الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه, عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.
أما بعد:
أيها الفضلاء! قبل الدخول في موضوع مبطلات الصلاة لابد من بيان جملة أمور:
الأمر الأول: طلب العلم هو خير ما أنفقت فيه الأعمار، وبذلت فيه الجهود، وصرفت إليه أنواع الاهتمام؛ لأن العلم الشرعي باب عظيم لنيل رضوان الله عز وجل، والفوز بالجنة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العمل رضاً بما يصنع، وإن طالب العلم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر).
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما بعثت معلماً)، ويقول عز وجل في القرآن الكريم: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[المجادلة:11]، وكانت مزية آدم عليه السلام على الملائكة أن الله عز وجل علمه ما لم تكن الملائكة تعلمه، كما قال عز وجل: فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ[البقرة:32-33].
فالله عز وجل ميز آدم عليه السلام بالعلم، وكذلك أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام تميز بعضهم بالعلم حتى فاق غيره؛ فعُرِف عن أبي هريرة رضي الله عنه بأنه راوية الإسلام، وعُرِف عن معاذ بن جبل بأنه أعلم الأمة بالحلال والحرام، وعُرِف عن زيد بن ثابت بأنه أفرض هذه الأمة -أي: أعلمها بالفرائض-، وعُرِف عن أبي بن كعب بأنه أقرأ هذه الأمة: (ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه رجالاً على كل منهم قميص؛ منهم من يبلغ قميصه ثدييه، ومنهم من يبلغ قميصه حقويه، ومنهم يبلغ قميصه ركبتيه، ورأى على عمر بن الخطاب قميصاً يجره جراً، قالوا: يا رسول الله! فما تأولته؟ قال: العلم).
الأمر الثاني: أريد أن أنبه إلى أن العلم سبب لخير الدنيا والآخرة إن قرن بالعمل، فالعلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل، ومطلوب من الإنسان أن يعمل بما علم وكما قيل:
وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
الأمر الثالث: العقيدة هي التي يسميها العلماء بالفقه الأكبر، وكما قال الإمام الغزالي رحمة الله عليه: إن كلمة الفقه من الألفاظ التي طرأ عليها التخصيص بغير مخصص، فصارت في اصطلاح المتأخرين تطلق على الإحاطة بجملة من الأحكام الشرعية العملية المستفادة من أدلتها التفصيلية، فصار الفقه قاصراً مفهومه على العبادات والمعاملات، والأنكحة، أو ما يسمى بالأحوال الشخصية والجنايات، وما أشبه ذلك، ولكن حقيقة الفقه هو: العلم بالطريق الموصل إلى الله. أو كما قال بعضهم: الفقه هو: معرفة أحكام الله عقائد وعمليات.
فالعقيدة بفروعها كافة والحديث عن الله عز وجل وأسمائه وصفاته، وأفعاله جل جلاله، والحديث عن أركان الإيمان، والحديث عن الجنة والنار، وعذاب القبر ونعيمه، هذا كله فقه، لكنه فقه القلوب؛ لأنه يتعلق بالعقائد التي تنعقد عليها القلوب.
ومطلوب منا معرفة هذين النوعين من الفقه: معرفة العقائد، ومعرفة العمليات، وهذا الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل: وما رياض الجنة يا رسول الله! قال: مجالس الذكر).
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هي المجالس التي يتعلم فيها الحلال والحرام، أي: أن يتعلم المرء كيف ينكح.. كيف يطلق.. كيف يبيع.. كيف يشتري، هذه هي مجالس الذكر، وليست مجالس الذكر هي التي يردد فيها الناس لفظ الجلالة مفرداً، أو يرددون فيها يا لطيف! يا لطيف! أو يستعملون بعض الآلات وما أشبه ذلك.
ومجالس الذكر هي أن يغدو الإنسان إلى بيت من بيوت الله فيتعلم آية أو آيتين أو ثلاثاً، أن يجتمع مع إخوانه يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، ويتذاكرون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته المطهرة، هذه هي مجالس الذكر.
الأمر الرابع: هذه الدراسة التي نتناولها هي على مذهب مالك رحمه الله، ولعل قائلاً يقول: ولمَ ندرس مذهب مالك ؟ ولم لا ندرس غيره؟
والجواب: أن الأمة قد اجتمع قولها على إجلال الأئمة الأربعة، وهم: الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، والإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي ، والإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، والإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمة الله على الجميع. ولا يعني ذلك أنه لا يوجد في الأمة سوى هؤلاء الأئمة، بل هناك مثلهم، ومن هو أعلم منهم، ومن هو دونهم، وكلهم إمام مقدم متبوع، وعلى رأس هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة، وكذلك عبد الله بن مسعود ، و أبو موسى الأشعري ، و معاذ بن جبل ، و عبد الله بن عباس ، فهؤلاء جميعاً لهم أقوال، ولهم فقه منثور في الكتب، ثم من بعدهم: الإمام أبو سعيد الحسن بن يسار البصري ، والإمام أبو عمرو عبد الرحمن الأوزاعي ، والإمام سفيان الثوري ، والإمام خالد بن يزيد الكلبي المعروف بـأبي ثور ، والإمام الليث بن سعد المصري ، والإمام داود بن علي الظاهري ، والإمام سفيان بن عيينة فهؤلاء جميعاً أئمة كبار، لكن قيض الله عز وجل لهؤلاء الأربعة تلاميذ حفظوا أقوالهم، وسجلوا آراءهم، وبعد ذلك نشروها، وفرعوا عليها، وقعدوا، وكتب الله عز وجل لهم القبول.
والإمام مالك رحمه الله إمام مقدم، من أئمة أهل السنة، عرف عنه العلم والورع والأدب الجم، وعرف عنه سلامة المعتقد، وصحة الاستدلال مع هيبة العلم ووقار التقى، كما قال القائل في مدحه:
يدع الجواب فلا يراجع هيبة
والسائلون نواكس الأذقان
عز الوقار ونور سلطان التقى
فهو المهاب وليس ذا سلطان
فالإمام مالك رحمه الله إمام مقدم بين أهل السنة؛ كان قوالاً بالحق:
صموت إذا ما الصمت زين أهله
وفتاق أبكار الكلام المختم
وقد أثنى عليه الأئمة الكبار كـأبي حنيفة و الشافعي و أحمد رحمة الله على الجميع. فإذا درسنا مذهب مالك رحمه الله فإنما ندرسه؛ لأنه المذهب ولأن أقواله لا تخرج عن الكتاب والسنة مع التأكيد على أننا نعتقد -معشر أهل السنة- أنه ليس في هذه الأمة معصوم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي لا ينطق عن الهوى.
أما سائر من دونه -بداية من أبي بكر رضي الله عنه الذي هو خير هذه الأمة بعد نبيها وانتهاءً بمن دونه- فالكل يؤخذ من قوله ويرد، ويخطئ ويصيب، لكن هؤلاء الأئمة الكبار صوابهم أكثر من خطئهم، ولو كان لهم أخطاء في بعض الأقوال أو الفتاوى فهذه الأخطاء سيئات مغمورة في بحور حسناتهم، ولا أعني بالسيئات ما كان ضد الحسنة؛ لأنهم مأجورون أخطئوا أو أصابوا، كما ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)، والمذموم: أن يقول الإنسان على الله ما لا يعلم، قال عز وجل: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[الأعراف:33]، وقال: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ[النحل:116].
والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (هلا سألوا إذ جهلوا، إنما شفاء العي السؤال)، وقال: (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من ترك (لا أدري) أصيبت مقاتله، فعلى طالب العلم أن يعود لسانه على قول: لا أدري، كما كان الأئمة الكبار يفعلون ذلك.
الأمر الخامس: علينا أن نعلم أننا مسئولون ومحاسبون عما ننطق ونتكلم به.
مبطلات الصلاة على نوعين:
النوع الأول: ما يكون سابقاً عليها، كفقد الطهارة، فإذا صلى إنسان من غير طهارة فصلاته باطلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول).
النوع الثاني: مبطلات تكون في أثناء الصلاة، فمن ترك ركناً عمداً أو سهواً ولم يتدارك ذلك أثناء الصلاة فإنها تبطل بذلك، وهذه المبطلات على مذهب مالك رحمه الله وهي:
أولاً: ترك فرض من فرائضها، وكلمة الفرض وكلمة الركن وكلمة الواجب عند جمهور العلماء معناها واحد؛ اللهم إلا في الحج فإنهم فرقوا بين الركن والواجب، أو بين الركن والفرض، فمثلاً: يقولون: الأركان في الحج أربعة: الإحرام، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، ثم بعد ذلك يعددون الواجبات: الإحرام من الميقات، والمبيت بمزدلفة، والمقام بعرفة إلى أن يجمع بين الليل والنهار، ورمي الجمار في أيام التشريق، والمبيت بمنى، وطواف الوداع، وما إلى ذلك.
أما في الصلاة.. في الصيام.. في الزكاة فإن الركن والفرض والواجب بمعنى واحد.
والحنفية وحدهم هم الذين يفرقون بين الفرض والواجب، فحين نقول: تبطل الصلاة بترك فرض من فرائضها فالمقصود: بترك ركن من أركانها، سواء كان هذا الركن قولياً كقراءة الفاتحة، أو كان هذا الركن فعلياً كالركوع أو السجود.
فإن قيل: ما الدليل على أن الصلاة تبطل بترك ركن من أركانها؟ قلنا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه -وهو في الصحيحين- في قصة الرجل الذي أساء الصلاة وفيه: (أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، وصلى صلاة سريعة، ثم جاء فسلم -وقال: السلام عليك يا رسول الله! قال: عليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل، فذهب الرجل فأعادها على تلك الهيئة، ثم جاء فسلم، فقال: عليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل، فذهب وأعادها ثالثة، ثم جاء فسلم، فقال: وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها فعلمني فداك أبي وأمي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، وكبر، واقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تطمئن قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن قاعداً وافعل ذلك في صلاتك كلها).
وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم ببطلان صلاة ذلك الرجل؛ لفقد ركن واحد من أركانها، وهو الطمأنينة؛ فقد أتى بكل أركانها، لكنه لما لم يطمئن قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فإنك لم تصل)، فدل ذلك على أن ترك ركن من أركان الصلاة يجعلها باطلة، فإن تركها عمداً فقد بطلت، وإن تركها سهواً ولم يتدارك وطال الفصل فقد بطلت كذلك.
وأركان الصلاة هي: النية المعينة، وتكبيرة الإحرام، والقيام لها، وقراءة الفاتحة والقيام لها، والركوع والرفع منه، والسجود، والرفع منه، والطمأنينة، والاعتدال، والترتيب، والسلام المعرف بالألف واللام.
الأمر الثاني: تعمد زيادة ركن من الأركان الفعلية، كركوع أو سجود، فلو أن إنساناً بدلاً من أن يركع مرة واحدة ركع مرتين معللاً ذلك بقوله: كما أني أسجد سجدتين أركع ركعتين، أو أنه بدلاً من أن يسجد سجدتين سجد ثلاثاً، فهذا تلاعب بالصلاة، وقد اتفق أهل العلم على أن من تعمد زيادة ركن فعلي فقد بطلت صلاته؛ لأن هذا تلاعب بالصلاة، والدليل على هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
قال العلماء: قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) هو مقياس العمل في الباطن، وقوله: (من عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) مقياس العمل في الظاهر، فمن أجل أن يقبل العمل عند الله لابد أن يستقيم الباطن والظاهر، فلو أن إنساناً جاء إلى المسجد ولم تخرجه الصلاة وإنما خرج مجاملة أو لشهود عقد نكاح، أو لأن هناك مبايعة يريد أن يتمها، أو يقصد إنساناً له عليه دين يريد أن يقابله في المسجد ونحو ذلك؛ فليس له أجر، ولو أن إنساناً خرج ونيته الصلاة، لكن صلى على غير الصفة المشروعة فزاد في الأركان ونقص فأيضاً لا تقبل منه.
ولو أن الإنسان تعمد زيادة ركن قولي كالفاتحة، أو كبر تكبيرة الإحرام مرتين، فالمشهور عند الأئمة الأربعة أنها لا تبطل، وإنما البطلان متعلق بزيادة الركن الفعلي.
ويقول المالكية أيضاً: لو سها فأخرج الصلاة عن صفتها بأن صلى -مثلاً- الصلاة الثنائية أربعاً، والصلاة الثلاثية كالمغرب صلاها ستاً، والصلاة الرباعية كالظهر والعصر والعشاء صلاها ثمانياً ساهياً فإنها تبطل، وهذا السهو لا يغتفر؛ لأنه أخرج الصلاة عن صفتها وعن شكلها. وقد جاء في صحيح مسلم أن الوليد بن عقبة صلى بالناس في الكوفة على عهد عثمان رضي الله عنه الصبح أربعاً، ثم التفت إليهم، وقال: أزيدكم؟ فقال له أحدهم: والله ما زلنا في زيادة منذ أن وليت علينا. فعزله عثمان رضي الله عنه وجلده؛ لأنهم ذكروا عنه أنه كان شارباً الخمر.
الأمر الثالث: ما يشغل عن أداء ركن من أركانها، مثاله: من صلى ضاماً فخذيه؛ مدافعة للأخبثين: البول والغائط، ومثله: إنسان يعاني من الغثيان، ففي كل حين يمسك بفمه تارة وببطنه أخرى فهو في شغل عن الصلاة، ففي مثل هذه الحال تبطل صلاته، والأصل في ذلك حديث أمنا عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان). والأخبثان: البول، والغائط.
وهكذا المريض بمرض السكر إذا دافع البول خوفاً من خروجه، حتى اضطر إلى الجلوس؛ خوفاً من خروج البول؛ فإن صلاته تبطل.
وكذلك من وضع شيئاً في فمه وشغله ذلك عن قراءة الفاتحة وبدأ يعاني ما يعاني فإنها تبطل صلاته. ولابد أن نعرف بأن الطعام هنا مقيد بالحاجة، فمثلاً: لو جئت إلى البيت جائعاً، وقد استبد بك الجوع، فأقيمت الصلاة في المسجد فكل، ثم بعد ذلك صل، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان بين يديه شواء، فأقيمت الصلاة فقال: (لا تعجلونا حتى نفرغ) أي: حتى يقضي الإنسان نهمته من الطعام، لكن لو لم تكن للإنسان في الطعام حاجة، كأن يكون قد أخذ حاجته من الطعام، وإنما ينتظر غيره، من فاكهةٍ أو حلوى أو غير ذلك، فلو جلس إلى هذا فقد ارتكب إثماً؛ لأن هذا ليس قوتاً، ولا ضرورياً، فالواجب تركه وإدراك الصلاة.
الأمر الرابع: الضحك في الصلاة، فمن ضحك في صلاته فقد بطلت؛ فقد أجمع أهل العلم على أن الضحك في الصلاة مبطل لها، وهذا الإجماع حكاه الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى.
ومن ابتسم في صلاته فأكثر العلماء على أن الصلاة لا تبطل بذلك، لكن الذي يسبب البطلان هو القهقهة والضحك. وجمهور العلماء على أن صلاة من ضحك فيها باطلة والوضوء صحيح، وانفرد الإمام أبو حنيفة رحمه الله فقال: تبطل الصلاة والوضوء، واستدل على ذلك بحديث ضعيف فيه: (أن قوماً ضحكوا في الصلاة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا الوضوء والصلاة).
ورد عليه العلماء فقالوا: أولاً: الحديث لا يثبت، ثانياً: أنه مناقض للأصول؛ إذ كيف يكون الشيء ناقضاً في الصلاة، ولا يكون ناقضاً خارجها؟!! ولذلك لو أن إنساناً توضأ ثم لقي إنساناً فضحك معه فوضوءه لا يبطل باتفاق الحنفية، وغيرهم يقولون: لا يبطل وضوءه ولو ضحك في الصلاة؛ إذ كيف يبطل الضحك الوضوء في الصلاة ولا يبطله خارج الصلاة؟ وردوا على الحنفية بأن قياسكم هذا مناقض للأصول.
الأمر الخامس: تعمد النفخ في الصلاة، وقيده بعض العلماء بإذا بدا منه حرفان، والدليل على ذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأفلح ، -وهو غلام من غلمان النبي عليه الصلاة والسلام-: (يا أفلح ! ترب وجهك). وهذه كلمة لوم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (ثكلتك أمك يا معاذ !)، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر بعد حجة الوداع ويرجع إلى المدينة قيل له: (يا رسول الله! إن صفية قد حاضت، ولم تطف) يعني: لم تطف طواف الإفاضة، فقال: (عقرى حلقى) يعني: يدعو عليها بذهاب الشعر (أحابستنا هي؟ ثم قيل: قد طافت، فقال: فانفروا إذاً).
قال العلماء: هذا كله ليس على ظاهره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقول لأحد أصحابه: ثكلتك أمك، أو ترب وجهك، أو تربت يمينك، أو حلقاء عقرى، أو مثل ذلك من الكلام، فإنه لا يراد به ظاهره، وإنما هو على ما جرى به لسان العرب.
فهذا الغلام كان إذا سجد نفخ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ترب وجهك).
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (النفخ في الصلاة كلام) وهذا موقوف عليه، والحديث الأول -الذي هو حديث أفلح - رواه الإمام الترمذي ، وقد ضعفه بعض أهل العلم؛ لأنه من رواية ميمون أبي حمزة .
أما حديث ابن عباس رضي الله عنه فقد رواه سعيد بن منصور في سننه، قال ابن المنذر : ولا يثبت.
فالنفخ يبطل الصلاة ليس استدلالاً بحديث ابن عباس ، ولا بحديث أم سلمة في خبر أفلح ، وإنما لأن النفخ بمنزلة الكلام، فلذلك تبطل الصلاة بالنفخ.
الأمر السادس الذي تبطل به الصلاة: الأكل أو الشرب، والدليل على ذلك الإجماع، قال ابن المنذر رحمه الله: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامداً أن عليه الإعادة ولو أكل لقمة.
قال أهل العلم: ويعفى عن الشيء اليسير، كحبة بين أسنانه، وبعض الناس في رمضان يأكل التمر، ثم بعد ذلك يصلي دون أن يتمضمض، وفي أثناء الصلاة يعبث بلسانه بين ثناياه، ويبتلع ما يخرج منها، والأولى ألا يفعل ذلك؛ لأن بعض العلماء يبطلها حتى بالحبة اليسيرة، بل بعضهم يبطلها حتى بالنخامة التي تأتي من الرأس إذا بلعها في أثناء الصلاة.
ويلاحظ في كلام ابن المنذر أنه قيد الإعادة بالفرض؛ لأن العلماء رحمهم الله يقولون: إن النفل أوسع من الفرض، بمعنى: أنه يجوز في النفل ما لا يجوز في الفرض، وقد روي عن بعض الصحابة أنه كان يشرب في صلاة النفل.
ومما يدل على أن النفل أوسع من الفرض: أن الإقامة مخصوصة بالفريضة، وما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقيم للنافلة، ولو صلاها جماعة كصلاة الكسوف، والخسوف، والاستسقاء، والتراويح في رمضان.
الأمر السابع: تعمد القيء، إلا إذا غلبه وكان طاهراً يسيراً أي: قليلاً ولم يبتلع منه شيئاً.
وهذه كلها احترازات، فإذا ابتلع منه شيئاً فقد تحقق أنه أكله؛ لأن القيء نتاج الطعام.
وقولهم: وكان طاهراً لأنه إذا مكث الطعام في جوف الإنسان زماناً فتغيرت رائحته وتغير لونه فإنه قد خرج من حد الطهارة إلى النجاسة، فهذا أيضاً تبطل به الصلاة، وإذا تعمد القيء مطلقاً بطلت صلاته.
إذاً: لا تبطل الصلاة إذا ذرعه القيء، أي: غلبه وكان طاهراً، أي: لم يتغير؛ بأن أكل قبل قليل ثم قاء، وكان شيئاً يسيراً وليس كثيراً.
الأمر الثامن: الكلام إلا القليل لإصلاحها، فمن تكلم في الصلاة لغير مصلحة الصلاة فقد بطلت صلاته، والدليل على ذلك حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جانبه، حتى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[البقرة:238]. فأُمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام). وقوله هنا: أُمرنا ونهينا، معناه: أن الآمر والناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو في حكم المرفوع.
وكذلك جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي : (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من الكلام، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن) فـمعاوية بن الحكم رضي الله عنه جاء، وما كان يعرف بأن الصلاة قد منع فيها الكلام، فكبر، ثم سأل من بجواره: كم صليتم؟ قال: فما ردوا علي شيئاً، ثم عطس أحد الناس، فقلت له: يرحمك الله، فرمقني الناس بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما لكم تنظرون إلي؟ قال: فأخذوا يضربون أفخاذهم، فسكت، قال: فلما سلم دعاني رسول صلى الله عليه وسلم فوالله! ما رأيت معلماً أحسن منه، فداه أبي وأمي، والله! ما نهرني، ولا كهرني، ولا ضربني، ولكن قال لي: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن.
وأما الكلام القليل لإصلاحها فلا يبطلها، مثاله: إذا قام الإمام إلى خامسة فقلت له: سبحان الله! سبحان الله! فإذا لم ينتبه فقلت له: أتممت أربعاً، أو الصلاة تامة فهو كلام قليل يسير؛ يقصد به الإصلاح. والدليل على ذلك: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالصحابة إحدى صلاتي العشي -الظهر أو العصر- فسلم بعد ركعتين، ثم قام عليه الصلاة والسلام واستند على المنبر، وشبك بين أصابعه على هيئة المغضب، وفي القوم أبو بكر و عمر ، فهابوا أن يكلموه، فقال ذو اليدين -وسمي ذي اليدين إما لأن يديه طويلتان، أو لأنهما قصيرتان-: يا رسول الله! قصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: ما قصرت ولا نسيت، قال: بل نسيت، فقال صلى الله عليه وسلم: أحقاً ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا: نعم يا رسول الله. فاستقبل صلى الله عليه وسلم القبلة، وصلى ركعتين، ثم سجد للسهو).
فهنا حصل كلام، لكن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى، ولم يستأنف الصلاة، فوجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى، فدل ذلك على أن الكلام القليل لإصلاحها لا يبطلها.
أما إذا حصل الكلام في الصلاة -ولو كان بآيات، والمقصود الكلام- فقد بطلت الصلاة مثال ذلك: طرق الباب طارق، وقلت: (أدخلوها بسلام آمنين) فالصلاة باطلة. وهكذا لو أن أحداً من الناس سألك وأنت في الصلاة: ما مالك؟ فقلت: (والخيل والبغال والحمير) فصلاتك باطلة، أو لو أن إنساناً في الصلاة أتى بأمر عجيب، وذكرت آية أو بعض آية وقلت: سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[القصص:68]، أو لو أن إنساناً تكلم بمصيبة، أو ذكر أن فلاناً قد مات، فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] فصلاتك باطلة،
ولو سألك شخص: من أين جئت؟ وأنت في الصلاة، وقلت: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ[الحج:45] فصلاتك باطلة، أو لو أن إنساناً في الصلاة قال لك: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ[النمل:60]، فقلت: (لا إله إلا الله) بطلت أيضاً؛ لأنك قصدت الكلام، ولو جاء إنسان -مثلاً- يطلب كتاباً فقلت وأنت في الصلاة: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ[مريم:12] فصلاتك باطلة، ولو أنك جائع، وأنت تصلي الظهر أو العصر فدخلت الزوجة، فقلت: آتِنَا غَدَاءَنَا[الكهف:62] فأيضاً صلاتك باطلة.
فالمقصود بأنك إذا نويت الكلام ولو كان بالقرآن فقد بطلت الصلاة، لكن إذا كان الكلام قليلاً وقصد به إصلاحها فلا تبطل الصلاة.
فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء صلاته أن يعيد، ولم يأمر معاوية بن الحكم أن يعيد، مع أن الأول ارتكب مبطلاً وهو ترك الطمأنينة، والثاني ارتكب مبطلاً وهو الكلام، فلمَ أمر أحدهما بالإعادة ولم يأمر الثاني؟
فالجواب: أن معاوية بن الحكم معذور بحداثة التشريع؛ لأن نزول قول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[البقرة:238] رافع للأصل الذي هو إباحة الكلام، فلما ارتفع هذا الأصل ولم يعلم معاوية برفعه عذره رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما الآخر المسيء صلاته الأصل وجوب الطمأنينة، ولذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة التي صلاها، ولم يأمره بإعادة ما مضى، فكأنه صلى الله عليه وسلم عذره لجهله فيما مضى، ولم يعذره للجهل في تلك الصلاة الحاضرة.
الأمر التاسع: من سلم شاكاً في تمام صلاته، فلو أن إنساناً غلب عليه الشك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في الصلاة الرباعية، فسلم، وهو في حال شك، فهذا صلاته باطلة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم على الشاك بألا يسلم فقال عليه الصلاة والسلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى: أثلاثاً أم أربعاً؟ فليصل ركعة، وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم) يعني: إما أنه يستيقن فيبني على ما استيقن، فإن استيقن التمام بعدما طرأ له الشك فلا كلام، وأما إن استمر معه الشك فواجب عليه أن يبني على الأقل، فإذا كان قد شك أصلى اثنتين أم ثلاثاً؟ فليجعلها اثنتين. وإذا شك أصلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليجعلها ثلاثاً، وليأت برابعة، فإن كانت تمام الصلاة فالحمد لله، وإن كانت زيادة كان فيها ترغيم للشيطان. كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.
واستثنى العلماء هنا مسألة -وهي الآن غير موجودة- وذلك إذا دعاك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت في الصلاة فإنه يجب عليك أن تجيبه، والدليل على ذلك حديث أبي سعيد بن المعلى في صحيح البخاري قال: (كنت أصلي، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت أتيته) يعني: أن هذا الصحابي ما أجابه في الصلاة، وإنما انتظر إلى أن فرغ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ فقال: يا رسول الله! كنت أصلي، فقال عليه الصلاة والسلام: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[الأنفال:24]) فها هنا تنازع الإنسان أمران:
الصلاة فريضة، وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً فريضة، ومعلوم أنه إذا تزاحمت الواجبات نقدم الأهم فالمهم، فهنا نقدم إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك الصلاة يمكن تداركها.
وأيضاً: لو كان الإنسان في صلاة، فرأى أعمى يسير نحو هاوية، كأن أوشك أن يقع في بئر أو حفرة، ففي هذه الحالة يترك الصلاة وينقذ هذا الأعمى، أو يتكلم مع هذا الأعمى ويقول له: أمامك حفرة يا فلان! أو أمامك نار، ثم يستأنف صلاته. يعني: يبدأ من جديد، ولا إثم عليه إن شاء الله.
الأمر العاشر: سجود المسبوق الذي لم يدرك ركعة مع الإمام سجود سهو قبلياً كان أو بعدياً. مثاله: لو جئت إلى صلاة العشاء وأدركت مع الإمام التشهد الأخير، فإذا سجد هذا الإمام سجود سهو -سواء كان قبلياً أو بعدياً- فسجدت معه بطلت صلاتك؛ لأنك في هذه الحالة تنزل منزلة من تعمد زيادة ركن فعلي؛ لأنك لست في حكم المأموم.
قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، معنى ذلك أنك لو لم تدرك ركعة فلا تعد مأموماً؛ لذلك لا تسجد مع الإمام لا قبلياً ولا بعدياً، أما إذا أدركت مع الإمام ركعة فأنت مأموم، فإذا سجد الإمام سجوداً قبلياً فاسجد معه، أما إذا سجد سجوداً بعدياً فلا تسجد معه، بل أتم صلاتك، ثم اسجد بعد الصلاة.
فالخلاصة: أن من أدرك ركعة يسجد مع الإمام السجود القبلي، أما السجود البعدي فلا، بل يقوم ويتم صلاته، ثم يسجد بعد السلام كما فعل الإمام.
أما إذا لم يدرك مع الإمام شيئاً وذلك بأن جاء في التشهد الأخير، أو جاء في السجدة الأخيرة، أو جاء بعدما رفع الإمام من الركوع في الركعة الرابعة، فحكمه: ألا يسجد لا قبلياً ولا بعدياً، ولو سجد فصلاته باطلة؛ لأنه تعمد زيادة ركن فعلي، وهذه المسألة انفرد بها مالك رحمه الله، أما الأئمة الثلاثة فيقولون: من أدرك مع الإمام من الصلاة ولو لحظة قبل السلام فقد أدرك الصلاة، فيسجد مع الإمام السجود القبلي.
الأمر الحادي عشر: ترك سجود السهو القبلي إن كان ناشئاً عن ثلاث سنن وطال، مثلاً: إذا صليت الصبح فقرأت الفاتحة، ثم ركعت ونسيت قراءة السورة، فهذه ثلاث سنن: السورة قراءتها سنة، والقيام لها سنة، والجهر بها سنة أو في الركعة الأولى من صلاة الظهر بعد الفاتحة إذا ركعت، ونسيت السورة، فقد تركت ثلاث سنن: السورة سنة، والقيام لها سنة، والإسرار بها سنة، فيجب عليك سجود السهو القبلي، فإن تركته وطال الفصل فصلاتك باطلة، والطول هنا محدد بالعرف، فمثلاً: لو أنك نسيت سجود السهو، ثم بعد ذلك قمت، فصليت السنة، ثم بعد ذلك تكلمت مع بعض الناس، ثم خرجت خارج المسجد، ثم تذكرت أنك لم تسجد للسهو، فإنهم يعتبرون هذا فاصلاً طويلاً، فلا بد من إعادة الصلاة.
فإن قيل: لمَ حددوه بالثلاث؟ فالجواب: قالوا: لأن الثلاث هي أول حد الكثرة. بمعنى: لو أنك تركت سنتين مثلاً: تركت التكبير للركوع، وهذه سنة، وتركت التسميع -قول سمع الله لمن حمده- وهذه سنة، فهذا معفو عنه، أما إذا كانت السنن ثلاثاً فأكثر، وتركت سجود السهو لها، فإن الصلاة تبطل.
الأمر الثاني عشر: الأفعال الكثيرة، والمالكية رحمهم الله عندهم حد الكثير أنه إذا نظر إليه الناظر لا يظنه في صلاة. والشافعية يحدون الكثير بالثلاث حركات في الركن الواحد، فإذا تحرك عندهم الإنسان ثلاثاً تبطل الصلاة، وبعضهم قال: الأفعال الكثيرة هي التي تحتاج إلى اليدين معاً، أما ما كان بيد واحدة فيعد قليلاً. فمثلاً لو أن إنساناً عبث بلحيته فإنه يحتاج إلى يد واحدة، أما العمامة فتحتاج إلى اليدين كلتيهما، لكن عند المالكية أن الأفعال الكثيرة -كعبث بلحية، وحك جسد، وإصلاح رداء، ونحوه- إذا أكثر الإنسان منها بطلت صلاته، وهذا موجود عند بعض الناس اليوم، فتجده في الصلاة تارة يحك، وتارة يعبث، وتارة ينظف أظافره، وتارة يعبث بجيوبه، وتارة ينظر في الساعة، ولربما لو كانت الكهرباء مقطوعة ثم جاءت فإنه يرفع نظره ليتأكد من المراوح هل اشتغلت أم لا، فهذا تبطل صلاته.
أما الأفعال القليلة فلا تضر، وذلك كإصلاح رداء، ودفع مار، وإشارة بيد، والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
الدليل الأول: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت زينب ، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها).
الدليل الثاني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه وهو في الصلاة). وهذه حركات.
الدليل الثالث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة)، والأسودان: العقرب، والحية، وسميت الحية حية لطول حياتها، وهذه حكمة الله في أن الأشياء المؤذية حياتها طويلة، وأعظم الأشياء إيذاءً إبليس، وهو أطول الخلق عمراً.
الدليل الرابع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب لـعائشة وهو في الصلاة). وهذه كلها أحاديث صحاح ثابتة.
الدليل الخامس: كان الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة وأمامه سترة فجاءت جارية لتمر بين يديه، فما زال صلى الله عليه وسلم يتقدم حتى مرت من خلفه، وكذلك جاءت شاة لتمر فتقدم صلى الله عليه وسلم حتى مرت من خلفه، وأيضاً في صلاة الكسوف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، فتناول شيئاً ثم وهو في الصلاة تراجع عليه الصلاة والسلام، حتى ركب الناس بعضهم بعضاً، ثم بعد الصلاة سألوه، فقال صلى الله عليه وسلم: (رأيت الجنة والنار في مقامي هذا، فتناولت عنقوداً من عنب الجنة، لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار -وهذا سبب رجوعه عليه الصلاة والسلام- فلم أر كاليوم قط منظراً أفظع، ورأيت أكثر أهلها من النساء).
وبالمناسبة فإن النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة.
فالشاهد أن الحركة حصلت من الرسول عليه الصلاة والسلام كما في هذه الأحاديث كلها.
ولما نزل عليه جبريل وأخبره أن في نعليه نجاسة خلعهما وهو في الصلاة، فدل ذلك على أن الفعل القليل في الصلاة لا يضر. وهذا لا يسلم منه أحد إلا من رحم الله، فالإنسان في الصلاة قد يحتاج إلى حك جسد، أو إصلاح رداء، أو دفع مار، ونحو ذلك، فهذا معفو عنه. أما إذا كانت الصلاة كلها عبثاً ولعباً فهذه الصلاة باطلة نسأل الله العافية.
الأمر الثالث عشر: الفتح على غير إمامه، فإذا كان الإمام يقرأ وارتج عليه، وبعض الناس فتح عليه فهذا لا مانع منه، لكن الفتح له آداب، فمثلاً: تجد في صلاة التراويح أن الإمام لو تنحنح أو أراد أن يأخذ نفساً أو بعض الأئمة الموفقين ربما يغلبه البكاء فتجد بعض الناس من خلفه معه مصحف فيباشر بالرد سريعاًً، فمثلاً: لو أن الإمام وقف عند قوله: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا[العاديات:1]، فمباشرة يقول له: فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا[العاديات:2]، ويبدأ يطارد الإمام، وكذلك لو أن الإمام سكت أو أخطأ تجد أن المسجد كله يرد عليه، وهذا لا ينبغي، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو النهى والأحلام). فحبذا لو ترك للإمام الفرصة، بل قال بعض المالكية: نتركه إلى أن يردد الآية ثلاثاً، فإذا قرأ: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا[العاديات:1]. ثم سكت، ثم قال: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا[العاديات:1]، ثم سكت، ثم قال: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا[العاديات:1]. ففي هذه الحالة نقول له: فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا[العاديات:2] فيفتح على الإمام، لكن مطاردة الإمام هذه ليست مطلوبة.
والدليل على جواز الفتح على الإمام حديث عبد الله بن عمر : (أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة فقرأ فيها، فلبس عليه) لأنه عليه الصلاة والسلام بشر، وقد قال: (إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)، قال: (فلبس عليه عليه الصلاة والسلام، فلما انصرف قال لـأبي : أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك). يعني: فما منعك أن تفتح علي؟ أو ما منعك أن تذكرني؟ أو ما منعك أن تلقنني؟ فدل ذلك على أن المأموم يستحب له أن يفتح على الإمام.
أما مسألة الفتح على غير الإمام فإن صورتها: أن يكون رجل يصلي خلف إمام وآخر يقرأ بجانبه، فقرأ الذي بجانبه مثلاً: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[البينة:7]، وارتج عليه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[البينة:7] فأشفق عليه الذي في الصلاة فقال له: أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ[البينة:7]، فإنه بهذا تبطل صلاته.
والعلة: أن هذا تعليم وتعلم، فكان من جنس كلام الناس.
وأريد أن أنبه هنا على أمرين:
الأمر الأول: أن الفقه يقوم على دعامتين، الدعامة الأولى: الدليل.
والدعامة الثانية: التعليم.
يعني: أن الأدلة لابد أن تحفظ سواء كانت آية أو حديثاً والتعليم أيضاً احرص عليه، وليس بالضرورة أن تعبر بنفس الكلام الذي أملي عليك، بل يمكن أن تعبر من عندك، لكن بشرط أن يكون المعنى هو هو.
فالفتح على غير الإمام تبطل به الصلاة؛ لأنه لا يعد صلاة، وإنما يعد درساً.
الرابع عشر: من أحدث في الصلاة، مثل إنسان كان يصلي فسبقه الحدث فتبطل صلاته؛ لحديث علي بن طلق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينطلق وليتوضأ، وليعد الصلاة).
وأبو هريرة رضي الله عنه لما ذكر الحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فسأله رجل من حضرموت: ما الحدث؟ قال: فساء أو ضراط.
قال أهل العلم: فسر أبو هريرة الحدث ببعض أفراده؛ لأن كلمة (الحدث) ليست الفساء والضراط وحدهما، وإنما من بال وهو في الصلاة أو تغوط وهو في الصلاة فإنها تبطل بذلك. فإن قيل: لمَ فسر أبو هريرة الحدث بهذين: الفساء والضراط؟ قالوا: لأنهما يقعان غالباً في الصلاة أكثر من غيرهما، فيمكن أن الواحد وهو في الصلاة يحصل منه فساء أو ضراط، ولكن نادراً أن الإنسان يبول أو يتغوط في الصلاة. ففسر الحدث ببعض أفراده لغلبته في الصلاة، أو تنبيهاً بالأدنى على الأعلى، يعني: إذا كان الفساء والضراط حدث، فمن باب أولى البول والغائط، وهذا كما قال ربنا عز وجل: َلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ[الإسراء:23]، إذاً: من باب أولى لا تنهرهما ولا تضربهما، ولا تشتمهما.
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق يسرق البيضة). فالذي يسرق دجاجة أو يسرق ديكاً لا شك أنه ملعون من باب أولى.
الأمر الخامس عشر: نسيان الحدث كإنسان دخل في الصلاة وهو لا يدري أنه محدث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
هذه مبطلات الصلاة عند المالكية، وهي خمسة عشر، وفي بعض كتب المالكية يفصلون أكثر، لكن مردها إلى هذه الخمسة عشر، فمثلاً: قالوا: رفض النية، أي: تركها وإبطالها، وهذا يندرج تحت تعمد ترك ركن من الأركان؛ لأن النية ركن، فلو أنه ترك النية، يعني: في أثناء الصلاة عزم على الخروج منها تبطل صلاته، وهكذا لو علق النية، فمثلاً: زيد إنسان مدين لك، وعنده مال، وقلت في نفسك: أنا جئت أتفقد زيداً فلعل زيداً إن رآني هرب، فأنا أضمرت في نفسي: إن جاء زيد وأنا في الصلاة خرجت، من أجل أن أمسك به، فهذا مندرج تحت تعمد ترك ركن من أركان الصلاة.
أيضاً ذكروا من المبطلات: تعمد زيادة تشهد بعد الركعة الأولى أو الثالثة، وهذا يدخل في تعمد زيادة ركن فعلي، والتشهد ليس ركناً، وإنما الجلوس هو الركن، فإن من أركان الصلاة السلام من جلوس، فلو سلمت في الصلاة وأنت قائم فصلاتك ليست صحيحة.
كذلك قالوا: التصويت عمداً كأن يصوت وهو في الصلاة مثل صوت الغراب، أو زجر هرة فقال: بس: م الله الرحمن الرحيم، فهذا صلاته باطلة.
كذلك ذكروا من مبطلات الصلاة: طروء ناقض للوضوء، وهذا هو الذي ذكرناه أخيراً، فإنه داخل تحت من أحدث في الصلاة.
أيضاً ذكروا من النواقض: كشف العورة المغلظة، وهذه داخلة في النواقض التي هي قبل الصلاة؛ لأنه اختل شرط من شروطها، يعني: من صلى قبل دخول الوقت نقول: صلاته باطلة، ومن صلى إلى غير القبلة فصلاته باطلة، ومن صلى دون أن يستر العورة فصلاته باطلة، ومن صلى بغير طهارة فصلاته باطلة؛ وذلك لتخلف شرط من شروط صحة الصلاة. فهو أصلاً دخل في الصلاة دون أن يحصل شروطها.
أيضاً: طروء نجاسة على المصلي، أو علمه بها أثناء الصلاة، أو طروء شاغل عن إتمام فرض، وقد ذكرنا منه اثنين: ما يشغل عن أداء الفرض، ومثلنا له باحتباس البول، أو غثيان النفس، أو كثرة الهم، بحيث إنه لا يعقل كم صلى؟ ولا يعقل من صلاته شيئاً. وهذا يحصل أحياناً.
أيضاً: الردة، نسأل الله العافية، وأعاذنا الله منها! فلو أن إنساناً ارتد في أثناء الصلاة فإنه تبطل صلاته، والدليل على ذلك قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة:217]، والآية هنا من قبيل اللف والنشر المرتبين، يعني: أنهما فعلان ترتب عليهما عقوبتان، فالفعلان: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ))، والعقوبتان: فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) يعني: كل فعل تقابله عقوبة؛ لئلا يقول قائل بأن في الآية: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ))، فإذا ارتد في صلاته ثم رجع إلى الإسلام فإنه تكون صلاته صحيحة، ويبني على ما مضى، بل نقول له: لا؛ لأنه لما ارتد حبط عمله، ومن جملة العمل الصلاة، وعلى هذا تكون باطلة.
كذلك ذكر المالكية من جملة النواقض: الاتكاء على عصاً أو حائط لغير عذر، قالوا: لأنه يكون مخلاً بالقيام، فيدخل هذا الناقض في الناقض الأول الذي هو تعمد ترك ركن من أركانها، ومن أركان الصلاة القيام للقادر عليه.
الحنفية رحمة الله عليهم ذكروا مبطلات غير التي قالها المالكية، ومن ذلك: الدعاء بما يشبه كلام الناس، كأن يقول: اللهم زوجني فلانة، فمن قال هذا وهو في الصلاة فعند الحنفية صلاته باطلة، لكن يقال لهم: أليس هذا دعاءً بأمر مشروع؟ فما الذي يجعلها باطلة؟
كذلك أيها الإخوان! الحنفية رحمهم الله قالوا: من مبطلات الصلاة: التأفيف، والتضجر، والأنين، والتأوه، وهذا كله يرجع إلى ما ذكره المالكية في مسألة أنه إذا كان النفخ مبطلاً فهذا من باب أولى. والإنسان يجد في المساجد عجباً!!
كذلك من المبطلات: تشميت العاطس، وهذا يدخل في الكلام لغير مصلحة الصلاة.
ومن المبطلات كذلك عند الحنفية والحنابلة أيضاً: رؤية المتيمم ماءً، فمثلاً: أنا افتقدت الماء، والتمسته، وما وجدته، فطلبته وحرصت عليه ولو بالثمن، فما وجدت فتيممت وشرعت في الصلاة، ثم سمعت خرير الماء وأنا في الصلاة، فتبطل الصلاة عند الحنفية، أما المالكية والشافعية فلا تبطل عندهم عملاً بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن:16]، ولقوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ[محمد:33]، ولأنك شرعت في العمل الصالح بالشرط الذي أقدرك الله عليه، فتتم صلاتك، بخلاف الحنفية والحنابلة الذين يقولون: إذا رأى المتيمم الماء يقطع الصلاة؛ لأن هذه الصلاة تبطل، ويذهب يتوضأ، ويستأنف من جديد.
كذلك الحنفية يقولون: من المبطلات: قدرة المومئ على الركوع والسجود، والمؤمئ هو الذي يصلي إيماءً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، وإن لم تستطع فعلى جنب، فمن لم يستطع فليومئ إيماءً). فقالوا: لو تصور بأن إنساناً يومئ في الصلاة، وفي أثناء الصلاة زال العذر، ففي هذه الحالة هذه الصلاة تبطل، ويستأنف من جديد بالركوع والسجود.
قالوا: من المبطلات: وجدان العاري ساتراً، فمثلاً: إذا لم يجد الإنسان شيئاً يستره في الصلاة ولا ثوب حرير ففي هذه الحالة لا يصلي عارياً، بل يتضام، يعني: لا يأتي بالسجود على الهيئة المشروعة بأن يدافع عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويجنح، وإنما يتضام، فلو وجد ثوباً وهو يصلي، فالحنفية يقولون: تبطل صلاته ويبدأ من جديد.
أيضاً: من المبطلات عندهم: محاذاة المرأة لرجل بساقيها أو قدميها محرماً كانت أو غير محرم، ولو عجوزاً شوهاء، وفي الحج الإنسان أحياناً قد يصلي وفجأة يجد بجواره امرأة، وربما تكون شابة، بل أغرب من ذلك أن كثيراً من الناس يصلي في البيت مع زوجته، ويقيمها إلى جواره وهذا خطأ، فإذا صليت بزوجتك أو بأمك أو بابنتك فالمفروض أن تكون من خلفك، كما قال أنس : (وصففت أنا واليتيم خلفه، والعجوز من ورائنا)، فهذا الحديث أصل في أن المرأة لا تحاذي الرجل في الصلاة، ولو كانت أصغر.
كذلك يعدون من المبطلات أيضاً: زوال الشمس في العيدين، فوقت صلاة العيد من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى زوالها، فلو أن أناساً أخروا صلاة العيد ثم شرعوا فيها فزالت الشمس قبل أن يأتوا بركعة فقد خرج وقتها، وبطلت.
الحنابلة رحمة الله عليهم يذكرون من المبطلات: اللحن في القراءة بما يغير المعنى، فمثلاً: قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ[البينة:7]، لو أن رجلاً سبق لسانه فقال: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم شر البرية فمثل هذا يغير في المعنى، ومثله أيضاً: قول الله عز وجل في قصة ابني آدم: إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[المائدة:27]، إلى أن قال: فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا[المائدة:30-31] لو قال: فبعث الله غباراً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ[المائدة:31] فهذا مبطل للصلاة.
فكلام الحنابلة هذا لو أننا أخذنا به فسنحكم ببطلان صلاة أهل السودان، ففيهم أئمة كبار السن يقرءون: إنا أنزلناه في ليلة الغدر، وما أدراك ما ليلة الغدر، ليلة الغدر خير من ألف شهر، وبعضهم يقرأ: المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباغيات الصالحات، والباغيات: جمع بغية. نسأل الله العافية، لكن القول المعتمد بأن الحروف إذا تقاربت مخارجها يعفى فيها مثل الضاد والظاء.
من مبطلات الصلاة عند الشافعية: تخلفه عن الإمام بركنين فعليين، وهذه موجودة مثل: إمام رفع، وسجد، وهو ما زال راكعاً، فالشافعية يبطلون صلاته، وهذا القول قوي جداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه). وما قيمة صلاة الجماعة إذا كان الإمام سيكون ساجداً، وبعض الناس راكعاً، وبعضهم قائماً؟!
والحنفية عندهم مبطلات الصلاة ثمانية وستون مبطلاً.
السؤال: ماذا عن مس الحصى أو التراب عند السجود؟
الجواب: إذا كان رجل يصلي على التراب، وقبل أن يسجد يسوي التراب أو ينفخ حرصاً على عمامته، فهذا صلاته أحرى بالبطلان، وإلا فقد جعل الله لك مخرجاً بأن تضع ثوباً، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الحر، فلم يشكنا). يعني: ما استمع إلى شكوانا (وأذن لنا في أن يبسط أحدنا ثوبه) فلا مانع أن تفرش، أما أن تنفخ فلا.
السؤال: ما حكم من يقول: إن مذهبه الكتاب والسنة؟
الجواب: هذه تحتاج إلى كلام كثير؛ لأن الأئمة الكبار رحمة الله عليهم مذهبهم الكتاب والسنة، لكن لو أني لجأت إلى الكتاب والسنة وأنت لجأت إلى الكتاب والسنة والثالث والرابع فسيصبح الأمر فوضى، وما أتي الخوارج إلا من هذا المأتى، فإنهم لما كفروا أصحاب الكبائر استدلوا بالكتاب والسنة، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا[النساء:14]، قالوا: الخلود لا يكون إلا للكافر، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثنتان في أمتي هما بهما كفر: الطعن في الأنساب والنياحة على الميت). فقالوا: سمى المعصية كفراً، ولو جلسوا إلى العلماء لفهموا بفهمهم، ولذلك كفروا الأمة، وسفكوا الدماء، فهل يصلح مثلاً إذا أصيب ولدي بمرض أن أذهب إلى كتب الطب، وأقرأ بأنه إذا كان هناك حمى وكحة وكذا فالدواء كذا؟ الجواب: لا، ولو فعلت ذلك لهلك الولد، ولوجبت علي دية القاتل خطأً، فإن من يتطبب وهو ليس بطبيب فإن عليه الضمان، كذلك لو أن إنساناً يلجأ إلى الكتاب والسنة وليس عنده الآلة، وليس عنده فهم في لغة العرب، ولا معرفة بالأسانيد، ولا يستطيع أن يميز الصحيح من السقيم، ولا أن يعرف الخاص والعام والمطلق والمقيد، ولا عرف المسائل الإجماعية والمسائل الخلافية؛ فمثل هذا يحصل به شر عظيم.
والمفروض أننا لا نغالط أنفسنا فلا يقول أحدنا: نحن رجال وهم رجال، كما يقول بعض الناس، بل ممكن أن نقول: نحن ذكور وهم ذكور، أما من الناحية العلمية فلا يخفى أن أولئك السابقين كانوا أورع وأعلم وأتقى وأقرب عهد بميراث النبوة، أما نحن الآن فلساننا أعجمي، وفهمنا سقيم، ونسأل الله أن يعافينا.
السؤال: أكل الميتة يجوز إذا خاف الإنسان الهلاك، فهل يجوز له أن يأخذ منه زاداً حتى يجد غيره؟
الجواب: المالكية قالوا: يأكل، ولا يتزود؛ لأن الله عز وجل ما أباح إلا الأكل، والأكل يكون بقدر ما يسد الرمق، فلا تأخذ إلا بقدر ما يسد الرمق، كذلك لو أن إنساناً عانى من العطش أو الغصة فيأخذ من الخمر بقدر ما يزيل الضرورة.
السؤال: الضحك مبطل للصلاة، فما حكم من صلى وهو غضبان؟
الجواب: ليس هناك مشكلة إن شاء الله، لكن ورد في القضاء أنه لا يحكم القاضي وهو غضبان، وقاس عليه العلماء كل ما كان سبيله التشويش، فلا يحكم القاضي وهو جوعان، ولا يحكم القاضي وهو حاقن، ولا يحكم القاضي وهو حاقب يعني: إذا كان القاضي محتاجاً للحمام فإنه يمشي إلى الحمام، وإذا كان جائعاً يأكل، وإذا كان غضبان ينتظر إلى أن يزول غضبه.
السؤال: ما حكم من بصق أو تفل عن شماله، وهناك من هو عن يمينه في الصلاة؟
الجواب: لا حرج إن شاء الله، ولكن لا يكون في المسجد، ولا يكون في أرض المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)، أما إذا كان عندك منديل أو بصقت في كمك ونحو ذلك فلا حرج إن شاء الله.
السؤال: ما حكم من صلى وفوه ممتلئ بالبصاق، في صلاة الجهر، أو جعل البصاق بأطراف فيه ثم قرأ؟
الجواب: هذا يدخل في الناقض الثاني. وهو ما يشغل عن أداء الركن القولي، والركن القولي هو: تكبيرة الإحرام، والفاتحة، والسلام. فإنسان ممتلئ فوه بالبصاق لا يستطيع أن يسلم ولا أن يقرأ الفاتحة أيضاً، ولا أن يقيم الحروف.
السؤال: الأدلة التي ذُكرت على أن القليل لا يبطل هل تُحمل على الفرض والنفل أم على الفرض فقط؟
الجواب: نعم. تُحمل على الفرض والنفل، يعني: أحكام صلاة النفل هي كأحكام صلاة الفرض إلا ما خصه الدليل، فمثلما أن الفريضة يشترط لها استقبال القبلة والطهارة وإزالة النجس وما أشبه ذلك فكذلك النافلة، ومثلما أن الفريضة من أركانها الطمأنينة فكذلك النافلة، إلا ما خصه الدليل من إسقاط القيام ونحو ذلك.
السؤال: أحياناً قد ينسى الإنسان جهاز الهاتف السيار وهو مفتوح فهل إذا أقفله في الصلاة يعد من القليل الذي لا يبطل؟
الجواب: الواجب أن الإنسان إذا صوت الجهاز وهو في الصلاة أن يغلقه؛ لأنه يشوش على المصلين، ولو أدى ذلك إلى بطلان الصلاة؛ لأن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام. خاصة أن بعض الناس صار يبرمج هاتفه على بعض الأغاني والأناشيد، ثم تجده في المسجد يصدر هذا الصوت، ويبدأ المصلي ولربما الإمام يفكر هل هذه أغنية فلان أم فلان؟ والإثم على هذا الذي لم يتق الله عز وجل في بيت الله.
السؤال: ما حكم من يغمض عينيه في الصلاة؟
الجواب: من مكروهات الصلاة: التغميض، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرمي ببصره نحو موضع سجوده، اللهم إلا إذا كان هناك ما يلهي، أي: إذا كان هناك شيء يلهيك وخفت أن تضيع صلاتك ويذهب خشوعك فأغمضت عينيك فلا حرج إن شاء الله.
السؤال: ما حكم محاكاة الإمام في قراءة القرآن؟
الجواب: هذا خطأ، وبعض الناس إذا كان يحفظ السورة التي يقرؤها الإمام، يبدأ يشوش على الإمام، والنبي صلى الله عليه وسلم لما لبس عليه في الصلاة قال: (إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟! هل قرأ منكم أحد معي؟ فالصحابة رضي الله عنهم قالوا: نعم. قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن). يعني: إذا قرأت فلا تقرأ إلا الفاتحة فقط، أما أنك تقرأ مع الإمام فلا.
السؤال: ما حكم الصلاة الصورية مع الإمام المذكورة في بعض كتب المالكية؟
الجواب: من أحدث في الصلاة وجب عليه الخروج، فإذا وجد بأن الصفوف بالخلف ممتلئة والمسجد كبير فيشوش على الناس فيجب عليه الجلوس، أما الصلاة الصورية بأن أقوم مع الإمام وقد علمت بأن صلاتي قد بطلت فبعض العلماء قالوا: يخشى على من فعل هذا من الكفر؛ لأنه مستهزئ، فالإنسان إذا طرأ عليه الحدث يخرج.
السؤال: إذا كنت في الركعة الأخيرة، وشعرت بريح فحبستها وأنا في التشهد، فهل تبطل الصلاة؟
الجواب: طالما أنك حبستها لا تبطل إن شاء الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر