أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو نعيم عن زهير عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أنه سمع عبد الله رضي الله عنه يقول: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، وأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيت بهن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذه ركس).
قال أبو عبد الرحمن: والركس طعام الجن].
يقول النسائي رحمه الله: الرخصة في الاستطابة بحجرين.
بعد أن ذكر النسائي ما تقدم من الترجمة التي فيها النهي عن الاستنجاء أو الاستطابة في أقل من ثلاثة أحجار، أورد هنا هذه الترجمة: الرخصة في الاستطابة بحجرين، يعني: في النقصان عن الثلاثة، وأورد في ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي يقول فيه: ( إنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الغائط فقال: ائتني بثلاثة أحجار، فجاء بحجرين ولم يجد الثالث، وأخذ روثة، وأتى بالحجرين والروثة، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحجرين وألقى الروث وقال: إنه ركس ) ثم قال أبو عبد الرحمن النسائي رحمة الله عليه: والركس طعام الجن.
ومحل الشاهد من إيراد الحديث: كون النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الحجرين وألقى الروثة؛ يعني: أنه اكتفى بحجرين، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه طلب الثالث بدل الروثة التي رماها وألقاها.
وقول عبد الله بن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الغائط)، أي: ذهب إلى المكان الذي تقضى فيه الحاجة، وهو: في الخلاء، وقد تقدم ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا ذهب أبعد المذهب )، يعني: يذهب بعيداً من أجل قضاء حاجته؛ حتى لا يكون في مرأى من الناس، وكان معه عبد الله بن مسعود في هذه المرة، فطلب منه أن يأتيه بثلاثة أحجار؛ وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى أن الاستطابة لا تكون إلا بثلاثة أحجار، كما سبق أن تقدم ذلك في حديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه.
وابن مسعود رضي الله عنه نفذ ما أمر به، إلا أنه لم يجد حجراً ثالثاً، فاجتهد وأخذ مكانه روثة وأتى بها، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحجرين وألقى الروثة، وعلى ظاهر هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالحجرين، فإذا صح أنه طلب الثالث لا يكون هناك وجه للاستدلال بهذا الحديث على الاكتفاء بحجرين.
وقوله: (إنها ركس) فسرها العلماء: بأنها نجس، فقد قيل في بعض الروايات: (إنها روثة حمار) ومن المعلوم أن روث الحمار نجس؛ لأن ما لا يؤكل لحمه بوله وروثه نجس، أما ما يؤكل لحمه كالإبل، والبقر، والغنم؛ فإن أبوالها وأرواثها طاهرة، وليست بنجسة.
أما قول أبي عبد الرحمن: ( الركس طعام الجن )، فقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقد أغرب النسائي ففسر الركس: بطعام الجن، يعني: أن هذا يتوقف على معرفته في اللغة، ولم يأت في اللغة: أن الركس يطلق على طعام الجن، فلو جاء شيء من هذا لكان له وجه، ولكن كما عرفنا في ما مضى أن العلة في عدم الاستنجاء بالروث: أنه طعام دواب الجن كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، فالعظم طعام الجن، والروث طعام دواب الجن، فلعل أبا عبد الرحمن يريد هذا، ولكن التفسير بالركس وأنها طعام الجن هذا -كما قال الحافظ ابن حجر- يحتاج إلى ثبوت ذلك في اللغة.
أما كون الروث منه ما هو طعام لدواب الجن فهذا قد جاء في الحديث، والمقصود من ذلك هو ما كان طاهراً، كأرواث الإبل، والبقر، والغنم؛ لأنها هي التي تكون طاهرة. أما الأرواث النجسة، فالنجس لا يستعمل، ولا يجوز استعماله لنجاسته، وأما هذه الأرواث التي هي أرواث الإبل، والبقر، والغنم التي يؤكل لحمها، وغيرها مما يؤكل لحمه؛ فإن العلة فيها، والحكمة فيها ما جاء في الحديث الصحيح: أنها طعام دواب الجن.
هو: أحمد بن سليمان بن عبد الملك أبو الحسين الرهاوي، نسبة إلى رها وهي بلد، وهو ثقة حافظ كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وحديثه عند النسائي فقط، فهو أحد شيوخ النسائي فهو من رجال النسائي فقط.
[حدثنا أبو نعيم].
أبو نعيم هو: الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، حافظ، ثبت، من الحفاظ الأثبات، وهو من كبار شيوخ البخاري، ولهذا لم يدركه النسائي؛ لأن من الشيوخ من روى عنهم أصحاب الكتب الستة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، مثل ما ذكرنا في ما مضى: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، والثلاثة ماتوا سنة مائتين واثنين وخمسين قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فأدركهم النسائي وغيره وروى عنهم، وأما أبو نعيم فهو من كبار شيوخ البخاري الذي أدركه البخاري في صغره؛ لأن أبا نعيم توفي سنة مائتين وثمانية عشر أو مائتين وتسعة عشر، والنسائي ولد مائتين وخمسة عشر، وكان عمره خمس أو أربع سنوات، فلم يدركه؛ لذلك يروي عنه بواسطة.
وهناك من يشاركه في الشهرة بهذه الكنية؛ وهو: أبو نعيم الأصبهاني صاحب الحلية، وصاحب معرفة الصحابة، وصاحب الكتب الكثيرة، إلا أن ذاك متأخر جداً؛ لأنه توفي سنة أربعمائة وثلاثين، وهذا متقدم، وكلاً منهما يكنى بأبي نعيم، فالذي لا يعرف الأزمان يمكن أن يقع في باله هذا المعنى، فمعرفة الأزمان، ومعرفة الطبقات، ومعرفة المتقدم والمتأخر هذا يأمن معه من حصول الغلط الفاحش الذي قد يحصل، أو الظن الذي قد يحصل ممن لا يعرف.
وأبو نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري ما عيب عليه شيء إلا أنه يتشيع، هذا هو الذي عيب عليه، ولهذا لما أورد الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري الأشخاص الذين تُكلم فيهم من رجال البخاري -وقد ذكرهم على حروف المعجم- وأجاب عن الانتقاد الذي انتقد إليه بأنواع من الأجوبة، فقال: إما أن يكون الشخص مثلاً تكلم فيه في شخص، وهو حديثه في البخاري ليس عن الشخص المتكلم فيه، أو أنه شورك، وأنه لم ينفرد مثلاً بالرواية، أو لغير ذلك من الأسباب، ولكن الذي قاله عن الانتقاد في أبي نعيم الفضل بن دكين، لما ذكره وذكر الثناء عليه، فقال: الثناء عليه يذكر، قال: وما عيب عليه إلا أنه يتشيع، ومع ذلك فقد صح عنه أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية. أي: أنه حفظ لسانه عن أن يتكلم في معاوية.
ومن المعلوم أن الرافضة والشيعة أسهل الأشياء عليهم أن يتكلموا في معاوية، فالكلام في معاوية سهل ميسور عندهم، حتى الزيدية -الذين يقال: إنهم أعقل الشيعة- من السهل عليهم القدح في معاوية والكلام في معاوية. وهذا الذي قُدح فيه بأنه يتشيع، جاءت عنه هذه العبارة الجميلة؛ وهي قول الحافظ ابن حجر عنه: ومع ذلك فقد صح عنه أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية.
والحفظة: الملائكة التي تكتب الحسنات والسيئات، والذين يكتبون الأقوال مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، فقوله: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية يدلنا على سلامته من هذا الذي وصف به، وهو التشيع، ولكن لعل التشيع الذي وصف به من قبيل تفضيل علي على عثمان، وهذه المسألة جاءت عن بعض السلف وعن أئمة كبار، ومثل هذا لا يقدح في الرجل، ولا يبدع من يقول به، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر الواسطية، قال: إن تقديم علي على عثمان في الفضل لا يبدع من قال به؛ يعني: ليست من المسائل التي يبدع بها، وإنما الذي يبدع بها من قال: إنه أحق منه بالخلافة؛ لأن هذا اعتراض على الصحابة الذين قدموا عثمان على علي.
أما أن يقدم علي على عثمان في الفضل، فمن المعلوم أن الولاية لا يلزم فيها أن يقدم الفاضل على المفضول، بل يمكن أن يقدم المفضول مع وجود الفاضل؛ لأنه قد يقوم في المفضول من حيث تدبير الأمور، وسياسة الأمة؛ لخبرته ولمعرفته بالسياسة والإمارة أكثر من الفاضل، قيقدم من هو مفضول على من هو فاضل.
أما العيب والقدح والذي يبدع من يقول به هو تقديم علي بالخلافة؛ لأن معنى ذلك: أن الصحابة الذين اتفقوا عليه أن فعلهم غلط، وأنهم مخطئون، وأنهم أجمعوا على الخطأ، وهذا لا شك أنه أمر قبيح، فلعل ما نقل عنه أو ما ذكر عنه من هذا القبيل، وهذه الكلمة التي ذكرها عنه الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري كلمة عظيمة تدل على سلامته في هذا الباب؛ لأن الشيعة من السهل عليهم ومن أسهل الأشياء عليهم أن يتكلموا في معاوية، ولهذا يقولون: إن معاوية يعتبر كالوقاية لأصحاب الرسول، لأن من اجترأ عليه يجترئ على غيره؛ لأن من تكلم فيه يمكن أن يتكلم في غيره، ومن لم يتكلم فيه صان لسانه -من باب أولى- عن الكلام في الأشخاص الذين لا يُذكرون إلا بالجميل، وهم أصحاب الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله عنهم وأرضاهم.
هو: زهير بن معاوية بن حديج الكوفي، وهو من رجال الجماعة أيضاً، وهو ثقة، حافظ، وهو من الحفاظ المتقنين، إلا أنه قيل: إن روايته عن أبي إسحاق كانت في آخر حياة أبي إسحاق، وأبو إسحاق اختلط في آخر أمره، وفي آخر حياته، فالكلام الذي في زهير بن معاوية؛ أن في روايته عن أبي إسحاق شيئاً؛ لأنه روى عنه بآخره بعد ما اختلط، فروايته عن أبي إسحاق فيها كلام، والحديث الذي معنا من روايته عن أبي إسحاق السبيعي، ولكن زهيراً لم ينفرد بالرواية عن أبي إسحاق، بل تابعه غيره على هذه الرواية، حيث جاءت من طرق عن أبي إسحاق من غير طريق زهير.
إذاً: لم ينفرد زهير بن معاوية في الرواية عن أبي إسحاق السبيعي، وإنما شاركه غيره، ولهذا البخاري أورد الحديث في صحيحه، فقال: حدثنا أبو نعيم ثم ساقه بإسناده إلى آخره بنفس اللفظ الموجود في النسائي.
قال البخاري في صحيحه: حدثنا أبو نعيم، حدثنا زهير، عن أبي إسحاق ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود.. إلى آخر الحديث بنفس اللفظ الذي ساقه به النسائي، إلا أن النسائي -كما هو معلوم- ما أدرك أبا نعيم، فرواه عنه بواسطة أحمد بن سليمان الرهاوي.
فإذاً: ما ذكر من الوهن في رواية زهير عن أبي إسحاق زال بوجود من شاركه في الرواية عنه، وأنه لم ينفرد برواية هذا الحديث عنه، وإنما رواه عن أبي إسحاق غيره من العلماء.
[عن أبي إسحاق].
هو: عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، وهو ثقة حافظ ثبت، وهو من المكثرين من الحديث ومن رواية الحديث، وقد تغير بآخره، وكما عرفنا رواية زهير عنه بعد الاختلاط، ولكنه توبع، وأيضاً هو مدلس.
[ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه].
أبو عبيدة المراد به: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وأبو إسحاق يروي هذا الحديث من طريق أبي عبيدة عن أبيه، ومن طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه الأسود عن ابن مسعود.
فإذاً: الطريقان التي روى بهما أبو إسحاق : إحداهما عالية، والثانية نازلة؛ لأن رواية أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه، ليس بينه وبين ابن مسعود إلا ابنه أبو عبيدة، وأما روايته عن عبد الرحمن بن الأسود فبينه وبين ابن مسعود اثنان: عبد الرحمن بن الأسود وأبوه الأسود، فالأولى: عالية، والثانية: نازلة، إلا أن الأولى منقطعة؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، على خلاف بين العلماء، ويقول الحافظ ابن حجر: الراجح أنه لم يسمع من أبيه، وعلى هذا تكون الرواية منقطعة، فلما كان أبو إسحاق يروي الحديث من طريقين ذكر الطريق الأولى ثم أضرب عنها بذكر رواية عبد الرحمن؛ لأن رواية أبي عبيدة منقطعة، مع أنها عالية الإسناد، وانتقل إلى الرواية التي هي متصلة ولا انقطاع فيها؛ وهي رواية أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود.
قال: (ليس أبو عبيدة ذكره لي) يعني: في رواية هذا الحديث، وإن كان ذكره في طريق أخرى أو في حديث آخر أو من طريق آخر، ولكنه هنا لا يريد أن يروي الحديث من طريق أبي عبيدة وإن كانت عالية، وأضرب عنها إلى طريق عبد الرحمن بن الأسود المتصلة وإن كانت نازلة.
فـأبو عبيدة هذا ثقة، وهو لم يسمع من أبيه، وحديثه في السنن الأربعة، وليس له رواية في البخاري، وإنما هنا ذُكر ذكراً؛ لأنه قال: (ليس أبو عبيدة ذكره) إذاً: هو ليس من رجال الإسناد الذين يسند إليهم الحديث هذا، وإنما الذي يسند إليه في الحديث هذا عبد الرحمن بن الأسود؛ لأن قوله: ( ولكن عبد الرحمن بن الأسود )، يعني: هو الذي ذكر لي هذا الحديث.
وهنا الرواية ليست بالتحديث، ولكن البخاري رحمه الله لما ذكر الحديث أورد طريقاً أخرى من طريق إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق يروي عن أبيه عن أبي إسحاق قال: حدثني عبد الرحمن، فصرح بالتحديث في الطريق الثانية التي أوردها البخاري بعدما أورد هذه الطريق، فالبخاري أورد طريقاً معلقة من طريق إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن، ولكنه قال: حدثني عبد الرحمن، يعني: يقولها أبو إسحاق.
فإذاً: صرح بالتحديث في هذه الطريق الأخرى التي ذكرها البخاري بعد هذه الطريق التي هي موافقة للطريق التي ذكرها النسائي هنا.
هو: عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ابن الأسود بن يزيد الذي سبق أن مر بنا ذكره، الذي يروي عنه إبراهيم النخعي، وإبراهيم النخعي يروي عن الأسود، والأسود وعبد الرحمن هما خالان لـإبراهيم النخعي ويروي عنهما، والأسود يروي عنه أخوه عبد الرحمن أيضاً كما ذكروا في ترجمته.
إذاً: عندنا عبد الرحمن اثنان: أخو الأسود، وابن الأسود، والذي معنا ابن الأسود، والذي سبق أن مر بنا عبد الرحمن بن يزيد أخو الأسود بن يزيد، والأسود بن يزيد يروي عنه أخوه عبد الرحمن، ويروي عنه ابنه عبد الرحمن فهنا يروي عنه ابنه عبد الرحمن، ويروي عنه ابن أخته إبراهيم النخعي، وإبراهيم النخعي يروي عن خاليه الأسود، وعبد الرحمن، وأما عبد الرحمن بن الأسود فهو يأتي لأول مرة، وهو يروي عن أبيه، وهو ثقة ثبت، وهو من رجال الجماعة.
[عن أبيه].
أبوه هو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو من المخضرمين، وقد سبق أن مر ذكره، وهو محدث فقيه يروي عن كبار الصحابة؛ لأنه من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية وأدركوا الإسلام ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً: هذا الإسناد: أحمد بن سليمان الرهاوي، عن أبي نعيم الفضل بن دكين الكوفي، عن زهير بن معاوية بن حديج الكوفي، عن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، عن عبد الرحمن بن الأسود، وهو كوفي، عن أبيه الأسود وهو كوفي، عن ابن مسعود وهو كوفي، فكل رجاله كوفيون إلا أحمد بن سليمان شيخ النسائي فإنه رهاوي.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا استجمرت فأوتر)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الرخصة في الاستطابة بحجر واحد، وأورد تحت هذه الترجمة حديث سلمة بن قيس: (إذا استجمرت فأوتر)، وأخذ من هذا أن أقل الوتر واحد؛ لأنه قال: (إذا استجمرت فأوتر).
وقوله: (إذا استجمرت فأوتر) يعني: إذا أخذ الحجارة ليستجمر بها فإنه يوتر، يعني: بواحدة، أو ثلاثة، أو خمسة، وقد جاء في حديث سلمان المتقدم: ( وألَّا يستطيب بأقل من ثلاثة أحجار، ونهانا أن نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار ).
وهنا النسائي استنبط من هذا الحديث: الاكتفاء بحجر واحد، ومن المعلوم أن المقصود هو الإنقاء مع الإيتار، وإذا حصل الإيتار بأن يكون حجراً كبيراً فيستعمله من جهات مختلفة ومن جهات متعددة؛ فإنه يحصل المقصود، ولكن كون الإنسان يحرص على أن يأتي بالثلاثة الأحجار، هذا هو الذي فيه قطع الشك باليقين، وإزالة الشك باليقين، والأخذ بالاحتياط، وإن كان يحصل الإنقاء بحجر كبير له شعب متعددة، كل شعبة بمثابة الحجر الصغير، ولكن كون الإنسان إذا كان في الخلاء واستنجى بالحجارة، فإنه يستعمل ثلاثة أحجار، وإن استعمل حجراً كبيراً يعادل ثلاثة أحجار، ويحصل به الإنقاء؛ فإن ذلك يكفي، ويدخل تحت عموم هذا الحديث.
هو: إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الذي مر ذكره مراراً، وهو من رجال الجماعة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فأصحاب الكتب الستة كلهم رووا عنه مباشرة، وهو محدث فقيه، وإمام جليل، وله مسند، ومن طريقته -كما عرفنا- أنه يستعمل لفظ (أخبرنا) كما يستعملها النسائي.
[ أخبرنا جرير].
هو: جرير بن عبد الحميد، وقد سبق أن مر ذكره، وهو من رجال الجماعة، وهو من الثقات.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر، وهو من الثقات أيضاً، ومن رجال الجماعة، وقد سبق أن مر، وهو الذي يأتي ذكره مع الأعمش، وقد مر في بعض الأحاديث أنه يروي هو وإياه أحاديث يقول: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى سباطة قوم) فقال سليمان: (أنه مسح على خفيه)، ولم يذكر منصور المسح. فهو من طبقة الأعمش، وقد جاء ذكرهما معاً في بعض الأحاديث المتقدمة.
[عن هلال بن يساف].
هو: هلال بن يساف وهو ثقة، روى له البخاري تعليقاً، وروى له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سلمة بن قيس].
هو صحابي وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُسأل عنهم، ويكفي كل واحد منهم أن يقال: إنه صحابي، ولا يحتاج بعد ذلك إلى أن يتكلم فيه بشيء؛ لأنه ليس هناك وصف أفضل من هذا الوصف، ولهذا لا يحتاج معه إلى غيره بأن يقال: هو ثبت، أو حافظ أو ما إلى ذلك، إلا إذا كان له بعض الصفات التي يتميز بها يمكن أن تذكر، أما من ناحية التعديل فلا يحتاج أحدهم إلى تعديل بعد أن أثنى الله عليهم ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وله سبعة أحاديث، وخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، فهؤلاء هم الذين خرجوا حديث سلمة بن قيس رضي الله تعالى عنه.
أخبرنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن مسلم بن قرط عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار، فليستطب بها فإنها تجزي عنه)].
يقول النسائي رحمة الله عليه: الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها.
ومقصود النسائي من هذه الترجمة: أن الحجارة يمكن أن يستغنى بها عن غيرها، ويكتفى بها عن غيرها، وهو الماء، وأنه لا يتعين الماء لإزالة ما يخرج أو أثر ما يخرج، وإنما يمكن أن يكتفى بالحجارة، وإذا استعمل الماء فهو أولى؛ لأن الماء يزيل ما كان في محل الخروج أو ما تجاوز محل الخروج، بخلاف الحجارة فإنها تزيل ما كان في محل الخروج، أما لو انتشر الخارج إلى أماكن أخرى خارج محل الخروج؛ فإنه يحتاج في ذلك إلى الماء، ولا يستغنى عن الحجارة في ذلك.
إذاً: الحجارة يمكن أن يكتفى بها عن الماء، ولكن إذا وجد الماء فاستعماله أولى من استعمال الحجارة؛ لأنه يزيل ما يكون على محل الخروج وما تجاوز محل الخروج، بخلاف الاستجمار؛ فإنه يمكن أن يكتفى به فيما إذا لم يتجاوز الخارج محل العادة، فلو انتشر عن محل الخروج فإنه لا بد فيه من الماء.
إذاً: فمقصود هذه الترجمة أنه لا يتعين الماء، ولكن إذا وجد ما يقتضيه بأن تجاوز الخارج موضع العادة -أي: موضع الخروج- فعند ذلك لا بد من استعمال الماء، ولا يكفي استعمال الحجارة.
وقد أورد النسائي في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار، وليستطب بها، فإنها تجزي عنه)، يعني: فإنها تجزي عن الماء، وتغني عن الماء وتكفي، ولا يحتاج إلى غيرها، لكن إذا كانت النجاسة تجاوزت محل الخارج فلا بد من إزالة النجاسة، فالنجاسة إذا جاوزت محل الخروج فلا بد من إزالتها بالماء، وأما إذا لم يتجاوز الخارج موضع الخروج؛ فإنه لا يحتاج إلى الاستنجاء، ويكفي الاستجمار بالحجارة عن الماء.
هو: قتيبة بن سعيد الذي تكرر ذكره، وهو الذي جاء في أول حديث من سنن النسائي: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة كما عرفنا ذلك فيما مضى، وكلهم رووا عنه، وأخرجوا حديثه بدون واسطة، فهو شيخ لهم جميعاً، وهو ثقة ثبت.
[حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم].
وأبو حازم هو: سلمة بن دينار فـعبد العزيز هو: ابن سلمة بن دينار، ولكن أباه مشهور بالنسبة، وهو مشهور بالنسبة إلى أبيه مكنى، فهو عبد العزيز بن أبي حازم، وهو من رجال الجماعة خرجوا حديثه، وهو صدوق، وأبوه سلمة بن دينار أبو حازم ثقة ثبت، وهو من رجال الجماعة، خرج أصحاب الكتب الستة حديثه.
إذاً: فعندنا قتيبة، وعبد العزيز بن أبي حازم، وأبو حازم، هؤلاء كلهم من رجال الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو: أبو حازم يروي عن مسلم بن قرط، ومسلم بن قرط هذا قال عنه ابن حجر في التقريب: إنه مقبول، وذُكر أن ابن حبان وثقه وذكره في الثقات، وقد خرج حديثه أبو داود، والنسائي.
ومن المعلوم أن المقبول لا يحتج بحديثه إلا إذا وجد ما يعضده ويساعده، والحديث ما جاء إلا من طريق مسلم بن قرط هذا، ولكن وجد له شواهد من حديث غير عائشة، منها ما هو بمعناه، ومنها ما هو بلفظه أو قريب من لفظه عن بعض الصحابة، فتكون هذه شواهد له، وعلى هذا فيكون الحديث صحيحاً وحسناً باعتبار أن هذا المتن أو هذا المعنى لم ينفرد به، وإنما جاء عن غيره، فهو ثابت لا من هذه الطريقة وحدها؛ لأن من وصف بأنه مقبول لا بد من اعتماد روايته في وجود ما يساعده ويؤيده، وهنا وجد ما يساعده ويؤيده من الشواهد عن بعض الصحابة؛ عن أبي أيوب وسلمان، وقد ذكرها الشيخ الألباني في إرواء الغليل.
فإذاً: الحديث ثابت لا من هذه الطريق، ولكن بضميمة غيرها إليها، وضم الشواهد عن بعض الصحابة، فقد رووا ما يشهد لهذا الحديث الذي جاء من طريق مسلم بن قرط، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
[عن عروة].
هو: عروة بن الزبير، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو من المكثرين من الرواية عن خالته عائشة وعن غيرها، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين الذين تقدم ذكرهم بمناسبات مختلفة عند ذكر جماعة منهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر