أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين ) ].
يقول النسائي رحمه الله: باب فرض زكاة الفطر على المسلمين دون المعاهدين، ومراد النسائي بهذه الترجمة هو أن الإسلام شرط في وجوب الزكاة، وأن من تجب عليه زكاة الفطر لا بد أن يكون مسلماً، سواء كان حراً أو عبداً، أو ذكراً أو أنثى، أو صغيراً أو كبيراً، المهم أن يكون من المسلمين وليس من الكفار؛ وذلك أن الكفار لا تنفعهم هذه الأعمال، حيث لم يوجد منهم الأصل الذي هو الشهادتان، الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وإنما الأحكام هي للمسلمين، ولا يعني هذا أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، فالمسألة خلافية من مسائل الأصول، وأصح الأقوال فيها: أنهم مخاطبون، وأنهم مطالبون بالأصول ومطالبون بالفروع، وثمرة ذلك أنهم يعاقبون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، لكن هذا لا يعني أنهم يأتون بالفروع فتنفعهم؛ لأنه لا بد من إتيانهم بالأصول ثم إتيانهم بالفروع، وعلى هذا فقد جاءت السنة بأن الزكاة -زكاة الفطر- إنما تجب على المسلمين، وكذلك زكوات الأموال إنما تجب على المسلمين؛ كما جاء في حديث معاذ بن جبل: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ).
فذكر الإسلام أولاً، ثم ما يليه وهو الصلاة، ثم ما يليه وهو الزكاة، وعلى هذا فزكاة الفطر إنما تجب على المسلمين، وليس على غيرهم من الكفار المعاهدين، وإنما هي من خصائص المسلمين، وقد جاء في الحديث أنها طهرة للصائم وطعمة للمساكين، والكافر لا تطهير له في أي عمل من الأعمال ما دام الكفر موجوداً، وما دام الشرك موجوداً والعياذ بالله.
ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين)، ومحل شاهد الترجمة كلمة: (من المسلمين) التي جاءت في آخر الحديث، يعني: يكون حراً أو عبداً، أو ذكراً أو أنثى من المسلمين.
هو المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
[ والحارث بن مسكين ].
شيخ ثاني للنسائي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له ].
قال: قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، يعني: أن اللفظ إنما هو للشيخ الثاني الذي هو الحارث بن مسكين ، اللفظ الموجود والمذكور هو لفظ الحارث بن مسكين الذي هو الشيخ الثاني، وليس الشيخ الأول الذي هو محمد بن سلمة المرادي المصري.
[ عن ابن القاسم ].
هو عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري ، وأبو داود في المراسيل ، والنسائي.
[حدثني مالك]
هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، وقد قال عنه الحافظ ابن حجر: رأس المتقنين وكبير المثبتين، يعني: أنه قمة في الثقة والعدالة، والاحتجاج بكلامه وبقوله رحمة الله عليه.
[ عن نافع ].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل ما تقدم، إلا أنه أتم وأشمل من الذي قبله؛ لأن فيه -بالإضافة إلى ما قبله- ذكر الصغير والكبير؛ فالأول ما فيه إلا أربعة، الأول حر أو عبد، ذكر أو أنثى، ما فيه صغير أو كبير، يعني: فيه زيادة التنصيص على الصغير والكبير، وفيه أيضاً: ( وأن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )، يعني: زكاة الفطر تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، أي: صلاة العيد، وهذا هو أفضل أوقات إخراجها؛ لأنه من أول النهار، حيث يستقبل الفقراء والمساكين يومهم وعندهم القوت وعندهم الطعام، وهو يوم لا يحتاجون فيه إلى أحد، ولهذا جاء في الحديث: ( أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم )، وجاء طهرة للصائم، وطعمة للمساكين، فإعطاؤها إياهم قبل الصلاة، يعني: إعطاؤهم إياها في أول ذلك اليوم الذي هو يوم العيد، الذي أريد أن يستغنوا عن الحاجة إلى الناس، وإلى الطعام بأن لا يحتاج إلى سؤال من أجل الحصول على الطعام، بل أمر بإطعامهم هذه الزكاة الواجبة.
وقد جاء أن صلاة عيد الفطر يشرع تأخيرها بعد دخول وقتها، وصلاة الأضحى يشرع تعجيلها بعد دخول وقتها، وتأخير صلاة العيد يوم الفطر؛ ليتسع للناس وقت إخراج الفطرة، وتعجيل صلاة الأضحى في أول وقتها؛ ليتسع للناس وقت الذبح؛ لأن الذبح يبدأ بعد الصلاة، ولهذا جاءت السنة بتعجيل صلاة الأضحى، وتأخير صلاة الفطر؛ تأخير صلاة الفطر ليتسع للناس وقت إخراج الفطرة، وتعجيل صلاة الأضحى ليتسع للناس وقت الذبح؛ لأن الذبح يوم عيد الأضحى بعد الصلاة، ولا يجوز الذبح قبل الصلاة؛ كما جاء في حديث الرجل الذي ضحى قبل الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( وشاتك شاة لحم )، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين كما كان الصحابة يفعلون ذلك، ولكن أفضل أوقاتها يوم العيد قبل الصلاة.
الحاصل: أن الحديث دال على ما ترجم له النسائي من التنصيص على كلمة المسلمين، وفيه عن الذي قبله هذه الزيادة، وهي بيان أن الزكاة تخرج يوم العيد قبل الصلاة، وفيه أيضاً: زيادة الذكر والأنثى على الحر والعبد، وفيه: ذكر الصغير والكبير زيادة على ما تقدم في الحديث الذي قبله، وهو: الحر والعبد، والذكر والأنثى.
صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا محمد بن جهضم ].
صدوق، أخرج له البخاري ومسلم ، وأبو داود والنسائي زيادة على الذي قبله مسلم.
[ حدثنا إسماعيل بن جعفر ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمر بن نافع عن أبيه ابن عمر].
هو عمر بن نافع، وهو ابن نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كم فرض؟ يعني: كم فرض زكاة الفطر؟ يعني: مقدارها وكميتها، هذا المقصود منه بيان المقدار الذي هو الصاع؛ لأن الحديث جاء بذكر الصاع، والمقصود من الترجمة بيان المقدار، هذا هو الذي ترجم له؛ لأنه فيما تقدم ذكر الذين تجب عليهم زكاة الفطر: الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، وأن يكون من المسلمين، ثم ذكر مقدار الزكاة وأنها صاع، وقد أورد حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله من فرضها على الذكر والأنثى، والحر والعبد، والصغير والكبير، وأنها صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، والمقصود هو الصاع.
والسنة جاءت بإخراجها طعاماً، وأن يكون صاعاً، وإن كانت تلك الأشياء متفاوتة إلا أنه وحد المقدار بين التمر والشعير وبين ما ذكر من غيره، وأنها صاع، وعلى هذا فزكاة الفطر صاع من الطعام من قوت البلد، من أي طعام يقتاته الناس، وأن لا تكون قيمة ولا نقوداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين المقدار، أو أشار إلى المقدار مع أن النقود كانت موجودة، فلم يقل عليه الصلاة والسلام: صاعاً من تمر، أو صاعاً من كذا، أو عشرة دراهم، أو عشرين درهماً، ما قال هذا، وإنما كل الكلام يدور حول الطعام، والمقصود من ذلك أن النقود تكون موجودة، ويكون الطعام موجوداً، ولكنه بقلة، فيشح الناس فيه فلا يخرجونه إذا كان هناك سبيل لإخراج القيمة، فجاءت الشريعة بالنص على الطعام؛ لأن الناس بحاجة إلى أن يأكلوا في ذلك اليوم، فيعطون شيئاً يأكلونه، ولا يكون في وقت من الأوقات الطعام قليلاً والنقود كثيرة؛ فإذا أعطي الناس نقوداً ولم يحصلوا طعاماً يشترونه ما يكون في النقود فائدة، فجاءت القضية طعاماً، وعلى هذا فلم تأت السنة بذكر القيمة ولا النقود، وإنما جاءت بالطعام، فالواجب هو إخراجها طعاماً، وأن تكون صاعاً من قوت البلد الذي يقتاته الناس.
هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[ حدثنا عيسى ].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبيد الله ].
هو ابن عمر، عبيد الله بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب العمري ، وهو ثقة، العمري المصغر، وليس عبد الله المكبر أخوه؛ لأن المصغر ثقة، والمكبر ضعيف، فهذا عبيد الله بن عمر العمري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهما.
وأما الطفل في بطن أمه، فمن العلماء من قال: إنه يخرج عنه زكاة الفطر، والأمر في ذلك واسع، ومنهم من قال: لا يخرج عنه؛ لأنه لم يكن موجوداً بعد.
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي فرض زكاة الفطر قبل نزول الزكاة، مقصود النسائي من هذه الترجمة أن فرض زكاة الفطر كانت متقدمة على فرض الزكاة التي هي زكاة المال، يعني: زكاة البدن التي هي على البدن وعلى الأنفس المسلمة، كانت مفروضة قبل أن ينزل فرض زكاة المال، يعني: في الخارج من الأرض، وبهيمة الأنعام والنقود، وما إلى ذلك، يعني: كان ذلك متقدماً.
كما أن صيام عاشوراء كان متقدماً على فرض صيام رمضان، يقول قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه: كنا نصوم عاشوراء ونؤدي زكاة الفطر، فلما فرضت الزكاة وفرض رمضان لم نؤمر ولم ننه، وكنا نفعله، يعني معناه: أننا بقينا على الأمر الأول الذي هو كونهم مأمورين بأن يؤدوا الزكاة، وكذلك بقوا على صيام عاشوراء من حيث التطوع لا من حيث الفرض؛ لأن الفرض ما هناك فرض إلا رمضان، وأما زكاة الفطر فهي فرض كما أن زكاة المال فرض؛ لأن هذه تتعلق بالفطر، وتلك تتعلق بالمال ووجود النصاب وحولان الحول أو خروج الثمر والحبوب وما إلى ذلك.
فإذاً: الحديث يدل على تقدم فرض زكاة الفطر على فرض الزكاة، وأنه لما نزل فرض الزكاة كانوا يؤدون فرض الزكاة، وكانوا يؤدون زكاة رمضان، ولم يأت شيء ينسخ، أو يأمرهم بخلاف ذلك، فكانوا على الأمر الأول يؤدون زكاة الفطر، واستمروا على ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام، كانوا يؤدون زكاة رمضان في يوم عيد الفطر.
فالحاصل: أن الترجمة فيها بيان تقدم فرض زكاة رمضان على زكاة المال، ولكن لا يعني أن هذا ناسخ؛ لأن هذه زكاة وهذه زكاة، وتلك زكاة تقدمت واستمرت، وتلك التي هي زكاة المال تأخرت بعد ذلك واستمرت، فكل الزكاتان مستمرتان، زكاة البدن وزكاة المال.
وأما صوم يوم عاشوراء فلم يكن فرضاً، ليس فرضاً بعدما فرض رمضان، ولكنه بقي مستحباً ومن آكد التطوع، وهو أفضل التطوع بعد صيام يوم عرفة؛ لأن أفضل يوم يصام تطوعاً يوم عرفة؛ إذ قال: (احتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والسنة الآتية)، وصوم عاشوراء فيه أنه يكفر السنة الماضية، فهو أفضل صيام التطوع، وأفضل يوم يصام بعد يوم عرفة، وأما زكاة الفطر فهي بقيت مفروضة ولازمة ومتحتمة على كل مسلم، سواء كان حراً أو عبداً، ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً.
هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن يزيد بن زريع ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
[ عن الحكم بن عتيبة ].
هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن القاسم بن مخيمرة ].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن عمرو بن شرحبيل ].
هو الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[ عن قيس بن سعد بن عبادة ].
قيس بن سعد بن عبادة ، صحابي جليل، وهو ابن سيد الخزرج سعد بن عبادة؛ لأن الأنصار هم من الأوس والخزرج، والأوس سيدهم سعد بن معاذ الذي توفي على إثر ما حصل له في غزوة الخندق، وهو الذي اهتز له عرش الرحمن كما جاء في الحديث.
وسعد بن عبادة عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الخزرج، وقيس هذا هو ابنه، وهو صحابي جليل، وكان مشهوراً بالطول، قالوا عنه: إنه كان طويلاً، وذكر أن طويلاً من الروم كان يفتخر بطوله، ويسأل عن من يطاوله ومن يكون طوله، فقالوا لقيس بن سعد فأعطاهم سراويله، فلبسها الرومي فصار طرفها عند فمه، والطرف الآخر في أسفل رجله، يعني: أنه طويل، وكان ذلك الرجل الطويل الذي يفخر بطوله ويبحث عن من يطاوله لم يطاوله قيس ، ولكنه أعطاه سراويله، فلبسه ذلك الرومي فصار أسفله في أسفل رجله، وطرفه على فمه أعلاه، قيس بن سعد بن عبادة حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث قيس بن سعد بن عبادة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أنه ليس فيه ذكر عاشوراء، وإنما فيه ذكر زكاة الفطر، وهو لا يختلف عن الذي قبله إلا أنه مختصر، يعني: ليس فيه يوم عاشوراء أو صيام عاشوراء، وإنما فيه ذكر زكاة الفطر، وأنها فرضت قبل زكاة المال، وأنه بعد أن نزلت الزكاة لم يؤمروا ولم ينهوا بزكاة الفطر، وكانوا يفعلونها، يعني: اكتفاءً بالأمر الأول، وذلك الاختلاف المتعلق لأن زكاة الفطر هي متعلقة بالصيام، وهي شكر لله عز وجل على نعمة الصيام، وهي متعلقة بالأنفس، وفي وقت معين، وأما زكاة المال فهي متعلقة فيمن كان غنياً وأعطاه الله المال، وملك نصاباً، وحال عليه الحول، فهذه متعلقها غير متعلق هذه، فهذه فرضت وجاء بعدها فرض آخر، واستمر الفرضان، فلا تنافي بين هذا وهذا، كونهم لم يؤمروا ولم ينهوا، بل كانوا يفعلون، استمروا على الأمر الأول، فليس هناك إشكال أو اختلاف بين الروايتين.
والنسائي رحمه الله لما ذكر الرواية الثانية ذكر بعض الأشخاص الذين هم فيها، وسمى بعض الأشخاص، وقال: إن سلمة بن كهيل خالف الحكم في إسناده، والحكم أثبت من سلمة، ولكن كما هو معلوم لا تنافي بين الروايتين، بل هما متفقتان، وهما يتعلقان بموضوع معين، وهو أن زكاة الفطر متقدمة على زكاة المال، وأنهم بعد ما فرضت زكاة المال لم يؤمروا ولم ينهوا، واستمروا على فعلها، وكانوا يفعلونها اكتفاءً بالأمر الأول، فلا تنافي بين الروايتين؛ لأن مؤداهما واحد، وموضوعهما واحد، لكن اختلفوا في الإسناد، وكل منهما ثقة، ولا إشكال لا في هذا ولا في هذا، فكل من الإسنادين صحيح.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
هو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وسفيان هنا غير منسوب، وإذا جاء سفيان غير منسوب ويروي عنه وكيع، فالمراد به الثوري؛ لأن وكيعاً معروف بكثرة الرواية عن سفيان الثوري وقليل الرواية عن سفيان بن عيينة، ثم أيضاً هما من بلد واحد؛ لأن وكيعاً كوفي، وسفيان كوفي، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان مع شيخه في بلد فاتصاله به أكثر، وأخذه عنه أكثر، بخلاف سفيان بن عيينة، فإنه مكي، وفرق المسافة بعيدة بين العراق وبين مكة، وإنما كان لقاؤه إياه إما في حج أو عمرة، أو في رحلة في طلب العلم، وأما من كان في بلده فإنه دائماً على صلة به، فيكون الأخذ عنه أكثر، ولهذا فإذا جاء وكيع يروي عن سفيان فالمراد به سفيان الثوري ؛ لأن الشخص إذا كان مكثراً من الرواية عن شخص فإنه لا ينسبه دائماً، بل يترك نسبته تخفيفاً واختصاراً؛ لأنه معلوم أو في حكم المعلوم.
[ عن سلمة بن كهيل ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن القاسم بن مخيمرة عن أبي عمار الهمداني ].
القاسم بن مخيمرة ، وقد مر ذكره.
عن أبي عمار الهمداني، واسمه عريب بن حميد، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وابن ماجه.
[ عن قيس بن سعد ].
هو قيس بن سعد بن عبادة ، وقد مر ذكره.
أورد النسائي مكيلة زكاة الفطر، يعني: معناها: أنها بالكيل؛ لأن الذي تقدم الكمية، وأنها صاع، وهنا ذكر ما تقدر به الزكاة، وهو الكيل، وأنها تكون كيلاً، يعني: هذا هو المقصود بالمكيلة، وهو الفرق بين هذه الترجمة والترجمة السابقة؛ لأن هناك بيان الكمية، يعني: مقدارها، وهنا بأي شيء تقدر، يعني: هذه الترجمة المقصود منها أنها بأي شيء تقدر، أي: بالكيل، يعني: أنها كيلاً، وهناك بيان مقدارها وأنها صاع.
أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكان أميراً على البصرة، فكان في آخر الشهر، وقال: أدوا زكاة صومكم! فنظر بعضهم إلى بعض، يعني: كأنهم يريدون أن يعرفوا أيش المقصود بالزكاة، المقصود بالمقدار، أو ما هو المقدار الذي يخرجونه؟ فقال: من ها هنا من أهل المدينة؟ قوموا علموا إخوانكم فإنهم لا يعلمون، ثم قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو نصف صاع من قمح).
هذا الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما فيه بيان مقدار زكاة الفطر، ومن تجب عليه، وأنها على الحر والعبد، والذكر والأنثى، وطلب من أهل العلم والذين عندهم علم في ذلك أن يبلغوا، أو يخبروا هؤلاء بالتفصيل، بتفصيل الزكاة، وبيان أحكام زكاة الفطر وما يتعلق بها.
ولعل بعض الناس كان يجهل المقدار، ولا يعني ذلك أنهم كلهم يجهلون، لكنهم لما رأى بعضهم ينظر إلى بعض كأنه فهم أنهم لم يعلموا، ولهذا قال: فإنهم لا يعلمون، وأمر من كان من أهل المدينة ومن عنده علم في ذلك أن يبلغ الناس، ثم هو أيضاً بلغ شيئاً مما يتعلق بزكاة الفطر، وفيه ذكر (نصف صاع من قمح)، وهذا غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتعلق بزكاة القمح، يعني: ما جاء نص خاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت يتعلق بزكاة القمح، فجاء في بعض الروايات: أنه صاع من بر وهو غير محفوظ، وجاء نصف صاع من قمح وهذا أيضاً غير محفوظ، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم احتاجوا إلى أن يقيسوا بعد مدة، وأن يجعلوا نصفاً من الحنطة يعدل صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر.
و أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنكر ذلك، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بصاع من الطعام، فهو يخرج كما كان يخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينقص عن الصاع من أي طعام كان، وسيأتي في حديث أبي سعيد أن الرسول فرض زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط، خمسة أشياء، وفسر بعض العلماء أن الصاع من الطعام المقصود به البر، لكن جاء عن أبي سعيد الخدري نفسه في صحيح البخاري ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض الزكاة صاعاً من طعام، ثم قال أبو سعيد: (وكان طعامنا يومئذ التمر والزبيب، والشعير والأقط)، يعني معناه: أن الطعام أنه مجمل، وأنه ليس المقصود به البر بعينه، ولكن المقصود هو القوت، أي قوت للبلد فإنه يخرج منه زكاة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: صاعاً من طعام، وكان طعامنا يومئذ كذا وكذا، فمعنى هذا: أنه إذا كان الطعام شيئاً آخر أو توفر طعام آخر يقتاته الناس فإن الزكاة تكون صاعاً أيضاً، ولهذا كان أبو سعيد يخرج صاعاً من بر، ويقول: إنه يخرج كما كان يخرج على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: صاع، لكن التنصيص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على البر لم يثبت عنه.
وبعض العلماء فسر هذا الحديث الذي فيه صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير، أو كذا أو كذا، قالوا: المقصود به الطعام، لكن نفس أبو سعيد روى كما في صحيح البخاري الحديث: أمرنا أن نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، ثم قال: وكان طعامنا، إذاً ما بعد الطعام تفسير للطعام الذي هو التمر والشعير والأقط والزبيب، يعني: هذا تفسير للطعام الذي هو طعامهم.
هو الملقب الزمن ، أبو موسى العنزي البصري، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[ حدثنا خالد ].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حميد ].
هو حميد بن أبي حميد الطويل، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن ].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في آخره: [ خالفه هشام فقال: عن محمد بن سيرين ].
ثم ساق الرواية التي عن محمد بن سيرين.
أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه: (ذكر في صدقة الفطر قال ...).
ذكر في زكاة الفطر فقال: صاعاً من بر، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من سلت، السلت هو نوع من أنواع الشعير، قيل: هو نوع من أنواع الشعير، يعني: يشبه الشعير، أو نوع من أنواع الشعير، وقالوا: إنه لا قشر له، وعلى هذا فهو نوع من الأطعمة الموجودة، ويأتي ذكره أحياناً، ويكتفى أحياناً بالشعير عنه؛ لأنه كما يقول نوع من أنواع الشعير.
وأما ذكر البر فقد جاء في الحديث أنه صاع، وهو غير محفوظ الذي هو ذكر البر؛ لأن البر ما كان طعاماً مقتاتاً معروفاً عندهم، ولهذا أبو سعيد الخدري قال: كان طعامنا يومئذ التمر، والشعير، والزبيب، والأقط، يعني: هذا هو طعامهم، والصحابة احتاجوا إلى أن يقدروا زكاة الفطر من الحنطة، وقالوا: إن نصف الصاع يعدل صاعين، يعدل صاعين من الشعير، أو صاعين من التمر، يعني: نصف صاع من الحنطة يعدل صاعين، فمعاوية رضي الله عنه وأرضاه، قال: أرى أن مدين يعدلان صاعاً من هذا، فتابعه الناس على ذلك، وأنكر أبو سعيد هذا وقال: إنني لا أزال أخرجها كما كنت أخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً، أي: من أي طعام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين المقادير في الطعام الموجود مع حصول التفاوت، ولم يفاوت بينها، فدل على أن المعتبر صاع سواء كان الطعام جيداً أو غير جيد، سواء كان من أنفس ما يكون أو دونه أو ما إلى ذلك، الرسول سوى بين هذه الأنواع بالمقدار الذي هو الصاع.
زكاة الفطر تكون صاعاً من أي طعامٍ يكون ولو كان نفيساً، وعلى هذا فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان هناك نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البر وأنه صاع أو نصف صاع لصاروا إليه، وما احتاجوا إلى أن يقدروا وإلى أن يختلفوا، واحد منهم يقول: لا، صاع، تمسكاً بالمقدار الذي عينه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صاع، يعني: هو ما ذكر غير الصاع، والتي عينها متفاوتة، فإذاً لا ينظر إلى التفاوت، وإنما ينظر إلى أن أي طعام يخرج من صاع، وكذلك أيضاً بالنسبة لنصف الصاع أيضاً ما ثبت، ولو ثبت ذلك ما احتاج الناس إلى أن يقيسوا أو أن يعدلوا نصف صاع بصاع، ولا أن يختلفوا، وواحد منهم يقول: صاع، وواحد منهم يقول: لا، نصف صاع.
هو علي بن ميمون الرقي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وابن ماجه.
[ عن مخلد ].
هو مخلد بن يزيد الرقي، هو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وهو ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن سيرين ].
هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
وقد مر ذكره.
[عن ابن عباس قال: ذكر في صدقة الفطر قال: صاعاً من بر].
هنا ما فيه التنصيص عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون الحديث موقوفاً.
ولفظة: (صاعاً من بر) غير محفوظة.
قوله في الأول: خالفه هشام، الضمير يعود على هشام خالف حميد بن أبي حميد يعني: ذاك روى عن الحسن، وهذا روى عن ابن سيرين.
أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه: أنه كان يخطب على منبرهم، أي: منبر البصرة، وكان أميراً على البصرة، ويقول: إن زكاة الفطر صاعاً من طعام، يعني: والطعام كما هو معلوم يشمل البر، ويشمل الزبيب، والشعير، والأقط، وما إلى ذلك من الأطعمة، من أي طعام يكون، قال النسائي: وهذا أثبت الثلاثة، يعني: الروايات الثلاثة المتقدمة عنه، التي فيها نصف صاع بر، والتي فيها صاع بر، والتي فيها ذكر الطعام مطلقاً الذي يشمل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما لم يأت، ما سمي وما لم يسم، كما جاء عن أبي سعيد: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا يومئذٍ التمر والشعير والزبيب والأقط ).
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو ابن زيد بن درهم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي رجاء ].
هو عمران بن ملحان العطاردي ، وهو ثقة، مخضرم، معمر، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا محمد بن علي بن حرب حدثنا محرز بن الوضاح عن إسماعيل وهو ابن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط ) ].
أورد النسائي الترجمة وهي: التمر في زكاة الفطر، أي: إخراجه في زكاة الفطر، وأورد حديث أبي سعيد من طرقه، وفيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط، وفيها التمر الذي هو محل الترجمة، وقد مرت روايات عديدة فيها ذكر التمر مستدلاً بها على أمور أخرى، وهنا أورد هذه الطريق وهي مشتملة على التمر للاستدلال به على إخراجه في زكاة الفطر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليه، وأنه من قوت المدينة؛ لأن المدينة ذات نخل، فالتمر قوت لأهلها.
ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا محرز بن الوضاح ].
مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ].
صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم ، وأبو داود في المراسيل، والترمذي والنسائي وابن ماجه.
[ عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
هو سعد بن مالك بن سنان، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي هذه الترجمة وهي الزبيب، يعني: إخراج الزبيب في زكاة الفطر، وأورد فيه حديث أبي سعيد الذي يقول فيه: (كنا نخرج زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يفيد بأنه في علمه وبعلمه، وأنه لا سيما والزكاة تجمع وتوصل إليه ويفرقها، ويأمر بتفريقها، وتطعم للفقراء والمساكين، فهذه العبارة تدل على رفع ذلك، وأنه مضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط)، يعني: خمسة أشياء، لكن بعض العلماء فسر الطعام هنا بأنه البر، فسر الطعام بأنه البر، لكن يشكل عليه أن أبا سعيد نفسه كما جاء في البخاري قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام)، ثم قال: (وكان طعامنا يومئذ التمر والزبيب والشعير والأقط).
فعلى هذا تكون (طعام) كلمة عامة، يفسرها ما بعدها من الأمور الأربعة: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، وكان طعامنا يومئذ التمر والشعير والزبيب والأقط)، هذه الأربعة، وعلى هذا كان الطعام في زمنه أربعة، والطعام يشملها، وكذلك أيضاً كل طعام يقتاته أهل بلد، فإن الزكاة تخرج منه، وهو الذي جاء عن ابن عباس: أن زكاة الفطر صاعاً من طعام، يعني: لفظ عام يشمل كل طعام يقتاته الناس، وعلى هذا فتكون صاعاً من طعام لا يراد بها البر؛ لأنه لو كان يراد بها البر لما احتاج الناس إلى أن يقيسوا وأن يختلفوا، وأن يقول أحد: صاع، وواحد يقول: لا، نصف صاع، لو كان هناك نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذاً: فهذه الرواية فيها ذكر الطعام وما بعده كأنه تفسير له، يوضحه ذلك الحديث الذي في البخاري الذي أشرت إليه: ( زكاة الفطر صاعاً من طعام، وكان طعامنا يومئذ ...)، ثم ذكر الأربعة.
وقد مر ذكره.
وقد مر ذكرهم.
[ عن زيد بن أسلم ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد ].
عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد ، وقد مر ذكرهما.
أورد النسائي حديث أبي سعيد من طرق أخرى، وهي أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر، صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، ما فيه لفظة زبيب، ذكر الأربعة فقط.
ثم قال: ولما قدم معاوية، وجاءت سمراء الشام، وهي الحنطة الشامية، فقال: ما أرى مدين من هذا إلا يعدلان صاعاً، مدين التي هي نصف الصاع؛ لأن الصاع أربعة أمداد، يعني: قال: ما أرى مدين من هذا إلا يعدلان صاعاً من هذا، أي: من تلك الأطعمة، فوافقه الناس، يعني: فكانوا يخرجون، لكن أبا سعيد رضي الله عنه التزم إخراج الصاع، وقال: إنه لا يخرج نصف صاع، وإنما يخرج صاعاً كما كان يخرجه بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الأطعمة المعروفة في وقته وكانت متفاوتة، ومع ذلك سوى بينها بالمقدار وهو صاع، فكذلك إذا وجد طعام آخر نفيس فيكون منه صاع، يعني: صاع رز، صاع بر، وصاع من أي طعام يقتاته الناس.
ووجه المعادلة بين الصاع فيما مضى وهذه الحنطة يعني: معاوية رضي الله عنه عندما قال: ما أرى مدين من سمراء الشام إلا تعدل صاعاً، يعني: وجه القياس بينهما من ناحية نفاستها وقيمتها، وأنها يعني: الحنطة كانت أغلى من غيرها، وأن نصف صاع يساوي في القيمة، يعني: إذا كان مثلاً هذا صاع يباع مثلاً بعشرة دراهم، فهذا يباع بنصفها.
هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن وكيع عن داود بن قيس ].
وكيع ، قد مر ذكره.
[عن داود بن قيس].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد ].
وقد مر ذكرهما.
أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن ابن عجلان قال: سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من دقيق، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من سلت)، ثم شك سفيان فقال: دقيق أو سلت].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الدقيق، يعني: إخراج الدقيق وهو الطحين، البر إذا طحن، والحب إذا طحن، هذا هو المقصود به، فأورد النسائي حديث أبي سعيد :
ثم شك سفيان فقال: دقيق أو سلت، يعني: هل قال هذا أو هذا؟ فالسلت جاء في بعض الأحاديث وهو نوع من الشعير، وأما الدقيق فهو جاء في هذه الرواية، وهو غير محفوظ، ولم يأت به نص، ولكنه كما هو معلوم هو طعام، ويجوز إخراج الدقيق، لكن مقدار صاع من الحب؛ لأن الصاع إذا طحن يكون أكثر، الطحين يكون أكثر من صاع؛ لأنه لو أخرج دقيقاً لكان أقل من صاع؛ لأن الصاع إذا طحن زاد، فصار أكثر من صاع في الكيل، فلا يخرج، تخرج الدقيق إذا أخرج، يعني: على أنه صاع؛ لأنه أقل من الصاع، ولكن إذا احتيج إليه وأخرج، فليخرج معه ما يقابل الصاع إذا طحن، الصاع من الحب إذا طحن هذا هو مقداره؛ لأن المقصود صاعاً من طعام يعني: قبل أن يطحن، فإذا طحن يضاف إليه، يعني: يضاف من الدقيق ما يعادل الصاع إذا طحن؛ لأن الصاع من البر إذا طحن يكون أكثر من صاع، فلو أخرج من الدقيق صاعاً لكانت الزكاة أقل ونقصت، فإذا احتيج إليها يجوز؛ لأنه من الطعام، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الأشياء الأصلية التي لم تؤول إلى الطحن، لكن إذا احتيج إلى إخراج الدقيق لا بأس، لكن بشرط أن يضاف إليه ما يجعله موازياً للصاع من الطعام.
وكما هو معلوم، البر لازم يطحن، وأما التمر ما يطحن، يأكله الناس بدون طحن، يعني: هذا الطحن نادر، الناس صاروا يطحنونه الآن، لكن البر ما فيه إلا الطحن، ما يأكله الناس بدون طحن، البر لا يأكل إلا مطحوناً، يعني: يطحن ثم يجعل سويقاً، ويجعل خبزاً، ويجعل رقاقاً وما إلى ذلك، والتمر كما هو معلوم يخرج، لكن لو فرض أنه عجن أو طحن أو كذا، والناس صار متوفر عندهم وأرادوا أن يخرجوا منه، فلازم يخرجون بمقدار الصاع الذي هو التمر الأصلي.
هو الجواز المكي ، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عجلان ].
هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد ذكر في ترجمته: إن أمه حملت به ثلاث سنوات، وكذلك قالوا عن الإمام مالك : إن أمه حملت به ثلاث سنوات.
[ سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدري].
وقد مر ذكرهما.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر