الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الديات.
باب التغليظ في قتل مسلم ظلماً.
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير و علي بن محمد و محمد بن بشار قالوا: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ).
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل ).
حدثنا سعيد بن يحيى بن الأزهر الواسطي قال: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ).
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الرحمن بن عائذ عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لقي الله لا يشرك به شيئاً، لم يتندّ بدم حرام، دخل الجنة ).
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا مروان بن جناح عن أبي الجهم الجوزجاني عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ).
حدثنا عمرو بن رافع قال: حدثنا مروان بن معاوية قال: حدثنا يزيد بن زياد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب هل لقاتل مؤمن توبة.
حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: ( سئل ابن عباس عمن قتل مؤمناً متعمداً ثم تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال: ويحه، وأنى له الهدى؟ سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يجيء القاتل والمقتول يوم القيامة متعلق برأس صاحبه، يقول: رب سل هذا لم قتلني؟ والله لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم، ثم ما نسخها بعدما أنزلها ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أنبأنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بما سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي: (
اخرج من القرية الخبيثة التي أنت بها، إلى القرية الصالحة قرية كذا وكذا، فاعبد ربك فيها، فخرج يريد القرية الصالحة، فعرض له أجله في الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قال إبليس: أنا أولى به، إنه لم يعصني ساعة قط. قال: فقالت ملائكة الرحمة: إنه خرج تائباً ).
قال همام: فحدثني حميد الطويل عن بكر بن عبد الله عن أبي رافع رضي الله عنه قال: ( فبعث الله عز وجل ملكاً، فاختصموا إليه ثم رجعوا. فقال: انظروا أي القريتين كانت أقرب، فألحقوه بأهلها ).
قال قتادة: فحدثنا الحسن قال: ( لما حضره الموت احتفز بنفسه فقرب من القرية الصالحة، وباعد منه القرية الخبيثة، فألحقوه بأهل القرية الصالحة ).
حدثنا أبو العباس بن عبد الله بن إسماعيل البغدادي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا همام، فذكر نحوه ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من قتل له قتيل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث.
حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر (ح)
وحدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير وعبد الرحمن بن سليمان؛ جميعاً عن محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن ابن أبي العوجاء -واسمه سفيان- عن أبي شريح الخزاعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أصيب بدم أو خبل -والخبل: الجراح- فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن أراد الرابعة، فخذوا على يديه: أن يقتل أو يعفو أو يأخذ الدية، فمن فعل شيئاً من ذلك فعاد، فإن له نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ).
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل وإما أن يفدى ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من قتل عمداً فرضي بالدية.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر: ( عن زيد بن ضميرة حدثني أبي وعمي، وكانا شهدا حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، ثم جلس تحت شجرة، فقام إليه الأقرع بن حابس- وهو سيد خندف- يرد عن دم محلم بن جثامة، وقام عيينة بن حصن يطلب بدم عامر بن الأضبط وكان أشجعيا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: تقبلون الدية؟ فأبوا، فقام رجل من بني ليث يقال له مكيتل فقال: يا رسول الله! والله ما شبّهت هذا القتيل في غرة الإسلام، إلا كغنم وردت فرميت فنفر آخرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم خمسون في سفرنا، وخمسون إذا رجعنا, فقبلوا الدية ).
حدثنا محمد بن خالد الدمشقي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل عمداً دفع إلى أولياء القتيل، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وذلك ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وذلك عقل العمد، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك تشديد العقل ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب دية شبه العمد مغلظة.
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن أيوب قال: سمعت القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قتيل الخطأ شبه العمد، قتيل السوط والعصا، مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها ).
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
حدثنا عبد الله بن محمد الزهري قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جدعان أنه سمعه من القاسم بن ربيعة عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم فتح مكة، وهو على درج الكعبة، فحمد الله وأثنى عليه فقال: الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبدهن وهزم الأحزاب وحده، ألا إن قتيل الخطأ قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية ودم تحت قدمي هاتين، إلا ما كان من سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا إني قد أمضيتهما لأهلهما كما كانا ).
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن هانئ قال: حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الدية اثني عشر ألفاً ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب دية الخطأ.
حدثنا إسحاق بن منصور المروزي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أنبأنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقومها على أهل القرى أربع مائة دينار، أو عدلها من الورق، ويقومها على أزمان الإبل إذا غلت رفع في ثمنها، وإذا هانت نقص من ثمنها على نحو الزمان ما كان، فبلغ قيمتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الأربع مائة دينار إلى ثمان مائة دينار، أو عدلها من الورق ثمانية آلاف درهم، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان عقله في البقر، على أهل البقر مائتي بقرة، ومن كان عقله في الشاء، على أهل الشاء ألفي شاة ).
حدثنا عبد السلام بن عاصم قال: حدثنا الصباح بن محارب قال: حدثنا حجاج بن أرطاة قال: حدثنا زيد بن جبير عن خشف بن مالك الطائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( في دية الخطأ عشرين حقة، وعشرين جذعة، وعشرين بنت مخاض، وعشرين بنت لبون، وعشرين بني مخاض ذكور ).
حدثنا العباس بن جعفر قال: حدثنا محمد بن سنان قال: حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفاً قال: وذلك قوله: (( وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ))[التوبة: 74]. قال: بأخذهم الدية ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الدية على العاقلة فإن لم تكن له عاقلة ففي بيت المال.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا أبي عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة ).
حدثنا يحيى بن درست قال: حدثنا حماد بن زيد عن بديل بن ميسرة عن علي بن أبي طلحة عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن المقدام الشامي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه، والخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه ) ].
والدية تكون على العاقلة تيسير وتشديد، تيسير على الإنسان, وذلك ألا يتحمل ما لا يطيق, وتشديد عليه من باب الردع والتأديب, أن تكلف العاقلة وهي قرابة الإنسان وذوي أرحامه بدفع الدية, حتى يكون حرّ الدم يتحمله الأقربون من الإنسان, سواء من أهله وذويه وأرحامه وقراباته, حتى يكون له زاجراً إلا يعود إلى مثلها.
قال المصنف رحمه الله: [ باب من حال بين ولي المقتول، وبين القود أو الدية.
حدثنا محمد بن معمر قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل في عمّيّة أو عصبيّة بحجر أو سوط أو عصاً، فعليه عقل الخطأ، ومن قتل عمداً فهو قود، ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب ما لا قود فيه.
حدثنا عمار بن خالد الواسطي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن دهثم بن قران قال: حدثني نمران بن جارية عن أبيه: ( أن رجلاً ضرب رجلاً على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل، فاستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر له بالدية. فقال: يا رسول الله! إني أريد القصاص، فقال: خذ الدية، بارك الله لك فيها، ولم يقض له بالقصاص ).
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن معاذ بن محمد الأنصاري عن ابن صهبان عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا قود في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقّلة ) ].
باعتبار أن القصاص فيها ربما يجحف الإنسان ويؤذيه, وذلك إذا كان الكسر من غير مفصل, فربما تضاعف ذلك وأدى إلى إزهاق نفسه، ولكن إذا أمكن في الطب الحديث أن يكون القصاص من غير أذية, فالأصل فيها القود، فيجرى على الأصل، وإنما انتفي ذلك في الصدر الأول لعدم إمكانه, فإذا أمكن ذلك فيقال به.
قال المصنف رحمه الله: [ باب الجارح يفتدى بالقود.
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقاً، فلاجّه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا وكذا, فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا. فرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم؟ قالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا، أرضيتم؟ قالوا: لا، فهم بهم المهاجرون، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفوا فكفوا، ثم دعاهم فزادهم قال: أرضيتم؟ قالوا: نعم، قال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم, قالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أرضيتم؟ قالوا: نعم ).
قال ابن ماجه: سمعت محمد بن يحيى يقول: تفرد بهذا معمر، لا أعلم رواه غيره ].
ومما لا يقاد الوالد بولده, وهذا من المسائل التي لا خلاف فيها, وقد ذكر النووي عليه رحمة الله أن هذا اتفاق الصحابة.
قال المصنف رحمه الله: [ باب دية الجنين.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة. فقال الذي قضي عليه: أيعقل من لا أكل ولا شرب، ولا صاح ولا استهل، ومثل ذلك يطلّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا ليقول بقول شاعر، فيه غرة عبد أو أمة ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال: ( استشار عمر بن الخطاب الناس في ملاص المرأة، يعني سقطها. فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة، فقال عمر رضي الله عنه: ائتني بمن يشهد معك، فشهد معه محمد بن مسلمة رضي الله عنه ).
حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثني عمرو بن دينار أنه سمع طاوساً عن ابن عباس: ( عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نشد الناس قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، يعني في الجنين، فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وقتلت جنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أن تقتل بها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الميراث من الدية.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب: ( أن عمر رضي الله عنه كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً، حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها ).
حدثنا عبد ربه بن خالد النميري قال: حدثنا الفضيل بن سليمان قال: حدثنا موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى لـحمل بن مالك الهذلي اللحياني بميراثه من امرأته التي قتلتها امرأته الأخرى ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب دية الكافر.
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عياش عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى ) ].
وهي ثمانمائة درهم سواء كان كتابياً أو مجوسياً، ويجعلها العلماء من جهة المقدار أنها ثلثي عشر دية المسلم, وهذا على الاطراد، كلما زادت وكلما نقصت نقصت, وبهذا قضى جماعة من الصحابة كـعمر وعثمان وابن مسعود وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل حكي هذا أنه اتفاق الصحابة عليهم رضوان الله، كما حكاه العمراني في كتابه البيان، وهو من أئمة الشافعية.
قال المصنف رحمه الله: [ باب القاتل لا يرث.
حدثنا محمد بن رمح المصري قال: أخبرنا الليث بن سعد عن إسحاق بن أبي فروة عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( القاتل لا يرث ).
حدثنا أبو كريب وعبد الله بن سعيد الكندي قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب: ( أن أبا قتادة- رجل من بني مدلج- قتل ابنه، فأخذ منه عمر مائة من الإبل؛ ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، فقال: أين أخو المقتول؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس لقاتل ميراث ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب عقل المرأة على عصبتها وميراثها لولدها.
حدثنا إسحاق بن منصور قال: أنبأنا يزيد بن هارون قال: أنبأنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعقل المرأة عصبتها من كانوا، ولا يرثوا منها شيئاً إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها، وهم يقتلون قاتلها ).
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا المعلى بن أسد قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا مجالد عن الشعبي
عن جابر رضي الله عنه قال: ( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية على عاقلة القاتلة. فقالت عاقلة المقتولة: يا رسول الله! ميراثها لنا؟ قال: لا. ميراثها لزوجها وولدها ) ].
ويتفق الصحابة عليهم رضوان الله على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل, وهذا مما لا خلاف فيه عندهم، وقد حكاه غير واحد كـابن قدامة وغيره، وهذا إنما كان عليه الحكم والقضاء باعتبار أن الدية ليست عوضاً ولا بديلاً عن النفس, أما النفس فتقتل المرأة بالرجل، ويقتل الرجل بالمرأة.
فلو اجتمع مائة رجل على قتل جارية صغيرة في مهدها فيقتلون بها، ولكن لما كان المال هو عوض للورثة فإنه خفف في ذلك؛ لضعف الأثر على الورثة من جهة المال, وأما إذا أرادوا القتل فيقتل المرأة بالرجل والرجل بالمرأة أياً كانوا.
قال المصنف رحمه الله: [ باب القصاص في السن.
حدثنا محمد بن المثنى أبو موسى قال: حدثنا خالد بن الحارث و ابن أبي عدي عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: ( كسرت الربيع عمة أنس ثنية جارية، فطلبوا العفو فأبوا، فعرض عليهم الأرش فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص، فقال أنس بن النضر رضي الله عنه: يا رسول الله! تكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنس! كتاب الله القصاص, قال: فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب دية الأسنان.
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الأسنان سواء، الثنية والضرس سواء ).
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم البالسي قال: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال: حدثنا أبو حمزة المروزي قال: حدثنا يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في السن خمساً من الإبل ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب دية الأصابع.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع (ح)
وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي قالوا: حدثنا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذه وهذه سواء. يعني: الخنصر والإبهام ).
حدثنا جميل بن الحسن العتكي قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد عن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الأصابع سواء كلهن، فيهن عشر عشر من الإبل ).
حدثنا رجاء بن المرجى السمرقندي قال: حدثنا النضر بن شميل قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأصابع سواء ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الموضحة.
حدثنا جميل بن الحسن قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( في المواضح خمس خمس من الإبل ) ].
والدية لا تلزم العاقلة ولا القاتل أو الجارح دفعة واحدة, وإنما تنجم على أعوام, والصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا ينجمونها على ثلاثة أعوام، وذلك تيسيراً على العاقلة, خاصة إذا عظمت, إما أن تكون تكثر الأنفس أو كانت دية واحدة على رجل عاقلته ضعيفة, فإنه ييسر في هذا الأمر.
قال المصنف رحمه الله: [ باب من عض رجلاً فنزع يده فندر ثناياه.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عطاء عن صفوان بن عبد الله عن عميه يعلى وسلمة ابني أمية قالا: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ومعنا صاحب لنا، فاقتتل هو ورجل آخر ونحن بالطريق، قال: فعض الرجل يد صاحبه، فجذب صاحبه يده من فيه فطرح ثنيته، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس عقل ثنيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعمد أحدكم إلى أخيه فيعضه كعضاض الفحل، ثم يأتي يلتمس العقل! لا عقل لها، قال: فأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن نمير عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: ( أن رجلاً عض رجلاً على ذراعه، فنزع يده، فوقعت ثنيتاه، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطلها، وقال: يقضم أحدكم كما يقضم الفحل ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب لا يقتل مؤمن بكافر.
حدثنا علقمة بن عمرو الدارمي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن مطرف عن الشعبي: ( عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم: هل عندكم شيء من العلم ليس عند الناس؟ قال: لا والله ما عندنا إلا ما عند الناس, إلا أن يرزق الله رجلاً فهماً في القرآن، أو ما في هذه الصحيفة: فيها الديات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يقتل مسلم بكافر ).
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الرحمن بن عياش عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقتل مسلم بكافر ).
حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده ) ].
وهذا مما لا خلاف فيه، وكان يقضي به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن المسلم لا يقتل بالكافر إذا قتله, سواءً كان واحداً أو أكثر من ذلك، فلا يقتل به حداً.
وهذا موضع إجماع, وقد حكى في ذلك جماعة من العلماء إجماع أعني الصدر الأول, وإجماع الصحابة عليهم رضوان الله غير واحد كـأبي الوليد الباجي قال: واتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المسلم لا يقتل بالكافر، ولا الحر بالعبد.
ولكن لو أراد التأديب هل يقتل تعزيراً أم لا؟ قتل عثمان تعزيراً, ولكن المراد بذلك كما أسلفنا أنه لا يقتل حداً.
قال المصنف رحمه الله: [ باب لا يقتل والد بولده.
حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقتل بالولد الوالد ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يقتل الوالد بالولد ) ].
وهذا على تقدم، تقدم معنا أنه إجماع الصحابة كما نقله النووي، والوالد هو لفظ عام يدخل في ذلك الأب والأم.
قال المصنف رحمه الله: [ باب هل يقتل الحر بالعبد.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه ).
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا ابن الطباع قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن علي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ( قتل رجل عبده عمداً متعمداً، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة، ونفاه سنة، ومحا سهمه من المسلمين ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب يقتاد من القاتل كما قتل.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن همام بن يحيى عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن يهودياً رضخ رأس امرأة بين حجرين فقتلها، فرضخ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين ).
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر (ح)
وحدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا النضر بن شميل قالا: حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها، فقال لها: أقتلك فلان؟ فأشارت برأسها: أن لا، ثم سألها الثانية، فأشارت برأسها: أن لا، ثم سألها الثالثة، فأشارت برأسها: أن نعم. فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب لا قود إلا بالسيف.
حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي قال: حدثنا أبو عاصم عن سفيان عن جابر عن أبي عازب عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا قود إلا بالسيف ).
حدثنا إبراهيم بن المستمر قال: حدثنا الحر بن مالك العنبري قال: حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا قود إلا بالسيف ) ].
والأحاديث الواردة في القود بالسيف معلولة لا يصح منها شيء على سبيل الانفراد, ولكن عليها العمل, أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى, وكذلك في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ما كانوا يقتلون إلا بالسيف, إلا في مسألة القود أنه يقاد بالمثل قصاصاً, كالذي يردى من شاهق, أو يقتل بشيء معين، إلا بالحرق بالنار، فإنه لا يعذب بالنار إلى رب النار.
قال المصنف رحمه الله: [ باب لا يجني أحد على أحد.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو بن الأحوص
عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: ( ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير عن يزيد بن زياد قال: حدثنا جامع بن شداد: ( عن طارق المحاربي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه يقول: ألا لا تجني أم على ولد، ألا لا تجني أم على ولد ).
حدثنا عمرو بن رافع قال: حدثنا هشيم عن يونس عن حصين بن أبي الحر: ( عن الخشخاش العنبري قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابني فقال: لا تجني عليه، ولا يجني عليك ).
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل قال: حدثنا عمرو بن عاصم قال: حدثنا أبو العوام القطان عن محمد بن جحادة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجني نفس على أخرى ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الجبار.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا خالد بن مخلد قال: حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار ).
حدثنا عبد ربه بن خالد النميري قال: حدثنا فضيل بن سليمان قال: حدثني موسى بن عقبة قال: حدثني إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جرحها جبار ).
والعجماء: البهيمة من الأنعام وغيرها، والجبار: هو الهدر الذي لا يغرم.
حدثنا أحمد بن الأزهر قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( النار جبار ) ].
وهذا يدخل فيه كل ما لا يجني بذاته, وما يجب أن يحتاط الإنسان منه بنفسه, وذلك كالحفر, كذلك في المناجم والمعامل والآبار التي تنهار على الإنسان، والجبال التي يتدلى ويسقط منها الإنسان, وكذلك البهائم فإنها لا تدرك، وكذلك الآبار التي لا تحفر قصداً أذية في طرق المسلمين أيضاً ليس فيها شيء، فالذي يسقط في بئر أو في حفرة أو نحو ذلك, ليست في الطريق, فإنه هدر, باعتبار أن التوقي يجب أن يكون منه, ومثل هذا لا يتعمد فيه الأذى.
قال المصنف رحمه الله: [ باب القسامة.
حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا بشر بن عمر قال: سمعت مالك بن أنس قال: حدثني أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه: (
فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء ).
حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن حويصة ومحيصة ابني مسعود وعبد الله وعبد الرحمن ابني سهل خرجوا يمتارون بخيبر، فعدي على عبد الله فقتل، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تقسمون وتستحقون؟ فقالوا: يا رسول الله! كيف نقسم ولم نشهد؟ قال: فتبرئكم يهود؟ قالوا: يا رسول الله! إذاً تقتلنا. قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من مثل بعبده فهو حر.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد السلام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: ( عن سلمة بن روح بن زنباع عن جده، أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخصى غلاماً له، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم بالمثلة ).
حدثنا رجاء بن المرجى السمرقندي قال: حدثنا النضر بن شميل قال: حدثنا أبو حمزة الصيرفي قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم صارخاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك؟ قال: سيدي رآني أقبل جارية له فجب مذاكيري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليّ بالرجل. فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فأنت حرّ, قال: على من نصرتي يا رسول الله؟ قال: يقول: أرأيت إن استرقني مولاي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على كل مؤمن أو مسلم ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب أعف الناس قتلة أهل الإيمان.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن شباك عن إبراهيم عن علقمة قال: قال عبد الله رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان ).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا غندر عن شعبة عن مغيرة عن شباك عن إبراهيم عن هني بن نويرة عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب المسلمون تتكافأ دماؤهم.
حدثنا عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويرد على أقصاهم ).
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا أنس بن عياض أبو ضمرة عن عبد السلام بن أبي الجنوب عن الحسن عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون يد على من سواهم، تتكافأ دماؤهم ).
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عياش عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يد المسلمين على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويجير على المسلمين أدناهم، ويرد على المسلمين أقصاهم ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من قتل معاهداً.
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو معاوية عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً ).
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا معدي بن سليمان قال: أخبرنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين عاماً ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من أمن رجلاً على دمه فقتله.
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال: حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير: ( عن رفاعة بن شداد الفتياني قال: لولا كلمة سمعتها من عمرو بن الحمق الخزاعي لمشيت فيما بين رأس المختار وجسده، سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمن رجلاً على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة ).
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا أبو ليلى عن أبي عكاشة: ( عن رفاعة قال: دخلت على المختار في قصره، فقال: قام جبريل من عندي الساعة، فما منعني من ضرب عنقه إلا حديث سمعته من سليمان بن صرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أمنك الرجل على دمه فلا تقتله. فذاك الذي منعني منه ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب العفو عن القاتل.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ( قتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه إلى ولي المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله! والله ما أردت قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للولي: أما إنه إن كان صادقاً ثم قتلته دخلت النار. قال: فخلى سبيله. قال: وكان مكتوفاً بنسعة، فخرج يجر نسعته، فسمي ذا النسعة ).
حدثنا أبو عمير عيسى بن محمد النحاس وعيسى بن يونس والحسين بن أبي السري العسقلاني قالوا: حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: ( أتى رجل بقاتل وليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اعف، فأبى، فقال: خذ أرشاً، فأبى، قال: اذهب فاقتله فإنك مثله. قال: فلحق، فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: اقتله فإنك مثله. فخلى سبيله. قال: فرئي يجر نسعته ذاهباً إلى أهله. قال: كأنه قد كان أوثقه ).
قال أبو عمير في حديثه: قال ابن شوذب عن عبد الرحمن بن القاسم: فليس لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: ( اقتله فإنك مثله ).
قال ابن ماجه: هذا حديث الرمليين، ليس إلا عندهم ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب العفو في القصاص.
حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا حبان بن هلال قال: حدثنا عبد الله بن بكر المزني عن عطاء بن أبي ميمونة- قال: لا أعلمه إلا عن أنس بن مالك قال: ( ما رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو ).
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال: قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من رجل يصاب بشيء من جسده، فيتصدق به، إلا رفعه الله به درجة، أو حط عنه به خطيئة. سمعته أذناي، ووعاه قلبي ) ].
ولا يجوز أن يعلق القصاص بلا أمد معلوم طلباً للعفو, والواجب في ذلك أن يجعل في هذا أجلاً معلوماً قريباً؛ حتى لا تهدر الحقوق ويضيع العدل، ويطلب العفو مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو نحو ذلك, ويجعل في هذا أمد يسير التماساً للعفو وإلا يقام الحد.
وتأجيل إقامة الحد بغير أمد ظلم وبغي، وإنزال لعقوبتين لم يشرعها الله سبحانه وتعالى, فالله شرع في ذلك إما العفو وإما القصاص, ولم يشرع الله سبحانه وتعالى إبقاء الإنسان بعد إنفاذ حكم الله جل وعلا وقضائه فيه، فيرجى في ذلك العفو.
كذلك من الأمور المهمة في مسائل القصاص: أن كثيراً ما يطلب العفو بسيف الحياء, ويشدّ في ذلك حتى يؤذى أولياء المقتول, حتى يعفوا كرهاً, وذلك كما يفعل بعض القبائل ببعضهم، يحاط إليهم, ويؤذون بالمبيت عند بيوتهم, وتسورهم, وكذلك إكراههم ليلاً ونهاراً, حتى لا يقر لهم قرار، وربما ارتحلوا من دارهم ونحو ذلك، هذه أذية لا رجاء عفو, وهو ضرب من ضروب الإكراه، ومن الخطأ أن يقوم منسوبون إلى العلم وذوو الجاه والسلطة بهذا، وإنما يطلب الرجل ويذكر بفضل العفو، وجلالة قدره، وحسن عاقبته عند الله, وما عدا ذلك فيترك الأمر إليه, ثم يقام حكم الله سبحانه وتعالى في الناس.
قال المصنف رحمه الله: [ باب الحامل يجب عليها القود.
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو صالح عن ابن لهيعة عن ابن أنعم عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثنا معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المرأة إذا قتلت عمداً لا تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملاً، وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها، وحتى تكفل ولدها ) ].
نقف على هذا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر