يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فلا زال حديثنا متواصلاً عن جيل التمكين.. وكيف السبيل إليه، ولقد ذكرنا أن أهم غراسٍ يغرسه الإنسان هو الولد، وهذا الغراس يحتاج إلى ثلاثة أشياء: إلى أرضٍ خصبة، وعاملٍ جيدٍ، وماءٍ عذب، وقلنا في الأرض -والمقصود بها المرأة-: يشترط فيها أشياء:
أولها ومحور ارتكازها هو: الدين، فالنبي صلى الله عليه وسلم حث على اختيار ذات الدين فقال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) ولا مانع أن تضم صفةً أو صفتين أو أكثر مع الدين.. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ، وجمالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) فذات دينٍ جميلةٍ أفضل من ذات دينٍ فقط، وذات دين جميلة وغنية أفضل من ذات دينٍ جميلة فقط، وهكذا...
وإنه ليطول عجبي أن تدفع المرأةُ زوجها دفعاً إلى العمل لفترة وفترتين وثلاث، ثم يأتي الرجل إليها في آخر اليوم يشتكي ألم مفاصله، وظهره، ويشتكي صداعاً في رأسه، ومع ذلك لا ترضى عنه المرأة!! أي ودٍ هذا؟! وأي وفاء؟! كيف تسعد المرأة بحياتها وهي ترى زوجها يعاني كل هذه المعاناة، ولا تعيش معه على ذات يده؟
إن النبي عليه الصلاة والسلام امتدح نساء قريش، كما روى ذلك الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (خير نساءٍ ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على ولد، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده)؛ لذلك كنَّ خير النساء..
أما كمال عقلها: فلأن الإنسان إذا أصابه الروع والفزع احتاج أن يذكره أحد بمآثره وصفاته، ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن كماشة النهري رحمه الله قال: دخلنا على عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فلما رآنا حول وجهه إلى الجدار وبكى طويلاً، فأقبل عليه ابنه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وقال: يا أبتِ! ألم يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا؟ فواساهُ وذكره بالبشارات وهو بين يدي الموت، وهذا أدعى لأن يطمئن قلبه، فلما سمع ذلك أقبل عليهم، فقال: لقد رأيتني على أطباق ثلاث -أي: على ثلاث مراحلٍ في حياتي- رأيتني وما أحدٍ أشد بغضاً إلي من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحب إلي من أن أكون استمكنت منه فقتلته، فلئن متُ على هذا الحال لكنت من أهل النار، ثم أسلمتُ فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: (يا رسول الله! ابسط يدك لأبايعك، فبسط يده، فقبضت يدي، قال: مالك يا
لما حضرت سفيان الثوري رحمه الله الوفاة انتفض وبكى، فقال له عبد الرحمن بن مهدي -تلميذه الوفي- ألست تقدم على الذي كنت تعبده؟ اسكن، فسكن، ففزع من الموت، فذكره أنه قادمٌ على الذي سجد له وركع، والذي كان يقوم له الليالي، والذي كان يتحمل الهجير في الصيام من أجله، فذكره وما كان سفيان يغفل وقد قضى حياته كلها لله عز وجل، لكنه الفزع الذي ينسي الإنسان حلمه ويزيل عنه عقله.
فإذا وقع المرء في مثل هذا الفزع احتاج إلى حسن المواساة، وقد رجع النبي صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده مما رأى وهو يقول: (لقد خشيت على نفسي، فقالت -وصدرت ذلك بالقسم من قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم- قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً) واستدلت بكريم شمائله، وجميل نعوته على أنه لا يخزيه، فقالت: (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل -أي: العالة يحمله حملاً- وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) فكيف يخزى من هذه صفاته؟!!
نظرت خديجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأت فيه رجلاً أميناً صادقاً وفياً، وكان كثير الثناء عليها بعدما ماتت، حتى قالت عائشة رضي الله عنها -كما رواه البخاري وغيرهُ- (ما غرت على امرأةٍ قط غيرتي على خديجة ).
يقول الإمام الذهبي رحمه الله: وهذا أعجب شيء أن تغار من امرأةٍ ميتة، ولا تغار من نسوة يعشن عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تغار من أم سلمة ، ولا من أم حبيبة ، ولا من حفصة ، ولا من زينب .. وتغار من امرأةٍ ميتة! وهذا من لطف الله بنبيه حتى لا يتكدر عيشه.
تقول عائشة : (ما غرت على امرأةٍ قط غيرتي من
وفي إحدى المرات -كما في صحيح البخاري- : (استأذنت
وقال صلى الله عليه وسلم مؤكداً لهذه القاعدة: (ما من نفسٍ تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ منها)؛ لأنهُ أول من سن القتل، ابن آدم الأول الذي قتل أخاه، يحمل كفلاً وتبعةً من كل رجلٍ قتل ظلماً إلى قيام الساعة.
والذي يسن وينشر الدين والعلم والسنة في بلدٍ ليس فيها شيءٌ من ذلك؛ له أجر الدعاة إلى هذا الدين إلى يوم القيامة.
فالصنف الأول: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
والصنف الثاني: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
فانظر بعدما ذكر القوامة قال: (فَالصَّالِحَاتُ) أي: اللواتي لا يهدرن قوامة الرجل، ويطعن أزواجهن، ووصفهن بذلك، وقد أتى بالفاء العاطفة التي تفيد الترتيب مع سرعة المبادرة.
(فَالصَّالِحَاتُ) أي: يمتثلن مباشرةً إذا أمر الزوج بالمعروف وفي قدر الاستطاعة.
(قَانِتَاتٌ) أي: طائعات لربهن. والمرأة التي تعصي ربها يسهل عليها أن تعصي زوجها، كيف تطيع زوجها وقد نكثت على ربها؟ لذلك ذكر أول صفةٍ إذا كانت فيها أتت بقية الصفات بعد ذلك.
(حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ): (تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فسُئل: من خير النساء يا رسول الله؟ قال: التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أقسمتَ عليها أبرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك).
(حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ): أي: لغيبة أزواجهن، إذا غاب الزوج تحفظ ماله وعرضه.
قوله: (إذا نظرت إليها سرتك) ليس المقصود من هذا جمال الوجه؛ إنما المقصود به جمال الروح، فكثير من النساء يعشقن النكد، فلا يرى الرجل من زوجته إلا وجهاً عابساً يوحي عن عدم الرضا. (إذا نظرت إليها سرتك): دائمة البشر والابتسام، عندما تدخل عليها تشعر أن الدنيا كلها رجعت إليها وحازتها، وتفقد أغلى ما لديها إذا غبت عنها، فإذا ما رجعت ارتاحت وسكنت.
قوله: (وإذا أقسمت عليها أبرتك): لا تحنثك في يمينك أبداً، مهما كان الذي حلفت عليه شاقاً عليها، هذه هي خير النساء، الذي يجمعها قوله صلى الله عليه وسلم: (الودود)، كثيرة الود، دائمة البشر.
ويدخل في قوله تعالى: (حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ) أن تحفظ المرأةُ غيب زوجها فلا يطلع عليه أحد، نساءٌ اطلعنَ على بعض عورات أزواجهن من فعل المعاصي، فإذا غضبت تفشي كل ذلك وتفضحه، تقول: إنه يفعل كذا وكذا، وتعدد ما غاب عن الناس، لماذا تفضحين زوجك عند الخلاف؟ هذا لا يجوز أن يقال إلا في حضرة القاضي أو المفتي، بشرط: أن يكون لهذا القول تأثيرٌ في الحكم، وإذا لم يكن له تأثيرٌ في الحكم؛ فلا يجوز للمرأة أن تفشي سر زوجها.
جزى الله الشدائد كل خـيرٍ عرفت بها عدوي من صديقي
وقال آخر:
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عَرْفِ العود
فـخديجة رضي الله عنها أفضل النساء، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة لما قالت له: (لقد أبدلك الله خيراً منها، قال: لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها)، وفي صحيح مسلم: (أنها أكثرت على النبي صلى الله عليه وسلم من اللوم في الثناء على
وحب الرجل للمرأة هو بسبب شمائلها.
المرأة -أحياناً- تريد أن تسمع الثناء من الرجل بلسانه، مع أن الرجل يعاملها معاملة جيدة، وهي تلمس الحنان في تصرفاته وفي كرمه وعطفه وإغضائه عما يرى منها من المكروه، لكنها تحتاج إلى الكلام الحسن، فإذا الرجل لم يتكلم معها بكلام معسول تبدأ المرأة بلومه ومعاتبته وتقول: لماذا لا تقول لي كذا وكذا، فتلقنه كلاماً تريد أن يقوله لها، فالرجل قد يكون مقراً بفضلها ومعروفها لكنه لا يحسن صناعة الكلام، أو ربما لم يتكلم من علةٍ عنده، فالمرأة العاقلة لا تحمله على الكلام حملاً، وكل إنسان قد لا يعترف بالمعروف علانيةً، ولكنه يعترف بينه وبين نفسه في لحظة الصفاء، عندما يسكن يبدأ يقلب الأحداث، فتمر عليه المواقف، فيعرف الوفي من غير الوفي، ويعترف بذلك بينه وبين نفسه. إنك قد تخدع كل الناس في بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، كل إنسان له لحظات يصفو فيها، فالمرأة لا تكدر صفو زوجها، لاسيما إذا لمست منه العشرة بالمعروف، وهنا قصة أذكرها لكم، وهي:
رجل مرضت امرأته، فبكى عليها بكاءً شديداً، فقال له بعضهم: لِمَ تبكي عليها هذا البكاء؟ فقال: إنني أخشى لو ماتت ألا أجد مثلها، ثم شرع يقص بعض شأنها معه، يقول: لقد كانت ابنة مقاول كبير وشهير وصاحب مال، وكنتُ عاملاً عنده، فلما لمس المقاول مني الإخلاص والأمانة والجد والتفاني جعلني رئيساً للعمال، فمارست عملي الجديد بكل إخلاص وود، فأراد الرجل الذكي أن يحتفظ بماله عند يد أمينة، فقال: أزوج ابنتي من هذا الرجل، فزوجني ابنته، فحفظت هذا المعروف، وكنت فقيراً، لم يكن عندي من المال ما أستطيع أن أجعلها في مستوى معيشة أبيها، فكانت الأيام تمضي علينا لا نأكل لحماً، وكان موعدنا كل يوم جمعة عند أبيها على مائدة الغداء، فيأتي والدها بما لذ وطاب وما تشتهيه الأنفس وتسر به الأعين، قال: فكانت لا تأكل شيئاً من اللحم ولا الدجاج ولا البط، فيقولون لها: لِمَ لا تأكلي؟ فقالت: لقد تعبنا من كثرة أكل هذه الأشياء، نأكل دجاجاً ولحماً وبطاً كل يوم، رغم أنها تأكله ولا تراه، فهذه ليست من النساء اللواتي كلما حصل لهن شيء قدمن الشكاوى إلى أهلهن.
يقول: وظلت على ذلك زمناً وأنا لا أعرف، حتى قالت لي والدتها: لا تجعل ابنتي تأكل لحماً دائماً حتى لا تأتي إلينا ولا تأكل معنا، فذرفت عيني، وصرت آخذ لها جزءاً من اللحم، فقلت له: يحق لك أن تبكي، فالمرأة لا تفضح زوجها ولا تكشف ستره أبداً.
ليت نساءنا يتعلمن من خديجة رضي الله عنها، فقد استدلت على جميل نعوته فقالت: (إن الله لا يخزيك) فقد يبتلي الله عز وجل المؤمن، لكن لا يخزيه.
ولذلك لم تقل: لا والله، لا يبتليك الله أبداً، بل قالت: لا والله، لا يخزيك الله، يبتلى المؤمن لكن يخرج من الدنيا بشرف، يخرج من الدنيا بالثناء الجميل والذكر الحسن بين الناس، مثل: الإمام أحمد بن حنبل .
كان الإمام أحمد بعد المحنة أفضل منه قبل المحنة، وأخذ لقب إمام أهل السنة بجدارة، كما كان داود عليه السلام أفضل بعد المعصية منه قبل المعصية -المعصية التي ذكرها الله عز وجل في سورة ص- كما يقول ذلك ابن تيمية رحمه الله.
فالإمام أحمد زكا ونما وصار اسمه علماً مع كثرة نظرائه في زمانه، كان هناك ألوف العلماء مثل أحمد بن حنبل في الذكر والعلم؛ وصار إماماً يقتدى به في علم الحديث وفي غيره من العلوم؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
استدلت خديجة على قولها: (كلا، لا يخزيك) بقولها بعد ذلك: (إنك لتصل الرحم، وتكسب المعدوم، وتحمل الكل، وتساعد الضعيف، وتعين على نوائب الحق) وفي غير صحيح البخاري ، قالت: (وتؤدي الأمانة، وتصدق الحديث)، المرأة تعلم كل هذا من زوجها بالعشرة، لأن الرجل قد يخدع الناس في الخارج؛ لكن إلى متى يجامل امرأته؟ فهذه المرأة هي التي تعرف أسرار زوجها، ولذلك عندما يموت أحد الكبراء يذهبون إلى امرأته فيسألونها عنه، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته من الذي جلاها لنا إلا أزواجه، إذا كنت تريد أن تعرف صدق الرجل ونبله فاسأل امرأته، بشرط أن تكون امرأة تتقي الله تبارك وتعالى وتخشاه، فلذلك خديجة كانت أفضل من عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا سر فضلها على عائشة ، نصرته في وقتٍ عزَّ فيه النصير.
يقول صلى الله عليه وسلم: (وواستني بمالها)، وليس على الرجل غضاضة أن يستفيد من مال امرأته؛ لكن الرجل -أحياناً- لا يأخذ المال من امرأته لعلةٍ عنده، لكن إذا انتفت العلل فلا غضاضة عليه أن يستفيد من مال امرأته، كما استفاد ابن مسعود من مال امرأته، ومن قبله سيده وسيدنا صلى الله عليه وسلم عندما استفاد من مال خديجة، إذا كنت لا تخشى من امرأتك المن والأذى فاقبل مالها.
أقول: كما أنك تستطيع أن تعرف المرأة ولود، فيمكنك أن تعرف أنها ودود أيضاً، فمن أين علمت أنها ولود؟ لا شك أنه بالنظر إلى أمها وأختها وعمتها وخالتها، فيندر أن تكون الأم ولوداً كذلك الأخت والعمة والخالة وتكون هي عقيماً، هذا شيء قد يحدث لكن نادراً، ومعروف أن الشاذ النادر لا يقاس عليه، إنما يقاس على الأعم الأغلب.
كذلك إذا رأيت أمها تحب أباها وتكرمه وترفعه، فاعلم أن ابنتها تكون مثلها، وهذه مسألة مهمة جداً، أما الأسرة التي فيها مشاكل، الرجل يسب زوجته، والمرأة تسب زوجها، والمرأة تشتكي من زوجها لابنتها؛ فلو كان الزوج رجلاً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، فالأم تحدث ابنتها بما حصل وتسب الرجل وتجترئ عليه، وتقول لابنتها: لولاكِ وإخوتكِ لتركت المنزل، فينطبع في ذهن البنت الخوف من الرجال، وتظن أن كل الرجال كأبيها، فيبقى عندها شهوة الانتقام أو بغض الرجل واستحقاره وعدم الوفاء له، كل هذا بسبب الأم، لكن إذا كان الرجل يتق الله عز وجل والمرأة كذلك، فيندر أن يخرج من هذا الجو الأسري الجميل بنت ناشز، وهذا يؤكد عليك وأنت تبحث عن المرأة أن تبحث عن البيت الذي يظلله الدين.
كثيراً ما يأتيني بعض الشباب، فيقول: أريد أن أتزوج فلانة، وقد كانت متبرجة ولكني أقنعتها بالحجاب، لكن أباها يتعاطى الحشيش، أو أمها كانت .. أوجدها كان .. إلخ، فأنصح هذا الشاب دائماً أن يبحث عن ذات الدين في البيت الذي يظلله الدين، صحيح أن يمكن أن تكون سيئة جداً ومتبرجة وراقصة، ثم قد تصبح من أفضل المؤمنات، وقد تكون امرأة في قعر الفاحشة ثم تصعد إلى قمة العفاف، لكن الشاذ لا يقاس عليه.
أنت -مثلاً- لو جئت إلى امرأة متبرجة تكشف زينتها للأجانب، وقلت: أنا سأكسب فيها أجراً وسأتزوجها وأكون سبباً في هدايتها، فلما تزوجتها ما رأيت منها سعادة قط، فبعد ذلك تأتي وتشتكي، فنقول لك: يا أخي! العينة بينة، أنت تعرف أنها كانت كذا.
وقد يتزوج الرجل امرأةً متحجبة، لكنها تريه النجوم في عز الظهر، فعندما يأتي ويشتكي؛ نقول له: أنت فعلت الذي عليك، وحظك هكذا، انتقيت وأخذت بالأسباب ولكن لم توفق.
فانظر إلى الفرق بين الحالة الأولى وبين الحالة الثانية، الحالة الأولى: يلام؛ لأنه لم يأخذ بالأسباب الشرعية، والحالة الثانية، يحط عنه اللوم، ويُعزى ذلك إلى الغيب وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ [يوسف:81]، فالذي عليك أن تبذل وتذهب إلى بيت يضلله الدين، الأب ملتزم والأم كذلك، فإذا تزوجت منهم ووجدت أن هذه المرأة تشقيك فعلى الأقل تكون مستريحاً بينك وبين نفسك؛ لأنك بذلت ما في وسعك.
الود والولادة نحن نصبنا شيئاً من الخارج مثل: البيت الذي يظلله الدين، والأم الولود، والأخت الولود، والخالة والعمة، فهذه كلها أشياء يصح أن تعلق الحكم عليها: (خير نسائكم من أهل الجنة الودود الولود).
ذكرت كلاماً مجملاً في الخطبة وهو : أن الولد يمثل الأواصر بين الزوج والمرأة، والرجل كلما أحب المرأة فإنه يحب أولاده منها، وإذا كره المرأة قد يكره أولاده منها، والعبارة دقيقة؛ لأن الرجل عادةً لا يكره ولده، لكن قد يكره أولاده منها، وأولاد الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم من خديجة -ما عدا إبراهيم ، فمن جاريته مارية - ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ورزقني الولد منها إذ حرمني أولاد النساء) وأولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها هم: القاسم ، وبه تكنى صلى الله عليه وسلم، والطاهر ،والطيب -على قول لبعض أهل العلم- وقال بعضهم: بل هو عبد الله وكان يلقب بـالطاهر والطيب .. واتفق العلماء جميعاً على أن كل الذكور ماتوا صغاراً، والباقي نساء، وهن: زينب ، ورقية، وأم كلثوم ، وفاطمة ، كلهن من خديجة رضي الله عنها.
ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاً لثمانٍ وثلاثين سنة، منها: خمس وعشرون سنة مع خديجة ، ومن كرامتها عليه أنه لم يتزوج امرأةً معها أبداً، وليس معنى هذا أن الرجل إذا تزوج على امرأته أنه لا يكرمها أو يضيع كرامتها، لم يتزوج عليها وهي حية، وبعد خمس وعشرين سنة تزوج بعدها النساء، أولهن: سودة ، ثم عائشة نكحها بعد موت خديجة بثلاث سنوات، رضي الله عنهن جميعاً.
فالولد يمتن الآصرة، والمرأة إذا لم تلد تبحث عن كل سبيل ليرزقها الله الولد حتى تمتن الآصرة بينها وبين زوجها، وتظل خائفة إلى أن تلد.
تعني بذلك: أن المرأة تتكبر وتكثر من طلباتها عندما يكون لها حظ عند زوجها، أي: يحبها كثيراً -لكن المرأة التي لم يرزقها الله الولد تتودد؛ لأنها تريد أن تعيش، لذلك يقل نشوزها عن المرأة التي لها حظوة ولها ولد، فالمرأة إذا كان لها أولاد، فإنها تعرف أن الرجل يحب الأولاد، فدائماً عندما يدخل الأب ويرى الولد ويقبله ويحاول أن يسمع صوته عبر سماعة الهاتف -إذا كان خارج المنزل- فتقوم وتعزف على وتر الأولاد، فتنشز عن زوجها وتأخذ الأولاد معها؛ لأنها تعرف أن زوجها لا يستطيع أن يعيش بدون أولاده؛ فيضطر أن يذهب إليها ليسترضيها ويخطئ نفسه ويعتذر حتى تعود إلى بيتها مع الأولاد، فهذه المرأة تعين شريح القاضي على ابنتها، وهذه من خير النساء.
إن الأب الجيد عندما تأتي ابنته إليه غاضبة من زوجها فإنه يرجعها إليه مباشرة دون تحقيق ولا انتظار، ولا عقد محاكمة للزوج، ويكون قد أعلم ابنته قبل أن تتزوج أن المرأة إذا تزوجت فليس لها إلا بيت زوجها، ويعظم الزوج عند زوجته، بخلاف الذي يجمع ابنته وزوجها ويقول له: أنت مخطئ.. لماذا لا تعاملها بالمعروف؛ فيشجع ابنته على زوجها، وهذا خطأ، فهو بهذا الأسلوب يهدر قوامة الرجل، لكن إذا أراد أن يعاتبه فليعاتبه لوحده منفرداً، ويعيد إليه زوجته ويحفظ له كرامته، وقد يكون الزوج معوزاً فقيراً فأعطه بعض النقود أو هدية، وقل له: اعط هذا ابنتي عن طريقك، فأنت بهذا الأسلوب تكسب قلب الزوج، وفي نفس الوقت الهدية ستصل إلى ابنتك.
هكذا كان خلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ابنته حفصة ، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الشيخان من حديث ابن عباس عندما قيل: (إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، قد كن هجرنه من الليل حتى الصباح، فجاء
ويقول عليه الصلاة والسلام: (نساء قريش خير نساءٌ ركبن الإبل، أحناه على ولدٍ، وأرعاه لزوجٍ في ذات يده).
لأن النبي عليه الصلاة والسلام عندما قال: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثرٌ بكم الأمم)، إذاً كثرة النسل مطلوبٌ شرعاً، وتحديد النسل بالطريقة التي يدعو إليها المتهوكون لا تجوز شرعاً باتفاق العلماء، وما يجوز للفرد في ذاته أن يعمم على المجموع، فمثلاً: اتفق العلماء على أن الأذان فرض كفاية، وأنه لا يجب الأذان وجوب عينٍ على كل فرد، واتفقوا على أن رفع الأذان من أي فرد واجب، إذاً رفع الأذان بوقت الصلاة متعينٌ على مجموع الأمة، ساقطٌ عن كل فردٍ فيها إذا قام به أحدهم، فإذا جئت فقلت: إن هذا واجب عليهم جميعاً، فهذا منكر، كما قال العلماء.
فالرجل يجوز له أن يباعد ما بين فترات الحمل بمانعٍ من موانع الحمل، فإذا جئت فقلت: هذا الجواز للفرد واجبٌ على المجموع، قال العلماء: هذا منكر ولا يجوز، إنما المسألة لكل فرد بقدر ظروفه وحالته، فالدعوةُ العامة إلى تحديد النسل من أنكر الدعاوى، وجريمة من أعظم الجرائم، ويتعذر هؤلاء المدعون أنه لا يوجد طعام ولا شراب، كأنهم هم الذين يرزقون الناس، لكن نحن نقول: دع الناس الذين بدون أعمال يعملون.
إذاً: المسألة فساد إداري لا كثرة أنفس، الضربات المستمرة الجائرة الظالمة لتوظيف الأموال كانت سبباً في هروب رأس المال إلى الخارج، فالمصريون كانوا يحولون كل عام أربعة مليار دولار، فتقلص هذا المبلغ كثيراً، وصاروا يودعون أموالهم في البنوك الخارجية. رجال كانوا من الأغنياء، كان معهم ستمائة ألف مليون، فصاروا يستحقون الآن أموال الزكاة بسبب ضرب شركة توظيف الأموال، وفي خلال ثلاث سنوات كان رأس مال بعض الشركات ثلاثة مليار وواحد من العشرة، أي: أن الناس كانوا يودعون كل سنة ملياراً، أين هذه الأموال؟ وهذه الصحراء ألا تحتاج إلى رأس مال؟ لماذا لا يقال للناس: اخرجوا إلى الصحراء، (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
قرأنا في جريدة الأهرام -قبل حوالي ثلاث سنوات- محنة أربعة إخوة جاءوا من سويسرا بعد خمس وعشرين سنة عمل، أول ما أعلنت الثورة الخضراء، وأن الذي يصلح أرضاً يأخذها، فذهبوا واشتروا ألف فدان، وظلوا يعملون أربع سنوات أو خمس، أنفقوا فيها تقريباً جلّ المال الذي جمعوه على مدار خمس وعشرين سنة، وبعد أن اخضرت الأرض، ذهبوا من أجل أخذ عقود التمليك، فأبوا أن يعطوهم عقود التمليك، لماذا؟ قالوا: سنبيع الأرض لكم بمبلغ وقدره كذا وكذا، لماذا تبيعونه، والصحراء مد البصر؟ يريدون أن يبيعوا لهم الأرض بعد أن أصبحت خضراء! ثم عجزوا عن أخذ عقد تمليك الأرض.
أنا عندما أكون رجل أعمال وأقرأ هذا الخبر في الجريدة الرسمية، وأنهم عجزوا عن أخذ عقد تمليك للأرض، فلا أفكر أن أضع مالي أو رأس مالي كله في أرض ثم يأخذونها مني بعد ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له).
إذاً: المسألة فساد إداري فقط، (96%) من أرض مصر صحراء، وهناك رءوس أموال ضخمة جداً، فلماذا لا يطلق للناس العنان؟ نظموها واعملوا لكل رجل ألف فدان، ويدفع رسوماً معينة كنوعٍ من المعونة للصرف على الإداريين والموظفين القائمين على المشروع، ثم تطلق يدك فيها وتدعها للناس، بعدها سنخرج من مشكلتنا، أما أننا نقلص من نسلنا، والنصارى يعطون للرجل الذي يأتي بالولد الرابع علاوة إضافية، فهذا لا يوجد عندنا، بطاقة التموين التي لا تغني ولا تسمن من جوع، لو أن أحداً لديه خمسة أولاد فإنه لا يكتب في البطاقة إلا اسم ولد واحد مع الأب والأم، مع أنهم قد جعلوا أربعاً وعشرين خانة للأولاد، من أجل تحديد النسل، ولقد صرفوا على تنظيم الأسرة الملايين، لو أحيوا بها أرضاً لأكل كل أولاد الدنيا منها، لكن كل هذا من أجل التنفير من كثرة الولد التي هي نعمة، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة) أفلا تحقق أمنية النبي عليه الصلاة والسلام؟ إذا كان هو يريد أن تكون الأمة كثيرة فمحبة له نتكاثر.
الجواب: هذا لا شيء عليه، إذا كان هو أحفظ الناس لكتاب الله تبارك وتعالى، أو هو الإمام الراتب للناس، فمن صحت صلاته لنفسه، صحت لغيره، بشرط أن يتوضأ لكل صلاة.
الجواب: هذا الكلام كله غير صحيح؛ لأننا نقول: هل لدى المدعي دليلٌ على أن عائشة كانت تصلي في الحجرة بعدما دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ؟ وهل كانت تسكن فيها؟
كل هذا كذب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر