أما القرآن فقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34].
وأما السنة فحديث أبي هريرة في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى فيها جنبه وجبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين سنة، كلما بردت ردت عليه، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ).
وذكرنا النصاب في الذهب وفي الفضة، وأن نصاب الذهب يساوي عشرين مثقالاً، ووزن المثقال بالغرامات قيل: أربعة وربع غرامات، وقيل: ثلاثة ونصف من الغرامات، والأقرب: أن وزن المثقال يساوي أربعة وربع من الغرامات، وعلى هذا يكون نصاب الذهب من الغرامات خمسة وثمانين غراماً، فإذا ملك الإنسان من الذهب خمسة وثمانين غراماً فإنه تجب عليه الزكاة، وبالنسبة لنصاب الفضة يساوي مائتي درهم، وذكرنا أن العلماء رحمهم الله قالوا: إن كل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل، وعلى هذا يكون نصاب الفضة بالمثاقيل مائة وأربعين مثقالاً، والمثقال الواحد وزنه يساوي أربعة وربع من الغرامات، فإذا ضربت مائة وأربعين في أربعة وربع خرج لك نصاب الفضة من الغرامات، فيكون نصاب الفضة من الغرامات يساوي خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً من الفضة، فإذا ملك الإنسان من الفضة خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً، فإنه تجب عليه الزكاة، وإذا ملك أقل من ذلك فإن الزكاة لا تجب عليه.
ومقدار الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر كما تقدم تقريره، والإجماع قائم على ذلك، ومن ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( وفي الرقة ربع العشر )، وتقدم أيضاً لنا حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
ثم نقدر نصاب هذه الأوراق إما بالذهب أو بالفضة، ينظر ما هو الأحظ، فتبين لنا الآن نصاب الذهب من الغرامات، وأن نصاب الذهب من الغرامات يساوي خمسة وثمانين غراماً، فالآن اسأل عن قيمة غرام الذهب، غرام الذهب كم يساوي اليوم؟ فإذا قلنا: بأن الغرام الواحد من الذهب يساوي ثلاثين ريالاً، فتضرب خمسة وثمانين بثلاثين ريالاً، يساوي ألفين وخمسمائة وخمسين ريال، إذا أخذنا باعتبار الذهب يكون نصاب الأوراق النقدية اليوم يساوي ألفين وخمسمائة وخمسين ريالاً، هذا إذا اعتبرنا الذهب، وإذا اعتبرنا الفضة، فنصاب الفضة من الغرامات يساوي خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً، وغرام الفضة اليوم رخيص، يساوي ريالاً واحداً تقريباً، فيكون نصاب الأوراق النقدية إذا اعتبرنا الفضة يساوي خمسمائة وخمسة وتسعين، أيهما أحظ للفقراء، هل نقدر بالذهب أو نقدر بالفضة؟
نقدر بالفضة؛ لأننا إذا قدرنا بالفضة، من ملك خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً وجبت عليه الزكاة، أما إذا قدرنا بالذهب فمن ملك هذا المبلغ ما تجب عليه الزكاة، إذا ملك ألف ريال ما تجب عليه الزكاة، إذا ملك ألفين ما تجب عليه الزكاة، إذا ملك ألفين وثلاثمائة أو أربعمائة لا تجب عليه الزكاة، فنقول: نأخذ باعتبار الفضة؛ لأن هذا هو الأحظ للفقراء، والفضة من زمن بعيد وقيمتها رخيصة، وعلى هذا يكون الأحظ للفقراء أن نقدر نصاب الأوراق النقدية بالفضة، وعلى هذا إذا حال الحول وأراد الإنسان يعرف هل تجب عليه الزكاة أو لا تجب عليه الزكاة؟ هل عنده نصاب أو ليس عنده نصاب؟ يسأل عن قيمة غرام الفضة، فتسأل الصرافين عن قيمة غرام الفضة، فإذا قالوا: بأن قيمة غرام الفضة يساوي ريالاً واحداً تضرب واحد في خمسمائة وخمسة وتسعين، إذا قالوا: يساوي ريالين، تضرب خمسمائة وخمسة وتسعين في اثنين، وهكذا، فيخرج عندك نصاب الأوراق النقدية.
يعني: لو كان الإنسان عنده ذهب، وهذا الذهب فيه غش مخلوط بصفر مثلاً، فنقول: ننظر إلى مجموع الذهب الموجود، فإن كان الذهب الموجود يساوي نصاباً وقدر النصاب كما تقدم لنا عشرون مثقالاً، وتساوي بالغرامات خمسة وثمانين غراماً، فإذا كان الذهب الموجود الخالص يساوي هذا القدر تجب فيه الزكاة، أما إذا كان لا يساوي هذا الذهب، الذهب الخالص يساوي مثلاً ثمانين غراماً أو سبعين غراماً فنقول: لا تجب عليه الزكاة.
قال المؤلف رحمه الله: [ فإن شك في ذلك خير بين الإخراج وبين سبكهما؛ ليعلم قدر ذلك ].
إذا شك، لا يدري، هل الذهب المخلوط مع المغشوش مع غير الذهب من صفر وغير ذلك، يساوي نصاباً أو لا يساوي نصاباً؟ شك في ذلك، نقول: أنت بالخيار، إما أنك تقوم بالسبك، تقوم بتخليص الذهب الخالص وتزنه، هل يساوي عشرين مثقالاً أو لا يساوي؟ أو أنك تخرج بلا سبك، يعني: تخليصه من المغشوش، وتنظر هل يساوي نصاباً أو لا؟ ثم تخرج الزكاة، أو أنك تحتاط وتخرج الزكاة، تقدر كم يساوي هذا الذهب، ثم بعد ذلك تقوم بإخراج الزكاة عنها، وتحتاط في ذلك، فنقول: أنت بالخيار، فإذا كان السبك سيؤدي إلى فساد هذا الذهب، أو فساد الصنعة، أو يحتاج السبك إلى قيمة ونحو ذلك، فنقول: الإنسان يحتاط ويقدر ويخرج الزكاة.
قوله: (في الحلي) يخرج ما عدا الحلي من الذهب والفضة، فإذا كان الإنسان عنده سبائك أو نقود من الذهب والفضة، فإنه تجب فيه الزكاة؛ لكن ما يتعلق بالحلي، سواء كان ذلك للرجال كما لو أن الإنسان عنده خاتم من فضة ونحو ذلك، أو كان للنساء، هل تجب فيه الزكاة أو لا تجب فيه الزكاة؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وهذه المسألة كثر كلام العلماء رحمهم الله، وألفت فيها مؤلفات مستقلة، فالأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأحمد : أنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال.
والرأي الثاني رأي أبي حنيفة رحمه الله: أن الحلي المعد للاستعمال فيه الزكاة، ولكلاً من هذين القولين دليل:
أما الذين قالوا: بأنه لا زكاة في الحلي من الذهب والفضة المعد للاستعمال، فاستدلوا بأدلة، نذكر طرفاً من أدلتهم:
حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة )، وهذا في الصحيحين، فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه ) يدل على أن الشيء الذي اختصه الإنسان لنفسه لا زكاة فيه، فالرقيق الذي اختصه لخدمته، أو الفرس الذي يركبه أو السيارة التي يركبها، والبيت الذي يسكنه، والذهب الذي يلبسه، هذا كله لا زكاة فيه، فكذلك أيضاً فيما يتعلق بالذهب والفضة، هذه اختص بها لنفسه يستعملها، فلا زكاة فيها.
وأيضاً استدلوا بما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء في خطبة العيد: ( تصدقن ولو من حليكن )، فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( تصدقن ولو من حليكن ) يدل على أن الحلي ليس موضع صدقة.
وقالوا: أيضاً حديث جابر : ( ليس في الحلي زكاة ) أخرجه الدارقطني ، وهو معلول ضعيف.
وكذلك أيضاً قالوا: بأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فهو الوارد عن أنس وجابر وأسماء وعائشة وابن عمر ، عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنس وجابر وأسماء وعائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهم.
أما الذين قالوا: بأن الزكاة تجب في الحلي فاستدلوا على ذلك بالعمومات، كقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34].
ومن ذلك أيضاً حديث أبي هريرة ( ما من صاحب ذهب ولا فضة )... إلى آخره كما تقدم.
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: ( أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يدها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أتؤدين زكاة هذا؟ فقالت: لا، فقال عليه الصلاة والسلام: هو حسبك من النار ) أخرجه أبو داود والترمذي .
كذلك أيضاً استدلوا بحديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وفي يدها فتخات من ورق، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم: أتؤدين زكاتهن؟ قالت: لا، قال: هو حسبك من النار )، وهذا أيضاً في سنن أبي داود .
مثله أيضاً: حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها: ( أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: يا رسول الله! أكنز هو؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز )، وهذا أيضاً في سنن أبي داود وأخرجه الحاكم والدارقطني .
والذي يظهر في المسألة -والله أعلم- أن الأقرب أنه لا زكاة في حلي النساء، لأن الفيصل في هذه المسألة هو هذه الأحاديث التي يستدل بها الحنفية ومن تابعهم، حديث عبد الله بن عمرو ، وحديث أم سلمة ، وحديث عائشة ، وهذه الأحاديث فيها مقال عند أهل الحديث، ففي أسانيدها مقال، فلا يبقى في المسألة إلا العمومات وأقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكما تقدم أنه عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لا زكاة في حلي النساء.
وكذلك أيضاً: ما تقدم أن ذكرنا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة ).
فيظهر -والله أعلم- أنه لا زكاة؛ لكن لو احتاط الإنسان وأخرج الزكاة فهذا أبرأ لذمته، وهذا أبعد عن الخلاف؛ لكن الاحتياط شيء والإيجاب شيء آخر.
قال: ( المعد للاستعمال، والعارية ).
فإذا كان يستعمل، أو يعار فإنه لا زكاة فيه، أما لو كان لا يستعمل ولا يعار، فهذا تجب فيه الزكاة، حتى قال العلماء رحمهم الله: لو كان معداً للنفقة، بأن كان عند إنسان حلياً ينفق على نفسه منها ولا يستعملها، وإنما ينفق على نفسه منها طعاماً، وشراباً، وكساءً، فهذا تجب فيه الزكاة، وكذلك أيضاً: لو كان يكري هذه الحلي تجب فيه الزكاة، ونظير ذلك أيضاً لو كان الإنسان عنده دراهم حبسها للنفقة على نفسه، إما للطعام أو للشراب، فهذا تجب فيه الزكاة إذا حال عليها الحول، كذلك أيضاً: لو حبسها للزواج، أو حبسها لكي يشتري سكناً له، وحال عليها الحول، فإنه تجب عليه فيها الزكاة للعموم؛ لأن هذه أموال زكوية، وقد حال عليها الحول.
وقول المؤلف رحمه الله: ( ولا زكاة في الحلي المباح ).
يخرج الحلي المحرم، كما لو كان هناك حلي على شكل صورة تمثال، صورة إنسان، أو حيوان، أو غير ذلك، فهذا محرمٌ لبسه، وحينئذٍ تجب فيه الزكاة.
بالنسبة للتحلي بالذهب والفضة نقول: ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون ذلك للنساء.
القسم الثاني: أن يكون ذلك للرجال.
أما بالنسبة للنساء: فالأصل في ذلك الحل، فيباح للمرأة من الذهب والفضة ما جرت العادة بلبسه، يعني: يباح لها من الذهب والفضة ما جرت العادة بلبسه، سواء كان محلقاً أو غير محلق، وما ورد من الأدلة في النهي عن الذهب المحلق لا تثبت، بل الثابت عن نساء الصحابة رضي الله تعالى عنهن لباس الذهب المحلق، فنقول: الأصل في التحلي بالذهب أو الفضة للنساء الإباحة، ويدل لهذا: حديث أبي موسى ، وحديث علي : ( حرم الذهب والحرير على ذكور أمتي، وأحل لنسائها ).
فنقول: الأصل في ذلك الحل، وأيضاً حديث: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام أخذ حريراًوذهباً فجعل أحدهما في يمينه، والآخر في شماله، وقال: هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها ).
فنقول: الأصل في التحلي بالذهب والفضة للنساء أنه جائز بكل ما جرت العادة بلبسه، أما ما خرج عن العادة فهذا لا يجوز، لو أن المرأة تحلت بحلي خارج عن العادة نقول: هذا لا يجوز؛ لأنه إما أن يكون شهرة، وإما أن يكون إسرافاً.
تقدم ما يتعلق بالنساء، وأن الأصل في ذلك الحل، فيباح للمرأة من الذهب والفضة كل ما جرت العادة بلبسه بلا تقييد، سواء كان قليلاً أو كثيراً ما لم يكن هناك شهرة أو إسراف كما سلف.
أما بالنسبة للقسم الثاني: وهو تحلي الرجل فنقول: تحلي الرجل إما أن يكون بالفضة أو يكون بالذهب، بدأ المؤلف رحمه الله بالفضة قال: (ويباح للرجل من الفضة الخاتم).
هذا الأمر الأول، يباح أن يتختم الذكر بالفضة، ويدل لهذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام، كما في حديث أنس ، وحديث ابن عمر ، وحديث ابن عباس ، وغيرها من الأحاديث.
فنقول: الخاتم من الفضة جائز للرجل، وهنا مسألة تتعلق بالتختم، هل التختم من قبيل العادات أو هو من قبيل السنن التي يؤمر بها الإنسان؟
الصواب في هذه المسألة: أنه من قبيل العادات، فالنبي عليه الصلاة والسلام إنما اتخذ الخاتم لأن الناس في عهده كانوا يتختمون، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يتخذ الخاتم إلا لما قيل له: إن الملوك لا يقبلون إلا كتاباً مختوماً، فاتخذ النبي عليه الصلاة والسلام الخاتم، فنقول: اتخاذ الخاتم هذا ليس من السنن، وإنما هو من قبيل العادات، فإذا جرت عادة البلد أنهم يلبسون الخاتم فليلبس، وإذا لم تجر فإنه لا يلبس؛ لأنه يخشى أن يكون ذلك من لباس الشهرة.
وهل الأولى أن يتختم الإنسان بيمينه، أو الأولى أن يتختم بيساره؟
هذا موضع خلاف، والصواب في ذلك أن هذا كله جائز، يعني: يجوز للإنسان أن يتختم باليمين، ويجوز له أيضاً أن يتختم باليسار؛ لأن السنة كلها وردت بذلك، وحينئذٍ نقول: الأمر فيه سعة والحمد لله.
وبأي الأصابع يتختم؟
نقول: الأصابع تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يستحب التختم فيه، وهو الخنصر.
القسم الثاني: ما يكره التختم فيه: وهي السبابة والوسطى، يكره للإنسان أن يتختم في السبابة والوسطى، لحديث علي في صحيح مسلم قال: ( نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتختم في هذه والتي تليها ) يعني: السبابة والوسطى، فنقول: بأنه يكره للإنسان أن يتختم بالسبابة والوسطى.
هذا بالنسبة للذكر، أما بالنسبة للأنثى فلها أن تتختم بما شاءت من الأصابع؛ لأن حال المرأة ليس كحال الرجل فيما يتعلق بالتحلي، فأمرها أوسع.
القسم الثالث: المباح، وهو الإبهام والبنصر، فنقول: يباح للإنسان أن يتختم بإبهامه، وأن يتختم بأصبعه البنصر.
فأصبحت الأصابع بالنسبة للتختم تنقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة.
المنطقة: هي ما يشده الإنسان على وسطه، فهذه يباح أن يكون فيها شيء من الفضة، كذلك أيضاً: السيف يباح أن يحلى بالفضة.
قال المؤلف رحمه الله: [ ونحوها ].
يعني: ما يتعلق بآلات الحرب والسلاح مثل: الدرع، ومثل: الجوشن، ومثل: السهم، والدرع وغير ذلك، يباح أن تحلى.
إذاً: يستثنى بالنسبة للذكر من الفضة ثلاثة أشياء:
الأول: الخاتم.
والثاني: المنطقة؛ لأن الصحابة اتخذوا المناطق محلاة بالفضة.
والثالث: ما يتعلق بآلات الحرب.
هذه ثلاثة أشياء تباح للذكر من الفضة.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الأصل في الفضة للذكر الإباحة، وأنه لم يرد دليل يدل على النهي، واستدل بكون النبي عليه الصلاة والسلام اتخذ خاتما من فضة، وكون الصحابة رضي الله تعالى عنهم اتخذوا المناطق محلاة بالفضة، وأيضاً بعض الأسلحة محلاة بالفضة، وأيضاً: ورد في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وإن كان في إسناده شيء: ( وأما الفضة فالعبوا بها لعباً )، وعلى هذا القول: لو أن الإنسان اتخذ ساعة من فضة، فإن هذا جائز، أو اتخذ أزارير من فضة، فإن هذا جائز، أو اتخذ نظارة وجعل إطاراتها من فضة، فإن هذا جائز.
فأصبح عندنا الفضة للرجال فيها رأيان كما تقدم:
الرأي الأول: أنها محرمة لكن يباح بعض الأشياء.
والرأي الثاني: أن الأصل فيها الحل.
هذا موضع خلاف، فالمذهب أنه يباح للذكر من الذهب شيئان:
الشيء الأول: قبيعة السيف، وهو طرف المقبض.
والأمر الثاني: ما دعت إليه الضرورة:
قبيعة السيف؛ لأن هذا وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
والأمر الثاني: ما دعت إليه الضرورة، كما في سنن أبي داود ( أن
فأصبح أنه يباح من الذهب شيئان، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
الرأي الثاني: اختيار شيخ الإسلام ، وأيضاً قول الحنفية رحمهم الله: أنه يباح اليسير التابع، اليسير التابع جائز ولا بأس به، يعني: لو كان هناك يسير من الذهب تابع لشيء آخر، فإن هذا جائز ولا بأس به، ويدل لهذا حديث المسور بن مخرمة في صحيح البخاري أنه ( ذهب هو وأبوه
قال المؤلف رحمه الله: [ فأما المعد للكراء أو الادخار والمحرم ففيه الزكاة ].
تقدم أن الحلي إذا كان معداً للكراء، أو معداً للادخار، فإن فيه الزكاة.
الدين: ما ثبت في ذمة الإنسان من قرض وغيره.
هل تجب الزكاة في الدين أو لا تجب الزكاة في الدين؟
يعني: لو أن الإنسان له دين على شخص يريد من شخص مالاً، فهل تجب فيه الزكاة أو لا تجب فيه الزكاة؟
المشهور عند الحنابلة رحمهم الله: أن الزكاة تجب في الدين مطلقاً، مذهب الحنابلة رحمهم الله من أوسع الحنابلة في إيجاب الزكاة في الدين، فيقولون: الزكاة تجب في الدين مطلقاً، سواء كان هذا الدين على معسر، أو كان على مليء باذل، وسواء كان على مليء مماطل، أو مليء باذل، فالمشهور من المذهب أن الزكاة تجب في الدين مطلقاً، كما أشرت أنهم من أوسع المذاهب في إيجاب الزكاة في الدين، يوجبونها مطلقاً، سواء كان الدين على معسر، أو كان على مليء غني باذل، أو على مماطل؛ لكن لا يجب عليه أن يخرج، هم يقولون: يستحب له أن يخرج كل عام بعامه؛ لكن لا يجب عليه أن يخرج حتى يقبض، والأفضل أن يخرج الإنسان كل سنة بسنتها، فمثلاً: لو كان لك عشرة آلاف ريال على زيد من الناس، وزيد هذا فقير معدم ما عنده شيء، أو لك عشرة آلاف ريال عند زيد وهو غني باذل، أو غني مماطل، نقول: أنت بالخيار، إما أن تخرج كل عام بعامه، قالوا: وهذا هو الأفضل، وإما أن تنتظر حتى تقبض المال، فتخرج عن كل السنوات، فإذا قبضت المال بعد عشر سنوات من هذا الفقير، فإنك تخرج عن عشر سنوات، أو قبضت هذا المال من هذا الغني بعد عشر سنوات، فإنك تخرج زكاة عشر سنوات، وهكذا.
قال المؤلف رحمه الله: [ ومن كان له دين على مليء، أو مال يمكن خلاصه، كالمجحود الذي له به بينة، والمغصوب الذي يتمكن من أخذه، فعليه زكاته إذا قبضه بما مضى ].
يعني: بكل ما مضى، فالمذهب أن الزكاة تجب في الدين مطلقاً، سواء كان على معسر، أو على مليء؛ لكنهم يقولون: لا يجب على الإنسان أن يخرج حتى يقبض، والأفضل أن يخرج، فإذا قبض أخرج الزكاة عن كل ما مضى، هذا الرأي الأول.
الرأي الثاني: رأي الظاهرية والحنفية، يقولون: لا زكاة في الدين، بل إذا قبض الإنسان الدين يستأنف، إذا قبض الدراهم يستأنف بها حولاً مستقلاً، مثلاً: لك عشرة آلاف على زيد، ما يجب عليك أن تزكي حتى تقبض، فإذا قبضت هذه العشرة يبدأ فيها حول جديد، قبل ذلك ما يجب عليك زكاة، وهذا أيضاً من أضيق المذاهب.
القول الثالث: وسط بين هذين الرأيين، وهو التفصيل:
إن كان الدين على معسر، يعني: على فقير معدم، أو على غني مماطل، فهذا لا يجب عليك أن تخرج الزكاة كل سنة، وإنما تخرج الزكاة مرة واحدة إذا قبضت، مثلاً: جلس هذا الدين عند هذا المعسر مدة عشر سنوات، ثم قبضته، فإنك تخرج زكاة مرة واحدة.
القسم الثاني: أن يكون الدين على مليء بادل، يعني: غني قادر على الوفاء، بقوله لا يماطل، وببدنه يمكن إحضاره مجلس الحكم، وبماله عنده ما يوفي، فهي مليء باذل، فهذا يجب أن تزكي عن الدين كل عام، فإذا كان على مليء باذل وجبت الزكاة كل عام وارد عن الصحابة عمر وابن عمر وعثمان وجابر رضي الله تعالى عنهم.
وهذا القول هو الأقرب، ومثل ذلك أيضاً: المال المغصوب، لو كان الإنسان له مال مغصوب، ما يستطيع أن يخلصه، أو مسروق، أو منتهب، أو مختلس، أو مال ضائع مفقود، لم يجده إلا بعد سنتين، أو ثلاث سنوات، فهذا كله تجب فيه الزكاة مرة واحدة فقط إذا قبضه.
كذلك أيضاً: ألحق بعض العلماء بهذا الحقوق التي تكون للإنسان عند الدولة في بيت المال، يعني: إذا كان له قروض، أو حقوق عند الدولة، فهذه إذا قبضها فإنه يخرج زكاتها مرة واحدة، فالمال المنسي، والموروث المجهول، والمغصوب، والمسروق، والمنتهب، وغير ذلك من هذه الأموال، هذه كلها لا تجب فيها الزكاة إلا مرة واحدة.
قال المؤلف رحمه الله: [ أو مالٍ يمكن خلاصه كالمجحود الذي له فيه بينة، والمغصوب الذي يتمكن من أخذه فعليه زكاته إذا قبضه لما مضى ].
لو كان الإنسان له مال مغصوب وهو يتمكن من أخذه، فهذا مثل المال الذي على مليء باذل، يجب عليه أن يزكي؛ لكن إذا كان مغصوباً لا يتمكن منه، أو مسروق لا يتمكن منه، لا يدري من سرق، أو المغصوب هذا ظالم؟ ما يستطيع أن يأخذه منه، فهذا لا يزكيه إلا إذا قبضه مرة واحدة.
مثل أيضاً: إذا جحد المال ، إن كان يتمكن أن يأخذ منه فهذا تجب عليه الزكاة كل عام؛ لأنه مثل الدين على مليء باذل، وإذا كان لا يتمكن يجب عليه أن يزكي مرة واحدة.
قال المؤلف رحمه الله: [ وإن كان متعذراً كالدين على مفلس، لفقير معول أو على جاحد، ولا بينة به، والمغصوب، والضال الذي لا يرجى وجوده، فلا زكاة فيه ].
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله؛ لكن المذهب خلاف ذلك، المذهب كما سبق تقريره أن الدين إذا كان على معسر، والمغصوب ونحو ذلك من الأشياء، يرون أنها تجب فيها الزكاة كل عام لما مضى؛ لكن ذهب المؤلف رحمه الله أنه لا زكاة فيه، والصواب في ذلك أن الدين على معسر، أو المغصوب الذي لا يستطيع خلاصه، والمنتهب والمسروق، والمال المنسي، وغير ذلك، هذه كلها تجب فيها الزكاة مرة واحدة، والدليل على ذلك القياس على ثمرة الشجرة، فإن الثمار إذا أخرجت تزكى مرة واحدة، كما قال الله عز وجل: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، مثله أيضاً: كونه يخلص هذا الغصب، أو يخلص هذه السرقة... إلى آخره هذه منزلة الثمرة التي حصلت له، فيجب فيها الزكاة مرة واحدة.
قال المؤلف رحمه الله: [ وحكم الصداق حكم الدين ].
الصداق كما تقدم أن المذهب أنه تجب فيه الزكاة مطلقاً.
هذه مسألة أخرى مستقلة، هل الدين يمنع الزكاة أو ينقصها أو لا؟
المشهور من المذهب كما قرره المؤلف أن الدين يمنع الزكاة أو ينقص الزكاة، فيمنع الزكاة إذا أنقص النصاب، وينقص الزكاة إذا لم ينقص النصاب، مثال ذلك: هذا رجل عنده خمسون ألف ريال، حال عليه الحول، وعليه دين خمسون ألف ريال، قالوا: هذا لا زكاة عليه؛ لأنه الآن أصبح ما عنده نصاب، أو رجل إذا قلنا: بأن نصاب الريالات مثلاً أربعمائة ريال، هذا رجل عنده أربعمائة ريال، وعليه دين مائة ريال، هنا ينقص النصاب قالوا: لا زكاة عليه.
إذا كان لا ينقص النصاب؛ لكنه ينقص الزكاة، مثال ذلك: رجل عنده مائة ألف ريال، وعليه دين يساوي خمسين ألف ريال، فهذا يزكي عن خمسين ألف ريال، والخمسون الألف الأخرى: لا تجب عليه فيها الزكاة؛ لأن الدين يمنع بقدره، فإن أنقص النصاب فلا زكاة، وإن لم ينقص النصاب فإنه يمنع بقدره كما تقدم، هذا رجل عنده مليون ريال، وعليه دين خمسمائة ألف، يزكي عن خمسمائة ألف ريال، هذا هو المشهور من المذهب.
الرأي الثاني: يقابل هذا قول الشافعي ، أن الدين لا يمنع الزكاة مطلقاً، لا في الأموال الظاهرة، ولا في الأموال الباطنة، فهذا رجل عنده خمسون ألف ريال، وعليه دين بمقدار خمسين ألف ريال يزكي عن الخمسين التي عنده، وأما بالنسبة للدين الذي عليه فهذا لا يمنع الزكاة، لعموم قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25]، وأيضاً حديث: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منه حقاً )، وقول الله: يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34] وهذا يشمل هذا، فهذا رجل حال عليه الحول، وعنده هذا المال، فيجب عليه أن يزكي.
الرأي الثالث: التفصيل في المسألة، وقالوا: بأن المال لا يخلو من أمرين:
إما أن يكون ظاهراً أو باطناً، يعني: المال الزكوي إما أن يكون من الأموال الظاهرة، وإما أن يكون من الأموال الباطنة، الأموال الزكوية يقسمونها إلى قسمين: ظاهرة وباطنة، الظاهرة هي السائمة، والخارج من الأرض، هذه يقولون: بأنها ظاهرة، والباطنة هي عروض التجارة والأثمان.
فيقولون: بالنسبة للباطنة يمنع الدين الزكاة في الباطنة، مثلاً: إنسان عنده مائة غرام من الذهب، وعليه دين خمسون غراماً من الذهب، هذا ما يجب عليه الزكاة، في الباطنة يمنع، وفي الظاهرة لا يمنع.
إنسان مزارع زرع الحب أو غرس الأشجار، واحتاج إلى مال واستدان، ثم المزرعة أنتجت، فقالوا: بأنه تجب عليه الزكاة والدين لا يمنع.
بالنسبة للظاهرة لا يمنع، ولا ينقص، ولا عبرة بالدين، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة لقبض زكاة المال الظاهر، ومع ذلك لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم أن يسألوا عن الدين، أو أن لا يأخذوا بقدر الدين.
وأما الذين قالوا: بأنه يمنع -كما هو رأي الحنابلة- فاستدلوا بقول عثمان رضي الله تعالى عنه: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده، فدل ذلك على اعتبار الدين، وأنه ينقص الزكاة أو يمنع الزكاة.
والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى: وأنه لا دخل للدين في الزكاة، وأن الإنسان إذا حال عليه الحول، وعنده أموال، وعليه ديون، فإنه يجب عليه أن يزكي عن كل الأموال التي عنده، وهذا يدعو الإنسان إلى أن يسدد الدين الذي عليه، كما قال عثمان رضي الله تعالى عنه: هذا شهر زكاتكم، فنقول: أنت مثلاً: عليك خمسون ألف ريال، وعندك مائة ألف ريال، سدد الدين، وما فضل أخرج زكاته، ما دام أن عليك ديوناً نقول: أخرج الدين، سدد الدين من المال الذي عندك، فإذا سددت عندك مائة ألف وعليك خمسون ألفاً سدد خمسين ألف، ويبقى خمسون ألف يحول عليها الحول وأخرج منها الزكاة، أما كون الإنسان ما يسدد الدين الذي عليه، ويحول الحول على هذه الأموال، نقول: يجب عليه فيها الزكاة، فنقول: كما قال عثمان رضي الله تعالى عنه: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده، نقول: ابدأ بالدين وسدد، فإن فضل شيء فإنك تخرج زكاته، وإن ما فضل شيء فإنه لا يلزمك أن تخرج الزكاة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر