انتهينا إذًا من مخارج اللسان، وقد رأيتم أن من مخارج اللسان مخرج القاف، ومخرج الكاف، ومخرج الجيم، والشين، والياء، ثم مخرج الضاد، ثم مخرج اللام، ثم مخرج الطاء والدال والتاء، ثم مخرج أحرف الصفير وهي: الصاد، والسين، والزاي، ثم مخرج النون، ثم مخرج الراء، ثم مخرج الظاء والذال والثاء، مخرج واحد، ثم بعد ذلك مخرج الفاء.

    والقرب بين الضاد والظاء ليس في المخرج، إنما القرب في الصفة، فهما يشتركان في كثير من الصفات، وينفرد الفرق بينهما المخرج والاستطالة في الضاد فقط؛ ولذلك يقول:

    والضاد باستطالة ومخرج ميز من الظاء

    فإنما تماز من الظاء بأمرين، أحدهما: اختلافهما في المخرج، والثاني: أن الضاد فيها استطالة، والظاء ليست فيها استطالة، لكن يشتركان في خمس صفات، ستأتينا في الصفات إن شاء الله.

    1.   

    مخارج الشفتين

    انتهينا إذًا من مخارج اللسان، ونصل الآن إلى الشفتين، والشفتان فيهما مخرجان، فلذلك قال:

    للشفتين الواو باء ميم وغنة مخرجها الخيشوم

    الشفتان فيهما مخرجان، أحدهما: مخرج الواو، والثاني: مخرج الباء والميم؛ فالواو هي من بين الشفتين، لكنها داخلة إلى الداخل، والباء والميم إلى الخارج.

    فالواو تقول فيها: (إو)، كأنك تدخل الهواء إلى الداخل، بينما الباء تقول: (إب) فتفتحهما، والميم تقول: (إم) فتضمهما، فالميم والباء من مخرج واحد، لكن الباء بفتح الشفتين، والميم بالتقائهما، والواو إلى داخل الشفتين تقول: (إو).

    (إو) أما الباء والميم من نفس المخرج، لكن الباء بفتح الشفتين والميم بضمهما، وضمهما معناه التقاؤهما، تقول: (إم) وتقول: (إب) فتفتح شفتيك، وانظر إلى شفتي بعد النطق، إذا قلت: (إب) ألم يبق الفم مفتوحًا؟

    لكن إذا قلت: (إم) ألم تنضم الشفتان؟ فالمخرج واحد لكن أثر الحرف يختلف فيه، وإذا قلت: (إو) فترى الشفتين ينجذبان إلى الداخل.

    1.   

    مخرج الخيشوم

    المخرج الأخير، وهو خارج الفم، وهو الخيشوم- وهو الأنف- وتخرج منه الغنة التي هي صفة النون والميم، فالنون والميم صفتهما الغنة، وستأتي إن شاء الله، وسنذكر تفاوتها، فالغنة تكون شديدة مع الميم والنون المشددتين، وتكون دون ذلك بحسب الحال، وإذا حصل الإدغام- الخالص وهو إدغام النون في اللام أو في الراء- فلا غنة حينئذ، إذ تذهب الغنة معها، مثل: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فلا غنة، وكذلك: أشهد أن محمدًا رسول الله، محمدًا رسول الله أدغمت النون إدغامًا خالصًا في الراء، فالشهادتان فيهما الإدغام الخالص للنون في اللام وفي الراء، فشهادة أن لا إله إلا الله فيها الإدغام الخالص في اللام، وشهادة أن محمدًا رسول الله فيها الإدغام الخالص في الراء، ولا غنة حينئذ، لكن ما عدا ذلك تكون الغنة ثابتة في النون والميم، كما سيأتي إن شاء الله.

    قال: (وغنة مخرجها الخيشوم)؛ أي: الخيشوم فيه مخرج واحد وهو للغنة.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756475853